الكتب الإسلامية

مجموعة الكتب والمقالات الإسلاية والفقه علي المذاهب الأربعة

recent

آخر الأخبار

recent
جاري التحميل ...

تفسير سورة طه الأنبياء الحج المؤمنون النور الفرقان الشعراء تفسير الإمام الشافعي لـ أحمد مصطفي الفران

تفسير سورة طه  الأنبياء الحج المؤمنون النور الفرقان الشعراء تفسير الإمام الشافعي لـ أحمد مصطفي الفران

 اسم الكتاب ـ تفسير الإمام الشافعي المجلد الثالث
المؤلف: الإمام الشافعي؛ محمد بن إدريس بن العباس بن عثمان ابن شافع الهاشمي القرشي المطلبي، أبو عبد الله
المحقق: أحمد مصطفى الفران
حالة الفهرسة: مفهرس فهرسة كاملة
الموضوع: تفسير أيات الأحكام، تفسير موضوعي، تفسير فقهي
سنة النشر: 1427 - 2006
عدد المجلدات: 3
رقم الطبعة: 1
عدد الصفحات: 1529
نبذة عن الكتاب: - أصل هذا الكتاب رسالة دكتوراة من جامعة القرآن الكريم والدراسات الإسلامية بالخرطوم - تم دمج المجلدات في ملف واحد للتسلسل تاريخ إضافته: 04 / 11 / 2008


 فهرست الموضوعات 

  1.  سورة مريم
    1.     قال الله عز وجل: (يا زكريا إنا نبشرك بغلام اسمه يحيى لم نجعل له من قبل سميا (٧)
    2.     قال الله عز وجل: (آيتك ألا تكلم الناس ثلاث ليال سويا (١٠) فخرج على قومه من المحراب فأوحى إليهم أن سبحوا بكرة وعشيا (١١)
    3.     قال الله عز وجل: (واذكر في الكتاب إبراهيم إنه كان صديقا نبيا (٤١) إذ قال لأبيه يا أبت لم تعبد ما لا يسمع ولا يبصر ولا يغني عنك شيئا (٤٢)
    4.     قال الله عز وجل: (واذكر في الكتاب إسماعيل إنه كان صادق الوعد وكان رسولا نبيا (٥٤)
  2. سورة طه
    1.     قال الله عز وجل: (الرحمن على العرش استوى (٥)
    2.     قال الله عز وجل: (يعلم السر وأخفى (٧)
    3.     قال الله عز وجل: (وأقم الصلاة لذكري (١٤)
    4.     قال الله عز وجل: (لتجزى كل نفس بما تسعى (١٥)
    5.     قال الله عز وجل: (واحلل عقدة من لساني (٢٧) يفقهوا قولي (٢٨)
  3. سورة الأنبياء
    1.     قال الله عز وجل: (وكم قصمنا من قرية كانت ظالمة وأنشأنا بعدها قوما آخرين (١١) فلما أحسوا بأسنا إذا هم منها يركضون (١٢)
    2.     قال الله عز وجل: (لا يسأل عما يفعل وهم يسألون (٢٣)
    3.     قال الله عز وجل: (وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين (٤٧)
    4.     قال الله عز وجل: (ما هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون (٥٢)
    5.     قال الله عز وجل: (وتالله لأكيدن أصنامكم بعد أن تولوا مدبرين (٥٧)
    6.     قال الله عز وجل: (وداوود وسليمان إذ يحكمان في الحرث إذ نفشت فيه غنم القوم وكنا لحكمهم شاهدين (٧٨) ففهمناها سليمان وكلا آتينا حكما وعلما)
    7.     قال الله عز وجل: (وعلمناه صنعة لبوس لكم لتحصنكم من بأسكم فهل أنتم شاكرون (٨٠)
    8.     قال الله عز وجل: (وآتيناه أهله ومثلهم معهم)
    9.     قال الله عز وجل: (إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون (١٠١)
    10.     قال الله عز وجل: (ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون (١٠٥)
  4. سورة الحج
    1.     قال الله عز وجل: (والمسجد الحرام الذي جعلناه للناس سواء العاكف فيه والباد)
    2.     قال الله عز وجل: (وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالا وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق (٢٧)
    3.     قال الله عز وجل: (ويذكروا اسم الله في أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير (٢٨)
    4.     قال الله عز وجل: (ثم ليقضوا تفثهم وليوفوا نذورهم وليطوفوا بالبيت العتيق (٢٩)
    5.     قال الله عز وجل: (ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب (٣٢)
    6.     قال الله عز وجل: (ثم محلها إلى البيت العتيق (٣٣)
    7.     قال الله عز وجل: (والبدن جعلناها لكم من شعائر الله لكم فيها خير)
    8.     قال الله - عز وجل -: (أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير (٣٩) الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق)
    9.     قال الله عز وجل: (يا أيها الناس ضرب مثل فاستمعوا له إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذبابا ولو اجتمعوا له)
    10.     قال الله عز وجل: (يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا واعبدوا ربكم وافعلوا الخير لعلكم تفلحون (٧٧)
    11.     قال الله عز وجل: (وجاهدوا في الله حق جهاده)
  5. سورة المؤمنون
    1.     قال الله عز وجل: (قد أفلح المؤمنون (١) الذين هم في صلاتهم خاشعون (٢) والذين هم عن اللغو معرضون (٣) والذين هم للزكاة فاعلون (٤)
    2.     قال الله عز وجل: (والذين هم لفروجهم حافظون (٥) إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين (٦)
    3.     قال الله عز وجل: (ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه)
  6. سورة النور
    1.     قال الله عز وجل: (الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر وليشهد عذابهما طائفة م
    2.     قال الله عز وجل: (الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك وحرم ذلك على المؤمنين (٣)
    3.     قال الله عز وجل: (والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة)
    4.     قال الله عز وجل: (والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم فشهادة أحدهم أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين (٦)
    5.     قال الله عز وجل: (لولا جاءوا عليه بأربعة شهداء فإذ لم يأتوا بالشهداء فأولئك عند الله هم الكاذبون (١٣)
    6.     قال الله عز وجل: (قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم)
    7.     قال الله عز وجل: (وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله والله واسع عليم (٣٢)
    8.     قال الله عز وجل: (والذين يبتغون الكتاب مما ملكت أيمانكم فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا وآتوهم من مال الله الذي آتاكم)
    9.     قال الله عز وجل: (ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور (٤٠)
    10.     قال الله عز وجل: (وإذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم إذا فريق منهم معرضون (٤٨) وإن يكن لهم الحق يأتوا إليه مذعنين (٤٩)
    11.     قال الله عز وجل: (فإن تولوا فإنما عليه ما حمل وعليكم ما حملتم وإن تطيعوه تهتدوا)
    12.     قال الله عز وجل: (وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وأطيعوا الرسول لعلكم ترحمون (٥٦)
    13.     قال الله عز وجل: (وإذا بلغ الأطفال منكم الحلم فليستأذنوا كما استأذن الذين من قبلهم كذلك يبين الله لكم آياته والله عليم حكيم (٥٩)
    14.     قال الله عز وجل (والقواعد من النساء اللاتي لا يرجون نكاحا فليس عليهن جناح أن يضعن ثيابهن غير متبرجات بزينة وأن يستعففن خير لهن والله سميع عليم (٦٠)
    15.     قال الله عز وجل: (ليس على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج ولا على المريض حرج ولا على أنفسكم أن تأكلوا من بيوتكم)
    16.     قال الله عز وجل: (إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله وإذا كانوا معه على أمر جامع لم يذهبوا حتى يستأذنوه)
    17.     قال الله عز وجل: (لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا)
  7. سورة الفرقان
    1.         -قال الله عز وجل: (تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا (١)
    2.         -قال الله عز وجل: (وأنزلنا من السماء ماء طهورا (٤٨)
    3.         -قال الله عز وجل: (فجعله نسبا وصهرا)
    4.         -قال الله عز وجل: (وتوكل على الحي الذي لا يموت وسبح بحمده وكفى به بذنوب عباده خبيرا (٥٨)
    5.         -قال الله عز وجل: (والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاما (٦٨) يضاعف له العذاب يوم القيامة
    6.         -قال الله عز وجل: (والذين لا يشهدون الزور وإذا مروا باللغو مروا كراما (٧٢)
  8. سورة الشعراء
    1.         -قال الله عز وجل: (واتل عليهم نبأ إبراهيم (٦٩) إذ قال لأبيه وقومه ما تعبدون (٧٠) قالوا نعبد أصناما فنظل لها عاكفين (٧١) قال هل يسمعونكم إذ تدعون (٧٢)
    2.         -قال الله عز وجل: (كذبت قوم لوط المرسلين (١٦٠) إذ قال لهم أخوهم لوط ألا تتقون (١٦١) إني لكم رسول أمين (١٦٢) فاتقوا الله وأطيعون (١٦٣)
    3.         -قال الله عز وجل: (وإنه لتنزيل رب العالمين (١٩٢) نزل به الروح الأمين (١٩٣) على قلبك لتكون من المنذرين (١٩٤) بلسان عربي مبين (١٩٥)
    4.         -قال الله عز وجل: (وإنه لفي زبر الأولين (١٩٦)
    5.         -قال الله عز وجل: (وأنذر عشيرتك الأقربين (٢١٤)
  9. المجلد الأول من كتاب تفسير الإمام الشافعي لـ أحمد مصطفي الفران
  10. المجلد الثاني من كتاب تفسير الإمام الشافعي لـ أحمد مصطفي الفران
 
 
 سورة مريم
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قال الله ﷿: (يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا (٧)
أحكام القرآن: ما يؤثر عنه - الشَّافِعِي - في التفسير في آيات متفرقة سوى ما نص)
قال الشَّافِعِي ﵀: فأخبر اللَّه جل ثناؤه: أن كل آدمى مخلوق من ذكر
وأنثى؛ وسمى الذكر، أبًا، والأنثى: أمًّا، ونبَّه أن ما نسب من الولد إلى أبيه نِعمة من نعمه، وقال: (يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَى) الآية.
* * *
قال الله ﷿: (آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَ لَيَالٍ سَوِيًّا (١٠) فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرَابِ فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا (١١)
مختصر المزنى: باب (جامع الأيمان الثاني):
قال الشَّافِعِي ﵀: ولو حلف لا يكلم رجلًا، ثم سلم على قوم
والمحلوف عليه فيهم، لم يحنث إلا أن ينويه، ولو كتب إليه كتابًا، أو أرسل إليه رسولًا، فالورع أن يحنث، ولا يبين ذلك؛ لأن الرسول والكتاب غير الكلام.
 
٣ ‏/ ١٠٦٠
 
قال المزني ﵀: هذا عندي به، وبالحق أولى، قال اللَّه جل ثناؤه:
(آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَ لَيَالٍ سَوِيًّا (١٠) فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرَابِ فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا (١١) .
فأفهمهم ما يقوم مقام الكلام، ولم يتكلم.
وقد احتج الشَّافِعِي ﵀، بأن الهجرة محرمة فوق ثلاث، فلو كتب أو
أرسل إليه، وهو يقدر على كلامه، لم يخرجه هذا من الهجرة التي يأثم بها.
قال المزني ﵀: فلو كان الكتاب كلامًا لخرج به من الهجرة، فتفَهَّم.
* * *
قال الله ﷿: (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا (٤١) إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا (٤٢)
الأم: باب (الولاء والحِلْف)
أخبرنا الربيع بن سليمان قال:
أخبرنا محمد بن إدريس الشَّافِعِي ﵀ قال: أمر اللَّه ﵎ أن
يُنسب من كان له نسب من الناس نسبين: من كان له أب أن ينسب إلى أبيه، ومن لم يكن له أب فلينسب إلى مواليه، وقد يكون ذا أب وله موالٍ، فينسب إلى أبيه ومواليه، وأولى نسَبَيه أن يبدأ به أبوه، وأمر أن ينسبوا إلى الإخوة في الدين مع الولاء، وكذلك ينسبون إليها مع النسب.
والإخوة في الدين ليست بنسب، إنما هي صفة تفع على المرء بدخوله في
الدين، ويخرج منها بخروجه منه.
 
٣ ‏/ ١٠٦١
 
والنسب إلى الولاء والآباء إذا ثبت لم يُزِلْه المولى من فوق، ولا من أسفل.
ولا أب، ولا الولد.
والنسب: اسم جامع لمعان مختلفة فينسب الرجل إلى العلم، وإلى الجهل.
وإلى الصناعة، وإلى التجارة، وهذا كله نسب مستحدث من فعل صاحبه، وتركه الفعل، وكان منهم صنف ثالث لا آباء لهم يعرفون، ولا ولاء فنسبوا إلى عبودية اللَّه وإلى أديانهم وصناعاتهم، وأصل ما قلت من هذا في كتاب الله ﷿، وسنة نبيه ﷺ، وما أجمع عليه عوام أهل العلم،. ..
وقال اللَّه ﷿: (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا (٤١) إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا (٤٢) .
* * *
قال الله ﷿: (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا (٥٤)
الأم: كتاب الجزية:
قال الشَّافِعِي ﵀: وذكَرَ - اللَّه تعالى - إسماعيل بن إبراهيم فقال عز
ذكره: (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا (٥٤) .
 
٣ ‏/ ١٠٦٢
 
سورة طه
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قال الله ﷿: (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى (٥)
مناقب الشافعى: باب (ما يستدل به على معرفة الشَّافِعِي بأصول الكلام وصحه اعتقاده فيها):
قال الشَّافِعِي ﵀: ثم معنى قوله في الكتاب: (مَن فِى السمَآءِ)
مَنْ فوق السماء على العرش، كما قال: (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى) الآية، وكل ما علا فهو سماء والعرش أعلا السماوات، فهو على
العرش ﷾ كما أخبر بلا كيف، بائن من خلقه، غير مماس من خلقه: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) .
* * *
قال الله ﷿: (يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى (٧)
الأم: باب (إبطال الاستحسان):
قال الشَّافِعِي ﵀: إن الله ﷿ حكم على عباده حكمين:
 
٣ ‏/ ١٠٦٣
 
١ - حكمًا فيما بينهم وبينه، - وحكمًا فيما بينهم في دنياهم، فحكم
على عباده فيما بينهم وبينه - أن أثابهم وعاقبهم على ما أسروا، كما فعل بهم فيما أعلنوا، وأعلمهم إقامة للحجة عليهم، وبينها لهم أنه عَلِم سرائرهم وعلم علانيتهم، فقال: (يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى) الآية، وقال: (يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ (١٩) . الآية.
وخلقه لا يعلمون إلا ما شاء ﷿، وحجب
علم السرائر عن عباده.
٢ - وبعث فيهم رسلًا، فقاموا باحكامه على خلقه، وأبان لرسله وخلقه -
أن - أحكام خلقه في الدنيا على ما أظهروا.
* * *
قال الله ﷿: (وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي (١٤)
الأم: باب (الساعات التي تكره فيها الصلاة):
قال الشَّافِعِي ﵀: فإن الله ﷿ يقول: (وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي)
وأمرُه ﷺ «أن لا يمنع أحد طاف بالبيت، وصلى أي ساعة شاء. .»
الحديث - بمعناه -، وصلى المسلمون على جنائزهم بعد الصبح والعصر.
 
٣ ‏/ ١٠٦٤
 
قال الشَّافِعِي ﵀: وفيما روت أم سلمة من: «أن النبي ﷺ، صلى في بينها ركعتين بعد العصر، كان يصليها بعد الظهر فَشُغِل عنهما بالوفد، فصلاهما بعد العصر..» الحديث - بمعناه -.
الرسالة: النهي عن معنى يشبه الذي قبله في شيء ويفارقه في شيء غيره
قال الشَّافِعِي ﵀: أخبرنا مالك، عن ابن شهاب، عن ابن المسيب، أن
رسول اللَّه ﷺ قال: «من نسي صلاة فليصلها إذا ذكرها، فإن الله يقول: (وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي)» الحديث.
وحدَّث أنس بن مالك، وعمران بن حصين عن النبي ﷺ: مثل معنى حديث ابن المسيب وزاد أحدهما:
«أو نام عنها» الحديث.
قال الشَّافِعِي ﵀: فقال رسول الله ﷺ: «فليصلها إذا ذكرها»
فجعل ذلك وقتًا لها، وأخبر به عن الله ﵎، ولم يستثني وقتًا من الأوقات يدعها فيه بعد ذكرها.
أخبرنا ابن عيينة، عن أبي الزبير، عن عبد اللَّه بن باباه، عن جبير بن
مطعم، أن النبي ﷺ قال:
"يا بني عبد مناف، من ولي منكم من أمر الناس شيئًا
 
٣ ‏/ ١٠٦٥
 
فلا يمنعن أحدًا طاف بهذا البيت وصلَّى، أي ساعة شاء، من ليل أو نهار»
الحديث.
أخبرنا عبد المجيد، عن ابن جريج، عن عطاء، عن النبي ﷺ: مثل معناه، وزاد فيه: «يا بنى عبد المطلب، يا بنى عبد مناف»
ثم ساق الحديث.
قال الشَّافِعِي ﵀: فأخبر جبير عن النبي ﷺ أنه أمر بإباحة الطواف بالبيت، والصلاة له في أي ساعة ما شاء الطائف والمصلِّي.
وهذا يبين أنه إنَّما نهى عن المواقيت التي نهى عنها، عن الصلاة التي لا تلزم
بوجه من الوجوه، فأما ما لزم فلم ينه عنه، بل أباحه ﷺ.
وصلى المسلمون على جنائزهم عامة بعد العصر والصبح؛ لأنها لازمة.
وقد ذهب بعض أصحابنا إلى أن عمر بن الخطاب ﵁ طاف بعد الصبح، ثم نظر فلم يَرَى الشمس طلعت، فركب حتى أتى ذا طِوَى وطلعت الشمس، فأناخ فصلى، فنهى عن الصلاة للطواف بعد العصر وبعد الصبح كما نهى عما لا يلزم من الصلاة.
 
٣ ‏/ ١٠٦٦
 
قال الشَّافِعِي ﵀: فإذا كان بعمر ﵁ أن يؤخر الصلاة للطواف، فإنما تركها لأن ذلك له؛ ولأنه لو أراد منزلًا بذي طوى لحاجة كان واسعًا إن شاء الله، ولكن سمع النهي جملة عن الصلاة، وضرب (المنكدر) عليها بالمدينة بعد العصر، ولم يسمع ما يدل على أنه إنما نهى عنها للمعنى الذي وصفنا، فكان يجب عليه ما فعل.
ويجب على من علم المعنى الذي نهى عنه، والمعنى الذي أبيحت فيه، أن
إباحتها بالمعنى الذي أباحها فيه خلاف المعنى الذي نهى فيه عنها، كما وصفتُ
مما روى علي ﵁ عن النبي ﷺ من النهي عن إمساك لحوم الضحايا بعد ثلاث، إذا سمع النهي، ولم يسمع سبب النهي.
قال الشَّافِعِي ﵀: فإن قال قائل: فقد صنع أبو سعيد الخدري ﵁، كما صنع عمر ﵁؟
قلنا: والجواب فيه كالجواب في غيره.
قال: فإن قال قائل: فهل من أحد صنع خلاف ما صنعا؟
قيل: نعم، ابن عمر، وابن عباس، وعائشة، والحسن، والحسين، وغيرهم ﵃ أجمعين، وقد سمع ابن عمر النهي من النبي ﷺ.
أخبرنا ابن عيينه، عن عمرو بن دينار قال:
«رأيت أنا وعطاء بن رباح، ابن عمر ﵄ طاف بعد الصبح، وصلى قبل أن تطلع الشمس» الحديث.
قال الشَّافِعِي ﵀: أخبرنا سفيان، عن عمار الدُّهني عن أبي شعبة:
أن الحسن والحسين طافا بعد العصر وصليا.
أخبرنا مسلم، وعبد المجيد،
 
٣ ‏/ ١٠٦٧
 
عن ابن جريج، عن ابن أبي مليكة، قال: رأيت ابن عباس ﵄ طاف بعد العصر وصلَّى.
قال الشَّافِعِي ﵀: وإنَّما ذكرنا تفرق أصحاب رسول الله ﷺ في هذا ليستدل مَن عَلِمَه على أن تفرقهم فيما لرسول الله فيه سنة، لا يكون إلا على هذا المعنى، أو على أن لا تبلغ السنة من قال خلافها منهم، أو تأويلِ تحتمله السنة، أو ما أشبه ذلك مما قد يرى قائله له فيه عذرًا - إن شاء الله -، وإذا ثبت عن رسول الله ﷺ الشيء فهو اللازم لجميع من عرفه، لا يقويه ولا يوهنه شيء غيره، بل
الفرض الذي على الناس اتباعه، ولم يجعل الله لأحد معه أمرًا يخالف أمره.
* * *
قال الله ﷿: (لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى (١٥)
مختصر المزني: باب (البكاء على الميت):
قال الشَّافِعِي ﵀: وأرخص الله تعالى في البكاء بلا ندب ولا نياحه.
لما في النوح من تجديد الحزن، ومنع الصبر، وعظيم الإثم.
وروي عن عمر ﵁ أنه قال: قال رسول الله ﷺ:
«إن الميت ليعذب ببكاء أهله عليه»
وذكر ذلك ابن عباس لعائشة ﵄، فقالت: رحم الله
عمر، والله ما حدَّث رسول الله ﷺ:
«ان الله ليعذب الميت ببكاء أهله عليه ولكن قال:
»إن الله يزيد الكافر عذابًا ببكاء أهله عليه" الحديث.
 
٣ ‏/ ١٠٦٨
 
وقالت عائشة ﵂: حسبكم القرآن (أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى (٣٨) .
وقال ابن عباس عند ذلك: الله (أَضْحَكَ وَأَبْكَى) الآية.
قال الشَّافِعِي ﵀: ما روت عائشة ﵂، عن النبي ﷺ أشبه بدلالة الكتاب والسنة قال اللَّه ﷿:
(أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى) الآية.
وقال: (لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى) الآية.
وقال ﵊ لرجل في ابنه:
«إنه لا يجنى عليك ولا تجنى عليه» الحديث.
وما زيد في عذاب الكافر فباستيجابه له، لا بذنب غيره.
* * *
قال الله ﷿: (وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي (٢٧) يَفْقَهُوا قَوْلِي (٢٨)
أحكام القرآن: ما يؤثر عنه - الشَّافِعِي - في التفسير في آيات متفرقةً سوى ما مضى:
أخبرنا أبو عبد الرحمن السُّلَّمي قال: سمعت أبا الحسن بن مُقَسِّم (ببغداد)
يقول: سمعت أحمد بن علي بن سعيد البزار يقول: سمعت أبا ثور يقول:
 
٣ ‏/ ١٠٦٩
 
سمعت الشَّافِعِي ﵀ بقول: الفصاحة إذا استعملتها في الطاعة أشفى
وأكفى في البيان، وأبلغ في الإعذار، لذلك دعا موسى ربه فقال: (وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي (٢٧) يَفْقَهُوا قَوْلِي (٢٨) .
لما علم أن الفصاحة أبلغُ في البيان.
 
٣ ‏/ ١٠٧٠
 
سورة الأنبياء
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قال الله ﷿: (وَكَمْ قَصَمْنَا مِنْ قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً وَأَنْشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْمًا آخَرِينَ (١١) فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنَا إِذَا هُمْ مِنْهَا يَرْكُضُونَ (١٢)
الرسالة: باب (الصنف الذي يُبَينُ سياقُه معناه):
قال الشَّافِعِي ﵀: وقال اللَّه تعالى: (وَكَمْ قَصَمْنَا مِنْ قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً وَأَنْشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْمًا آخَرِينَ (١١) فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنَا إِذَا هُمْ مِنْهَا يَرْكُضُونَ) .
وهذه الآية في مثل معنى الآية قبلها، فذكر قصم القرية، فلما ذكر أنها
ظالمة، بأن للسامع أن الظالم إنما هم أهلها، دون منازلها التي لا تظلِم، ولما ذكر القوم المنشئين بعدها، وذكر إحساسهم البأس عند القصم، أحاط العلم أنه إنما أحس البأس من يعرف البأس من الآدميين.
* * *
قال الله ﷿: (لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ (٢٣)
الرسالة: باب (البيان الرابع):
قال الشَّافِعِي ﵀: فيجمع القبول لما في كتاب اللَّه، ولسنة رسول اللَّه ﷺ: القبول لكل واحد منهما عن اللَّه، وإن تفرقت فروع الأسباب التي قُبِلَ بها
 
٣ ‏/ ١٠٧١
 
عنهما، كما أحل وحرّم، وفرض وَحَدَّ، بأسباب متفرقة، كما شاء جل ثناءه:
(لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ) .
أحكام القرآن: ما يؤثر عنه - الشَّافِعِي - في الزكاة:
أخبرنا أبو سعيد، أخبرنا أبو العباس، أخبرنا الربيع قال:
قال الشَّافِعِي ﵀: الناس عبيد الله جل ثناؤه، فملَّكهم ما شاء أن
يملكهم، وفرض عليهم فيما ملكهم ما شاء: (لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ) الآية، فكان فيما آتاهم، أكثر مما جعل عليهم فيه، وكل أنعم به
عليهم جل ثناؤه، وكان - فيما فرض عليهم، فيما ملكهم - زكاة.
* * *
قال الله ﷿: (وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ (٤٧)
الأم: الإقرار بالشيء غير الموصوف
قال الشَّافِعِي ﵀: وإذا قال الرجل لفلان على مال، أو عندي، أو في
يدي، أو قد استهلكت مالًا عظيمًا، أو قال عظيمًا جدًا، أو عظيمًا عظيمًا، فكل هذا سواء، ويسأل ما أراد؟
فإن قال: أردت دينارًا أو درهمًا، أو أقل من درهم
مما يقع عليه اسم مال عرض أو غيره، فالقول قوله مع يمينه.
وكذلك إن قال: مالًا صغيرًا، أو صغيرًا جدًا، أو صغيرًا صغيرًا، من قبل أن جميع ما في الدنيا من متاعها
 
٣ ‏/ ١٠٧٢
 
يقع عليه قليل - في الآخرة - قال الله ﵎: (فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ) . الآية.
وقليل ما فيها يقع عليه عظيم الثواب والعقاب، قال اللَّه ﷿: (وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ) الآية.
وكل ما أثيب عليه وعُذِّب يقع عليه اسم كثير.
* * *
قال الله ﷿: (مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ (٥٢)
أحكام القرآن: ما يؤثر عنه - الشَّافِعِي - في الصيام:
قال البيهقي: وقرأت في كتاب حرملة - فيما روى:
عن الشَّافِعِي ﵀: أنه قال: جماع العُكُوف: ما لزمه المرء.
فحبس عليه نفسه، من شيء (برًا كان أو مأثمًا) فهو عاكف.
واحتج بقوله ﷿ حكاية عمن رضي قوله: (مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ) الآية.
* * *
قال الله ﷿: (وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ (٥٧)
مختصر المزني: مختصر الأيمان والنذور وما دخل فيهما. . .:
قال الشَّافِعِي ﵀: ولو قال بالله، أو تالله، فهي يمين، نوى أو لم ينو.
وقال في الإملاء: تالله يمين. وقال في القسامة: ليست بيمين.
 
٣ ‏/ ١٠٧٣
 
قال المزني ﵀: وقد حكى الله ﷿ يمين إبراهيم ﵇: (وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ) الآية.
* * *
قال الله ﷿: (وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ (٧٨) فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا)
الأم: باب (في اجتهاد الحاكم):
قال الشَّافِعِي ﵀: قال اللَّه ﵎: (وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ (٧٨) فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا) الآيتان.
قال الحسن بن أبي الحسن: لولا هذه الآية لرأيت أن الحكام قد هلكوا.
ولكن اللَّه حمد هذا لصوابه، وأثنى على هذا باجتهاده.
 
٣ ‏/ ١٠٧٤
 
قال الله ﷿: (وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنْتُمْ شَاكِرُونَ (٨٠)
الرسالة: باب (فرض الصلاة الذي دلَّ الكتاب ثم السنة على من تزول عنه
بالعذر):
قال الشَّافِعِي ﵀: فإن قال قائل: أراك توقع الإحصان على معانٍ
مختلفة؟
قيل: نعم، جماع الإحصان: أن يكون دون التحصين مانع من تناول
المحرم.
فالإسلام مانع، وكذلك الحرية مانعة، وكذلك الزوج والإصابة مانع.
وكذلك الحبس في البيوت مانع، وكل ما مَنَعَ أحصَن، قال الله:
(وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ) الآية.
* * *
قال الله ﷿: (وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ)
الإحياء::
وروي أن عبد القاهر بن عبد العزيز كان رجلًا صالحًا، ورعًا، وكان يسأل
الشَّافِعِي ﵀ عن مسائل في الورع، والشَّافِعِي ﵀ يقبل عليه لورعه،
 
٣ ‏/ ١٠٧٥
 
وقال للشافعي ﵀ يومًا: أي أفضل الصبر أو المحنة، أو التمكين؟
فقال الشَّافِعِي ﵀: التمكين درجة الأنبياء، ولا يكون التمكين إلا بعد المحنة، فإذا امتحن صبر، وإذا صبر مُكِّن، ألا ترى أن الله ﷿ امتحن إبراهيم ﵇ ثم مَكنه، وامتحن موسى ﵇ ثم مَكنه، وامتحن أيوب ﵇ ثم مَكنه، وامتحن سليمان ﵇ ثم مَكنه وآتاه ملكًا، والتمكين أفضل الدرجات.
قال الله ﷿: (وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ)
وأيوب ﵇ بعد المحنة العظيمة مُكن، قال الله تعالى: (وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ) الآية.
قال الغزالي ﵀ فهذا الكلام من الشَّافِعِي ﵀ يدل على تبحره
في أسرار القرآن، واطلاعه على مقامات السائرين إلى الله تعالى من الأنبياء
والأولياء.
* * *
قال الله ﷿: (إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ (١٠١)
الرسالة: باب (بيان ما نزل من الكتاب عام الظاهر يراد به كله الخاص)
قال الشَّافِعِي ﵀: وقال الله جل ثناؤه: (وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ) الآية، فدل كتاب اللَّه على أنه إنَّما وقودها بعض الناس، لقوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ) .
 
٣ ‏/ ١٠٧٦
 
قال الله ﷿: (وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ (١٠٥)
الأم: الخلاف فيمن تؤخذ منه الجزية ومن لا تؤخذ:
قال الشَّافِعِي ﵀: فالتوراة كتاب موسى ﵇، والإنجيل
كتاب عيسى ﵇، والصحف كتاب إبراهيم ﵇، ما لم تعرفه العامة من العرب، حتى أنزل اللَّه ﷿: (وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ) .
 
٣ ‏/ ١٠٧٧
 
سورة الحج
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قال الله ﷿: (وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ)
مناقب الشافعى: باب (ما جاء في حسن مناظرة الشَّافِعِي وغلبته بالعلم والبيان كل من ناظره):
أخبرنا أبو عبد اللَّه الحافظ قال: سمعت أبا الفضل (الحسن بن يعقوب)
يقول: سمعت أبا أحمد (محمد بن رَوح) بقول: سمعت أبا إسماعيل الترمذي
يقول: سمعت إسحاق بن إبراهيم يقول: كنا بمكة، والشَّافِعِي بها، وأحمد بن
حنبل رحمهما اللَّه.
قال: وكان أحمد يجالس الشافعى، وكنت لا أجالسه، فقال لي أحمد، يا أبا
يعقوب مُرَّ جالِسْ هذا الرجل.
فقلت: ما أصنع به؟
سِنُّه قريب من سننا، أترك ابن عيينة، والمقبُري وهؤلاء المشايخ؟!
فقال أحمد ويحك، إن هذا يفوت، وذاك لا يفوت.
قال: فجالسته فتناظرنا في كراء بيوت مكة، وكان الشَّافِعِي يساهل فيه.
وكنت لا أساهل فيه، فذكر حديثًا، وأخذت أنا في الباب أسرد عليه وهو
ساكت، فلما أن فرغت، وكان معي رجل من أهل (مرو) فالتفت إليه فقلت -
 
٣ ‏/ ١٠٧٨
 
بالفارسية -: (مردك لا كما لا نيست) (١) فعلم أني راطنت صاحبي: بشيء هجنْتُه فيه، فقال: تناظر؛ فقلت للمناظرة جئتُ.
قال اللَّه ﷿: (الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ) الآية.
نسب الديار إلى مالكيها، أو إلى غير مالكيها؟
قال: وقال النبي ﷺ، يوم فتح مكة: «من أغلق بابه فهو آمن، ومن دخل دار أبي سفيان فهو آمن»
فنسب الديار إلى أربابها أم إلى غير أربابها؟
قال: واشترى عمر بن الخطاب ﵁: (دار السجن) من مالك غير مالك؟
قال: قلت من مالك.
قال: فلما عرفت أني قد أفحمت قُمتُ.
قال: وقال غير أبي إسماعيل في هذه الحكاية: فقال له الشَّافِعِي: لو قلت
قولك احتجت أن أُسِلسَل.
قال البيهقي ﵀: وقد ذكرنا حكاية مناظرتهما في كتاب (المعرفة) أتم
من هذا، وفيها من الزيادة: احتجاج الشَّافِعِي بقول النبي ﷺ: «وهل ترك لنا عقيل من دار؛» الحديث.
ثم معارضة إسحاق إياه بقول التابعين.
قال الشَّافِعِي رحمه للُه: من هذا؟
قيل: إسحاق بن إبراهيم الحنظلي: فقال له
الشَّافِعِي: أنت الذي يزعم أهل خراسان أنك فقيههم؟
قال إسحاق: هكذا يزعمون.
قال الشَّافِعِي ﵀: ما أحوجني أن يكون غيرك في موضعك، فكنت
آمر بعرك أذنيه.
(١) مرد: هو الرجل الصغير والحقير، و(ما لان) أو (كما لان): قرية بمرو ينسب إلى أهلها الغفلة، انظر آداب الشَّافِعِي ومناقبه / للرازي، ص / ١٨٠) الهامش) رقم / ٢، والمقصود: أنه نسب الشَّافِعِي إلى الصغار والغفلة واللَّه أعلم.
 
٣ ‏/ ١٠٧٩
 
أنا أقول: قال رسول الله ﷺ، وأنت تقول: عطاء، وطاووس، وإبراهيم، والحسن هؤلاء لا يرون ذلك، وهل لأحد مع رسول الله ﷺ حجة؟!
وفيها من الزيادة: قال له إسحاق: اقرأ: (سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ) الآية.
فقال الشَّافِعِي ﵀: اقرأ أول الآية: (وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ) هذا في المسجد خاصة.
وقرأت في كتاب أبي الحسن العاصمي، فيما بلغه عن (داود الأصبهاني)
أنه قال: لم يفهم (إسحاق) في ذلك الوقت (إيش) يحتج به الشَّافِعِي، وأراد
الشَّافِعِي ﵀: أن الدور لو كانت مباحة للناس - كان جواب النبي ﷺ، أن يقول: أي موضع أدركنا في دار كان نزلنا، فإن ذلك مباح لنا، بل أشار إلى دورهم التي كانت لآبائهم، باعها عقيل بن أبي طالب ﵁ قبل أن يسلم، فلم يطالب بشيء منها، ولم يؤاخذ به أحدًا، وقال: لم يترك لنا عقيل مسكنًا.
فدل ذلك على أن كل من ملك فيها شيئًا فهو مالك، له منعه عن غيره.
* * *
قال الله ﷿: (وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ (٢٧)
الأم: كتاب (الحج)، باب (فرض الحج على من وجب عليه الحج):
أخبرنا الربيع بن سليمان المرادي بمصر سنة سبع ومائتين قال:
 
٣ ‏/ ١٠٨٠
 
أخبرنا محمد بن إدريس الشَّافِعِي ﵀ قال: أصل إثبات فرض الحج خاصة في كتاب اللَّه تعالى، ثم سنة رسول الله ﷺ، وقد ذكر اللَّه ﷿ الحج في غير موضع من كتابه.
فحكى أنه قال لإبراهيم ﵇: (وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ) الآية.
ثم ذكر الآيات المتعلق بفرضية الحج -.
الأم (أيضًا): باب (دخول مكة لغير إرادة حج ولا عمرة):
قال الشَّافِعِي ﵀: وقال اللَّه ﷿ لإبراهيم خليله:
(وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ) .
قال الشَّافِعِي ﵀: فسمعت بعض من أرضى من أهل العلم يذكر: أن
الله ﵎ لما أمر بهذا إبراهيم ﵇، وقف على المقام فصاح
صيحة: (عباد اللَّه أجيبوا داعي الله) فاستجاب له حتى من في أصلاب الرجال، وأرحام النساء، فمن حج البيت بعد دعوته فهو ممن أجاب دعوته، ووافاه من وافاه يقولون: (لبيك داعي ربنا، لبيك) .
* * *
قال الله ﷿: (وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ (٢٨)
الأم: باب (الاختلاف في العيب)
قال الشَّافِعِي ﵀: والأهلة معروفة المواقيت، وما كان في معناها من
الأيام المعلومات، فإنه ﷾ يقول: (فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ) الآية. . .
 
٣ ‏/ ١٠٨١
 
الأم (أيضًا): الضحايا الثاني:
قال الشَّافِعِي ﵀: والضحية نسك من النسك مأذون في كله.
وإطعامه، وادخاره، فهذا كله جائز في جميع الضحية، جلدها، ولحمها، وكره بيع شيء منه، والمبادلة به بيع.
قال الشَّافِعِي ﵀: فإن قال قائل: ومن أين كرهت أن تباع، وأنت لا
تكره أن تؤكل وتدخر؟
قيل له: لما كان نسكًا فكان اللَّه حكم في البدن التي - هي نسُك، فقال ﷿: (فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الآية.
وأذن رسول الله ﷺ في كل الضحايا والإطعام، كان ما أذن اللَّه فيه ورسوله ﷺ مأذونًا فيه، فكان أصل
ما أخرج لله ﷿ معقولًا أن لا يعود إلى مالكه فيه شيء، إلا ما أذن الله فيه أو رسوله ﷺ.
مختصر المزني: باب (لحوم الضحايا):
حدثنا الربيع قال:
أخبرنا الشَّافِعِي ﵀ قال: أخبرنا مالك، عن أبي الزبير، عن جابر بن
عبد الله ﵁ أن رسول الله ﷺ:
«نهى عن كل لحوم الضحابا بعد ثلاث».
ثم قال بعد ذلك:
«كلوا وتزودوا وادخروا» الحديث.
حدثنا الربيع قال:
 
٣ ‏/ ١٠٨٢
 
أخبرنا الشَّافِعِي ﵀ قال: أخبرنا مالك، عن عبد اللَّه بن أبي بكر.
عن عبد اللَّه بن واقد بن عبد اللَّه، أنه قال: «نهى رسول الله ﷺ عن أكل لحوم الضحايا بعد ثلاث» الحديث.
قال عبد اللَّه بن أبي بكر: فذكرت ذلك لعَفرَةَ
فقالت: صدق، سمعت، عائشة ﵂ تقول: دفَّ ناسٌ من أهل
البادية حضرة الأضحى في زمان رسول الله ﷺ، فقال رسول الله ﷺ:
«ادخروا لثلاث وتصدقوا بما بقي» الحديث.
قالت: فلما كان بعد ذلك قلنا لرسول اللَّه ﷺ:
لقد كان الناس ينتفعون من ضحاياهم يجعلون منها الودك.
ويتخذون منها الأسقية، فقال رسول الله ﷺ:
«وما ذاك»؟ أو كما قال، قالوا يا رسول اللَّه نهيت عن أكل لحوم الضحايا بعد ثلاث، فقال رسول الله ﷺ:
«إنما نهيتكم من أجل الدافة التي دفت حضرة الأضحى، فكلوا وتصدقوا
وادخروا» الحديث.
قال الشَّافِعِي ﵀: فيشبه أن يكون إنما نهى رسول الله ﷺ عن إمساك لحوم الضحايا بعد ثلاث إذا كانت الدَّافة على معنى الاختيار، لا على معنى الفرض، وإنما قلت: يشبه الاختيار لقول اللَّه ﷿: (فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا) الآية.
وهذه الآية في البدن التي يتطوع بها أصحابها، لا التي وجبت عليهم قبل أن يتطوعوا بها، وإنما أكل النبي ﷺ من هديه أنه كان تطوعًا، فأما ما وجب من الهدي كله فليس لصاحبه أن يأكل منه
شيئًا، كما لا يكون له أن يأكل من زكاته ولا من كفارته شيئًا، وكذلك إن
وجب عليه أن يخرج من ماله شيئًا فأكل بعضه، فلم يخرج ما وجب عليه
بكماله.
 
٣ ‏/ ١٠٨٣
 
وأحبُّ لمن أهدى نافلة أن يطعم البائس الفقير، لقول اللَّه ﷿:
(فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ) الآية.
الرسالة: باب (العلل في الأحاديث):
قال الشَّافِعِي ﵀: ويحتمل أن يكون النهي عن إمساك لحوم الضحايا بعد ثلاث منسوخًا في كل حال، فيُمسك الإنسان من ضحيته ما شاء، ويتصدق بما شاء - ثم ذكر ما ورد سابقًا في الأم - وقد علق محقق كتاب الرسالة قائلًا:
وهكذا تردد الشَّافِعِي في قوله في هذا كما ترى، فمرة يذهب إلى النسخ.
ومرة يذهب إلى أن النهي اختيار لا فرض، ومرة يذهب إلى أن النهي لمعنى فإذا وُجدَ ثبت النهي.
والذي أراه راجحًا عندي - للعلامة: أحمد محمد شاكر -: أن النهي عن
الادخار بعد ثلاث إنما كان من النبي ﷺ على سبيل تصرف الإمام والحاكم، فيما ينظر فيه لمصلحة الناس، وليس على سبيل التشريع في الأمر العام، بل يؤخذ منه أن للحاكم أن يأمر وينهى في مثل هذا، ويكون أمره واجب الطاعة، لا يسع أحدًا مخالفته.
وآية ذلك أن النبي ﷺ حين أخبروه عما نابهم من المشقة في هذا سألهم:
وما ذاك؟ فلما أخبروه عن نهيه، أبان لهم عن علته وسببه، فلو كان هذا النهي تشريعًا عامًّا لذكر لهم أنه كان ثم نسخ، أما وقد أبان لهم عن العلة في النهي فإنه قصد إلى تعليمهم، أن مثل هذا يدور مع المصلحة التي يراها الإمام، وأن طاعته
 
٣ ‏/ ١٠٨٤
 
فيه واجبة، ومن هذا نعلم أن الأمر فيه على الفرض لا على الاختيار، وإنما هو فرض محدد بوقت أو بمعنىً خاص، لا يُتجاوز به ما يراه الإمام من المصلحة. ..
ويختتم كلامه فائلًا: وهذا معنى دقيق بديع، يحتاج إلى تأمُّلٍ، وبُعدِ نظر.
وسَعَة اطلاع على الكتاب والسنة ومعانيهما، وتطبيقه في كثير من المسائل
عسير، إلا على من هدى الله.
* * *
قال الله ﷿: (ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ (٢٩)
الأم: باب (الطواف بعد عرفة):
قال الشَّافِعِي ﵀: قال الله ﵎:
(ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ) الآية.
فاحتملت الآية:
١ - أن ئكون على طواف الوداع؛ لأنه ذكر الطواف بعد قضاء التفث.
٢ - واحتملت أن تكون على الطواف بعد (منى)، وذلك أنه بعد حلاق
الشعر ولبس الثياب والتطيب، وذلك فضاء النفث.
وذلك أشبه معنييها بها، لأن الطواف بعد (منى) واجب على الحاج.
والتنزيل كالدليل على إيجابه - والله أعلم -، وليس هكذا طواف الوداع.
قال الشَّافِعِي ﵀: إن كانت نزلت في الطواف بعد (منى) دلَّ ذلك
على إباحة الطيب.
 
٣ ‏/ ١٠٨٥
 
الأم (أيضًا): باب (لا يقال شوط ولا دور)
أخبرنا سعيد، عن ابن جريج، عن مجاهد ﵀، أنه كان يكره أن يقول
شوط، دور للطواف، ولكن يقول، طواف، طوافين.
قال الشَّافِعِي ﵀: وأكره من ذلك ما كره مجاهد؛ لأن الله ﷿ قال: (وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ) الآية.
فسمى طوافًا؛ لأن الله تعالى سمى جماعه طوافًا.
الأم (أيضًا): باب (ما جاء في موضع الطواف):
قال الشَّافِعِي ﵀: وإكمال الطواف بالبيت من وراء الحِجر، ووراء شاذروان الكعبة، فإن طاف طائف بالبيت، وجعل طريقه من بطن الحِجر - أي: حجر إسماعيل - أعاد الطواف، وكذلك لو طاف على شاذروان الكعبة أعاد الطواف.
فإن قال قائل: فإن الله ﷿ يقول: (وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ) الآية.
قال الشَّافِعِي ﵀: والمسجد كله موضع للطواف.
مختصر المزني: ومن كتاب المناسك:
قال الشَّافِعِي رحمه لله: أخبرنا ابن عيينة، حدثنا هشام، عن طاووس فيما
أحسب أنه قال: عن ابن عباس ﵄ أنه قال: الحِجر من البيت وقال الله (وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ) الآية.
وقد طاف رسول الله ﷺ من وراء الحِجر.
 
٣ ‏/ ١٠٨٦
 
قال الله ﷿: (ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ
(٣٢)
الأم: باب (ما تجزي عنه البدنة من العدد في الضحايا)
قال الشَّافِعِي ﵀: وإذا كانت الضحايا إنما هو دم يُتقرب به إلى الله
تعالى، فخير الدماء أحبّ إليَّ، وقد زعم بعض المفسرين: أن قول اللَّه ﷿: (ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ) الآية، استسمان الهدي واستحسانه.
وسئل رسول الله ﷺ: أي الرقاب أفضل؟
قال: «أغلاها ثمنًا وأنفسُها عند أهلها» الحديث.
قال الشَّافِعِي ﵀: والعقل مضطر إلى أن يعلم أن كل ما تقُرِّبَ به إلى
الله ﷿ إذا كان نفيسًا، كلما عظمت رزيَّتُه على المتقرب به إلى اللَّه ﵎، كان أعظم لأجره.
* * *
قال الله ﷿: (ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ (٣٣)
الأم: باب (الإحصار بالعدو):
قال الشَّافِعِي ﵀: أما السنة فتدل على أن محله - أي: دم الإحصار
- في هذا الوضع نحره؛ لأن رسول الله ﷺ نحر في الحل، فإن قال - المحاور -:
 
٣ ‏/ ١٠٨٧
 
فقد قال الله ﷿ في البدن: (ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ) الآية.
فهو محلها.
فإن قال: فهل خالفك أحد في هدي المحصر؟
قيل: نعم، عطاء بن أبي رباح كان يزعم أن النبي ﷺ نحر في الحرم. ..
قال الشَّافِعِي ﵀: فإن قال قائل: فإن الله ﷿ يقول:
(حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ) الآية.
قلت: على أن ينحرها عند البيت العتيق، الله أعلم بمحله، هاهنا يشبه أن يكون إذا أحصر نحره حيث أحصر، كما وصفتُ.
ومحله في غير الإحصار الحرم - والمنحر -، وهو كلام عربي واسع.
الأم (أيضًا): باب (في قتل الدواب التي لا جزاء فيها في الحج)
قال الشَّافِعِي ﵀: أخبرنا مالك، عن نافع، عن ابن عمر رضي اللَّه
عنهما قال: لا يصدرن أحد من الحاج حتى يطوف بالبيت فإن آخر النسك
الطواف بالبيت، قال مالك ﵀: وذلك فيما نرى - والله أعلم - لقول اللَّه جل ثناءه: (ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ) الآية.
فمحل الشعائر وانقضاؤها إلى البيت العتيق.
مختصر المزني: باب (الهدي):
قال الشَّافِعِي ﵀: وليس له أن ينحر دون الحرم، وهو محلها لقول اللَّه
جل وعز: (ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ) الآية، إلا أن يحصر، فينحر حيث
أحصر، كما فعل النبي ﷺ في الحديبية.
 
٣ ‏/ ١٠٨٨
 
مناقب الشافعى: باب (ما يستدل به على معرفة الشَّافِعِي ﵀ بتفسير
القرآن ومعانيه، وسبب نزوله)
أخبرنا أبو سعيد بن أبي عمرو قال: حدثنا أبو العباس قال: أنبأنا الربيع قال: حدثئا الشَّافِعِي ﵀ في قوله ﷿: (ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ) الآية.
قال: فزعم أهل العلم بالتفسير: أن محلها الحرم؛ كأنهم ذهبوا إلى أن الأرض
حِل وحَرَمٌ، فموضع البيت في الحرم.
وأن قول اللَّه: (إِلَى الْبَيْتِ) إلى موضع البيت الذي تبين من البلدان، لا إلى البيت نفسه، ولا إلى موضعه من المسجد؛ لأن الدم لا يصلح هناك. وعقلوا عن اللَّه أنه إنما أراد حاضري البيت العتيق من الهدي، فإن أجمع أن يذبح في الحرم فيأكله حاضره - أي: حاضري الحرم - من أهل الحاجة غير متغير، فقد جاء بالذى عليه.
* * *
قال الله ﷿: (وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ)
الأم: المكاتب
قال الشَّافِعِي ﵀: والخير كلمة يُعرف ما أريد منها بالمخاطبة بها.
وقال اللَّه ﷿: (وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ) الآية، فعقلنا أن الخير: المنفعة بالأجر، لا أن لهم في البُدن مالًا.
 
٣ ‏/ ١٠٨٩
 
الأم (أيضًا): باب (ذبائح أهل الكتاب)
قال الشَّافِعِي ﵀: وقد أحل اللَّه ﷿ لحوم البُدن مطلقة، فقال: (فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا) الآية.
ووجدنا بعض المسلمين يذهب إلى: أن لا يؤكل من البَدَنة التي هي نذر، ولا جزاء صيد، ولا فدية، فلما احتملت هذه الآية، ذهبنا إليه وتركنا الجملة؛ لأنها خلاف للقرآن، ولكنها محتملة، ومعقول أن من وجب عليه شيء في ماله، لم يكن له أن يأخذ منه شيئًا؛ لأنا إذا جعلنا له أن
يأخذ منه شيئًا فلم نجعل عليه الكل، إنما جعلنا عليه البعض الذي أعطى، فهكذا ذبائح أهل الكتاب بالدلالة على شبيه ما قلنا.
الأم (أيضًا): ما جاء في أمر النكاح:
قال الشَّافِعِي ﵀: والأمر في الكتاب، والسنة، وكلام الناس يحتمل
معاني:
أحدها: أن يكون اللَّه ﷿ حرّم شيئًا ثم أباحه، فكان أمره إحلال ما حرم، منها قوله: (فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا) الآية.
ليس حتمًا أن لا يأكل من بَدَنتِه إذا نحرها، فإنما هي دلالة لا حتم، وأشباه لهذا كثير في كتاب اللَّه ﷿ وسنة نبيه ﷺ.
وزاد في كتاب المناقب:
قال الشَّافِعِي ﵀: وعلى أهل العلم عند تلاوة الكتاب، ومعرفة
السنة، طلب الدلائل؛ ليفرفوا بين الحتم، والمباح، والإرشاد الذي ليس بحتم في الأمر والنهي معًا.
 
٣ ‏/ ١٠٩٠
 
مختصر المزني: باب (الهدي):
قال الشَّافِعِي ﵀: وما كان منها تطوعًا أكل منها، لقول الله جل وعز:
(فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا) الآية.
وأكل النبي ﷺ من لحم هديه وأطعم.
وكان هديه تطوعًا، وما عُطِب منها نحرها وخلَّى بينها وبين المساكين، ولا بدل عليه فيها، وما كان واجبًا من جزاء الصيد أو غيره، فلا يأكل منها شيئًا، فإن أكل فعليه بقدر ما أكل لمساكين الحرم، وما عُطِب منها فعليه مكانه.
مختصر المزني (أيضًا): باب (لحوم الضحايا):
قال الشَّافِعِي ﵀: وقوله: (وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ) الآية.
القانع: هو السائل. والْمُعْتَر: الزائر، والمار بلا وقت.
فإذا أطعم من هؤلاء واحدًا أو أكثر فهو المطعمين، فأحبّ إلي ما أكثر، أن
يطعم ثلثًا، ويهدي ثلثًا، ويدخر ثلثًا ويهبط به حيث شاء، والضحايا من هذا السبيل - والله أعلم -.
وأحب إن كانت في الناس مخمصة أن لا يدخر أحد من أضحيته، ولا من
هديه أكثر من ثلاث؛ لأمر النبي ﷺ في الدافة، فإن ترك رجل أن يطعم من هدي تطوع أو أضحية فقد أساء، وليس عليه أن يعود للضحية، وعليه أن يُطعِم إذا جاءه قانع، أو مُعْتَرٌّ، أو بائسٌ فقير شيئًا؛ ليكون عوضًا مما منع، وإن كان في غير أيام الأضحى.
 
٣ ‏/ ١٠٩١
 
قال الله ﷿: (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ (٣٩) الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ)
الأم: مبتدأ الإذن بالقتال:
قال الشَّافِعِي ﵀: فأذن لهم بأحد الجهادين (بالهجرة)، قبل أن يؤذن
لهم بأن يبتدئوا مشركا بقتال، ثم أذن لهم بأن يبتدئوا المشركين بقتال، قال اللَّه تعالى: (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ (٣٩) الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ) الآيتان.
* * *
قال الله ﷿: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ)
الأم: باب (حكاية قول الطائفة التي ردت الأخبار كلها):
قال الشَّافِعِي ﵀: وقال اللَّه تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ) الآية،
 
٣ ‏/ ١٠٩٢
 
وقد أحاط العلم أن كل الناس في زمان رسول الله ﷺ لم يكونوا يدعون من دونه شيئًا؛ لأن فيهم المؤمن، ومَخرَج الكلام عامًا، فإنما أريد من كان هكذا.
* * *
قال الله ﷿: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (٧٧)
الأم: باب (التكبير للركوع وغيره):
قال الشَّافِعِي ﵀: ولو ترك التكبير، سوى تكبيرة الافتتاح، وقوله
سمع اللَّه لمن حمده، لم يُعِد صلاته، وكذلك من ترك الذكر في الركوع والسجود، وإنما قلت ما وصفت بدلالة الكتاب، ثم السنة.
قال اللَّه ﷿: (ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا) الآية.
ولم بذكر في الركوع والسجود عملًا غيرهما، فكانا الفرض.
فمن جاء بما يقع عليه اسم ركوع أو سجود فقد جاء بالفرض عليه، والذكر
فيهما سنة اختيار، وهكذا قلنا في المضمضة والاستنشاق مع غسل الوجه. . ثم ذكر حديث الذي لا يحسن الصلاة وكيفية ئعليم النبي ﷺ له الصلاة ولم يذكر فبه وجوب التسبيح بالركوع والسجود -.
مناقب الشافعى: باب (ما يؤثر عنه - الشافعى - في الإيمان):
قال الشَّافِعِي ﵀: وفرض الله تعالى على الوجه: السجود للهِ بالليل
والنهار، ومواقيت الصلاة، فقال في ذلك: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) .
 
٣ ‏/ ١٠٩٣
 
ترتيب مسند الشَّافِعِي: في سجود التلاوة
قال الشَّافِعِي ﵀: أخبرنا مالك، عن نافع، «أن ابن عمر ﵄ سجد في سورة الحج سجدتين» الحديث.
أخبرنا إبراهيم بن سعد بن إبراهيم، عن الزهري، عن عبد اللَّه بن ثعلبة بن
صعير، «أن عمر بن الخطاب ﵁ صلى بهم بالجابية فقرأ سورة الحج، فسجد فيها سجدتين» الحديث.
* * *
قال الله ﷿: (وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ)
الأم: أصل فرض الجهاد:
قال الشَّافِعِي ﵀: ولما مضت لرسول الله ﷺ مدة من هجرته، أنعم الله تعالى فيها على جماعة باتباعه، حدثت لهم بها مع عون اللَّه قوة بالعدد، لم تكن قبلها؛ ففرض الله تعالى عليهم الجهاد بعد إذ كان إباحة لا فرضًا، وقال ﷿:
(وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ) الآية.
 
٣ ‏/ ١٠٩٤
 
الأم (أيضًا): باب (ميراث الجد):
قال الشَّافِعِي ﵀: وقلنا إذا ورث الجد مع الإخوة قاسمهم ما كانت
المقاسمة خيرًا له من الثلث، فإذا كان الثلث خيرًا له منها أُعطِيَه، وهذا قول
زيد بن ثابت، وعنه قبلنا أكثر الفرائض، وقد رُوي هذا القولُ عن عمر وعثمان ﵄ أنهما قالا فيه مثل قول زيد بن ثابت ﵁.
وقد روي هذا أيضًا عن غير واحد من أصحاب النبي ﷺ، وهو قول الأكثر من فقهاء - أهل - البلدان، وقد خالفنا بعض الناس في ذلك فقال: الجد: أب، وقد اختلف فيه أصحاب النبي ﷺ.
فقال أبو بكر، وعائشة، وابن عباس، وعبد اللَّه بن عتبة.
وعبد اللَّه بن الزبير ﵃، إنه أب إذا كان مع الإخوة طرحوا، وكان المال للجد دونهم.
وقد زعمنا نحن وأنت: أن أصحاب النبي ﷺ إذا اختلفوا لم نصر إلى قول واحد منهم دون قول الآخر، إلا بالثبت مع الحجة البينة عليه وموافقته للسنة، وهكذا نقول، وإلى الحجة ذهبنا في قول زيد بن ثابت، ومن قال قوله.
قالوا: فإنا نزعم أن الحجة في قول من قال: الجد أب، لخصالِ منها:
أن اللَّه ﷿ قال: (يَا بَنِي آدَمَ) الآية.
وقال: (مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ) الآية.
فأقام الجد في النسب أبًا، وأن المسلمين لم يختلفوا في أن لم يُنقِصوه من السدس، وهذا حكمهم للأب، وأن المسلمين حجبوا بالجد، الأخ لأم، وهكذا حكمهم في الأب - وأفاض في النقاش حول هذا الموضوع -.
 
٣ ‏/ ١٠٩٥
 
سورة المؤمنون
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قال الله ﷿: (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (١) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ (٢) وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ (٣) وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ (٤)
مناقب الشَّافِعِي: باب (ما يؤثر عنه - الشَّافِعِي - في الإيمان)
قال الشَّافِعِي ﵀: وفرض الله على السمع أن يتنزه عن الاستماع إلى
ما حرّم اللَّه، وأن يغضي عما نهى اللَّه عنه، فقال في ذلك: (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (١) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ (٢) وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ (٣) وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ) . الآيات.
فذلك ما فرض اللَّه جل ذكره على السمع من التنزيه عما لا يحل له، وهو عمله، وهو من الإيمان.
الزاهر باب (زكاة الفطر):
قال الأزهري ﵀: وأما قوله تعالى: (وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ)
ففيه قولان:
أحدهما: الذين هم للعمل الصالح عاملون.
والقول الثاني: الذين هم للزكاة مؤتون.
 
٣ ‏/ ١٠٩٦
 
ترتيب مسند الشَّافِعِي: الباب السادس (في صفة الصلاة):
قال الشَّافِعِي ﵀: أخبرنا مسلم بن خالد، وعبد المجيد، عن ابن جريج
قال: أخبرنا محمد بن عباد بن جعفر، أخبرني أبو سلمة بن سفيان، وابن عمر، والدراوردي، عن عبد اللَّه بن السائب قال:
«صلى بنا رسول الله ﷺ الصبح
بمكة، فاستفتح بسورة المؤمنين حتى إذا جاء ذكر موسى وهارون، أو ذكر
عيسى، أخدت النبي ﷺ سَعْلَةٌ فَحَذَفَ فركع»، وعبد اللَّه السائب حاضر ذلك، الحديث.
* * *
قال الله ﷿: (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (٥) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (٦)
الأم: تسري العبد:
قال الشَّافِعِي ﵀: قال الله تعالى: (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (٥) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ) . الآيتان.
فدل كتاب اللَّه ﷿ على أن ما أباحه من
الفروج، فإنما أباحه من أحد الوجهين، النكاح، أو ما ملكت اليمين.
 
٣ ‏/ ١٠٩٧
 
الأم (أيضًا): باب (الاستمناء):
قال الشَّافِعِي رعه الله: قال الله ﷿:
(وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (٥) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ)
قرأ إلى: (الْعَادُونَ) .
قال الشَّافِعِي ﵀: فكان بينًا في ذكر حفظهم لفروجهم إلا على
أزواجهم، أو ما ملكت أيكانهم، تحريم ما سوى الأزواج، وما ملكت الأيمان، وبين أن الأزواج وملك اليمين من الآدميات دون البهائم، ثم أكَّدها فقال ﷿ (فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ)
فلا يحل العمل بالذَّكَرِ إلا في الزوجة، أو ملك اليمين، ولا يحل الاستمناء - واللَّه أعلم -.
قال الشَّافِعِي رعه الله: وكان في قول اللَّه ﷿: (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (٥) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ) الآيتان.
بيان أن المخاطبين بها الرجال لا النساء، فدل على أنه لا يحل للمرأة أن تكون متسرية بما ملكت يمينها، لأنها متسراة، أو منكوحة لا ناكحة، إلا بمعنى أنها منكوحة، ودلالة على تحريم إتيان البهائم، لأن المخاطبة بإحلال الفرج في الآدميات المفروض عليهن العدة، ولهن الميراث منهم، وغير ذلك من فرائض الزوجين.
الأم (أيضًا): ما جاء في أمر النكاح:
قال الشَّافِعِي ﵀: فإن اللَّه ﷿ يقول: (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (٥) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (٦) .
 
٣ ‏/ ١٠٩٨
 
قال الشَّافِعِي ﵀: والرجل لا يأتي النساء إذا نكح فقد غرَّ المرأة.
ولها الخيار في المقام أو فراقه إذا جاءت سَنَةٌ أجلها من يوم يضرب له السلطان.
قال الشَّافِعِي ﵀: أحب النكاح للعبيد والإماء اللاتي لا يطؤُهن
سادتهن، احتياطًا للعفاف، وطلب فضل وغنى، فإن كان إنكاحهن واجبًا، كان قد أدَّى فرضًا، وإن لم يكن واجبًا كان مأجورًا إذا احتسب نيته على التماس الفضل، بالاحتياط للتطوع.
الأم (أيضًا): ما جاء في عدد ما يحل من الحرائر والإماء، وما تحل به الفروج:
أخبرنا الربيع قال:
قال الشَّافِعِي ﵀: قال اللَّه ﵎: (قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ) .
وقال: (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (٥) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ) .
فأطلق اللَّه ﷿ ما ملكت الأيمان فلم يحد فيهم حدًا يُنتهي إليه، فللرجل أن يتسرى كم شاء، ولا اختلاف علمته بين أحد في هذا، وانتهى ما أحل اللَّه بالنكاح إلى أربع، ودلت سنة رسول الله ﷺ المبينة عن الله ﷿ على أن انتهاءه إلى أربع تحريمًا منه؛ لأن يجمع أحد غير النبي ﷺ بين أكثر من أربع، لا أنه يحرم أن
ينكح في عمره أكثر من أربع إذا كن متفرقات، ما لم يجمع بين أكثر منهن؛ ولأنه أباح الأربع، وحرم الجمع بين أكثر منهن، فقال لغيلان بن سلمة،
 
٣ ‏/ ١٠٩٩
 
ونوفل بن معاوية، وغيرهما، وأسلموا وعندهم كثر من أربع
«أمسك أربعًا وفارق سائرهنَّ» الحديث.
الأم (أيضًا): من يقع عليه الطلاق من النساء:
قال الشَّافِعِي ﵀: يقول الله ﷿:
(وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (٥) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (٦)
فلم يحل الجماع إلا بنكاح، أو ملك، وحَكَمَ أن يقع في النكاح ما وصفنا، من طلاق يَحرُم به الحلال من النكاح وغيره، وحكم في الملك بأن يقع من المالك فيه العتق، فيحرم به الوطء بالملك، وفَرَّقَ بين إحلالهما وتحريمهما، فلم يجز أن يوطأ الفرج إلا بأحدهما دون الآخر، - أن تكون امرأته وهو يملكها - فلما ملك امرأته فحالت عن النكاح إلى الملك انفسخ النكاح.
قال الربيع ﵀: يريد (أي: الشَّافِعِي) بأحدهما دون الآخر أنه لا يجوز أن تكون امرأته وهو يملكها أو بعضها، حتى يكون مَلَك وحده بكماله، أو التزويج وحده بكماله.
مختصر المزني: ما يحل من الحرائر:
قال الشَّافِعِي ﵀: وقال الله تعالى: (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ)
وفي ذلك دليل أن الله ﵎ أراد الأحرار؛ لأن العبيد لا يملكون.
 
٣ ‏/ ١١٠٠
 
قال الله ﷿: (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ)
الرسالة: الحجة في تثبيت خبر الواحد:
قلت: ذكر تفسيرها في الآية / (٢٥) من سورة هود ﵇ فلا حاجة للتكرار.
 
٣ ‏/ ١١٠١
 
سورة النور
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قال الله ﷿: (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (٢)
الأم: باب (من عاد لقتل الصيد):
قال الشَّافِعِي ﵀: وجعل الحد على الزاني، فلما أوجب اللَّه عليهم
الحدود، دلَّ هذا على أن النقمة كضاعفة العذاب في الآخرة إلا أن يتوبوا.
وجعل الحد على الزاني فلما أوجب الله عليهم الحدود، دل هذا على أن النقمة في الآخرة لا تسقِط حكم غيرها في الدنيا، قال الله ثبارك وتعالى: (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ) الآية.
فلم يختلف الناس في أنهما كلما زنيا بعد الحد جُلِدَا، فكان الحق عليهم في الزنا الآخر مثله في الزنا الأول.
الأم (أيضًا): الأمان:
قال الشَّافِعِي ﵀: قلت له - أي: للمحاور - ومن قال بباطن دون
ظاهر، بلا دلالة له في القرآن، والسنة، أو الإجماع، مخالف للآية. قال: نعم.
فقلت له: فأنت إذًا تخالف آيات من كتاب اللَّه ﷿.
قال: وأين؟
قلت: قال الله تعالى: (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ) الآية.
 
٣ ‏/ ١١٠٢
 
الأم (أيضًا): في المرتد:
قال الشَّافِعِي ﵀: وإذا كانت في الهاربين امرأة، فحكمها حكم
الرجال؛ لأني وجدت أحكام اللَّه ﷿ على الرجال والنساء في الحدود واحدة.
قال اللَّه ﵎: (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ)
الآية.
الأم (أيضًا): ما يحرم من النساء بالقرابة:
قال الشَّافِعِي ﵀: وقال تعالى: (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ) الآية.
فرجم النبي ﷺ الزانيين الثيبين ولم يجلدهما، فاستدللنا
بسنة رسول الله ﷺ على أن المراد، وبالمائة من الزناة بعض الزناة.
الأم (أيضًا): عدة الأمة:
قال الشَّافِعِي ﵀: ذكر الله ﷿ العدد من الطلاق بثلاثة قروء، وثلاثة أشهر، ومن الوفاة بأربعة أشهر وعشر، وذكر الله الطلاق للرجال باثنتين وثلاثة.
فاحتمل أن يكون ذلك كله على الأحرار والحرائر، والعبيد والإماء، واحتمل أن يكون ذلك على بعضهم دون بعض وكان اللَّه ﷿ قد فرق في حد الزاني بين المماليك والأحرار، فقال: (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ)
 
٣ ‏/ ١١٠٣
 
وقال في الإماء: (فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ) الآية.
الأم (أيضًا): المدَّعي والمدَّعى عليه:
قال الشَّافِعِي ﵀: وقال اللَّه ﷿: (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ) الآية، وقال بعض الخوارج بمثل معنى قولك (الخطاب: للمحاور) في اليمين مع الشاهد: يجلد كل من لزمه اسم الزنا، مملوكًا كان أو حرًا محصنًا أو غير محصن، وزعمت أن علي بن أبي طالب ﵁ جلد الزاني ورجمه، فلم رغبت عن هذا؟
قال الشَّافِعِي ﵀: جاء عن النبي ﷺ ما يدل على أنه رجم ماعزًا ولم يجلده، ورسول اللَّه ﷺ أعلم بمعنى ما أراد اللَّه عز ذكره.
الأم (أيضًا): باب الإشهاد عند الدفع إلى اليتامى:
قال الشَّافِعِي ﵀: فإن قال قائل: الفاحشة تحتمل الزنا وغيره، فما
دل على أنها في هذا الموضع الزنا دون غيره؟
قيل: كتاب اللَّه، ثم سنة نبيه ﷺ.
ثم ما لا أعلم عالمًا خالف فيه في قول اللَّه ﷿، في اللاتي يأتين الفاحشة من
 
٣ ‏/ ١١٠٤
 
نسائكم، يُمْسَكْن حتى يجعل اللَّه لهن سبيلًا، ثم نزلت: (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ) الآية.
فقال رسول الله ﷺ:
«قد جعل الله لهن سبيلًا، البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام، والثيب بالثيب جلد مائة والرجم» الحديث.
ودل اللَّه ورسوله ﷺ أن هذا الحد إنما هو على الزناة دون غيرهم، لم أعلم في ذلك مخالفًا من أهل العلم.
الأم (أيضًا): باب (حكاية قول من ردَّ خبر الخاصة):
قال الشَّافِعِي ﵀: قلت: فما تقول في الزاني الثيب، أترجمه؟
قال: نعم.
قلت: كيف ترجمه وممن نص بعض الناس علماء أن لا رجم على زان.
لقول اللَّه تعالى: (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ)
فكيف ترجمه ولم ترده إلى الأصل، من أن دمه محرم
حتى يجتمعوا على تحليله؟!
ومن قال هذا القول يحتج بأنه زان يدخل في معنى الآية، وأن يجلد مائة.
الأم (أيضًا): باب (الرجل يمسك الرجل للرجل حتى يقتله):
قال الشَّافِعِي ﵀: وقال الله تعالى: (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ) الآية، ولم أجد أحدًا من خلق اللَّه تعالى يُقتدى به، حد أحدًا قط على غير فعل نفسه أو قوله.
 
٣ ‏/ ١١٠٥
 
الأم (أيضًا): باب (الصوم):
قال الشَّافِعِي ﵀: وقال الله عز ذكره: (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ) الآية.
فلو صرنا إلى ظاهر القرآن ضربنا كل من لزمه
اسم زنا مائة جلدة، ورجم - النبي ﷺ الحرين الثيبين ولم يجلدهما، استدللنا على أن اللَّه ﷿ إنما أراد بالجلد بعض الزناة دون بعض.
الأم (أيضًا): اللعان:
قال الشَّافِعِي ﵀: اللعان لا يكون إلا بمحضر طائفة من المؤمنين؛ لأنه
لا يحضر أمرًا يريد رسول الله ﷺ ستره ولا يحضره إلا وغيره حاضر له، وكذلك جميع حدود الزنا يشهدها طائفة من المؤمنين أقلهم أربعة؛ لأنه لا يجوز في شهادة الزنا أقل منهم وهذا يشبه قول اللَّه ﷿ في الزانيين: (وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) الآية.
الأم (أيضًا): الخلاف في اللعان:
قال الشَّافِعِي ﵀: قال الله ﵎ في الزانيين:
(وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) الآية.
أفتراه عَنَى بعذابهما الحد أو الحبس؟
قال: بل الحد، وليس السجن بحد، والعذاب في الزنا بالحدود.
 
٣ ‏/ ١١٠٦
 
مختصر المزني: مقدمة (اختلاف الحديث)
قال الشَّافِعِي ﵀: وقال تعالى: (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ) الآية، فكان مخرج هذا عامًّا، فدل رسول الله ﷺ على أن الله جل ثناؤه أراد بهذا رجم الحرين الثيبين ولم يجلدهما، فدلت السنة على أن الجلد على بعض الزناة دون بعض فقد يكون زانيًا ثيبًا فلا يجلد مائة، فوجب على كل
عالم أن لا يشك أن سنة رسول الله ﷺ إذا قامث هذا المقام مع كتاب اللَّه، في أن الله أحكم فرضه بكتابه وبين كيف ما فرض على لسان نبيه، فأبان على لسان نبيه ﷺ ما أراد به العام والخاص، كانت كذلك سنته في كل موضع، لا تختلف.
وأنّ قول من قال: تعرض السنة على القرآن، فإن وافقت ظاهره، وإلا
استعملنا ظاهر القرآن، ونركنا الحديث، جهل لما وصفت.
فأبان اللَّه لنا أن سنن رسوله فرض علينا بأن ننتهي إليها لا أن لنا معها
من الأمر شيئًا إلا التسليم لها، واتباعها، ولا أنها تعرض على قياس ولا على
شيء غيرها، وأن كل ما سواها من قول الآدميين ئبع لها.
قال الشَّافِعِي ﵀: فذكرت ما قلت من هذا لعدد من أهل العلم
بالقرآن، والسنن والآثار، واختلاف الناس، والقياس، والمعقول، فكلهم قال: مذهبنا، ومذهب جميع من رضينا ممن لقينا، وحُكِيَ لنا عنه من أهل العلم.
مختصر المزني (أيضًا): باب العقويات في المعاصي:
قال الشَّافِعِي ﵀: كانت العقوبات في المعاصي قبل أن ينزل الحد ثم
نزلت الحدود، ونسخت العقوبات فيما فيه الحدود.
 
٣ ‏/ ١١٠٧
 
حدثنا الربيع قال:
أخبرنا الشَّافِعِي ﵀ قال: أخبرنا مالك، عن يحيى بن سعيد، عن
النعمان بن مُرَّة، أن رسول الله ﷺ -قال:
«ما تقولون في الشارب والسارق والزاني؟
وذلك قبل أن تنزل الحدود، فقالوا الله ورسوله أعلم، فقال رسول
الله ﷺ: هن فواحش، وفيهن عقوبات، وأسوأُ السرقة الذي يسرق صلاته»
ثم ساق الحديث.
قال الشَّافِعِي ﵀: ومثل معنى هذا في كتاب اللَّه، قال الله تعالى: (وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا (١٥) .
فكان هذا أول العقوبة للزانيين في الدنيا، ثم نسخ هذا عن
الزناة كلهم، الحر والعبد والبكر والثيب، فحدَّ الله البكرين الحرين المسلمين
فقال: (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ) الآية.
حدثنا الربيع:
أخبرنا الشَّافِعِي ﵀: أخبرنا مالك، عن ابن شهاب، عن عبد الله بن
عبد الله بن عتبة، عن ابن عباس ﵄ أنه قال: سمعت عمر بن
الخطاب ﵁ يقول: «الرجم في كتاب الله على من زنى إذا أحصن من الرجال والنساء، إذا قامت عليه البينة، أو كان الحبل، أو الاعتراف» الحديث.
 
٣ ‏/ ١١٠٨
 
أخبرنا مالك، عن يحيى بن سعيد، أنه سمع سعيد بن المسيب ﵀
يقول: قال عمر ﵁:
»إياكم أن تهلكوا عن آية الرجم أن يقول قائل: لا أجد
حدين في كتاب اللَّه، فقد رجم رسول الله ﷺ ورجمنا، والذي نفسي بيده لولا أن يقول الناس زاد عمر في كتاب اللَّه لكتبتها: «الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما ألبتَّة»
فإنا قد قرأناها الحديث.
الرسالة: باب (ما نزل عامًا دلَّت السنة خاصة على أنه يراد به الخاص):
قال الشَّافِعِي ﵀: وقال اللَّه: (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ) الآية.
وقال في الإماء: (فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ) الآية.
فدل القرآن على أنه إنما أريد بجلد المائة، الأحرار دون الإماء، فلما رجم رسول الله ﷺ الثيب من الزناة ولم يجلده، دلت سنة رسول الله ﷺ على أن المراد بجلد المائة من الزناة:
الحُرُّان المِكْرَان دون غيرهما ممن لزمه اسم زنا.
الرسالة: ابتداء الناسخ والمنسوخ:
قال الشَّافِعِي ﵀: ولو جاز أن يقال: قد سنَّ رسول الله ﷺ ثم نسخ سنته بالقرآن، ولا يؤثر عن رسول الله السنة الناسخة، جاز أن يقال: فيمن رجم من الزناة، قد يحتمل أن يكون الرجم منسوخًا، لقول اللَّه: (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ) الآية -
وذكر نماذج أخرى - ثم قال:
 
٣ ‏/ ١١٠٩
 
ولجاز ردُّ كل حديث عن رسول اللَّه بأن يقال: لم يقله، إذا لم يجده مثل التنزيل، وجاز رد السنة بهذين الوجهين، فتركت كل سنة معها كتاب جملة تحتمل سنته أن توافقه، وهي لا تكون أبدًا إلا موافقة له، إذا احتمل اللفظ فيما روي عنه خلاف اللفظ في التنزيل بوجه، أو احتمل أن يكون في اللفظ عنه أكثر مما في اللفظ في التنزيل، وإن كان محتملًا أن يخالفه من وجه، وكتاب اللَّه وسنة رسوله تدل على خلاف هذا القول، وموافقة ما قلنا.
الرسالة: باب (العلل في الأحاديث):
قال الشَّافِعِي ﵀: وقلت له (أي: للمحاور) لو جاز أن تترك سنة مما
ذهب إليه من جهل مكان السنن من الكتاب، ترك ما وصفنا من المسح على
الخفين، وإباحة كل ما لزمه اسم بيع، وإحلال أن يُجمع بين المرأة وعمتها
وخالتها، وإباحة كل ذي ناب من السباع، وغير ذلك.
ولجاز أن يقال: إنما سنَّ النبي ﷺ الرجم على الثيب حتى نزلت عليه: (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ) الآية، فيجلد البكر والثيب، ولا نرجمه.
فمن قال هذا كان مُعَطِّلًا لعامة سنن رسول الله ﷺ، وهذا القول جهل ممن قاله.
الرسالة (أيضًا): وجه آخر (من الناسخ والمنسوخ):
قال الشَّافِعِي ﵀: - بعد أن ذكر الآيتين / ١٥ و١٦ من سورة النساء، فكان حدُّ الزانيين بهذه الآية الحبس والأذى، حتى أنزل اللَّه على رسوله حد الزنا، فقال: (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ) الآية، وقال في
 
٣ ‏/ ١١١٠
 
الإماء: (فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ) الآية.
فنُسِخَ الحبس عن الزناة، وثبت عليهم الحدود.
ودل قول اللَّه في الإماء: (فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ)
على فَرْق اللَّه بين حد المماليك والأحرار في الزنا، وعلى أن
النصف لا يكون إلا من جلد، لأن الجلد بعدد، ولا يكون من رجم، لأن الرجم إتيان على النفس بلا عدد؛ لأنه قد يؤتى عليها برجمة واحدة، وبألف وأكثر، فلا نصف لما لا يعلم بعدد، ولا نصف للنفس، فيؤتى بالرجم على نصف النفس.
واحتمل قول اللَّه في سورة النور: (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ) الآية، أن يكون على جميع الزناة الأحرار، وعلى بعضهم دون
بعض فاستدللنا بسنة رسول الله - بأبي هو وأمي - على من أريد بالمائة جلدة
- ثم ذكر حديث عبادة بن الصامت -.
قال الشَّافِعِي ﵀: فدل قول رسول اللَّه: «قد جعل اللَّه لهن سبيلًا»
الحديث، أن هذا أول ما حد به الزناة، لأن اللَّه يقول: (حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا) الآية.
ثم رجم رسول الله ماعزًا ولم يجلده، وامرأة الأسلمي ولم يجلدها، فدلت سنة رسول الله على أن الجلد منسوخ عن الزانيين الثيبين.
قال الشَّافِعِي ﵀: ولم يكن بين الأحرار في الزنا فرق إلا بالإحصان
بالنكاح، وخلاف الإحصان به، وإذ كان قول النبي ﷺ: «قد جعل الله لهن سبيلًا البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام» الحديث، ففي هذا دلالة على أنه أول ما نسخ الحبس عن الزانيين، وحُدَّا بعد الحبس، وأن كل حد حده الزانيين فلا يكون
 
٣ ‏/ ١١١١
 
إلا بعد هذا، إذ كان هذا أول حد الزانيين - ثم ذكر الحديث الذي أمَرَ به أنيسًا أن يرجم امرأة الأعرابي إذا اعترفت، وحديث رجم النبي ﷺ لليهودية -.
قال الشَّافِعِي ﵀: فثبت جلد مائة والنفي على البكرين الزانيين.
والرجم على الثيبين الزانيين، وإن كانا ممن أريدا بالجلد فقد نسخ عنهما الجلد مع الرجم، وإن لم يكونا أريد بالجلد وأريد به البكران فهما مخالفان للثيبين.
ورجم الثيبين بعد آية الجلد، بما روى رسول الله ﷺ عن الله.
وهذا أشبه معانيه وأولاها به عندنا - والله أعلم -.
* * *
قال الله ﷿: (الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ (٣)
الأم: نكاح المحدودين:
قال الشَّافِعِي ﵀: قال الله ﵎: (الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ (٣) .
قال الشَّافِعِي ﵀: اخئُلف في تفسير هذه الآية، فقيل: نزلت في بغايا
كانت لهن رايات، وكن غير محصنات، فأراد بعض المسلمين نكاحهن، فنزلت هذه الآية بتحريم أن ينكحن إلا من أعلن بمثل ما أعلَن به، أو مشركًا.
وقيل: كن زواني مشركات، فنزلت لا ينكحهن إلا زان مثلهن مشرك، أو
مشرك وإن لم يكن زانيًا: (وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ) الآية.
 
٣ ‏/ ١١١٢
 
وقيل غير هذا.
وقيل: هي عامة، ولكنها نسخت.
أخبرنا سفيان، عن يحمص بن سعيد، عن ابن المسيب في قوله: (الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً) الآية.
قال: هي منسوخة، نسختها: (وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ) الآية.
فهي من أيامى المسلمين.
قال الشَّافِعِي ﵀: فوجدنا الدلالة عن رسول الله ﷺ في زانية وزان من المسلمين، لم نعلمها حَرَّم على واحد منهما أن ينكح غير زانية ولا زان، ولا حرم واحدًا منهما على زوجه، فقد أتاه ماعز بن مالك، وأقرَّ عنده بالزنا مرارًا، لم يأمره في واحدة منها أن يجتنب زوجة له إن كانت، ولا زوجته أن تجتنبه، ولو كان الزنا يحرمه على زوجته أشبه أن يقول له: إن كانت لك زوجة حرمت عليك، أو لم تكن لم يكن لك أن تنكح، ولم نعلمه أمره بذلك، ولا أن لا ينكح.
ولا غيره أن لا ينكحه إلا زانية، وقد ذكر له رجل امرأة زنت وزوجها حاضر، فلم يأمر النبي ﷺ فيه، علمنا زوجها باجتنابها، وأمر أنيسًا أن يغدو عليها فإن
اعترفت رجمها، وقد جلد ابن الأعرابي في الزنا مائة جلدة، وغرَّبه عامًّا، ولم ينهه كما علمنا أن ينكح،، ولا أحدًا أن ينكحه إلا زانية.
وقد رفع الرجل الذي قذف امرأته إليه أمْر امرأته، وقذفها برجل، وانتفى
من حملها فلم يأمره باجتنابها حتى لاعَنَ بينهما - وساق أدلة أخرى على هذا
الموضوع -.
 
٣ ‏/ ١١١٣
 
الأم (أيضًا): ما جاء في نكاح المحدودين:
بعد أن ساق ما ورد مما ذكر بالفقرة السابقة من الأقوال -.
قال الشَّافِعِي ﵀: ورُوي من وجه آخر غير هذا، عن عكرمة أنه قال:
لا يزني الزاني إلا بزانية، أو مشركة.
والزانية لا يزني بها إلا زان أو مشرك.
قال أبو عبد الله الشَّافِعِي ﵀: يذهب - أي: عكرمة ﵀ إلى
قوله: ينكح، أي: يصيب.
فلو كان كما قال مجاهد نزلت في بغايا من بغايا الجاهلية، فَحُرِّمنَ على
الناس إلا من كان منهم زانيًا أو مشركًا، فإن كن على الشرك فهن محرمات على زناة المسلمين، وغير زناتهم، وإن كن أسلمن، فهن بالإسلام محرمات على جميع المشركين لقول اللَّه تعالى: (فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ) الآية.
قال الشَّافِعِي ﵀: ولا اختلاف بين أحد من أهل العلم في تحريم
الوثنيات - عفائف كن أو زواني - كن -، على من آمن زانيًا كان أو عفيفًا، ولا في أن المسلمة الزانية محرمة على المشرك بكل حال.
قال الشَّافِعِي ﵀: وليس فيما رُوي عن عكرمة ﵀:
«لا يزني الزاني إلا بزانية أو مشركة»
تبيين شيء إذا زنى فطاوعته مسلمًا كان أو مشركًا.
أو مسلمة كانت أو مشركة فهما زانيان والزنا محرم على المؤمنين، فليس في هذا أمر يخالف ما ذهبنا إليه فنحتج عليه.
قال الشَّافِعِي ﵀: ومن قال هذا حُكْمٌ بينهما، فالحجة عليه بما وصفنا
من كتاب اللَّه ﷿ الذي اجتمع على ثبوت معناه أكثر أهل العلم، فاجتماعهم أولى أن يكون ناسخًا.
 
٣ ‏/ ١١١٤
 
الأم (أيضًا): باب ما جاء في قول الله ﷿: (وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ):
قال الشَّافِعِي ﵀: وفي هذه الاية دلالة على أن قول اللَّه عز اسمه:
(الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ) الآية، كما قال ابن المسيب إن شاء اللَّه تعالى منسوخة، نسختها: (وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ) الآية، فهن من أيامى المسلمين.
وقال اللَّه ﷿: (فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ) الآية.
يشبه عندي - واللَّه تعالى أعلم - أن يكون إذا لم تقطع العصمة بالزنا، فالموارثة باحكام الإسلام ثابتة عليها وإن زنت، ويدل إذا لم تقطع العصمة بينها وبين زوجها بالزنا، لا بأس أن ينكح امرأة وإن زنت، إن ذلك لو كان يحرم نكاحها قُطعت العصمة بين المرأة تزني عند زوجها وبينه، وأمر اللَّه ﷿ في اللاتي يأتين الفاحشة من النساء بأن يحبسن في البيوت - حتى يتوفاهن الموت، أو يجعل اللَّه لهن سبيلًا، منسوخ بقول اللَّه ﷿: (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي) الآية في كتاب اللَّه، ثم على لسان رسوله ﷺ.
 
٣ ‏/ ١١١٥
 
قال الله ﷿: (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً)
الأم: اللعان:
قال الشَّافِعِي ﵀: قال الله تعالى: (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً) الآية.
وقال اللَّه تعالى: (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ) الآية، إلى: (أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ) .
فلما حكم اللَّه في الزوج القاذف بأن يلتعن دلَّ ذلك على أن اللَّه إنما أراد بقوله - تعالى: (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ)
القَذفَةَ غير الأزواج، وكان القاذف الحر الذمي، والعبد المسلم، والذمي، إذا قذفوا الحرة المسلمة جُلِدوا الحد معًا، فجَلْدُ الحر حد الحر، والعبد حد العبد، وأنه لم يبرأ قاذف بالغ يجري عليه الحكم من لم يحده حده، إن لم يخرج منه بما أخرجه الله تعالى به من الشهود على المقذوفة؛ لأن الآية عامة على المقذوفة.
قال الشَّافِعِي ﵀: قال اللَّه ﵎ في الذين يرمون المحصنات: (ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً)
فكانت الآية عامة على رامي المحصنة، فكان سواء قال الرامي لها: رأيتها تزني، أو رماها ولم يقل: رأيتها تزني، فإنه يلزمه اسم الرامي.
 
٣ ‏/ ١١١٦
 
الأم (أيضًا): كتاب اللعان:
أخبرنا الربيع بن سليمان قال:
أخبرنا الشَّافِعِي ﵀ نال: قال اللَّه تعالى: (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً) الآية.
قال الشَّافِعِي ﵀: ثم لم أعلم مخالفًا في أن ذلك: إذا طلبت ذلك
المقذوفة الحرة، ولم يأت القاذف بأربعة شهداء يخرجونه من الحد، وهكذا كل ما أوجبه اللَّه تعالى لأحد وجب على الإمام أخذه له، إن طلبه أخذه له بكل حال.
الأم (أيضًا): خلاف بعض الناس في المرتد والمرتدة:
قال الشَّافِعِي ﵀: وقال اللَّه تعالى: (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً) الآية.
فقال المسلمون في اللاتي يرمين المحصنات: يجلدن ثمانين جلدة، ولم يفرفوا بينها وبين الرجل، يُرمى إذ رمت، فكيف فرقت بينها وبين الرجل في الحد.
قال الشَّافِعِي ﵀: عفا اللَّه عنه، فقلنا له: النص عليك، والقياس
عليك، وأنت تدعى القياس حيث تخالفه، فقال أما إن (أبا يوسف) قد فال
قولكم، فزعم: أن المرتدة تقتل، فقلت: أرجو أن يكون ذلك خيرًا له.
قال الشَّافِعِي ﵀: ما يزيد قوله قولنا قوة، ولا خلافه وَهنًا.
 
٣ ‏/ ١١١٧
 
الأم (أيضًا): باب (الدعوى في الشراء والهبه والصدقه)
قال الشَّافِعِي ﵀: وقد قال اللَّه ﵎: (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً) الآية.
فكان بينًا أن المأمور بجلده ثمانين، هو من قَصَدَ قَصدَ محصنة بقذف، لا من وقع قذفه على محصنة بحال، ألا ترى أنه لو كان يحد من كان لم يقصد قصد القذف، إذا وقع القذف بمثل ما تقع به الإيمان.
الأم (أيضًا): الشهادات:
أخبرنا الربيع بن سليمان قال:
أخبرنا الشَّافِعِي رحمه الله تعالى قال: وقال اللَّه ﷿: (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً) الآية.
أخبرنا مالك، عن سهيل، عن أبيه، عن أبي هريرة أن سعدًا قال: يا رسول
الله أرأيت إن وجدت مع امرأتي رجلًا أمهله حتى آتي بأربعة شهداء؟
فقال رسول اللَّه ﷺ: «نعم» الحديث.
الأم (أيضًا): باب (اليمين مع الشاهد):
قال الشَّافِعِي ﵀: وقال الله تعالى: (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً) الآية.
قيل له - أي: للمحاور -:
 
٣ ‏/ ١١١٨
 
هذا كما قال اللَّه ﷿؛ لأن اللَّه حكم في الزنا بأربعة، فإذا قذف رجل رجلًا بالزنا، لم يخرجه من الحدِّ إلا أن يقيم عليه بينة بأنه زان، ولا يكون عليه بينة تقطع أقل من أربعة، وما لم يتمُّوا أربعة فهو قاذف يحد، وإنما أريد بالأربعة أن يثبت عليه الزنا، فيخرج من ذلك القاذف، ويحد المشهود عليه (المقذوف)
وحكمهم معًا حكم شهود الزنا؛ لأنهن شهادات على الزنا لا على القذف.
فإذا قام على رجل شاهدان بأنه قذف رجلًا حُدَّ؛ لأنه لم يذكر عدد شهود
القذف فكان قياسًا على الطلاق وغيره مما وصفت، ولا يخرج من أن يحد له إلا بأربعة شهداء يثبنون الزنا على المقذوف فيحد، ويكون هذا صادقًا في الظاهر، واللَّه تعالى الموفق.
الأم (أيضًا): باب (شهادة القاذف):
قال الشافعي ﵀: قال اللَّه ﵎: (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (٤) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا) الآيتان.
قال الشَّافِعِي ﵀: فأمر اللَّه ﷿ أن يضرب القاذف ثمانين، ولا تقبل له شهادة أبدًا، وسماه فاسقًا إلا أن يتوب.
فقلنا: يلزم أن يضرب ثمانين، وأن لا تقبل له شهادة، وأن يكون عندنا في
حال من سُمي بالفسق إلا أن يتوب، فإذا تاب قبلت شهادته، وخرج من أن
يكون في حال من سُمِّي بالفسق.
قال الشَّافِعِي ﵀: وتوبته إكذابه نفسه، فإن قال قائل: فكيف تكون
التوبة الإكذاب؟!
قيل له: إنما كان في حدِّ المذنبين بأن نطق بالقذف وترك الذنب
 
٣ ‏/ ١١١٩
 
هو أن يقول: القذف باطل، وتكون التوبة بذلك، وكذلك يكون الذنب في الردة بالقول بها، والتوبة: الرجوع عنها بالقول فيها، بالإيمان الذي ترك.
الأم (أيضًا): باب (الرجل يمسك الرجل حتى يقتله):
قال الشَّافِعِي ﵀: وقال الله تعالى: (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً) الآية.
ولم أجد أحدًا من خلق الله تعالى يقتدى به، حدَّ أحدًا قط على غير
فعل نفسه، أو قوله.
الأم (أيضًا): المدَّعي والمدَّعَى عليه:
قال الشَّافِعِي ﵀: وقال الله ﷿ في قَدفةِ المحصنات: (فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (٤) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا) الآيتان.
وقلنا: إذا تاب القاذف قبلت شهادته، وذلك بين في كتاب الله ﷿.
قال الشَّافِعِي ﵀: أخبرنا سفيان بن عيينة قال: سمعت الزهري يقول:
زعم أهل العراق: أن شهادة القاذف لا تجوز؛ لأشهد.
أخبرني سعيد بن المسيب أن عمر بن الخطاب ﵁ قال لأبي بكرة ﵁: تب تقبل شهادتك، أو إن تبت قبلت
شهادتك.
قال: وسمعت سفيان يحدث به هكذا مرارًا، ثم سمعته يقول: شككت فيه.
قال سفيان ﵀: أشهد لأخبرني ثم سمى رجلًا، فذهب علي حفظ اسمه
فسألت، فقال لي: عمر بن قيس هو سعيد بن المسيب، وكان سفيان لا يشك أنه ابن المسيب ﵀.
 
٣ ‏/ ١١٢٠
 
قال الشَّافِعِي ﵀: وأما في ظاهر القرآن فإن الله ﷿ يقول: (فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا) الآية.
قلت: أفبالقذف قال الله ﷿: (وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا) الآية.
أم بالجلد؟
قال: بالجلد عندي.
قلت: وكيف كان ذلك عندك والجلد إنما وجب بالقذف؟ ..
وقلت له: إذ قال اللَّه ﷿: (إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا) الآية.
فكيف جاز لك أو لأحد أن تكلف من العلم شيئًا أن يقول: لا أقبل شهادة القاذف وإن تاب؟!
الأم (أيضًا): باب (الخلاف في إجازة شهادة القاذف):
قال الشَّافِعِي ﵀: فخالفنا بعض الناس في القاذف، فقال: إذا ضرب
الحد ثم تاب لم تجز شهادته أبدًا، وإن لم يضرب الحد، أو ضربه ولم يوفه جازت شهادته، فذكرت له ما ذكرت من معنى القرآن والآثار، فقال: فإنا ذهبنا إلى قول الله ﷿: (وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (٤) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا)
فقلنا: نطرح عنهم اسم الفسق ولا نقبل لهم شهادة.
فقلت: لقائل هذا أو تجد الأحكام عندك فيما يستثنى على ما وصفت فيكون مذهبًا ذهبتم في اللفظ، أم الأحكام عندك في الاستثناء على غير ما وصفت؟!
فقال: أوضِح هذا لي.
قلت: أرأيت رجلًا لو قال: والله لا أكلمك أبدًا.
ولا أدخل لك بيتًا، ولا آكل لك طعامًا، ولا أخرج معك سفرًا، وإنك لغير حميد عندي، ولا أكسوك ثوبًا - إن شاء الله تعالى - أيكون الاستثناء واقعًا على ما بعد قوله: (أَبَدًا)، أو على ما بعد غير حميد عندي، أو على الكلام كله؟
 
٣ ‏/ ١١٢١
 
قال: بل على الكلام كله.
قلت: فكيف لم توقع الاسثئناء في الآية على الكلام كله.
وأوقعتها في هذا الذي هو أكثر في اليمين على الكلام كله!.
الرسالة: باب (الفرائض التي أنزل الله نصًّا):
قال الشَّافِعِي ﵀: قال الله جل ثناؤه: (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) .
قال الشَّافِعِي ﵀: فالمحصنات هاهنا: البوالغ، الحرائر، وهذا يدل
على أن الإحصان اسم جامع لمعاني مختلفة.
* * *
قال الله ﷿: (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ (٦) وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (٧) وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ (٨) وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ (٩)
الأم: الكلام الذي ينعقد به النكاح وما لا ينعقد:
قال الشَّافِعِي ﵀: وقال الله تعالى: (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ) الآية.
وفي هذا - وغيرها من الآيات التي أوردها الشَّافِعِي في أول الباب - دلالة على
 
٣ ‏/ ١١٢٢
 
أن لا يجوز نكاح إلا باسم النكاح أو التزويج، ولا يقع بكلام غيرهما وإن
كانت معه نية التزويج.
الأم (أيضًا): الخلاف في طلاق المختلعة:
قال الشَّافِعِي ﵀: فخالفنا بعض الناس في المختلعة فقال: إذا طُلقَت
في العدة لحقها الطلاق، قال - أي: المخالف - وأين الحجة من القرآن؟
قلت: قال اللَّه تعالى: (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ) إلى آخر الآيتين.
الأم (أيضًا): اللعان:
قال الشَّافِعِي ﵀: قال اللَّه ﵎: (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ) الآية.
وقال تعالى: (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ)
إلى: (أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ) الآيات.
فلما حكم الله في الزوج القاذف بأن يلتعن، دل ذلك على أن اللَّه إنما أراد بقوله: (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ) الآية، القَدفةَ غير الأزواج. ..
ثم قال: كانت الآية في اللعان كذلك - واللَّه تعالى أعلم - عامة على
الأزواج القَذفةِ، فكان كل زوج قاذف يلاعن، أو يحد، إن كانت المقذوفة ممن لها حد أو لم تكن، لأن على من قذفها إذا لم يكن لها حدٌّ تعزيرًا، وعليها حدٌّ إذا لم تلتعن بكل حال؛ لأنه لا افتراق، بين عموم الآيتين معًا.
 
٣ ‏/ ١١٢٣
 
قال الشَّافِعِي ﵀: لاعن رسول الله ﷺ بين المتلاعنين بما حكم الله ﷿ في القرآن، وقد حكى من حضر اللعان في اللعان ما احتيج إليه مما ليس في القرآن منه.
قال الشَّافِعِي ﵀: فإذا لاعن الحاكم بين الزوجين، وقال للزوج: قل:
(أشهدُ بالله إني لمن الصادقين فيما رميتها به من الزنا)، ثم ردها عليه حتى يأتي
بها أربع مرات، فإذا فرغ من الرابعة وقفه وذكره، وقال: (اتق الله تعالى أن تبوء بلعنة الله فإن قولك: إن لعنة الله عليَّ إن كنت من الكاذبين فيما رميتها به من الزنا موجبة توجب عليك اللعنة إن كنت كاذبًا، فإن وقف كان لها عليه الحد إن قامت به، وإن حلف لها فقد أكمل ما عليه من اللعان) .
وينبغي أن يقول للزوجة فتقول: (أشهد بالله إنه لمن الكاذبين فيما رماني به
من الزنا حتى تقولها أربعًا، فإذا أكملت أربعًا وقفها وذكرها، وقال:
(اتقي الله واحذري أن تبوئي بغضب الله، فإن قولك: (عليَّ غضب الله إن كان من الصادقين فيما رماني به من الزنا)، يوجب عليك غضب الله إن كنت كاذبة، فإن مضت فقد فرغت مما عليها، وسقط الحد عنها، وهذا الحكم عليهما، واللَّه ولي أمرهما فيما غاب عما قالا، فإن لاعَنَها بإنكار ولد أو حَبَل قال: أشهدُ بالله إني لمن الصادقين فيما رميتها به من الزنا، وإن ولدها هذا، أو حَبَلَها هذا - إن كان حبلًا لمِن زنا، ما هو مني، ثم يقولها في كل شهادة، وفي قوله؛ وعليَّ لعنةُ الله حتى تدخل مع حَلِفِه على صدقه على الزنا؛ لأنه قد رماها بشيئين بزنا وحمل أو ولد ينفيه، فلما ذكر الله ﷿ الشهادات أربعًا ثم فصل بينهن باللعنة في الرجل.
 
٣ ‏/ ١١٢٤
 
والغضب في المرأة، دل ذلك على حال افتراق الشهادات في اللعنة والغضب، واللعنة والغضب بعد الشهادة موجبتان على من أوجب عليه، لأنه متجرئ
على النفي، وعلى الشهادة بالله تعالى باطلًا، ثم يزيد فيجترئ على أن يلتعن، وعلى أن يدعو بلعنة اللَّه، فينبغي للوالي إذا عرف من ذلك ما جهلا، أن
يفقههما، نظرًا لهما، استدلالًا بالكتاب والسنة.
أخبرنا ابن عيينة، عن عاصم بن كليب، عن أبيه، عن ابن عباس رضي الله
عنهما أن النبي ﷺ حين لاعن بين المتلاعنين أمر رجلًا أن يضع يده على فيه في الخامسة، وقال: إنها موجبة» الحديث. -
ثم ذكر حديث ملاعنة عويمر العجلاني وزوجته عند النبي ﷺ.
قال الشَّافِعِي ﵀: قال الله ﵎: (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ)
إلى: (فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ) الآية، فكان الزوج راميًا قال: رأيتُ أو علمتُ بغير
رؤية، فلما قُبِلَ منه ما لم يقل فيه، من القذف، رأيت يلاعن به، بأنه داخل في جملة القَذفةِ غير خارج منهم إذا كان إنما قبل في هذا قوله، وهو غير شاهد لنفسه قبل قوله، إن هذا الحمل ليس مني، وإن لم يذكر استبراء قبل القذف لا اختلاف بين ذلك.
قال الشَّافِعِي ﵀: وقد يكون استبرأها، وقد علقت من الوطء قبل
الاستبراء، ألا ترى أنه لو قال وقالت: قد استبرأني تسعة أشهر حضت فيها
 
٣ ‏/ ١١٢٥
 
تسع حيض، ثم جاءت بعد بولد لزمه، وإن الولد يلزمه بالفراش، وإن الاستبراء لا معنى له ما كان الفراش قائمًا، فلما أمكن أن يكون الاستبراء قد كان، وحَمْلٌ قد تقدمه، فأمكن أن يكون قد أصابها، والحمل من غيره، وأمكن أن يكون كاذبًا في جميع دعواه للزنا، ونفي الولد، وقد أخرجه اللَّه من الحد باللعان.
ونفى رسول الله ﷺ عنه الولد، استدللنا على أن هذا كله إنما هو بقوله، ولما كنا إذا كذب نفسه حددناه وألحقنا به الولد، استدللنا على أن نفي الولد بقوله، ولو كان نفي الولد لا يكون إلا بالاستبراء، فمضى الحكم بنفيه لم يكن له أن يُلْحِقه
نفسه، لأنه لم يكن بقوله فقط دون الاستبراء، والاستبراء غير قوله، فلما قال اللَّه ﵎ بعد ما وصف من لعان الزوج: (وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ) الآية.
استدللنا على أن اللَّه ﷿ أوجب عليها العذاب.
والعذاب: الحد، لا تحتمل الآية معنى غيره - واللَّه أعلم -.
الأم (أيضًا): الخلاف في اللعان:
قال الشَّافِعِي ﵀: قال اللَّه ﷿:
(وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ) الآية.
فلم يجز أن يلاعن من لا شهادة له؛ لأن شرط الله ﷿
في الشهود العدول، وكذلك لم يجز المسلمون في الشهادة إلا العدول.
قال الشَّافِعِي ﵀: قول الله ﵎ من بعد ذكره التعان
الزوج -: (وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ) الآية.
فكان بينًا غير مشكل - واللَّه أعلم - في الآية أنها تدرأ عن نفسها بما لزمها إن لم تلتعن بالالتعان.
 
٣ ‏/ ١١٢٦
 
الأم (أيضًا): الخلاف في هذا الباب - أي: في أحكام الطلاق والإيلاء والظهار واللعان والإرث -:
قال الشَّافِعِي ﵀: وقد حكم اللَّه بين الزوجين أحكامًا - منها -: (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ) الآية.
قال الشَّافِعِي ﵀: أفرأيت المطلق ثلاثًا إن آلى منها في العدة أيلزمه
الإيلاء؟
قال: لا.
قلت: فإن تظاهر أيلزمه الظهار؟
قال لا.
قلت: فإن قذف أيلزمه اللعان؟ أو مات أترثه؟ أو ماتت أيرثها؟
قال: لا.
قلت: فهذه الأحكام التي حكم الله ﷿ بها بين الزوجين تدل، على أن الزوجة المطلقة ثلاثًا ليست بزوجة وإن كانت تعتد؟!.
الأم (أيضًا): الظهار:
قال الشَّافِعِي ﵀: وإذا تظاهر من أمته - أم ولد كانت أو غير أم
ولد - لم يلزمه الظهار. . وكذلك قال الله تعالى: (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ)
وليست من الأزواج، فلو رماها - أي: وهو مظاهر منها - لم يلتعن.
لأنا عقلنا عن الله ﷿ أنها ليست من نسائنا، وإنَّما نساؤنا أزواجنا، ولو جاز أن يُلزم - أي: القاضي - واحدًا من هذه الأحكام لزمها كلها؛ لأن ذكر اللَّه ﷿ لها واحد.
 
٣ ‏/ ١١٢٧
 
الأم (أيضًا): كتاب اللعان:
قال الشَّافِعِي ﵀: وإذا قذف الرجل زوجته؛ فلم تطلب الحد حتى
فارقها، أو لم يفارقها، ولم تعفِه، ثم طلبته التعن، أو حُدَّ إذا أبى أن يلتعن.
وكذلك لو ماتت كان لوليها أن يقوم به فيلتعن الزوج أو يحد، وقال اللَّه تعالى: (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ)
إلى قوله: (أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ) الآية.
قال الشَّافِعِي ﵀: فكان بينًا في كتاب الله ﷿ أن اللَّه أخرج الزوج من قذف المرأة بشهادته: (أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ (٦) وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (٧» الآية.
كما أخرج قاذف المحصنة غير الزوجة بأربعة شهود يشهدون عليها بما قذفها به من الزنا، وكانت في ذلك دلالة: أن ليس على الزوج أن يلتعن حتى تطلب المرأة المقذوفة حدها، وكما ليس على قاذف الأجنبية حدٌّ حتى تطلب حدها.
الأم (أيضًا): ما يكون قذفًا وما لا يكون:
قال الشَّافِعِي ﵀: ولا لعان حتى يقذف الرجل امرأته بالزنا صريحًا.
لقول اللَّه ﷿: (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ) الآية.
قال: فإذا فعل فعليه اللعان إن
 
٣ ‏/ ١١٢٨
 
طلبته، وله نفي ولده وحمله، إذا قال هو من الزنا الذى رميتها به، ولو ولدت ولدًا فقال: ليس بابني، أو رأى حَمْلًا فقال: ليس مني، ثم طلبت الحد فلا حدَّ ولا لعان حتى يَقِفَهُ في الولد، فيقول: لم قلت هذه؟
فإن قال: لم أقذفها، ولكنها لم تلده أو ولدته من زوج غيري قبلي.
وقد عرف نكاحها، فلا يلحقه نسبه إلا أن ئاتي بأربع نسوة يشهدن أنها ولدته وهي زوجته في وقت يعلم أنها كانت فيه
زوجته، يمكن أن تلد منه عند نكاحها في أقل ما يكون من الحمل أو أكثره، فإن لم يكن لها أربع نسوة يشهدن، فسألت يمينه ما ولدته وهي زوجته، أو ما ولدته في الوقت الذي إذا ولدته فيه لحقه نسبه، أحلفناه، فإن حلف برئ، وإن نكل أحلفناها، فإن حلفت لزمه، وإن لم تحلف لم يلزمه.
الأم (أيضًا): المدَّعي والمدَّعَى عليه:
قال الشَّافِعِي ﵀: نال الله ﷿: (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ) إلى قوله: (أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ) الآيات.
قال الشَّافِعِي ﵀: فبين - واللَّه أعلم - في كتاب اللَّه ﷿ أن كل زوج - قد - يلاعن زوجته؛ لأن اللَّه ﷿ ذكر الزوجين مطلقين، لم يخص أحدًا من الأزواج دون غيره، ولم تدل سنة، ولا أثر، ولا إجماع من أهل العلم على أن ما أريد بهذه الآية بعض الأزواج دون بعض.
قال الشَّافِعِي ﵀: إن التعن الزوج، ولم تلتعن المرأة حُدَّت إذا أبت أن
تلتعن، لقول اللَّه ﷿: (وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ) الآية، فقد أخبر - واللَّه أعلم - أن العذاب كان عليها إلا أن تدرأه باللعان، وهذا ظاهر حكم اللَّه جل وعز.
 
٣ ‏/ ١١٢٩
 
قال الشَّافِعِي رحمه اثه: وقال اللَّه ﷿: (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ) .
وإذا رمى المختلعة في العدة أيلاعنها؟
قال - أي: المحاور -: لا.
قلت - أي: الشَّافِعِي ﵀: أفبالقرآن تبين أنها
ليست بزوجة؟
قال نعم.
الأم (أيضًا): باب (ما يجب فيه اليمين):
قال الشَّافِعِي رحمه اثه: وقال اللَّه تعالى في الزوج: (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ) إلى قوله: (أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ) الآيات.
فحكم اللَّه ﷿ على القاذف غير الزوج بالحد ولم يجعل له
مخرجًا منه إلا بأن يأتي بأربعة شهداء، وأخرج الزوج من الحد بأن يحلف أربعة
أيمان ويلتعن بخامسة، ويسقط عنه الحد، ويلزمها - أي: الحد - إن لم تخرج أربعة أيمان والتعانها، وسن رسول الله ﷺ أن ينفي الولد والتعانه، وسن بينهما الفرقة، ودرأ اللَّه تعالى عنها الحد بالإيمان مع التعانه.
الأم (أيضًا): باب (إبطال الاستحسان):
قال الشَّافِعِي ﵀: وقال الله ﵎: (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ)
وقال ﷿: (وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ) الآية.
فحكم بالأيمان بينهما؛ إذا كان الزوج يعلم من المرأة ما لا يعلمه الأجنبيون، ودرأ عنه وعنها بها، على أن أحدهما كاذب، وحكم في الرجل يقذف غير زوجته أن يحدَّ.
 
٣ ‏/ ١١٣٠
 
إن لم يأت بأربعة شهداء على ما قال، ولاعَنَ رسول الله ﷺ بين العجلاني وامرأته بنفي زوجها - لولدها -، وقذفها بشَريكِ بن السحمَاء فقال رسول الله ﷺ:
»انظروها فإن جاءت به - يعنى: الولد - أسحم أدعج عظيم الإليتين فلا
أراه إلا صدق«
وتلك صفة شريك الذي قذفها به زوجها، وزعم أن حملها منه.
قال رسول الله ﷺ:
وإن جاءت به أحيمر كأنه وَحَرَة، فلا أراه إلا - قد - كذب عليها»
وكانت تلك الصفة، صفة زوجها، فجاءت به يشبه شريك بن السحماء.
فقال النبي ﷺ:
«إن أمره لَبيِّنٌ لولا ما حكم الله.» الحديث.
أي: لكان لي فيه قضاء غيره، - والله أعلم -: لبيان الدلالة بصدق زوجها.
الأم (أيضًا): باب (اليمين مع الشاهد):
قال الشافعي ﵀: وقول الله ﷿ في المتلاعنين:
(فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ (٦) وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (٧) .. الآيتان.
فاستدللنا بكتاب الله ﷿ على تأكيد اليمين على الحالف
في الوقت الذي تعظم فيه اليمين بعد الصلاة، وعلى الحالف في اللعان بتكرير
اليمين، وقوله: (أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ) الآية.
الأم (أيضًا): ما يكون بعد التعان الزوح: (من الفرقة، ونفي الولد، وحدِّ المرأة):
قال الشَّافِعِي ﵀: ومتى التعن الزوج، فعليها أن تلتعن فإن أبت
حُدَّت، وإن كانت حين التعن الزوج حائضًا، فسأل الزوج أن تؤخر حتى تدخل
 
٣ ‏/ ١١٣١
 
المسجد، لم يكن ذلك عليها، وأحلفت بباب المسجد، فإن كانت مريضة لا تقدر على الخروج، أحلفت في بيتها.
قال الشَّافِعِي ﵀: وإن امننعت من اليمين وهي مريضة فكانت ثيبًا
رجمت، وكذلك إن كان في يوم بارد أو ساعة صائفة؛ لأن القتل يأتي عليها.
وإن كانت بكرًا لم تحد حتى تصح، وينقص البرد والحر ثم تحد، وإنما قلت
تحد إذا التعن الزوج لقول اللَّه تعالى: (وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ) الآية.
والعذاب: الحد، فكان عليها أن تحد إذا التعن الزوج، ولم تدرأ عن نفسها بالالتعان، ولو غابت أو عَتِهَت أو غُلبت على عقلها، فإذا حضرت وثاب إليها عقلها التعنت، فإن لم تفعل حدَّت، وإن لم يثب إليها عقلها فلا حد ولا التعان؛ لأنها ليست ممن عليها الحدود.
الأم (أيضًا): باب (رد اليمين):
قال الشَّافِعِي ﵀: - في الرد على من حبس المرأة ولم يقم الحد عليها
إذا أبت أن تلتعن -: فكيف زعمتم أنكم إن لاعنتم بين زوجين فالتعن الزوج، وأبت المرأة تلتعن حبستموها، ولم تحدوها، والقرآن يدل على إيجاب الحد عليها.
لأن اللَّه ﷿ يقول: (وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ) الآية.
فبين - واللَّه أعلم - أن العذاب لازم لها، إذا التعن الزوج، إلا أن تشهد.
ونحن نقول ئحذ إن لم تلتعن، وخالفتم أصل مذهبكم فيه.
قال الشَّافِعِي ﵀: ووجدنا حكم القرآن كما وصفت من أن يقام الحد
على المرأة إذا نكلت، وحلف الزوج، لا إذا نكلت فقط اتباعًا وقياسًا، بل
 
٣ ‏/ ١١٣٢
 
وجدتها لا يختلف الناس في أن لا حدَّ عليها إلا ببينة تقوم، أو اعتراف، وأن لو عُرضَت عليها اليمين فلم تلتعن، لم تحد بترك اليمين، وإذا حلف الزوج قبلها، ثم لم تحلف، فاجتمعت يمين الزوج المدافع عن نفسه الحد والولد الذي هو خصم يلزمه دون الأجنبي، ونكولها عما ألزمها التعانه وهو يمينه حدَّت، بالدلالة لقول الله ﷿: (وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ) الآية.
مختصر المزني: مختصر من الجامع من كتابي لعان جديد وقديم:
قال الشَّافِعِي ﵀: ولو قال لها: يا زانية بنت الزانية، وأمها حرة
مسلمة، فطلبت حد أمها يكن لها، وحُد لأمها إذا طلبته أو وكيلها، والتعن
لامرأته، فإن لم يفعل يحبس حتى يبرأ جلده - أي: من الحد الأول - فإذا برأ
حُدَّ إلا أن يلتعن، ومتى أبى اللعان فحددته إلا سوطًا، ثم قال: أنا ألتعن قبلتُ رجوعه، ولا شيء له فيما مضى من الضرب، كما يفذف الأجنبية ويقول: لا آتي شهود فيضرب بعض الحد، ثم يقول: أنا آتى بهم فيكون ذلك له، وكذلك المرأة إذا لم تلتعن، فضربت بعض الحد، ثم تقول: أنا ألتعن قبلنا، وقال قائل: كيف لاعنت بينه وبين منكوحة نكاحًا فاسدًا بولد، واللَّه يقول: (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ) الآية.
فقلت له: قال النبي ﷺ:
«الولد للفراش وللعاهر الحجر» الحديث.
فلم يختلف المسلمون أن مالك الإصابة بالنكاح الصحيح، أو ملك اليمين قال: نعم.
هذا للفراش. قلت: والزنا، لا يلحق به النسب ولا يكون به مهر، ولا يدرأ فيه حد؟
قال: نعم.
 
٣ ‏/ ١١٣٣
 
مناقب الشَّافِعِي: باب (ما يستدل به على حفظ الشَّافِعِي لكتاب الله ومعرفته
بالقراءات):
وأخبرنا محمد بن عبد اللَّه قال: أخبرني أبو أحمد بن أبي الحسن الدارمي
قال: حدثنا عبد الرحمن (يعني: ابن محمد الحنظلي) قال: حدثنا الربيع بن
سليمان قال: قُرِئ على الشَّافِعِي؛ (أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ) الآية، فقال: ليس هكذا
اقرأ إقراءً: (أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ) و(أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ) الآيتان.
الزاهر باب (اللعان):
قال الأزهري ﵀: قال الله ﷿: (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ) الآية.
معناها: والذين يرمون بالزنا.
وقوله: (فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ) الآية.
وتقرأ: (أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ) بالنصب.
فمن رفع: (أَرْبَعُ) فقوله: (وَالذِين) ابتداء، و(أَرْبَعُ) خبر الابتداء
الذي قبله، وهو قوله: (فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ) ويكونان معًا يسدان مسد خبر
الابتداء الأول، وهو قوله تعالى: (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ) .
ومن نصب: (أَرْبَعَ) فالمعنى: فعليهم أن يشهد أحدهم أربع شهادات
بالله، وإن شئت قلت: إنه على معنى: فالذي يدرأ عنهم العذاب أن يشهد
أحدهم أربع شهادات بالله، ومعنى الشهادات: الأيمان.
وإنما قيل لهذا الحكم: (لعان) لما عقب الأيمان من اللعنة والغضب، إن كانا كاذبين.
وأصل اللعن: الطرد والإبعاد..
 
٣ ‏/ ١١٣٤
 
قال الله ﷿: (لَوْلَا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ (١٣)
الأم: الشهادة في الزنا:
قال الشَّافِعِي ﵀: قال اللَّه ﵎ في القَذفَةِ: (لَوْلَا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ) .
فلا يجوز في الزنا الشهود أقل من أربعة، بحكم الله ﷿، ثم بحكم رسوله ﷺ.
فإذا لم يكملوا أربعة فهم قَذفَة، وكذلك حكم عليهم عمر بن الخطاب ﵁ فجلدهم جلد القذفة، ولم أعلم بين أحد لقيته ببلدنا اختلافًا فيما وصفت، من أنه لا يقبل في الزنا أقل من أربعة، وأنهم إذا لم يكملوا أربعة حُدُّوا حدَّ القذف، وليس هكذا شيء من الشهادات غير شهود الزنا.
الأم (أيضًا): الشهادات:
أخبرنا الربيع بن سليمان قال:
أخبرنا الشَّافِعِي ﵀ قال: قال إلله ﵎: (لَوْلَا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ) .
قال الشَّافِعِي ﵀: فالكتاب والسنة يدلان على أنه لا يجوز في الزنا
أقل من أربعة، والكتاب يدل على أنه لا تجوز شهادة غير عدل، والإجماع يدل على أنه لا يجوز إلا شهادة عدل، حر، بالغ، عاقل لما يشهد عليه.
 
٣ ‏/ ١١٣٥
 
الأم (أيضًا): باب (الإشهاد عند الدفع إلى اليتامى):
قال الشَّافِعِي ﵀: فإن قال قائل: ما دل على أن لا يقطع الحكم في
الزنا بأقل من أربعة شهداء؟
قيل له: الآيتان من كتاب الله ﷿ يدلان على ذلك.
قال الله ﷿ في القذفة: (لَوْلَا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ) الآية.
يقول: لولا جاؤوا على من قذفوا بالزنا بأربعة شهداء بما قالوا، وقول الله ﷿: (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً) الآية.
ودل على ذلك مع الاكتفاء بالتنزيل، السنة، ثم الأثر، ثم الإجماع.
* * *
قال الله ﷿: (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ)
مناقب الشَّافِعِي: باب (ما يستدل به على معرفة الشَّافِعِي بأصول الكلام وصحة اعتقاده فيها:
قال الشَّافِعِي ﵀: وفرض الله على العينين أن لا ينظر بهما إلى ما
حرم الله، وأن يغضيهما عما نهاه، فقال ﵎ في ذلك:
 
٣ ‏/ ١١٣٦
 
(قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ) الآيتين.
أن ينظر أحدهم إلى فرج أخيه، ويحفظ فرجه من أن يُنظر إليه.
وقال كل شيء من حفظ الفرج في كتاب اللَّه، فهو من الزنا إلا هذه الآية، فإنها من النظر.
فذلك ما فرض الله على العينين من غض البصر، وهو عملهما، وهو من الإيمان.
* * *
قال الله ﷿: (وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (٣٢)
الأم: نكاح المحدودين:
قال الشَّافِعِي ﵀: أخبرنا سفيان، عن يحيى بن سعيد، عن ابن
المسيب في قوله: (الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً) الآية.
قال الشَّافِعِي ﵀: هي منسوخة، نسختها: (وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ)
الآية، فهي من أيامى المسلمين.
الأم (أيضًا): ما يجب من إنكاح العبيد:
قال الشَّافِعِي ﵀: قال الله تعالى: (وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ) الآية.
فدلت أحكام اللَّه تعالى، ثم رسوله ﷺ أن لا ملك للأولياء، آباء كانوا أو غيرهم على أياماهم، وأياماهم: الثيبات.
 
٣ ‏/ ١١٣٧
 
الأم (أيضًا): ما جاء في أمر النكاح:
قال الشَّافِعِي ﵀: قال اللَّه ﵎: (وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ) الآية.
قال الشَّافِعِي ﵀: والأمر في الكتاب والسنة، وكلام الناس، يحتمل
معاني:
أحدها: أن يكون اللَّه ﷿ حرم شيئًا ثم أباحه، فكان أمره إحلال ما حرم كقول اللَّه ﷿: (وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا) الآية.
ثانيها: ويحتمل أن يكون دلهم على ما فيه رشدهم بالنكاح، لقوله ﷿: (إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ) الآية.
يدل على ما فيه سبب الغنى والعفاف. ..
قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: بلغنا أن عمر بن الخطاب ﵁ قال: ما رأيت مثل من ترك النكاح بعد هذه الآية: (إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ) الآية.
أخبرنا الربيع قال:
أخبرنا الشَّافِعِي ﵀ قال: أخبرنا سفيان، عن عمرو بن دينار، أن ابن
عمر ﵄ أراد أن لا ينكح، فقالت له حفصة (أم المؤمنين ﵂ تزوج فإن ولد لك ولد فعاش من بعدك، دَعوا لك.
 
٣ ‏/ ١١٣٨
 
قال الله ﷿: (وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ)
الأم: المكاتب:
أخبرنا الربيع بن سليمان قال:
أخبرنا الشَّافِعِي ﵀ قال: قال الله ﷿: (وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ) الآية.
أخبرنا عبد الله بن الحارث بن عبد الملك عن ابن جريج، أنه قال لعطاء ما
الخير؛ المال أو الصلاح أو كل ذلك؛ قال: ما نراه إلا المال.
فإن لم يكن عنده مال وكان رجل صدق؛ قال: ما أحسب خيرًا إلا ذلك المال)
قال مجاهد: (إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا): المال، كائنة أخلاقهم وأديانهم ما كانت.
قال الشَّافِعِي ﵀: والخير كلمة يعرف ما أريد منها بالمخاطبة بها -
وضرب أمثلة على ذلك -.
 
٣ ‏/ ١١٣٩
 
قال الشَّافِعِي ﵀: فلما قال الله ﷿: (إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا) الآية.
كان أظهر معانيها بدلالة ما استدللنا به من الكتاب:
١ - قوة على اكتساب المال.
٢ - وأمانة؛ لأنه قد يكون قويًا فيكسب، فلا يؤدي إذا لم يكن ذا أمانة.
وأمينًا فلا يكون قويًا على الكسب فلا يؤدي.
قال الشَّافِعِي ﵀: ولا يجوز عندي - واللَّه تعالى أعلم - في قوله:
(إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا) إلا هذا.
ثم قال: والعبد والأمة البالغان في هذا سواء كانا ذوي صنعة أو غير - ذي
صنعة، إذا كان فيهما قوة على الاكتساب والأمانة - وبسط الكلام في ذلك -.
الأم (أيضًا): ما يجب على الرجل يكاتب عبده قويًا أمينًا:
قال الشَّافِعِي ﵀: وفي قول اللَّه ﷿: (وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا) الآية.
دلالة على أنه إنما أذن أن يكاتب من يعقل.
لا من لا يعقل، فأبطلت أن تبتغي الكتاب من صبي ولا معتوه ولا غير بالغ
بحال، وإنَّما أبطلنا كتابة غير البالغين والمغلوبين على عقولهم، كاتبوا عن أنفسهم.
أو كاتب عنهم غيرهم، بهذه الآية.
الأم (أيضًا): ما يعتق به المكاتب:
قال الشَّافِعِي ﵀: فإن قال قائل: فإن اللَّه ﷿ يقول: (فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا) الآية.
قيل: هذا مما أحكم اللَّه ﷿ جملته، إباحة الكتابة
بالتنزيل فيه، وأبان أن إعتاق العبد إنما يكون بإعتاق سيده إياه.
 
٣ ‏/ ١١٤٠
 
الأم (أيضًا): تفسير قوله ﷿: (وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ):
قال الشَّافِعِي ﵀: وإذا أدَّى المكاتب الكتابة كلها، فعلى السيد أن يردَّ
عليه منها شيئًا، فإن مات فعلى ورثته، ولو أراد أن يعطيه ورقًا من ذهب أو
ورقًا من شيء كاتبه عليه، لم يجبر العبد على قبوله، إلا أن يشاء ويعطيه مما أخذ منه؛ لأن قوله: (مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ) الآية، يشبه - واللَّه تعالى أعلم - آتاكم منه، فإذا أعطاه شيئًا غيره، فلم يعطه من الذي أمر أن يعطيه، ألا ترى أني لا أجبر أحدًا له حق في شيء أن يعطاه من غيره؟
الأم (أيضًا): كتاب (الصداق):
قال الشَّافِعِي ﵀: وقال اللَّه تعالى: (وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ) الآية.
فأمر الله الأزواج بأن يؤتوا النساء أجورهن وصدقاتهن.
والأجر: هو الصداق، والصداق: هو الأجر والمهر.
الأم (أيضًا): باب (الاستمناء):
قال الشَّافِعِي ﵀: في قول الله تعالى: (وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ) الآية.
معناها - والله أعلم -: ليصبروا حتى يغنيهم اللَّه تعالى.
 
٣ ‏/ ١١٤١
 
الأم (أيضًا): ما جاء في عدد ما يحل من الحرائر والإماء، وما تحل به الفروج:
قال الشَّافِعِي ﵀: وإن لم تختلف الناس في تحريم ما ملكت من
البهائم، فلذلك خفت أن يكون الاستمناء حرامًا من قِبَلِ أنه ليس من الوجهين اللذين أبيحا للفرج.
قال الشَّافِعِي ﵀: فإن ذهب ذاهب إلى أن يحله لقول اللَّه تعالى: (وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ) الآية.
فيشبه أن يكونوا إنما أمروا بالاستعفاف عن أن يتناول المرء بالفرج ما لم يبح له به، فيصبر إلى أن يغنيه الله من فضله، فيجد السبيل إلى ما أحل - واللَّه أعلم -.
الأم (أيضًا): باب (ما يستحب من تحصين الإماء عن الزنا):
قال الشَّافِعِي ﵀: قال اللَّه ﷿:
(وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا) الآية.
فزعم بعض أهل العلم بالتفسير أنها نزلت في رجل قد
سماه، له إماء يكرههن على الزنا ليأتينه بالأولاد فيتخولهن، وقد قيل نزلت قبل حد الزنا - واللَّه أعلم -.
فإن كانت نزلت قبل حد الزنا، ثم جاء حد الزنا، فما قبل الحدود منسوخ
بالحدود، وهذا موضوع في كتاب الحدود، وإن كانت نزلت بعد حد الزنا فقد قيل: إن قول الله ﷿ (فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ) الآية، نزلت في الإماء المكرهات، أنه مغفور لهن بما أكرهن عليه.
وقيل غفور، أي: هو أغفر وأرحم من أن يؤاخذهن بما أكرهن عليه، وفي هذا كالدلالة على إبطال الحد
 
٣ ‏/ ١١٤٢
 
عنهن إذا أكرهن على الزنا، وقد أبطل اللَّه تعالى عمن أكرهِ على الكفر، الكفرَ.
وقال رسول الله ﷺ فيما وضع اللَّه عن أمته:
«وما استكرهوا عليه».
آداب الشافعى: ما في الزكاة والسير والبيوع والعتق والنكاح والطلاق):
قال الشَّافِعِي ﵀: وقال اللَّه تعالى: (فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا)
الآية، تخيير أيضًا: مجتمع عليه.
* * *
قال الله ﷿: (وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ (٤٠)
مناقب الشافعى: باب (ما جاء في خروجه إلى اليمن ومقامه فيها، ثم في حمله
من اليمن إلى هارون الرشيد):
جاء في موعظة الشَّافِعِي ﵀ لهارون الرشيد ما يلي:
". . . أما لو اعتبرت بما سلف، واستقبلت الحسن المُؤتنَف، فنظرت
ليومك، وقدمت لغدك، وقصرت أملك، وصورت بين عينيك اقتراب أجلك.
واستقصرت مدة الدنيا، ولم تغتر بالمهلة لما امتدت إليك يد الندامة، ولا
ابتدرتك الحسرات غدًا في القيامة، ولكن ضرب عليك الهوى رُواق الحيرة
 
٣ ‏/ ١١٤٣
 
فتركك، وإذا بدت لك يد موعظة لم تكد تراها: (وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ) .
قال: فبكى هارون الرشيد حتى بل منديلًا كان بين يديه، وعلا شهيقه
وانتحابه.
* * *
قال الله ﷿: (وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ (٤٨) وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ (٤٩) أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (٥٠) إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (٥١) وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ (٥٢)
الرسالة: باب (ما أمر الله من طاعة رسوله ﷺ:
قال الشَّافِعِي ﵀: - بعد أن سرد الآيات (٤٨ - ٥٢) قال: فأعلم الله
الناس في هذه الآية أن دعاءهم إلى رسول الله ليحكم بينهم، دعاء إلى حكم الله ﷿ لأن الحاكم بينهم رسول الله، وإذا سلموا لحكم رسول الله، فإنما سلموا لحكمه بفرض اللَّه.
وأنه أعلمهم أن حُكمَه حُكُمُه على معنى افتراضه حكمه، وما سبق في
علمه جل ثناؤه من إسعاده بعصمته وتوفيقه، وما شهد له به من هدايته واتباعه أمره.
 
٣ ‏/ ١١٤٤
 
فأحكم ﷾ فرضه بإلزام خلقه طاعة رسوله، وإعلامهم أنها
طاعته، فجمع لهم أن أعلمهم أن الفرض عليهم اتباع أمره، وأمر رسوله، وأن طاعة رسوله طاعته، ثم أعلمهم أنه فرض على رسوله اتباع أمره جل ثناؤه.
* * *
قال الله ﷿: (فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا)
قرأ الربيع الآية (إلى نهايتها)
الأم: مبتدأ التنزيل والفرض على النبي ﷺ ثم على الناس:
قال الشَّافِعِي ﵀: ففرض اللَّه تعالى عليه - أي: على رسوله ﷺ إبلاغهم وعبادته ولم يفرض عليه قتالهم، وأبان ذلك في غير آية من كتابه، ولم يأمره بعزلتهم - منها - وقوله تعالى: (فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا) الآية.
قرأ الربيع الآية إلى نهايتها.
* * *
قال الله ﷿: (وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (٥٦)
مختصر المزني: المقدمة:
قال الشَّافِعِي ﵀: وقال اللَّه تعالى: (وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ)
فكان ظاهر مخرج الآية بالزكاة عامًا يراد به الخاص، بدلالة سنة رسول اللَّه ﷺ
 
٣ ‏/ ١١٤٥
 
على أن من أموالهم ما ليس فيه زكاة، وأن منها مما فيه الزكاة، ما لا يجب فيه الزكاة، حتى يبلغ وزنًا، أو كيلًا، أو عددًا، فإذا بلغه كانت فيه الزكاة، ثم دل على أن من الزكاة شيئًا يؤخذ بعدد، وشيئًا يؤخذ بكيل، وشيئًا يؤخذ بوزن.
وأن منها ما زكاته خُمْس، وعُشر، ورُبع عُشر، شيء بعدد.
* * *
قال الله ﷿: (وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (٥٩)
الأم: فيمن تجب عليه الصلاة:
قال الشَّافِعِي ﵀: ذكر الله ﵎ الاستئذان فقال في سياق
الآية: (وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا) الآية،. ..
وفرض الله ﷿ الجهاد، فأبان رسول الله ﷺ به على من استكمل خمس عشرة سنة، بأن أجاز
ابن عمر ﵄ عام الخندق ابن خمس عشرة سنة، ورده عام أحد ابن أربع عشرة سنة، فإذا بلغ الغلام الحلم، والجارية المحيض - غير مغلوبين على عقولهما - وجبت عليهما الصلاة والفرائض كلها، وإن كانا ابني أقل من خمس عشرة سنة، وجبت عليهما الصلاة، وأمر كل واحد منهما بالصلاة إذا عقلها، فإذا لم يعقلا لم يكونا كمن تركها بعد البلوغ، وأؤدبهما على تركها أدبًا خفيفًا.
 
٣ ‏/ ١١٤٦
 
الأم (أيضًا): كتاب (الحج)، باب (فرض الحج على من وجب عليه الحج)
قال الشَّافِعِي ﵀: قال اللَّه جل ذكره: (وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) الآية.
يعني: الذين أمرهم بالاستئذان من البالغين، فأخبر أنهم إنما يثبت عليهم الفرض في ايذانهم في الاستئذان إذا بلغوا.
الأم (أيضًا): من لا يجب عليه الجهاد:
قال الشَّافِعِي ﵀: وقال اللَّه ﷿ إذ أمر بالاستئذان -: (وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) الآية، فأعلم أن فرض الاستئذان إنما هو على البالغين. . .، ودلت السنة، ثم ما لم أعلم فيه مخالفًا من أهل العلم على مثل ما وصفت.
الأم (أيضًا): سير الواقدي:
أخبرنا الربيع قال:
أخبرنا الشَّافِعِي ﵀ قال: أصل فرض الجهاد والحدود على البالغين
من الرجال، والفرائض على البوالغ من النساء المسلمين، في الكتاب والسنة من موضعين، فأما الكتاب فقول اللَّه تعالى: (وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) الآية.
فأخبر أن عليهم إذا بلغوا الاستئذان فرضًا، كما كان على من قبلهم من البالغين. -
ثم ذكر الموضع الثاني، الآية / ٦ من سورة النساء -.
 
٣ ‏/ ١١٤٧
 
الأم (أيضًا) (من لا يقع طلاقه من الأزواج)
قال الشافعي ﵀: يقع طلاق من لزمه فرض الصلاة والحدود، وذلك
كل بالغ من الرجال غير مغلوب على عقله؛ لأنه إنما خوطب بالفرائض من
بلغ؛ لقول اللَّه تعالى: (وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا) الآية.
* * *
قال الله ﷿ (وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (٦٠)
الأم: ما جاء في أمرالنكاح:
قال الشَّافِعِي ﵀: وقد ذكر اللَّه القواعد من النساء، فلم ينههن عن
القعود، ولم يندبهن إلى نكاح، فقال: (وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ) الآية.
الأم (أيضًا): باب (صلاة المسافر):
قال الشَّافِعِي ﵀: فكان بينًا في كتاب الله تعالى أن قصر الصلاة في الضرب في الأرض والخوف، تخفيف من اللَّه ﷿ عن خلقه، لا أن فرضًا عليهم أن يقصروا، وكما كان قوله: (فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ) الآية.
وزاد في أحكام القرآن قوله: فلو لبسن ثيابهن ولم يضعنها، ما أثِمْنَ.
 
٣ ‏/ ١١٤٨
 
مختصر المزنى: الترغيب (في النكاح وغيره من الجامع):
قال الشَّافِعِي ﵀: اوقد ذكر الله تعالى: (وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ) الآية.
ولم يندبهن إلى النكاح، فدل أن المندوب إليه من يحتاج إليه.
الزاهر باب (في النكاح):
قال الشَّافِعِي ﵀،: وذكر اللَّه: (وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ) الآية، وهن
اللواتي لا يرجون نكاحًا، والواحدة (قاعد) - بغير هاء - وهي التي قعدت عن الزواج، أي: لا تريده، ولا ترجوه.
وقيل: القواعد: اللائي قعدن عن الحيض.
* * *
قال الله ﷿: (لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ)
الأم: باب (صلاة المسافر):
قال الشَّافِعِي ﵀: وكما كان قوله تعالى: (وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ) الآية.
لا أن حتمًا عليهم أن يأكلوا من بيوتهم، ولا بيوت غيرهم - أي: رخصة لهم بالأكل مما ذكر في الآية -.
 
٣ ‏/ ١١٤٩
 
الأم (أيضًا): من له عذر بالضعف والمرض والزمانه في ترك الجهاد:
قال الشَّافِعِي ﵀: قال اللَّه ﷿ في الجهاد: (لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ) الآية.
قال الشَّافِعِي ﵀: وقيل الأعرج: المقعد، والأغلب: أنه الأعرج في
الرجل الواحدة، وقيل: نزلت في أن لا حرج أن لا يجاهدوا.
وهو أشبه ما قالوا.
وغير محتمل غيره، وهم داخلون في حد الضعفاء، وغير خارجين من فرض
الحج ولا الصلاة ولا الصوم ولا الحدود، ولا يحتمل - والله تعالى أعلم - أن يكون أريد بهذه الآية، إلا وضع الحرج في الجهاد دون غيره من الفرائض.
* * *
قال الله ﷿: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ)
الرسالة: بيان فرض الله في كتابه اتباع سنة نبيه ﷺ:
قال الشَّافِعِي ﵀: وقال الله تعالى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ)
فجعل كمال ابتداء الإيمان، الذي ما سواه تبع له: الإيمان بالله ثم رسوله.
 
٣ ‏/ ١١٥٠
 
فلو آمن عبد به ولم يؤمن برسوله: لم يقع عليه اسم كمال الإيمان أبدًا، حتى
يؤمن برسوله معه وهكذا سنَّ رسول الله ﷺ في كل من امتحنه للإيمان.
أخبرنا مالك، عن هلال بن أسامة، عن عطاء بن يسار، عن عمر بن الحكم
قال: «أتيت رسول الله ﷺ بجارية، فقلت: يا رسول الله، عليَّ رقبة، أفأعتقها؟
فقال لها رسول الله: أين الله؟
فقالت في السماء.
فقال: ومن أنا؟
قالت: أنت رسول الله.
قال: فأعتقها» الحديث.
وقال الشَّافِعِي ﵀: وهو (معاوية بن الحكم) وكذلك رواه غير مالك.
وأظن مالك لم يحفظ اسمه.
* * *
قال الله ﷿: (لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا)
الأم: ما جاء في أمر رسول الله ﷺ وأزواجه:
قال الشَّافِعِي ﵀: وقال الله تعالى: (لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا) الآية.
قال الشَّافِعِي ﵀: افترض الله ﷿ على رسوله ﷺ أشياء خففها عن خلقه ليزيده بها - إن شاء الله - قربة إليه وكرامة، وأباح له أشياء حظرها على خلقه زيادة في كرامته وتبيينًا لفضيلته مع ما لا يحصى من كرامته له، وهي موضوعة في مواضعها.
 
٣ ‏/ ١١٥١
 
الأم (أيضًا): باب (نكاح الولاة والنكاح بالشهادة)
قال الشَّافِعِي ﵀: لا على أن لأحدٍ من الآدميين مع رسول الله ﷺ أن يرده عنه إذا عزم رسول الله ﷺ على الأمر به والنهي عنه، ألا ترى إلى قول الله ﷿: (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) الآية.
الأم (أيضًا): باب في (الأقضية)
قال الشَّافِعِي رحمه - الله: وقال اللَّه تعالى: (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ)
فعلم أن الحق كتاب - الله، ثم سنة نبيه ﷺ
فليس لمفتٍ ولا لحاكم أن يفتي ولا يحكم حتى يكون عالمًا بهما، ولا أن يخالفهما، ولا واحدًا منهما بحال، فإذا
خالفهما فهو عاص لله ﷿، وحكمه مردود، فإذا لم يوجدا منصوصين فالاجتهاد.
الأم (أيضًا): باب (حكاية الطائفة التي ردت الأخبار كلها)
قال الشَّافِعِي ﵀: وقال اللَّه: (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) الآية.
 
٣ ‏/ ١١٥٢
 
قال الشَّافِعِي ﵀: ما من شيء أولى بنا أن نقوله في الحكمة: من أنها
سنة رسول الله ﷺ له، ولو كان بعض ما قال أصحابنا: أن اللَّه أمر بالتسليم لحكم رسول اللَّه ﷺ وحكمته: إنما هو مما أنزله، لكان من لم يُسلم له - بأن ينسب إلى
- أنه كفر بآيات اللَّه أولى منه بأن ينسب إلى ترك التسليم لحكم رسول اللَّه
ﷺ.
الأم (أيضًا): سهم الفارس والراجل وتفضيل الخيل:
قال الشَّافِعِي ﵀: وقال اللَّه ﷿: (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) الآية.
وبين ذلك رسول الله ﷺ فأخبرنا سفيان
ابن عيينة عن سالم أبي النضر، قال: أخبرني عبيد اللَّه بن أبي رافع، عن أبيه، عن رسول اللَّه ﷺ أنه قال:
«ما أعرفن ما جاء أحدكم الأمر من أمري مما أمرت به أو
نهيت عنه. فيقول: لا ندري ما هذا، ما وجدنا في كتاب الله ﷿ أخذنا به» الحديث.
الرسالة: باب (ما أمر الله من طاعة وسوله ﷺ
قال الشَّافِعِي ﵀: وقال ﵎: (لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِوَاذًا فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (٦٣) .
 
٣ ‏/ ١١٥٣
 
فأعلمَ اللَّه الناس في هذه الآية، أن دعاءهم إلى رسول الله ﷺ ليحكم بينهم:
دعاء إلى حكم اللَّه؛ لأن الحاكم بينهم رسول الله، وإذا سلموا لحكم رسول
الله ﷺ، فإنما سلموا لحكمه بفرض اللَّه.
قال الشَّافِعِي رحمة الله: فجمع لهم أن أعلمهم أن الفرض عليهم اتباع
أمره وأمر رسوله، وأن طاعة رسوله طاعته، ثم أعلمهم أنه فرض على رسوله
اتباع أمره جل ثناؤه.
 
٣ ‏/ ١١٥٤
 
سورة الفرقان
بسم اللَّه الرحمن الرحيم
قال الله ﷿: (تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا (١)
الرسالة: وجه آخر بين الاختلاف:
قال الشَّافِعِي ﵀: أخبرنا مالك، عن ابن شهاب، عن عروة، عن
عبد الرحمن بن عبد القاري قال: سمعت عمر بن الخطاب ﵁ يقول: سمعت هشام بن حكيم بن حزام يقرأ سورة الفرقان على غير ما أقرؤها، وكان النبي ﷺ أقرأنيها، فكدت أعجل عليه، ثم أمهلته حتى انصرف ثم لبَّبتُه بردائه، فجئت به إلى النبي ﷺ، فقلت: يا رسول اللَّه، إني سمعت هذا يقرأ سورة الفرقان على غير ما أقرأتنيها؛ فقال له رسول اللَّه: «اقرأ»، فقرأ القراءة التي سمعته يقرأ، فقال رسول اللَّه: «هكذا أنزلت»، ثم قال لي: «اقرأ»، فقرأت، فقال: هكذا أنزلت، إن هذا القرآن أُنزل على سبعة أحرف، فاقرؤوا ما تيسر منه" الحديث.
 
٣ ‏/ ١١٥٥
 
قال الشَّافِعِي ﵀: فإذ كان اللَّه لرأفته بخلقه أنزل كتابة على سبعة
أحرف، معرفة منه بأن الحفظ قد يزل: ليَحِل لهم قراءته وإن اختلف اللفظ فيه، ما لم يكن في اختلافهم إحالة معنى، كان ما سوى كتاب اللَّه أولى أن يجوز فيه اختلاف اللفظ ما لم يُحِل معناه، وكل ما لم يكن فيه حكم، فاختلاف اللفظ فيه لا يحيل معناه.
وقد قال بعض التابعين: لقيت أناسًا من أصحاب رسول اللَّه ﷺ فاجتمعوا في المعنى، واختلفوا على في اللفظ.
فقلت لبعضهم ذلك، فقال: لا بأس ما لم يُحِيلُ المعنى.
* * *
قال الله ﷿: (وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا (٤٨)
مختصر المزني: باب (الطهارة)
قال الشَّافِعِي ﵀: قال اللَّه ﷿: (وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا) الآية.
وروي عن رسول الله ﷺ أنه قال في البحر:
«هو الطهور ماؤه الحل ميتته» الحديث.
 
٣ ‏/ ١١٥٦
 
قال الشَّافِعِي ﵀: فكل ماء من بحر عذب أو مالح، أو بئر، أو سماء
أو برد أو ثلج، مسخن وغير مسخن فسواء، والتطهير به جائز، ولا أكره الماء المشمس إلا من جهة الطب، لكراهية عمر ﵁ عن ذلك.
مختصر المزني (أيضًا): باب (الطهارة بالماء)
حدثنا الربيع ﵀ قال:
قال الشَّافِعِي ﵀: قال الله تعالى: (وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا)
فدل على أن الطهارة بالماء كله.
حدثنا الربيع قال:
أخبرنا الثمانعي ﵀، حدثنا الثقة، عن ابن أبي ذئب، عن الثقة عنده.
عمن حدثه، أو عن عبيد اللَّه بن عبد الرحمن العدوي، عن أبي سعيد الخدري
﵁ أن رجلًا سأل رسول الله ﷺ فقال: إن بئر بُضَاعَة يطرح فيها الكلاب والحيَّص، فقال النبي ﷺ:
«إنَّ الماء لا ينجسه شيء» الحديث.
أخبرنا الثقة من أصحابنا، عن الوليد بن كثير، عن محمد بن عباد بن
جعفر، عن عبد الله بن عبد اللَّه بن عمر، عن أبيه ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ:
إذا كان الماء قلتين لم يحمل نجسًا" الحديث.
 
٣ ‏/ ١١٥٧
 
قال الله ﷿: (فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا)
الأم: ما جاء في أمر النكاح:
قال الشَّافِعِي ﵀: وفيل إن الحفدة: الأصهار، وقال ﷿: (فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا) الآية، فبلغنا أن النبي ﷺ قال: «تناكحوا تكثروا فإني أباهي بكم الأمم حتى بالسِّقطِ» الحديث.
الأم (أيضًا): الخلاف فيما يحرم بالزنا:
قال الشَّافِعِي ﵀: وذكر الله ﷿ ما مَن به على العباد فقال: (فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا) الآية، فحرم بالنسب الأمهات، والأخوات، والعمات، والخالات، ومن سمى، وحرم بالصِّهر ما نكح الآباء، وأمهات النساء، وبنات المدخول بهن منهن، فكان تحريمه - جل وعلا - بأن جعله للمحرمات على من حرم عليه حقًا، لغيرهن عليهن، وكان ذلك منًّا مِنهُ بما رضي من حلاله، وكان مَن حَرَمنَ عليه لهن محرمًا، يخلو بهن ويسافر، ويرى منهن ما لا يرى غير المحرم، وإنما كان التحريم لهن رحمة لهن، ولمن حَرُمْنَ عليه، ومنًّا عليهنَّ وعليهم، لا عقوبة لواحد منهما.
 
٣ ‏/ ١١٥٨
 
قال الله ﷿: (وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ وَكَفَى بِهِ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا (٥٨)
أحكام القرآن: ما يؤثر عنه - الشافعى - في التفسير في آيات متفرقة سوى ما مضى
أخبرنا أبو عبد الرحمن السُّلَّمِي، سمعت علي بن أبي عمرو البلخي يقول:
سمعت عبد المنعم بن عمر الأصفهاني يقول: أخبرنا أحمد بن محمد المكي، أخبرنا محمد بن إسماعيل، والحسين بن زيد، والزعفراني، وأبو ثور؛ كلهم قالوا: سمعنا محمد بن إدريس الشَّافِعِي ﵀ يقول: نزه اللَّه ﷿ نبيه ﷺ ورفع قدره، وعلمه وأدبه، وقال: (وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ) الآية.
وذلك أن الناس في أحوال شتى: متوكل على نفسه، أو على ماله، أو على
زرعه، أو على سلطان، أو على عطية الناس، وكل مستند إلى حي يموت، أو على شيء يفنى، يوشك أن ينقطع به.
فنزه الله نبيه ﷺ وأمره: أن يتوكل على الحي الذي لا يموت ﷾.
* * *
قال الله ﷿: (وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا (٦٨) يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا (٦٩)
الأم: باب (من عاد لقتل الصيد):
قال الشَّافِعِي ﵀: قال اللَّه تعالى: (وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا (٦٨) يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا (٦٩)
 
٣ ‏/ ١١٥٩
 
وجعل اللَّه القتل على الكفار، والقتل على القاتل عمدًا، وسن رسول اللَّه
ﷺ العفو عن القاتل بالدية إن شاء ولي المقتول، وجعل الحد على الزاني، فلما أوجب اللَّه عليهم النقمة بمضاعفة العذاب في الآخرة إلا أن يتوبوا، وجعل الحدَّ على الزاني فلما أوجب اللَّه عليهم الحدود، دلَّ هذا على أن النقمة في الآخرة لا تسقِط حكم غيرها في الدنيا.
الأم (أيضًا): الخلاف فيما يؤتى بالزنا:
قال الشَّافِعِي ﵀: وقلت له (أي: للمحاور): قال اللَّه ﷿: (وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا (٦٨) يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا (٦٩)
ثم حد الزاني الثيب على لسان نبيه محمد ﷺ وفي فعله
أعظم حدًّا، حده الرجم، وذلك أن القتل بغير رجم أخف منه، وهتك بالزنا حرمة الدم، فجعل حقًا أن يقتل بعد تحريم دمه، ولم يجعل فيه شيئًا من الأحكام التي أثبتها بالحلال، فلم يثبت رسول الله ﷺ، ولا أحد من أهل دين اللَّه بالزنا نسبًا، ولا ميرائًا، ولا حُرَمًا أثبتها بالنكاح.
الأم (أيضًا): أصل تحريم القتل من القرآن:
أخبرنا الربيع قال:
 
٣ ‏/ ١١٦٠
 
قال الشَّافِعِي ﵀: - أصل تحريم القتل من القرآن آيات كثيرة منها -:
(وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا (٦٨) يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا (٦٩) .
* * *
قال الله ﷿: (وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا (٧٢)
مناقب الشَّافِعِي ﵀: باب (ما يؤثر عنه - الشَّافِعِي - في الإيمان):
قال الشَّافِعِي ﵀: وفرض اللَّه على السمع: أن يتنزه عن الاستماع
إلى ما حرّم الله، وأن يغضي عما نهى اللَّه عنه، فقال: (وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا) الآية، فذلك ما فرض اللَّه جل ذكره على السمع من التنزيه عما لا يحل له، وهو عمله، وهو من الإيمان.
 
٣ ‏/ ١١٦١
 
سورة الشعراء
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قال الله ﷿: (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْرَاهِيمَ (٦٩) إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا تَعْبُدُونَ (٧٠) قَالُوا نَعْبُدُ أَصْنَامًا فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ (٧١) قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ (٧٢) أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ (٧٣)
الرسالة: المقدمة:
قال الشَّافِعِي ﵀: فذكر اللَّه لنبيه جوابًا من جواب بعض من عبد
غيره من هذا الصنف، فحكى جل ثناؤه عنهم قولهم - وذكر عدة آيات منها -
وقال تعالى: (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْرَاهِيمَ (٦٩) إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا تَعْبُدُونَ (٧٠) قَالُوا نَعْبُدُ أَصْنَامًا فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ (٧١) قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ (٧٢) أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ (٧٣) .
* * *
قال الله ﷿: (كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ الْمُرْسَلِينَ (١٦٠) إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ لُوطٌ أَلَا تَتَّقُونَ (١٦١) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (١٦٢) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (١٦٣)
الرسالة: الحجة في تثبيت خبر الواحد)
قال الشَّافِعِي ﵀: وقال الله تعالى: (كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ الْمُرْسَلِينَ (١٦٠) إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ لُوطٌ أَلَا تَتَّقُونَ (١٦١) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (١٦٢) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (١٦٣)
 
٣ ‏/ ١١٦٢
 
وكانت الحجة بها ثابتة على من شاهد أمور الأنبياء، ودلائلهم التي
باينوا بها غيرهم، ومن بعدهم، وكان الواحد في ذلك وأكثر منه سواء، تقوم الحجة بالواحد منهم قيامها بالأكثر.
* * *
قال الله ﷿: (وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (١٩٢) نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (١٩٣) عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ (١٩٤) بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ (١٩٥)
أحكام القرآن: فصل (فيما ذكره الشَّافِعِي في التحريض على تعلم أحكام
القرآن)
قال البيهقي ﵀: ثم ساق الكلام إلى أن:
قال الشَّافِعِي ﵀: والقرآن يدل على أن ليس في كتاب الله شيء إلا بلسان العرب، قال اللَّه ﷿: (وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (١٩٢) نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (١٩٣) عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ (١٩٤) بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ (١٩٥)
فأقام حجته: بأن كتابه عربي.
ثم أكَّد ذلك بأن نفى عنه كل لسان غُير لسان العرب، في آيتين من كتابه.
* * *
قال الله ﷿: (وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ (١٩٦)
الأم: من يلحق بأهل الكتاب
قال الشَّافِعِي ﵀: وأحطنا بأن لله ﷿ أنزل كتبًا غير التوراة والإنجيل والفرقان، فأخبر أن لإبراهيم صحفًا، وقال ﵎:
(وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ) .
 
٣ ‏/ ١١٦٣
 
مختصر المزنى: باب (المُجمَل والمفسَّر):
قال الشَّافِعِي ﵀: ولله كتبٌ نزلت قبل نزول القرآن، المعروف منها عند العامة التوراة والإنجيل، وقد أخبر اللَّه أنه أنزل غيرهما، فقال:
(أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى (٣٦) وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى (٣٧) .
وليس تعرف تلاوة كتب إبراهيم، وذكر زبور داود فقال:
(وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ) .
قال الشَّافِعِي ﵀: والمجوس أهل كتاب غير التوراة والإنجيل، وقد
نسوا كتابهم وبدَّلوه، فأذن رسول الله ﷺ في أخذ الجزية منهم.
* * *
قال الله ﷿: (وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ (٢١٤)
الرسالة: المقدمة:
قال الشَّافِعِي ﵀: وعرَّفنا وخَلقَه نعمه الخاصة، العامة النفع في الدين
والدنيا، وقال: (وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ)، فخصَّ جل ثناؤه قومه
وعشيرته الأقربين في النذارة، وعمَّ الخلق بها بعدهم، ورفع بالقرآن ذكر رسول الله، ثم خصَّ قومه بالنذارة إذ بعثه، فقال: (وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ)
وزعم بعض أهل العلم بالقرآن: أن رسول الله ﷺ قال: يا بني عبد مناف!
إن اللَّه بعثني أن أنذر عشيرتي الأقربين، وأنتم عشيرتي الأقربون.

عن الكاتب

Tanya Ustadz

التعليقات


جميع الحقوق محفوظة

الكتب الإسلامية