أسم الكتاب: أولياء الله بين المفهوم الصوفي والمنهج السني السلفي
اسم المؤلف: عبد الرحمن دمشقية
عدد الأجزاء: 1
التصنيف: التصوف
الولاية والولي
قال الفيروز آبادي ((الولي)) القرب والدنو والمطر بعد المطر، وليت الأرض بالضم. والولي الاسم منه المحب والصديق والنصير، وتولاه أي اتخذه وليا([1]) وفي الصحاح للرازي: ((الولي ضد العدو. والموالاة ضد المعاداة والولاية بالكسر([2])وفي مقاييس اللغة: الولي: القرب، والولي: المطر يجيء بعد الوسمي([3]) قال الراغب الأصفهاني في غريب القرآن ((الولاء والتوالي أن يحصل شيئان فصاعدا حصولا ليس بينهما ما ليس منهما ويستعار ذلك للقرب من حيث المكان ومن حيث النسبة ومن حيث الدين ومن حيث الصداقة والنصر والاعتقاد.
والولاية: تولي الأمر. والولي والمولى يستعملان في ذلك كل واحد منهما يقال في معنى الفاعل أي الموالي، وفي معنى المفعول أي الموالى، يقال للمؤمن هو ولي الله عز وجل ولم يرد مولاه. انتهى([4]) وذكر الشوكاني في فتح القدير أن الولي ((هو القريب))([5]) فهذا من حيث اللغة. أما من حيث الاصطلاح فانه من الضرورة بمكان الرجوع إلى المعنى الحقيقي للفظ ((الولي)) لا سيما وأن الاختلاف في الولاية ناشىء عن الاختلاف في فهم معنى الكلمة ودلالتها. والتعريفات فيها كثيرة، ونبدأ بابن تيمية رحمه الله الذي يذهب إلى أن ((الولاية ضد العداوة. وأصل الولاية المحبة والقرب، وأصل العداوة البغض والبعد)). ((وقد قيل أن الولي سمي وليا من موالاته للطاعات، أي متابعته لها)) لكن هذا التفسير لم يترجح عنده فقال ((والأول أولى))([6]) ولعل وجه ترجيح التعريف الثاني أنه أكثر موافقة للقرآن من حيث استعماله لكلمة ولي ولأن التعريف الأول يشعر بضرورة تتابع الطاعات والإكثار منها كشرط لنيل مرتبة الولاية، وهذا قد يشق على الكثرة من المسلمين، ناهيك عن أن التعريف الثاني أصح وأقرب لغويا.
وقد يعرف بعضهم الولي بتعريف قد يشق على الغالبية من المسلمين كتعريفه للولي بأنه ((العارف بالله))([7])وبصفاته حسب الإمكان، والمواظب على الطاعة، المجتنب للمعاصي، المعرض عن الانهماك في اللذات والشهوات المباحة، وسمي وليا لأنه يتولى عبادة الله على الدوام([8]) وقد جاء أعرابي إلى النبي يطلب منه أن يبين له ما يجب عليه من أمور الدين، فذكر له ما يجب عليه ذلك من شهادة لا اله إلا الله والصلاة والصيام والزكاة والحج، فأجابه بعد ذلك قائلا ((هل علي غيرها؟ قال: لا، ألا أن تطوع. فأدبر وهو يقول: والله لا أزيد على هذا ولا أنقص منه. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أفلح أن صدق، أو دخل الجنة أن صدق)) ([9]).
ولا يدخل الجنة إلا أولياء الله. فدل على أن صفة الولاية ينالها المواظب والمقتصد سواء. قال تعالى ) أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ ( ([10]) فآخر الآية يبين الصفتين في الولي اللتين هما ركيزتان فيه، قال ابن جرير عند ذكر الآية ((والصواب من القول في ذلك أن يقال (الولي) أعني ولي الله هو من كان بالصفة التي وصفه الله بها، وهو الذي آمن واتقى كما قال الله ) الَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ(([11]) فالولاية هي الإيمان والتقوى، ويجب على كل من دخل في دين الله أن يتحلى بهاتين الصفتين، فالتحلي بهما يكون فرضا لا حظا كما يذهب إلى ذلك الحكيم الترمذي([12]) الذي يعتبر الولاية حظا كالنبوة هذا وقد عرف الشوكاني أولياء الله بأنهم ((خلص المؤمنين كأنهم قربوا من الله سبحانه بطاعته واجتناب معصيته)).([13]) أما ابن حجر فذهب إلى أن المراد بولي الله ((العالم بالله المواظب على طاعته، المخلص في عبادته([14]) ولم ير ابن حجر حيث وجد أنه لا أنسب من الاكتفاء بهاتين الكلمتين كمقيد للولاية وهما ((التقوى والإيمان)) فهما واضحان لا يحتاج معهما إلى مزيد من التفصيل، فلربما كان في التفصيل زيادة اشتراط عما أراد الله بهما، وأعني بذلك اشتراط المواظبة على الطاعات. أما اجتناب المعاصي فلا يخرج الواقعون في المعاصي أحيانا من ولاية الله وإنما لا يزالون يتصفون بالتقوى ما داموا يجتنبون المعاصي ويكرهونها ويسارعون إلى التوبة منها والإقلاع عنها ليكونوا بعدها أكثر حرصا على اجتنابها. فصفات الأولياء كما ورد في القرآن هما ((التقوى والإيمان)) وأن أولياء الله ((الذين آمنوا وكانوا يتقون)) سواء سمي أحدهم صوفيا أو فقيرا أو فقيها أو عالما أو تاجرا أو جنديا أو صانعا أو أميرا أو حاكما أو غير ذلك([15])، وقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم ميزهم بعلامة وهي أنهم ((إذا رؤا ذكر الله ([16]).
وأشرف حديث ورد في صفة الأولياء ما رواه البخاري في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يقول الله تعالى: من عادى لي وليا آذنته بالحرب، وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه، وما زال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وان سألني لأعطينه ولئن استعاذني لأعيذنه، وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن قبض نفس المؤمن، يكره الموت وأنا أكره مساءته))([17]).
([6]) الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان 6 ط المكتب الإسلامي- بيروت وانظر مجموعة الرسائل والمسائل 1/50ط دار الكتب العلمية- بيروت.
([7]) أن معرفة الله فطرية لا يتحقق بموجبها عرفان ولا منزلة: قال تعالى )وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم؟ قالوا بلى شهدنا( (الأعراف 172) وقال )وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم( (النمل 14) فالمعرفة بمجردها يستوي فيها المؤمن والجاحد.
([9]) أخرجه البخاري في العلم: باب القراءة والعرض على المحدث 1/22 ومسلم في الإيمان 12 والترمذي في الزكاة 614 والنسائي في الصوم 4/121- 124 وأبو داود في الصلاة 486.
([16]) رواه الطبراني 2/ 422 عن أبن عباس مرسلا، وابن كثير من رواية البزار مرفوعا، ورواه السيوطي في تفسيره الدر المنثور 3/309، وذكره البغوي في تفسيره 2/359 من غير سند، وأبن الجوزي في ذاد المسير 4/43 [وفيه تخريج الحديث] وأبن كثير 2/ 422، مجموع تفسير أبن مسعود 2/335 جمع محمد احمد العيسوي.
([17]) أخرجه البخاري في الرقاق 7/190 باب التواضع، وقد تعرض البعض لهذا الحديث بالطعن ومنهم رشيد رضا محتجا بتفرد البخاري بروايته دون مسلم وأصحاب السنن ودون مسند أحمد أيضا، قال ((وهو معدود من غرائب جامعة، وقد طعن الأئمة في بعض رجال سنده، وخرجه بعض الذين يروون الضعاف والمناكير كابن الدنيا والطبراني بأسانيد في كل منها مقال)). أنظر حاشية رسالة الصوفية والفقراء 28. وتفرد البخاري برواية ما صح فلا يضر ذلك في الحديث ولا يطعن به، وأما أن أحمد لم يروه في مسنده فالحق أنه رواه [أنظر المسند 6/256] وذكر الحافظ في الفتح ثمانية شواهد وطرق لتقوية الحديث أقواها طريق عائشة وطريقان لأنس [فتح الباري 11/341- 342] وسلسلة الأحاديث الصحيحة [183- 191] وقد أطال الخير في مناقشته.