الكتب الإسلامية

مجموعة الكتب والمقالات الإسلاية والفقه علي المذاهب الأربعة

recent

آخر الأخبار

recent
جاري التحميل ...

بَابُ الْأَحْدَاثِ أسنى المطالب الفقه علي مذهب الشافعي

عنوان الكتاب: أسنى المطالب في شرح روض الطالب
المؤلف: زكريا بن محمد بن زكريا الأنصاري - شهاب أحمد الرملي - محمد بن أحمد الشوبري
تحقيق: زهير الشاويش الناشر: المكتب الإسلامي، بيروت- دمشق- عمان الطبعة: الثالثة، 1412هـ / 1991م
الموضوع: الفقه علي مذهب الإمام الشافعي عدد الأجزاء: 12 [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
موضوع: الفقه علي مذهب الشافعي
عدد المجلدات: 4
عدد الصفحات: 2072

[بَابُ الْأَحْدَاثِ]
(بَابُ الْأَحْدَاثِ) قَدَّمَ فِي الْمِنْهَاجِ كَأَصْلِهِ هَذَا الْبَابَ عَلَى الْوُضُوءِ كَمَا قَدَّمَ مُوجِبَ الْغُسْلِ عَلَى الْغُسْلِ وَهُوَ تَرْتِيبٌ طَبِيعِيٌّ فَإِنَّ رَفْعَ الْحَدَثِ إنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ وُجُودِهِ وَعَكْسَيْهِ

(1/53)


جَمْعُ حَدَثٍ، وَيُطْلَقُ كَمَا فِي الْأَصْلِ عَلَى مَا يُوجِبُ الْوُضُوءَ وَعَلَى مَا يُوجِبُ الْغُسْلَ فَيُقَالُ: حَدَثٌ أَصْغَرُ وَحَدَثٌ أَكْبَرُ، وَإِذَا أُطْلِقَ فَالْمُرَادُ بِهِ الْأَصْغَرُ غَالِبًا وَهُوَ الْمُرَادُ هُنَا (نَوَاقِضُ الْوُضُوءِ) يَعْنِي مَا يَنْتَهِي بِهِ الْوُضُوءُ (أَرْبَعَةٌ) ثَابِتَةٌ بِالْأَدِلَّةِ الْآتِيَةِ وَعِلَّةُ النَّقْضِ بِهَا غَيْرُ مَعْقُولَةٍ فَلَا يُقَاسُ بِهَا، وَأَمَّا شِفَاءُ دَائِمِ الْحَدَثِ فَنَادِرٌ وَقَدْ ذَكَرُوهُ فِي بَابِهِ وَنَزْعُ الْخُفِّ يُوجِبُ غَسْلَ الرِّجْلَيْنِ فَقَطْ كَمَا سَيَأْتِي (الْأَوَّلُ الْخَارِجُ) الْأَوْلَى مَا عَبَّرَ بِهِ الرَّافِعِيُّ خُرُوجُ الْخَارِجِ (مِنْ أَحَدِ السَّبِيلَيْنِ) الْقُبُلِ وَالدُّبُرِ (وَلَوْ رِيحًا مِنْ قُبُلٍ) قَالَ تَعَالَى {أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ} [النساء: 43] الْآيَةَ وَالْغَائِطُ الْمَكَانُ الْمُطْمَئِنُّ مِنْ الْأَرْضِ تُقْضَى فِيهِ الْحَاجَةُ سُمِّيَ بِاسْمِهِ الْخَارِجُ لِلْمُجَاوَرَةِ، قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَفِي الْآيَةِ تَقْدِيمٌ وَتَأْخِيرٌ ذَكَرَهُ الشَّافِعِيُّ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ تَقْدِيرُهَا {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ} [المائدة: 6] مِنْ النَّوْمِ {أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ} [النساء: 43] {فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} [المائدة: 6] إلَى قَوْلِهِ {أَوْ عَلَى سَفَرٍ} [النساء: 43] فَيُقَالُ عَقِبَهُ {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا} [النساء: 43] قَالَ وَزَيْدٌ مِنْ الْعَالِمِينَ بِالْقُرْآنِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ قَرَّرَهَا تَوْقِيفًا مَعَ أَنَّ التَّقْدِيرَ فِيهَا لَا بُدَّ مِنْهُ فَإِنَّ نَظْمَهَا يَقْتَضِي أَنَّ الْمَرَضَ وَالسَّفَرَ حَدَثَانِ وَلَا قَائِلَ بِهِ انْتَهَى.
وَذَكَرْت فِي شَرْحِ الْبَهْجَةِ زِيَادَةً عَلَى ذَلِكَ وَفِي الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ فِي الْمَذْيِ يَغْسِلُ ذَكَرَهُ وَيَتَوَضَّأُ» وَفِيهِمَا «شُكِيَ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الرَّجُلُ يُخَيَّلُ إلَيْهِ أَنَّهُ يَجِدُ الشَّيْءَ فِي الصَّلَاةِ فَقَالَ لَا يَنْصَرِفُ حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتًا أَوْ يَجِدَ رِيحًا» وَالْمُرَادُ الْعِلْمُ بِخُرُوجِهِ لَا سَمْعِهِ وَلَا شَمِّهِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ حَصْرُ النَّاقِضِ فِي الصَّوْتِ وَالرِّيحِ بَلْ نَفْيُ وُجُوبِ الْوُضُوءِ بِالشَّكِّ فِي خُرُوجِ الرِّيحِ، وَيُقَاسُ بِمَا فِي الْآيَةِ وَالْأَخْبَارِ كُلُّ خَارِجٍ مِمَّا ذَكَرَ وَإِنْ لَمْ تَدْفَعْهُ الطَّبِيعَةُ كَعُودٍ أُخْرِجَ مِنْ الْفَرْجِ بَعْدَ أَنْ أُدْخِلَ فِيهِ وَخَرَجَ بِالسَّبِيلَيْنِ غَيْرُهُمَا فَلَا نَقْضَ بِالْخَارِجِ مِنْهُ لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنْ لَا نَقْضَ حَتَّى يَثْبُتَ بِالشَّرْعِ، وَلَمْ يَثْبُتْ وَالْقِيَاسُ مُمْتَنِعٌ هُنَا لِأَنَّ عِلَّةَ النَّقْضِ غَيْرُ مَعْقُولَةٍ كَمَا مَرَّ نَعَمْ اسْتَثْنَوْا مِنْ ذَلِكَ الْمُنْفَتِحَ تَحْتَ الْمَعِدَةِ الْآتِيَ بَيَانُهُ (أَوْ الْمَنِيَّ) أَيْ مَنِيَّهُ كَانَ أَمْنَى بِمُجَرَّدِ نَظَرٍ أَوْ احْتِلَامٍ مُمَكِّنًا مَقْعَدَهُ فَلَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ لِأَنَّهُ أَوْجَبَ أَعْظَمَ الْأَمْرَيْنِ وَهُوَ الْغُسْلُ بِخُصُوصِهِ فَلَا يُوجِبُ أَدْوَنَهُمَا بِعُمُومِهِ كَزِنَا الْمُحْصَنِ لَمَّا أَوْجَبَ أَعْظَمَ الْحَدَّيْنِ لِكَوْنِهِ زِنَا الْمُحْصَنِ فَلَا يُوجِبُ أَدْوَنَهُمَا لِكَوْنِهِ زِنًا وَإِنَّمَا أَوْجَبَهُ الْحَيْضُ وَالنِّفَاسُ مَعَ إيجَابِهِمَا الْغُسْلَ لِأَنَّهُمَا يَمْنَعَانِ صِحَّةَ الْوُضُوءِ فَلَا يُجَامِعَانِهِ بِخِلَافِ خُرُوجِ الْمَنِيِّ يَصِحُّ مَعَهُ الْوُضُوءُ وَفِي صُورَةِ سَلَسِ الْمَنِيِّ فَيُجَامِعُهُ

(وَ) الْخَارِجُ (مِنْ قَبْلِي الْمُشْكِلِ) فَيَنْقُضُ الْوُضُوءَ (أَمَّا) الْخَارِجُ (مِنْ أَحَدِهِمَا فَكَمُنْفَتِحٍ تَحْتَ الْمَعِدَةِ وَهُوَ) أَيْ الْمُنْفَتِحُ تَحْتَهَا (لَا يَثْبُتُ لَهُ أَحْكَامُ الْفَرْجِ) لَا (بِمَسٍّ وَلَا إيلَاجٍ وَ) لَا (غَيْرُهُ) كَالْخَارِجِ مِنْهُ بِالنِّسْبَةِ لِلِاسْتِنْجَاءِ بِالْحَجَرِ لِخُرُوجِهِ عَنْ مَظِنَّةِ الشَّهْوَةِ وَلِخُرُوجِ الِاسْتِنْجَاءِ بِالْحَجَرِ عَنْ الْقِيَاسِ فَلَا يَتَعَدَّى الْأَصْلِيَّ (إلَّا أَنْ خَرَجَ مِنْهُ خَارِجٌ وَالْمُعْتَادُ مُنْسَدٌّ فَإِنَّهُ يَنْقُضُ) إذْ لَا بُدَّ لِلْإِنْسَانِ مِنْ مَخْرَجٍ يَخْرُجُ مِنْهُ مَا تَدْفَعُهُ الطَّبِيعَةُ فَإِذَا انْسَدَّ بِأَنْ لَمْ يَخْرُجْ مِنْهُ شَيْءٌ وَإِنْ لَمْ يَلْتَحِمْ أُقِيمَ هَذَا مَقَامَهُ (فَإِنْ لَمْ يَنْسَدَّ الْمُعْتَادُ أَوْ انْسَدَّ وَانْفَتَحَ فَوْقَ الْمَعِدَةِ أَوْ عَلَيْهَا) أَوْ بِجَنْبِهَا (لَمْ يَنْقُضْ) إذْ لَا ضَرُورَةَ لَهُ فِي الْأَوَّلِ، وَالْخَارِجُ مِنْهُ بِالْقَيْءِ أَشْبَهُ فِي الثَّانِي لِأَنَّهُ مِمَّا لَا تُحِيلُهُ الطَّبِيعَةُ إذْ مَا تُحِيلُهُ تُلْقِيهِ إلَى أَسْفَلَ، قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: هَذَا فِي الِانْسِدَادِ الْعَارِضِ أَمَّا الْخِلْقِيُّ فَيَنْقُضُ مَعَهُ الْخَارِجُ مِنْ الْمُنْفَتِحِ مُطْلَقًا وَالْمُنْسَدُّ حِينَئِذٍ كَعُضْوٍ زَائِدٍ مِنْ الْخُنْثَى لَا وُضُوءَ بِمَسِّهِ وَلَا غُسْلَ بِإِيلَاجِهِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرملي الكبير]
الْمُصَنِّفُ كَأَصْلِهِ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ يُولَدُ مُحْدِثًا وَلَا يُولَدُ جُنُبًا (قَوْلُهُ: وَأَمَّا شِفَاءُ دَائِمِ الْحَدَثِ فَنَادِرٌ) لَك أَنْ تُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّ الْحَدَثَ لَمْ يَرْتَفِعْ بِالْكُلِّيَّةِ أَوْ عَادَ قَبْلَ الشِّفَاءِ وَإِنَّمَا صَحَّحْنَا الصَّلَاةَ لِلضَّرُورَةِ ح.
(قَوْلُهُ: {أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ} [النساء: 43] قَالَ الْأَزْهَرِيُّ: وَأَوْ فِي الْآيَةِ بِمَعْنَى الْوَاوِ الْحَالِيَّةِ لِيُوَافِقَ مَا أَجْمَعَ عَلَيْهِ الْفُقَهَاءُ أَيْ مِنْ أَنَّ الْمَرَضَ وَالسَّفَرَ لَيْسَا حَدَثَيْنِ ش (قَوْلُهُ: مَعَ أَنَّ التَّقْدِيرَ فِيهَا لَا بُدَّ مِنْهُ) وَيُغْنِي عَنْ تَكَلُّفِ التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ أَنْ يُقَدِّرَ " جُنُبًا " فِي قَوْلِهِ: وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ ش (قَوْلُهُ: أَيْ مَنِيُّهُ) فَلَوْ خَرَجَ مَنِيُّ غَيْرِهِ مِنْ قُبُلِ نَفْسِهِ أَوْ دُبُرِهِ انْتَقَضَ جَزْمًا د (قَوْلُهُ: فَلَا يَنْتَقِضُ الْوُضُوءُ) وَنَقَلَ الْجِيلِيُّ عَنْ صَاحِبِ الْحَاوِي: أَنَّ مِنْ فَوَائِدِ عَدَمِ النَّقْضِ بِهِ أَنَّهُ لَوْ تَيَمَّمَ لِعَجْزِهِ عَنْ الْمَاءِ صَلَّى بِهَذَا التَّيَمُّمِ مَا شَاءَ مِنْ الْفَرَائِضِ لِأَنَّهُ يُصَلِّي بِالْوُضُوءِ وَتَيَمُّمُهُ إنَّمَا هُوَ عَنْ الْجَنَابَةِ، وَنَقَلَهُ عَنْهُ أَيْضًا صَاحِبُ الْمِصْبَاحِ ثُمَّ قَالَ: وَهُوَ غَيْرُ مَرَضِيٍّ لِأَنَّ الْجَنَابَةَ مَانِعَةٌ وَهُوَ كَمَا قَالَ ش (قَوْلُهُ: فَلَا يُوجِبُ أَدْوَنَهُمَا لِكَوْنِهِ زِنًا) وَكَمُوجِبِ الْحَدِّ لَا يُوجِبُ التَّعْزِيرَ.
(قَوْلُهُ: لِأَنَّهُمَا يَمْنَعَانِ صِحَّةَ الْوُضُوءِ إلَخْ) وَلِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ لِبَقَاءِ الْوُضُوءِ مَعَهُمَا وَلِأَنَّهُمَا نَجِسَانِ وَالْمَنِيُّ طَاهِرٌ فَلَا يَصِحُّ إيرَادُهُمَا نَقْضًا لِعَدَمِ الْمُسَاوَاةِ وَقِيَامِ الْفَارِقِ وَلِأَنَّ شَرْطَ الْقِيَاسِ أَنْ لَا يَخْتَلِفَ الْمَقِيسُ وَالْمَقِيسُ عَلَيْهِ فِي التَّغْلِيظِ وَالتَّخْفِيفِ كَمَا ذَكَرَهُ الْغَزَالِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ أَهْلِ الْأُصُولِ وَحُكْمُهُمَا مُخَالِفٌ لِحُكْمِ الْمَنِيِّ فِي التَّغْلِيظِ وَالتَّخْفِيفِ فَلَا يَصِحُّ إيرَادُهُمَا نَقْضًا لِعَدَمِ الْمُسَاوَاةِ فِي الْعِلَّةِ، قَالَ الزَّرْكَشِيُّ فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ: لَا يَنْبَغِي الِاقْتِصَارُ عَلَى الْمَنِيِّ بَلْ كُلُّ مَا يُوجِبُ الْغُسْلَ كَذَلِكَ كَخُرُوجِ الْوَلَدِ وَإِلْقَاءِ الْعَلَقَةِ وَيَشْهَدُ لَهُ قَوْلُ الشَّيْخِ نَصْرٍ فِي التَّهْذِيبِ: أَنَّ خُرُوجَ الْخَارِجِ مُوجِبٌ لِلْوُضُوءِ مَا لَمْ يُوجِبْ الْغُسْلَ، وَقَالَ فِي شَرْحِ التَّنْبِيهِ: وَلَوْ وَلَدَتْ الْمَرْأَةُ جَافًّا فَإِنْ لَمْ نُوجِبْ الْغُسْلَ وَجَبَ الْوُضُوءُ وَإِنْ أَوْجَبْنَاهُ فَكَالْمَنِيِّ وَقَالَ النَّاشِرِيُّ: يَنْبَغِي أَنْ يَجِبَ الْوُضُوءُ مُطْلَقًا

(قَوْلُهُ وَالْمُعْتَادُ مُنْسَدٌّ مِنْ الْقُبُلِ أَوْ الدُّبُرِ) وَمَا قَرَّرْته مِنْ الِاكْتِفَاءِ بِانْسِدَادِ أَحَدِ الْمَخْرَجَيْنِ هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْجُمْهُورِ وَلَكِنْ صَرَّحَ الصَّيْمَرِيُّ بِاشْتِرَاطِ انْسِدَادِهِمَا وَأَنَّهُ لَوْ انْسَدَّ أَحَدُهُمَا فَالْحُكْمُ لِلْبَاقِي لَا غَيْرُ وَقَدْ تَرَدَّدَ ابْنُ النَّقِيبِ فِي ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ اطِّلَاعِهِ عَلَى نَقْلٍ صَرِيحٍ فِيهِ ثُمَّ قَالَ: وَالْأَقْرَبُ عِنْدِي أَنَّهُ يَكْفِي انْسِدَادُ أَحَدِهِمَا إذَا كَانَ الْخَارِجُ مِنْ الثُّقْبَةِ مُنَاسِبًا كَأَنْ انْسَدَّ الْقُبُلُ فَخَرَجَ مِنْهَا بَوْلٌ أَوْ انْسَدَّ الدُّبُرُ فَخَرَجَ مِنْهَا غَائِطٌ لَكِنْ يُشْكِلُ بِمَا إذَا كَانَ الْخَارِجُ لَيْسَ مُعْتَادَ الْوَاحِدِ مِنْهُمَا كَالْقَيْحِ انْتَهَى وَظَاهِرُ كَلَامِ الْجُمْهُورِ النَّقْضُ بِهِ أَيْضًا كَمَا عُرِفَ ش وَقَوْلُهُ: فَالْحُكْمُ لِلْبَاقِي لَا غَيْرُ وَلِهَذَا صَوَّرَ الْمَاوَرْدِيُّ الْمَسْأَلَةَ بِمَا إذَا انْسَدَّ السَّبِيلَانِ وَالْمُتَبَادَرُ مِنْ كَلَامِهِمْ غَيْرُ هَذَا

(1/54)


وَالْإِيلَاجِ فِيهِ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ وَلَمْ أَرَ لِغَيْرِهِ تَصْرِيحًا بِمُوَافَقَتِهِ أَوْ مُخَالَفَتِهِ انْتَهَى.
وَظَاهِرٌ أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِ الْمَاوَرْدِيِّ وَالْمُنْسَدُّ إلَى آخِرِهِ الْمُنْسَدُّ بِالِالْتِحَامِ وَقَدْ يُفْهِمُ كَلَامُهُ أَنَّ الْحُكْمَ حِينَئِذٍ لِلْمُنْفَتِحِ مُطْلَقًا حَتَّى يَجِبَ الْوُضُوءُ بِمَسِّهِ وَالْغُسْلُ بِإِيلَاجِهِ وَبِالْإِيلَاجِ فِيهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَهُوَ بَعِيدٌ وَالْمَعِدَةُ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَكَسْرِ الْعَيْنِ بِكَسْرِهِمَا وَبِفَتْحِ الْمِيمِ أَوْ كَسْرِهَا مَعَ سُكُونِ الْعَيْنِ فِيهِمَا (وَهِيَ مِنْ السُّرَّةِ إلَى الصَّدْرِ) كَمَا قَالَهُ الْأَطِبَّاءُ وَالْفُقَهَاءُ وَاللُّغَوِيُّونَ، وَهَذَا مِنْ زِيَادَتِهِ وَلَا يُنَافِيهِ قَوْلُهُ الرَّوْضَةِ وَمُرَادُهُمْ بِتَحْتِ الْمَعِدَةِ مَا تَحْتَ السُّرَّةِ وَبِفَوْقِهَا السُّرَّةُ وَمُحَاذِيهَا وَمَا فَوْقَهَا لِأَنَّ ذَلِكَ تَفْسِيرٌ لِمُرَادِهِمْ بِهَا بِالنَّظَرِ إلَى الْحُكْمِ وَإِنْ كَانَ حَقِيقَتُهَا مَا ذَكَرَ

(وَلَوْ أَخْرَجَتْ دُودَةٌ رَأْسَهَا انْتَقَضَ) الْوُضُوءُ (وَإِنْ رَجَعَتْ) لِخُرُوجِ شَيْءٍ مِنْ الْفَرْجِ (وَيَنْقُضُ الْخَارِجُ مِنْ أَحَدِ ذَكَرَيْنِ) بِقَيْدٍ ذَكَرَهُ أَخْذًا مِنْ كَلَامِ الرَّوْضَةِ فِي بَابِ الْغُسْلِ بِقَوْلِهِ (يَبُولَانِ) فَإِنْ كَانَ يَبُولُ بِأَحَدِهِمَا فَالْحُكْمُ لَهُ وَالْآخَرُ زَائِدٌ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ نَقْضٌ وَظَاهِرٌ أَنَّ الْحُكْمَ فِي الْحَقِيقَةِ مَنُوطٌ بِالْأَصَالَةِ لَا بِالْبَوْلِ حَتَّى لَوْ كَانَا أَصْلِيَّيْنِ وَيَبُولُ بِأَحَدِهِمَا وَيَطَأُ بِالْآخَرِ نَقَضَ كُلٌّ مِنْهُمَا، أَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا أَصْلِيًّا وَالْآخَرُ زَائِدًا نَقَضَ الْأَصْلِيُّ فَقَطْ وَإِنْ كَانَ يَبُولُ بِهِمَا، وَقِيَاسُ مَا يَأْتِي مِنْ النَّقْضِ بِمَسِّ الزَّائِدِ إذَا كَانَ عَلَى سُنَنِ الْأَصْلِيِّ أَنْ يَنْقُضَ بِالْبَوْلِ مِنْهُ إذَا كَانَ كَذَلِكَ وَإِنْ الْتَبَسَ الْأَصْلِيُّ بِالزَّائِدِ فَالظَّاهِرُ أَنَّ النَّقْضَ مَنُوطٌ بِهِمَا مَعًا لَا بِأَحَدِهِمَا، وَلَوْ خُلِقَ لِلْمَرْأَةِ فَرْجَانِ فَبَالَتْ وَحَاضَتْ بِهِمَا انْتَقَضَ الْوُضُوءُ بِالْخَارِجِ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا فَإِنْ بَالَتْ وَحَاضَتْ بِأَحَدِهِمَا فَقَطْ اخْتَصَّ الْحُكْمُ بِهِ وَلَوْ بَالَتْ بِأَحَدِهِمَا وَحَاضَتْ بِالْآخَرِ فَالْوَجْهُ تَعَلُّقُ الْحُكْمِ بِكُلٍّ مِنْهُمَا

(وَلَا يَنْتَقِضُ الْوُضُوءُ بِقَهْقَهَةِ مُصَلٍّ) إذْ لَوْ انْتَقَضَ بِهَا لَمْ يَخْتَصَّ بِالصَّلَاةِ كَسَائِرِ النَّوَاقِضِ وَمَا رُوِيَ مِنْ أَنَّهَا تَنْقُضُ ضَعِيفٌ (وَ) لَا (أَكْلٍ مُطْلَقًا) وَلَوْ لِمَا مَسَّتْهُ النَّارُ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَكَلَ كَتِفَ شَاةٍ وَصَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ، وَأَمَّا خَبَرُ مُسْلِمٍ «الْوُضُوءُ مِمَّا مَسَّتْ النَّارُ» فَمَنْسُوخٌ بِالْخَبَرِ الصَّحِيحِ فِي أَبِي دَاوُد عَنْ جَابِرٍ «كَانَ آخِرَ الْأَمْرَيْنِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَرْكُ الْوُضُوءِ مِمَّا غَيَّرَتْ النَّارُ» ، وَفِي الْقَدِيمِ يَنْقُضُ لَحْمُ الْجَزُورِ وَقَوَّاهُ فِي الْمَجْمُوعِ مِنْ حَيْثُ الدَّلِيلُ وَقَالَ: إنَّهُ الَّذِي أَعْتَقِدُ رُجْحَانَهُ لِمَا رَوَى مُسْلِمٌ عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَأَتَوَضَّأُ مِنْ لُحُومِ الْغَنَمِ قَالَ إنْ شِئْت فَتَوَضَّأْ وَإِنْ شِئْت فَلَا تَتَوَضَّأْ قَالَ أَأَتَوَضَّأُ مِنْ لُحُومِ الْإِبِلِ قَالَ: نَعَمْ فَتَوَضَّأَ مِنْ لُحُومِ الْإِبِلِ» وَعَنْ الْبَرَاءِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «سُئِلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الْوُضُوءِ مِنْ لُحُومِ الْإِبِلِ فَأَمَرَ بِهِ» قَالَ وَجَوَابُ الْأَصْحَابِ عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّهُ مَنْسُوخٌ بِحَدِيثِ جَابِرٍ ضَعِيفٌ أَوْ بَاطِلٌ لِأَنَّ حَدِيثَ «تَرْكِ الْوُضُوءِ مِمَّا مَسَّتْ النَّارُ» عَامٌّ وَحَدِيثَ «الْوُضُوءِ مِنْ لَحْمِ الْجَزُورِ» خَاصٌّ وَالْخَاصُّ مُقَدَّمٌ عَلَى الْعَامِّ تَقَدَّمَ أَوْ تَأَخَّرَ قَالَ وَأَقْرَبُ مَا يُسَتَرْوَحُ إلَيْهِ أَيْ فِيمَا رَجَّحُوهُ قَوْلُ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ وَجَمَاهِيرِ الصَّحَابَةِ

(الثَّانِي زَوَالُ الْعَقْلِ) وَهُوَ غَرِيزَةٌ مَنْبَعُهَا الْعِلْمُ بِالضَّرُورِيَّاتِ عِنْدَ سَلَامَةِ الْآلَاتِ سَوَاءٌ أَزَالَ بِجُنُونٍ وَهُوَ زَوَالُ الشُّعُورِ مِنْ الْقَلْبِ مَعَ بَقَاءِ حَرَكَةِ الْأَعْضَاءِ وَقُوَّتِهَا أَمْ بِإِغْمَاءٍ وَهُوَ زَوَالُهُ مِنْهُ مَعَ فُتُورِهَا أَمْ بِسُكْرٍ وَهُوَ زَوَالُهُ مِنْهُ مَعَ طَرَبٍ وَاخْتِلَاطِ نُطْقٍ أَمْ بِنَوْمٍ وَهُوَ زَوَالُهُ مِنْهُ مَعَ اسْتِرْخَاءِ الْمَفَاصِلِ أَمْ بِغَيْرِ ذَلِكَ لِخَبَرِ «الْعَيْنَانِ وِكَاءُ السَّهِ فَمَنْ نَامَ فَلْيَتَوَضَّأْ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ السَّكَنِ فِي صِحَاحِهِ.
وَغَيْرُ النَّوْمِ مِمَّا ذَكَرَ أَبْلَغُ مِنْهُ فِي الذُّهُولِ الَّذِي هُوَ مَظِنَّةٌ لِخُرُوجِ شَيْءٍ مِنْ دُبُرِهِ كَمَا أَشْعَرَ بِهِ الْخَبَرُ إذْ السَّهُ الدُّبُرُ وَوِكَاؤُهُ حِفَاظُهُ عَنْ أَنْ يَخْرُجَ مِنْهُ شَيْءٌ لَا يَشْعُرُ بِهِ وَالْعَيْنَانِ كِنَايَةٌ عَنْ الْيَقِظَةِ وَلَا يَضُرُّ فِي النَّقْضِ بِزَوَالِ الْعَقْلِ الَّذِي هُوَ مَظِنَّةٌ لِخُرُوجِ الْخَارِجِ كَوْنَ الْأَصْلِ عَدَمَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرملي الكبير]
وَلَا شَكَّ أَنَّهُ إنْ أَرَادَ أَنَّ الْحُكْمَ لِلْبَاقِي مِنْهُمَا لَا غَيْرُ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَا كَانَ يَخْرُجُ مِنْهُ خَاصَّةً حَالَ السَّلَامَةِ فَظَاهِرٌ وَإِنْ أَرَادَ مُطْلَقًا فَبَعِيدٌ ن (قَوْلُهُ: وَلَمْ أَرَ لِغَيْرِهِ تَصْرِيحًا بِمُوَافَقَتِهِ أَوْ مُخَالَفَتِهِ انْتَهَى) وَهُوَ مَفْهُومٌ مِنْ تَعْبِيرِهِمْ بِالِانْسِدَادِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ النَّوَوِيُّ فِي نُكَتِ التَّنْبِيهِ (قَوْلُهُ: وَظَاهِرٌ أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِ الْمَاوَرْدِيِّ إلَخْ) لَا يَتَقَيَّدُ بِذَلِكَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْفَزَارِيّ (قَوْلُهُ وَقَدْ يُفْهَمُ أَنَّ الْحُكْمَ حِينَئِذٍ إلَخْ) وَهُوَ كَذَلِكَ وَإِنْ أَفْتَى الشَّارِحُ بِخِلَافِهِ

(قَوْلُهُ مِنْ أَحَدِ ذَكَرَيْنِ يَبُولَانِ) وَعِبَارَةُ الْحَاوِي لِلْمَاوَرْدِيِّ لَوْ كَانَ لَهُ ذَكَرَانِ يَبُولُ مِنْهُمَا فَمَسَّ أَحَدَهُمَا انْتَقَضَ وَإِيلَاجُهُ يُوجِبُ الْغُسْلَ وَلَوْ خَرَجَ مِنْ أَحَدِهِمَا بَلَلٌ نَقَضَ وَلَوْ كَانَ يَبُولُ مِنْ أَحَدِهِمَا فَالْحُكْمُ لَهُ وَالْآخَرُ زَائِدٌ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ نَقْضٌ وَفِي الذَّخَائِرِ إذَا كَانَ يَبُولُ مِنْ أَحَدِهِمَا فَهُوَ الْأَصْلِيُّ وَالثَّانِي خِلْقَةٌ زَائِدَةٌ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ حُكْمٌ ت (قَوْلُهُ أَيْضًا مِنْ أَحَدِ ذَكَرَيْنِ يَبُولَانِ) وَكَذَا لَوْ خُلِقَ لِلْمَرْأَةِ فَرْجَانِ كَمَا ذَكَرَهُ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ (قَوْلُهُ حَتَّى لَوْ كَانَا أَصْلِيَّيْنِ وَيَبُولُ بِأَحَدِهِمَا وَيَطَأُ بِالْآخَرِ نَقَضَ كُلٌّ مِنْهُمَا أَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا أَصْلِيًّا إلَخْ) الْأَصَحُّ أَنَّ أَصَالَةَ الذَّكَرِ مَنُوطَةٌ بِالْبَوْلِ مِنْهُ لَا بِالْوَطْءِ فَالْأَصْلِيُّ فِي الْأُولَى هُوَ الَّذِي يَبُولُ بِهِ وَالثَّانِي زَائِدٌ وَفِي الثَّانِيَةِ كُلٌّ مِنْهُمَا أَصْلِيٌّ

(قَوْلُهُ فِي أَبِي دَاوُد) وَالنَّسَائِيُّ وَابْنَيْ خُزَيْمَةَ وَحِبَّانَ وَغَيْرِهِمْ (قَوْلُهُ وَالْخَاصُّ مُقَدَّمٌ عَلَى الْعَامِّ إلَخْ) لَيْسَ الْحَدِيثَانِ مِنْ الْقَاعِدَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا فَإِنَّ الْأَصْحَابَ إنَّمَا حَكَمُوا بِكَوْنِ خَبَرِ جَابِرٍ نَاسِخًا أَخْذًا مِنْ مَدْلُولِهِ فَجَوَابُ الْأَصْحَابِ صَحِيحٌ وَالِاعْتِرَاضُ سَاقِطٌ وَمِمَّا يُضَعِّفُ النَّقْضَ بِهِ أَنَّ الْقَائِلَ بِهِ لَا يُعَدِّيهِ إلَى شَحْمِهِ وَسَنَامِهِ مَعَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ قَالَ شَيْخُنَا: قَدْ يُفَرِّقُ الْمُخَالِفُ الْقَائِلُ بِذَلِكَ بِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا لَا يُسَمَّى لَحْمًا وَالنَّقْضُ مَنُوطٌ بِهِ (قَوْلُهُ قَالَ وَأَقْرَبُ مَا يُسَتَرْوَحُ إلَيْهِ إلَخْ) جَمَعَ الْخَطَّابِيِّ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ أَحَادِيثَ الْأَمْرِ مَحْمُولَةٌ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ لَا عَلَى الْوُجُوبِ

(قَوْلُهُ: زَوَالُ الْعَقْلِ) اخْتَلَفُوا فِي النَّوْمِ وَالْإِغْمَاءِ وَنَحْوِهِمَا هَلْ هِيَ مُزِيلَةٌ لَهُ أَمْ لَا؟ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: نَعَمْ وَقَالَ الْغَزَالِيُّ: الْجُنُونُ يُزِيلُهُ وَالْإِغْمَاءُ يَغْمُرُهُ وَالنَّوْمُ يَسْتُرُهُ (قَوْلُهُ: وَهُوَ غَرِيزَةٌ إلَخْ) مَحِلُّهُ الْقَلْبُ (تَنْبِيهٌ)
لَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ وَهُوَ جَالِسٌ فِي التَّشَهُّدِ مُتَمَكِّنًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ لِانْتِقَاضِ وُضُوئِهِ صَرَّحَ بِهِ أَبُو الْفُتُوحِ الْعِجْلِيّ بِخِلَافِ مَا لَوْ نَامَ فِي الصَّلَاةِ مُمَكِّنَ الْمَقْعَدَةِ فَإِنَّهُ لَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ إنْ قَصَرَ زَمَنُ النَّوْمِ فَإِنْ طَالَ وَكَانَ فِي رُكْنٍ قَصِيرٍ بَطَلَتْ لِانْقِطَاعِ الْمُوَالَاةِ بِتَطْوِيلِ الرُّكْنِ الْقَصِيرِ أَوْ فِي رُكْنٍ طَوِيلٍ كَالتَّشَهُّدِ لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ هَذَا مُقْتَضَى

(1/55)


خُرُوجِ شَيْءٍ لِأَنَّهُ لَمَّا جُعِلَ مَظِنَّةً لِخُرُوجِهِ مِنْ غَيْرِ شُعُورٍ بِهِ أُقِيمَ مَقَامَ الْيَقِينِ كَمَا أُقِيمَتْ الشَّهَادَةُ الْمُفِيدَةُ لِلظَّنِّ مَقَامَ الْيَقِينِ فِي شَغْلِ الذِّمَّةِ (لَا بِنَوْمِ مُمَكِّنِ مَقْعَدَهُ) مِنْ مَقَرِّهِ فَلَا يَنْتَقِضُ وُضُوءُهُ (وَلَوْ) مُسْتَنِدًا إلَى مَا لَوْ زَالَ لَسَقَطَ، أَوْ (مُحْتَبِيًا) بِأَنْ يَجْلِسَ عَلَى أَلْيَيْهِ رَافِعًا رُكْبَتَيْهِ مُحْتَوِيًا عَلَيْهِمَا بِيَدَيْهِ أَوْ غَيْرِهِمَا لِخَبَرِ مُسْلِمٍ عَنْ أَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَنَامُونَ ثُمَّ يُصَلُّونَ وَلَا يَتَوَضَّؤُنَّ وَحُمِلَ عَلَى نَوْمِ الْمُمَكِّنِ مَقْعَدَهُ جَمْعًا بَيْنَ الْأَخْبَارِ وَلَا مِنْهُ حِينَئِذٍ خُرُوجُ الْخَارِجِ.
وَلَا عِبْرَةَ بِاحْتِمَالِ خُرُوجِ رِيحٍ مِنْ الْقُبُلِ لِنُدْرَتِهِ وَقَضِيَّةُ قَوْلِهِ وَلَوْ مُحْتَبِيًا أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ النَّحِيفِ وَغَيْرِهِ وَهُوَ مَا صَرَّحَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ وَغَيْرِهَا، وَقَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ إنَّهُ الْمَذْهَبُ لَكِنْ نَقَلَ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ عَنْ الرُّويَانِيِّ أَنَّ النَّحِيفَ يَنْتَقِضُ وُضُوءُهُ، وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ: إنَّهُ الْحَقُّ وَخَرَجَ بِزَوَالِ الْعَقْلِ النُّعَاسُ وَحَدِيثُ النَّفْسِ، وَأَوَائِلُ نَشْوَةِ الشُّكْرِ فَلَا نَقْضَ بِهَا وَيُقَالُ لِلنُّعَاسِ سِنَةٌ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّوْمِ أَنَّ النَّوْمَ فِيهِ غَلَبَةٌ عَلَى الْعَقْلِ وَسُقُوطُ الْحَوَاسِّ وَالنُّعَاسُ لَيْسَ فِيهِ ذَلِكَ وَإِنَّمَا فِيهِ فُتُورُ الْحَوَاسِّ لِأَنَّهُ رِيحٌ لَطِيفٌ يَأْتِي مِنْ قِبَلِ الدِّمَاغِ يُغَطِّي الْعَيْنَ وَلَا يَصِلُ إلَى الْقَلْبِ فَإِنْ وَصَلَ إلَيْهِ كَانَ نَوْمًا وَمِنْ عَلَامَتِهِ سَمَاعُ كَلَامِ الْحَاضِرِينَ وَإِنْ لَمْ يَفْهَمْهُ وَمِنْ عَلَامَةِ النَّوْمِ الرُّؤْيَا وَلَا تَمْكِينَ لِمَنْ نَامَ عَلَى قَفَاهُ مُلْصِقًا لِمَقْعَدِهِ بِمَقَرِّهِ وَلَوْ مُسْتَثْفِرًا (وَلَوْ زَالَتْ إحْدَى أَلْيَتَيْهِ) أَيْ النَّائِمِ الْمُمَكِّنِ (قَبْلَ انْتِبَاهِهِ وَلَوْ كَانَ مُسْتَثْفِرًا نَقَضَ) وُضُوءَهُ وَإِنْ لَمْ تَقَعْ يَدُهُ عَلَى الْأَرْضِ لِمُضِيِّ لَحْظَةٍ وَهُوَ نَائِمٌ غَيْرُ مُمَكِّنٍ (أَوْ) زَالَتْ (مَعَ انْتِبَاهِهِ) أَوْ بَعْدَهُ الْمَفْهُومُ بِالْأَوْلَى وَفِي نُسْخَةٍ بَدَلُ مَعَ انْتِبَاهِهِ مَعَهُ (أَوْ شَكَّ فِيهِ) أَيْ فِي أَنَّ زَوَالَهَا قَبْلَ انْتِبَاهِهِ أَوْ لَا (أَوْ فِي أَنَّهُ مُمَكِّنٌ) مَقْعَدَهُ أَوْ لَا (أَوْ) فِي أَنَّهُ (نَامَ أَوْ نَعَسَ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ فَلَا نَقْضَ لِأَنَّ الْأَصْلَ الطَّهَارَةُ نَعَمْ لَوْ رَأَى رُؤْيَا وَشَكَّ أَنَامَ أَمْ لَا فَعَلَيْهِ الْوُضُوءُ لِأَنَّ الرُّؤْيَا لَا تَكُونُ إلَّا بِنَوْمٍ نَقَلَهُ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ نَصِّ الْبُوَيْطِيِّ ثُمَّ قَالَ فِيهِ وَلَوْ تَيَقَّنَ النَّوْمَ وَشَكَّ هَلْ كَانَ مُمَكِّنًا أَوْ لَا فَلَا وُضُوءَ عَلَيْهِ قَالَ وَقَوْلُ الْبَغَوِيّ لَوْ تَيَقَّنَ رُؤْيَا وَلَا تَذَكَّرَ نَوْمًا فَعَلَيْهِ الْوُضُوءُ وَلَا يُحْمَلُ عَلَى النَّوْمِ مُتَمَكِّنًا لِأَنَّهُ خِلَافُ الْعَادَةِ مُؤَوَّلٌ أَوْ ضَعِيفٌ انْتَهَى.
وَلَعَلَّ الْفَرْقَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ مَسْأَلَةِ النَّصِّ أَنَّ الرُّؤْيَا فِي تِلْكَ اعْتَضَدَتْ بِأَحَدِ طَرَفَيْ الشَّكِّ الْمُوَافِقِ لَهَا بِخِلَافِهَا فِي هَذِهِ أَوْ أَنَّهُ فَهِمَ مِنْ كَلَامِ الْبَغَوِيّ أَنَّ مُرَادَهُ بِعَدَمِ التَّذَكُّرِ أَنَّهُ شَكَّ هَلْ نَامَ مُتَمَكِّنًا أَمْ لَا؟ وَهُوَ مَا فَهِمَهُ الْإِسْنَوِيُّ فِي أَلْغَازِهِ وَقَدْ يَسْتَشْكِلُ عَلَى الْأَوَّلِ بِتَحَقُّقِ الرُّؤْيَا مَعَ عَدَمِ تَحَقُّقِ النَّوْمِ مَعَ أَنَّهَا مِنْ عَلَامَتِهِ كَمَا مَرَّ وَيُجَابُ بِأَنَّ عَلَامَةَ الشَّيْءِ ظَنِّيَّةٌ لَا تَسْتَلْزِمُ وُجُودَهُ وَلَوْ سُلِّمَ اسْتِلْزَامُهَا لَهُ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِ الشَّيْءِ الْعِلْمُ بِهِ قَالَ فِي الرَّوْضَةِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ يُسْتَحَبُّ الْوُضُوءُ مِنْ النَّوْمِ مُمَكِّنًا لِلْخُرُوجِ مِنْ الْخِلَافِ، وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ أَلْيَتَيْهِ لُغَةٌ غَيْرُ فَصَيْحَةٍ وَالْفَصِيحَةُ أَلْيَيْهِ بِلَا تَاءٍ كَمَا عَبَّرَ بِهَا فِي الرَّوْضَةِ وَعَلَيْهَا اقْتَصَرَ الْجَوْهَرِيُّ فَقَالَ: الْأَلْيَةُ بِالْفَتْحِ وَلَا تَقُلْ إلْيَةٌ وَلَا لِيَّةٌ فَإِذَا ثُنِّيَتْ قُلْت أَلْيَانِ فَلَا تَلْحَقُهُ التَّاءُ

(الثَّالِثُ الْتِقَاءُ بَشَرَتِهِ) أَيْ الذَّكَرِ (وَبَشَرَتِهَا) أَيْ الْأُنْثَى (وَلَوْ) كَانَ الذَّكَرُ (مَمْسُوحًا) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ} [النساء: 43] أَيْ لَمَسْتُمْ كَمَا قُرِئَ بِهِ لَا جَامَعْتُمْ لِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ وَاللَّمْسُ الْجَسُّ بِالْيَدِ وَبِغَيْرِهَا أَوْ بِالْيَدِ فَقَطْ كَمَا فَسَّرَهُ بِهِ ابْنُ عُمَرَ وَغَيْرُهُ وَأُلْحِقَ بِالْيَدِ غَيْرُهَا وَالْمَعْنَى فِي النَّقْضِ بِهِ أَنَّهُ مَظِنَّةُ التَّلَذُّذِ الْمُثِيرِ لِلشَّهْوَةِ (لَا) إنْ كَانَ (مُحَرَّمًا لَهَا) بِنَسَبٍ أَوْ رَضَاعٍ أَوْ مُصَاهَرَةٍ فَلَا يَنْقُضُ الِالْتِقَاءُ (وَلَا بِشَهْوَةٍ) لِانْتِفَاءِ مَظِنَّتِهَا بَيْنَهُمَا

(وَ) لَا أَنْ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرملي الكبير]
الْقَوَاعِدِ وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ الْإِمَامُ فِي الطَّوَافِ (قَوْلُهُ: لَا بِنَوْمٍ مُمَكِّنٍ مَقْعَدَهُ) لَمْ يَلْحَقْ الْإِغْمَاءُ وَنَحْوُهُ مَعَ تَمْكِينِ الْمَقْعَدَةِ بِالنَّوْمِ لِأَنَّ عَدَمَ الشُّعُورِ مَعَهَا أَبْلَغُ كَمَا مَرَّ وَمَا نَقَلَهُ ابْنُ الْعِرَاقِيِّ فِي مُخْتَصَرِ الْمُهِمَّاتِ عَنْ الْبُلْقِينِيِّ مِنْ أَنَّهُ يَنْبَغِي تَقْيِيدُ إطْلَاقِ الْأَصْحَابِ النَّقْضَ بِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ مُمَكِّنًا مَقْعَدَهُ، وَإِنْ لَمْ يَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لِذَلِكَ عَجِيبٌ فَإِنَّ الْأَصْحَابَ لَمْ يُطْلِقُوا بَلْ قَيَّدُوا بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ: إنَّهُ يَنْبَغِي التَّقْيِيدُ بِهِ كَمَا فِي الْمُهَذَّبِ، وَشَرَحَهُ الْمَجْمُوعُ وَعِبَارَةُ شَرْحِهِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ الْجُنُونَ وَالْإِغْمَاءَ وَالسُّكْرَ قَالَ أَصْحَابُنَا: وَلَا فَرْقَ فِي كُلِّ ذَلِكَ بَيْنَ الْقَاعِدِ مُمَكِّنًا مَقْعَدَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ أب (قَوْلُهُ: مِنْ مَقَرِّهِ) وَلَوْ دَابَّةً سَائِرَةً.
(قَوْلُهُ: أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ النَّحِيفِ) أَيْ الَّذِي لَيْسَ بَيْنَ مَقْعَدِهِ وَمَقَرِّهِ نِحَافٌ (قَوْلُهُ: إنَّ النَّحِيفَ يُنْتَقَضُ وُضُوءُهُ) أَيْ الَّذِي بَيْنَ مَقْعَدِهِ وَمَقَرِّهِ نِحَافٌ وَقَدْ عُلِمَ أَنَّ كَلَامَ الرَّوْضَةِ وَغَيْرِهَا فِي غَيْرِ مَسْأَلَةِ الشَّرْحِ الصَّغِيرِ (قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا فِيهِ فُتُورُ الْحَوَاسِّ) لِأَنَّهُ رِيحٌ لَطِيفَةٌ تَأْتِي مِنْ قِبَلِ الدِّمَاغِ تُغَطِّي الْعَيْنَ وَلَا تَصِلُ إلَى الْقَلْبِ فَإِنْ وَصَلَتْ إلَيْهِ كَانَ نَوْمًا (قَوْلُهُ: إنَّ الرُّؤْيَا فِي تِلْكَ اُعْتُضِدَتْ إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ مِنْهُ

(قَوْلُهُ: الْتِقَاءُ بَشَرَتِهِ) قَالَ فِي الْأَنْوَارِ الْمُرَادُ بِالْبَشَرَةِ هُنَا غَيْرُ الشَّعْرِ وَالسِّنِّ وَالظُّفْرِ انْتَهَى. وَلَوْ كَثُرَ الْوَسَخُ عَلَى الْبَشَرَةِ مِنْ الْعَرَقِ فَإِنَّ لَمْسَهُ يَنْقُضُ لِأَنَّهُ صَارَ كَالْجُزْءِ مِنْ الْبَدَنِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ مِنْ غُبَارٍ (قَوْلُهُ: لَا إنْ كَانَ مَحْرَمًا إلَخْ) الْمَحْرَمُ مَنْ حَرُمَ نِكَاحُهَا عَلَى التَّأْبِيدِ بِسَبَبٍ مُبَاحٍ لِحُرْمَتِهَا ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ فِي دَقَائِقِهِ وَخَرَجَ بِالتَّأْبِيدِ: الْمُرْتَدَّةُ وَالْمَجُوسِيَّةُ وَأُخْتُ الزَّوْجَةِ وَنَحْوُهَا مِمَّنْ يَحْرُمُ جَمْعُهَا مَعَهَا، وَقَدْ يُقَالُ: أُخْتُ الزَّوْجَةِ وَنَحْوُهَا حَلَالٌ نَظَرًا إلَيْهَا بِخُصُوصِهَا وَإِنَّمَا الْحَرَامُ جَمْعُهَا مَعَهَا وَبِقَوْلِهِ: بِسَبَبٍ مُبَاحٍ أُمُّ الْمَوْطُوءَةِ بِشُبْهَةٍ وَنَحْوُهَا إذْ السَّبَبُ إمَّا حَرَامٌ إنْ كَانَتْ الشُّبْهَةُ شُبْهَةَ مَحَلٍّ كَوَطْءِ الْأَمَةِ الْمُشْتَرَكَةِ أَوْ شُبْهَةَ طَرِيقٍ كَالْوَطْءِ بِالنِّكَاحِ وَالشِّرَاءِ الْفَاسِدَيْنِ أَوْ لَا يُوصَفُ بِإِبَاحَةٍ وَلَا تَحْرِيمَ إنْ كَانَتْ الشُّبْهَةُ شُبْهَةَ فَاعِلٍ كَوَطْءِ مَنْ ظَنَّهَا زَوْجَتَهُ لِكَوْنِهِ لَيْسَ فِعْلَ مُكَلَّفٍ لِكَوْنِهِ غَافِلًا، وَبِقَوْلِهِ لِحُرْمَتِهَا الْمُلَاعَنَةُ فَإِنَّ تَأْبِيدَ تَحْرِيمِهَا لَا لِحُرْمَتِهَا بَلْ لِلتَّغْلِيظِ عَلَيْهَا وَاعْتُرِضَ عَلَيْهِ بِمَنْ وَطِئَتْ بِشُبْهَةٍ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا وَدَخَلَ بِهَا إذْ الْمُتَّجَهُ الْحُكْمُ عَلَى أُمَّهَاتِهَا وَبَنَاتِهَا بِالْمَحْرَمِيَّةِ وَلَمْ يَشْمَلْهُنَّ التَّعْرِيفُ لِأَنَّ تَحْرِيمَهُنَّ كَانَ قَبْلَ السَّبَبِ الْمُبَاحِ وَيَسْتَحِيلُ تَحْصِيلُ الْحَاصِلِ وَبِأَزْوَاجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنَّ التَّعْرِيفَ يَشْمَلُهُنَّ وَلَسْنَ بِمَحَارِمَ وَبِالْمَوْطُوءَةِ فِي الْحَيْضِ وَالْإِحْرَامِ وَنَحْوِهِمَا وَبِالْمَعْقُودِ عَلَى أُمِّهَا عَقْدًا حَرَامًا كَأَنْ وَقَعَ بَعْدَ الْخِطْبَةِ.
وَأَجَابَ الْقَايَاتِيُّ عَنْ الْأَوَّلِ بِأَنَّ الْمَحْرَمِيَّةَ ثَبَتَتْ بِالسَّبَبِ الْمُبَاحِ بَعْدَ أَنْ لَمْ تَكُنْ وَهَذِهِ الْأُمُورُ مُعَرَّفَاتٌ فَحَصَلَ بِوَطْءِ الشُّبْهَةِ الْحُرْمَةُ

(1/56)


كَانَتْ الْأُنْثَى (صَغِيرَةً لَا تُشْتَهَى) عُرْفًا فَلَا تَنْقُضُ لِانْتِفَاءِ الْمَعْنَى لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مَحِلًّا لِلشَّهْوَةِ وَمِثْلُهَا الذَّكَرُ الصَّغِيرُ كَمَا فُهِمَ مِنْهَا بِالْأَوْلَى

(وَتَنْقُضُ) أُنْثَى (مَيِّتَةٌ) وَذَكَرٌ مَيِّتٌ (وَعَجُوزٌ) وَهَرَمٌ (وَعُضْوٌ أَشَلُّ) أَوْ زَائِدٌ لِعُمُومِ الْآيَةِ وَلِقَبُولِ الْمَحِلِّ فِي الْجُمْلَةِ بِخِلَافِ الصَّغِيرِ وَالصَّغِيرَةِ (وَلَوْ) كَانَ أَحَدُهُمَا (مَلْمُوسًا) فَإِنَّ وُضُوءَ كُلٍّ مِنْهُمَا يَنْتَقِضُ بِالِالْتِقَاءِ لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي لَذَّةِ اللَّمْسِ كَالْمُشْتَرَكِينَ فِي لَذَّةِ الْجِمَاعِ سَوَاءٌ أَكَانَ الِالْتِقَاءُ عَمْدًا أَمْ سَهْوًا بِشَهْوَةٍ أَمْ بِدُونِهَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ وَلَوْ بِغَيْرِ الْيَدِ بِخِلَافِ النَّقْضِ بِمَسِّ الْفَرْجِ يَخْتَصُّ بِبَطْنِ الْكَفِّ كَمَا سَيَأْتِي لِأَنَّ الْمَسَّ إنَّمَا يُثِيرُ الشَّهْوَةَ بِبَطْنِ الْكَفِّ بِخِلَافِ اللَّمْسِ يُثِيرُهَا بِهِ وَبِغَيْرِهِ.

(لَا) عُضْوٌ (مَقْطُوعٌ وَشَعْرٌ وَسِنٌّ وَظُفْرٌ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ مَعَ إسْكَانِ الْفَاءِ وَضَمِّهَا وَبِكَسْرِهِ مَعَ إسْكَانِهَا وَكَسْرِهَا وَيُقَالُ فِيهِ أُظْفُورٌ فَلَا نَقْضَ بِلَمْسِ شَيْءٍ مِنْهَا لِانْتِفَاءِ الْمَظِنَّةِ إذْ لَا يُلْتَذُّ بِلَمْسِهَا بَلْ بِالنَّظَرِ إلَيْهَا وَلِأَنَّ لَامِسَهَا لَمْ يَلْمِسْ امْرَأَةً وَلَا رَجُلًا

(وَلَا) يَنْقُضُ (أَمْرَدُ) وُضُوءَ الذَّكَرِ وَلَوْ حَسَنَ الصُّورَةِ أَوْ كَانَ الِالْتِقَاءُ بِشَهْوَةٍ لِأَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ فِي الْآيَةِ وَهَذَا فُهِمَ مِنْ أَوَّلِ الْكَلَامِ، كَمَا فُهِمَ مِنْهُ عَدَمُ النَّقْضِ بِالْتِقَاءِ بَشَرَتَيْ ذَكَرَيْنِ أَوْ أُنْثَيَيْنِ أَوْ خُنْثَيَيْنِ أَوْ خُنْثَى وَذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى أَوْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى بِحَائِلٍ وَلَوْ بِشَهْوَةٍ لِانْتِفَاءِ مَظِنَّتِهَا وَلِاحْتِمَالِ التَّوَافُقِ فِي صُوَرِ الْخُنْثَى (وَلَا إنْ شَكَّ فِي مَحْرَمِيَّةِ الْمَلْمُوسِ) لِأَنَّ الْأَصْلَ الطَّهَارَةُ وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّ الْحُكْمَ كَذَلِكَ، وَإِنْ اخْتَلَطَتْ مَحْرَمَةٌ بِأَجْنَبِيَّاتٍ غَيْرِ مَحْصُورَاتٍ وَهُوَ ظَاهِرٌ فَقَوْلُ الزَّرْكَشِيّ أَنَّ الِالْتِقَاءَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ يَنْقُضُ لِأَنَّهُ لَوْ نَكَحَهَا جَازَ بَعِيدٌ لِأَنَّ الطُّهْرَ لَا يُرْفَعُ بِالشَّكِّ وَلَا بِالظَّنِّ كَمَا سَيَأْتِي وَالنِّكَاحُ لَوْ مُنِعَ مِنْهُ الشَّاكُّ فِيمَا ذَكَرَ لَانْسَدَّ عَلَيْهِ بَابُ النِّكَاحِ كَمَا سَيَأْتِي

(وَاللِّسَانُ وَلَحْمُ الْأَسْنَانِ كَالْبَشَرَةِ) فِيمَا ذَكَرَ (الرَّابِعُ مَسُّ فَرْجِ آدَمِيٍّ) قُبُلٍ أَوْ دُبُرٍ مِنْ نَفْسِهِ أَوْ غَيْرِهِ عَمْدًا أَوْ سَهْوًا وَاضِحًا كَانَ الْمَاسُّ أَوْ خُنْثَى عَلَى مَا سَيَأْتِي لِخَبَرِ «مَنْ مَسَّ ذَكَرَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ» وَفِي رِوَايَةٍ «مَنْ مَسَّ فَرْجَهُ» وَفِي رِوَايَةٍ ذَكَرًا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَلِخَبَرِ ابْنِ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ «إذَا أَفْضَى أَحَدُكُمْ بِيَدِهِ إلَى فَرْجِهِ وَلَيْسَ بَيْنَهُمَا سِتْرٌ وَلَا حِجَابٌ فَلْيَتَوَضَّأْ» وَمَسُّ فَرْجِ غَيْرِهِ أَفْحَشُ مِنْ مَسِّ فَرْجِهِ لِهَتْكِهِ حُرْمَةَ غَيْرِهِ وَلِأَنَّهُ أَشْهَى لَهُ وَالْمُرَادُ بِمَسِّ قُبُلِ الْمَرْأَةِ وَالدُّبُرِ مَسُّ مُلْتَقَى الْمَنْفَذِ فَلَا نَقْضَ بِمَسِّ غَيْرِهِ وَغَيْرِ الذَّكَرِ كَالْأُنْثَيَيْنِ وَبَاطِنِ الْأَلْيَيْنِ وَالْعَانَةِ وَمَا أَفْتَى بِهِ الْقَفَّالُ مِنْ أَنَّ مَسَّ شَعْرِ الْفَرْجِ يَنْقُضُ جَرَى فِيهِ عَلَى طَرِيقِ الْمَرَاوِزَةِ مِنْ أَنَّ لَمْسَ الشَّعْرِ يَنْقُضُ وَالْأَصَحُّ خِلَافُهُ (لَا) فَرْجُ (بَهِيمَةٍ) فَلَا نَقْضَ بِمَسِّهِ كَمَا لَا يَجِبُ سِتْرُهُ وَلَا يَحْرُمُ النَّظَرُ إلَيْهِ وَلَا يَتَعَلَّقُ بِهِ خِتَانٌ وَلَا اسْتِنْجَاءٌ وَبِالْقِيَاسِ عَلَى لَمْسِهَا

(وَلَوْ) كَانَ الْآدَمِيُّ (مَيِّتًا وَصَغِيرًا وَ) الْمَمْسُوسُ (ذَكَرًا مَقْطُوعًا) أَوْ أَشَلَّ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ (وَمَحِلَّهُ) بَعْدَ قَطْعِهِ فَإِنَّهُ يَنْقُضُ لِأَنَّ مَحِلَّهُ فِي مَعْنَاهُ لِأَنَّهُ أَصْلُهُ وَلِشُمُولِ الِاسْمِ فِي غَيْرِهِ مِمَّا ذَكَرَ وَمَسُّ بَعْضِهِ الْمَقْطُوعِ كَذَلِكَ إلَّا مَا قُطِعَ فِي الْخِتَانِ إذْ لَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ الذَّكَرِ قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ، وَأَمَّا قُبُلُ الْمَرْأَةِ وَالدُّبُرُ فَالْمُتَّجِهُ أَنَّهُ إنْ بَقِيَ اسْمُهُمَا بَعْدَ قَطْعِهِمَا نَقَضَ مَسُّهُمَا وَإِلَّا فَلَا لِأَنَّ الْحُكْمَ مَنُوطٌ بِالِاسْمِ كَمَا أَنَّهُ مَنُوطٌ بِالْمَسِّ (بِبَطْنِ كَفٍّ وَلَوْ) كَانَتْ (شَلَّاءَ) لِأَنَّ التَّلَذُّذَ إنَّمَا يَحْصُلُ بِهِ وَلِخَبَرِ الْإِفْضَاءِ بِالْيَدِ السَّابِقِ إذْ الْإِفْضَاءُ بِهَا لُغَةً الْمَسُّ بِبَطْنِ الْكَفِّ فَيَتَقَيَّدُ بِهِ إطْلَاقُ الْمَسِّ فِي بَقِيَّةِ الْإِخْبَارِ، وَاعْتَرَضَ الْقُونَوِيُّ بِأَنَّ الْمَسَّ وَإِنْ كَانَ مُطْلَقًا إلَّا أَنَّهُ هُنَا عَامٌّ لِأَنَّهُ صِلَةُ الْمَوْصُولِ الَّذِي هُوَ مِنْ صِيَغِ الْعُمُومِ وَالْإِفْضَاءُ فَرْدٌ مِنْ الْعَامِّ وَإِفْرَادُ فَرْدٍ مِنْ الْعَامِّ لَا يُخَصِّصُ عَلَى الصَّحِيحِ قَالَ، وَالْأَقْرَبُ ادِّعَاءُ تَخْصِيصِ عُمُومِ الْمَسِّ بِمَفْهُومِ خَبَرِ الْإِفْضَاءِ، وَقَوْلُهُ (وَهُوَ) أَيْ بَطْنُ الْكَفِّ (مَا انْطَبَقَ عَلَيْهِ الْكَفَّانِ بِتَحَامُلٍ يَسِيرٍ) فِيهِ قُصُورٌ بِالنَّظَرِ إلَى بَطْنِ الْإِبْهَامِ وَقَيَّدَ بِالْيَسِيرِ لِيَدْخُلَ فِيهِ الْمُنْحَرِفُ الَّذِي يَلِي الْكَفَّ (لَا رُءُوسُ الْأَصَابِعِ وَ) لَا (مَا بَيْنَهَا وَلَا حَرْفُ الْكَفِّ) فَلَا يَنْقُضُ الْمَسُّ بِشَيْءٍ مِنْهَا لِخُرُوجِهَا عَنْ سَمْتِ الْكَفِّ وَهَذِهِ الثَّلَاثَةُ مَجْرُورَةٌ عَطْفًا عَلَى بَطْنِ كَفٍّ أَوْ مَرْفُوعَةٌ عَطْفًا عَلَى مَا انْطَبَقَ وَشَمَلَ حَرْفُ الْكَفِّ بِحَسَبِ مَا اقْتَضَاهُ تَفْسِيرُ بَاطِنِهَا السَّابِقِ حَرْفَ الْأَصَابِعِ الْمُصَرَّحِ بِهِ فِي الْأَصْلِ وَأُلْحِقَ الْحَرْفُ هُنَا بِالظَّاهِرِ وَفِي الْخُفِّ بِالْبَاطِنِ رُجُوعًا لِلْأَصْلِ فِيهِمَا

(وَمَنْ لَهُ كَفَّانِ نَقَضَتَا) بِالْمَسِّ (مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ أَكَانَتَا عَامِلَتَيْنِ أَمْ غَيْرَ عَامِلَتَيْنِ فَقَوْلُهُ مَنْ زِيَادَتُهُ مُطْلَقًا تَبَعًا لِلرَّافِعِيِّ أَوْلَى مِنْ تَقْيِيدِ الرَّوْضَةِ بِالْعَامِلَتَيْنِ (لَا زَائِدَةٌ مَعَ عَامِلَةٍ) فَلَا تَنْقُضُ بَلْ الْحُكْمُ لِلْعَامِلَةِ فَقَطْ وَهَذَا مَا صَحَّحَهُ الْأَصْلُ لَكِنَّهُ صَحَّحَ فِي التَّحْقِيقِ النَّقْضَ بِالزَّائِدَةِ أَيْضًا وَعَزَاهُ فِي الْمَجْمُوعِ لِإِطْلَاقِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرملي الكبير]
الْمُؤَبَّدَةُ لَا عَلَى جِهَةِ الْمَحْرَمِيَّةِ وَبِالسَّبَبِ الْحُرْمَةُ الْمُؤَبَّدَةُ عَلَى جِهَةِ الْمَحْرَمِيَّةِ فَلِلْحُرْمَةِ الْمُؤَبَّدَةِ جِهَتَانِ وَاعْتِبَارَانِ وَعَنْ الثَّانِي بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْحُرْمَةِ الْحُرْمَةُ الْأَوَّلِيَّةُ وَالِاحْتِرَامُ الْأَوَّلِيُّ فِي زَوْجَاتِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالثَّانِي لَهُنَّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُنَّ - وَعَنْ الثَّالِثِ وَالرَّابِعِ بِأَنَّ الْمُرَادَ إبَاحَةُ السَّبَبِ نَظَرًا لِذَاتِهِ وَهُوَ فِي الْمَذْكُورَاتِ كَذَلِكَ وَإِنَّمَا حَرُمَ فِيهِنَّ نَظَرًا لِعَارِضِهِ

(قَوْلُهُ: وَصَغِيرَةً لَا تُشْتَهَى عُرْفًا) وَقِيلَ بِسَبْعِ سِنِينَ فَأَقَلَّ

(قَوْلُهُ: وَإِنْ اخْتَلَطَتْ مَحْرَمَةٌ بِأَجْنَبِيَّاتٍ غَيْرِ مَحْصُورَاتٍ إلَخْ) شَمَلَ مَا لَوْ لَمَسَهَا بَعْدَ تَزَوُّجِهِ بِهَا وَبِهِ أَفْتَيْت

(قَوْلُهُ: وَاللِّسَانُ وَلَحْمُ الْأَسْنَانِ كَالْبَشَرَةِ) أَيْ وَنَحْوِهِمَا كَدَاخِلِ الْفَرْجِ (قَوْلُهُ: وَالْمُرَادُ بِمَسِّ قُبُلِ الْمَرْأَةِ. إلَخْ) الْمُرَادُ بِقُبُلِ الْمَرْأَةِ الشُّفْرَانِ عَلَى الْمَنْفَذِ مِنْ أَوَّلِهِمَا إلَى آخِرِهِمَا لَا مَا هُوَ عَلَى الْمَنْفَذِ مِنْهُمَا فَقَطْ كَمَا وَهَمَ فِيهِ جَمَاعَةٌ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَقَدْ صَرَّحَ الْقَفَّالُ بِأَنَّهُ يَنْقُضُ مَسُّ مَوْضِعِ خِتَانِهَا ع

(قَوْلُهُ: وَالْمَمْسُوسُ ذَكَرًا مَقْطُوعًا. إلَخْ) دُونَ مُبَان قُبُلِ الْمَرْأَةِ لِأَنَّ مَحَلَّ الْحَدَثِ مِنْهُ قَبْلَ الْإِبَانَةِ مُلْتَقَى الشُّفْرَيْنِ وَلَا يُسَمَّى بَعْدَ الْإِبَانَةِ فَرْجًا وَمَا أَفَادَهُ الْمَفْهُومُ مِنْ أَنَّهُ لَا حَدَثَ بِمَسِّ قُبُلِ الْمَرْأَةِ الْمُبَانِ جَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ فِي الشَّرْحِ وَلَمْ أَرَ الْجَزْمَ بِهِ لِغَيْرِهِ لَكِنْ قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ: أَنَّهُ الظَّاهِرُ وَوَجْهُهُ بِمَا سَبَقَ وَالدُّبُرُ الْمُبَانُ يَتَّجِهُ أَنْ يَكُونَ كَقُبُلِ الْمَرْأَةِ وَهُوَ قَضِيَّةُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ كَالْعَزِيزِ (قَوْلُهُ: وَمَسُّ بَعْضِهِ الْمَقْطُوعِ كَذَلِكَ) قَالَ فِي الْخَادِمِ: لَمْ يَتَعَرَّضْ

(1/57)


الْجُمْهُورِ ثُمَّ نُقِلَ الْأَوَّلُ عَنْ الْبَغَوِيّ فَقَطْ قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ: وَيُؤَيِّدُ مَا فِي الرَّوْضَةِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ لَهُ ذَكَرَانِ أَحَدُهُمَا عَامِلٌ فَمَسَّ الْآخَرَ لَمْ يَنْتَقِضْ وُضُوءُهُ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُهُمَا فِي بَابِ الْغُسْلِ وَصَرَّحَ بِتَصْحِيحِهِ فِي غَيْرِهَا وَجَمَعَ ابْنُ الْعِمَادِ بَيْنَ الْكَلَامَيْنِ فَقَالَ: كَلَامُ الرَّوْضَةِ فِيمَا إذَا كَانَ الْكَفَّانِ عَلَى مِعْصَمَيْنِ وَكَلَامُ التَّحْقِيقِ فِيمَا إذَا كَانَتَا عَلَى مِعْصَمٍ وَاحِدٍ فَتَنْقُضُ الزَّائِدَةُ سَوَاءٌ أَعَمِلَتْ أَمْ لَا كَالْأُصْبُعِ الزَّائِدَةِ لَكِنْ يَنْبَغِي تَقْيِيدُهَا بِمَا إذَا كَانَتْ عَلَى سَمْتِ الْأَصْلِيَّةِ كَنَظِيرَةِ فِي الْأُصْبُعِ الزَّائِدَةِ قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ: وَمَحِلُّ عَدَمِ النَّقْضِ بِمَسِّ غَيْرِ الْعَامِلِ مِنْ الذَّكَرَيْنِ إذَا لَمْ يَكُنْ مُسَامِتًا لِلْعَامِلِ وَإِلَّا فَهُوَ كَأُصْبُعٍ زَائِدَةٍ مُسَامِتَةٍ لِلْبَقِيَّةِ فَيَنْقُضُ قَالَهُ الْفُورَانِيُّ

(وَلَا يَنْتَقِضُ مَمْسُوسُ فَرْجٍ) بِخِلَافِ الْمَلْمُوسِ كَمَا مَرَّ لِأَنَّ الشَّرْعَ وَرَدَ بِالْمَسِّ وَالْمَمْسُوسُ لَمْ يُمَسَّ وَوَرَدَ بِالْمُلَامَسَةِ وَهِيَ تَقْتَضِي الْمُشَارَكَةَ إلَّا مَا خَرَجَ بِدَلِيلٍ (وَكَالْأَصَابِعِ) فِي النَّقْضِ بِهَا أُصْبُعٌ (زَائِدَةٌ سَامَتَتْهَا) بِأَنْ تَكُونَ عَلَى سُنَنِهَا بِخِلَافِ غَيْرِ الْمُسَامِتَةِ لَهَا خِلَافًا لِمَا نَقَلَهُ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الْجُمْهُورِ مِنْ إطْلَاقِ النَّقْضِ بِالزَّائِدَةِ وَقَالَ إنَّهُ الْمَشْهُورُ

(وَإِنْ مَسَّ مُشْكِلٌ فَرْجَيْ مُشْكِلٍ أَوْ) فَرْجَيْ (مُشْكِلَيْنِ) أَيْ آلَةَ الرِّجَالِ مِنْ أَحَدِهِمَا وَآلَةَ النِّسَاءِ مِنْ الْآخَرِ (أَوْ) فَرْجَيْنِ (مِنْ نَفْسِهِ انْتَقَضَ) وُضُوءُهُ لِأَنَّهُ مَسَّ فِي غَيْرِ الثَّانِيَةِ وَمَسَّ أَوْ لَمَسَ فِي الثَّانِيَةِ الصَّادِقَةِ بِمُشْكِلَيْنِ غَيْرِهِ وَبِنَفْسِهِ وَمُشْكِلٍ آخَرَ فَعِبَارَتُهُ فِيهَا كَالرَّافِعِيِّ أَوْلَى مِنْ اقْتِصَارِ الرَّوْضَةِ عَلَى نَفْسِهِ وَمُشْكِلٍ آخَرَ لَكِنْ يُعْتَبَرُ فِيهَا أَنْ لَا يَمْنَعَ مِنْ النَّقْضِ مَانِعٌ مِنْ مَحْرَمِيَّةٍ أَوْ غَيْرِهَا كَمَا عُرِفَ مِمَّا مَرَّ (لَا بِمَسِّ أَحَدِهِمَا) فَقَطْ لِاحْتِمَالِ زِيَادَتِهِ (وَإِنْ مَسَّ أَحَدَهُمَا وَصَلَّى) صَلَاةً كَصُبْحٍ (ثُمَّ) مَسَّ (الْآخَرَ ثُمَّ صَلَّى) صَلَاةً أُخْرَى كَظُهْرٍ (أَعَادَ الْأُخْرَى إنْ لَمْ يَتَوَضَّأْ بَيْنَهُمَا) أَيْ بَيْنَ الْمَسَّيْنِ لِأَنَّهُ مُحْدِثٌ عِنْدَهَا قَطْعًا بِخِلَافِ الصُّبْحِ إذْ لَمْ يُعَارِضْهَا شَيْءٌ، وَقَوْلُ صَاحِبِ الذَّخَائِرِ: الَّذِي يَقْتَضِيهِ النَّظَرُ وُجُوبُ إعَادَتِهِمَا مَعًا كَمَا لَوْ صَلَّى صَلَاتَيْنِ بِوُضُوءَيْنِ عَنْ حَدَثَيْنِ ثُمَّ تَيَقَّنَ نِسْيَانَ عُضْوٍ فِي أَحَدِهِمَا رُدَّ بِأَنَّهُ لَمْ يُتَيَقَّنْ هُنَاكَ الْحَدَثُ فِي إحْدَاهُمَا عَيْنًا بَلْ الشَّكُّ فِيهِمَا عَلَى السَّوَاءِ فَوَجَبَ إعَادَتُهُمَا مَعًا، وَأَمَّا هُنَا فَالصَّلَاةُ الثَّانِيَةُ حَصَلَ تَيَقُّنُ الْحَدَثِ فِيهَا لِاجْتِمَاعِ مَسِّ الْفَرْجَيْنِ فِيهَا بِخِلَافِ الْأُولَى، وَالْأَوْلَى أَنْ يُرَدَّ بِأَنَّهُ فِي تِلْكَ لَمْ يَتَيَقَّنْ رَفْعَ حَدَثٍ بِخِلَافِهِ هُنَا فَإِنَّهُ تَيَقَّنَ رَفْعَهُ وَشَكَّ فِي رَافِعِهِ أَمَّا إذَا تَوَضَّأَ بَيْنَهُمَا فَلَا تَجِبُ إعَادَةُ وَاحِدَةٍ مِنْ الصَّلَاتَيْنِ وَإِنْ وَقَعَتْ إحْدَاهُمَا مَعَ الْحَدَثِ قَطْعًا لِأَنَّ كُلَّ صَلَاةٍ مُفْرَدَةٌ بِحُكْمِهَا وَقَدْ بَنَى كُلًّا مِنْهُمَا عَلَى ظَنٍّ صَحِيحٍ فَصَارَ كَمَا لَوْ صَلَّى صَلَاتَيْنِ لِجِهَتَيْنِ بِاجْتِهَادَيْنِ، وَالْمُرَادُ أَنَّهُ تَوَضَّأَ عَنْ حَدَثٍ آخَرَ أَوْ عَنْ الْمَسِّ احْتِيَاطًا وَلَمْ يَبِنْ الْحَالُ كَمَا مَرَّ بَيَانُهُ فِي صِفَةِ الْوُضُوءِ

(وَإِنْ مَسَّ رَجُلٌ ذَكَرَ خُنْثَى أَوْ) مَسَّتْ (امْرَأَةٌ فَرْجَهُ لَا عَكْسُهُ انْتَقَضَ الْمَاسُّ) أَيْ وُضُوءُهُ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ مِثْلُهُ فَقَدْ انْتَقَضَ وُضُوءُهُ بِالْمَسِّ وَإِلَّا فَبِاللَّمْسِ بِخِلَافِ عَكْسِهِ بِأَنْ مَسَّ الرَّجُلُ فَرْجَ الْخُنْثَى، وَالْمَرْأَةُ ذَكَرَهُ لَا نَقْضَ لِاحْتِمَالِ زِيَادَتِهِ وَمَحِلُّ الْأَوَّلِ إذَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا مَحْرَمِيَّةٌ أَوْ غَيْرُهَا مِمَّا يَمْنَعُ النَّقْضَ كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ وَصَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ هُنَا

(وَلَوْ مَسَّ أَحَدُ مُشْكِلَيْنِ ذَكَرَ صَاحِبِهِ وَالْآخَرُ فَرْجَهُ أَوْ فَرْجَ نَفْسِهِ انْتَقَضَ وَاحِدٌ) مِنْهُمَا لَا بِعَيْنِهِ لِأَنَّهُمَا إنْ كَانَا رَجُلَيْنِ فَقَدْ انْتَقَضَ لِمَاسِّ الذَّكَرِ أَوْ امْرَأَتَيْنِ فَلِمَاسِّ الْفَرْجِ أَوْ مُخْتَلِفَيْنِ فَلِكِلَيْهِمَا بِاللَّمْسِ إلَّا أَنَّ هَذَا غَيْرُ مُتَعَيِّنٍ فَلَمْ يَتَعَيَّنْ الْحَدَثُ فِيهِمَا، وَقَوْلُهُ أَوْ فَرْجَ نَفْسِهِ مِنْ زِيَادَتِهِ (وَلِكُلٍّ أَنْ يُصَلِّيَ) وَفَائِدَةُ الِانْتِقَاضِ لِأَحَدِهِمَا لَا بِعَيْنِهِ أَنَّهُ إذَا اقْتَدَتْ بِهِ امْرَأَةٌ فِي صَلَاةٍ لَا تَقْتَدِي بِالْآخَرِ (وَلَا يَرْتَفِعُ تَعَيُّنُ حَدَثٍ أَوْ طُهْرٍ بِظَنٍّ) لِضِدِّهِ وَلَا بِالشَّكِّ فِيهِ الْمَفْهُومُ بِالْأَوْلَى فَيَأْخُذُ بِالْيَقِينِ اسْتِصْحَابًا لَهُ وَالْأَصْلُ فِيهِ خَبَرُ مُسْلِمٍ «إذَا وَجَدَ أَحَدُكُمْ فِي بَطْنِهِ شَيْئًا فَأَشْكَلَ عَلَيْهِ أَخَرَجَ مِنْهُ شَيْءٌ أَمْ لَا فَلَا يَخْرُجَنَّ مِنْ الْمَسْجِدِ حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتًا أَوْ يَجِدَ رِيحًا» فَعُلِمَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ التَّسَاوِي وَالرُّجْحَانِ، وَبِهِ صَرَّحَ النَّوَوِيُّ فِي دَقَائِقِهِ وَغَيْرِهَا فَقَالَ: الشَّكُّ هُنَا وَفِي مُعْظَمِ أَبْوَابِ الْفِقْهِ هُوَ التَّرَدُّدُ سَوَاءٌ الْمُسْتَوِي وَالرَّاجِحُ انْتَهَى.
وَقَوْلُ الرَّافِعِيِّ يَعْمَلُ بِظَنِّ الطُّهْرِ بَعْدَ تَيَقُّنِ الْحَدَثِ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: لَمْ أَرَهُ لِغَيْرِهِ وَأَسْقَطَهُ مِنْ الرَّوْضَةِ وَقِيلَ مُرَادُ الرَّافِعِيِّ أَنَّ الْمَاءَ الْمَظْنُونَ طَهَارَتُهُ بِالِاجْتِهَادِ مَثَلًا يَرْفَعُ يَقِينَ الْحَدَثِ

(وَإِنْ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرملي الكبير]
تَعَذُّرُ الْبَعْضِ وَيُحْتَمَلُ اعْتِبَارُ الْحَشَفَةِ كَالْغُسْلِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا فَرْقَ وَهُوَ الْأَقْرَبُ

(قَوْلُهُ بِأَنْ يَكُونَ عَلَى سُنَنِهَا) أَيْ عَلَى وَفْقِهَا فَإِنْ كَانَتْ عَلَى ظَهْرِ الْكَفِّ لَمْ يَنْقُضْ الْمَسُّ بِبَطْنِهَا م

(قَوْلُهُ: أَيْ بَيْنَ الْمَسَّيْنِ) أَيْ وَلَا بَعْدَهُمَا قَبْلَ الصَّلَاةِ الثَّانِيَةِ

(قَوْلُهُ: وَفِي مُعْظَمِ أَبْوَابِ الْفِقْهِ هُوَ التَّرَدُّدُ) أَشَارَ بِقَوْلِهِ: مُعْظَمُ أَبْوَابِ الْفِقْهِ إلَى أَنَّهُمْ فَرَّقُوا بَيْنَهُمَا فِي أَبْوَابٍ كَثِيرَةٍ مِنْهَا بَابُ الْإِيلَاءِ وَحَيَاةُ الْحَيَوَانِ الْمُسْتَقِرَّةُ وَالْقَضَاءُ بِالْعِلْمِ وَالْأَكْلُ مِنْ مَالِ الْغَيْرِ وَفِي وُجُوبِ رُكُوبِ الْبَحْرِ لِلْحَجِّ وَفِي الْمَرَضِ الْمَخُوفِ وَفِي وُقُوعِ الطَّلَاقِ (قَوْلُهُ: وَأَسْقَطَهُ مِنْ الرَّوْضَةِ) قَالَ فِي الذَّخَائِرِ فَأَمَّا إذَا تَيَقَّنَ الطَّهَارَةَ وَظَنَّ الْحَدَثَ أَوْ تَيَقَّنَ الْحَدَثَ وَظَنَّ الطَّهَارَةَ فَاَلَّذِي ذَهَبَ إلَيْهِ الْأَصْحَابُ الرُّجُوعُ إلَى الْيَقِينِ وَيَحْتَمِلُ عِنْدِي إجْرَاءُ الْقَوْلَيْنِ فِي تَعَارُضِ الْأَصْلِ وَالظَّاهِرِ فِي النَّجَاسَاتِ هَاهُنَا فَإِنَّ الْحَدَثَ لَهُ أَمَارَاتٌ انْتَهَى.
وَفِي التَّحْقِيقِ أَنَّهُ إذَا ظَنَّ طَهَارَةً أَوْ حَدَثًا لَا يَعْمَلُ بِهِ قَطْعًا (قَوْلُهُ: وَقِيلَ مُرَادُ الرَّافِعِيِّ إلَخْ) وَيَجُوزُ أَنْ يُرِيدَ الرَّافِعِيُّ مَا إذَا شَكَّ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْوُضُوءِ فِي تَرْكِ عُضْوٍ فَإِنَّهُ لَا يُؤَثِّرُ فِي الْأَصَحِّ كَنَظِيرِهِ مِنْ الصَّلَاةِ فَإِنَّ هَذَا إعْمَالٌ لِظَنِّ الطَّهَارَةِ بَعْدَ يَقِينِ الْحَدَثِ بَلْ الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَمْ يَرِدْ غَيْرُ هَذِهِ الصُّورَةِ فَإِنَّهَا جَارِيَةٌ عَلَى الْمَذْهَبِ وَمِثْلُهُ مَا لَوْ اغْتَسَلَتْ مِنْ جِمَاعٍ فِي قُبُلِهَا ثُمَّ خَرَجَ مِنْهَا الْمَنِيُّ فَتَغْتَسِلُ لِأَنَّهُ يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ اخْتِلَاطُ مَنِيِّهَا بِمَنِيِّهِ. وَمَا لَوْ رَأَى ظَبْيَةً تَبُولُ فِي مَاءٍ كَثِيرٍ فَوَجَدَهُ مُتَغَيِّرًا وَشَكَّ فِي سَبَبِ تَغَيُّرِهِ فَيَنْجُسُ عَمَلًا بِالظَّاهِرِ لِاسْتِنَادِهِ إلَى سَبَبٍ مُعَيَّنٍ (تَنْبِيهٌ)
قَالَ صَاحِبُ التَّلْخِيصِ: لَا يُرْفَعُ الْيَقِينُ بِالشَّكِّ إلَّا فِي مَسَائِلَ مِنْهَا إذَا وَقَعَ الشَّكُّ فِي انْقِضَاءِ وَقْتِ الْجُمُعَةِ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِيهَا أَوْ فِيهَا فَإِنَّهُمْ يُصَلُّونَ الظُّهْرَ وَمِنْهَا إذَا شَكَّ فِي أَنَّهُ نَوَى الْإِتْمَامَ أَمْ لَا فَإِنَّهُ يُتِمُّ وَمِنْهَا إذَا شَكَّ فِي أَنَّهُ بَلَغَ وَطَنَهُ أَمْ لَا فَإِنَّهُ يُتِمُّ وَمِنْهَا مَا إذَا شَكَّ فِي انْقِضَاءِ مُدَّةِ الْمَسْحِ فَإِنَّهُ يَبْنِي الْأَمْرَ عَلَى مَا يُوجِبُ

(1/58)


تَيَقَّنَ حَدَثًا وَطُهْرًا) كَأَنْ وُجِدَا مِنْهُ بَعْدَ الْفَجْرِ (وَجَهِلَ السَّابِقَ) مِنْهُمَا (نَظَرَ فِيمَا قَبْلُ فَإِنْ كَانَ) فِيهِ (مُحْدِثًا فَهُوَ الْآنَ مُتَطَهِّرٌ) لِأَنَّهُ تَيَقَّنَ الطَّهَارَةَ وَشَكَّ فِي تَأَخُّرِ الْحَدَثِ عَنْهَا وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ (أَوْ) كَانَ فِيهِ (مُتَطَهِّرًا فَهُوَ) الْآنَ مُحْدِثٌ لِأَنَّهُ تَيَقَّنَ الْحَدَثَ وَشَكَّ فِي تَأَخُّرِ الطَّهَارَةِ عَنْهُ وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ هَذَا (إنْ اعْتَادَ التَّجْدِيدَ) لَهَا وَإِنْ لَمْ تَطَّرِدْ عَادَتُهُ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَعْتَدْ تَجْدِيدَهَا (فَمُتَطَهِّرٌ) لِأَنَّ الظَّاهِرَ تَأَخُّرُهَا عَنْ الْحَدَثِ وَلَوْ تَذَكَّرَ أَنَّهُ كَانَ قَبْلَهُمَا مُتَطَهِّرًا أَوْ مُحْدِثًا أَخَذَ بِمَا قَبْلَ الْأَوَّلَيْنِ عَكْسُ مَا مَرَّ قَالَهُ فِي الْبَحْرِ قَالَ وَهُمَا فِي الْمَعْنَى سَوَاءٌ وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إنْ كَانَ الْوَقْتُ الَّذِي وَقَعَ فِيهِ الِاشْتِبَاه وِتْرًا أَخَذَ بِالضِّدِّ أَوْ شَفْعًا فَبِالْمِثْلِ بَعْدَ اعْتِبَارِ اعْتِيَادِ التَّجْدِيدِ وَعَدَمِهِ (وَإِنْ جَهِلَ مَا قَبْلَهُمَا وَجَبَ الْوُضُوءُ) لِتَعَارُضِ الِاحْتِمَالَيْنِ بِلَا مُرَجِّحٍ وَلَا سَبِيلَ إلَى الصَّلَاةِ مَعَ التَّرَدُّدِ الْمَحْضِ فِي الطَّهَارَةِ وَظَاهِرٌ أَنَّ هَذَا فِيمَنْ يَعْتَادُ التَّجْدِيدَ فَإِنَّ غَيْرَهُ يَأْخُذُ بِالطَّهَارَةِ مُطْلَقًا كَمَا مَرَّ فَلَا أَثَرَ لِتَذَكُّرِهِ ثُمَّ مَا ذَكَرَ مِنْ التَّفْصِيلِ بَيْنَ التَّذَكُّرِ وَعَدَمِهِ هُوَ مَا صَحَّحَهُ الْأَصْلُ وَالنَّوَوِيُّ فِي مِنْهَاجِهِ وَتَحْقِيقُهُ وَصَحَّحَ فِي شَرْحَيْ الْمُهَذَّبِ وَالْوَسِيطِ وُجُوبَ الْوُضُوءِ مُطْلَقًا لِأَنَّ مَا قَبْلَ الْفَجْرِ بَطَلَ يَقِينًا وَمَا بَعْدَهُ مُتَعَارِضٌ وَلَا بُدَّ مِنْ طُهْرٍ مَعْلُومٍ أَوْ مَظْنُونٍ وَاخْتَارَهُ فِي التَّحْقِيقِ وَغَيْرِهِ، وَقَالَ فِي الرَّوْضَةِ: إنَّهُ الصَّحِيحُ عِنْدَ جَمَاعَاتٍ مِنْ مُحَقِّقِي أَصْحَابِنَا، وَقَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ إنَّهُ الْمُفْتَى بِهِ لِذَهَابِ الْأَكْثَرِينَ إلَيْهِ (وَمُوجِبُ الطَّهَارَةِ) وُضُوءً وَغُسْلًا (الْحَدَثُ أَوْ الْوَقْتُ أَوْ هُمَا وَهُوَ الْأَصَحُّ) هَذَا مِنْ زِيَادَتِهِ هُنَا وَتَعْبِيرُهُ بِالْوَقْتِ تَبِعَ فِيهِ الشَّيْخَ أَبَا حَامِدٍ وَالْمُرَادُ بِهِ الْقِيَامُ إلَى الصَّلَاةِ وَنَحْوِهَا الَّذِي عَبَّرَ بِهِ الشَّيْخَانِ وَالْمُرَجَّحُ عِنْدَهُمَا مَا أَفَادَهُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ هُنَا مَعَ مَا يَأْتِي فِي الْغُسْلِ أَنَّ مُوجِبَهَا الْحَدَثُ عِنْدَ الِانْقِطَاعِ وَالْقِيَامِ إلَى الصَّلَاةِ وَنَحْوِهَا لَكِنَّ النَّوَوِيَّ خَالَفَ فِي مَجْمُوعِهِ فِي مُوجِبِ الْغُسْلِ مِنْ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ فَصَحَّحَ أَنَّهُ الِانْقِطَاعُ

(فَرْعٌ) فِيمَا يَتَّضِحُ بِهِ الْخُنْثَى وَهُوَ مَنْ لَهُ آلَتَا الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ أَوْ لَيْسَ لَهُ وَاحِدَةٌ مِنْهُمَا بَلْ لَهُ ثُقْبَةٌ يَبُولُ مِنْهَا وَالثَّانِي لَا دَلَالَةَ لِلْبَوْلِ فِيهِ بَلْ يُوقَفُ أَمْرُهُ حَتَّى يَصِيرَ مُكَلَّفًا فَيُخْبِرُ بِمَيْلِهِ قَالَهُ الْبَغَوِيّ وَنَقَلَهُ عَنْهُ النَّوَوِيُّ فِي مَجْمُوعِهِ وَأَقَرَّهُ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَلَا يَنْحَصِرُ ذَلِكَ فِي الْمَيْلِ بَلْ يُعْرَفُ أَيْضًا بِالْحَيْضِ وَالْمَنِيِّ الْمُتَّصِفِ بِصِفَةِ أَحَدِ النَّوْعَيْنِ، وَأَمَّا الْأَوَّلُ فَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ اتِّضَاحَهُ بِقَوْلِهِ (يَتَّضِحُ الْخُنْثَى بِالْبَوْلِ مِنْ فَرْجٍ فَإِنْ بَالَ) مِنْ فَرْجِ الرِّجَالِ فَرَجُلٌ أَوْ مِنْ فَرْجِ النِّسَاءِ فَامْرَأَةٌ أَوْ (مِنْهُمَا فَبِالسَّبْقِ) لِأَحَدِهِمَا وَإِنْ تَأَخَّرَ انْقِطَاعُ الْآخَرِ (ثُمَّ) إنْ اتَّفَقَا ابْتِدَاءً اتَّضَحَ (بِالتَّأَخُّرِ لَا الْكَثْرَةِ وَتَزْرِيقٌ وَتَرْشِيشٌ) فَلَا يَتَّضِحُ بِشَيْءٍ مِنْهَا فَلَوْ اتَّفَقَا ابْتِدَاءً وَانْقِطَاعًا وَزَادَ أَحَدُهُمَا أَوْ زَرِقَ أَوْ رَشَشَ بِهِ فَلَا اتِّضَاحَ.
قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ أَنَّ آلَةَ الرِّجَالِ إذَا نَقَضَ مِنْهَا الْأُنْثَيَانِ كَانَ الْخُنْثَى مُشْكِلًا وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ يُسْتَدَلُّ بِنَقْصِهِمَا عَلَى الْأُنُوثَةِ وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ ابْن الْمُسْلِم وَجَعَلَ الضَّابِطَ فِي ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ الْعُضْوَانِ تَامَّيْنِ عَلَى الْعَادَةِ وَأَقُولُ بَلْ قَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ هَذَا إلَّا ذَاكَ إذْ هُوَ الْمُتَبَادَرُ مِنْ قَوْلِهِمْ لَهُ آلَتَا الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ وَيَدُلُّ لَهُ قَوْلُهُ إذَا نَقَصَ مِنْهَا الْأُنْثَيَانِ فَجَعَلَهُمَا مِنْ جُمْلَةِ آلَةِ الرَّجُلِ (وَيَتَّضِحُ) أَيْضًا (بِحَيْضٍ أَوْ إمْنَاءٍ إنْ لَاقَ بِوَاحِدٍ) مِنْ الْفَرْجَيْنِ.
(وَ) سَوَاءٌ (خَرَجَ مِنْهُ أَوْ مِنْهُمَا بِشَرْطِ التَّكَرُّرِ) لِيَتَأَكَّدَ الظَّنُّ وَلَا يُتَوَهَّمُ كَوْنُهُ اتِّفَاقِيًّا، وَقَوْلُهُ إنْ لَاقَ بِوَاحِدٍ مِنْ زِيَادَتِهِ فِي الْأُولَى وَفِي نُسْخَةٍ إنْ لَاقَ بِوَاحِدٍ وَتَكَرَّرَ وَخَرَجَ مِنْهُ أَوْ مِنْهَا وَبِالْجُمْلَةِ فِي عِبَارَتِهِ قَلَاقَةٌ وَتَرَكَ مَا فِي الْأَصْلِ مِنْ اعْتِبَارِ خُرُوجِ الْحَيْضِ أَوْ الْمَنِيِّ فِي وَقْتِهِ لِأَنَّهُ إذَا أَخْرَجَ قَبْلَهُ لَا يُسَمَّى حَيْضًا وَلَا مَنِيًّا، وَقَوْلُهُ بِشَرْطِ التَّكَرُّرِ أَيْ فِي جَمِيعِ مَا مَرَّ حَتَّى فِي الْبَوْلِ عَلَى الْمُتَّجَهِ فِي الْمُهِمَّاتِ قَالَ: حَتَّى لَوْ بَالَ بِفَرْجِ الرِّجَالِ مَرَّةً ثُمَّ مَاتَ لَمْ يَرِثْ إرْثَ الذُّكُورِ (وَإِلَّا) بِأَنْ اتَّفَقَا ابْتِدَاءً وَانْقِطَاعًا فِي الْبَوْلِ أَوْ خَرَجَ الْحَيْضُ أَوْ الْمَنِيُّ مِنْ غَيْرِ لَائِقٍ بِهِ كَأَنْ خَرَجَ الْمَنِيُّ مِنْ الذَّكَرِ بِصِفَةِ مَنِيِّ النِّسَاءِ أَوْ مِنْ الْفَرْجِ بِصِفَةِ مَنِيِّ الرِّجَالِ أَوْ مِنْ أَحَدِهِمَا بِصِفَةٍ وَمِنْ الْآخَرِ بِأُخْرَى أَوْ خَرَجَ مِنْ لَائِقٍ بِهِ لَكِنْ بِلَا تَكَرُّرٍ (فَمُشْكِلٌ) وَظَاهِرٌ أَنَّ هَذَا إنَّمَا يَأْتِي عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ مَنِيَّ الرِّجَالِ يُخَالِفُ مَنِيَّ النِّسَاءِ فِي الصِّفَاتِ وَالْأَكْثَرُونَ عَلَى خِلَافِهِ كَمَا سَيَأْتِي، قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ وَالْقِيَاسُ فِيمَا إذَا اتَّفَقَا فِي الْبَوْلِ ابْتِدَاءً وَانْقِطَاعًا اعْتِبَارُ أَكْثَرِ الْمَرَّاتِ فِي الْخُرُوجِ وَالسَّبْقِ وَالِانْقِطَاعِ حَتَّى لَوْ بَالَ بِفَرْجٍ مَرَّتَيْنِ وَبِالْآخَرِ ثَلَاثًا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرملي الكبير]
الْغُسْلَ وَمِنْهُمَا إذَا شَكَّ هَلْ مَسَحَ فِي السَّفَرِ أَوْ فِي الْحَضَرِ بَنِي الْأَمْرَ عَلَى مَا يُوجِبُ الْغُسْلَ وَمِنْهَا إذَا أَحْرَمَ الْمُسَافِرُ بِنِيَّةِ الْقَصْرِ خَلْفَ مَنْ لَا يَدْرِي أَمُسَافِرٌ هُوَ أَوْ مُقِيمٌ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ الْإِتْمَامُ وَمِنْهَا مَا إذَا رَأَى حَيَوَانًا يَبُولُ فِي مَاءٍ كَثِيرٍ ثُمَّ وَجَدَهُ مُتَغَيِّرًا وَلَمْ يَدْرِ أَتَغَيَّرَ بِالْبَوْلِ أَوْ بِغَيْرِهِ فَهُوَ نَجِسٌ وَمِنْهَا الْمُسْتَحَاضَةُ الْمُتَحَيِّرَةُ يَلْزَمُهَا الْغُسْلُ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ وَمِنْهَا مَا إذَا أَصَابَ بَعْضَ بَدَنِهِ نَجَاسَةٌ أَوْ بَعْضَ ثَوْبِهِ وَجَهِلَ مَوْضِعَهَا يَلْزَمُهُ غَسْلُ كُلِّهِ وَمِنْهَا مَا إذَا شَكَّ مُسَافِرٌ هَلْ نَوَى الْإِقَامَةَ أَوْ لَا لَا يَجُوزُ لَهُ التَّرَخُّصُ وَمِنْهَا مَا إذَا تَوَضَّأَتْ الْمُسْتَحَاضَةُ أَوْ مَنْ بِهِ سَلَسُ الْبَوْلِ ثُمَّ شَكَّا هَلْ انْقَطَعَ حَدَثُهُمَا أَمْ لَا وَصَلَّيَا بِطَهَارَتِهِمَا لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُمَا وَمِنْهَا مَا إذَا تَيَمَّمَ لِفَقْدِ الْمَاءِ ثُمَّ رَأَى شَيْئًا لَمْ يَدْرِ أَسْرَابٌ أَمْ لَا فَيَبْطُلُ تَيَمُّمُهُ وَإِنْ كَانَ سَرَابًا

(قَوْلُهُ: وَظَاهِرٌ أَنَّ هَذَا فِيمَنْ لَمْ يَعْتَدْ التَّجْدِيدَ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ: أَوْ هُمَا وَهُوَ الْأَصَحُّ) الْمُرَادُ: أَنَّهَا تَجِبُ بِالْحَدَثِ عِنْدَ انْقِطَاعِهِ وُجُوبًا مُوَسَّعًا وَبِإِرَادَةِ الْقِيَامِ إلَى الْعِبَادَةِ وُجُوبًا مُضَيَّقًا

[فَرْعٌ فِيمَا يَتَّضِحُ بِهِ الْخُنْثَى]
(قَوْلُهُ: بَلْ لَهُ ثُقْبَةٌ يَبُولُ مِنْهَا) فَإِنْ فَقَدَ الْأُنْثَيَيْنِ خِلْقَةً قَالَ: بَعْضُهُمْ فَهُوَ أُنْثَى وَفِيهِ نَظَرٌ (قَوْلُهُ: فَبِالسَّبَقِ لِأَحَدِهِمَا) وَإِنْ تَأَخَّرَ انْقِطَاعُ الْآخَرِ فَإِنْ سَبَقَ أَحَدُهُمَا تَارَةً وَالْآخَرُ أُخْرَى أَوْ بَالَ تَارَةً بِوَاحِدٍ وَأُخْرَى بِالْآخِرِ اُعْتُبِرَ أَكْثَرُ الْحَالَيْنِ فَإِنْ اسْتَوَيَا فَهُوَ مُشْكِلٌ (قَوْلُهُ: فَلَا اتِّضَاحَ) لَكِنْ إذَا اجْتَمَعَتْ الْكَثْرَةُ مَعَ التَّزْرِيقِ أَوْ التَّرْشِيشِ رَجَّحْنَا بِذَلِكَ فَإِنْ كَانَ التَّزْرِيقُ مَعَ الْكَثْرَةِ فِي الذَّكَرِ فَرَجُلٌ أَوْ فِي الْفَرْجِ فَامْرَأَةٌ أث.
(قَوْلُهُ: وَظَاهِرٌ أَنَّ هَذَا إنَّمَا يَأْتِي عَلَى الْقَوْلِ إلَخْ) هُوَ مَمْنُوعٌ إذَا الْكَلَامُ فِي صِفَاتِهِ كَالثَّخَانَةِ وَالْبَيَاضِ فِي مَنِيِّ الرَّجُلِ وَالرِّقَّةِ وَالِاصْفِرَارِ فِي مَنِيِّ الْمَرْأَةِ فِي خَوَاصِّهِ الَّتِي هِيَ مَحَلُّ الْخِلَافِ (قَوْلُهُ: قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ وَالْقِيَاسُ. إلَخْ)

(1/59)


أَخَذْنَا بِذِي الثَّلَاثِ، وَكَذَا فِي السَّبْقِ وَالِانْقِطَاعِ وَقَدْ جَزَمَ بِذَلِكَ الْمَاوَرْدِيُّ وَابْنُ الْمُسْلِمِ

(وَكَذَا إنْ بَالَ أَوْ أَمْنَى بِذَكَرِهِ وَحَاضَ بِفَرْجِهِ) أَوْ بَالَ بِأَحَدِهِمَا وَأَمْنَى بِالْآخَرِ فَمُشْكِلٌ وَذَكَرَ الثَّانِيَةَ مِنْ زِيَادَتِهِ عَلَى الرَّوْضَةِ وَذَكَرَهَا الرَّافِعِيُّ فِي الْحَجْرِ وَلَا أَثَرَ لِتَقَدُّمِ الْبَوْلِ وَتَكَرُّرِهِ الْمُقْتَضَيَيْنِ لِلِاتِّضَاحِ قَبْلَ وُجُودِ الْمُعَارِضِ فَإِنْ قُلْت فِيهِ نَقْضُ الِاجْتِهَادِ بِالِاجْتِهَادِ لِمَا فِيهِ مِنْ الْحُكْمِ بِالْإِشْكَالِ بَعْدَ الْحُكْمِ بِالِاتِّضَاحِ قُلْنَا لَيْسَ ذَلِكَ مِنْ نَقْضِ الِاجْتِهَادِ بِالِاجْتِهَادِ لِأَنَّا لَمْ نَتَعَرَّضْ لِلْأَحْكَامِ الْمَاضِيَةِ وَإِنَّمَا غَيَّرْنَا الْحُكْمَ لِانْتِفَاءِ الْمُرَجِّحِ الْآنَ وَصَارَ كَالْمُجْتَهِدِ إذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ دَلِيلٌ أَخَذَ بِهِ ثُمَّ إذَا عَارَضَهُ دَلِيلٌ يَتَوَقَّفُ عَنْ الْأَخْذِ بِهِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ وَلَا يَنْقُضُ مَا مَضَى نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ الْإِسْنَوِيُّ

(وَلَا أَثَرَ لِلِحْيَةٍ و) لَا لِنُهُودِ (ثَدْيٍ وَ) لَا لِتَفَاوُتِ (أَضْلَاعٍ) وَإِنْ غَلَبَتْ اللِّحْيَةُ وَنُقْصَانُ ضِلْعٍ مِنْ الْجَانِبِ الْأَيْسَرِ لِلذَّكَرِ وَالنُّهُودِ وَتَسَاوِي الْأَضْلَاعِ لِلْأُنْثَى وَعَدَّ الْأَصْلُ خُرُوجَ الْوَلَدِ عَلَامَةً مُفِيدَةً لِلْقَطْعِ بِالْأُنُوثَةِ وَتَرَكَهُ الْمُصَنِّفُ اكْتِفَاءً بِالْمَنِيِّ أَوْ بِالْإِشَارَةِ إلَيْهِ بِقَوْلِ الْآتِي إلَّا إنْ حَبِلَ (وَإِنْ عُدِمَ الدَّالُّ) السَّابِقُ (اُخْتُبِرَ) وَفِي نُسْخَةٍ أُخْبِرَ وَفِي أُخْرَى سُئِلَ (بَعْدَ بُلُوغٍ وَعَقْلٍ فَإِنْ مَالَ) بِإِخْبَارِهِ (إلَى النِّسَاءِ فَرَجُلٌ أَوْ إلَى الرِّجَالِ فَامْرَأَةٌ) فَلَا يَكْفِي إخْبَارُهُ قَبْلَ بُلُوغِهِ وَعَقْلِهِ كَسَائِرِ الْأَخْبَارِ وَلَا بَعْدَهُمَا مَعَ وُجُودِ شَيْءٍ مِنْ الْعَلَامَاتِ السَّابِقَةِ لِأَنَّهَا مَحْسُوسَةٌ مَعْلُومَةُ الْوُجُودِ وَقِيَامُ الْمَيْلِ غَيْرُ مَعْلُومٍ فَإِنَّهُ رُبَّمَا يَكْذِبُ فِي إخْبَارِهِ (وَيَحْرُمُ) عَلَيْهِ بَعْدَهُمَا (أَنْ يَكْتُمَ مَا عَلِمَ مِنْ نَفْسِهِ) بَلْ يَلْزَمُهُ أَنْ يُخْبِرَ بِهِ حَالًا فَإِنْ أَخَّرَهُ أَثِمَ وَفَسَقَ نَقَلَهُ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الْبَغَوِيّ وَغَيْرِهِ وَأَقَرَّهُ قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ: وَقَضِيَّةُ التَّعْبِيرِ بِالْإِخْبَارِ الِاكْتِفَاءُ بِذِكْرِهِ لِوَاحِدٍ وَهُوَ بَعِيدٌ وَالْقِيَاسُ اعْتِبَارُ شَاهِدَيْنِ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهُمَا كَإِخْبَارِ الْحَاكِمِ كَمَا فِي بُلُوغِهِ وأصلامه وَغَيْرِهِمَا (وَ) يَحْرُمُ عَلَيْهِ (أَنْ يُخْبِرَ بِلَا مَيْلٍ) فَلَا يُخْبِرُ بِالتَّشَهِّي (فَإِنْ قَالَ لَا أَمِيلُ) إلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا (أَوْ أَمِيلُ إلَى كُلٍّ) مِنْهُمَا (فَمُشْكِلٌ وَلَوْ حَكَمَ بِذُكُورَتِهِ أَوْ أُنُوثَتِهِ بِقَوْلِهِ لَمْ يَنْقُضْ بِرُجُوعِهِ) عَنْهُ لِاعْتِرَافِهِ بِمُوجِبِهِ قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ: وَمَحِلُّهُ فِيمَا عَلَيْهِ أَمَّا فِيمَا لَهُ فَيُقْبَلُ رُجُوعُهُ عَنْهُ قَطْعًا قَالَهُ الْإِمَامُ وَالنَّوَوِيُّ فِي مَجْمُوعِهِ (وَلَا بِظُهُورِ عَلَامَةٍ إلَّا إنْ حَبِلَ) فَيُنْقَضُ بِهِ الْحُكْمُ السَّابِقُ لِأَنَّا تَيَقَّنَّا خِلَافَ مَا ظَنَنَّاهُ حَتَّى لَوْ أَخْبَرَ بِمَيْلِهِ إلَى النِّسَاءِ وَتَزَوَّجَ وَأَتَتْ امْرَأَتُهُ بِوَلَدٍ ثُمَّ حَبِلَ حُكِمَ بِأَنَّهُ امْرَأَةٌ وَبِأَنَّ حَبَلَ امْرَأَتِهِ كَانَ مِنْ غَيْرِهِ وَأَنَّهُ لَا نِكَاحَ وَعَلِمَ مِنْ اسْتِثْنَائِهِ حَبَلَهُ فَقَطْ أَنَّهُ لَوْ أَخْبَرَ بِمَيْلِهِ إلَى الرِّجَالِ ثُمَّ جَامَعَ فَأَتَتْ مَوْطُوءَتُهُ بِوَلَدٍ لَا يُحْكَمُ بِذُكُورَتِهِ وَهُوَ كَذَلِكَ لِأَنَّ الْحِسَّ لَا يُكَذِّبُهُ وَيَثْبُتُ نَسَبُ الْوَلَدِ مِنْهُ احْتِيَاطًا حَكَى ذَلِكَ ابْنُ يُونُسَ عَنْ جَدِّهِ ثُمَّ قَالَ وَهُوَ فِي غَايَةِ الْحُسْنِ وَالدِّقَّةِ انْتَهَى.
لَكِنَّ مَا تَقَرَّرَ مِنْ أَنَّهُ لَا يُنْقَضُ قَوْلُهُ بِظُهُورِ عَلَامَةٍ غَيْرِ الْحَبَلِ إنَّمَا هُوَ أَحَدُ احْتِمَالَيْنِ لِلرَّافِعِيِّ وَصَوَّبَهُ فِي الرَّوْضَةِ وَقَالَ فِيهَا كَالْمَجْمُوعِ إنَّهُ ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ وَتَعَقَّبَهُمَا فِي الْمُهِمَّاتِ فَقَالَ: وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِمَا أَنَّهُمَا لَمْ يَظْفَرَا فِيهَا بِنَقْلٍ وَهُوَ غَرِيبٌ فَقَدْ جَزَمَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ بِالْعَمَلِ بِالْعَلَامَةِ وَفِي الرَّافِعِيِّ فِي خِيَارِ النِّكَاحِ مَا يَقْتَضِيهِ وَهُوَ الصَّوَابُ الْجَارِي عَلَى الْقَوَاعِدِ (وَيُحْكَمُ بِمِيلِهِ فِيمَا لَهُ وَعَلَيْهِ) وَلَا يُرَدُّ قَوْلُهُ لِتُهْمَةٍ كَمَا لَوْ أَخْبَرَ صَبِيٌّ بِبُلُوغِهِ لِلْإِمْكَانِ

(فَصْلٌ يَحْرُمُ بِالْحَدَثِ) صَلَاةٌ وَلَوْ نَافِلَةً وَصَلَاةُ جِنَازَةٍ وَطَوَافٌ وَهُوَ هُنَا الْمَنْعُ الْمُتَرَتِّبُ عَلَى نَوَاقِضِ الْوُضُوءِ (صَلَاةٌ) وَلَوْ نَافِلَةً وَصَلَاةُ جِنَازَةٍ إجْمَاعًا، وَلِآيَةِ {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ} [المائدة: 6] أَيْ قُمْتُمْ مُحْدِثِينَ وَلِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ «لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاةَ أَحَدِكُمْ إذَا أَحْدَثَ حَتَّى يَتَوَضَّأَ» وَالْقَبُولُ يُقَالُ لِحُصُولِ الثَّوَابِ وَلِوُقُوعِ الْفِعْلِ صَحِيحًا وَالْمُرَادُ هُنَا الثَّانِي بِقَرِينَةِ الْإِجْمَاعِ لِأَنَّهُ الَّذِي يَلْزَمُ مِنْ نَفْيِهِ نَفْيَ الصِّحَّةِ فَالْمَعْنَى لَا تَصِحُّ صَلَاةٌ إلَّا بِوُضُوءٍ وَفِي مَعْنَاهَا خُطْبَةُ الْجُمُعَةِ (وَطَوَافٌ) وَلَوْ نَفْلًا لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «تَوَضَّأَ لَهُ وَقَالَ: لِتَأْخُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَلِخَبَرِ: «الطَّوَافِ بِمَنْزِلَةِ الصَّلَاةِ إلَّا أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَلَّ فِيهِ الْمَنْطِقَ فَمَنْ نَطَقَ فَلَا يَنْطِقْ إلَّا بِخَيْرٍ» ، رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ (وَسُجُودٌ) لِتِلَاوَةِ أَوْ شُكْرٍ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الصَّلَاةِ.
أَمَّا سُجُودُ عَوَامِّ الْفُقَرَاءِ بَيْنَ يَدَيْ الْمَشَايِخِ فَحَرَامٌ بِالْإِجْمَاعِ وَلَوْ بِالطُّهْرِ، قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ: وَيُخْشَى أَنْ يَكُونَ كُفْرًا وقَوْله تَعَالَى {وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا} [يوسف: 100] مَنْسُوخٌ أَوْ مُؤَوَّلٌ (وَمَسُّ مُصْحَفٍ) بِتَثْلِيثِ مِيمِهِ لَكِنَّ الْفَتْحَ غَرِيبٌ وَلَوْ كَانَ بِغَيْرِ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {لا يَمَسُّهُ إِلا الْمُطَهَّرُونَ} [الواقعة: 79] بِمَعْنَى الْمُتَطَهِّرِينَ وَهُوَ خَبَرٌ بِمَعْنَى النَّهْيِ وَلَوْ كَانَ بَاقِيًا عَلَى أَصْلِهِ لَزِمَ الْخُلْفُ فِي كَلَامِهِ تَعَالَى لِأَنَّ غَيْرَ الْمُتَطَهِّرِ يَمَسُّهُ وَرَوَى ابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ خَبَرَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرملي الكبير]
أَثَرُ تَصْمِيمِهِ (قَوْلُهُ وَقَدْ جَزَمَ بِذَلِكَ الْمَاوَرْدِيُّ وَابْنُ الْمُسْلِمِ) وَتَعَقَّبَهُ فِي الْخَادِمِ بِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ مُفَرَّعٌ عَلَى اعْتِبَارِ كَثْرَةِ الْمَرَّاتِ وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْكَثْرَةَ لَيْسَتْ مِنْ الْأَدِلَّةِ بَلْ يَسْتَمِرُّ الْإِشْكَالُ مَعَهَا. اهـ

(قَوْلُهُ: وَعَدَّ الْأَصْلُ خُرُوجَ الْوَلَدِ. إلَخْ) وَيَكْفِي بَعْضُ وَلَدٍ وَمُضْغَةٍ قَالَ الْقَوَابِلُ هِيَ مَبْدَأُ آدَمِيٍّ (قَوْلُهُ: فَإِنْ مَالَ إلَى النِّسَاءِ فَرَجُلٌ أَوْ إلَى الرِّجَالِ فَامْرَأَةٌ. إلَخْ) لَا مَنْ لَهُ ثُقْبَةٌ تُشْبِهُ الْفَرْجَ يَبُولُ بِهَا إنَّمَا يَتَّضِحُ بِمَيْلِهِ أَوْ بِحَيْضِهِ أَوْ مَنِيِّهِ الْمُتَّصِفِ بِصِفَةِ مَنِيِّ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى (قَوْلُهُ: وَالْقِيَاسُ اعْتِبَارُ شَاهِدَيْنِ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ: كَمَا لَوْ أَخْبَرَ صَبِيٌّ بِبُلُوغِهِ) لِلْإِمْكَانِ إلَّا فِي ثُبُوتِ حَقٍّ لَهُ سَابِقٍ بِجِنَايَةٍ وَنَحْوِهَا فِي الْأَصَحِّ

[فَصْلٌ مَا يَحْرُمُ بِالْحَدَثِ]
(فَصْلٌ) يَحْرُمُ بِالْحَدَثِ (قَوْلُهُ: صَلَاةٌ وَلَوْ نَافِلَةً إلَخْ) هَذَا فِي غَيْرِ فَاقِدِ الطَّهُورَيْنِ وَدَائِمِ الْحَدَثِ (قَوْلُهُ: وَفِي مَعْنَاهَا خُطْبَةُ الْجُمُعَةِ) قَدْ عُلِمَ أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ بِالْحَدَثِ الْأَصْغَرِ الذِّكْرُ أَوْ الْقِرَاءَةُ إلَّا فِي مَسْأَلَةٍ وَاحِدَةٍ وَهِيَ خُطْبَتَا الْجُمُعَةِ لِاشْتِرَاطِ الطَّهَارَةِ فِيهِمَا (قَوْلُهُ: وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا) تَحِيَّةً وَتَكْرِمَةً فَإِنَّ السُّجُودَ عِنْدَهُمْ كَانَ يَجْرِي مَجْرَاهَا وَقِيلَ مَعْنَاهُ خَرُّوا لِأَجْلِهِ سُجَّدًا لِلَّهِ شُكْرًا، وَقِيلَ الضَّمِيرُ لِلَّهِ وَالْوَاوُ لِأَبَوَيْهِ وَإِخْوَتِهِ وَالرَّفْعُ مُؤَخَّرٌ عَنْ الْخُرُورِ وَإِنْ قُدِّمَ لَفْظًا لِلِاهْتِمَامِ بِتَعْظِيمِهِ لَهُمَا ب (قَوْلُهُ: وَمَسُّ مُصْحَفٍ) قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ الْقِيَامُ لِلْمُصْحَفِ بِدْعَةٌ لِأَنَّهُ لَمْ يُعْهَدْ فِي الصَّدْرِ الْأَوَّلِ، وَفِي فَتَاوَى النَّوَوِيِّ وَالتِّبْيَانِ أَنَّهُ مُسْتَحَبٌّ لِأَنَّهُ مُسْتَحَبٌّ لِلْفُضَلَاءِ مِنْ الْعُلَمَاءِ وَالْأَخْيَارِ فَالْمُصْحَفُ أَوْلَى وَقَالَ بَعْضُ

(1/60)


«لَا يَمَسُّ الْقُرْآنَ إلَّا طَاهِرٌ» فَإِنْ قُلْت لَا يَمَسَّهُ فِي الْآيَةِ نَهْيٌ لَا خَبَرٌ بِمَعْنَاهُ قُلْت يَلْزَمُ عَلَيْهِ وُقُوعُ الطَّلَبِ صِفَةً وَهُوَ مُمْتَنِعٌ (وَ) مَسُّ (وَرَقِهِ) حَتَّى حَوَاشِيهِ وَمَا بَيْنَ سُطُورِهِ لِأَنَّ اسْمَ الْمُصْحَفِ يَقَعُ عَلَى الْجَمِيعِ وُقُوعًا وَاحِدًا (وَ) مَسُّ (جِلْدِهِ) الْمُتَّصِلِ بِهِ لِأَنَّهُ كَالْجُزْءِ مِنْهُ وَلِهَذَا يَتْبَعُهُ فِي الْبَيْعِ فَإِنْ انْفَصَلَ عَنْهُ فَقَضِيَّةُ كَلَامِ الْبَيَانِ حِلُّ مَسِّهِ وَبِهِ صَرَّحَ الْإِسْنَوِيُّ وَفَرَّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ حُرْمَةِ الِاسْتِنْجَاءِ بِهِ بِأَنَّ الِاسْتِنْجَاءَ أَفْحَشُ لَكِنْ نَقَلَ الزَّرْكَشِيُّ عَنْ الْغَزَالِيِّ أَنَّهُ يَحْرُمُ مَسُّهُ أَيْضًا وَلَمْ يُنْقَلْ مَا يُخَالِفُهُ وَقَالَ ابْنُ الْعِمَادِ إنَّهُ الْأَصَحُّ إبْقَاءً لِحُرْمَتِهِ قَبْلَ انْفِصَالِهِ وَظَاهِرٌ أَنَّ مَحِلَّهُ إذَا لَمْ تَنْقَطِعْ نِسْبَتُهُ عَنْ الْمُصْحَفِ فَإِنْ انْقَطَعَتْ كَأَنْ جُعِلَ جِلْدَ كِتَابٍ لَمْ يَحْرُمْ مَسُّهُ قَطْعًا (وَ) مَسُّ (ظَرْفٍ) فِيهِ الْمُصْحَفُ كَصُنْدُوقٍ وَخَرِيطَةٍ وَعِلَاقَةٍ (مَنْسُوبٌ إلَيْهِ) لِأَنَّهُ مُتَّخَذٌ وَمُعَدٌّ لَهُ كَالْجِلْدِ وَإِنْ لَمْ يَتْبَعْهُ فِي بَيْعِهِ وَقَوْلُهُ: مَنْسُوبٌ إلَيْهِ مِنْ زِيَادَتِهِ عَلَى الرَّوْضَةِ لَكِنَّهُ أَسْقَطَ قَيْدَ كَوْنِهِ فِيهِ (وَلَوْ مَسَّ مِنْ وَرَاءِ ثَوْبِهِ) أَوْ ثَوْبِ غَيْرِهِ (أَوْ فَقَدَ) الْمَاسُّ (الطَّهُورَيْنِ) فَإِنَّهُ يَحْرُمُ ذَلِكَ لِمَا مَرَّ (كَحَمْلِهِ) لِأَنَّهُ أَبْلَغُ مِنْ مَسِّهِ (لَا حَمْلِهِ) فِي (أَمْتِعَةٍ) إذَا لَمْ يَكُنْ مَقْصُودًا بِالْحَمْلِ لِعَدَمِ الْإِخْلَالِ بِتَعْظِيمِهِ حِينَئِذٍ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ مَقْصُودًا بِالْحَمْلِ وَلَوْ مَعَ الْأَمْتِعَةِ وَفَارَقَتْ الظَّرْفَ فِي الْأَوَّلِ بِأَنَّهُ تَابِعٌ لِلْمُصْحَفِ بِخِلَافِهَا وَظَاهِرٌ أَنَّ الْمَتَاعَ الْوَاحِدَ كَالْأَمْتِعَةِ وَبِهِ عَبَّرَ فِي الرَّوْضَةِ

(وَلَا) يَحْرُمُ (كَتْبُهُ) أَيْ الْقُرْآنَ (بِلَا مَسٍّ وَ) حَمْلٍ لَا (قَلْبِ وَرَقِهِ بِعُودِ) لِأَنَّهُ لَيْسَ بِحَمْلٍ وَلَا مَسٍّ وَصَحَّحَ الرَّافِعِيُّ تَحْرِيمَهُ قَالَ: لِأَنَّهُ حَمْلُ بَعْضِ الْمُصْحَفِ، قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَالْأَحْسَنُ مَا قَالَهُ ابْنُ الْأُسْتَاذِ أَنَّهُ إنْ كَانَتْ الْوَرَقَةُ قَائِمَةً فَمَيَّلَهَا بِالْعُودِ أَوْ وَضَعَ طَرَفَهُ عَلَيْهَا لَمْ يَحْرُمْ وَإِلَّا حَرُمَ لِأَنَّهُ حَامِلٌ وَيَنْزِلُ الْكَلَامَانِ عَلَى هَذَا، وَكَذَا فَعَلَ شَيْخُنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحِجَازِيُّ فِي مُخْتَصَرِ الرَّوْضَةِ وَفِيهِ إحَالَةٌ لِلْخِلَافِيَّةِ لِعَدَمِ التَّوَارُدِ عَلَى مَحِلٍّ وَاحِدٍ

(وَيَجُوزُ مَسُّ) وَحَمْلُ (تَوْرَاةٍ وَإِنْجِيلٍ وَمَا نُسِخَتْ تِلَاوَتُهُ) وَإِنْ لَمْ يُنْسَخْ حُكْمُهُ لِزَوَالِ حُرْمَتِهَا بِالنَّسْخِ بَلْ وَبِالتَّبْدِيلِ فِي الْأَوَّلَيْنِ بِخِلَافِ مَا نُسِخَ حُكْمُهُ فَقَطْ قَالَ الْمُتَوَلِّي فَإِنْ ظَنَّ أَنَّ فِي التَّوْرَاةِ وَنَحْوِهَا غَيْرَ مُبَدَّلٍ كُرِهَ مَسُّهُ (وَ) يَجُوزُ مَسُّ وَحَمْلُ (مَا كُتِبَ) مِنْ الْقُرْآنِ (لِغَيْرِ دِرَاسَةٍ كَالتَّمَائِمِ) جَمْعِ تَمِيمَةٍ أَيْ عَوْذَةٍ وَهِيَ مَا يُعَلَّقُ عَلَى الصَّغِيرِ (وَمَا) كُتِبَ مِنْهُ (عَلَى الدَّرَاهِمِ) وَالدَّنَانِيرِ (وَالثِّيَابِ) لِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَتَبَ كِتَابًا إلَى هِرَقْلَ وَفِيهِ {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ} [آل عمران: 64] الْآيَةَ وَلَمْ يَأْمُرْ حَامِلَهَا بِالْمُحَافَظَةِ عَلَى الطَّهَارَةِ» وَلِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ لَا تُقْصَدُ بِإِثْبَاتِ الْقُرْآنِ فِيهَا قِرَاءَتُهُ فَلَا يَجْرِي عَلَيْهَا أَحْكَامُ الْقُرْآنِ وَالتَّمْثِيلُ بِالتَّمَائِمِ مِنْ زِيَادَتِهِ قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ فِي فَتْوَى كِتَابِهِ الْحُرُوزِ مَكْرُوهَةٌ وَالْمُخْتَارُ تَرْكُ تَعْلِيقِهَا وَقَالَ فِي أُخْرَى الْمُخْتَارُ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ تَعْلِيقُهَا إذَا جُعِلَ عَلَيْهَا شَمْعٌ أَوْ نَحْوُهُ (وَ) يَجُوزُ مَسُّ وَحَمْلُ (كُتُبِ التَّفْسِيرِ) لِمَا مَرَّ وَلَيْسَ هُوَ فِي مَعْنَى الْمُصْحَفِ (لَا) كُتُبُ تَفْسِيرٍ (وَالْقُرْآنُ أَكْثَرُ مِنْهُ) لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْمُصْحَفِ وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ كَأَصْلِهِ الْجَوَازُ فِيمَا إذَا اسْتَوَيَا وَهُوَ قِيَاسُ اسْتِوَاءِ الْحَرِيرِ وَغَيْرِهِ لَكِنَّ قَوْلَ التَّحْقِيقِ وَالْأَصَحَّ حِلُّ حَمْلِهِ فِي تَفْسِيرٍ هُوَ أَكْثَرُ يَقْتَضِي التَّحْرِيمَ فِيهِ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اسْتِوَاءِ الْحَرِيرِ وَغَيْرِهِ لَائِحٌ، وَإِذَا لَمْ يَحْرُمْ مَسُّ التَّفْسِيرِ وَلَا حَمْلُهُ كُرِهَا (وَ) يَجُوزُ مَسُّ وَحَمْلُ (كُتُبِ الْحَدِيثِ) وَالْفِقْهِ وَالْأُصُولِ وَغَيْرِهَا لِمَا مَرَّ، وَبِمَا تَقَرَّرَ عُلِمَ أَنَّ كُتُبَ التَّفْسِيرِ وَكُتُبَ الْحَدِيثِ مَعْطُوفَانِ عَلَى تَوْرَاةٍ وَيَجُوزُ عَطْفُهُمَا عَلَى التَّمَائِمِ (وَيُسْتَحَبُّ التَّطَهُّرُ لَهُ) أَيْ لِكُلِّ مَنْ مَسَّ وَحَمَلَ كُتُبَ الْحَدِيثِ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرملي الكبير]
الْمُتَأَخِّرِينَ صَحَّ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَامَ لِلتَّوْرَاةِ» فَالْمُصْحَفُ أَوْلَى لِأَنَّهُ أَشْرَفُ الْكُتُبِ (قَوْلُهُ: وَبِهِ شَرْحُ الْإِسْنَوِيِّ) أَيْ فِي مَطَالِعِ الدَّقَائِقِ ش (قَوْلُهُ: عَنْ الْغَزَالِيِّ أَنَّهُ يَحْرُمُ مَسُّهُ أَيْضًا) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (فَرْعٌ)
قَالَ الدَّمِيرِيِّ وَأَمَّا أَخْذُ الْفَالِ مِنْهُ فَجَزَمَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ وَالطُّرْطُوشِيُّ وَالْقَرَافِيُّ الْمَالِكِيُّونَ بِتَحْرِيمِهِ وَأَبَاحَهُ ابْنُ بَطَّةَ مِنْ الْحَنَابِلَةِ وَمُقْتَضَى مَذْهَبِنَا كَرَاهَتُهُ (قَوْلُهُ كَصُنْدُوقٍ) أَيْ عُمِلَ عَلَى قَدْرِ الْمُصْحَفِ وَلَفْظُ أَبِي مُحَمَّدٍ فِي فُرُوقِهِ يَحْرُمُ حَمْلُ الْمُصْحَفِ فِي صُنْدُوقٍ مَصْنُوعٍ لَهُ مُخْتَصٍّ بِهِ (قَوْلُهُ: وَقَوْلُهُ مَنْسُوبٌ إلَيْهِ مِنْ زِيَادَتِهِ عَلَى الرَّوْضَةِ) حَتَّى لَوْ كَانَ الْمُصْحَفُ فِي جِرَابٍ أَوْ كِيسٍ مَثَلًا لَمْ يَحْرُمْ مَسُّهُ.
قَالَ الْأَذْرَعِيُّ مَا ذَكَرَهُ فِي الْكِيسِ وَالْجِرَابِ يُحْمَلُ عَلَى كَبِيرَيْنِ لَا يُعَدُّ مِثْلُهُمَا وِعَاءً لِلْمُصْحَفِ (قَوْلُهُ: كَحَمْلِهِ) وَقَعَ بَحْثٌ فِيمَا لَوْ حَمَلَ الْمُحْدِثُ مُتَطَهِّرًا أَوْ صَبِيًّا مُمَيِّزًا مَعَهُ مُصْحَفٌ إذَا مَكَّنَاهُ مِنْهُ وَالظَّاهِرُ الْجَوَازُ غ (قَوْلُهُ: لَا حَمْلُهُ فِي أَمْتِعَةٍ) قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَصُورَتُهَا أَنْ يَكُونَ الْمَتَاعُ مَقْصُودًا بِالْحَمْلِ وَإِلَّا فَلَا يَجُوزُ قَطْعًا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ، وَذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَحَذَفَتْهُ الرَّوْضَةُ وَتَبِعَهُمْ فِي التَّنْقِيحِ وَغَيْرِهِ وَعَلَّلُوا الْجَوَازَ بِأَنَّ الْمُصْحَفَ غَيْرُ مَقْصُودٍ وَكَانَ الْمُرَادُ أَنَّهُ لَيْسَ هُوَ الْمَقْصُودُ وَحْدَهُ لَا أَنَّهُ غَيْرُ مَقْصُودٍ أَصْلًا، وَفِي الْمُجَرَّدِ لِسُلَيْمٍ الرَّازِيّ وَمِنْ شَرْطِهِ أَنْ يَقْصِدَ نَقْلَ الْمَتَاعِ لَا غَيْرُ وَمُرَادُهُ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ قَصْدِهِ نَقْلُ مَتَاعِهِ مِنْ غَيْرِ تَجْرِيدِ الْقَصْدِ إلَى نَقْلِ الْمُصْحَفِ كَمَا يَصْنَعُهُ الْمُنْتَقِلُ مِنْ مَنْزِلٍ إلَى غَيْرِهِ وَالْمُسَافِرُ بِأَمْتِعَتِهِ قَالَ شَيْخُنَا: وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ إذَا حَمَلَهُ فِي أَمْتِعَةٍ لَا يَمَسُّهُ بِدَلِيلِ قَوْلِهِمْ: لَوْ مَسَّهُ وَلَوْ بِحَائِلٍ حَرُمَ وَلَمْ أَرَ فِيهِ شَيْئًا (قَوْلُهُ: وَلَوْ مَعَ الْأَمْتِعَةِ) تَبِعَ فِيهِ مُقْتَضَى عِبَارَةِ سُلَيْمٍ لَكِنَّ مُقْتَضَى عِبَارَةِ الرَّافِعِيِّ فِي عَزِيزِهِ وَالنَّوَوِيِّ فِي مَجْمُوعِهِ حِلُّهُ حِينَئِذٍ، وَهُوَ الْأَصَحُّ وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: صُورَةُ الْمَسْأَلَةِ أَنْ يَكُونَ الْمَتَاعُ مَقْصُودًا بِالْحَمْلِ فَإِنْ كَانَ بِخِلَافِهِ لَمْ يَجُزْ وَشَمَلَ تَحْرِيمُ حَمْلِهِ مَا لَوْ قَصَدَ بِهِ التَّبَرُّكَ وَهُوَ ظَاهِرٌ إذْ لَمْ يَخْرُجْ بِقَصْدِهِ الْمَذْكُورِ عَنْ كَوْنِهِ مُصْحَفًا وَلَا يُتَوَهَّمُ أَنَّهُ كَالتَّمَائِمِ

(تَنْبِيهٌ) مِنْ هُنَا يُؤْخَذُ الْجَوَازُ فِيمَا إذَا حَمَلَ مَنْ حَمَلَ الْمُصْحَفَ (قَوْلُهُ: قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَالْأَحْسَنُ. إلَخْ) وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ: إنَّهُ الْقِيَاسُ (قَوْلُهُ: لِعَدَمِ التَّوَارُدِ عَلَى مَحَلٍّ وَاحِدٍ) وَتَعْلِيلُهُمْ يَرُدُّهُ إذْ الْوَجْهُ الْقَائِلُ بِالتَّحْرِيمِ عَلَّلَهُ بِالْحَمْلِ وَلَا حَمْلَ فِي الْحَالَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ، وَالْقَائِلُ بِالْحِلِّ عَلَّلَهُ بِأَنَّهُ لَيْسَ بِحَمْلٍ وَلَا مَسٍّ أَيْ عُرْفًا

(قَوْلُهُ: وَقَالَ فِي أُخْرَى الْمُخْتَارُ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ: وَيَجُوزُ مَسُّ وَحَمْلُ كُتُبِ التَّفْسِيرِ لَا وَالْقُرْآنُ أَكْثَرُ) قَالَ شَيْخُنَا: الْمُرَادُ بِالْأَكْثَرِيَّةِ مَجْمُوعُ الْحُرُوفِ حَتَّى لَوْ كَانَ ثَمَّ وَرَقَةٌ كُلُّهَا تَفْسِيرٌ وَهُوَ مِمَّا قُرْآنُهُ أَكْثَرُ أَوْ اسْتَوَيَا حَرُمَ مَسُّهَا وَإِنْ خَلَتْ عَنْ الْقُرْآنِ بَلْ الْحُرْمَةُ فِيهَا أَوْلَى مِنْ جِلْدٍ انْفَصَلَ (قَوْلُهُ: يَقْتَضِي التَّحْرِيمَ) فِيهِ

(1/61)


(وَيَحْرُمُ) مَسُّ وَحَمْلُ (مَا كُتِبَ بِلَوْحٍ) أَيْ فِيهِ (لِدِرَاسَةٍ عَلَى بَالِغٍ) كَالْمُصْحَفِ (وَلَا يُمْنَعُ صَبِيٌّ) مُمَيِّزٌ (مِنْ) مَسَّ وَحَمْلِ (مُصْحَفٍ أَوْ) لَوْحٍ (يَتَعَلَّمُ مِنْهُ) لِحَاجَةِ تَعَلُّمِهِ وَمَشَقَّةِ اسْتِمْرَارِهِ مُتَطَهِّرًا وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ أَنَّ مَحِلَّ ذَلِكَ فِي الْحَمْلِ الْمُتَعَلِّقِ بِالدِّرَاسَةِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِغَرَضٍ أَوْ كَانَ الْغَرَضُ آخَرَ مُنِعَ مِنْهُ جَزْمًا قَالَهُ فِي الْمُهِمَّاتِ، قَالَ ابْنُ الْعِمَادِ: وَقَضِيَّةُ هَذَا أَنَّ الصَّبِيَّ لَوْ مَسَّهُ لِلتَّبَرُّكِ بِهِ حَرُمَ وَهُوَ بَاطِلٌ بَلْ إذَا أَبَحْنَا مَسَّهُ لَهُ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ حَمْلِهِ لِلدِّرَاسَةِ وَلِلتَّبَرُّكِ وَلِنَقْلِهِ إلَى مَكَان آخَرَ، قَالَ وَهَذَا مَا يَقْتَضِيهِ صَرِيحُ كَلَامِهِمْ وَفِيمَا قَالَهُ نَظَرٌ، أَمَّا غَيْرُ الْمُمَيِّزِ فَلَا يُمَكَّنُ مِنْهُ لِئَلَّا يَنْتَهِكَهُ وَالتَّقْيِيدُ بِالْمُمَيِّزِ ذَكَرَهُ الْأَصْلُ وَحَذَفَهُ الْمُصَنِّفُ لِلْعِلْمِ بِهِ مِنْ قَوْلِهِ يَتَعَلَّمُ مِنْهُ، وَصَرَّحَ النَّوَوِيُّ فِي فَتَاوِيهِ بِأَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي عَدَمِ مَنْعِ الْمُمَيِّزِ بَيْنَ الْمُحْدِثِ وَالْجُنُبِ وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ السُّبْكِيّ فِي مُعِيدِ النِّعَمِ وَلَمْ يَطَّلِعْ عَلَيْهِ الْإِسْنَوِيُّ فَقَالَ: وَلَمْ أَجِدْ تَصْرِيحًا بِتَمْكِينِهِ مِنْ ذَلِكَ حَالَ جَنَابَتِهِ، وَالْقِيَاسُ الْمَنْعُ لِأَنَّهَا نَادِرَةٌ وَحُكْمُهَا أَغْلَطُ وَمَا قَالَهُ حَسَنٌ، وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَلَا يُمْنَعُ صَبِيٌّ أَيْ لَا يَجِبُ مَنْعُهُ لِيُوَافِقَ قَوْلَ الْأَصْلِ وَلَا يَجِبُ عَلَى الْوَلِيِّ وَالْمُعَلِّمِ مَنْعُ الصَّبِيِّ إلَى آخِرِهِ فَيُفِيدُ جَوَازَ مَنْعِهِ وَهُوَ ظَاهِرٌ بَلْ يُنْدَبُ مَنْعُهُ

(وَيُكْرَهُ كَتْبُهُ) أَيْ الْقُرْآنِ (عَلَى حَائِطٍ) وَلَوْ لِمَسْجِدٍ (وَعِمَامَةٍ) لَوْ قَالَ وَثِيَابٌ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ كَانَ أَوْلَى (وَطَعَامٌ) وَنَحْوُهَا وَمَسْأَلَةُ الطَّعَامِ مِنْ زِيَادَتِهِ (وَ) يُكْرَهُ (إحْرَاقُ خَشَبٍ نُقِشَ بِهِ) أَيْ بِالْقُرْآنِ نَعَمْ إنْ قُصِدَ بِهِ صِيَانَةُ الْقُرْآنِ فَلَا كَرَاهَةَ وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ تَحْرِيقُ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الْمَصَاحِفَ.
وَقَدْ قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ مَنْ وَجَدَ وَرَقَةً فِيهَا الْبَسْمَلَةُ وَنَحْوُهَا لَا يَجْعَلْهَا فِي شِقٍّ وَلَا غَيْرِهِ لِأَنَّهَا قَدْ تَسْقُطُ فَتُوطَأُ وَطَرِيقُهُ أَنْ يَغْسِلَهَا بِالْمَاءِ أَوْ يَحْرِقَهَا بِالنَّارِ صِيَانَةً لِاسْمِ اللَّهِ تَعَالَى عَنْ تَعَرُّضِهِ لِلِامْتِهَانِ (وَيَجُوزُ هَدْمُهُ) أَيْ الْحَائِطِ (وَلُبْسُهَا) أَيْ الْعِمَامَةِ وَالتَّصْرِيحُ بِهِ مِنْ زِيَادَتِهِ (وَأَكْلُهُ) أَيْ الطَّعَامِ وَلَا تَضُرُّ مُلَاقَاتُهُ مَا فِي الْمَعِدَةِ بِخِلَافِ ابْتِلَاعِ قِرْطَاسٍ عَلَيْهِ اسْمُ اللَّهِ فَإِنَّهُ يَحْرُمُ كَمَا جَزَمَ بِهِ فِي الْأَنْوَارِ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ وَلَا يُكْرَهُ كَتْبُ شَيْءٍ مِنْ الْقُرْآنِ فِي إنَاءٍ لِيُسْقَى مَاؤُهُ لِلشِّفَاءِ فِيمَا يَقْتَضِيهِ الْمَذْهَبُ انْتَهَى.
وَوَقَعَ فِي فَتَاوَى ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ تَحْرِيمُهُ لِمَا يُلَاقِي مِنْ النَّجَاسَةِ الَّتِي فِي الْمَعِدَةِ، وَأَمَّا أَكْلُ الطَّعَامِ فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ لَا كَرَاهَةَ فِيهِ كَشُرْبِ مَا ذَكَرَ وَيُحْتَمَلُ الْفَرْقُ بِأَنَّ الْمَكْتُوبَ فِي الشُّرْبِ يُمْحَى قَبْلَ وَضْعِهِ فِي الْفَمِ بِخِلَافِهِ فِي الطَّعَامِ

(وَحَرُمَ كَتْبُهُ) أَيْ الْقُرْآنِ (بِنَجِسٍ) وَعَلَى نَجِسٍ (وَ) كَذَا (مَسُّهُ بِهِ لَا بِطَاهِرٍ مِنْ بَدَنٍ تَنَجَّسَ) فَلَوْ كَانَ عَلَى بَعْضِ بَدَنِ الْمُتَطَهِّرِ نَجَاسَةٌ غَيْرُ مَعْفُوٍّ عَنْهَا فَمَسَّ الْمُصْحَفَ بِمَوْضِعِهَا حَرُمَ أَوْ بِغَيْرِهِ فَلَا قَالَ الْمُتَوَلِّي: لَكِنْ يُكْرَهُ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَفِيهِ نَظَرٌ وَالتَّقْيِيدُ بِغَيْرِ الْمَعْفُوِّ عَنْهَا ذَكَرَهُ فِي الْمَجْمُوعِ (فَإِنْ خِيفَ عَلَى مُصْحَفٍ تَنَجُّسٌ أَوْ كَافِرٌ أَوْ تَلَفٌ) بِحَرْقٍ أَوْ غَرَقٍ أَوْ نَحْوِهِمَا (أَوْ ضَيَاعٌ وَلَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ تَطَهُّرٍ حَمَلَهُ) مَعَ الْحَدَثِ جُوِّزَ لِلضَّرُورَةِ بَلْ وُجُوبًا فِي غَيْرِ الْأَخِيرَةِ صِيَانَةً لَهُ كَمَا قَالَهُ النَّوَوِيُّ فِي مَجْمُوعِهِ وَغَيْرِهِ قَالَ وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنْ يَحْرُمَ السَّفَرُ بِهِ إلَى أَرْضِ الْكُفَّارِ إذَا خِيفَ وُقُوعُهُ فِي أَيْدِيهِمْ وَيَجُوزُ كَتْبُ آيَتَيْنِ وَنَحْوِهِمَا إلَيْهِمْ فِي أَثْنَاءِ كِتَابٍ أَيْ لِمَا مَرَّ وَيُمْنَعُ الْكَافِرُ مِنْ مَسِّهِ لِإِسْمَاعِهِ وَإِنْ كَانَ مُعَانِدًا لَمْ يَجُزْ تَعْلِيمُهُ وَيُمْنَعُ تَعَلُّمَهُ فِي الْأَصَحِّ وَغَيْرُ الْمُعَانِدِ إنْ رُجِيَ إسْلَامُهُ جَازَ تَعْلِيمُهُ فِي الْأَصَحِّ وَإِلَّا فَلَا، وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ مِنْ زِيَادَتِهِ أَوْ ضَيَاعٌ أَخَذَهُ مِنْ الْمَجْمُوعِ وَغَيْرِهِ وَقَوْلُهُ كَالرَّوْضَةِ وَلَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ تَطَهُّرٍ شَامِلٌ لِلتَّطَهُّرِ بِالتُّرَابِ عِنْدَ عَجْزِهِ عَنْ الْمَاءِ وَهُوَ مَا أَفْتَى بِهِ الْقَفَّالُ وَبَحَثَهُ فِي الْمَجْمُوعِ وَغَيْرِهِ، وَاخْتَارَهُ فِي التِّبْيَانِ بَعْدَ نَقْلِهِ عَنْ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ التَّيَمُّمُ لِذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا يَرْفَعُ الْحَدَثَ

(وَكُرِهَ دَرْسُهُ) أَيْ الْقُرْآنِ أَيْ قِرَاءَتُهُ (بِفَمٍ نَجِسٍ) احْتِرَامًا لَهُ (وَجَازَ) بِلَا كَرَاهَةٍ قِرَاءَتُهُ (بِحَمَّامٍ) وَبِطَرِيقٍ إنْ لَمْ يَلْتَهِ عَنْهَا وَإِلَّا كُرِهَتْ (وَحَرُمَ تَوَسُّدُ مُصْحَفٍ وَإِنْ خَافَ سَرِقَتَهُ، وَكَذَا عِلْمٍ) أَيْ تَوَسَّدَ كِتَابَ عِلْمٍ (إلَّا لِخَوْفٍ) مِنْ سَرِقَتِهِ أَوْ نَحْوِهَا، وَمَا ذَكَرَهُ فِي تَوَسُّدِ الْمُصْحَفِ حَالَةَ الْخَوْفِ هُوَ مَا صَوَّبَهُ النَّوَوِيُّ فِي مَجْمُوعِهِ عَلَى قَوْلِ الْقَاضِي أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ كَمَا فِي تَوَسُّدِ الْعِلْمِ حِينَئِذٍ وَيَنْبَغِي جَوْزُ تَوَسُّدِهِ بَلْ وُجُوبُهُ إذَا خَافَ عَلَيْهِ مِنْ تَلَفٍ أَوْ تَنَجُّسٍ أَوْ كَافِرٍ وَالْمُرَادُ بِالْعِلْمِ الْعِلْمُ الْمُحْتَرَمُ

(وَيُسْتَحَبُّ كَتْبُهُ وَإِيضَاحُهُ) إكْرَامًا لَهُ (وَنَقْطُهُ وَشَكْلُهُ) صِيَانَةً لَهُ مِنْ اللَّحْنِ وَالتَّحْرِيفِ (وَقِرَاءَتُهُ نَظَرًا) فِي الْمُصْحَفِ (أَفْضَلُ) مِنْهَا عَنْ ظَهْرِ الْقَلْبِ لِأَنَّهَا تَجْمَعُ الْقِرَاءَةَ وَالنَّظَرَ فِي الْمُصْحَفِ وَهُوَ عِبَادَةٌ أُخْرَى نَعَمْ إنْ زَادَ خُشُوعُهُ وَحُضُورُ قَلْبِهِ فِي الْقِرَاءَةِ عَنْ ظَهْرِ قَلْبٍ فَهِيَ أَفْضَلُ فِي حَقِّهِ قَالَهُ النَّوَوِيُّ فِي مَجْمُوعِهِ وَغَيْرِهِ تَفَقُّهًا وَهُوَ حَسَنٌ، (وَهِيَ) أَيْ الْقِرَاءَةُ (أَفْضَلُ مِنْ ذِكْرٍ لَمْ يُخَصَّ) بِمَحِلٍّ أَمَّا ذِكْرُ خُصَّ بِمَحِلٍّ بِأَنْ وَرَدَ الشَّرْعُ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرملي الكبير]
أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ

(قَوْلُهُ: وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ أَنَّ مَحَلَّ ذَلِكَ. إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ

(قَوْلُهُ: صِيَانَةً لِاسْمِ اللَّهِ تَعَالَى عَنْ تَعَرُّضِهِ لِلِامْتِهَانِ) ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إنَّ الْإِحْرَاقَ أَوْلَى مِنْ الْغُسْلِ لِأَنَّ الْغُسَالَةَ قَدْ تَقَعُ عَلَى الْأَرْضِ.
وَقَالَ الْحَلِيمِيُّ فِي الْمِنْهَاجِ: لَا يَجُوزُ تَمْزِيقُ الْوَرَقَةِ الَّتِي فِيهَا اسْمُ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ اسْمُ رَسُولِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ تَقْطِيعِ الْحُرُوفِ وَتَفْرِيقِ الْكَلِمَةِ لِمَا فِيهِ مِنْ إزْرَاءِ الْمَكْتُوبِ (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ ابْتِلَاعِ قِرْطَاسٍ. إلَخْ) لِأَنَّهُ يَتَنَجَّسُ بِمَا فِي الْبَاطِنِ بِخِلَافِ أَكْلِهِ إذَا كَانَ عَلَى طَعَامٍ فَإِنَّهُ لَا يَصِلُ إلَى الْجَوْفِ إلَّا وَقَدْ زَالَتْ صُورَةُ الْكِتَابَةِ قَالَ: وَيَحْرُمُ أَنْ يَطَأَ عَلَى فِرَاشٍ أَوْ خَشَبٍ نُقِشَ بِالْقُرْآنِ وَفِي فَتَاوَى الْحَنَّاطِيِّ لَا يَجُوزُ جَعْلُ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ فِي كَاغَدٍ كُتِبَ عَلَيْهِ " بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ " فَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ مَعَ الْعِلْمِ أَثِمَ

(سُؤَالٌ) قَالُوا تَحْرُمُ كِتَابَةُ اسْمِ اللَّهِ أَوْ الْقُرْآنِ بِنَجِسٍ وَيُكْرَهُ أَنْ يَقْرَأَ الْقُرْآنَ وَفَمُهُ نَجِسٌ وَفَرَّقَ بِفُحْشِ الْأَوَّلِ (قَوْلُهُ بِحَرْقٍ أَوْ غَرَقٍ أَوْ نَحْوِهِمَا) كَأَنْ رَآهُ فِي يَدِ كَافِرٍ.
(قَوْلُهُ: وَلَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ تَطَهُّرٍ) وَلَا مِنْ إيدَاعِهِ مُسْلِمًا ثِقَةً (قَوْلُهُ: وَاخْتَارَهُ فِي التِّبْيَانِ) وَهُوَ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ ت (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ لَا يَرْفَعُ الْحَدَثَ) يَلْزَمُهُ أَنْ لَا يُبِيحَ لِذِي الْحَدَثِ الدَّائِمِ حَمْلَهُ مَعَ الْوُضُوءِ وَهُوَ بَعِيدٌ

(1/62)


بِهِ فِيهِ فَهُوَ أَفْضَلُ مِنْهَا لِتَنْصِيصِ الشَّارِعِ عَلَيْهِ

(وَنُدِبَ تَعَوُّذٌ لَهَا) أَيْ لِلْقِرَاءَةِ (جَهْرًا) لِآيَةِ فَإِذَا قَرَأْت الْقُرْآنَ أَيْ أَرَدْت قِرَاءَتَهُ فَقُلْ أَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ وَكَانَ جَمَاعَةٌ مِنْ السَّلَفِ يَقُولُونَ أَعُوذُ بِاَللَّهِ السَّمِيعِ الْعَلِيمِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ قَالَ النَّوَوِيُّ وَلَا بَأْسَ بِهِ لَكِنَّ الِاخْتِيَارَ الْأَوَّلُ.
قَالَ وَيَحْصُلُ بِكُلِّ مَا اشْتَمَلَ عَلَى تَعَوُّذٍ بِاَللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ يَجْهَرُ بِالتَّعَوُّذِ وَإِنْ أَسَرَّ بِالْقِرَاءَةِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ هُوَ عَلَى سُنَنِهَا إنْ جَهْرًا فَجَهْرٌ وَإِنْ سِرًّا فَسِرٌّ إلَّا فِي الصَّلَاةِ فَيُسِرُّ بِهِ مُطْلَقًا عَلَى الْأَصَحِّ (وَ) نُدِبَ (إعَادَتُهُ لِفَصْلٍ) طَوِيلٍ كَالْفَصْلِ بَيْنَ الرَّكَعَاتِ (لَا) يَسِيرٍ كَالْفَصْلِ بِنَحْوِ (سُجُودِ تِلَاوَةٍ) وَعِبَارَةُ الْمَجْمُوعِ فِي ذَلِكَ وَيَكْفِيهِ تَعَوُّذٌ وَاحِدٌ مَا لَمْ يَقْطَعْ قِرَاءَتَهُ بِكَلَامٍ أَوْ سُكُوتٍ طَوِيلٍ فَإِنْ قَطَعَهَا بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا اسْتَأْنَفَ التَّعَوُّذَ
، وَلَوْ سَجَدَ لِتِلَاوَةٍ ثُمَّ عَادَ لَمْ يَتَعَوَّذْ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِفَصْلٍ أَوْ فَصْلٍ يَسِيرٍ وَمَعَ ذَلِكَ قَالَ لَوْ مَرَّ الْقَارِئُ عَلَى قَوْمٍ سَلَّمَ عَلَيْهِمْ وَعَادَ إلَى الْقِرَاءَةِ فَإِنْ أَعَادَ التَّعَوُّذَ كَانَ حَسَنًا (وَ) نُدِبَ (أَنْ يَجْلِسَ) لِلْقِرَاءَةِ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى التَّوْقِيرِ (وَ) أَنْ (يَسْتَقْبِلَ) الْقِبْلَةَ لِأَنَّهَا أَشْرَفُ الْجِهَاتِ (وَ) أَنْ (يَقْرَأَ بِتَدَبُّرٍ وَتَخَشُّعٍ) لِأَنَّهُ الْمَقْصُودُ وَبِهِ تَنْشَرِحُ الصُّدُورُ وَتَسْتَنِيرُ الْقُلُوبُ قَالَ تَعَالَى {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ} [ص: 29] وَقَالَ {أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ} [النساء: 82] وَالْأَخْبَارُ فِيهِ كَثِيرَةٌ

(وَ) نُدِبَ (تَحْسِينُ صَوْتٍ) بِالْقُرْآنِ وَرَفْعُهُ بِهِ لِخَبَرِ «مَا أَذِنَ اللَّهُ لِنَبِيٍّ مَا أَذِنَ لِنَبِيٍّ حَسَنِ الصَّوْتِ يَتَغَنَّى بِالْقُرْآنِ يَجْهَرُ بِهِ» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَمَعْنَى أَذِنَ اسْتَمَعَ وَهُوَ إشَارَةٌ إلَى الرِّضَا وَالْقَبُولِ، وَلِخَبَرِ «زَيِّنُوا الْقُرْآنَ بِأَصْوَاتِكُمْ» وَخَبَرِ «مَنْ لَمْ يَتَغَنَّ بِالْقُرْآنِ فَلَيْسَ مِنَّا» رَوَاهُمَا أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ وَمَحِلُّ أَفْضَلِيَّةِ رَفْعِ الصَّوْتِ إذَا لَمْ يَخَفْ رِيَاءً وَلَمْ يَتَأَذَّ بِهِ أَحَدٌ وَإِلَّا فَالْإِسْرَارُ أَفْضَلُ وَهَذَا جَمْعٌ بَيْنَ الْأَخْبَارِ الْمُقْتَضِيَةِ لِأَفْضَلِيَّةِ الرَّفْعِ وَالْأَخْبَارِ الْمُقْتَضِيَةِ لِأَفْضَلِيَّةِ الْإِسْرَارِ نَقَلَهُ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الْعُلَمَاءِ قَالَ فِيهِ: وَاسْتَحَبَّ الْعُلَمَاءُ افْتِتَاحَ مَجْلِسِ حَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِقِرَاءَةِ قَارِئٍ حَسَنِ الصَّوْتِ مَا تَيَسَّرَ مِنْ الْقُرْآنِ

(وَ) نُدِبَ (تَرْتِيلٌ) لَهُ قَالَ تَعَالَى {وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلا} [المزمل: 4] وَلِأَنَّ قِرَاءَتَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَتْ مُرَتَّلَةً وَلِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى التَّوْقِيرِ وَأَشَدُّ تَأْثِيرًا فِي الْقَلْبِ وَلِهَذَا يُنْدَبُ التَّرْتِيلُ لِلْأَعْجَمِيِّ الَّذِي لَا يَفْهَمُ مَعْنَاهُ (وَ) نُدِبَ (إصْغَاءٌ إلَيْهِ) لِمَا رَوَى الشَّيْخَانِ «عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ قَالَ لِي النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اقْرَأْ عَلَيَّ الْقُرْآنَ فَقُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ أَقْرَأُ عَلَيْك وَعَلَيْك أُنْزِلَ قَالَ: إنِّي أُحِبُّ أَنْ أَسْمَعَهُ مِنْ غَيْرِي فَقَرَأْت عَلَيْهِ سُورَةَ النِّسَاءِ حَتَّى جِئْت إلَى هَذِهِ الْآيَةِ {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيدًا} [النساء: 41] قَالَ حَسْبُك الْآنَ فَالْتَفَتُّ إلَيْهِ فَإِذَا عَيْنَاهُ تَذْرِفَانِ» (وَ) نُدِبَ (بُكَاءٌ) عِنْدَ الْقِرَاءَةِ وَهُوَ مِنْ صِفَةِ الْعَارِفِينَ قَالَ تَعَالَى {وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا} [الإسراء: 109] وَلِأَخْبَارٍ صَحِيحَةٍ مِنْهَا:
خَبَرُ ابْنِ مَسْعُودٍ السَّابِقُ وَطَرِيقُهُ فِي تَحْصِيلِهِ أَنْ يَتَأَمَّلَ مَا يَقْرَأُ مِنْ التَّهْدِيدِ وَالْوَعِيدِ وَالْمَوَاثِيقِ وَالْعُهُودِ ثُمَّ يُفَكِّرَ فِي تَقْصِيرِهِ فِيهَا فَإِنْ لَمْ يَحْضُرْهُ حُزْنٌ وَبُكَاءٌ فَلْيَبْكِ عَلَى فَقْدِ ذَلِكَ فَإِنَّهُ مِنْ الْمَصَائِبِ، قَالَ فِي الْأَذْكَارِ: وَيُنْدَبُ التَّبَاكِي لِمَنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْبُكَاءِ

(وَحَرُمَ) أَنْ يَقْرَأَ فِي الصَّلَاةِ وَخَارِجِهَا (بِالشَّوَاذِّ) وَهِيَ مَا نُقِلَ آحَادًا قُرْآنًا كَأَيْمَانِهِمَا فِي قِرَاءَةٍ: وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْمَانَهُمَا لِأَنَّ الْأَصَحَّ أَنَّهَا لَيْسَتْ قُرْآنًا لِأَنَّ الْقُرْآنَ لِإِعْجَازِهِ النَّاسَ عَنْ الْإِتْيَانِ بِمِثْلِ أَقْصَرِ سُورَةٍ تَتَوَفَّرُ الدَّوَاعِي عَلَى نَقْلِهِ تَوَاتُرًا، وَالشَّاذُّ عِنْدَ جَمَاعَةٍ مِنْهُمْ النَّوَوِيُّ مَا وَرَاءَ السَّبْعَةِ أَبِي عَمْرٍو وَنَافِعٍ وَابْنِ كَثِيرٍ وَعَامِرٍ وَعَاصِمٍ وَحَمْزَةَ وَالْكِسَائِيُّ وَعِنْدَ آخَرِينَ مِنْهُمْ الْبَغَوِيّ مَا وَرَاءَ الْعَشَرَةِ السَّبْعَةِ السَّابِقَةِ وَأَبِي جَعْفَرٍ وَيَعْقُوبَ وَخَلَفٍ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَإِذَا قَرَأَ بِقِرَاءَةٍ مِنْ السَّبْعِ اسْتَحَبَّ أَنْ يُتِمَّ الْقِرَاءَةَ بِهَا فَلَوْ قَرَأَ بَعْضَ الْآيَاتِ بِهَا وَبَعْضَهَا بِغَيْرِهَا مِنْ السَّبْعِ جَازَ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَكُونَ مَا قَرَأَهُ بِالثَّانِيَةِ مُرْتَبِطًا بِالْأَوَّلِ (وَ) حَرُمَ أَنْ يَقْرَأَ (بِعَكْسِ الْآيِ) لِأَنَّهُ يُذْهِبُ إعْجَازَهُ وَيُزِيلُ حِكْمَةَ التَّرْتِيبِ (وَكُرِهَ) الْعَكْسُ (فِي السُّوَرِ) لِفَوَاتِ التَّرْتِيبِ إلَّا فِي تَعْلِيمٍ فَلَا يُكْرَهُ لِأَنَّهُ يَقَعُ مُتَفَرِّقًا وَلِأَنَّهُ أَسْهَلُ لِلتَّعْلِيمِ (وَنُدِبَ خَتْمُهُ) أَيْ الْقُرْآنِ (أَوَّلَ نَهَارٍ أَوْ) .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرملي الكبير]
قَوْلُهُ: وَنُدِبَ تَعَوُّذٌ. إلَخْ) اسْتِحْبَابُ التَّعَوُّذِ وَالتَّسْمِيَةِ لِمَنْ يَسْتَفْتِحُ الْقِرَاءَةَ خَارِجَ الصَّلَاةِ لَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الِاسْتِفْتَاحُ مِنْ أَوَّلِ سُورَةٍ أَوْ مِنْ أَثْنَائِهَا كَذَا رَأَيْته فِي زِيَادَاتِ أَبِي عَاصِمٍ الْعَبَّادِيِّ نَقْلًا عَنْ الشَّافِعِيِّ وَالنَّقْلُ فِي التَّسْمِيَةِ غَرِيبٌ تُحْسَبُ لَهُ ح (قَوْلُهُ: أَيْ أَرَدْت قِرَاءَتَهُ. إلَخْ) قَالَ الشَّيْخُ بَهَاءُ الدِّينِ السُّبْكِيُّ فِي شَرْحِ التَّلْخِيصِ وَعَلَيْهِ سُؤَالٌ وَهُوَ أَنَّ الْإِرَادَةَ إنْ أُخِذَتْ مُطْلَقًا لَزِمَ اسْتِحْبَابُ الِاسْتِعَاذَةِ بِمُجَرَّدِ إرَادَةِ الْقِرَاءَةِ حَتَّى لَوْ أَرَادَ ثُمَّ عَنَّ لَهُ أَنْ لَا يَقْرَأَ تُسْتَحَبُّ لَهُ الِاسْتِعَاذَةُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَإِنْ أُخِذَتْ الْإِرَادَةُ بِشَرْطِ اتِّصَالِهَا بِالْقِرَاءَةِ اسْتَحَالَ الْعِلْمُ بِوُقُوعِهَا وَيَمْتَنِعُ حِينَئِذٍ اسْتِحْبَابُ الِاسْتِعَاذَةِ قَبْلَ الْقِرَاءَةِ قَالَ الدَّمَامِينِيُّ بَقِيَ عَلَيْهِ قِسْمٌ آخَرُ بِاخْتِيَارِهِ يَزُولُ الْإِشْكَالُ وَذَلِكَ أَنَّا إنَّمَا نَأْخُذُهَا مُقَيَّدَةً بِأَنْ لَا يَعِنَّ لَهُ صَارِفٌ عَنْ الْقِرَاءَةِ (فَرْعٌ)
لَوْ عَرَضَ لَهُ صَوْتُ حَدَثٍ أَوْ رِيحُهُ سَكَتَ إلَى انْتِهَائِهِ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ لَيْسَ بِفَصْلٍ) أَوْ فَصْلٍ يَسِيرٍ لِأَنَّهُ مِنْ تَعَلُّقَاتِ الصَّلَاةِ (قَوْلُهُ: سَلَّمَ عَلَيْهِمْ فَهُوَ فِيهِ كَغَيْرِهِ) ابْتِدَاءً وَرَدًّا خِلَافًا لِلْوَاحِدِيِّ

(قَوْلُهُ: وَنُدِبَ تَحْسِينُ صَوْتٍ بِالْقِرَاءَةِ) وَطَلَبُهَا مِنْ حَسَنِهِ (قَوْلُهُ: وَإِلَّا فَالْإِسْرَارُ أَفْضَلُ) قَالَ ابْنُ الْعِمَادِ لَوْ تُوَسْوَس الْمَأْمُومُ فِي تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ عَلَى وَجْهٍ يُشَوِّشُ عَلَى غَيْرِهِ مِنْ الْمَأْمُومِينَ حَرُمَ عَلَيْهِ ذَلِكَ كَمَنْ قَعَدَ يَتَكَلَّمُ بِجِوَارِ الْمُصَلِّي وَكَذَا تَحْرُمُ عَلَيْهِ الْقِرَاءَةُ جَهْرًا عَلَى وَجْهٍ يُشَوِّشُ عَلَى الْمُصَلِّي بِجِوَارِهِ

(قَوْلُهُ: وَنُدِبَ تَرْتِيلُهُ) فَإِفْرَاطُ الْإِسْرَاعِ مَكْرُوهٌ وَحَرْفُ التَّرْتِيلِ أَفْضَلُ مِنْ حَرْفَيْ غَيْرِهِ

(قَوْلُهُ: وَحَرُمَ بِالشَّوَاذِّ) نَقَلَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ إجْمَاعَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى أَنَّهُ لَا تَجُوزُ الْقِرَاءَةُ بِهَا وَأَنَّهُ لَا يُصَلِّي خَلْفَ مَنْ قَرَأَ بِهَا وَفِي فَتَاوَى ابْنِ الْجُمَّيْزِيِّ الْمَصْرِيِّ أَنَّهُ تَجُوزُ الْقِرَاءَةُ بِالشَّاذَّةِ الْمَرْوِيَّةِ بِالْآحَادِ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ وَإِقْرَاؤُهَا وَأَفْتَى صَدْرُ الدِّينِ مَوْهُوبٌ الْجَزَرِيُّ بِأَنَّ الْقِرَاءَةَ بِالشَّوَاذِّ جَائِزَةٌ مُطْلَقًا إلَّا فِي الْفَاتِحَةِ لِلْمُصَلِّي (قَوْلُهُ: مَا وَرَاءَ السَّبْعَةِ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ: وَعِنْدَ آخَرِينَ مِنْهُمْ الْبَغَوِيّ. . . إلَخْ)

(1/63)


أَوَّلُ (لَيْلٍ)
رُوِيَ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ التَّابِعِيِّ قَالَ كَانُوا يُحِبُّونَ أَنْ يُخْتَمَ الْقُرْآنُ مِنْ أَوَّلِ اللَّيْلِ أَوْ مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ قَالَ النَّوَوِيُّ وَخَتْمُهُ أَوَّلَ النَّهَارِ أَفْضَلُ عِنْدَ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ وَإِنْ خَتَمَ وَحْدَهُ فَالْخَتْمُ فِي الصَّلَاةِ أَفْضَلُ، وَنُدِبَ صِيَامٌ يَوْمَ الْخَتْمِ إلَّا أَنْ يُصَادِفَ يَوْمًا نَهَى الشَّرْعُ عَنْ صِيَامِهِ (وَ) نُدِبَ (الدُّعَاءُ بَعْدَهُ وَحُضُورُهُ) لِآثَارٍ وَرَدَتْ فِيهِمَا وَفِي الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ الْحُيَّضَ بِالْخُرُوجِ يَوْمَ الْعِيدِ فَيَشْهَدْنَ الْخَيْرَ وَدَعْوَةَ الْمُسْلِمِينَ» (وَ) نُدِبَ (الشُّرُوعُ بَعْدَهُ) فِي خَتْمَةٍ أُخْرَى لِمَا رُوِيَ عَنْ أَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ خَيْرُ الْأَعْمَالِ الْحِلُّ وَالرِّحْلَةُ قِيلَ وَمَا هُمَا قَالَ افْتِتَاحُ الْقُرْآنِ وَخَتْمُهُ» وَعَنْ ابْنِ كَثِيرٍ أَنَّهُ كَانَ إذَا انْتَهَى فِي آخِرِ الْخَتْمَةِ إلَى سُورَةِ النَّاسِ قَرَأَ بِالْفَاتِحَةِ وَإِلَى الْمُفْلِحُونَ مِنْ أَوَّلِ الْبَقَرَةِ

(وَ) نُدِبَ (كَثْرَةُ تِلَاوَتِهِ) قَالَ تَعَالَى {إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ} [فاطر: 29] الْآيَةَ وَالْأَخْبَارُ فِي ذَلِكَ كَثِيرَةٌ.
(وَنِسْيَانُهُ كَبِيرَةٌ) ، وَكَذَا نِسْيَانُ شَيْءٍ مِنْهُ لِخَبَرِ «عُرِضَتْ عَلَيَّ ذُنُوبُ أُمَّتِي فَلَمْ أَرَ ذَنْبًا أَعْظَمَ مِنْ سُورَةٍ مِنْ الْقُرْآنِ أَوْ آيَةٍ أُوتِيَهَا رَجُلٌ ثُمَّ نَسِيَهَا» وَخَبَرُ «مَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ ثُمَّ نَسِيَهُ لَقِيَ اللَّهَ - عَزَّ وَجَلَّ - يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَجْذَمَ» رَوَاهُمَا أَبُو دَاوُد (وَلْيَقُلْ نَدْبًا أُنْسِيت) كَذَا أَوْ أَسْقَطَتْهُ (لَا نَسِيته) لِخَبَرِ «لَا يَقُلْ أَحَدُكُمْ نَسِيت آيَةَ كَذَا، وَكَذَا بَلْ هُوَ نُسِّيَ» وَخَبَرِ «بِئْسَمَا لِأَحَدِهِمْ أَنْ يَقُولَ نَسِيت آيَةَ كَيْتَ وَكَيْتَ بَلْ هُوَ نُسِّيَ» وَخَبَرِ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَمِعَ رَجُلًا يَقْرَأُ فَقَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَقَدْ ذَكَّرَنِي آيَةً كُنْت أُسْقِطْتُهَا» وَفِي رِوَايَةٍ «كُنْت أُنْسِيتهَا» رَوَاهَا كُلَّهَا الشَّيْخَانِ

(وَحَرُمَ تَفْسِيرُهُ بِلَا عِلْمٍ) أَيْ الْكَلَامُ فِي مَعَانِيه لِمَنْ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهِ لِلْأَخْبَارِ الصَّحِيحَةِ وَالْإِجْمَاعِ فَكُلُّ مَنْ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهِ لِكَوْنِهِ غَيْرَ جَامِعٍ لِأَدَوَاتِهِ يَحْرُمُ عَلَيْهِ تَفْسِيرُهُ لَكِنْ لَهُ أَنْ يَنْقُلَهُ عَنْ الْمُعْتَمَدِينَ مِنْ أَهْلِهِ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ وَغَيْرِهِ وَلَا يُكْرَهُ أَنْ يُقَالَ سُورَةُ الْبَقَرَةِ أَوْ الْعَنْكَبُوتِ لِلْأَخْبَارِ الصَّحِيحَةِ وَيُحَافِظَ عَلَى قِرَاءَةِ يس وَالْوَاقِعَةِ وَتَبَارَكَ الْمُلْكِ وَالْإِخْلَاصِ وَالْمُعَوِّذَتَيْنِ وَآيَةِ الْكُرْسِيِّ كُلَّ وَقْتٍ وَكُلَّ لَيْلَةٍ إذَا أَوَى إلَى فِرَاشِهِ وَالْآيَتَيْنِ مِنْ آخِرِ الْبَقَرَةِ {آمَنَ الرَّسُولُ} [البقرة: 285] إلَى آخِرِهَا كُلَّ لَيْلَةٍ وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ: وَكُرِهَ دَرْسُهُ إلَى آخِرِهِ مِنْ زِيَادَتِهِ مَعَ أَنَّ بَعْضَهُ مَذْكُورٌ فِي الرَّوْضَةِ فِي بَابِ الشَّهَادَاتِ وَغَيْرِهَا بَلْ هُوَ نَفْسُهُ أَعَادَ بَعْضَهُ ثَمَّ

(بَابُ الْغُسْلِ.) هُوَ بِفَتْحِ الْغَيْنِ مَصْدَرُ غَسَلَ الشَّيْءَ، وَبِمَعْنَى الِاغْتِسَالِ كَقَوْلِهِ «غُسْلُ يَوْمِ الْجُمُعَةِ سُنَّةٌ» وَبِضَمِّهَا مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الْمَاءِ الَّذِي يُغْتَسَلُ بِهِ فَفِيهِ عَلَى الْأَوَّلَيْنِ لُغَتَانِ الْفَتْحُ وَهُوَ أَفْصَحُ وَأَشْهَرُ لُغَةً وَالضَّمُّ وَهُوَ مَا يَسْتَعْمِلُهُ الْفُقَهَاءُ أَوْ أَكْثَرُهُمْ، وَأَمَّا بِالْكَسْرِ فَاسْمٌ لِمَا يُغْتَسَلُ بِهِ مِنْ سِدْرٍ وَنَحْوِهِ وَهُوَ بِالْمَعْنَيَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ لُغَةً سَيَلَانُ الْمَاءِ عَلَى الشَّيْءِ وَشَرْعًا سَيَلَانُهُ عَلَى جَمِيعِ الْبَدَنِ (مُوجِبُهُ) وَفِي نُسْخَةٍ وَمُوجِبُهُ خَمْسَةٌ وَعَدَّهُ الْأَصْلُ أَرْبَعَةً لِجَعْلِهِ النِّفَاسَ مُلْحَقًا بِالْحَيْضِ وَيَصِحُّ تَنْزِيلُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ عَلَيْهِ (مَوْتٌ) لِمُسْلِمٍ غَيْرِ شَهِيدٍ لِمَا سَيَأْتِي فِي الْجَنَائِزِ وَالْمَوْتُ عَدَمُ الْحَيَاةِ وَيُعَبَّرُ عَنْهُ بِمُفَارَقَةِ الرُّوحِ الْجَسَدَ وَقِيلَ عَدَمُ الْحَيَاةِ عَمَّا مِنْ شَأْنِهِ الْحَيَاةُ وَقِيلَ: عَرَضٌ يُضَادُّهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ} [الملك: 2] وَرُدَّ بِأَنَّ الْمَعْنَى قَدَّرَ، وَالْعَدَمُ مُقَدَّرٌ (وَخُرُوجُ حَيْضٍ أَوْ نِفَاسٍ بِانْقِطَاعِهِ) أَيْ مَعَهُ لِآيَةِ {فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ} [البقرة: 222] أَيْ الْحَيْضِ وَلِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِفَاطِمَةَ بِنْتِ أَبِي حُبَيْشٍ إذَا أَقْبَلَتْ الْحَيْضَةُ فَدَعِي الصَّلَاةَ، وَإِذَا أَدْبَرَتْ فَاغْسِلِي عَنْك الدَّمَ وَصَلِّي» وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ «فَاغْتَسِلِي وَصَلِّي» وَقِيسَ بِالْحَيْضِ النِّفَاسُ بَلْ هُوَ دَمُ حَيْضٍ مُجْتَمِعٌ وَيُعْتَبَرُ مَعَ خُرُوجِ كُلٍّ مِنْهُمَا وَانْقِطَاعِهِ الْقِيَامُ إلَى الصَّلَاةِ كَمَا فِي الرَّافِعِيِّ وَالتَّحْقِيقِ وَإِنْ صَحَّحَ فِي الْمَجْمُوعِ أَنَّ مُوجِبَهُ الِانْقِطَاعُ فَقَطْ كَمَا قَدَّمْت ذَلِكَ فِي بَابِ الْأَحْدَاثِ

(وَ) خُرُوجُ (وَلَدٍ وَلَوْ عَلَقَةً وَمُضْغَةً) وَ (بِلَا بَلَلٍ) لِأَنَّهُ مَنِيٌّ مُنْعَقِدٌ وَلِأَنَّهُ لَا يَخْلُو عَنْ بَلَلٍ غَالِبًا فَأُقِيمَ مَقَامَهُ كَالنَّوْمِ مَعَ الْخَارِجِ وَتُفْطِرُ بِهِ الْمَرْأَةُ عَلَى الْأَصَحِّ فِي التَّحْقِيقِ وَغَيْرِهِ (وَجَنَابَةٌ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا} [المائدة: 6] وَيَحْصُلُ (بِأَحَدِ أَمْرَيْنِ: الْأَوَّلُ بِإِدْخَالِ حَشَفَةٍ وَلَوْ مِنْ) ذَكَرٍ (أَشَلَّ) أَوْ بِلَا قَصْدٍ أَوْ غَيْرِ مُنْتَشِرٍ (أَوْ) بِإِدْخَالِ (قَدْرِهَا) مِنْ فَاقِدِهَا (فِي فَرْجٍ وَلَوْ) مِنْ غَيْرِ مُشْتَهًى أَوْ (دُبُرٍ أَوْ بِحَائِلٍ) كَخِرْقَةٍ لَفَّهَا عَلَى ذَكَرِهِ وَلَوْ غَلِيظَةً لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ «إذَا الْتَقَى الْخِتَانَانِ فَقَدْ وَجَبَ الْغُسْلُ» وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ «وَإِنْ لَمْ يُنْزِلْ» ، وَأَمَّا الْأَخْبَارُ الدَّالَّةُ عَلَى اعْتِبَارِ الْإِنْزَالِ كَخَبَرِ «إنَّمَا الْمَاءُ مِنْ الْمَاءِ» فَمَنْسُوخَةٌ وَأَجَابَ ابْنُ عَبَّاسٍ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرملي الكبير]
وَصَوَّبَهُ السُّبْكِيُّ وَغَيْرُهُ (قَوْلُهُ فَالْخَتْمُ فِي الصَّلَاةِ أَفْضَلُ) وَأَنْ يَخْتِمَ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ أَوْ يَوْمَهُ إنْ أَمْكَنَ وَوَرَدَ أَنَّ الْمَلَائِكَةَ لَمْ يُعْطُوا فَضْلَهُ فَهُمْ حَرِيصُونَ عَلَى اسْتِمَاعِهِ، وَيُقَالُ إنَّ مُؤْمِنِي الْجِنِّ يَقْرَؤُنَهُ

(قَوْلُهُ: وَنِسْيَانُهُ كَبِيرَةٌ) مَوْضِعُهُ إذَا كَانَ نِسْيَانُهُ تَهَاوُنًا وَتَكَاسُلًا غ

(قَوْلُهُ: وَلَا يُكْرَهُ أَنْ يُقَالَ سُورَةُ الْبَقَرَةِ. إلَخْ) وَلَا قِرَاءَةُ فُلَانٍ وَلَا يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى بِغَيْرِ صِيغَةِ الْمَاضِي وَلَا النَّفْثُ مَعَ الْقُرْآنِ لِلرُّقْيَةِ فَفِي الصَّحِيحَيْنِ فِعْلُهُ

عن الكاتب

Tanya Ustadz

التعليقات


جميع الحقوق محفوظة

الكتب الإسلامية