الكتب الإسلامية

مجموعة الكتب والمقالات الإسلاية والفقه علي المذاهب الأربعة

recent

آخر الأخبار

recent
جاري التحميل ...

كِتَابُ الرَّجْعَةِ عند الشافعية الروضة للنووي

كِتَابُ الرَّجْعَةِ عند الشافعية الروضة للنووي
الكتاب: روضة الطالبين وعمدة المفتين
المؤلف: أبو زكريا محيي الدين يحيى بن شرف النووي (المتوفى: 676هـ)
تحقيق: زهير الشاويش الناشر: المكتب الإسلامي، بيروت- دمشق- عمان الطبعة: الثالثة، 1412هـ / 1991م
عدد الأجزاء: 12 [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
موضوع: الفقه علي مذهب الشافعي

فهرس كِتَاب الرَّجْعَةِ
  1. الباب الْأَوَّلُ: فِي أَرْكَانِهَا، وَهِيَ أَرْبَعَةٌ
  2. الْبَابُ الثَّانِي فِي أَحْكَامِ الرَّجْعِيَّةِ وَالرَّجْعَةِ
  3. العودة الي كتاب روضة الطالبين وعمدة المفتين
كِتَابُ الرَّجْعَةِ
هِيَ بِفَتْحِ الرَّاءِ وَكَسْرِهَا، وَالْفَتْحُ فِيهِ أَفْصَحُ، وَفِيهِ بَابَانِ.

الباب الْأَوَّلُ: فِي أَرْكَانِهَا، وَهِيَ أَرْبَعَةٌ.

الْأَوَّلُ: سَبَبُهَا، وَالْمُطَلَّقَاتُ قِسْمَانِ.
الْأَوَّلُ: مَنْ لَمْ يَسْتَوْفِ زَوْجُهَا عَدَدَ طَلَاقِهَا، وَهِيَ نَوْعَانِ، بَائِنٌ وَرَجْعِيَّةٌ، فَالْبَائِنُ هِيَ الْمُطَلَّقَةُ قَبْلَ الدُّخُولِ أَوْ بِعِوَضٍ، فَلَا يَحِلُّ لَهُ إِلَّا بِنِكَاحٍ جَدِيدٍ، وَالرَّجْعِيَّةُ، هِيَ الْمُطَلَّقَةُ بَعْدَ الدُّخُولِ بِلَا عِوَضٍ.
الْقِسْمُ الثَّانِي: مُطَلَّقَةٌ اسْتَوْفَى عَدَدَ طَلَاقِهَا، فَلَا تَحِلُّ لَهُ بِرَجْعَةٍ وَلَا بِنِكَاحٍ إِلَّا بَعْدَ مُحَلِّلٍ، وَإِنْ شِئْتَ اخْتَصَرْتَ، فَقُلْتَ: الرَّجْعِيَّةُ مُطَلَّقَةٌ بَعْدَ الدُّخُولِ [بِلَا عِوَضٍ] وَلَا اسْتِيفَاءِ عَدَدٍ.
فَرْعٌ
سَوَاءٌ فِي ثُبُوتِ الرَّجْعَةِ طَلَّقَ بِصَرِيحٍ أَوْ كِنَايَةٍ، وَلَوْ طَلَّقَ ثُمَّ قَالَ: أَسْقَطْتُ حَقَّ الرَّجْعَةِ، أَوْ طَلَّقَ بِشَرْطِ أَنْ لَا رَجْعَةَ، لَمْ يَسْقُطْ وَلَا مَدْخَلَ لِلرَّجْعَةِ فِي الْفُسُوخِ.

الرُّكْنُ الثَّانِي: الزَّوْجُ الْمُرْتَجِعُ، وَيُشْتَرَطُ فِيهِ أَهْلِيَّةُ النِّكَاحِ، وَالِاسْتِحْلَالُ، وَالْبُلُوغُ، وَالْعَقْلُ، فَلَا رَجْعَةَ لِمُرْتَدٍّ، وَلَوْ طَلَّقَ رَجُلٌ فَجُنَّ، فَيَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ لِوَلِيِّهِ

(8/214)


الْمُرَاجَعَةُ حَيْثُ يَجُوزُ ابْتِدَاءُ النِّكَاحِ، هَذَا إِذَا جَوَّزْنَا التَّوْكِيلَ فِي الرَّجْعَةِ وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَلِلْعَبْدِ الْمُرَاجَعَةُ بِغَيْرِ إِذْنِ سَيِّدِهِ عَلَى الصَّحِيحِ.

الرُّكْنُ الثَّالِثُ: الصِّيغَةُ، فَتَحْصُلُ الرَّجْعَةُ بِقَوْلِهِ: رَجَعْتُكِ أَوْ رَاجَعْتُكِ أَوِ ارْتَجَعْتُكِ، وَهَذِهِ الثَّلَاثَةُ صَرِيحَةٌ، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُضِيفَ إِلَى النِّكَاحِ أَوِ الزَّوْجِيَّةِ، أَوْ نَفْسِهِ، فَيَقُولُ: رَجَعْتُكِ إِلَى نِكَاحِي أَوْ زَوْجِيَّتِي أَوْ إِلَيَّ، وَلَا يُشْتَرَطُ ذَلِكَ، وَلَا بُدَّ مِنْ إِضَافَةِ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ إِلَى مُظْهَرٍ أَوْ مُضْمَرٍ، كَقَوْلِهِ: رَاجَعْتُ فُلَانَةً أَوْ رَاجَعْتُكِ، فَأَمَّا مُجَرَّدُ رَاجَعْتُ وَارْتَجَعْتُ، فَلَا يَنْفَعُ.
وَلَوْ قَالَ: رَاجَعْتُكِ لِلْمَحَبَّةِ أَوْ لِلْإِهَانَةِ أَوْ لِلْأَذَى، وَقَالَ: أَرَدْتُ لِمَحَبَّتِي إِيَّاكِ، أَوْ لِأُهِينَكِ، أَوْ أُوذِيَكِ، قُبِلَ وَحَصَلَتِ الرَّجْعَةُ، وَإِنْ قَالَ: أَرَدْتُ أَنِّي كُنْتُ أُحِبُّهَا أَوْ أُهِينُهَا قَبْلَ النِّكَاحِ، فَرَدَدْتُهَا إِلَى ذَلِكَ، قُبِلَ وَلَمْ تَحْصُلِ الرَّجْعَةُ، وَإِنْ تَعَذَّرَ سُؤَالُهُ بِمَوْتِهِ، أَوْ أَطْلَقَ، حَصَلَتِ الرَّجْعَةُ، لِأَنَّ اللَّفْظَ صَرِيحٌ وَظَاهِرُهُ إِرَادَةُ الْمَعْنَى الْأَوَّلِ، وَأُشِيرَ فِيهِ إِلَى احْتِمَالٍ، وَلَوْ قَالَ: رَدَدْتُهَا، فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ صَرِيحٌ، فَعَلَى هَذَا، فِي اشْتِرَاطِهِ قَوْلَهُ: إِلَيَّ أَوْ إِلَى نِكَاحِي، وَجْهَانِ.
أَصَحُّهُمَا: يُشْتَرَطُ، وَلَوْ قَالَ: أَمْسَكْتُكِ، فَهَلْ هُوَ كِنَايَةٌ أَمْ صَرِيحٌ أَمْ لَغْوٌ؟ فِيهِ أَوْجُهٌ، أَصَحُّهَا عِنْدَ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَالْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ وَالرُّويَانِيِّ وَغَيْرِهِمْ: كِنَايَةٌ، وَصَحَّحَ الْبَغَوِيُّ كَوْنَهُ صَرِيحًا، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ سَلَمَةَ وَالِاصْطَخْرِيِّ، وَابْنِ الْقَاصِّ.
قُلْتُ: صَحَّحَ الرَّافِعِيُّ فِي «الْمُحَرَّرِ» أَنَّهُ صَرِيحٌ. - وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
فَإِنْ قُلْنَا: صَرِيحٌ، فَيُشْبِهُ أَنْ يَجِيءَ فِي اشْتِرَاطِ الْإِضَافَةِ وَجْهَانِ، كَالرَّدِّ.
وَجَزَمَ الْبَغَوِيُّ بِعَدَمِ الِاشْتِرَاطِ، وَأَنَّهُ مُسْتَحَبٌّ. وَلَوْ قَالَ: تَزَوَّجْتُكِ أَوْ نَكَحْتُكِ، فَهَلْ هُوَ كِنَايَةٌ أَمْ صَرِيحٌ، أَمْ لَغْوٌ؟ أَوْجُهٌ. أَصَحُّهَا: الْأَوَّلُ، وَبِهِ قَالَ الْقَاضِي

(8/215)


وَيَجْرِي الْخِلَافُ فِيمَا لَوْ جَرَى الْعَقْدُ عَلَى صُوَرِ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ، قَالَ الرُّويَانِيُّ: الْأَصَحُّ هُنَا الصِّحَّةُ، لِأَنَّهُ آكَدُ فِي الْإِبَاحَةِ.
قُلْتُ: وَلَوْ قَالَ: اخْتَرْتُ رَجْعَتَكِ وَنَوَى الرَّجْعَةَ، فَفِي حُصُولِهَا وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الشَّاشِيُّ، الْأَصَحُّ الْحُصُولُ. - وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
فَرْعٌ
تَصِحُّ الرَّجْعَةُ بِالْعَجَمِيَّةِ، سَوَاءٌ أَحْسَنَ الْعَرَبِيَّةَ أَمْ لَا، وَقِيلَ: لَا، وَقِيلَ: بِالْفَرْقِ، وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ.
فَرْعٌ
هَلْ صَرَائِحُ الرَّجْعَةِ مُنْحَصِرَةٌ، أَمْ كُلُّ لَفْظٍ يُؤَدِّي مَعْنَى الصَّرِيحِ صَرِيحٌ، كَقَوْلِهِ: رَفَعْتُ تَحْرِيمَكِ وَأَعَدْتُ حِلَّكِ وَنَحْوِهِمَا؟ فِيهِ وَجْهَانِ، أَصَحُّهُمَا: الِانْحِصَارُ، لِأَنَّ الطَّلَاقَ صَرَائِحُهُ مَحْصُورَةٌ، فَالرَّجْعَةُ الَّتِي هِيَ تَحْصِيلُ إِبَاحَةٍ أَوْلَى.
فَرْعٌ
لَا يُشْتَرَطُ الْإِشْهَادُ عَلَى الرَّجْعَةِ عَلَى الْأَظْهَرِ، فَعَلَى هَذَا، تَصِحُّ بِالْكِتَابَةِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى النُّطْقِ، وَإِلَّا فَلَا.
فَرْعٌ
لَا تَقْبَلُ الرَّجْعَةُ التَّعْلِيقَ، فَلَوْ قَالَ: رَاجَعْتُكِ إِنْ شِئْتِ، فَقَالَتْ: شِئْتُ، لَمْ يَصِحَّ، وَلَوْ قَالَ: إِذْ شِئْتِ، أَوْ أَنْ شِئْتِ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ، صَحَّ. وَلَوْ طَلَّقَ إِحْدَى زَوْجَتَيْهِ مُبْهَمًا، ثُمَّ قَالَ: رَاجَعْتُ الْمُطَلَّقَةَ، لَمْ يَصِحَّ عَلَى الْأَصَحِّ. وَلَوْ قَالَ لِرَجْعِيَّةٍ: مَتَى رَاجَعْتُكِ فَأَنْتِ طَالِقٌ، أَوْ قَالَ لِمَنْ فِي صُلْبِ النِّكَاحِ: مَتَّى طَلَّقْتُكِ

(8/216)


وَرَاجَعْتُكِ فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَرَاجَعَهَا فَهَلْ تَصِحُّ الرَّجْعَةُ وَتُطَلَّقُ، أَمْ لَا تَصِحُّ أَصْلًا، أَمْ تَصِحُّ وَلَا تُطَلَّقُ وَيَلْغُو الشَّرْطُ؟ فِيهِ أَوْجُهٌ، الصَّحِيحُ الْأَوَّلُ.
فَرْعٌ
لَا تَحْصُلُ الرَّجْعَةُ بِالْوَطْءِ وَالتَّقْبِيلِ وَشِبْهِهِمَا.

الرُّكْنُ الرَّابِعُ: الْمَحَلُّ، وَهِيَ الزَّوْجَةُ، وَلَا يُشْتَرَطُ رِضَاهَا، وَلَا رِضَا سَيِّدِ الْأَمَةِ، وَيُسْتَحَبُّ إِعْلَامُهُ، وَيُشْتَرَطُ فِيهَا بَقَاؤُهَا فِي الْعِدَّةِ، وَكَوْنُهَا قَابِلَةً لِلْحَلِّ، فَلَوِ ارْتَدَّ الزَّوْجَانِ أَوْ أَحَدُهُمَا فِي الْعِدَّةِ، فَرَاجَعَهَا فِي حَالِ الرِّدَّةِ، لَمْ يَصِحَّ، وَإِذَا أَسْلَمَا قَبْلَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ، فَلَا بُدَّ مِنَ اسْتِئْنَافِ الرَّجْعَةِ، نُصَّ عَلَيْهِ، وَبِهِ قَالَ الْأَصْحَابُ. وَقَالَ الْمُزَنِيُّ: الرَّجْعَةُ مَوْقُوفَةٌ. فَإِذَا أَسْلَمَا فِي الْعِدَّةِ، تَبَيَّنَّا صِحَّتَهَا. قَالَ الْإِمَامُ: وَهَذَا لَهُ وَجْهٌ، وَلَكِنْ لَمْ أَرَ مِنَ الْأَصْحَابِ مَنْ جَعَلَهُ قَوْلًا مُخَرَّجًا، فَعَلَى النَّصِّ، لَوِ ارْتَدَّ الزَّوْجَانِ أَوْ أَحَدُهُمَا بَعْدَ الدُّخُولِ، ثُمَّ طَلَّقَهَا فِي الْعِدَّةِ، أَوْ رَاجَعَهَا، فَالطَّلَاقُ مَوْقُوفٌ، إِنْ جَمَعَهُمَا الْإِسْلَامُ فِي الْعِدَّةِ، تَبَيَّنَّا نُفُوذَهُ، وَالرَّجْعَةُ بَاطِلَةٌ، وَلَوْ كَانَا ذِمِّيَّيْنِ فَأَسْلَمَتْ فَرَاجَعَهَا وَتَخَلَّفَ، لَمْ يَصِحَّ، وَلَوْ أَسْلَمَ فِي الْعِدَّةِ، احْتَاجَ إِلَى الِاسْتِئْنَافِ.
فَرْعٌ
إِذَا أَثْبَتْنَا الْعِدَّةَ بِالْوَطْءِ فِي الدُّبُرِ، أَوْ بِالْخَلْوَةِ، ثَبَتَتِ الرَّجْعَةُ عَلَى الْأَصَحِّ.
قُلْتُ: مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِالرُّكْنِ، قَالَ إِبْرَاهِيمُ الْمَرُّوذِيُّ: لَوْ كَانَ تَحْتَهُ حُرَّةٌ وَأَمَةٌ، فَطَلَّقَ الْأَمَةَ رَجْعِيَّةً، فَلَهُ رَجْعَتُهَا. - وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
فَصْلٌ
الْعِدَّةُ تَكُونُ بِالْحَمْلِ أَوِ الْأَقْرَاءِ أَوِ الْأَشْهُرِ، فَلَوِ ادَّعَتِ الْمُعْتَدَّةُ بِالْأَشْهُرِ انْقِضَاءَهَا،

(8/217)


وَأَنْكَرَ الزَّوْجُ، صُدِّقَ بِيَمِينِهِ، لِأَنَّهُ اخْتِلَافٌ فِي وَقْتِ طَلَاقِهِ. وَلَوْ قَالَ: طَلَّقْتُكِ فِي رَمَضَانَ. فَقَالَتْ: بَلْ فِي شَوَّالٍ، فَقَدْ غَلِطَتْ عَلَى نَفْسِهَا فَتُؤَاخَذُ بِقَوْلِهَا. وَأَمَّا عِدَّةُ الْحَامِلِ، فَتَنْقَضِي بِوَضْعِ الْحَمْلِ التَّامِّ الْمُدَّةِ، حَيًّا كَانَ أَوْ مَيِّتًا أَوْ نَاقِصَ الْأَعْضَاءِ، وَبِإِسْقَاطِ مَا ظَهَرَ فِيهِ صُورَةُ الْآدَمِيِّ، فَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ، فَقَوْلَانِ مَشْرُوحَانِ فِي كِتَابِ «الْعُدَّةِ» . وَمَتَى ادَّعَتْ وَضْعَ حَمْلٍ أَوْ سَقْطٍ
[أَوْ] مُضْغَةٍ، إِذَا اكْتَفَيْنَا بِهَا، صُدِّقَتْ بِيَمِينِهَا.
وَقِيلَ: لَا تُصَدَّقُ مُطْلَقًا، وَلَا بُدَّ مِنْ بَيِّنَةٍ، وَقِيلَ: لَا تُصَدَّقُ فِي الْوَلَدِ الْمَيِّتِ إِذَا لَمْ يَظْهَرْ. وَقِيلَ: وَلَا فِي الْوَلَدِ الْكَامِلِ. وَقِيلَ: وَلَا فِي السَّقْطِ، وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ، قَالَ الْأَئِمَّةُ: وَإِنَّمَا يُصَدِّقُهَا فِيمَا يَرْجِعُ فِي الْعِدَّةِ بِشَرْطَيْنِ. أَحَدُهُمَا: أَنْ تَكُونَ مِمَّنْ تَحِيضُ، فَلَوْ كَانَتْ صَغِيرَةً أَوْ آيِسَةً، لَمْ تُصَدَّقْ.
وَالثَّانِي: أَنْ تَدَّعِيَ الْوَضْعَ لِمُدَّةِ الْإِمْكَانِ، وَيَخْتَلِفُ الْإِمْكَانُ بِحَسَبِ دَعْوَاهَا. فَإِنِ ادَّعَتْ وِلَادَةَ وَلَدٍ تَامٍّ، فَأَقَلُّ مُدَّةٍ تُصَدَّقُ فِيهَا سِتَّةُ أَشْهُرٍ وَلَحْظَتَانِ مِنْ حِينِ إِمْكَانِ اجْتِمَاعِ الزَّوْجَيْنِ بَعْدَ النِّكَاحِ لَحْظَةٌ لِإِمْكَانِ الْوَطْءِ، وَلَحْظَةٌ لِلْوِلَادَةِ، فَإِنِ ادَّعَتْ لِأَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ، لَمْ تُصَدَّقْ، وَكَانَ لِلزَّوْجِ رَجْعَتُهَا.
وَإِنِ ادَّعَتْ إِسْقَاطَ سَقْطٍ ظَهَرَتْ فِيهِ الصُّورَةُ، فَأَقَلُّ مُدَّةِ إِمْكَانِهِ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَلَحْظَتَانِ مِنْ يَوْمِ إِمْكَانِ الِاجْتِمَاعِ، وَإِنِ ادَّعَتْ إِلْقَاءَ مُضْغَةٍ لَا صُورَةَ فِيهَا، فَأَقَلُّ مُدَّةِ إِمْكَانِهَا ثَمَانُونَ يَوْمًا، وَلَحْظَتَانِ مِنْ يَوْمِ إِمْكَانِ الِاجْتِمَاعِ. وَأَمَّا الْمُعْتَدَّةُ بِالْأَقْرَاءِ، فَإِنْ طُلِّقَتْ فِي الطُّهْرِ حُسِبَ بَقِيَّةُ الطُّهْرِ قُرْءًا، وَإِنْ طُلِّقَتْ فِي الْحَيْضِ، اشْتُرِطَ مُضِيُّ ثَلَاثَةِ أَطْهَارٍ كَامِلَةٍ، كَمَا سَيَأْتِي فِي الْعِدَدِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. فَأَقَلُّ مُدَّةٍ تُمْكِنُ انْقِضَاءُ الْعِدَّةِ فِيهَا إِذَا طُلِّقَتْ فِي الطُّهْرِ اثْنَانِ وَثَلَاثُونَ يَوْمًا وَلَحْظَتَانِ، وَذَلِكَ بِأَنْ تُطَلَّقَ وَقَدْ بَقِيَ مِنَ الطُّهْرِ لَحْظَةٌ، ثُمَّ تَحِيضُ يَوْمًا وَلَيْلَةً، ثُمَّ تَطْهُرُ خَمْسَةَ عَشَرَ، ثُمَّ تَحِيضُ يَوْمًا وَلَيْلَةً، وَتَطْهُرُ خَمْسَةَ عَشَرَ، ثُمَّ تَطْعَنُ فِي الْحَيْضِ، هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ.
وَلَنَا وَجْهٌ أَنَّهُ لَا تُعْتَبَرُ اللَّحْظَةُ الْأُولَى تَفْرِيعًا عَلَى

(8/218)


أَنَّ الْقُرْءَ هُوَ الِانْتِقَالُ مِنَ الطُّهْرِ إِلَى الْحَيْضِ، فَإِذَا صَادَفَ الطَّلَاقُ آخِرَ جُزْءٍ مِنَ الطُّهْرِ، حُسِبَ ذَلِكَ قُرْءًا، وَيَظْهَرُ تَصْوِيرُ ذَلِكَ فِيمَا إِذَا عُلِّقَ الطَّلَاقُ بِآخَرَ. وَفِي قَوْلٍ: لَا يُحْكَمُ بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ بِمُجَرَّدِ الطَّعْنِ فِي الدَّمِ آخِرًا، بَلْ يُشْتَرَطُ مُضِيُّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، ثُمَّ هَلِ الْيَوْمُ وَاللَّيْلَةُ عَلَى هَذَا، أَوِ اللَّحْظَةُ عَلَى الْمَذْهَبِ مِنْ نَفْسِ الْعِدَّةِ، أَمْ لَيْسَ مِنْهَا وَإِنَّمَا هُوَ لِاسْتِيقَانِ انْقِضَاءِ الْأَقْرَاءِ؟ فِيهِ وَجْهَانِ، أَصَحُّهُمَا: الثَّانِي، وَتَظْهَرُ فَائِدَتُهُمَا فِي ثُبُوتِ الرَّجْعَةِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، هَذَا كُلُّهُ تَفْرِيعٌ عَلَى الْمَذْهَبِ أَنَّ أَقَلَّ الْحَيْضِ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ، فَإِنْ جَعَلْنَاهُ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ، نَقَصَ زَمَنُ الْإِمْكَانِ عَنِ الْمُدَّةِ الْمَذْكُورَةِ، هَذَا كُلُّهُ فِي طُهْرِ غَيْرِ الْمُبْتَدَأَةِ، أَمَّا إِذَا طُلِّقَتِ الْمَرْأَةُ قَبْلَ أَنْ تَحِيضَ، ثُمَّ حَاضَتْ، فَيُبْنَى أَمْرُهَا عَلَى أَنَّ الْقُرْءَ طُهْرٌ مُحْتَوِشٌ بِدَمَيْنِ، أَمْ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الِاحْتِوَاشُ؟ فَإِنْ لَمْ يُشْتَرَطْ، فَحُكْمُهَا فِي مُدَّةِ الْإِمْكَانِ حُكْمُ غَيْرِهَا، وَإِنْ شَرَطْنَاهُ، فَأَقَلُّ مُدَّةِ إِمْكَانِهَا ثَمَانِيَةٌ وَأَرْبَعُونَ يَوْمًا وَلَحْظَةٌ، هَذَا كُلُّهُ إِذَا طُلِّقَتْ فِي طُهْرٍ.
أَمَّا الْمُطَلَّقَةُ فِي حَيْضٍ، فَأَقَلُّ مُدَّةِ إِمْكَانِهَا سَبْعَةٌ وَأَرْبَعُونَ يَوْمًا وَلَحْظَةٌ، بِأَنْ تُطَلَّقَ فِي آخِرِ جُزْءٍ مِنَ الْحَيْضِ، وَيَظْهَرُ تَصْوِيرُهُ فِيمَا إِذَا عُلِّقَ طَلَاقُهَا بِآخِرِ جُزْءٍ مِنْ حَيْضِهَا، ثُمَّ تَطْهُرُ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا، ثُمَّ تَحِيضُ يَوْمًا وَلَيْلَةً، وَتَطْهُرُ خَمْسَةَ عَشَرَ، ثُمَّ تَحِيضُ يَوْمًا وَلَيْلَةً، وَتَطْهُرُ خَمْسَةَ عَشَرَ، وَتَطْعَنُ فِي الْحَيْضِ، وَفِي لَحْظَةِ الطَّعْنِ مَا ذَكَرْنَاهُ فِي الْمُطَلَّقَةِ فِي الطُّهْرِ، وَلَا تَحْتَاجُ هُنَا إِلَى تَقْدِيرِ لَحْظَةٍ فِي الْأَوَّلِ، لِأَنَّ اللَّحْظَةَ هُنَاكَ تُحْسَبُ قُرْءًا، هَذَا حُكْمُ الْحُرَّةِ، وَأَمَّا الْأَمَةُ، فَإِنْ طُلِّقَتْ فِي طُهْرٍ، فَأَقَلُّ مُدَّةِ إِمْكَانِهَا سِتَّةَ عَشَرَ يَوْمًا وَلَحْظَتَانِ، وَإِنْ طُلِّقَتْ وَلَمْ تَحِضْ قَطُّ، ثُمَّ ظَهَرَ الدَّمُ وَشَرْطُنَا فِي الْقُرْءِ الِاحْتِوَاشُ، فَأَقَلُّ مُدَّةِ الْإِمْكَانِ اثْنَانِ وَثَلَاثُونَ يَوْمًا وَلَحْظَةٌ، وَإِنْ طُلِّقَتْ فِي الْحَيْضِ، فَالْأَقَلُّ أَحَدٌ وَثَلَاثُونَ يَوْمًا وَلَحْظَةٌ. إِذَا عُرِفَ هَذَا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْمُطَلَّقَةِ عَادَةٌ فِي الْحَيْضِ وَالطُّهْرِ مُسْتَقِيمَةٌ، بِأَنْ لَمْ تَكُنْ حَاضَتْ ثُمَّ طَرَأَ حَيْضُهَا، وَكَانَ لَهَا عَادَاتٌ مُضْطَرِبَةٌ، أَوْ كَانَتْ لَهَا عَادَةٌ مُسْتَقِيمَةٌ دَائِرَةٌ عَلَى الْأَقَلِّ حَيْضًا وَطُهْرًا، صَدَقَتْ بِيَمِينِهَا إِذَا ادَّعَتِ انْقِضَاءَ الْأَقْرَاءِ لِمُدَّةِ الْإِمْكَانِ، فَإِنْ

(8/219)


نَكَلَتْ عَنِ الْيَمِينِ، حَلَفَ الزَّوْجُ وَكَانَ لَهُ الرَّجْعَةُ، فَإِنْ كَانَ لَهَا عَادَةٌ مُسْتَقِيمَةٌ دَائِرَةٌ عَلَى مَا فَوْقَ الْأَقَلِّ، صُدِّقَتْ فِي دَعْوَى انْقِضَائِهَا عَلَى وَفْقِ الْعَادَةِ، وَهَلْ تُصَدَّقُ فِيمَا دُونِهَا مَعَ الْإِمْكَانِ؟ وَجْهَانِ. أَصَحُّهُمَا عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ: تُصَدَّقُ بِيَمِينِهَا، لِأَنَّ الْعَادَةَ قَدْ تُغَيَّرُ، وَالثَّانِي: لَا لِلتُّهْمَةِ، قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ. قَالَ الرُّويَانِيُّ: هُوَ الِاخْتِيَارُ فِي هَذَا الزَّمَانِ. قَالَ: وَإِذَا قَالَتْ لَنَا امْرَأَةٌ انْقَضَتْ عِدَّتِي، وَجَبَ أَنْ نَسْأَلَهَا عَنْ حَالِهَا، كَيْفَ الطُّهْرُ وَالْحَيْضُ؟ وَنُحَلِّفُهَا عِنْدَ التُّهْمَةِ لِكَثْرَةِ الْفَسَادِ، هَذَا لَفْظُهُ.
فَرْعٌ
ادَّعَتِ انْقِضَاءَ الْعِدَّةِ لِدُونِ الْإِمْكَانِ، وَرَدَدْنَا قَوْلَهَا، فَجَاءَ زَمَنُ الْإِمْكَانِ، فَإِنْ كَذَّبَتْ نَفْسَهَا، أَوْ قَالَتْ: غَلِطْتُ وَابْتَدَأْتُ الْآنَ دَعْوَى الِانْقِضَاءِ، صُدِّقَتْ بِيَمِينِهَا، وَإِنْ أَصَرَّتْ عَلَى الدَّعْوَى الْأُولَى، صَدَّقْنَاهَا الْآنَ أَيْضًا عَلَى الْأَصَحِّ، لِأَنَّ إِصْرَارَهَا يَتَضَمَّنُ دَعْوَى الِانْقِضَاءِ الْآنَ.
فَرْعٌ
قَالَ: إِنْ وَلَدْتِ فَأَنْتِ طَالِقٌ، وَطُلِّقَتْ بِالْوِلَادَةِ، فَأَقَلُّ زَمَنٍ يُمْكِنُ انْقِضَاءُ إِقْرَائِهَا فِيهِ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الدَّمَ تَرَاهُ فِي السِّتِّينَ، هَلْ يُجْعَلُ حَيْضًا، فِيهِ خِلَافٌ سَبَقَ. فَإِنْ جَعَلْنَاهُ حَيْضًا وَهُوَ الْأَصَحُّ، فَأَقَلُّ زَمَنٍ تُصَدَّقُ فِيهِ سَبْعَةٌ وَأَرْبَعُونَ يَوْمًا وَلَحْظَةٌ، كَمَا لَوْ طُلِّقَتْ فِي الْحَيْضِ، فَتُقَدِّرُ أَنَّهَا وَلَدَتْ وَلَمْ تَرَ دَمًا، وَيُعْتَبَرُ مُضِيُّ ثَلَاثَةِ أَطْهَارٍ وَثَلَاثِ حِيَضٍ، وَالطَّعْنُ فِي الْحَيْضَةِ الرَّابِعَةِ، وَإِنْ لَمْ نَجْعَلْهُ حَيْضًا لَمْ تُصَدَّقْ فِيمَا دُونَ اثْنَيْنِ وَتِسْعِينَ يَوْمًا وَلَحْظَةٍ، مِنْهَا سِتُّونَ لِلنِّفَاسِ، وَيُحْسَبُ ذَلِكَ قُرْءًا، وَبَعْدَهَا مُدَّةُ حَيْضَتَيْنِ وَطُهْرَيْنِ، وَاللَّحْظَةُ لِلطَّعْنِ فِي الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ، هَكَذَا ذَكَرَهُ الْبَغَوِيُّ، وَلَمْ يَعْتَدَّ الْمُتَوَلِّي بِالنِّفَاسِ قُرْءًا، وَاعْتَبَرَ مُضِيَّ مِائَةٍ وَسَبْعَةِ أَيَّامٍ وَلَحْظَةٍ، وَهِيَ مُدَّةُ النِّفَاسِ، وَمُدَّةُ ثَلَاثَةِ أَطْهَارٍ وَحَيْضَتَيْنِ، وَاللَّحْظَةُ لِلطَّعْنِ.

(8/220)


فَصْلٌ
الرَّجْعَةُ مُخْتَصَّةٌ بِعِدَّةِ الطَّلَاقِ، فَلَوْ وَطِئَ الزَّوْجُ الرَّجْعِيَّةَ فِي الْعِدَّةِ، فَعَلَيْهَا أَنْ تَسْتَأْنِفَ ثَلَاثَةَ أَقْرَاءٍ مِنْ وَقْتِ الْوَطْءِ، وَيَدْخُلُ فِيهَا مَا بَقِيَ مِنْ عِدَّةِ الطَّلَاقِ، وَلَا تَثْبُتُ الرَّجْعَةُ إِلَّا فِيمَا بَقِيَ مِنْ عِدَّةِ الطَّلَاقِ، وَلَهُ تَجْدِيدُ النِّكَاحِ فِيمَا زَادَ بِسَبَبِ الْوَطْءِ، وَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ لِغَيْرِهِ.
وَلَوْ أَحْبَلَهَا بِالْوَطْءِ، اعْتَدَّتْ بِالْوَضْعِ عَنِ الْوَطْءِ. وَفِي دُخُولِ مَا بَقِيَ مِنْ عِدَّةِ الطَّلَاقِ فِي عِدَّةِ الْوَطْءِ وَجْهَانِ. أَصَحُّهُمَا: يَدْخُلُ، فَعَلَى هَذَا، لَهُ الرَّجْعَةُ فِي عِدَّةِ الْحَمْلِ عَلَى الْأَصَحِّ، وَحَكَى الْبَغَوِيُّ وَجْهًا، أَنَّ الرَّجْعَةَ تَنْقَطِعُ عَلَى هَذَا بِالْحَمْلِ. فَإِنْ قُلْنَا: لَا تَدْخُلُ، فَإِذَا وَضَعَتْ، رَجَعَتْ إِلَى بَقِيَّةِ الْأَقْرَاءِ، وَلِلزَّوْجِ الرَّجْعَةُ فِي الْبَقِيَّةِ الَّتِي تَعُودُ إِلَيْهَا بَعْدَ الْوَضْعِ، وَلَهُ الرَّجْعَةُ أَيْضًا قَبْلَ الْوَضْعِ عَلَى الْأَصَحِّ.

الْبَابُ الثَّانِي فِي أَحْكَامِ الرَّجْعِيَّةِ وَالرَّجْعَةِ

وَفِيهِ مَسَائِلُ.
إِحْدَاهَا: يَحْرُمُ وَطْءُ الرَّجْعِيَّةِ وَلَمْسُهَا، وَالنَّظَرُ إِلَيْهَا، وَسَائِرُ الِاسْتِمْتَاعَاتِ. فَإِنْ وَطِئَ، فَلَا حَدَّ وَإِنْ كَانَ عَالِمًا بِالتَّحْرِيمِ لِاخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ فِي إِبَاحَتِهِ، وَفِي الْعَالِمِ وَجْهٌ ضَعِيفٌ، وَلَا تَعْزِيرَ أَيْضًا إِنْ كَانَ جَاهِلًا أَوْ يَعْتَقِدُ الْإِبَاحَةَ، وَإِلَّا فَيَجِبُ. وَإِذَا وَطِئَ وَلَمْ يُرَاجِعْ، لَزِمَهُ مَهْرُ الْمِثْلِ، وَإِنْ رَاجَعَهَا، فَالنَّصُّ وُجُوبُ الْمَهْرِ أَيْضًا، وَنُصَّ فِيمَا لَوِ ارْتَدَّتْ فَوَطِئَهَا الزَّوْجُ فِي الْعِدَّةِ ثُمَّ أَسْلَمَتْ فِيهَا، فَلَا مَهْرَ. وَكَذَا لَوْ أَسْلَمَ أَحَدُ الْمَجُوسِيِّينَ أَوِ الْوَثَنِيِّينَ وَوَطْئِهَا، ثُمَّ أَسْلَمَ الْمُتَخَلِّفُ فِي الْعِدَّةِ، فَقَالَ الِاصْطَخْرِيُّ: فِي الْجَمِيعِ قَوْلَانِ، وَحَكَى ابْنُ كَجٍّ عَنِ ابْنِ الْقَطَّانِ، أَنَّهُ وَجَدَهُمَا مَنْصُوصَيْنِ، وَالْمَذْهَبُ تَقْرِيرُ النَّصَّيْنِ الْأَوَّلَيْنِ، لِأَنَّ أَثَرَ الطَّلَاقِ لَا يَرْتَفِعُ

(8/221)


بِالرَّجْعَةِ، بَلْ يَبْقَى نُقْصَانُ الْعِدَّةِ فَيَكُونُ مَا بَعْدَ الرَّجْعَةِ وَمَا قَبْلَ الطَّلَاقِ كَعَقْدَيْنِ، وَأَمَّا أَثَرُ الرِّدَّةِ وَتَبْدِيلِ الدِّينِ، فَيَرْتَفِعُ بِالْإِسْلَامِ، فَيَكُونُ الْوَطْءُ مُصَادِفًا لِلْعَقْدِ الْأَوَّلِ.
الثَّانِيَةُ: يَصِحُّ خُلْعُ الرَّجْعِيَّةِ عَلَى الْأَظْهَرِ، وَيَصِحُّ الْإِيلَاءُ وَالظِّهَارُ عَنْهَا، وَاللَّعَانُ، وَيَلْحَقُهَا الطَّلَاقُ. وَإِذَا مَاتَ أَحَدُهُمَا فِي الْعِدَّةِ، وَرِثَهُ الْآخَرُ، وَيَجِبُ نَفَقَتُهَا، وَهَذِهِ الْأَحْكَامُ مَذْكُورَةٌ فِي أَبْوَابِهَا، وَلَوْ قَالَ: نِسَائِي أَوْ زَوْجَاتِي طَوَالِقُ، دَخَلَتِ الرَّجْعِيَّةُ فِيهِنَّ عَلَى الْأَصَحِّ الْمَنْصُوصِ.
الثَّالِثَةُ: طَلَّقَ زَوْجَتَهُ الرَّقِيقَةَ رَجْعِيَّةً، ثُمَّ اشْتَرَاهَا، وَجَبَ اسْتِبْرَاؤُهَا، لِأَنَّهَا كَانَتْ مُحَرَّمَةً بِالطَّلَاقِ. فَإِنْ بَقِيَتْ فِي الْعِدَّةِ حَيْضَةٌ كَامِلَةٌ، كَفَتْ، وَإِنْ بَقِيَتْ بَقِيَّةُ الطُّهْرِ، فَقِيلَ: يَكْفِي، وَقِيلَ: يُشْتَرَطُ حَيْضَةٌ كَامِلَةٌ عَلَى الْقِيَاسِ، هَذَا إِذَا قُلْنَا: الِاسْتِبْرَاءُ بِالْحَيْضِ وَهُوَ الْمَذْهَبُ، فَإِنْ قُلْنَا: بِالطُّهْرِ، قُلْنَا: بَقِيَّةُ الطُّهْرِ كَافِيَةٌ لِلِاسْتِبْرَاءِ، حَصَلَ الْغَرَضُ بِهَا.
فَرْعٌ لَمَّا نَظَرَ الْأَصْحَابُ فِي الْأَحْكَامِ الْمَذْكُورَةِ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ، اسْتَنْبَطُوا مِنْهَا أَقْوَالًا فِي أَنَّ الطَّلَاقَ الرَّجْعِيَّ يَقْطَعُ النِّكَاحَ وَيُزِيلُ الْمِلْكَ، أَمْ لَا؟ أَحَدُهَا: نَعَمْ، بِدَلِيلِ تَحْرِيمِ الْوَطْءِ وَوُجُوبِ الْمَهْرِ وَمَنْعِ الْخُلْعِ عَلَى قَوْلٍ.
وَالثَّانِي: لَا، لِوُقُوعِ الطَّلَاقِ وَعَدَمِ الْحَدِّ، وَصِحَّةِ الْإِيلَاءِ وَالظِّهَارِ وَاللَّعَانِ، وَثُبُوتِ الْإِرْثِ وَصِحَّةِ الْخُلْعِ، وَعَدَمِ الْإِشْهَادِ عَلَى الْأَظْهَرِ فِيهِمَا.
وَاشْتُهِرَ عَنْ لَفْظِ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، أَنَّ الرَّجْعِيَّةَ زَوْجَةٌ فِي خَمْسِ آيَاتٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى، وَأَرَادَ الْآيَاتِ الْمُشْتَمِلَةَ عَلَى هَذِهِ الْأَحْكَامِ. وَالثَّالِثُ: أَنَّهُ مَوْقُوفٌ، فَإِنْ لَمْ يُرَاجِعْهَا حَتَّى انْقَضَتِ الْعِدَّةُ، تَبَيَّنَّا زَوَالَ الْمِلْكِ بِالطَّلَاقِ. وَإِنْ رَاجَعَ، تَبَيَّنَّا أَنَّهُ لَمْ يَزُلْ، وَرَجَّحَ الْغَزَالِيُّ

(8/222)


الْقَوْلَ الْأَوَّلَ، وَالْإِمَامُ الثَّانِي. وَالتَّحْقِيقُ أَنَّهُ لَا يُطْلَقُ تَرْجِيحُ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِمَا ذَكَرْنَاهُ مِنَ اخْتِلَافِ التَّرْجِيحِ فِي الصُّوَرِ الْمَذْكُورَةِ.
قُلْتُ: الْمُخْتَارُ مَا اخْتَارَهُ الرَّافِعِيُّ، أَنَّهُ لَا يُطْلَقُ تَرْجِيحٌ، وَنَظِيرُهُ الْقَوْلَانِ فِي أَنَّ النَّذْرَ يُسْلَكُ بِهِ مَسْلَكَ وَاجِبِ الشَّرْعِ، أَمْ جَائِزِهِ، وَأَنَّ الْإِبْرَاءَ إِسْقَاطٌ أَمْ تَمْلِيكٌ؟ وَيَخْتَلِفُ الرَّاجِحُ بِحَسَبِ الْمَسَائِلِ، لِظُهُورِ دَلِيلِ الطَّرَفَيْنِ فِي بَعْضِهَا، وَعَكْسُهُ فِي بَعْضٍ. - وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

فَصْلٌ
فِي الِاخْتِلَافِ
فَإِذَا ادَّعَى أَنَّهُ رَاجَعَ فِي الْعِدَّةِ، وَأَنْكَرَتْ، فَإِمَّا أَنْ يَخْتَلِفَا قَبْلَ أَنْ تَنْكِحَ زَوْجًا، وَإِمَّا بَعْدَهُ.
الْقِسْمُ الْأَوَّلُ: قَبْلَهُ، فَإِمَّا أَنْ تَكُونَ الْعِدَّةُ مُنْقَضِيَةً، وَإِمَّا بَاقِيَةً.
الضَّرْبُ الْأَوَّلُ: مُنْقَضِيَةٌ وَادَّعَى سَبْقَ الرَّجْعَةِ، وَادَّعَتْ سَبْقَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ، فَلِهَذَا الِاخْتِلَافِ صُوَرٌ. إِحْدَاهَا: أَنْ يَتَّفِقَا عَلَى وَقْتِ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ، كَيَوْمِ الْجُمُعَةِ. وَقَالَ: رَاجَعْتُ يَوْمَ الْخَمِيسِ، وَقَالَتْ: بَلْ يَوْمَ السَّبْتِ، فَثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ. الصَّحِيحُ الَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ الْقَوْلُ قَوْلُهَا بِيَمِينِهَا أَنَّهَا لَا تَعْلَمُهُ رَاجَعَ يَوْمَ الْخَمِيسِ.
وَالثَّانِي: الْقَوْلُ قَوْلُهُ بِيَمِينِهِ. وَالثَّالِثُ: قَالَتْ: أَوَّلًا انْقَضَتْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَصَدَّقَهَا، وَقَالَ: رَاجَعْتُ يَوْمَ الْخَمِيسِ، فَهِيَ الْمُصَدَّقَةُ. وَإِنْ قَالَ هُوَ أَوَّلًا: رَاجَعْتُكِ يَوْمَ الْخَمِيسِ فَهُوَ مُصَدَّقٌ لِاسْتِقْلَالِهِ بِالرَّجْعَةِ، وَالرَّجْعَةُ تَقْطَعُ الْعِدَّةَ. فَإِنِ اقْتَرَنَ دَعَوَاهُمَا، سَقَطَ هَذَا الْوَجْهُ، وَبَقِيَ الْوَجْهُ الْآخَرُ، وَبَقِيَ الْأَوَّلَانِ.
الصُّورَةُ الثَّانِيَةُ: أَنْ يَتَّفِقَا عَلَى الرَّجْعَةِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَقَالَتِ: انْقَضَتْ يَوْمَ الْخَمِيسِ

(8/223)


، وَقَالَ: بَلْ يَوْمَ السَّبْتِ، فَهَلْ يُصَدَّقُ بِيَمِينِهِ أَمْ هِيَ، أَمِ السَّابِقُ بِالدَّعْوَى؟ أَوْجُهٌ، الصَّحِيحُ الْأَوَّلُ.
الثَّالِثَةُ: أَنْ لَا يَتَّفِقَا، بَلْ يَقْتَصِرُ عَلَى تَقَدُّمِ الرَّجْعَةِ، وَهِيَ عَلَى تَأَخُّرِهَا، فَفِيهِ طُرُقٌ ذَكَرْنَاهَا فِي آخِرِ نِكَاحِ الْمُشْرِكِ، وَهُنَا خِلَافٌ آخَرُ حَاصِلُهُ أَوْجُهٌ.
أَصَحُّهَا: تَصْدِيقُ مَنْ سَبَقَ بِالدَّعْوَى، فَلَوْ وَقَعَ كَلَامُهُمَا مَعًا، فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا، وَالثَّانِي: تَصْدِيقُهَا مُطْلَقًا، وَالثَّالِثُ: تَصْدِيقُهُ، وَالرَّابِعُ: يُقْرَعُ وَيُقَدَّمُ قَوْلُ مَنْ خَرَجَتْ قُرْعَتُهُ، حَكَاهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ، وَالْخَامِسُ: يُسْأَلُ الزَّوْجُ عَنْ وَقْتِ الرَّجْعَةِ، فَإِذَا تَبَيَّنَ وَصَدَّقَتْهُ، وَإِلَّا ثَبَتَ بِيَمِينِهِ، وَتُسْأَلُ عَنْ وَقْتِ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ، فَإِنْ صَدَّقَهَا وَإِلَّا ثَبَتَ بِيَمِينِهَا، ثُمَّ يُنْظَرُ فِيمَا ثَبَتَ مِنْ وَقْتَيْهِمَا، وَيُحْكَمُ لِلسَّابِقِ مِنْهُمَا، وَلَوْ قَالَ: لَا نَعْلَمُ حُصُولَ الْأَمْرَيْنِ مُرَتَّبًا، وَلَا نَعْلَمُ السَّابِقَ، فَالْأَصْلُ بَقَاءُ الْعِدَّةِ وَوِلَايَةِ الرَّجْعَةِ.
الضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ تَكُونَ الْعِدَّةُ بَاقِيَةً، وَاخْتَلَفَا فِي الرَّجْعَةِ، فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ عَلَى الصَّحِيحِ. وَقِيلَ: قَوْلُهَا، لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الرَّجْعَةِ، فَإِنْ أَرَادَهَا، فَلْيُنْشِئْهَا.
فَإِذَا قُلْنَا بِالصَّحِيحِ، فَقَدْ أَطْلَقَ جَمَاعَةٌ، مِنْهُمُ الْبَغَوِيُّ، أَنَّ إِقْرَارَهُ وَدَعْوَاهُ، يَكُونُ إِنْشَاءً، وَحَكَى ذَلِكَ عَنِ الْقَفَّالِ، قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَمَنْ قَالَ بِهِ، يَجْعَلُ الْإِقْرَارَ بِالطَّلَاقِ إِنْشَاءً أَيْضًا، قَالَ الْإِمَامُ: هَذَا لَا وَجْهَ لَهُ، فَإِنَّ الْإِقْرَارَ وَالْإِنْشَاءَ يَتَنَافَيَانِ، فَذَلِكَ إِخْبَارٌ عَنْ مَاضٍ، وَهَذَا إِحْدَاثٌ فِي الْحَالِ، وَذَلِكَ يَدْخُلُهُ الصِّدْقُ وَالْكَذِبُ، وَهَذَا بِخِلَافِهِ.
فَرْعٌ
قَالَ: رَاجَعْتُكِ الْيَوْمَ، فَقَالَتِ: انْقَضَتْ عِدَّتِي قَبْلَ رَجْعَتِكَ، صَدَقَتْ هِيَ، نَصَّ عَلَيْهِ، قَالَ الْأَصْحَابُ: الْمُرَادُ إِذَا اتَّصَلَ كَلَامُهَا بِكَلَامِهِ، قَالُوا: وَقَوْلُهُ

(8/224)


«رَاجَعْتُ» إِنْشَاءٌ، وَقَوْلُهَا: «انْقَضَتْ عِدَّتِي» إِخْبَارٌ، فَيَكُونُ الِانْقِضَاءُ سَابِقًا عَلَى قَوْلِهَا.
الْقِسْمُ الثَّانِي: إِذَا نَكَحَتْ زَوْجًا بَعْدَ الْعِدَّةِ، فَجَاءَ الْأَوَّلُ وَادَّعَى الرَّجْعَةَ فِي الْعِدَّةِ، فَإِنْ أَقَامَ بَيِّنَةً، فَهِيَ زَوْجَتُهُ، سَوَاءٌ دَخَلَ بِهَا الثَّانِي أَمْ لَا، فَإِنْ دَخَلَ، فَلَهَا عَلَيْهِ مَهْرُ الْمِثْلِ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ بَيِّنَةٌ، وَأَرَادَ تَحْلِيفَهَا، سُمِعَتْ دَعْوَاهُ عَلَى الصَّحِيحِ، فَلَوِ ادَّعَى عَلَى الزَّوْجِ، فَفِي سَمَاعِ دَعْوَاهُ وَجْهَانِ، أَصَحُّهُمَا عِنْدَ الْإِمَامِ: لَا، لِأَنَّ الزَّوْجَةَ لَيْسَتْ فِي يَدِهِ.
وَالثَّانِي: نَعَمْ، لِأَنَّهَا فِي حِبَالَتِهِ وَفِرَاشِهِ، وَبِهَذَا قَطَعَ الْمُحَامِلِيُّ وَغَيْرُهُ مِنَ الْعِرَاقِيِّينَ. فَإِذَا ادَّعَى عَلَيْهَا، فَإِنْ أَقَرَّتْ بِالرَّجْعَةِ، لَمْ يُقْبَلْ إِقْرَارُهَا عَلَى الثَّانِي، بِخِلَافِ مَا لَوِ ادَّعَى عَلَى امْرَأَةٍ فِي حِبَالِ رَجُلٍ أَنَّهَا زَوْجَتُهُ، فَقَالَتْ: كُنْتُ زَوْجَتُكَ فَطَلَّقْتَنِي، فَإِنَّهُ يَكُونُ إِقْرَارًا لَهُ، وَتُجْعَلُ زَوْجَةً لَهُ، وَالْقَوْلُ قَوْلُهُ فِي أَنَّهُ لَمْ يُطَلِّقْهَا، لِأَنَّ هُنَاكَ لَمْ يَحْصُلِ الِاتِّفَاقُ عَلَى الطَّلَاقِ، وَهُنَا حَصَلَ، وَالْأَصْلُ عَدَمُ الرَّجْعَةِ، وَتَغْرَمُ الْمَرْأَةُ لِلْأَوَّلِ مَهْرَ مِثْلِهَا، لِأَنَّهَا فَوَّتَتِ الْبُضْعَ عَلَيْهِ بِالنِّكَاحِ الثَّانِي. وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ: لَا غُرْمَ عَلَيْهَا، كَمَا لَوْ قَتَلَتْ نَفْسَهَا أَوِ ارْتَدَّتْ، وَإِنْ أَنْكَرَتْ، فَهَلْ تَحْلِفُ؟ فِيهِ خِلَافٌ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّهَا لَوْ أَقَرَّتْ هَلْ تَغْرَمُ؟ إِنْ قُلْنَا: لَا، فَإِقْرَارُهَا بِالرَّجْعَةِ غَيْرُ مَقْبُولٍ وَلَا مُؤَثِّرٌ فِي الْغُرْمِ، فَلَا تَحْلِفُ، وَالْأَصَحُّ التَّحْلِيفُ، فَإِنْ حَلَفَتْ، سَقَطَتْ دَعْوَاهُ، وَإِنْ نَكَلَتْ، حَلَفَ وَغَرَّمَهَا مَهْرَ الْمِثْلِ، وَلَا يُحْكَمُ بِبُطْلَانِ نِكَاحِ الثَّانِي وَإِنْ جَعَلْنَا الْيَمِينَ الْمَرْدُودَةَ كَالْبَيِّنَةِ عَلَى قَوْلٍ، لِأَنَّهَا لَا تَكُونُ كَالْبَيِّنَةِ فِي حَقِّ الْمُتَدَاعِيَيْنِ.
وَحَكَى الْإِمَامُ وَجْهًا أَنَّهُ يُحْكَمُ بِبُطْلَانِ نِكَاحِ الثَّانِي إِذَا قُلْنَا: كَالْبَيِّنَةِ، وَإِذَا قَبِلْنَا الدَّعْوَى عَلَى الزَّوْجِ الثَّانِي، نُظِرَ، إِنْ بَدَأَ بِالدَّعْوَى عَلَى الزَّوْجَةِ، فَالْحُكْمُ كَمَا سَبَقَ، لَكِنْ إِذَا انْقَضَتْ خُصُومَتُهُمَا، بَقِيَتْ دَعْوَاهُ عَلَى الثَّانِي، وَإِنْ بَدَأَ بِالدَّعْوَى عَلَى الثَّانِي، فَإِنْ أَنْكَرَ، صُدِّقَ بِيَمِينِهِ، وَإِنْ نَكَلَ، رُدَّتِ الْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعِي، فَإِنْ حَلَفَ، حُكِمَ بِارْتِفَاعِ نِكَاحِ الثَّانِي، وَلَا تَصِيرُ

(8/225)


الْمَرْأَةُ لِلْأَوَّلِ بِيَمِينِهِ، ثُمَّ إِنْ قُلْنَا: الْيَمِينُ الْمَرْدُودَةُ كَالْبَيِّنَةِ، فَكَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الثَّانِي نِكَاحٌ، وَلَا شَيْءَ لَهَا عَلَيْهِ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ دَخَلَ بِهَا، فَعَلَيْهِ مَهْرُ الْمِثْلِ، وَإِنْ قُلْنَا: كَالْإِقْرَارِ، فَإِقْرَارُهُ عَلَيْهَا غَيْرُ مَقْبُولٍ، فَلَهَا عَلَيْهِ كَمَالِ الْمُسَمَّى إِنْ كَانَ بَعْدَ الدُّخُولِ، وَنِصْفُهُ إِنْ كَانَ قَبْلَهُ. قَالَ الْبَغَوِيُّ: وَالصَّحِيحُ عِنْدِي، أَنَّهَا وَإِنْ جُعِلَتْ كَالْبَيِّنَةِ لَا تُؤَثِّرُ فِي سُقُوطِ حَقِّهَا مِنَ الْمُسَمَّى، بَلْ يَخْتَصُّ أَثَرُ الْيَمِينِ الْمَرْدُودَةِ بِالْمُتَدَاعِيَيْنِ، فَإِذَا انْقَضَتِ الْخُصُومَةُ بَيْنَهُمَا، فَلَهُ الدَّعْوَى عَلَى الْمَرْأَةِ، ثُمَّ يُنْظَرُ، فَإِنْ بَقِيَ النِّكَاحُ الثَّانِي، بِأَنْ حَلَفَ، فَالْحُكْمُ كَمَا ذَكَرْنَا فِيمَا إِذَا بَدَأَ بِهَا، وَإِنْ لَمْ يَبْقَ، بِأَنْ أَقَرَّ الثَّانِي لِلْأَوَّلِ بِالرَّجْعَةِ، أَوْ نَكَلَ وَحَلَفَ الْأَوَّلُ، فَإِنْ أَقَرَّتِ الْمَرْأَةُ سُلِّمَتْ إِلَيْهِ، وَإِلَّا فَهِيَ الْمُصَدَّقَةُ بِالْيَمِينِ، فَإِنْ نَكَلَتْ فَحَلَفَ الْأَوَّلُ، سُلِّمَتْ إِلَيْهِ، وَلَهَا عَلَى الثَّانِي مَهْرُ الْمِثْلِ إِنْ جَرَى دُخُولٌ، وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، كَمَا لَوْ أَقَرَّتْ بِالرَّجْعَةِ، وَكُلُّ مَوْضِعٍ قُلْنَا: لَا تُسَلَّمُ إِلَى الْأَوَّلِ، لِحَقِّ الثَّانِي، وَذَلِكَ عِنْدَ إِقْرَارِهَا، أَوْ نُكُولِهَا، وَيَمِينِ الْأَوَّلِ، فَإِذَا زَالَ حَقُّ الثَّانِي بِمَوْتٍ وَغَيْرِهِ، سُلِّمَتْ إِلَى الْأَوَّلِ، كَمَا لَوْ أَقَرَّ بِحُرِّيَّةِ عَبْدٍ فِي يَدِ غَيْرِهِ، ثُمَّ اشْتَرَاهُ، حُكِمَ عَلَيْهِ بِحُرِّيَّتِهِ.
فَرْعٌ
إِذَا أَنْكَرَتِ الرَّجْعَةَ، وَاقْتَضَى الْحَالُ تَصْدِيقَهَا، ثُمَّ رَجَعَتْ، صَدَقَتْ فِي الرُّجُوعِ، وَقُبِلَ إِقْرَارُهَا، نَصَّ عَلَيْهِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ أَقَرَّتْ أَنَّهَا بِنْتُ زَيْدٍ مِنَ النَّسَبِ، أَوِ الرَّضَاعِ، ثُمَّ رَجَعَتْ وَكَذَّبَتْ نَفْسَهَا، لَا يُقْبَلُ رُجُوعُهَا، وَلَوْ زُوِّجَتْ وَهِيَ مِمَّنْ يُعْتَبَرُ رِضَاهَا، فَقَالَتْ: لَمْ أَرْضَ بِعَقْدِ النِّكَاحِ، ثُمَّ رَجَعَتْ فَقَالَتْ: رَضِيتُ وَكُنْتُ نَسِيتُهُ، فَهَلْ يُقْبَلُ رُجُوعُهَا أَمْ لَا وَلَا تَحِلُّ إِلَّا بِعَقْدٍ جَدِيدٍ؟ وَجْهَانِ: الْمَنْصُوصُ الثَّانِي، نَقَلَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ، وَرَجَّحَ الْغَزَالِيُّ الْأَوَّلَ.

(8/226)


فَرْعٌ
طَلَّقَهَا طَلْقَةً أَوْ طَلْقَتَيْنِ، وَقَالَ: طَلَّقْتُهَا بَعْدَ الدُّخُولِ، فَلِيَ الرَّجْعَةُ، فَأَنْكَرَتِ الدُّخُولَ، فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا بِيَمِينِهَا. فَإِذَا حَلَفَتْ، فَلَا رَجْعَةَ، وَلَا سُكْنَى، وَلَا نَفَقَةَ، وَلَا عِدَّةَ، وَلَهَا أَنْ تَتَزَوَّجَ فِي الْحَالِ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَنْكِحَ أُخْتَهَا، وَلَا أَرْبَعًا سِوَاهَا، حَتَّى يَمْضِيَ زَمَنُ عِدَّتِهَا، ثُمَّ هُوَ مُقِرٌّ لَهَا بِكَمَالِ الْمَهْرِ، وَهِيَ لَا تَدَّعِي إِلَّا نِصْفَهُ، فَإِنْ كَانَتْ قَبَضَتِ الْجَمِيعَ، فَلَيْسَ لَهُ مُطَالَبَتُهَا بِشَيْءٍ، وَإِنْ لَمْ تَقْبِضْهُ، فَلَيْسَ لَهَا إِلَّا أَخْذُ النِّصْفِ، فَإِذَا أَخَذَتْهُ ثُمَّ عَادَتْ وَاعْتَرَفَتْ بِالدُّخُولِ، فَهَلْ لَهَا أَخْذُ النِّصْفِ الْآخَرِ، أَمْ لَا بُدَّ مِنْ إِقْرَارٍ مُسْتَأْنَفٍ مِنَ الزَّوْجِ؟ فِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا إِبْرَاهِيمُ الْمَرُّوذِيُّ. وَفِي شَرْحِ الْمِفْتَاحِ لِأَبِي مَنْصُورٍ الْبَغْدَادِيِّ: أَنَّهُ لَوْ كَانَتْ قَبَضَتِ الْمَهْرَ وَهُوَ عَيْنٌ، وَامْتَنَعَ الزَّوْجُ مِنْ قَبُولِ النِّصْفِ، فَيُقَالُ لَهُ: إِمَّا أَنْ تَقْبَلَ النِّصْفَ، وَإِمَّا أَنْ تُبْرِئَهَا مِنْهُ.
وَلَوْ كَانَتِ الْعَيْنُ الْمُصَدَّقَةُ فِي يَدِهِ، وَامْتَنَعَتْ مِنْ أَخْذِ الْجَمِيعِ، أَخَذَهُ الْحَاكِمُ، وَإِنْ كَانَ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ، قَالَ لَهَا: إِمَّا أَنْ تُبْرِئِيهِ، وَإِمَّا أَنْ تَقْبَلِيهِ.
فَرْعٌ
ادَّعَتِ الدُّخُولَ، فَأَنْكَرَ، فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ، فَإِذَا حَلَفَ، فَلَا رَجْعَةَ وَلَا نَفَقَةَ، وَلَا سُكْنَى، وَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ، فَإِنْ كَذَّبَتْ نَفْسَهَا، لَمْ تَسْقُطِ الْعِدَّةُ، وَسَوَاءٌ اخْتَلَفَا فِي الدُّخُولِ قَبْلَ الْخَلْوَةِ أَمْ بَعْدَهَا عَلَى الْمَشْهُورِ، وَحَكَيْنَا فِي آخِرِ فَصْلِ التَّعْيِينِ قَوْلًا أَنَّ الْخَلْوَةَ تُرَجِّحُ جَانِبَ مُدَّعِي الدُّخُولِ، فَيَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَهُ بِيَمِينِهِ.

(8/227)


فَرْعٌ
نَصَّ فِي «الْأُمِّ» أَنَّهُ لَوْ قَالَ: أَخْبَرَتْنِي بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ، ثُمَّ رَاجَعَهَا مُكَذِّبًا لَهَا، ثُمَّ قَالَتْ: مَا كَانَتْ عِدَّتِي انْقَضَتْ وَكَذَّبَتْ نَفْسَهَا، فَالرَّجْعَةُ صَحِيحَةٌ، لِأَنَّهُ لَمْ يُقِرَّ بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ بَلْ حَكَى عَنْهَا.
فَرْعٌ
قَالَ الْمُتَوَلِّي: لَوْ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ الْأَمَةَ، وَاخْتَلَفَا فِي الرَّجْعَةِ، فَحَيْثُ قُلْنَا: الْقَوْلُ قَوْلُهُ إِذَا كَانَتْ حُرَّةً، فَكَذَا هُنَا، وَحَيْثُ قُلْنَا: قَوْلُ الزَّوْجَةِ، فَهُنَا الْقَوْلُ قَوْلُ السَّيِّدِ، وَقَالَ الْبَغَوِيُّ: الْقَوْلُ قَوْلُهَا، وَلَا أَثَرَ لِقَوْلِ السَّيِّدِ.
قُلْتُ: وَاخْتَارَ الشَّاشِيُّ مَا ذَكَرَهُ الْمُتَوَلِّي، وَهُوَ قَوِيٌّ. - وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

(8/228)

عن الكاتب

Tanya Ustadz

التعليقات


جميع الحقوق محفوظة

الكتب الإسلامية