الكتب الإسلامية

مجموعة الكتب والمقالات الإسلاية والفقه علي المذاهب الأربعة

recent

آخر الأخبار

recent
جاري التحميل ...

مسائل ولد الزنى و تعدد الزوجات وفوائد التعدّده

مسائل ولد الزنى و تعدد الزوجات وفوائد التعدّده

الفهرس


ـ المسألة الخامسة: ولد الزنى؛

الذي يولَد سفاحاً من غير نكاح شرعي .. هل يجوز أن يُنسَب إلى أبيه .. وكيف يتم التعامل معه؟
الجواب: الحمد لله رب العالمين. بحكم الإباحية التي فشت في الأمصار .. والتي تحميها القوانين والأنظمة الوضعية .. يقيم كثير من الشباب ـ في مرحلة من مراحل جاهليتهم ـ علاقات بالحرام مع بعض النساء .. خارج إطار الحياة الزوجية .. فيأتيهم منهن أولاداً سفاحاً بالحرام .. ثم بعد ذلك تظهر عليه علائم التوبة والأوبة .. "فتذهب السَّكرة وتأتي الفكرَة " .. فيريد أن يستأنف حياته مع الطرف الآخر بالحلال .. لكن المشكلة أنه وجد بينهما أولاد بالحرام .. فهؤلاء لمن ينسبون .. وما هي حقوقهم.
أقول: لا يُنسَبون للرجل .. فلا هو أبوهم ولا هم أبناؤه .. لا يرثهم ولا يرثونه .. وإنما يُنسبون لأمهم بحكم الحمل والإرضاع، كما في الحديث:" الولد للفراش، واللعاهر الحجَرُ " متفق عليه.

وعن عبد الله بن عمرو، قال: قام رجل فقال: يا رسولَ الله، إن فلاناً ابني، عاهرتُ بأمه في الجاهلية، فقال رسول الله :" لا دعوةَ في الإسلام، ذهب أمر الجاهلية، الولدُ للفراش، واللعاهِرِ الحَجَر "[ ]. وقوله "الولد للفراش "؛ أي يلحق الولد بأمه بحكم الحمل والإرضاع .. وبمن كانت فراشاً له إن كانت ذات زوج.
وقوله :" واللعاهِرِ الحَجَر "؛ قال ابن حجر في الفتح 12/37: أي للزاني الخيبة والحرمان؛ ومعنى الخيبة هنا حرمان الولد الذي يدعيه، وجرت عادة العرب أن تقول لمن خاب:" له الحجَر وبفِيه الحجَر والتراب "ا- هـ.
وقد قضى رسولُ الله  أن الولد إن جاء من أمَةٍ لا يملكها الرجل، أو من حُرّة عاهرَ بها، فإنه لا يلحق به ولا يرثه، وهو ولد زنية[ ].

وهذا لا يعني أن يُعامل المولود بسوء .. فهو بريء ليس عليه شيء .. فلا ينبغي ولا يجوز أن يجتمع عليه شران: شرٌّ بسبب ولادته من غير أب شرعي .. وشر أن يُعامل معاملة سيئة ويُؤخذ بما لم تجني يداه، والله تعالى يقول: وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى الأنعام:164.
وقال :" لا يُؤخَذ الرجلُ بجناية أبيه، ولا جناية أخيه "[ ]. وفي رواية:" لا يُؤخَذ الرجلُ بجريرة أبيه، ولا بجريرةِ أخيه ".
والواجب في هذه الحالة أن يُعامَل معاملة حسنة .. وأن يُحسَن إليه .. ويُعوَّض ما افتقده بسبب السفاح الذي وقع به الرجل والمرأة .. ولا يلزم بالضرورة إعلامه بأنه جاء من سفاح وزنى .. إن كان ذلك يزيده ألماً وحزناً وقلقاً .. ويُراكم عليه المشاكل .. ويجعله منبوذاً بين أقرانه وفي المجتمع الذي يعيش فيه .. لكن لا يرث الرجلَ كبقية إخوانه ممن جاؤا عن طريق الحلال .. وإنما يرث أمّه كما مرَّ معنا في مسألة الملاعنة، والله تعالى أعلم.


ـ المسألة السادسة: إذا طلَب الوالدان أو أحدهما من الولد طلاق زوجته:

ماذا يفعل ..؟
الجواب: الحمد لله رب العالمين. هذه مسألة كثيرة الوقوع والحصول .. وبالتالي لا بد من الإجابة عنها، حيث كثيراً من الأحيان يوضع الرجل بين خيارين: والداه أو زوجته .. وكلاهما هامان في حياته وحياة أسرته .. فيتشتت عليه قلبه وتفكيره وهمه .. فيحتار ويضطرب عليه الاختيار .. ومن كان كذلك بماذا يُجَاب؟
أقول: للإجابة عن هذه المسألة يجب أن يُنظَر في ثلاثة أمور:
أولها: دين وصلاح الأبوين .. هل هما من أهل التدين والصلاح والعدل .. أم أنهما غير ذلك ممن لا يُعيرون للدين والتدين قيمة ولا حرمة.

ثانيها: الأسباب التي حملت الأبوين أو أحدهما على مطالبة الولد بطلاق زوجته .. هل هي أساب مستساغة شرعاً وعقلاً، كأن تكون الزوجة لا تراعي في نفسها وزوجها حدود الله تعالى .. أم لأن الزوجة متدينة ومتحجبة وذات خلق ودين .. والأبوان لا يروق لهما امرأة لابنهما بهذه الأوصاف .. فيطالبان ولديهما بطلاقها من أجل ذلك.

ثالثها: الآثار والأضرار المترتبة على الإصغاء للأبوين وتنفيذ طلبهما .. سواء كانت الأضرار على الرجل أو على زوجته، أو على أبنائهما .. أو عليهم كلهم بمجموعهم .. هل هي محتملة ومقدور عليها أم لا .. ويُستساغ التضحية بها شرعاًً من أجل الوالدين ورضاهما .. أم لا؟
على ضوء هذه الأوجه الثلاثة مجتمعة تتحدد الإجابة .. وعليه فأقول: إن كان الأبوان من أهل التدين والصلاح والعدل .. وكانت مبررات طلبهم مشروعة ومعقولة .. تتضمن الغضب لحرمات الله تعالى .. ومصلحة ولدهما .. ثم كانت الأضرار الناجمة عن الطلاق محتملة ومقدوراً عليها .. ففي هذه الحالة: يجب على الولد أن يستجيب لأبويه .. وبخاصة إن علم أن رضاهما موقوفاً على طاعتهما فيما طلباه منه، لأن طاعتهما في المعروف ـ وفيما ليس فيه معصية ـ واجبة، قال تعالى: وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيماً الإسراء:23.
وفي الحديث فقد صحَّ عن النبي  أنه قال:" رِضا الرب في رِضا الوالدين، وسُخْطهُ في سُخْطِهما "[ ].
عن ابن عمر، قال: كانت تحتي امرأة وكنت أُحِبُّها، وكان عمر يكرَهُها، فقال لي: طلقها، فأبيت، فأتى عمرُ  النبيَّ ، فذكرَ ذلك له، فقال النبي :" طلِّقها "[ ].

وعن أبي الدرداء، أن رجلاً أتاه فقال: إن لي امرأةً وإن أمي تأمُرني بطلاقها؟ فقال سمعتُ رسولَ الله  يقول:" الوالِدُ أوسَطُ أبوابِ الجنة "، فإن شئتَ فأضعْ ذلك الباب أو احفظه[ ]. وفي رواية: سمعتُ رسولَ الله  يقول:" الوالدُ أوسَطُ أبواب الجنة، فحافظ على والديك أو اترُك "[ ]. لكن بتركهما تفقد أوسط أبواب الجنة.

أما إن كان الأبوان على العكس؛ كانا ممن لا يُعيرون للدين والتدين قيمة ولا حرمة ولا احتراماً .. وهما يطالبان ولديهما بطلاق امرأته من أجل دينها وحجابها وحسن خلقها والتزامها .. ولأنهما لا يحبان لابنهما امرأة بهذه الأوصاف .. فحينئذٍ لا يجوز للولد طاعة والديهما في طلاق امرأته؛ لأن طاعتهما في هذه الحالة مؤداه يقيناً للوقوع في الظلم والبغي والعدوان والإثم .. وهذا لا يجوز، كما قال تعالى: وَإِن جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا العنكبوت:8. وقال تعالى: وَإِن جَاهَدَاكَ عَلى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً لقمان:15.
وفي الحديث فقد صح عن النبي  أنه قال:" لا طاعة في معصية الله، إنما الطاعة في المعروف " متفق عليه. وقال :" لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ".


ـ المسألة السَّابعة: مسألة تعدد الزوجات:

تعدد الرجل لزوجاته بحيث لا يتجاوز تعدادهن الأربع حق لا مرية فيه، دلت عليه نصوص الكتاب والسنة، لا ينكره ولا يجحده، ولا يبغضه أو يكرهه، ولا يتهكم به ويسخر منه إلا كافر مرتد، قال تعالى: فَذَرْنِي وَمَن يُكَذِّبُ بِهَذَا الْحَدِيثِ ؛ أي بالقرآن وكل ما ورد فيه من آيات وأحكام  سَنَسْتَدْرِجُهُم مِّنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ القلم:44. وقال تعالى: وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ الأنعام:1. وقال تعالى: فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الْمُجْرِمُونَ يونس:17. ومن التكذيب بآيات الله التكذيب بالآيات التي تنص على جواز التعدد للرجل لو شاء، واستطاع أن يحقق شروط التعدد.
وقال تعالى: ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ محمد:9. ومِن كُره ما أنزل الله تعالى، كره الآيات التي تنص على تعدد الزوجات؛ لأنه مما أنزل الله تعالى في كتابه.

وقال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ . ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ محمد:25-26. فإذا كانت طاعة الذين كرهوا ما أنزل الله فيما كرهوا مما أنزل الله مؤداه إلى الكفر والارتداد عن الدين فما قولكم في الذين كرهوا ما أنزل الله .. لا شك أنهم أولى بالكفر والارتداد.
وقال تعالى: قُلْ أَبِاللّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ . لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ التوبة:65-66. ومن الاستهزاء بآيات الله تعالى الاستهزاء بالآيات الدالة على جواز تعدد الزوجات.
قال تعالى: فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ النساء:3.
وفي الحديث عن وهب الأسدي، قال: أسلمتُ وعندي ثمان نسوةٍ، فذكرتُ ذلك للنبي ، فقال :" اختَر منهنّ أربعاً "[ ].
وقد تحقق إجماع العلماء على أن الرجل لا يجوز له أن يعدد أكثر من أربعٍ.


ـ شرطه: للتعدد شرطان:

أولهما: امتلاك الباءة والقدرة على التعدد، ومن الباءة القدرة على النفقة، والمعاشرة الزوجية، لقوله :" يا معشر الشّباب من استطاع منكم الباءة فليتزوّج؛ فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنَّه له وِجاء " متفق عليه. فالتوجيه لمن لا يستطيع الزواج من واحدة بأن يصوم ولا يقتحم مسؤوليات الزواج من غير باءة ولا استطاعة .. هذا فيمن يريد أن يتزوج من واحدة .. فكيف بمن يريد التعدد بأكثر من واحدة فمن باب أولى أن لا يقتحم غماره إن كان لا يستطيع ولا يملك الباءة .. فالتعدد تكاليف ومسؤوليات ـ وليس مجرد نكاح وقفز ـ كغيرها من التكاليف والمسؤوليات التي يُشترط لها الاستطاعة، كما قال تعالى: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ التغابن:16. وقال تعالى: لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا البقرة:286. فمن كان غير قادر فهو غير ملزم ولا مُكلف شرعاً بأن يكلف نفسه أو يُلزمها بما لا طاقة لها به.

ثانياً: العدل بين الزوجات في النفقة والمبيت، فإن كان لا يقدر الرجل على العدل بين زوجاته في النفقة والمبيت .. لا يجوز له التعدد؛ لأنه لو عدد وهو بهذا الوصف سيقع في الظلم والتقصير ولا بد، وهذا لا يجوز، فالتعدد مباح ورخصة، وبالتالي لا يجوز التفريط بالفرض، والوقوع في المحظور والحرام من أجل العمل بمباح، كما قال تعالى: فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُواْ النساء:3. أي ألا تقعوا في الظلم والجور.

قال السعدي في التفسير: فإنما يُباح له ذلك إذا أمِنَ على نفسه الجور والظلم، ووثق بالقيام بحقوقهن، فإن خاف شيئاً من هذا فليقتصر على واحدة ... وفي هذا إن تعرض العبد للأمر الذي يخاف منه الجور والظلم، وعدم القيام بالواجب ـ ولو كان مباحاً ـ أنه لا ينبغي له أن يتعرض له، بل يلزم السعة والعافية، فإن العافية خير ما أُعطي العبد ا- هـ.
وفي الحديث، فقد صح عن النبي  أنه قال:" إذا كانت عند الرجل امرأتان، فلم يعدِل بينهما جاء يومَ القيامة وشِقّه ساقِط "[ ].
ولا يُشترَط في العدل، العدل في الميل أو الحب القلبي؛ لأن هذا النوع من القسمة لا سلطان للمرء عليه، كما قال تعالى: وَلَن تَسْتَطِيعُواْ أَن تَعْدِلُواْ بَيْنَ النِّسَاء وَلَوْ حَرَصْتُمْ النساء:129. أي مهما حرصتم على العدل فإنكم لا تستطيعون أن تعدلوا بينهن في الميل أو الحب القلبي لأنه لا سلطان لكم عليه .. وبالتالي لو مال قلب الرجل إلى زوجة أكثر من أخرى فلا يُؤاخَذ عليه .. وإنما يُؤاخذ كل المؤاخذة .. إن توسع في الميل والحب للفاضلة على حساب حقوق المفضولة .. فيحمله حبه للفاضلة على هجر المفضولة فيجعلها كالمعلقة؛ لا هي زوجة يُعاشرها معاشرة الأزواج .. يعرف لها حقوقها .. ولا هي مطلّقة عسى الله أن يُغنيها من فضله، فهذا لا يجوز، لقوله تعالى: فَلاَ تَمِيلُواْ كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ النساء:129.

كما لا يجوز للمرأة أن تحرّض زوجها ـ إن كان زوجها من ذوي التعدد ـ أو تُغري به على أن يُطلّق غيرها من الزوجات .. لتنفرد به، وتأخذ حصصهن وحقوقهن لنفسها، كما في الحديث، فقد صح عن النبي  أنه قال:" لا تسأل المرأةُ طلاقَ أختِها لِتُكْفِئ ما في إنائها "[ ]. وإنما ينبغي أن يُعِينوا الزوج على تحقيق العدل فيما بينهن .. فتحرص كل واحدة منهن على حقوق أختها كما تحرص على حقوقها .. وتذكّر زوجها بحقوق أختها كما تُذكّره بحقوقها .. فيكنّ بذلك سبباً وعوناً للزوج على تحقيق العدل بينهن.


ـ سبب فشَل غالب حالات التعدّد في هذا الزمان:

على ضعف ظاهرة التعدد، وقلة الحالات التي يتم فيها التعدد .. إلا أن كثيراً من هذه الحالات ـ وللأسف ـ تبوء بالفشل .. وتنتهي بمشاكل لا تُحمَد عُقباها .. لماذا .. وما هي الأسباب؟
1- الأخطاء التي تأتي من جهة الرجال؛ حيث أن منهم من يقتحم غمار التعدد نزوة وشهوة .. من دون أن يملك الباءة الكافية للتعدد .. ومن دون أن يقدّر عواقب خطوته، ولا المصالح والمفاسد التي يمكن أن تحصل بسبب تعدده .. ثم يُراجِح بينها فيعمل ويأخذ بالخيار الذي تكمن وترجح فيه المصلحة .... ومنهم من يقتحم تجربة التعدد قبل أن يتفقه بما عليه من واجبات إضافية تفرضها عليه تجربة وحالة التعدد .. فيقع بسبب ذلك كله في الخطأ .. والظلم .. فيساهم بذلك في إعطاء صورة خاطئة عن التعدد من حيث يدري أو لا يدري.

2- المرأة التي يغلب عليها الشح والأنانية .. والغيرة الزائدة المذمومة .. فتحرص على ما لها وما ليس لها على حساب حقوق أختها .. ومنهن من تصطنع المشاكل لزوجها، ولا يهدأ لها بال ولا قرار حتى تحمل زوجها على طلاق زوجته أو زوجاته الأخريات .. لتغترف لنفسها ما في إنائهن .. فهي كذلك لا تساعد على نجاح ظاهرة التعدد .. وهي بذلك أيضاً تُساهم في إعطاء صورة خاطئة عن التعدد من حيث تدري أو لا تدري.
3- الدعاية المكثفة والمضادة للتعدد .. وإظهار التعدد على أنه جريمة اجتماعية وأخلاقية وإنسانية يجب أن تُزال وتُحارَب .. وهذه يتولى كبرها الطغاة المتنفذين ووسائل إعلامهم المتنوعة .. فشكلوا بذلك تياراً وثقافة لدى الناس والمجتمع تعادي وتُجافي وتستهجن ظاهرة التعدد .. مما ساهم في إعطاء صورة قاتمة ضد التعدد .. وساعد على فشل كثير من حالات التعدد.

فإن قيل: ما غرض الطغاة المتنفذين من محاربة التعدد .. وما هي الفائدة التي يجنونها لأنفسهم من وراء هذه المحاربة للتعدد؟
أقول: سياسة الطغاة المتنفذين تقوم على مبدأ تأخير زواج المرأة ما أمكنهم إلى ذلك سبيلاً .. وصد المرأة عن أن تجد لنفسها زوجاً .. وبيتاً للزوجية تأوي وتسكن إليه .. لأن تأخرها من غير زواج .. أو إبقائها من غير زوج .. والتقليل من سبل الزواج وتعسيرها .. هذا يعني ـ بالنسبة لهم ـ سهولة الإنفراد بالمرأة وتعريتها وإفسادها أخلاقياً .. وسهولة استغلالها جسدياً وجنسياً وأخلاقياً لصالح أنظمتهم وطريقة حكمهم الفاسدة أكبر قدر ووقت ممكنين .. فالمرأة ـ بعد ترويضها وإفسادها وتعريتها ـ هي وسيلتهم الأكبر في إفساد شباب الحاضر والمستقبل، وتخديرهم .. وإشغالهم ـ بجسدها .. وطريقة لباسها الكاشف الخالع .. وفتنتها .. وغنائها .. ورقصها ـ عن واقع حياتهم ومعاشهم .. وحقيقة الأنظمة الفاسدة الظالمة التي تحكمهم .. وحقيقة ما يُدار ضدهم وضد أمتهم .. وعن الإصغاء إلى نداء الحق والعقل .. والمرأة كلما كانت ذات زوج وأبناء وأسرة .. كلما فوّتت عليهم مثل هذا الاستغلال الخبيث .. وهذا أمر ملاحظ ومشاهد لا يَستدعي منا إلى مزيد بيان!

هذه هي بعض وأهم الأسباب التي تؤدي إلى ظاهرة فشل حالات التعدد التي نشهدها .. وبالتالي لا يجوز توجيه النقد، كما يفعل البعض ـ والعياذ بالله ـ إلى حكم التعدد كحكم شرعي أنزله الله تعالى، وشرَعه لعباده .. وإنما الواجب ـ في هذه الحالة ـ أن يُوجَّه النقد والعتاب لأنفسنا الأمارة بالسوء .. للأسباب الثلاثة الآنفة الذكر أعلاه ولعناصرها ..  قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ آل عمران:165. وقال تعالى: وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ الشورى:30.


ـ فوائد التعدّد والحكمة منه: فللتعدد فوائد عدة:

منها: يزيد من تحصين الرجل ويمنعه من أن يستشرف الحرام .. فالمرأة التي تمر في مرحلة الحيض .. ومن ثم الحمل .. ومن ثم الوضع والنفاس .. فهذا كله مما يقلل من قدراتها الجنسية .. ويمنع الزوج من الاقتراب منها في تلك الفترات الطويلة من حياتها .. فيعيش الرجل ـ بسبب ذلك ـ مشكلة جنسية حقيقية لا يجدها ولا يشعر بها إن كان من ذوي التعدد.
ومنها: أن التعدد سبب إضافي للتكاثر والتناسل .. وهو مقصد من مقاصد الشريعة قد حضت عليه، كما في الحديث، قال :" تزوجوا الولودَ الودود فإنّي مكاثر بكم الأمم "[ ]. وفي رواية:" فإني مكاثر بكم الأنبياء يوم القيامة ".
وقال :" تزوجوا فإني مكاثر بكم الأمم، ولا تكونوا كرهبانيَّة النَّصارى "[ ].

ومنها: قدَّر الله تعالى ـ كما هو معلوم ومشاهد في كثير من الأمصار، ولأسباب عدة ـ أن يكون عدد النساء أكثر من الرجال .. وإن من الأزمنة الآتية ما يكون فيه مقابل كل أربعين امرأة رجلاً واحداً، كما في الحديث، فقد صح عن النبي  أنه قال:" ليأتينَّ على الناس زمان يُرى الرجل الواحد يتبعه أربعون امرأة يَلِذْنَ به من قِلَّةِ الرجال وكثرة النساء " متفق عليه.
هذا زمان آتٍ ولا بد .. وكثير من الأمصار التي تعيش حالة حروب وقتال في هذا الزمان .. يقل فيها عدد الرجال والشباب كثيراً قياساً لعدد النساء .. وبعضها اقترب من الرقم الوارد في الحديث أعلاه أو يكاد .. لأن الرجال والشباب ـ كما هو معلوم ـ مادة الحروب والقتال .. وهم ضحاياه أكثر من غيرهم .. هذه مشكلة نعايشها ونكابدها وتفرض نفسها على المجتمعات وعلى علماء التربية والاجتماع والنفس .. لا يمكن تجاهلها .. أو عدم الاكتراث بها .. فالحاجة الجنسية .. كحاجة الإنسان إلى الطعام والشراب .. لا يمكن التغاضي عنها .. وبالتالي كيف تُحَل وتُعالج مشكلة العدد الزائد من النساء؟
أقول: يوجد لها حلان لا ثالث لهما:
أولهما: عن طريق تعدد الزوجات كما شرع ذلك الإسلام، بشروطه التي تقدم الحديث عنها .. ونعم الخيار هذا الخيار.

ثانيهما: عن طريق الزنى، والخيانات الزوجية، والتّسافد في الشوارع وثنَايا الطرقات ـ تحت عناوين شتَّى ـ وهو خيار كل من يرفض خيار التعدد ويُعاديه .. وبئس الخيار هذا الخيار الذي به تعم الفوضى والإباحية الجنسية .. وتنهار الأسرة .. وتنهار معها القيم والأخلاق الحميدة .. وتعاليم الدين الحنيف!
وبالانتهاء من الجواب عن هذه المسألة ينتهي ـ بفضل الله تعالى ـ العمل بهذا الكتاب .. وكان ذلك بتاريخ 10/2/1431 هـ، الموافق 25/1/2010 م، فلله الحمد والمنة والفضل على توفيقه وإعانته لي على إتمامه وإنجازه .. راجياً منه تعالى أن يجعل من عملي هذا مفاتيح خير للناس، مغاليق شر .. وأن يتقبله مني .. إنه تعالى سميع قريب مجيب.
وصلى الله على محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
عبد المنعم مصطفى حليمة
" أبو بصير الطرطوسي "

الهامش

صحيح سنن أبي داود: 1990.
صحيح سنن أبي داود: 1982.
صحيح سنن النسائي: 3846.
روا الطبراني، صحيح الجامع: 3507.
رواه أبو داود، والترمذي، وقال: حديث حسن صحيح.
رواه الترمذي، وقال: حديث حسن صحيح.
صحيح سنن ابن ماجه: 1699.
صحيح سنن أبي داود: 1960.
صحيح سنن الترمذي: 912.
صحيح سنن الترمذي: 951.
صحيح سنن أبي داود: 1806.
أخرجه البيهقي وغيره، صحيح الجامع: 2941. قلت: هذا المطلب لا يتحقق لو عددت المرأة الأزواج والرجال ـ كما تُطالب بذلك بعض الفاسقات والفاجرات ـ فهي لو ضاجعت مئات الرجال .. لا يمكن أن تلد منهم في العام الواحد إلا مرة واحدة، ومولوداً واحداً .. لا يُعرَف نسبه ولا أصله ولا من هو أبوه .. هذا غير الأمراض التي تقع فيها .. بينما لو عدد الرجل أربع زوجات فهو ـ إن شاء الله ـ يأتيه منهن في العام الواحد أربعة أبناء يعرفون نسبهم وأصلهم وأباهم .. ثم هنَّ ـ أي الزوجات ـ لا يعرفن الأمراض التي تعرفها من ترضى لنفسها أن تكون فراشاً لعشرات أو بِضع من الرجال .. وهذه حكمة قلّ من يتنبه لها!


عن الكاتب

A. Fatih Syuhud

التعليقات


جميع الحقوق محفوظة

الكتب الإسلامية