الكتب الإسلامية

مجموعة الكتب والمقالات الإسلاية والفقه علي المذاهب الأربعة

recent

آخر الأخبار

recent
جاري التحميل ...

موقف المعتزلة من شفاعة النبي محمد رسول الله

 موقف المعتزلة من شفاعة النبي محمد رسول الله

اسم المقالة / الكتاب: موقف المعتزلة من شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم عرض ونقد
المؤلف: الدكتور صالح الرقب أستاذ مشارك- قسم العقيدة كلية أصول الدين- الجامعة الإسلامية
التصنيف: العقيدة

المحتويات

  1. المقدمة
  2. أهداف البحث
  3. منهج البحث
  4. معنى الشفاعة
  5. المبحث الأول: مذهب أهل السنة
  6. المبحث الثاني:مذهب المعتزلة في الشفاعة
  7. دلالة العقل على الشفاعة


المقدمة

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
إنّ الحمد لله، نحمده ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أنّ لا إله إلا الله، وأشهد أنّ محمد عبده ورسوله.


أهداف البحث:

1- بيان عقيدة أهل السنة في عقيدة الشفاعة.
2- إثبات شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم لأهل المعاصي من الموحدين.
3- إبطال موقف المعتزلة من إنكارهم شفاعة للنبي صلى الله عليه وسلم لأهل المعاصي من الموحدين
4- بيان حكمة ثبوت الشفاعة يوم القيامة وشروط استحقاقها.


منهج البحث:

اعتمد الباحث المنهج الوصفي والتحليلي، وذلك بجمع المعلومات من مصادرها، ومحاولة تحليلها للوصول إلى النتائج المرجوة.


خطة البحث:

قد جعلت هذا البحث في مقدمة وثلاثة مباحث، وكل مبحث يتكون من عدة مطالب، فالمقدمة:تتكون من:أهداف البحث،ومنهجه،وخطة البحث،وبيان معنى الشفاعة لغة واصطلاحا. وأما المباحث:فالمبحث الأول: مذهب أهل السنة في شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم لأهل المعاصي من الموحدين، ويتكون من عدة مطالب، فالمطلب الأول: أقوال أئمة أهل السنة، والمطلب الثاني:ثبوت شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم بالقرآن الكريم، والمطلب الثالث:ثبوت الشفاعة بالحديث الشريف. وأما المبحث الثاني:رأي المعتزلة في الشفاعة، ويتكون من عدة مطالب،فالمطلب الأول:أقوال المعتزلة في ذلك،والمطلب الثاني:أدلة المعتزلة ومناقشتهم في ذلك، المبحث الثالث:حكمة ثبوت الشفاعة يوم القيامة وشروط استحقاقها ويتكون من مطلبين. فالمطلب الأول: حكمة ثبوت الشفاعة يوم القيامة، والمطلب الثاني:شروط استحقاقها.

اتفق المسلمون على أن النبي صلى الله عليه وسلم هو الشافع المشفَّع يوم القيامة، وأن الشفاعة ثابتة له صلى الله عليه وسلم، ولغيره من الأنبياء والشهداء بالكتاب والسنة. واتفق أهل السنة والجماعة على إثبات شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم في أصحاب الكبائر من المسلمين الذين ماتوا ولم يتوبوا من ذنوبهم، بينما أنكرها المعتزلة،وقالت:إن الشفاعة المذكورة في الكتاب والسنة ليست سوى رفع الدرجات وزيادة ثواب المشفوع فيهم من المؤمنين، أما أصحاب الكبائر فهم كفار في نار جهنم خالدون فيها أبدا، واستدلوا على ذلك بأدلة سنعرض لها إن شاء الله تعالى بالنقد والتمحيص.


معنى الشفاعة:

1- الشفاعة لغة: الشفاعة لغة مأخوذة من الشفغ الذي هو ضد الوتر. وهو جعل الفرد زوجاً يقال كان وتراَ فَشَفَعهُ من باب قطع، وتسمى الركعتين شفعاً؛ والشفاعة الدُّعاءُ والشَّفاعةُ كلام الشَّفِيعِ لِلْمَلِكِ في حاجة يسأَلُها لغيره، وشَفَعَ إِليه في معنى طَلَبَ إِليه، والشَّافِعُ الطالب لغيره يَتَشَفَّعُ به إِلى المطلوب يقال تَشَفَّعْتُ بفلان إِلى فلان فَشَفّعَني فيه.( ) وجاء في تاج العروس:"الشَّفاعَة هي:كلامُ الشَّفيع للمَلِكِ في حاجةٍ يسألُها لغيرِه. وَشَفَع إليه : في معنى طَلَبَ إليه . وقال الراغب: الشَّفْع :ضَمُّ الشيءِ إلى مِثلِه والشّفاعَة : الانضِمامُ إلى آخَرَ ناصراً له وسائلاً عنه وأكثرُ ما يُستعمَلُ في انضِمامِ مَن هو أعلى مَرْتَبةً إلى من هو أدنى ومنه الشَّفاعَةُ في القيامة. وقال غيرُه :الشَّفاعَة:التَّجاوُزُ عن الذُّنوبِ والجرائم".( )

2- الشفاعة اصطلاحا:هي سؤال الغير أن ينفع غيره، أو أن يدفع عنه مضره، ولا بد من شافع ومشفوع له، ومشفوع فيه، ومشفوع إليه.( ) أو هي:"السؤال في التجاوز عن الذنوب من الذي وقع الجناية في حقه".( ) أي هي التوسط في جلب الخير أو دفع الضر، فتكون الشفاعة دائرة على أمرين:جلب المنفعة ودفع البلاء. ( )


المبحث الأول: مذهب أهل السنة:


المطلب الأول: أقوال أئمة أهل السنة

إن أهل السنة والجماعة يثبتون الشفاعة بأنواعها الثمانية، ومنها الشفاعة لأهل الكبائر من أمة محمد صلى الله عليه وسلم، ويردون قول المعتزلة المنكرين لها. ( )
يقول الإمام أبو حنيفة:"شفاعة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام حق، وشفاعة نبينا صلى الله عليه وسلم للمؤمنين المذنبين، ولأهل الكبائر منهم المستوجبين للعقاب حق ثابت".( )
ويقول أبو الحسن الأشعري:"وقال أهل السنة والاستقامة بشفاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهل الكبائر من أمته...وقال أهل السنة والاستقامة أن الله يخرج أهل القبلة الموحدين من النار ولا يخلدهم فيها".( )
ويقول في موضع آخر:"إن الله عز وجل يخرج قوما من النار بعد أن امتحشوا بشفاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم تصديقا لما جاءت به الروايات عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. ( )

وذكر أبو الحسن الأشعري إجماع أهل السنة والجماعة على شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم لأهل الكبائر من أمته، وعلى أنه يشفع عند الله تعالى فيخرج قوم من أمته من النار بعدما صاروا حُمَما.( )
ويقول عبد الله بن أحمد بن قدامة المقدسي:"ويشفع نبينا محمد صلى الله عليه وسلم فيمن دخل النار من أمته من أهل الكبائر فيخرجون بشفاعته بعد ما احترقوا وصاروا فحما وحمما فيدخلون الجنة بشفاعته ولسائر الأنبياء والمؤمنين والملائكة شفاعات قال تعالى:(ولا يشفعون إلا لمن ارتضى وهم من خشيته مشفقون) ولا تنفع الكافر شفاعة الشافعين".( )
ويقول عضد الدين الإيجي:"أجمعت الأمة على أصل الشفاعة وهي عندنا-يقصد أهل السنة- لأهل الكبائر من الأمة لقوله صلى الله عليه وسلم:(شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي) ( )، ولقوله تعالى:(وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ) سورة محمد:19، أي ولذنب المؤمنين لدلالة القرينة وطلب المغفرة شفاعة".( )

وقال أبو عثمان الصابوني:"ويؤمن أهل الدين والسنة بشفاعة الرسول صلى الله عليه وسلم لمذنبي أهل التوحيد ومرتكبي الكبائر كما ورد به الخبر الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ودلَّ على ثبوت الشفاعة الكتاب والسنة والإجماع".( )
ويقول ابن تيمية:"ومذهب سلف الأمة وأئمتها وسائر أهل السنة والجماعة إثبات الشفاعة لأهل الكبائر، والقول بأنَّه يخرج من النار من في قلبه مثقال ذرة من إيمان".( )
ويقول في موضع آخر:"ومذهب الصحابة والتابعين..أنَّه صلى الله عليه وسلم يشفع في أهل الكبائر، وأنه لا يخلد في النار من أهل الإيمان أحد؛ بل يخرج من النَّار من في قلبه مثقال حبة من إيمان، أو مثقال ذرة من إيمان".( )
ويقول أبو العز الحنفي:"والمعتزلة والخوارج أنكروا شفاعة نبينا صلى الله عليه وسلم وغيره في أهل الكبائر، وأما أهل السنة والجماعة فيقرون بشفاعة نبينا ص صلى الله عليه وسلم في أهل الكبائر وشفاعة غيره، لكن لا يشفع أحد حتى يأذن الله له ويحد له حداً".( )


المطلب الثاني: ثبوت الشفاعة بالقرآن الكريم:

قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ:مَذْهَبُ أَهْلِ السَّنَةِ جَوَازُ الشَّفَاعَةِ عَقْلًا وَوُجُوبُهَا سَمْعًا بِصَرِيحِ قَوْلِهِ تَعَالَى:(يَوْمَئِذٍ لَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلًا). وَقَوْلُهُ تَعَالَى:(لَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنْ اِرْتَضَى) وَأَمْثَالُهُمَا.( )
وذكر فخر الدين الرازي عدة أدلة من القرآن الكريم في إثبات الشفاعة للنبي صلى الله عليه وسلم في إخراج عصاة الموحدين من النار، نورد بعضها هنا وبتصرف بسيط.( )

الدليل الأول: قوله الله سبحانه وتعالى:حكاية عن عيسى عليه السلام:(إِن تُعَذّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ العزيز الحكيم) سورة المائدة:118.

يقول فخر الدين الرازي:"احتج بعض الأصحاب بهذه الآية على شفاعة محمد صلى الله عليه وسلّم في حق الفساق قالوا: لأن قول عيسى عليه السلام (إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ) ليس في حق أهل الثواب، لأن التعذيب لا يليق بهم، وليس أيضاً في حق الكفار لأن قوله (وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) لا يليق بهم فدل على أن ذلك ليس إلا في حق الفساق من أهل الايمان ، وإذا ثبت شفاعة الفساق في حق عيسى عليه السلام ثبت في حق محمد صلى الله عليه وسلّم بطريق الأولى لأنه لا قائل بالفصل".( )

ووجه الاستدلال بهذه الآية أن هذه الشفاعة من نبي الله عيسى عليه السلام إما أن يقال إنها كانت في حق الكفار، أو في حق المسلم المطيع، أو في حق المسلم صاحب الصغيرة، أو المسلم صاحب الكبيرة بعد التوبة، أو المسلم صاحب الكبيرة قبل التوبة. والقسم الأول باطل، لأن قوله تعالى:(وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ العزيز الحكيم )المائدة:118، لا يليق بالكفار، والقسم الثاني والثالث والرابع باطل، لأن المسلم المطيع والمسلم صاحب الصغيرة والمسلم صاحب الكبيرة لا يجوز بعد التوبة تعذيبه عقلاً عند المعتزلة، وإذا كان كذلك لم يكن قوله:(إِن تُعَذّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ) لائقاً بهم. وإذا بطل ذلك لم يبق إلا أن يقال:إن هذه الشفاعة إنما وردت في حق المسلم صاحب الكبيرة قبل التوبة، وإذا صحَّ القول بهذه الشفاعة في حق نبي الله عيسى عليه السلام صح القول بها في حق نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ضرورة إذ لا فرق بينهما، فكلاهما نبي.( )

الدليل الثاني: قول الله تعالى حكاية عن إبراهيم عليه السلام:(فَمَن تَبِعَنِى فَإِنَّهُ مِنّى وَمَنْ عَصَانِى فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) سورة إبراهيم:36.
قوله تعالى:(وَمَنْ عَصَانِى فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) لا يجوز حمله على الكافر لأنه ليس أهلاً للمغفرة بالإجماع، ولا حمله على صاحب الصغيرة ولا على صاحب الكبيرة بعد التوبة، لأن غفرانه لهم واجب عقلاً عند المعتزلة فلا حاجة له إلى الشفاعة، فلم يبق إلا حمله على صاحب الكبيرة قبل التوبة.

ومما يؤكد دلالة الآيتين السابقتين على ثبوت الشفاعة للنبي عليه الصلاة والسلام ولأهل الكبائر من العصاة ما رواه عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَلَا قَوْلَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي إِبْرَاهِيمَ:(رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنْ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي) سورة : إبراهيم آية:36، وَقَالَ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام:(إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) سورة: المائدة آية: 118، فَرَفَعَ يَدَيْهِ وَقَالَ اللَّهُمَّ أُمَّتِي أُمَّتِي وَبَكَى فَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ يَا جِبْرِيلُ اذْهَبْ إِلَى مُحَمَّدٍ وَرَبُّكَ أَعْلَمُ فَسَلْهُ مَا يُبْكِيكَ فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَام فَسَأَلَهُ فَأَخْبَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا قَالَ وَهُوَ أَعْلَمُ فَقَالَ اللَّهُ يَا جِبْرِيلُ اذْهَبْ إِلَى مُحَمَّدٍ فَقُلْ إِنَّا سَنُرْضِيكَ فِي أُمَّتِكَ وَلَا نَسُوءُكَ".( )( )

الدليل الثالث: قول الله تعالى:(يَوْمَ نَحْشُرُ المتقين إِلَى الرحمن وَفْداً وَنَسُوقُ المجرمين إلى جَهَنَّمَ وِرْداً لاَّ يَمْلِكُونَ الشفاعة إِلاَّ مَنِ اتخذ عِندَ الرحمن عَهْداً) سورة مريم:85-87.

ليس في ظاهر الآية ما يدل على أن المجرمين لا يملكون الشفاعة لغيرهم أو أنهم لا يملكون شفاعة غيرهم لهم، لأن المصدر كما يجوز ويحسن إضافته إلى الفاعل يجوز ويحسن إضافته إلى المفعول، إلا أنا نقول حمل الآية على الوجه الثاني أولى، لأن حملها على الوجه الأول يجري مجرى إيضاح الواضحات، فإن كل أحد يعلم أن المجرمين الذين يساقون إلى جهنم ورداً لا يملكون الشفاعة لغيرهم ، فتعين حملها على الوجه الثاني. إذا ثبت هذا فنقول: الآية تدل على حصول الشفاعة لأهل الكبائر ، لأنه قال عقيبه :(إِلاَّ مَنِ اتخذ عِندَ الرحمن عَهْداً)، والتقدير أن المجرمين لا يستحقون أن يشفع لهم غيرهم إلا إذا كانوا اتخذوا عند الرحمن عهداً، فكل من اتخذ عند الرحمن عهداً وجب دخوله فيه، وصاحب الكبيرة اتخذ عند الرحمن عهداً وهو التوحيد والإسلام، فوجب أن يكون داخلاً تحته أقصى ما في الباب أن يقال:واليهودي اتخذ عند الرحمن عهداً وهو الإيمان بالله فوجب دخوله تحته لكنا نقول ترك العمل به في حقه لضرورة الإجماع فوجب أن يكون معمولاً به فيما وراءه.

الدليل الرابع: قول الله تعالى في صفة الملائكة:(وَلاَ يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنِ ارتضى) سورة الأنبياء:28.
يقول فخر الدين الرازي في الاستدلال بهذه الآية:"واعلم أن هذه الآية من أقوى الدلائل لنا في إثبات الشفاعة لأهل الكبائر:وتقريره هو أن من قال لا إله إلا الله فقد ارتضاه تعالى في ذلك، ومتى صدق عليه أنه ارتضاه الله تعالى في ذلك فقد صدق عليه أنه ارتضاه الله، لأن المركب متى صدق فقد صدق لا محالة كل واحد من أجزائه، وإذا ثبت أن الله قد ارتضاه وجب اندراجه تحت هذه الآية، فثبت بالتقرير الذي ذكرناه أن هذه الآية من أقوى الدلائل لنا".( )

ويقول فخر الدين الرازي في موضغ أخر:"وجه الاستدلال به أن صاحب الكبيرة مرتضى عند الله تعالى، وكل من كان مرتضى عند الله تعالى وجب أن يكون من أهل الشفاعة، إنما قلنا:إن صاحب الكبيرة مرتضى عند الله تعالى لأنه مرتضى عند الله بحسب إيمانه وتوحيده وكل من صدق عليه أنه مرتضى عند الله بحسب هذا الوصف يصدق عليه أنه مرتضى عند الله تعالى لأن المرتضى عند الله جزء من مفهوم قولنا:مرتضى عند الله بحسب إيمانه ، ومتى صدق المركب صدق المفرد، فثبت أن صاحب الكبيرة مرتضى عند الله، وإذا ثبت هذا وجب أن يكون من أهل الشفاعة لقوله تعالى:(وَلا يَشْفَعُونَ إِلا لِمَنِ ارْتَضَى) نفي الشفاعة إلا لمن كان مرتضى والاستثناء عن النفي إثبات، فوجب أن يكون المرتضى أهلاً لشفاعتهم، وإذا ثبت أن صاحب الكبيرة داخل في شفاعة الملائكة وجب دخوله في شفاعة الأنبياء وشفاعة محمد صلى الله عليه وسلّم ، ضرورة أنه لا قائل بالفرق".( )

الدليل الخامس:(وَإِذَا حُيّيتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا) سورة النساء:86.
لقد أمر الله تعالى كلَّ المسلمين بأنَّه إذا حياهم أحد بتحية أن يقابلوا تلك التحية بأحسن منها أو يردوها، ثم أمر المسلمين بتحية رسول صلى الله عليه وسلم حيث قال تعالى:(يا أيها الذين ءامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلّمُواْ تَسْلِيماً) الأحزاب:56، ومن المعلوم أنَّ الصلاة من الله تعالى رحمة، ولا شك أن هذا تحية، فلما طلبنا من الله الرحمة لرسول الله عليه الصلاة والسلام وجب بمقتضى قوله:(فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا)، أن يفعل رسول الله عليه الصلاة والسلام مثله وهو أن يطلب لكل المسلمين الرحمة من الله تعالى، وهذا هو معنى الشفاعة، ثم توافقنا على أن رسول الله عليه الصلاة والسلام غير مردود الدعاء، فوجب أن يقبل الله شفاعته في الكل وهو المطلوب.
الدليل السادس:قوله تعالى:(وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ جَاءوكَ فاستغفروا الله واستغفر لَهُمُ الرسول لَوَجَدُواْ الله تَوَّاباً رَّحِيماً) سورة النساء:64.

ليس في الآية الكريمة ذكر التوبة، والآية تدل على أن الرسول عليه الصلاة والسلام متى استغفر للعصاة والظالمين فإن الله تعالى يغفر لهم، وهذا يدل على أن شفاعة الرسول عليه الصلاة والسلام في حق أهل الكبائر مقبولة في الدنيا، فوجب أن تكون مقبولة في الآخرة، لأنه لا يقول قائل بوجود الفرق بين شفاعته في الدنيا وشفاعته في الآخرة.

الدليل السابع: (فَمَا تَنفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ) سورة المدثر:48.

لقد ذكر الله تعالى أوصاف الكافرين ثم أعقب بقوله:(فَمَا تَنفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ)،أي أن الكفار محرومون من الشفاعة، فدل هذا على أن الشفاعة تنفع غيرهم وهم المؤمنون، يقول ابن جرير الطبري في تفسيره للآية الكريمة:"يقول:فما يشفع لهم الذين شفعهم الله في أهل الذنوب من أهل التوحيد، فتنفعهم شفاعتهم، وفي هذه الآية دلالة واضحة على أن الله تعالى ذكره مشفع بعض خلقه في بعض".( ) وقال فخر الدين الرازي:"واحتج أصحابنا على ثبوت الشفاعة للفساق بمفهوم هذه الآية، وقالوا:إن تخصيص هؤلاء بأنهم لا تنفعهم شفاعة الشافعين يدل على أن غيرهم تنفعهم شفاعة الشافعين".( )


المطلب الثالث: ثبوت الشفاعة بالحديث الشريف:

يقول ابن الوزير اليماني:"وأحاديث الشفاعة المصرحة بخروج الموحدين من النار قاطعة في معناها بالإجماع، وهي قاطعة في ألفاظها..لورودها عن عشرين صحابيا أو تزيد في الصحاح والسنن والمسانيد، وأما شواهدها بغير لفظها فقاربت خمسمائة حديث".( ) وقال:أحاديث الشفاعة متواترة وفيها التصريح بدخول عصاة الموحدين النار ثم بخروجهم منها بالشفاعة.( )
يقول أبو الحسن الأشعري":إن الله عز وجل يخرج قوما من النار بعد أن امتحشوا بشفاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم تصديقا لما جاءت به الروايات عن رسول الله صلى الله عليه وسلم".( ) ويقول الجويني:إن الشفاعة شهدت لها السنة التي بلغت الاستفاضة، وهي مصرحة بالتشفيع في أهل الكبائر، وأن الأخبار المأثورة شاهدة بتعلق الشفاعة بأصحاب الكبائر. ( )
يقول ابن تيمية:"فقد تواترت الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم في أنه يخرج أقوام من النار بعدما دخلوها، وأن النبي صلى الله عليه وسلم يشفع في أقوام دخلوا النار، وهذه الأحاديث حجة على الوعيدية الذين يقولون: من دخلها من أهل التوحيد لم بخرج منها".( )

ويقول ابن تيمية في موضع آخر:"وقد ثبت بالنصوص المستفيضة عن النبي صلى الله عليه وسلم إخراج قوم من النار بعد ما امتحشوا، وثبت أيضا شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم لأهل الكبائر من العصاة، والآثار بذلك متواترة عند أهل العلم بالحديث أعظم من تواتر الآثار بنصاب السرقة ورجم الزاني المحصن ونصب الزكاة ووجوب الشفعة وميراث الجدة وأمثال ذلك".( )
ويقول يحيى بن أبى الخير اليمانى:"والأخبار في الشفاعة كثيرة وإن اختلفت ألفاظها، إلا أنها متفقة المعنى، وأطبق سلف هذه الأمة على تصحيح هذه الروايات ، لم ينكرها أحد من الصحابة والتابعين، ولو كانت غير صحيحة لكان الصحابة والتابعون أشد إنكارا لها من المعتزلة..".( )

ومن الأحاديث الشريفة التي تثبت الشفاعة صراحة للمذنبين من أمة رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يلي:-
1- حديث أبي هريرة رضي الله عنه، قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لكل نبي دعوة مستجابة، فتعجل كل نبي دعوته، وإني اختبأت دعوتي شفاعة لأمتي يوم القيامة، فهي نائلة إن شاء الله من مات من أمتي لا يشرك بالله شيئا".( )، ولا شك أن من زنى أو سرق أو شرب الخمر لم يشرك بالله فهو ممن تناله الشفاعة إن شاء الله كما أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم.

2- حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"أما أهل النار الذين هم أهلها، فإنهم لا يموتون فيها ولا يحيون، ولكن ناس أصابتهم النار بذنوبهم -أو قال– بخطاياهم، فأماتهم إماتة، حتى إذا كانوا فحما أذن بالشفاعة، فجيء بهم ضبائر ضبائر فبثوا على أنهار الجنة، ثم قيل:يا أهل الجنة أفيضوا عليهم، فينبتون نبات الحبة تكون في حميل السيل".( )
3- حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال:سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:"شفاعتي يوم القيامة لأهل الكبائر من أمتي".( )
4- حديث عوف بن مالك الأشجعي رضي الله عنه قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أتدرون ما خيرني ربي الليلة، قلنا: الله ورسوله أعلم، قال:فإنه خيرني بين أن يدخل نصف أمتي الجنة، وبين الشفاعة فاخترت الشفاعة، قلنا يا رسول الله ادع الله أن يجعلنا من أهلها، قال:هي لكل مسلم".( )

5- عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال:سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول:"إذا كان يوم القيامة شفعت فقلت يا رب أدخل الجنة من كان في قلبه خردلة فيدخلون ثم أقول أدخل الجنة من كان في قلبه أدنى شيء"، فقال أنس كأني أنظر إلى أصابع رسول الله صلى الله عليه وسلم".( )
6-عن جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"يخرج من النار بالشفاعة كأنهم الثعارير".قلت وما الثعارير؟ قال الضغابيس" وكان قد سقط فمه فقلت لعمرو بن دينار يا أبا محمد سمعت جابر بن عبد الله يقول سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول" يخرج بالشفاعة من النار"،قال:نعم".( )


المبحث الثاني:مذهب المعتزلة في الشفاعة:


المطلب الأول:حكاية مذهب المعتزلة

إن المعتزلة ينكرون شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم وغيره فيمن استحق النار من أهل الكبائر، وهؤلاء في زعمهم لا يخرجوا من النار بعد دخلوها، ويقصرون الشفاعة على التائبين من المؤمنين دون الفساق من أمة محمد صلى الله عليه وسلم وتكون برفع درجاتهم في الجنة؛( ) لأن إثبات الشفاعة للفساق ينافي مبدأ الوعيد الذي هو أصل من أصول المعتزلة الخمسة التي يقوم عليها مذهبهم.

يقول القاضي عبد الجبار الهمذاني-أحد كبار مشايخ المعتزلة- في بيان رأي المعتزلة في الشفاعة:"لا خلاف بين الأمة في أنَّ شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم ثابتة للأمة، وإنما الخلاف في أنها تثبت لمن؟". ثم قال:"فعندنا أن الشفاعة للتائبين من المؤمنين".( ) ويقول في موضع آخر:"فحصل لك بهذه الجملة العلم بأن الشفاعة ثابتة للمؤمنين دون الفساق من أهل الصلاة".( )
وذهب المفسر الزمخشري المعتزلي إلى أنّ الشفاعة لا تقبل للعصاة من أمة محمد صلى الله عليه وسلم. وذلك في تفسيره لقول تعالى:(وَاتَّقُواْ يَوْماً لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئاً وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلاَ يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ) سورة البقرة:48.

ويقول أبو الحسن الأشعري عند عرضه اختلاف الفرقة وأصحاب المقالات في شفاعة الرسول صلى الله عليه وسلم هل هي ثابتة لأهل الكبائر أم لا؟:"فأنكرت المعتزلة ذلك وقالت بإبطاله، والشفاعة من النبي صلى الله عليه وسلم للمؤمنين أن يزادوا في منازلهم من باب التفضيل".( ) ويقول في موضع آخر:"فإن كثيرا من الزائغين عن الحق من المعتزلة وأهل القدر مالت بهم أهواؤهم إلى تقليد رؤسائهم ومن مضى من أسلافهم....وأنكروا شفاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم للمذنبين ودفعوا الروايات في ذلك عن السلف المتقدمين".( )

وقال ابن حزم الظاهري:اختلف الناس في الشفاعة، فأنكرتها المعتزلة وقالوا:بعدم خروج أحد من النار بعد دخوله فيها، بينما ذهب أهل السنة والأشعرية والكرامية وبعض الرافضة إلى القول بالشفاعة.( )
وقال محمد بن الحسين الآجري:اعلموا رحمكم الله أن المنكر للشفاعة يزعم أن من دخل النار فليس بخارج منها، وهذا مذهب المعتزلة يكذبون بها".( )

ويقول ابن تيمية:إن الخوارج والمعتزلة يقولون:إن من دخل النار لا يخرج منها بل يخلد فيها وينكرون شفاعة محمد صلى الله عليه وسلم في أهل الكبائر قبل الدخول وبعده، وينكرون خروج أحد من النار.( ) ويقول:"الوعيدية الذين يجعلون أهل الكبائر من المسلمين مخلدين في النار ويخرجونهم من الإيمان بالكلية ويكذبون بشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم".( )
ويقول ابن القيم:"رد الخوارج والمعتزلة النصوص المتواترة الدالة على خروج أهل الكبائر من النار بالشفاعة وكذبوا بها، وقالوا لا سبيل لمن دخل النار إلى الخروج منها بالشفاعة ولا غيرها....،أحالوا بالشفاعة على زيادة الثواب فقط لا على الخروج من النار، فردوا السنة المتواترة قطعا، وصاروا مضغة في أفواه الأمة وعارا في فرقها".( )


المطلب الثاني:أدلة المعتزلة في عدم استحقاق العصاة الشفاعة:

ذهب المعتزلة إلى عدم استحقاق العصاة من أمة محمد صلى الله عليه وسلم الشفاعة، والذي حمل المعتزلة على هذا الاعتقاد الباطل،أمران:-

أحدهما:زعمهم أن المؤمن إذا خرج من الدنيا بكبيرة من الكبائر دون أن يتوب منها فإنه يستحق الخلود في النار، لكن عقابه يكون أخف من عقاب الكافر. ( ) وأن آيات الوعيد تتناول الفساق من المسلمين كما تتناول الكفرة، وهذا ما يعرف بمسألة الوعد والوعيد عند المعتزلة.
وثانيهما:اعتقادهم عدة شبهات اعتقدوها أدلة نتيجة فهمهم الخاطئ لنصوص القرآن الكريم، بالإضافة إلى ما زعموه من الأدلة العقلية.

وسأعرض بإذن الله تعالى شبهاتهم وأدلتهم في كل من الأمرين مع بيان ما ذهبوا إليه، ثم أعقبها بالمناقشة والإبطال.
الأمر الأول: أدلة المعتزلة في الوعيد
لقد أيد المعتزلة ما ذهبوا إليه في الوعيد بشبهات نقلية وعقلية، منها:-
الشبهة الأولى:
قال تعالى:(بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) سورة البقرة: آية81.
يقول القاضي عبد الجبار في بيان وجه الدلالة بالأية:"دلت الآية على أن من غلبت كبائره على طاعته – لأن هذا هو المعقول من الإحاطة في باب الخطايا؛ إذ ما سواه من الإحاطة التي تستعمل في الأجسام مستحيل فيها– هو من أهل النار مخلد فيها".( )
المناقشة:

إن الآية الكريمة نزلت في اليهود بدلالة الآية التي سبقتها وهي قوله تعالى:(وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلا أَيَّامًا مَعْدُودَةً قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدًا فَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ) البقرة:80. فالآية إخبار عن اليهود فيما نقلوه وادعوه لأنفسهم، من أنهم لن تمسهم النار إلا أياماً معدودة،( ) والمعنى أن من ارتكب المعاصي والكبائر حتى جَرَّته إلى الكفر, واستولت عليه ذنوبه مِن جميع جوانبه، وهذا لا يكون إلا فيمن كفر بالله, فاالكفار هم الذين يدخلون نار جهنم ويلازمونها ملازمة دائمةً لا تنقطع.

يقول ابن كثير:الآية ردُّ على بني إسرائيل الذين زعموا لن تمسهم النار إلا أياماً معدودة، بأن الأمر ليس كما زعموا؛ وليس الأمر كما تمنيتم، ولا كما تشتهون، بل الأمر: أنه من عمل سيئة وأحاطت به خطيئته، وهو من وافى يوم القيامة وليس له حسنة، بل جميع عمله سيئات، فهذا من أهل النار، والذين آمنوا بالله ورسوله وعملوا الصالحات فهم من أهل الجنة. وهذا المقام شبيه بقوله تعالى:(لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيرًا وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا)النساء: 123 ، 124. قال محمد بن إسحاق: حدثني محمد بن أبي محمد، عن سعيد -أو عكرمة-عن ابن عباس: (بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً) أي:عمل مثل أعمالكم، وكفر بمثل ما كفرتم به، حتى يحيط به كفره فما له من حسنة. وفي رواية عن ابن عباس، قال: الشرك.( )

قال أبو جعفر الطبري: وقوله:(بلى من كسب سيئة) تكذيب من الله القائلين من اليهود:(لن تمسنا النار إلا أياما معدودة) وإخبار منه لهم أنه معذب من أشرك ومن كفر به وبرسله، وأحاطت به ذنوبه، فمخلده في النار، فإن الجنة لا يسكنها إلا أهل الإيمان به وبرسوله، وأهل الطاعة له، والقائمون بحدوده كما:حدثنا محمد بن حميد قال، حدثنا سلمة قال، حدثني محمد بن إسحاق قال، حدثني محمد بن أبي محمد، عن سعيد بن جبير أو عكرمة، عن ابن عباس:(بلى من كسب سيئة وأحاطت به خطيئته) أي: من عمل مثل أعمالكم، وكفر بمثل ما كفرتم به، حتى يحيط كفره بما له من حسنة، فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون".( )

ويقول القرطبي:السيئة: الشرك. قال ابن جريج قلت لعطاء:( بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً) سورة البقرة:آية 81. قال: الشرك، تلا قوله تعالى:(وَمَن جَاء بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّار) سورة النمل: آية 90.( )
ومما يؤيد قول كل من الطبري والقرطبي وغيرهما من المفسرين: في أن المراد بالسيئة هنا:الشرك هو قوله تعالى:(مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً) وهو نكرة في سياق الشرط، فيعم الشرك فما دونه، والمراد به هنا الشرك، بدليل قوله:(وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ) أي: أحاطت بعاملها، فلم تدع له منفذا، وهذا لا يكون إلا الشرك، فإن من معه الإيمان لا تحيط به خطيئته.(فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) وقد احتج بها الخوارج على كفر صاحب المعصية، وهي حجة عليهم كما ترى، فإنها ظاهرة في الشرك، وهكذا كل مبطل يحتج بآية، أو حديث صحيح على قوله الباطل فلا بد أن يكون فيما احتج به حجة عليه".( )

ويقال للمعتزلة إن أصحاب الكبائر من أمة محمد صلى الله عليه وسلم لهم من الحسنات من الإيمان والطاعات، مما يمتنع معه أن تحيط به سيئاته، وإنما الأية في الكافر الذي ليس في قلبه ذرة من إيمان.( )
وبهذا يتبين أن لا حجة للمعتزلة في الآية الكريمة على خلود صاحب الكبيرة من أمة محمد صلى الله عليه وسلم في النار؛ لأن الإحاطة لا تصح إلا في شأن الكافر؛ لأنّ غيره إن لم يكن له سوى تصديق القلب بالإيمان والإقرار به لسانه، فلم تحط به خطيئته، لكون قلبه ولسانه منزهاً عن الخطيئة.

الشبهة الثانية:

قال تعالى:(إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي عَذَابِ جَهَنَّمَ خَالِدُونَ لا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ) سورة الزخرف: آية 74-75.
ووجه استدلال المعتزلة بالآيتين:يبينه القاضي عبد الجبار بقوله:"إن المجرم اسم يتناول الكافر والفاسق جميعاً، فيجب أن يكونا مرادين بالآية معنيين بالنار؛ لأنه تعالى لو أراد أحدهما دون الآخر لبينه، فلما لم يبينه دلَّ على أنه أرادهما جميعاً. ثم قال: الكلام في أن اسم المجرم يتناول الكافر والفاسق جميعا ظاهر في اللغة والشرع جميعاً. أما من جهة اللغة؛ فلأنهم لا يفرقون بين قولهم: مذنب، وبين قولهم مجرم،فكما أن المذنب شامل لهما جميعا، فكذلك المجرم. وأما من جهة الشرع: فلأن أهل الشرع لا يفرقون بين قوله مجرم لزناه، وبين قولهم: فاسق لزناه".( )
ويقول في موضع آخر بعد سياق هذه الآية:"الآية تدل على أن الوعيد بالخلود لأنه لم يخص مجرماً من مجرم، وبين أنهم خالدون في النار، والخلود هو الدوام الذي لا انقطاع له".( )

المناقشة:

أولاً: إنَّ المقصود بالمجرمين في الآية الأولى: هم الكافرون. ولهذا ذهب مفسروا أهل السنة.
يقول ابن جرير الطبري وغيره عند تفسير هذه الآية:"(إِنَّ الْمُجْرِمِينَ) وهم الذين اجترموا في الدنيا الكفر بالله تعالى، فاجترموا به في الآخرة (فِي عَذَابِ جَهَنَّمَ خَالِدُونَ)".( ) ويقول الشوكاني:"قوله تعالى:(إن المجرمين) أي أهل الإجرام الكفرية كما يدل عليه إيرادهم في مقابلة المؤمنين الذين لهم ما ذكره الله سبحانه قبل هذا".( ) يقصد الشوكاني قوله تعالى:(وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ لَكُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ كَثِيرَةٌ مِنْهَا تَأْكُلُونَ) سورة الزخرف:72-73.

وأيضا يؤيد كون المراد بالمجرمين في الآية هم الكافرون: ما ذكره فخر الرازي في معرض الرد على استدلال المعتزلة بهذه الآية حيث قال:"إنَّ ما قبل هذه الآية وما بعدها يدل على أن المراد (المجرمين)الكافرين. أما ما قبل هذه الآية فقوله تعالى:(يَا عِبَادِ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلَا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ الَّذِينَ آَمَنُوا بِآَيَاتِنَا وَكَانُوا مُسْلِمِينَ) سورة الزخرف:68. هذا يدل على أن كل من آمن بآيات الله وكانوا مسلمين فإنهم يدخلون تحت قوله تعالى:(يَا عِبَادِ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلَا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ) سورة الزخرف:68. والفاسق من أهل الصلاة آمن بالله تعالى وبآياته وأسلم، فوجب أن يكون داخلاً تحت ذلك الوعد، ووجب أن يكون خارجاً عن هذا الوعيد. وأما ما بعد هذه الآية فقوله تعالى:(لَقَدْ جِئْنَاكُم بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ) سورة الزخرف:78. والمراد بالحق هنا؛ إما الإسلام؛ وإما القرآن، والرجل المسلم لا يكره الإسلام، ولا القرآن، فثبت أن ما قبل هذه الآية -يقصد قوله تعالى:(إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي عَذَابِ جَهَنَّمَ خَالِدُونَ) سورة الزخرف:74- وما بعدها، يدل على أن المراد من المجرمين الكفار".( )

يقول الآلوسي:"(إِنَّ المجرمين) أي الراسخين في الأجرام الكاملين فيه، وهم الكفار، فكأنه قيل:إن الكفار(فِى عَذَابِ جَهَنَّمَ خالدون) وأيد إرادة ذلك بجعلهم قسيم المؤمنين بالآيات في قوله تعالى:(الذين ءامَنُواْ بئاياتنا)الزخرف:69، فلا تدل الآية على خلود عصاة المؤمنين كما ذهب إليه المعتزلية والخوارج".( )

ويقول الشيخ السعدي في تفسيره:"(إِنَّ الْمُجْرِمِينَ) الذين أجرموا بكفرهم وتكذيبهم (فِي عَذَابِ جَهَنَّمَ)أي:منغمرون فيه، محيط بهم العذاب من كل جانب،(خَالِدُونَ) فيه، لا يخرجون منه أبدا".( )
فبهذا يتبين أن هاتين الآيتين وما قبلهما وما بعدها يدل على أن المراد من المجرمين:الكفار. والكفار ليس محل نزاع في أنهم من أهل النار مخلدين فيها؛ وبذلك يبطل استدلال المعتزلة بالآيتين على خلود صاحب الكبيرة في النار.
ثانياً:على فرض التسليم بعموم الآية، وأنها ليست خاصة بالكفار، فإنه ورد ما يبين أنها مخصصة بآيات العفو والتوبة، والآيات الدالة على خروج عصاة المؤمنين من النار، كقوله تعالى:(وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ) سورة الشورى:آية:25. وكقوله تعالى:(وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ) سورة الشورى:آية 30. وقد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:"يدخل أهل الجنة الجنة..ثم يقول الله تعالى: أخرجوا من كان في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان".( )

وأيضا فالآيتان معارضة بنصوص الوعد لمـن يعمل الصالحات وهو مؤمـن، كقوله تعالى:(فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ) سورة الزلزلة:آية 7. وكقوله تعالى:(مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ) سورة الأنعام:آية160. وترجيح عمومات الوعد أولى؛ لأنها أدخل في باب الكرم الإلهي من عمومات الوعيد. ولأن رحمـة الله تعالى سابقة على غضبه،بل تغلب غضبه فكان ترجيح عمومات الوعد أولى.( )

الشبهة الثالثة:

قال تعالى:(وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ يَصْلَوْنَهَا يَوْمَ الدِّينِ وَمَا هُمْ عَنْهَا بِغَائِبِينَ) سورة الانفطار:آية 14، 15،16.
ووجه الاستدلال بالآية الكريمة:يقول القاضي عبد الجبار:"الآية تدل على أن الفاجر وإن كان من أهل الصلاة فهو من أهل الوعيد ومن أهل النار، وأنه إذ لم يتب ومات على ذلك فهو في الجحيم لا يغيب عنها، وذلك يدل على الخلود؛ لأنهم إذ لم يغيبوا عنها ولا لحقهم موت وقتاً فليس إلا العذاب الدائم".( ) ويقول فخر الدين الرازي:"أن القاطعين بوعيد أصحاب الكبائر تمسكوا بهذه الآية، فقالوا: صاحب الكبيرة فاجر، والفجار كلهم في الجحيم، لأن لفظ الجحيم إذا دخل عليه الألف واللام أفاد الاستغراق".( )
المناقشة:

أولاً: المراد بالفجار في الآية:هم الكفار، وهذا ما ذهب إليه المفسرون.
يقول ابن جرير الطبري عند تفسير هذه الآية:" يقول تعالى ذكره:(وَإِنَّ الْفُجَّارَ):الذين كفروا بربهم...وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل".( ) ويقول ابن الجوزي:قوله تعالى:(وَمَا هُمْ عَنْهَا بِغَائِبِينَ) يدل على تخليد الكفار".( ) ومما يدل على أن المراد بالفجار هم:الكفار لا غيرهم قوله تعالى في حق الكفار:(أُولَئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ) سورة عبس:آية 42.

يقول فخر الدين الرازي-في معرض رده على المعتزلة الذين يقولون بخلود أصحاب الكبائر في النار لكونهم من الفجار-:"إن دلالة ألفاظ العموم على الاستغراق دلالة ظنية ضعيفة والمسألة قطعية. والتمسك بالدليل الظني في المطلوب القطعي غير جائز، بل ههنا ما يدل على قولنا:لأن استعمال الجمع المعرف بالألف واللام في المعهود السابق شائع في اللغة، فيحتمل أن يكون اللفظ ههنا عائداً إلى الكافرين الذين تقدم ذكرهم من المكذبين بيوم الدين، والكلام في ذلك قد تقدم على سبيل الاستقصاء، سلمنا أن العموم يفيد القطع ، لكن لا نسلم أن صاحب الكبيرة فاجر، والدليل عليه قوله تعالى في حق الكفار:(أولئك هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ) عبس:42، فلا يخلو إما أن يكون المراد (أولئك هُمُ الْكَفَرَةُ) الذين يكونون من جنس الفجرة أو المراد (أولئك هُمُ الْكَفَرَةُ) وهم (الْفَجَرَةُ) والأول:باطل لأن كل كافر فهو فاجر بالإجماع، فتقييد الكافر بالكافر الذي يكون من جنس الفجرة عبث، وإذا بطل هذا القسم بقي الثاني، وذلك يفيد الحصر، وإذا دلت هذه الآية على أن الكفار هم الفجرة لا غيرهم، ثبت أنَّ صاحب الكبيرة ليس بفاجر على الإطلاق".( )

وبهذا يتبين أنه ليس في الآية دلالة على خلود صاحب الكبيرة في النار، لأنها في الفاجر وهو الكافر.
ثانياً: لو سلمنا جدلاً أن الفاجر يدخل تحته الكافر والمسلم، لكن قوله تعالى:(وَمَا هُمْ عَنْهَا بِغَائِبِينَ) سورة الانفطار:آية 16. معناه:أن مجموع الفجار لا يكونون غائبين، ونحن نقول بموجبه، فإن أحد نوعي الفجار وهم الكفار لا يغيبون، وإذا كان كذلك؛ ثبت أن الفجار بأسرهم لا يغيبون، ويكفي فيه ألا يغيب الكفار، فلا حاجة في صدقه إلى أن لا يغيب المسلمون.
وأيضاً:فإن الآية الكريمة معارضة بمجموعة من النصوص الدالة على الوعد بالثواب والتي تتضمن عفو الله تعالى والتَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ مثل:قوله تعالى:(وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ) سورة النساء:48. وقوله تعالى:(وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ) سورة الشورى:25. وقوله تعالى:(فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره) والترجيح مع مثبتة الشفاعة؛ لأنَّ دليل المعتزلة لا بد أن يتناول جميع الفجار في جميع الأوقات؛ وإلا لم يحصل مقصودهم، فهو عام. والأدلة الدالة على العفو يكفي في صحتها تناولها لبعض الفجار في بعض الأوقات، فهي خاصة، والخاص مقدم على العام.( ) والآية التي يستدل بها المعتزلة وجب تخصيصها بالآيات الدالة على اختصاص العذاب المؤبد بالكفار، نحو قوله تعالى:(إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنَا أَنَّ الْعَذَابَ عَلَى مَن كَذَّبَ وَتَوَلَّى)سورة طه:48، وقوله:( إِنَّ الْخِزْيَ الْيَوْمَ وَالْسُّوءَ عَلَى الْكَافِرِينَ) سورة النحل:27.( )

وبذلك يبطل استدلال المعتزلة بالآية على خلود صاحب الكبيرة في النار.

الشبهة الرابعة:

قال تعالى:(إنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً) سورة النساء:آية 10.
ووجه الاستدلال بالآية يقول القاضي عبد الجبار:"الآية على أن الفاسق من أله الصلاة متوعد بالنار، وأنه سيصلاها لا محالة ما لم يتب، لأن الذي يأكل أموال اليتامى ليس هو الكافر فلا يصح جمله عليه ويجب كونه عاماً في كل من هذا حاله، والأغلب ممن يوصف بذلك أن يكون من أهل الصلاة وأقل أحواله أن يدخل الجميع فيه، فيجب أن يقال بعمومه".( )

المناقشة:

لقد ردَّ القرطبي استدلال المعتزلة بهذه الآية على تخليد صاحب الكبيرة في النار فقال عند تفسير هذه الآية:"ولا حجة فيها لمن يكفر بالذنوب، والذي يعتقده أهل السنة أن ذلك نافذ على بعض العصاة فيصلي ثم يحترق ويموت، بخلاف أهل الشقاء فإنهم لا يموتون ولا يحيون. لما روى مسلم في صحيحه عن أبي سعيد الخدري قال:قال صلى الله عليه وسلم:"إما أهل النار الذين هم أهلها فيها فإنهم لا يموتون فيها ولا يحيون ولكن ناساً أصاًبتهم النار بذنوبهم– أو قال بخطاياهم– فأماتهم الله إماتة حتى إذا كانوا فحماً أذن بالشفاعة فجيء بهم ضبائر ضبائر فبثوا على أنها الجنة ثم قيل:يا أهل الجنة أفيضوا عليهم فينبتون كما تنبت الحبة في حميل السيل".( ) ساقط بالمشيئة عن بعضهم لقوله تعالى:(إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ) سورة النساء:آية 48. فالآية تدل على أن الله يغفر ما دون الشرك لمن يشاء من عباده".( )

يتبين من رد القرطبي أن صاحب الكبيرة إما أن يعذب مدة ثم يخرج من النار ويدخل الجنة كما يدل الحديث، أو يعفى عنه بمشيئة الله، كما تدل الآية. وعلى ذلك فإنه لا يخلد في كلا الحالتين. وبهذا يبطل استدلال المعتزلة بهذه الآية.

الشبهة الخامسة:

قال تعالى:(ومَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا) سورة النساء:آية 93.

يقول القاضي عبد الجبار:"ووجه الاستدلال هو أنه تعالى يبين أن من قتل مؤمناً عمداً جازاه الله جهنم خالداً فيها وعاقبه وغضب عليه ولعنه...وفي ذلك ما قلناه".( ) ويقول في موضع أخر:"وقوله تعالى:(ومَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً) سورة النساء:آية 93، يدل على أن قتل المؤمن علة وجه التعمد يستحق به الخلود في النار..إلى أن قال: ولا يمكن حمل الكلام في الآية على الكافر إذ قتل متعمداً من وجهين: الأول:أنه عام؛ لأن لفظة(من) إذا وقعت في المجازاة كانت شائعة في كل عاقل. الثاني:أنه تعالى جعل ذلك جزاء لهذا الفعل المخصوص، ولا يعتبر بمحال الفاعلين، بل يجب من أي فاعل كان أن يكون هذا الجزاء لازماً له".( )

المناقشة:

أولاً:أن الخلود في الآية لمستحيل القتل، وهو كافر إجماعا، والكافر مخلد. يقول الطبري عند تفسير هذه الآية:(قوله متعمداً) أي مستحلاً قتله.( ) ويقول القرطبي حاكياُ ما روي عن ابن عباس في معنى قوله تعالى(متعمداً)..أنه قال:متعمداً أي مستحلاً لقتله، فهذا يئول إلى الكفر إجماعاً والكافر مخلد".( )

ويقول أبو السعود بعد عرضه للآية:"ولا دليل في الآية للمعتزلة في قولهم بخلود عصاة المؤمنين في النار لما قيل أنها في حق المستحل كما هو رأي عكرمة وإضرابه، بدليل أنها نزلت في مقيس بن ضبابة الكناني المرتد".( )

وعلى هذا:فالآية لا تناول صاحب الكبيرة، لأنها في الكفر، وصاحب الكبيرة لم يخرج من الإيمان إلى الكفر. يقول الطبري:"وقوله تعالى:( فَجَزَاؤُه) أي:يستحق ما ذكره الله من العقاب إن شاء أن يجازيه". ( ) وقال أبو السعود بمثل هذا، واستدل بما روى عن ابن عباس عند تفسير هذه الآية حيث قال:( فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ) أي:هي جزاؤه، فإن شاء عذبه، وإن شاء غفر له".( ) ثم قال:"والتحقيق أن ما ورد في الآية إنما هو إخبار منه تعالى بأن جزاؤه ذلك، لا بأنه يجزيه بذلك، كيف لا؟! وقد قال تعالى:(وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا) سورة الشورى: آية 40. ولو كان هذا إخبار بأنه تعالى يجزي كل سيئة بمثلها لعارضه قوله تعالى:(وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ) سورة المائدة: آية 15. ( )

وإذا كان الجزاء في الآية ليس المقصود وقوعه، وإنما الإخبار به، بطل قول المعتزلة:"أنه تعالى جعل ذلك جزاء لهذا الفعل المخصوص، فمتى وقع الفعل، وقع الجزاء". ( )

ثالثاً: على التسليم بأن الآية ليست خاصة في الكافر، والجزاء فيها المقصود به وقوعه، فإنها مخصصة بالنصوص الدالة على العفو بمشيئته تعالى، والتوبة، وأحاديث الشفاعة الدالة على خروج الموحدين من النار.

يقول القرطبي:"الآية مخصوصة بآيات وأحاديث، فمن الآيات، قوله تعالى:(إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّـيِّئَاتِ) سورة هود:آية 114. وقوله تعالى وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ) سورة الشورى: آية 25. وقوله تعالى:(وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ) سورة النساء: آية 48. وتوضيح ذلك؛ أنه ليس الأخذ بظاهر هذه الآية أولى من الأخذ بظاهر هذه الآيات، والأخذ بالظاهرين متناقض، فلا بد من التخصيص. ثم إن الجمع بين آية الفرقان، وهي قوله تعالى وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا) سورة الفرقان:آية 68، 69، 70، وبين هذه الآية ممكن، فلا نسخ ولا تعارض؛ وذلك بأن يحمل مطلق آية النساء على مقيد آية الفرقان، فيكون معناه: فجزاؤه كذا إلا من تاب؛ لا سيما وقد اتحد الموجب وهو القتل، والموجب وهو التوعد بالعقاب. وأما الأخبار المخصصة لعموم الآية فكثيرة منها: حديث عبادة بن الصامت، أنه صلى الله عليه وسلم قال:(بايعوني على أن لا تشركوا بالله شيئاً ولا تزنوا ولا تسرقوا ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق فمن وفي منكم فأجره على الله ومن أصاب شيئاً من ذلك فستره الله عليه فأمره إلى الله، إن شاء عفا عنه، وإن شاء عذبه)( ). وكحديث أبي هريرة رضي الله عنه عن الني في الرجل الذي قتل مائة نفس( ) ثم أن المعتزلة أجمعوا معنا في الرجل يشهد عليه بالقتل، ويقر بأنه قتل، ويأتي السلطان فيقيم عليه الحد ويقتل قوداً، فهذا غير نافذ عليه الوعيد في الآخرة إجماعاً على مقتضى حديث عبادة، فقد انكسر عليهم ما تعلقوا به من عموم قوله تعالى:(وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً) سورة النساء:آية 93. ودخله التخصيص بما ذكر".

من كلام القرطبي؛ يظهر أن الآية مخصوصة بالنصوص الدالة على العفو والتوبة؛ وعليه فيبطل استدلال المعتزلة بهذه الآية على تخليد صاحب الكبيرة في النار.

الشبهة السادسة: عدم خلف وعيد الله تعالى بالعقاب:

ذكر عبد الرحمن الإيجي أن المعتزلة قالوا:"إن الله سبحانه وتعالى أوعد بالعقاب وأخبر به، فلو لم يعاقب لزم الخلف في وعيده والكذب في خسره، وهو محال".( )

يقول القاضي عبد الجبار:"إن الله توعد العصاة بالعقاب...وأنه يفعل ما توعد عليه، ولا يجوز عليه الخلف والكذب". ( ) ويستدل على عدم جواز الخلف في الوعيد بقوله تعالى قَالَ لَا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُم بِالْوَعِيدِ مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلامٍ لِلْعَبِيدِ) سورة ق:آية 28، 29. ثم قال:"الآية تدل على أن الوعيد الوارد عن الله تعالى ذلك لا يتبدل ولا يتغير...وأنه لا يجوز فيه الخلف، لأن ذلك يقتضي التبديل، وقد أبي الله تعالى ذلك في وعيده"( ). كما يستدل القاضي عبد الجبار أيضاً على عدم جواز الخلف في الوعيد"بأنه لو جاز الخلف في الوعد، لأن الطريقة في الموضوعين واحدة".( )
المناقشة:
يقال للمعتزلة:الوعيد إما أن يتوجه للكافر والمشرك أو العاصي؛ فأما الوعيد الذي توعد الله به الكافرين: فإنهم سينالونه حتماً إذا ماتوا على كفرهم، كما دل على ذلك القرآن الكريم من مثل قوله تعالى:(إنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ) سورة النساء:آية 48.

وأما الوعيد الذي توعد به الله به العصاة: فإما أن توبوا أو لا. إن تابوا تاب الله عليهم وعفر لهم؛ وبذلك يسقط الوعي عنهم، كما قال تعالى:(إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ) سورة الفرقان:آية 70.
أما إذا مات العاصي وهو لم يتب؛ فإنه تحت مشيئة الله،إن شاء عذبه على قدر ذنبه بمقتضى عدله ثم أدخله الجنة، فلا يخلد في النار؛ بدليل حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(يدخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار ثم يقول الله تعالى:أخرجوا من كان في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان)( ). ففي هذا الحديث دلالة على أن من معه إيمان لا يبقى في النار خالداً؛ بل يخرج منها، وصاحب الكبيرة معه إيمان، وإن شاء الله عفا عنه بمقتضى عفوه ورحمته( )، قال تعالى:(وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ) سورة النساء:آية 48. ففي هذه الآية دلالة على أن الله تعالى يمكن أن يخلف وعيده في حق الموحد العاصي الذي مات وهو مرتكب للكبائر من غيره توبة. ومثل هذه الآية حديث عبادة بن الصامت: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال – وحوله عصابة من أصحابه-:(بايعوني على أن لا تشركوا بالله شيئاً ولا تزنوا ولا تسرقوا....إلى أن قال: ومن أصاب شيئاً من ذلك فستره الله عليه فأمره إلى الله، إن شاء عفا عنه، وإن شاء عاقبه).( )

يقول أبو عثمان المازني( ):"وفي الحديث رد على المعتزلة الذين يوجبون تعذيب الفاسق إذا مات بلا توبة لأن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أنه تحت المشيئة ولم يقل: لا بد من تعذيبه".( )

ولو سلمنا بأن الخلف في الوعيد يعتبر كذباً، فأنه من الله لا يستلزم الكذب، لما يلي:
أولاً: أن الوعيد مشروط بشرائط مثل عدم العفو، فلا يلزم منه الكذب، فمحصل آيات الوعيد أنا نعذبهم إن لم نعف عنهم، ولكن عفونا عنهم، فما نعذبهم،وليس في هذا خلف وعيد حتى يلزم منه الكذب.
ثانياً: أن معنى آيات الوعيد: إنشاء الوعيد؛ لا إخبار به، فهي لا تتصف بالصدق والكذب، لأنهما من صفات الخبر دون الإنشاء، فلا يلزم الكذب في إخلاف الوعيد.( )

وأما استدلال القاضي عبد الجبار المعتزلي ومن معه بقوله تعالى:(مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلامٍ لِلْعَبِيدِ) سورة ق:آية 29. على أن الله لا يخلف وعيده. فالجواب:إن الآية تدل على أن الله سبحانه وتعالى لا يخلف وعيده في الكافر؛ بدليل الآيات التي قبلها. وبدليل النصوص الدالة على أن الله يغفر لمن يشاء من العصاة. قال تعالى:(وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ) سورة النساء:آية 48. وذلك جمعاً بين الآيات.
وأما قولهم "أنه لو جاز الخلف في الوعيد؛ لجاز في الوعيد..."( ). فقول فاسد؛ لأن الخلف في الوعيد بخل ولؤم، والله أكرم الأكرمين، والخلف في الوعيد كرم وجود. وهو من صفاته جل علا.( )

الشبهة السابعة: المؤمن العاصي لا يستحق العفو الإلهي يوم القيامة:

يقول القاضي عبد الجبار:"العاصي لا يخلو حاله من أحد أمرين؛ إما أن يعفى عنه، أو لا يعفى عنه. فإن لم يعف عنه؛ فقد بقي في النار خالداً، وهو الذي نقوله. وإن عفى عنه، فلا يخلو؛ إما أن يدخل الجنة أو لا. فإن لم يدخل الجنة لا يصح، لأنه لا دار بين النار وبين الحنة، فإذا لم يكن في النار وجب أن يكون في الجنة لا محالة، وإذا دخل الجنة فلا يخلو:إما أن يدخلها مثاباً أو متفضلاً عليه، لا يجوز أن يدخل الجنة متفضلاً عليه، لأن الأمة اتفقت على أن المكلف إذا دخل الجنة فلا بد من أن يكون حاله متميزاً عن حال الوالدان المخلدان، وعن حال الأطفال والمجانين، ولا يجوز أن يدخل الحنة مثاباً، لأن غير مستحق، وإثابة من لا يستحق الثواب قبيح، والله تعالى لا يفعل القبيح...لذل يجب أن يكون معاقباً على ما نقوله".( )

المناقشة:

هذه الشبهة باطلة، ولا تدل على تخليد الفاسق في النار، وبيان ذلك أن الفاسق في حال العفو عنه يدخل الجنة تفضلاً من الله سبحانه وتعالى، بدليل قوله تعالى:(الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ مِنْ فَضْلِهِ لَا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلَا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ) سورة فاطر:آية 35. ولما روي في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال:قال صلى الله عليه وسلم:"لن ينجي أحداّ منكم عمله قالوا:ولا أنت يا رسول الله؟ قال:ولا أن إلا أن يتغمدني الله برحمته".( )

ففي هذه الآية والحديث: دلالة على أن الله يدخل من شاء من عباده الجنة بفضله سبحانه وتعالى، وعليه فإنه يبطل قولكم...(ولا يجوز أن يدخل الجنة متفضلاً عليه").( ) إذن فالفاسق في حالة العفو عنه يدخل الجنة بفضل الله ورجمته.
أما في حالة عدم العفو عنه:فإن الله سبحانه وتعالى يعذبه على قدر ذنبه ثم يدخله الجنة، فلا يخلد في النار؛ بدليل قوله تعالى:(مَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا) سورة الزلزلة:آية 7، واحتمال رؤية العامل مثقال ذرة من خير ما عمله قبل دخوله النار، أي:بأن يدخل الجنة جزاء لما عمله من الخير صم يخرج منها ويدخل النار عقاباً لما عمله من الشر يبطله قوله تعالى في شأن أهل الجنة:( لا يَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ وَمَا هُمْ مِنْهَا بِمُخْرَجِينَ) سورة الحجر:آية 48. فلم يبق لرؤيته موضع إلا بعد الخروج من النار.
ومما يدل على أن استيفاء الأجر بالنسبة لمن يدخل النار لا يكون إلا بعد الخروج منها ما في البخاري عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم قال:"يدخل أهل الجنة الجنة، وأهل النار النار، ثم يقول الله تعالى:أخرجوا من كان في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان".( ) فعلى هذا:فإن الله يعذب العاصي في النار لأجل معصيته، ثم يخرجه إلى الجنة لأجل ما عمله من خير، وأهل الجنة لا يخرجون منها بدلالة الآية:(وَمَا هُمْ مِنْهَا بِمُخْرَجِينَ) سورة الحجر:آية .48 ( ) وعليه فأنه يبطل قول المعتزلة(إن الفاسق في حال عدم العفو عنه يخلد في النار).( )

الأمر الثاني: أدلة المعتزلة في نفي الشفاعة

أولاًًََ: أدلتهم من القرآن الكريم:
إنَّ للمعتزلة شبهات اعتقدوها أدلة في نفي الشفاعة للمسلم العاصي نتيجة فهمهم الخاطئ لنصوص القرآن الكريم،ومنها:-
الدليل الأول:
قال تعالى:(وَاتَّقُواْ يَوْماً لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئاً وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلاَ يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ) سورة البقرة:48.

يقول القاضي عبد الجبار:"الآية تدل على أن من استحق العقاب لا يشفع النبي صلى الله عليه وسلم له، ولا ينصره؛ لأن الآية وردت في صفة اليوم ولا تخصيص فيها، فلا يمكن صرفها إلى الكفار دون أهل الثواب، وهي واردة فيمن يستحق العذاب في ذلك اليوم، لأن هذا الخطاب لا يليق إلا بهم، فليس لأحد أن يطعن على ما قلناه بأن يمنع الشفاعة للمؤمنين أيضاً، ولو كان النبي صلى الله عليه وسلم يشفع لهم لكان قد أغنى عنهم وأجزى، فكان لا يصح أن يقول تعالى:(لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئاً) سورة البقرة:آية 48، ولما صح أن يقول:(ولا يقبل منها شفاعة) سورة البقرة:آية 48. وقد قبلت شفاعته صلى الله عليه وسلم فيهم. ولما صح أن يقول:"ولا يؤخذ منها عدل" سورة البقرة:آية 48؛ لأن قبول الشفاعة وإسقاط العقاب...أعظم من كل فداء يسقط به ما قد استحقوه من المضرة، بل كان يجب أن تكون الشفاعة فداء لهم عما قد استحقوه..ولما صح أن يقول:(ولا هم ينصرون) سورة البقرة:آية 48، وأعظم النصرة تخليصهم من العذاب الدائم بالشفاعة. بالآية دالة على نقول من جميع هذه الوجوه.( )

ويقول الزمخشري المفسر المعتزلي:"فإن قلت:هل فيه دليل على أنّ الشفاعة لا تقبل للعصاة؟ قلت:نعم، لأنه نفى أن تقضي نفس عن نفس حقاً أخلت به من فعل أو ترك، ثم نفى أن يقبل منها شفاعة شفيع فعلم أنها لا تقبل للعصاة. فإن قلت:الضمير في(وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا) إلى أي النفسين يرجع؟ قلت:إلى الثانية العاصية غير المجزى عنها، وهي التي لا يؤخذ منها عدل. ومعنى لا يقبل منها شفاعة".( )

المناقشة:

إن استدلال المعتزلة بهذه الآية على نفي الشفاعة لأهل الكبائر باطل؛ وذلك لأن الشفاعة المنفية في الآية هي الشفاعة للكافرين، ويدل على ذلك ما يلي:-
أولاً: إجماع المفسرين على أن المراد بالنفس في الآية الكريمة:هي:النفس الكافرة، أي النفس التي مات صاحبها على الكفر.
يقول الطبري:"وهذه الآية وإن كان مخرجها عاما في التلاوة، فإن المراد بها خاص في التأويل..إنما هي لمن مات على كفره غير تائب إلى الله عز وجل".( )

يقول القرطبي:"وقد أجمع المفسرون على أن المراد بقوله تعالى:(وَاتَّقُواْ يَوْماً لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئاً وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ)النفس الكافرة لا كل نفس".( ) ويقول الطبري:قوله تعالى:(وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ) سورة البقرة:آية 48. إنما هي لمن مات على كفره غير تائب إلى الله عز وجل).( ) ويقول ابن الجوزي:"قوله تعالى:(لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئاً) سورة البقرة:آية 48. وقال ابن الجوزي:المراد بالنفس هنا:النفس الكافرة لا كل نفس؛ فعلى هذا يكون العام الذي أريد به الخاص".( )

ويقول ابن كثير:"قوله تعالى:(وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ) سورة البقرة:48. يعني من الكافرين، كما قال تعالى:(ما تنفعهم شفاعة الشافعين) سورة المدثر:آية 48. ثم قال:فقد أخبر الله تعالى أنهم لما لم يؤمنوا برسوله صلى الله عليه وسلم ويتابعوه على ما بعثه الله به ووافوا الله يوم القيامة فإنه لا ينفعهم قرابة قريب ولا شفاعة شافع، ولا يقبل منهم فداء ولو بملء الأرض".( ) فإذا كان المراد بالنفس في الآية النفس الكافرة، فالشفاعة المنفية في الآية الشفاعة للكفار لا للعصاة؛ و؟إذا فلا دلالة في الآية على نفي الشفاعة لأهل الكبائر.

ويقول السيوطي:"قوله تعالى واتقوا يوما لا تجزي نفس عن نفس شيئا ولا يقبل منها شفاعة ولا يؤخذ منها عدل ولا هم ينصرون قال الزجاج كانت اليهود تزعم أن آباءها الأنبياء تشفع لهم يوم القيامة فآيسهم الله بهذه الآية من ذلك قوله تعالى:(واتقوا يوما) فيه إضمار تقديره اتقوا عذاب يوم أو ما في يوم والمراد باليوم يوم القيامة وتجزي بمعنى تقضي قال ابن قتيبة يقال جزا الأمر عني يجزي بغير همز أي قضى عني أجزأني يجزئني مهموز أي كفاني قوله تعالى نفس عن نفس قالوا المراد بالنفس هاهنا النفس الكافرة فعلى هذا يكون من العام الذي أريد به الخاص".( )

ويقول البيضاوي في تفسيره -الذي اختصر تفسيره من تفسير الكشاف المعتزلي-:"وقد تمسكت المعتزلة بهذه الآية على نفي الشفاعة لأهل الكبائر، وأجيب بأنها مخصوصة بالكفار للآيات والأحاديث الواردة في الشفاعة، ويؤيده أن الخطاب معهم، والآية نزلت رداً لما كانت اليهود تزعم أن آباءهم تشفع لهم".( )

ويقول ابن جزي الغرناطي:"فكل ما ورد في القرآن من نفي الشفاعة مطلقاً يحمل على هذا؛ لأنّ المطلق يحمل على المقيد، فليس في هذه الآيات المطلقة دليل للمعتزلة على نفي الشفاعة".( )
ويقول أبو السعود:"وقد تمسكت المعتزلةُ بهذه الآية على نفي الشفاعةِ لأهل الكبائرِ، والجوابُ أنها خاصة بالكفار للآيات الواردة في الشفاعة والأحاديثِ المرويةِ فيها ويؤيده أن الخطابَ معهم ولردهم عما كانوا عليه من اعتقاد أن آباءَهم الأنبـياءَ يشفعون لهم".( )

يقول ابن تيمية:"وَجَوَابُ أَهْلِ السُّنَّةِ أَنَّ هَذَا يُرَادُ بِهِ شَيْئَانِ:أَحَدُهُمَا:أَنَّهَا لَا تَنْفَعُ الْمُشْرِكِينَ كَمَا قَالَ تَعَالَى فِي نَعْتِهِمْ:(مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ) (قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ) (وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ} (وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ) (وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ) (حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ) (فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ) فَهَؤُلَاءِ نُفِيَ عَنْهُمْ نَفْعُ شَفَاعَةِ الشَّافِعِينَ لِأَنَّهُمْ كَانُوا كُفَّارًا. وَالثَّانِي:أَنَّهُ يُرَادُ بِذَلِكَ نَفْيُ الشَّفَاعَةِ الَّتِي يُثْبِتُهَا أَهْلُ الشِّرْكِ وَمَنْ شَابَهَهُمْ مِنْ أَهْلِ الْبِدَعِ:مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّ لِلْخَلْقِ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ الْقَدْرِ أَنْ يَشْفَعُوا عِنْدَهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ كَمَا يَشْفَعُ النَّاسُ بَعْضُهُمْ عِنْدَ بَعْضٍ".( )

قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ:مَذْهَبُ أَهْلِ السَّنَةِ جَوَازُ الشَّفَاعَةِ عَقْلًا وَوُجُوبُهَا سَمْعًا..وَمُنِعَتْ الْخَوَارِجُ وَبَعْضُ الْمُعْتَزِلَةِ مِنْهَا وَتَعَلَّقُوا بِمَذَاهِبِهِمْ فِي تَخْلِيدِ الْمُذْنِبِينَ فِي النَّارِ، وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى:(فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ) وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى:(مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ)، وَهَذِهِ الْآيَاتُ فِي الْكُفَّارِ".( )

ويقول ابن الوزير اليماني في تفسيره لقوله تعالى:(ولا يقبل منها شفاعة ولا يؤخذ منها عدل)."لكنها في الكافرين كما قال سبحانه في سورة الحديد في خطاب المنافقين (فَالْيَوْمَ لَا يُؤْخَذُ مِنكُمْ فِدْيَةٌ وَلَا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مَأْوَاكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلَاكُمْ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ)الحديد:أية 15، وفي تخصيصهم بالذكر إشارة إلى القبول من المسلمين بمقتضي مفهوم الصفة والمسلمون أيضا باقون على الأصل في حسن ذلك".( )

ثانياً: لقد ثبتت عدة أحاديث في هذا الباب، فعن رسول صلى الله عليه وسلم أنه قال:(شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي).( ) وأنه صلى الله عليه وسلم قال:"ليس من نبي إلا وقد أعطي دعوة وإني قد اختبأت دعوتي شفاعة لأمتي، وهي نائلة إن شاء الله منهم من لم يشرك بالله شيئاً".( )
وإذا ثبتت الشفاعة لأهل الكبائر؛ فلا بد من أن تكون الشفاعة المنفية في الآية إنما هي الشفاعة للكفار جمعاً بين الآية والأحاديث.( )

ثالثاً: ومما يثبت أن الآية في الكافرين أن الخطاب فيها مع قوم كافرين، وهم اليهود الذين كانوا يعتقدون أن آباءهم الأنبياء يشفعون لهم، فنزلت هذه الآية لرد هذا الاعتقاد وبيان أنه لا ينفعهم عنده إلا التوبة إليه من كفرهم والإنابة من ضلالهم، وجعل ما سن فيهم من ذلك إماماً لكل من كان مثل منهاجهم؛ لئلا يطمع ذو إلحاد في رحمته.( )
وأما قول المعتزلة بأن قوله تعالى(واتقوا يوما لا تجزى نفس عن نفس شيئا ولا يقبل منها عدل ولا تنفعها شفاعة) بأنه عام في نفي شفاعة النبي وغيره. يقول الإيجي في بيان بطلانه:"إنه لا عموم له في الأعيان، لأن الضمير لقوم معينين فلا يلزم أن لا تنفع الشفاعة غيرهم ولا في الزمان لأنه لوقت مخصوص فلا يلزم عدم نفعها في غير ذلك الوقت".( )

الدليل الثاني:

قول الله تعالى:(مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ) سورة غافر:18.
يقول شيخ المعتزلة القاضي عبد الجبار الهمذاني:"إن الله تعالى بين في هذه الآية أن الظالم لا يشفع له النبي صلى الله عليه وسلم، وأن الشفاعة لا تكون إلا للمؤمنين لتحصل لهم مزية في التفضل وزيادة في الدرجات مع ما يحصل له صلى الله عليه وسلم من التعظيم والإكرام".( )

المناقشة:

أولاً:إنَّ المراد بالظالمين في الآية هم الكافرون،لأن الظلم إذا أطلق انصرف إلى الكفر، إذ أنَّ الكفر أعظم الظلم، بدليل قول الله تعالى:(إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ) لقمان13.( ) ويقال أية سورة غافر مثلها تماما في المعنى أية الشعراء، فقال تعالى فيها حاكيًا عن أهل النار قولهم:(فما لنـا من شافعين ولا صديق حميم فلو أنّ لنا كرّةً فنكون من المؤمنين) الشعراء الآيات:100-102.
فعلى ذلك فالشفاعة المنفية عن الكفار، وصاحب الكبيرة ليس بكافر، فيبطل الاستدلال بالآية.وقد ذهب إلى تأويل الظالمين بالكافرين أو المشركين مفسرو أهل السنة وغيرهم،وبيان ذلك: يقول الحافظ البيهقي:الظالمـون هاهنا هم الكافرون، ويشهد لذلك مفتتح الآية إذ هي في ذكر الكافرين.( )

ويقول ابن جرير الطبري في تفسير الآية:"وقوله:(مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ) يقول جلّ ثناؤه:ما للكافرين بالله يومئذ من حميم يحم لهم، فيدفع عنهم عظيم ما نزل بهم من عذاب الله، ولا شفيع يشفع لهم عند ربهم فيطاع فيما شفع، ويُجاب فيما سأل".( )
وقال الحافظ ابن كثير في تفسير الآية:"وقوله:(مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ يُطَاعُ) أي:ليس للذين ظلموا أنفسهم بالشرك بالله من قريب منهم ينفعهم، ولا شفيع يشفع فيهم، بل قد تقطعت بهم الأسباب من كل خير".( )

يقول القرطبي:"وإنما المراد بها الكافرون دون المؤمنين، بدليل الأخبار الواردة في ذلك، وأيضا فإنَّ الله تعالى أثبت شفاعة لأقوام ونفاها عن أقوام، فقال في صفة الكافرين:(فما تنفعهم شفاعة الشافعين) وقال:(ولا يشفعون إلا لمن ارتضى)، وقال:(ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له)، فعلمنا بهذه الجملة أن الشفاعة إنما تنفع المؤمنين دون الكافرين".( )
ويقول المفسر الألوسي:إن الكاملين في الظلم؛ هم الكافرين، لقوله تعالى:(إن الشرك لظلم عظيم) سورة لقمان:آية 13.( ) ويقول ابن الجوزي: ( )،وابن جزي الكلبي.( )في تفسير(ما للظالمين) يعني الكافرين.

وذهب الإمام الباقلاني إلى أن الظلم الوارد في قول الله تعالى:(ما للظالمين من حميم ولا شفيع يطاع). معناه:الكفر،( ) واستدل الباقلاني بقوله تعالى:(إن الشرك لظلم عظيم) سورة لقمان آية 13. ثم قال:(ولهذا لما نزل قوله تعالى:(الذين امنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم) سورة الأنعام: آية 82.. حزن الصحابة رضي الله عنهم حتى قالوا:وأينا لم يلبس إيمانه بظلم؟ فقال صلى الله عليه وسلم:"ليس هو كما تظنون، وإنما هو من قول لقمان لأبنه:(يا بني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم) سورة لقمان: آية 13.( ) فدلَّ أن لا شفاعة تنفع الكافر، والمؤمن بخلاف ذلك، وإن كانت له سيئات.( )

ومما يدل على صحة ما ذهب إليه الباقلاني قوله تعالى:(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَنفِقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لاَّ بَيْعٌ فِيهِ وَلاَ خُلَّةٌ وَلاَ شَفَاعَةٌ وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ) سورة البقرة:254.

ثانياً:إنَّ لفظ الظالمين؛إما أن يدل على الاستغراق، وإما ألا يدل عليه. فإن أفاد الاستغراق كان المراد من الظالمين مجموعهم، ويدخل في مجموع هذا الكلام الكفار، ونحن نقول بعدم استحقاق هذا المجموع للشفاعة، لأن بعضا منه هم الكفار، وليس لهم شفيع، فحينئذ لا يكون لهذا المجموع شفيع. وإن لم يفد الاستغراق؛ كان المراد من الظالمين بعض من كان موصوفاً بهذه الصفة، وعندنا أن بعض الموصوفين بهذه الصفة ليس لهم شفيع، وهم الكافرون؛ وإذا فعلى كلا الاحتمالين فليس في الآية دلالة على نفي الشفاعة لأصحاب الكبائر.( )
يقول القرطبي:"هذه الآيات عامة في كل ظالم، والعموم لا صيغة له فلا تعم هذه الآيات كل من يعمل سوءا وكل نفس، وإنما المراد بها الكافرون دون المؤمنين، بدليل الأخبار الواردة في ذلك، وأيضا فإن الله تعالى أثبت شفاعة لأقوام ونفاها عن أقوام فقال في صفة الكافرين:(فما تنفعهم شفاعة الشافعين) وقال:(ولا يشفعون إلا لمن ارتضى)، وقال:(ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له) فعلمنا بهذه الجملة أن الشفاعة إنما تنفع المؤمنين دون الكافرين....ونحن إن قلنا بعموم العذاب لكل ظالم عاص فلا نقول إنهم مخلدون فيها، بدليل الأخبار التي رويناها وبدليل قوله:(ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء) وقوله:(إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرين) فإن قالوا فقد قال تعالى:(ولا يشفعون إلا لمن ارتضى) والفاسق غير مرتضى، قلنا:لم يقل لمن لا يرضى وإنما قال:(لمن ارتضى) ومن ارتضاه الله للشفاعة هم الموحدون، بدليل قوله:(لا يملكون الشفاعة إلا من اتخذ عند الرحمن عهدا)".( )

ثالثاً:إنَّ الله تعالى نفى في الآية شفيعاً يطاع، وهذا لا يدل على نفي الشفيع، ألا ترى أنك إذا قلت: ما عندي كتاب يباع، لا يلزم منه نفي الكتاب. ثم إن الآية تدل على أنه ليس لهم يوم القيامة شفيع يطيعه الله تعالى؛ لأنه ليبس في الوجود أحد أعلى حالا ًمن الله تعالى حتى يقال: إن الله يطيعه.( ) وإذا فنفي الشفيع المطاع لا يقتضي نفي الشفاعة وعليه فلا دلالة في الآية على نفي الشفاعة لأصحاب الكبائر؛ وبذلك يبطل استدلال المعتزلة بهذه الآية.

الدليل الثالث:

قال تعالى:(ولا يشفعون إلا لمن ارتضى) سورة الأنبياء:28.
يقول القاضي عبد الجبار:الآية تدل على أن الشفاعة لا تكون إلا لمن كانت طرائقه مرضية، وأن الكافر والفاسق ليسا من أهلها.( ) يقول فخر الدين الرازي:"احتجت المعتزلة بقوله تعالى : (وَلا يَشْفَعُونَ إِلا لِمَنِ ارْتَضَى) على أن الشفاعة في الآخرة لا تكون لأهل الكبائر لأنه لا يقال في أهل الكبائر إن الله يرتضيهم".( )

المناقشة:

إن معنى الآية:ولا يشفعون إلا لمن رضي الله تعالى أن شفعوا له وأذن فيه. ومن ارتضاه الله تعالى للشفاعة هم الموحدون. يقول ابن عباس والضحاك:(إلا لمن ارتضى) أي:لمن قال لا إله إلا الله( ). ومما يدل على أن الآية في الموحدين قوله تعالى:(لا يملكون الشفاعة إلا من اتخذ عند الرحمن عهداً) سورة مريم:آية 87. يقول المفسرين:إلا من قال لا إله إلا الله. فإن قالوا: المرتضي هو التائب الذي اتخذ عند الله عهداً بالإنابة إليه، بدليل أن الملائكة استغفروا لهم. قال تعالى:(فأغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك وقهم عذاب الجحيم) سورة غافر:آية7. وكذا شفاعة الأنبياء عليهم السلام إنما عي لأهل التوبة دون أهل الكبائر. قلنا: عندكم يجب على الله تعالى قبول التوبة، فإذا قبل الله توبة المذنب، فلا يحتاج إلى الشفاعة، ولا إلى الاستغفار. وأيضاً: فقد أجمع أهل التفسير على أن المراد بقوله تعالى:(فاغفر للذين تابوا) من الشرك (واتبعوا سبيلك) سبيل المؤمنين سألوا الله أن يغفر لهم ما دون الشرك من ذنوبهم، كما قال تعالى:(ويغفر ما دون ذلك لمن يشاءُ) سورة النساء:آية 48.( ) وعلى ذلك، فالآية ليس فيها نفي للشفاعة، وإنما حصر لها للموحدين، وصاحب الكبيرة مما سوى الشرك الموحد، وعليه فيبطل استدلالكم بالآية.

إن هذه الآية وغيرها من الآيات التي تنفي الشفاعة بإطلاق فهي من المطلق المقيَّد، وتقييدها يكون بالآيات التي تثبتها بشروط، وتبقى الآيات التي تنفي عدم استحقاق الكافرين للشفاعة موافقة لعموم نفي الشفاعة، وهذا لا إشكال فيه، وبهذا يكون الجمع بين الآيات الشفاعة الواردة بشأن الشفاعة، وهذا الجمع بين الآيات هو ما قرره العلماء.

يقول ابن الوزير اليماني:إنه لابد من حمل الآيات المطلقة على المقيدة والعامة على الخاصة، فالله تعالى نفى الشفاعة في آية مطلقا وقد استثنى ما أذن فيه من الشفاعة بقوله في آية:(من بعد أن يأذن الله لمن يشاء ويرضى). ( ) ويقول:"قوله تعالى:(من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه ولا خلّة ولا شفاعة)البقرة:254, فأطلق نفي الخلّة والشّفاعة في هذه الآية عن كلّ أحد, ثمّ قيّده في قوله تعالى:(الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدوٌ إلا المتّقين) الزخرف:67, وقال تعالى:(ولا يشفعون إلا لمن ارتضى وهم من خشيته مشفقون)الأنبياء:28, فأثبت الخلّة والشّفاعة لمن اتّقى, ولمن ارتضى بعد أن نفاهما مطلقاً, وكذلك ما ورد في خروج أهل الإسلام من النّار من صحيح الأخبار".( )

قال شيخ الإسلام ابن تيمية جوابا على من أنكر الشفاعة لأهل الكبائر بناء على الآيات السالفة:"وَجَوَابُ أَهْلِ السُّنَّةِ أَنَّ هَذَا يُرَادُ بِهِ شَيْئَانِ:أَحَدُهُمَا:أَنَّهَا لَا تَنْفَعُ الْمُشْرِكِينَ كَمَا قَالَ تَعَالَى فِي نَعْتِهِمْ :(مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ)، (قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ)،(وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ) (وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ} (وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ)، (حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ) (فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ) فَهَؤُلَاءِ نُفِيَ عَنْهُمْ نَفْعُ شَفَاعَةِ الشَّافِعِينَ لِأَنَّهُمْ كَانُوا كُفَّارًا. وَالثَّانِي:أَنَّهُ يُرَادُ بِذَلِكَ نَفْيُ الشَّفَاعَةِ الَّتِي يُثْبِتُهَا أَهْلُ الشِّرْكِ وَمَنْ شَابَهَهُمْ مِنْ أَهْلِ الْبِدَعِ".( )

ويقول الآمدى في الرد على استدلاهم بالقرآن الكريم:"وأما إنكار الشفاعة للمذنبين والعصاة من المسلمين، فذلك إنما هو فرع مذهب أهل الضلال...وما ذكروه من الآيات والظواهر السمعيات، فمحمول على الكافرين المستحلين لما يأتونه، المستوجبين لما يقترفونه، دون العصاة من المؤمنين، ومن أذنب ذنبا من المسلمين، ودليل التخصيص في ذلك قوله تعالى:(إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالا بَعِيدًا) النساء:آية116، ومع قيام الدليل المخصص لها يمتنع القول بتعميمها".( )

ويقول العلامة الشنقيطي في تفسيره قوله تعالى:(واتقوا يوما لا تجزى نفس عن نفس شيئا ولا يقبل منها شفاعة ولا يؤخذ منها عدل ولا هم ينصرون) سورة البقرة:48. قال:"قوله تعالى:(وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ) ظاهر هذه الآية عدم قبول الشفاعة مطلقاً يوم القيامة. ولكنه بين في مواضع آخر أن الشفاعة المنفية هي الشفاعة للكفار، والشفاعة لغيرهم، بدون إذن رب السموات والأرض. أما الشفاعة للمؤمنين بإذنه فهي ثابتة بالكتاب، والسنة، والإجماع. فنص على عدم الشفاعة للكفار بقوله:(وَلاَ يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنِ ارتضى) سورة الأنبياء:28، وقد قال:(وَلاَ يرضى لِعِبَادِهِ الكفر)الزمر:7، وقال تعالى عنهم مقرراً له:(فَمَا لَنَا مِن شَافِعِينَ) سورة الشعراء:100، وقال:(فَمَا تَنفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشافعين) سورة المدثر:48، إلى غير ذلك من الآيات".( )

ويقال للمعتزلة بأن قولكم بأن الشفاعة المذكورة هي أن يشفع النبي صلى الله عليه وسلم إلى الله تعالى في زيادة فضله لأهل الجنة برفع درجاتهم هول قول فاسد، وبيان ذلك أن الله تعالى وعدهم ذلك الفضل فقال تعالى:(يوفيهم أجورهم ويزيدهم من فضله) والله تعالى لا يخلف وعده، فإنما يشفع إلى الله تعالى عندكم من أن يخلف وعده، وهذا جهل منكم، وإنما الشفاعة المعقولة فيمن استحقه عقابا أن يوضع عنه عقابه، أو في من لم يعده شيئا أن يتفضل عليه به، فأما إذا كان الوعد بالتفضل سابقا فلا وجه لهذا.( )

الدليل الرابع:

قال تعالى:(أفمن حق عليه كلمة العذاب أفأنت تنقذ من في النار).سورة الزمر:19.
يقول القاضي عبد الجبار:"الآية تدل على أن من أخبر اله تعالى أنه يعذبه لا يخرج من النار، فإذا صح أنه أخبر بذلك في الفجار والفساق، فيجب ذلك فيهم...ويدل أيضاً:على أنه صلى الله عليه وسلم لا يشفع لهم؛ لأنه لو شفع لهم لوجب أن يكون منقذاً من النار وقد نفى الله تعالى عنه ذلك".( )

المناقشة:

يقال للمعتزلة إن الآية في أهل الكفر والضلال، وليست في أهل التوحيد والإيمان. يقول الطبري:(أفمن حق عليه كلمة العذاب) سورة الزمر:19. أفمن وجبت عليه كلمة العذاب في سابق علم ربك يا محمد بكفره.( ) وبكلمة العذاب:هي قوله تعالى لإبليس:(لأملأن جهنم منك وممن تبعك منهم أجمعين) سورة ص:58.( )

وإذا كانت الآية في الكافر، فلا دلالة فيها على نفي الشفاعة عن صاحب الكبيرة، لأنه ليس ممن حقت عليه كلمة العذاب، كيف يكون ممن حقت عليه كلمة العذاب مع قوله تعالى:(إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر دون ذلك لمن يشاء) سورة النساء:48. وقوله تعالى:(إن الله يغفر الذنوب جميعاً إنه هو الغفور الرحيم) سورة الزمر:53. وقوله صلى الله عليه وسلم:(من شهد أنه لا إله إلا الله، وأن محمد رسول الله حرم الله عليه النار)( ).( ) وغيرها من النصوص الدالة على الوعيد بالمغفرة لما مات لا يشرك بالله شيئاً. وصاحب الكبيرة ليس بمشرك. فإذا فالآية ليست في صاحب الكبيرة، وعليه فيبطل الاستدلال بها على نفي الشفاعة لصاحب الكبيرة. وعلى التسليم بأن هذه الآية في أهل الكبائر، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم لا ينقذ أحداً بنفسه، وبدون مشيئة الله وإذنه؛ بل لا يشفع إلا لمن ارتضى الله وأذن بالشفاعة له، وصاحب الكبيرة ممن ارتضى الله أن يشفع له؛ لأنه مؤمن موحد.

يقال للمعتزلة:إن قول الله تعالى:(فهل لنا من شفعاء فيشفعوا لنا أو نرد فنعمل غير الذي كنا نعمل(. وقوله عز وجل:(فكبكبوا فيها هم والغاوون وجنود إبليس أجمعون قالوا وهم فيها يختصمون تالله إن كنا لفي ضلال مبين إذ نسويكم برب العالمين وما أضلنا إلا المجرمون فما لنا من شافعين ولا صديق حميم(وقوله عز وجل وقد أخبر أن الملائكة قالت لأهل الكفر:)ما سلككم في سقر قالوا لم نك من المصلين ولم نك نطعم المسكين وكنا نخوض مع الخائضين وكنا نكذب بيوم الدين حتى أتانا اليقين فما تنفعهم شفاعة الشافعين( هذه كلها أخلاق الكفار فقال الله عز وجل:(فما تنفعهم شفاعة الشافعين) فدل على أن لا بد من شفاعة لغيرهم وهم أهل التوحيد خاصة. ( )

ثانياً: الأدلة العقلية:

تتمسك المعتزلة بما يرونه دلالة عقلية في إنكار الشفاعة لأهل الكبائر ومن ذلك:-
الدليل الأول:
قول القاضي عبد الجبار:"لقد دلت الدلائل على أن العقوبة تستحق على طريق الدوام، فكيف يخرج الفاسق من النار بشفاعة الرسول صلى الله عليه وسلم والحال ما تقدم؟!".( )
هذا الدليل باطل لما يلي:-

أولاً: أن الأدلة الدالة على دوام العقوبة عامة، وأدلة إثبات الشفاعة لأهل الكبائر خاصة، والخاص مقدم على العام، فوجب القطع بأن النصوص الدالة على الشفاعة مقدمة على العمومات الدالة على دوام العقوبة( )، وبهذا يزول الإشكال وتبطل هذه الشبهة.
ثانياً: هذه الشبهة تبني على القول بتخليد الفاسق في النار، وقد سبق عرض شيء من الشبهات الواردة حول هذا عند الكلام على رأي المعتزلة في الوعيد، وإبطالها، فإذا بطل الأصل بطل الفرع.

الدليل الثاني:

يقول القاضي عبد الجبار:"أليس أن الأمة اتفقت على قولهم: اللهم اجعلنا من أهل الشفاعة، فلو كان الأمر على ما ذكرتموه لكان يجب أن يكون هذا الدعاء دعاء لأن يجعلهم الله تعالى من الفساق، وذلك خلف".( )
ويقول فخر الدين الرازي:"واستدلت المعتزلة على إنكار الشفاعة لأهل الكبائر بوجوه...إلى أن قال: وسابعها:أن الأمة مجمعة على أنه ينبغي أن نرغب إلى الله تعالى في أن يجعلنا من أهل شفاعته عليه السلام، ويقولون في جملة أدعيتهم:(واجعلنا من أهل شفاعته) فلو كان المستحق للشفاعة هو الذي خرج من الدنيا مصراً على الكبائر؛ لكانوا قد رغبوا إلى الله تعالى في أن يختم لهم مصرين على الكبائر".( )
المناقشة:
يقول القرطبي في معرض الرد على هذه الشبهة:"إنما يطلب كل مسلم شفاعة الرسول صلى الله عليه وسلم، ويرغب إلى الله في أن تناله لاعتقاده أنه غير سالم من الذنوب، ولا قائم بكل ما افترض الله عليه، بل كل واحد معترف على نفسه بالنقص، فهو لذلك يخاف العقاب ويرجو النجاة. قال صلى الله عليه وسلم: سددوا وقاربوا وابشروا فإنه لا يدخل أحداً الجنة عمله، قالوا:ولا أنت يا رسول الله؟ قال:ولا أنا. إلا أن يتغمدني الله بمغفرة ورحمة".( ).( )
ويقول الرازي:"إما قول المسلمين:اللهم اجعلنا من أهلل شفاعة محمد صلى الله عليه وسلم. فالجواب عنه: إن عندنا تأثير الشفاعة في جلب أمر مطلوب، وأعني به القدر المشترك بين جلب المنافع الزائدة على قدر الاستحقاق، ودفع المضار المستحقة على المعاصي؛ وذلك القدر المشترك لا يتوقف على كون العبد عاصياً، فاندفع السؤال".( )
الدليل الثالث:
يقول القاضي عبد الجبار:"إن الرسول محمد صلى الله عليه وسلم إذا شفع لصاحب الكبيرة، فإما أن يشفع أو لا. إن لم يشفع لم يجز؛ لأنهن يقدح بإكرامه. وأن شفع فيه لم يجز أيضاً؛ لأنا قد دللنا على أن إثابة من لا يستحق الثواب قبيح، وأن المكلف لا يدخل الجنة تفضلاً".( )
المناقشة:
إنَّ قول القاضي عبد الجبار المعتزلي:(وإن شفع فيه لم يجز) ينبني على أن المكلف لا يدخل الجنة بفضل الله ورحمته، وإنما يدخلها بعمله، وأنه متى عمل عملاً صالحاً وجب على الله إدخاله الجنة، وإذا لم يعمل لم يجز أن يدخله الله إياها، وهذا القول باطل لما يلي:-
أولاً:إما كون الإنسان لا يدخل الجنة بفضل الله ورحمته،فيبطله قوله تعالى:(الذي أحلنا دار المقام من فضله) سورة فاطر:آية 35. وقوله صلى الله عليه وسلم:(لن ينجي أحدكم عمله، قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: ولا أنا، إلا أن يتغمدني الله برحمته).( ) فإذاً فإن دخول الإنسان الجنة بفضل الله ورحمته،( ) وإنما العمل سبب في تفضيل الله على عبده بإدخاله الجن. وأما بطلان الوجوب على الله، فلاستحالة موجب فوقه يوجب عليه شيئاً.
وإذا ثبت أن الإنسان يدخل الجنة بفضل الله ورحمته، وأنه سبحانه الفعال لما يريد، فلا يوجب عليه أحد شيئاً، فلا مانع أن يشفع الله نبيه في من شاء من عباده من أهل التوحيد المرتكبين للكبائر لتظاهر الأحاديث بثبوت الشفاعة لهم، وإذا ثبت أن الله يشفع نبيه فيهم؛ بطل قولكم، (وإن لم يشفع فيه لم يجز). لأن الشفاعة قد ثبتت، فلا مكان لهذا الاحتمال. وعليه فتبطل شبهتكم هذا.

الدليل الرابع:
يقول القاضي عبد الجبار:"ما قولكم فيمن حلف ليفعل ما يستحق به الشفاعة؟ أليس يلزمه أن يرتكب الكبيرة، ويصير من أهل الفسوق والعصيان".( )

المناقشة:

يقول الباقلاني: والجواب على هذه الشبهة من وجهين:-
أحدهما:أن نأمره بالتمسك بالإيمان دون فعل الذنوب؛ لأنَّ الشفاعة لا تنال بالذنوب، وإنما تنال بالإيمان دون الذنوب، وهذا مثل أن يشفعوا زيداً في ذنب صديقه في دار الدنيا إلى من ملك إسقاط ذلك، لا يقال: أنه نال ذلك بالذنب الذي أذنب، وإنما ناله بالصداقة المتقدمة لا نفس الذنب. ونأمره أيضاً بالطاعة حتى ينال بذلك شفاعة الرسول صلى الله عليه وسلم في الزيادة له من البر والنعيم، ونحو ذلك.

الثاني:أنا نعارضكم بمثل قولكم، فنقول لكم ما تقولون فيمن سمع قوله تعالى:(إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين) سورة البقرة:أية 222. فحلف ليفعلن فعلاً يجب عليه فيه التوبة والاستغفار..فإن قالوا: نأمره بالطاعة وفعل الخير، قلنا لهم:هذا لا يصح، لأن الإنسان لا يجب عليه التوبة والاستغفار من فعل الخير بإجماع المسلمين. وإن قلتم: نأمره بفعل المعاصي والذنوب حتى تجب عليه التوبة والاستغفار، فيتوب ويستغفر حتى يتخلص من يمينه، فقد استحللتم ما حرم الله وأمرتم بما لا يجوز لمسلم أن يأمر به.
وإن قلتم: لا نأمره بفعل المعصية، ولكن إن ابتلي بشيء من ذلك قلنا له:قد فعلت ما وجب به عليك التوبة والاستغفار وزوال حكم اليمين. قلنا لكم: نحن أيضاً نقول:لمن حلف ليفعلن فعلاً يجوز أن يشفع له فيما يستحق عليه من العقاب شفاعة الرسول صلى الله عليه وسلم. نقول له: تمسك بالطاعة والإيمان، فإن ابتليت بشيء من المعاصي، فقد خرجت من اليمين، ويجوز أن يشفع لك الرسول صلى الله عليه وسلم، لا أن نأمره بالمعصية بوجه من الوجوه.( )

ويقول ابو منصور البغدادي في الرد على شبهة المعتزلة:"وجوابنا عن هذا السؤال:إن الحالف إن حلف على أن يعمل عملا بستحق به الشفاعة حانث في يمينه لأن من نال الشفاعة في الآخرة فإنما ينالها بفضل من الله تعالى بلا استحقاق، وإن حلف أن يعمل عملا يصير به من أهل الشفاعة أمرنا بأن يعتقد أصولنا في التوحيد والنبوات وأن يجتنب البدع الضالة..". ( )
ويقول يحيى بن أبى الخير اليمانى في الجواب على شبهتهم:"إنا لا نأمره بعمل المعصية وإنما نأمره بالإرزاء بهذا السائل، لأنه أورد سؤاله هذا على سبيل الشناعة لجهله بالأخبار الواردة في الشفاعة، ونأمره بأن يتعلم الرد على القدرية والإستقامة على الإيمان، لأن ذلك طاعة لله والشفاعة إنما هي للمؤمنين على ما ابتلوا به من المعاصي، ولا يخلوا أحد من المعاصي".( )


دلالة العقل على الشفاعة:

يقول أبو سعيد النيسابوري في تجويز العقل لشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم في عصاة الموحدين:"إن قبول الشفاعة للعصاة ليس مما يحيله العقل، فإن من عصى مالكه وخالقه لا يستقبح في العقل أن تتشفع إليه بعض المختصين به، حتى يعفوا عنه،وإذا كان جائزا في العقل، فالسنة المستفيضة قد وردت به موجب الإيمان به فإن حملوه على الشفاعة -يقصد المعتزلة- لرفع الدرجات لم يصح، لأن في الخبر عن رسول الله أنه قال:شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي، وفي خبر آخر أنه يجيء إليهم فيخرجهم من النار والمطيعين لا يكونوا في النار".( )

ومن الأدلة العقلية على جواز الشفاعة في أصحاب المعاصي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي الجنازة على المذنب العاصي وغير المذنب من أمته، وكذلك الصحابة رضي الله عنهم والمسلمون إلى يومنا هذا، ولو كان الميت المذنب لا يشفع فيه ولا ينفعه الدعاء لما كان للصلاة عليه معنى. فإن قيل: فقد لقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم امتنع من الصلاة على من عليه دين، فلو قبلت شفاعته في الكبائر لكان في الدين أولى. والجواب أن هذا كان في أول الإسلام، ثم بعد ذلك لم يمتنع من الصلاة على أحد، فما داوم عليه من الفعل أولى. ويحتمل أن يكون امتناعه من الصلاة عليه ليعلمهم أن حقوق بني آدم لا بد من قضائها، وأن السيئات التي بين العبد وبين ربه عز وجل إذا غفرها له فإنه يبدل السيئات حسنات، ومن مات وعليه دين فإنه يؤخذ من حسناته وتجعل لمن له الدين، مع أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرهم أن يصلوا على ذلك الميت. وقال:"صلوا على صاحبكم"، فلو لم تنفعه صلاتهم عليه لكان أمره لهم بالصلاة عبثا.( )

--------

ENDNOTE
- انظر لسان العرب:ابن منظور 8/183.
- تاج العروس 1/5348.
- شرح الأصول الخمسة ص 688.
- انظر التعريفات للجرجاني ص 211، والنهاية في غريب الحديث ، لابن الأثير 2/485، والكليات لأبي البقاء ص 536.
- شرح العقيدة الواسطية 2/168.
-انظر العقيدة الطحاوية 1/282-290.
- الفقه الأكبر:أبو حنيفة ص 41.
- مقالات الإسلاميين واختلاف المصلين: أبو الحسن الأشعري 2/116.
- الإبانة في أصول الديانة:أبو الحسن الأشعري 1/20.
- انظر رسالة إلى أهل الثغر ص97.
- لمعة الاعتقاد:الشيخ عبد الله بن أحمد بن قدامة المقدسي 1/134.
- رواه أحمد في المسند، رقم 13245،3/213، قال الشيخ شعيب الأرنؤوط :إسناده صحيح. رواه الترمذي رقم 2436،4/625، باب 11 (منه) قال الشيخ الألباني: صحيح.
- المواقف:الإيجي ص 380.
- عقيدة السلف أصحاب الحديث ص 61.
- مجموع الفتاوى 1/116.
- مجموع الفتاوى 1/318.
- شرح العقيدة الطحاوية 1/294.
- شرح مسلم 3/35.
- انظر التفسير الكبير:فخر الدين الرازي 3/62-66.
- انظر التفسير الكبير:فخر الدين الرازي 12/145.
- انظر التفسير الكبير:فخر الدين الرازي 3/62.
-رواه مسلم رقم،202، كتاب الإيمان، بَاب دُعَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأُمَّتِهِ وَبُكَائِهِ شَفَقَةً عَلَيْهِمْ.
- انظر التفسير الكبير:فخر الدين الرازي 3/63.
- انظر التفسير الكبير:فخر الدين الرازي 22/160.
- انظر التفسير الكبير:فخر الدين الرازي 3/63.
- تفسير الطبري: ابن جرير الطبري 24/37.
- التفسير الكبير:فخر الدين الرازي 16/171.
- إيثار الحق على الخلق:ابن الوزير 1/359.
- انظر المصدر السابق 1/370،374، 379.
- الإبانة: أبو الحسن الأشعري 1/20.
- الإرشاد إلى قواطع الأدلة في أصول الاعتقاد: أبو المعالي عبد الملك الجويني 330-331.
-مجموع الفتاوى 7/486.
- منهاج السنة النبوية 6/204.
- الانتصار في الرد على المعتزلة القدرية الأشرار: يحيى بن أبى الخير اليمانى 3/698.
-رواه مسلم رقم 199،كتاب الإيمان،باب احتباء النبي صلى الله عليه وسلم دعوة الشفاعة للأمة. ورواه الترمذي رقم 3602، كتاب الدعوات،باب فضل لا حول ولا قوة إلا بالله، قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح، قال الشيخ الألباني:صحيح.وانظر سلسلة الأحاديث الصحيحة للألباني رقم 1551.
-رواه الترمذي رقم 2435،2436،كتاب صفة القيامة والرقائق والورع،11 باب منه،قال أبو عيسى:هذا حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه، ورواه أبو داود رقم 4739،كتاب السنة،باب في الشفاعةورواه ابن ماجه رقم 4385،قال الألباني: صحيح وذكره في سلسلة الأحاديث الصحيحة رقم 1551. ومعنى صبائر:الجماعات المتفرقة.
- رواه أحمد في المسند، رقم 13245،3/213، قال الشيخ شعيب الأرنؤوط :إسناده صحيح. رواه الترمذي رقم 2436،4/625، باب 11 (منه) قال الشيخ الألباني: صحيح.
-رواه ابن ماجة رقم 4393.قال الشيخ ناصر الدين الألباني: صحيح.
- رواه البخاري رقم6509. كتاب التوحيد، باب كلام الرب عز وجل يوم القيامة مع الأنبياء وغيرهم. ومسلم رقم 193،كتاب الرقاق، باب صفة الجنة.
- رواه البخاري رقم 6558.كتاب الإيمان، باب أدنى الجنة منزلة فيها، ومسلم رقم 191،كتاب الرقاق، باب صفة الجنة،والثعارير: قثاء صغار.والضغابيس:جمع ضغبوس نبت يخرج في أصول الشجر والإذخر لا ورق له وفيه.
- لوامع الأنوار البهية وسواطع السرار الأثرية:محمد السفاريني 2/212.
- شرح الأصول الخمسة ص
- المصدر السابق ص 690.
- مقالات الإسلاميين واختلاف المصلين 2/166.
- الإبانة في أصول الديانة1/14.
- انظر الفصل والملل:ابن حزم الظاهري 4/53.
- الشريعة:أبو بكر محمد بن الحسين الآجري 1/337.
- مجموع الفتاوى الكبرى:ابن تيمية 6/659،637.
- مجموع الفتاوى الكبرى:ابن تيمية 3/374.
-طريق الهجرتين:ابن القيم 1/568 374.
- انظر الملل والنحل للشهرستاني 1/45.
- متشابه القرآن 1/97.
- تفسير ابن كثير 1/313.
- تفسير ابن كثير 1/315 -بتصرف بسيط-.
- تفسير الطبري 2/280.
- تفسير القرطبي 2/12.
- تفسير ابن سعدي 1/49.
- انظر المواقف:الأيجي ص 377.
- متشابه القرآن 2/609.
- شرح الأصول الخمسة ص660،661.
- تفسير الطبري 25/98، وانظر زاد المسير7/329، وتفسير أبي السعود 5/49.
- تفسير فتح القدير:الشوكاني 4/ 804.
- التفسير الكبير27/227
- روح المعاني:الألوسي 18/404.
- تيسير الرحمن الرحيم في تفسير القرآن:عبد الرحمن الناصر بن سعدي 1/770.
- أخرجه البخاري رقم 22،.كتاب الإيمان، باب تفاضل أهل الإيمان بالأعمال. ورواه مسلم رقم 184،كتاب الإيمان، باب إثبات الشفاعة وإخراج الموحدين من النار.
- التفسير الكبير:الرازي 3/171.
- متشابه القرآن 2/682.
- التفسير الكبير:الرازي 31/85.
- جامع البيان للطبري 30/56.
- تفسير زاد المسير 9/49.
- التفسير الكبير:الرازي 31/85.
- التفسير الكبير:الرازي 31/86 يتصرف.
- المواقف:الإيجي ص 377-378.
- متشابه القرآن 1/178.
- سبق تخريجه.
- تفسير القرطبي5/54.
- شرح الأصول الخمسة ص659.
- متشابه القرآن1/201، 202، وانظر شرح الأصول الخمسة ص659.
- مختصر تفسير الطبري 1/119.
- تفسير القرطبي 5/334.
- تفسير أبي السعود 2/217.
- مختصر تفسير الطبري 1/119.
- تفسير أبي السعود 2/217، بتصرف.
- تفسير أبي السعود 2/217، بتصرف.
- انظر متشابه القرآن 1/202.
- أخرجه البخاري رقم18، كتاب الإيمان، الباب العاشر. ورواه مسلم رقم 1709،كتاب الحدود، باب الحدود كفارات لأهلها.
- أخرجه مسلم رقم 2766. كتاب التوبة باب قبول التوبة وإن كثر قتله.
- المواقف ص 376.
- شرح الأصول الخمسة ص135، 136.
- متشابه القرآن 2/626.
- شرح الأصول الخمسة ص136.
- سبق تخريجه.
- انظر عمدة القارئ 1/186.
- سبق تخريجه.
- هو بكر بن محمد بم حبيب بن بقية من مازن شيبان، أحد الأئمة في النحو، من أهل البصرة، ووفاته فيها سنة 249هـ. له مؤلفات، منها: كتاب ما تلحن فيه العامة، والعروض، يقول الطحاوي سمعت القاضي بكار بن قتيبة يقول: ما رأيت نحوياً قط يشبه الفقهاء إلا حيان بن هرمة، والمازني. انظر وفيات الأعيان 1/283-286.
- فتح الباري1/68.
- القول السديد ص15، بتصرف.
- شرح الأصول الخمسة ص136.
- انظر القول السديد ص15، 230، مدارج السالكين 1/396.
- شرح الأصول الخمسة ص666، وانظر ص650.
- أخرجه البخاري رقم 6463، كتاب الرقاق، باب القصد والمداومة على العمل، وأخرجه مسلم رقم 2816، كتاب صفة القيامة والجنة والنار. باب لن يدخل أحد الجنة بعمله بل برحمة الله تعالى.
- شرح الأصول الخمسة ص666.
- سبق تخريجه.
- انظر الحصن والجنة في عقيدة أهل السنة ص99، 100.
- انظر شرح الأصول الخمسة ص666.
- متشابه القرآن 1/90،91.
1- تفسير الكشاف:الزمخشري 1/88.
- تفسير الطبري 1/31.
- تفسير القرطبي 1/347.
- تفسير الطبري 2/33.
- زاد المسير 1/77.
- تفسير القرآن العظيم:ابن كثير 1/256.
- الدر المنثور:السيوطي1/79.
- تفسير أنوار التنزيل وأسرار التأويل: البيضاوي
- تفسير التسهيل لعلوم التنزيل:ابن جزي الغرناطي
- تفسير إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم: أبو السعود
- شرح العقيدة الواسطية 1/149.
- شرح مسلم:النووي 3/35.
- إيثار الحق على الخلق:ابن الوزير اليماني1/264.
- سبق تخريجه.
- انظر الترغيب والترهيب 1/378.
- انظر تفسير الطبري 2/33، القرطبي1/347.
- تفسير الطبري 2/33، وزاد الميسر 1/77، بتصرف.
- المواقف:الإيجي ص 380.
- متشابه القرآن 2/600.
- الهداية الربانية في شرح العقيدة الطحاوية عقيدة أَهْل السنة والجماعة:عبد العزيز بن عبد الله الراجحي
- شعب الإيمان 1/205.
- تفسير الطبري 21/369.
- التفسير العظيم: ابن كثير 7/137.
- تفسير القرطبي 1/347.
- روح المعاني 24/59
- زاد المسير 10/77.
- التسهيل لعلوم التنزيل 4/7.
- انظر التمهيد ص 371، والإنصاف:الباقلاني ص 154.
- أخرجه البخاري رقم 4776، كتاب التفسير، باب ولا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم، أخرجه مسلم رقم 124، كتاب الإيمان، باب صدق الإيمان وإخلاصه.
- الإنصاف:الباقلاني ص 154، بتصرف.
- التفسير الكبير:الرازي 2/69،27/32.
- تفسير القرطبي 1/374.
- التفسير الكبير:الرازي 27/51 .
-متشابه القرآن 2/499.
- التفسير الكبير:الرازي 3/64، 22/160.
- التفسير الكبير:الرازي 22/160.
- تفسير القرطبي 1/379، التفسير الكبير:الرازي 3/64.
- إيثار الحق على الخلق:ابن الوزير 1/151-152.
- الروض الباسم:ابن الوزير اليماني
- مجموع الفتاوى 1/149.
- غاية المرام فى علم الكلام: الآمدى 2/309.
- تفسير أضواء البيان:الشنقيطي 1/40.
- الإبانة:أبو الحسن الأشعري:1/244 بتصرف.
- متشابه القرآن 2/592.
- تفسير الطبري 23/133.
-انظر تفسير أبي السعود 24/606.
- الحديث أخرجه مسلم رقم 29، كتاب الإيمان باب الدليل على أن من مات على التوحيد دخل الجنة قطعاً.
- انظر التفسير الكبير 26/263.
- الشريعة:أبو بكر محمد بن الحسين الآجري 1/340.
- شرح الأصول الخمسة.
- الأربعين في أصول الدين- بتصرف- ص400، 423،.
- شرح الأصول الخمسة ص 692.
- التفسير الكبير 2/61.
- رواه البخاري رقم 6467، كتاب الرقاق،باب القصد والمداومة على العمل.
- تفسير القرطبي 1/ 380،381.
- التفسير الكبير 2/69.
- شرح الأصول الخمسة ص 689.
-سبق تخريجه.
- انظر المواقف 376.
- شرح الأصول الخمسة ص693أوانظر أصول الدين ابو منصور البغدادي ص 244-245.
- الإنصاف ص 175،176 بتصرف.
- أصول الدين ص 245.
- الانتصار في الرد على المعتزلة القدرية الأشرار: يحيى بن أبى الخير اليمانى 3/705.
- الغنية في أصول الدين:أبو سعيد النيسابوري 1/172.
- الانتصار في الرد على المعتزلة القدرية الأشرار: يحيى بن أبى الخير اليمانى3/696.


عن الكاتب

A. Fatih Syuhud

التعليقات


جميع الحقوق محفوظة

الكتب الإسلامية