الكتب الإسلامية

مجموعة الكتب والمقالات الإسلاية والفقه علي المذاهب الأربعة

recent

آخر الأخبار

recent
جاري التحميل ...

مباحث الهبة علي المذاهب الأربعة

مباحث الهبة علي المذاهب الأربعة

المحتويات



مباحث الهبة تعريفها

*-كل من شأنه أن يقرب من قلوب الناس فيها المحبة ويؤكد روابط الود مطلوب في نظر الشريعة الإسلامية ويتفاوت طلبه بتفاوت حاجة الناس إليه، فما كان لازماً ضرورياً لحياتهم كان القيام به فرضاً لازماً على كل فرد من الأفراد كزكاة الأموال التي فرضها اللّه تعالى بقوله: {والذين في أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم} لأن لا بد منه في هذه الحياة الدنيا أن يوجد أفراد بين الناس عاجزون عن سلزك سبل الحياة وتحصل الضروري من القوت.

فمن المفروض إنقاظ هؤلاء وإعطائهم ما يدفع غائلة الجوع والعري.
أما ما زاد على ذلك من إنفاق المال وبذله، فهو مندوب، لما فيه من إيجاد التألف والتحاب.

فالهبة مندوبة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "تهادوا تحابوا"
فمن تصدق بهيبته التحبب إلى الناس روابط الأخوة الإسلامية التي قال اللّه تعالى في شأنها {إنما المؤمنون إخوة} وقصد امتثال النبي صلى اللّه عليه وسلم فإنه يثاب على هبته بقدر نيته.

أما من وهب ماله أو اهاده لغرض خسيس لا يقره ورسوله فإنه يعاقب بقدر نيته. كما قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "إنما الأعمال بالنيات"
ومعنى الهبة في اللغة التفضل على الغير ولو مال قال اللّه تعالى: (فهب لي من لدنك ولياً).

أما معناها في اصطلاح الفقاء ففيه تفصيل المذاهب (1).

(1) (الحنفية - قالوا: الهبة تمليك العين بلا شروط العوض في الحال.
ومعنى ذلك ان الشخص الذي يملك عيناً صحيحاً يصح له أن يملكها غيره من غير أن يتوقف ذلك التمليك على عوض يأخذه صاحب العين المرهوب له.

وهذا لا ينافي أن للمالك أن يهب تلك العين بشرط أن بأخذ عوضاً وهي الهبة بشرط العوض.
لأن الغرض نفى كون مشروطاً في صحة الهبة.
أما كونها قد لا يفعلها إلا الوض فذلك كما إذا قال له وهبتك هذه الدار بشرط أن تعطني مائة جنيه.
فقوله تمليك جنس يشمل البيع والهبة وغيرهما.
وقوله العين فصل يخرج تمليك المنافع من إجارة وعارية ونحوهما. ولكنه يخرج هبة الدين لغير المدين لأن الدين لا يسمى عيناً.
فإذا كان لشخص مائة جنيه ديناً على آخر فوهبها لشخص آخر وأمره بقبضها فإن الهبة تصح لأن الموهوب له أن بقبض المائة أولاً بالنيابة عن صاحبها ثم يكون قابضاً لها عن نفسه لأنها موهوبة له.

نعم لا تصح الهبة إلا إذا امره بالقبض. ولا تلزم إلا بالقبض فإذا رجع الواهب قبل القبض بطلت الهبة.
الجواب: ان الدين وغن كان لا يسمى عيناً وهو دين إلا أنه يصير مالاً بعد أن يأذنه بالقبض ثم يقبضه بالنيابة فإنه يصير بعد ذلك عيناً لا ديناً فتصح هبته فالمراد ما هو في الحال أو المآل.

أما هبة الدين لمن عليه الدين فإنها ليست هبة حقيقة بل هي مجاز عن إبرائه من الدين فهي إسقاط وإن كانت بلفظ الهبة.
وقوله بلا شرط العوض، فصل أخرج البيع ونحوه مما يشترط فيه العوض، ولكن تدخل فيه الصدقة لأنها تمليك العين بلا عوض.
وأجاب بعضهم بأن التعريف هنا تعريف بالأعم وهو جائز في مثل هذه التعارف وقد يقال إن الصدقة ملاحظ فيها وجه اللّه تعالى فقط.
أما الهبة فيلاحظ فيها خاطر الموهوب له سواء كان ذلك مع ملاحظة وجه اللّه أو لا كما يقول المالكية فإذا لوحظ ذلك في التعريف يكون حسناً.

وقوله: في الحال فصل يخرج الوصية لأنها تمليك بلا عوض في المستقل.
المالكية - قالوا: الهبة تمليك لذات بلا عوض لوجه الموهوب له وحده وتسمى هدية.
ومعنى ذلك أن الشخص الذي عيناً ملكاً صحيحاً له أن يملكها غيره بدون مقابل يأخذه مرضاة لذلك الشخص بقطع النظر عن الثواب الأخروي فالتمليك على هذا الوجه يسمى هبة.
فقوله تمليك جنس يشمل الهبة والبيع ونحوهما.

وقوله: لذات فصل يخرج المنافع كالعارية والوقف ونحوهما.
وقوله: بلا عوض فصل يخرج ونحوه مما يشترط فيه العوض.
وقوله: لوجه الموهوب له الخ فصل الصدقة لأنها تمليك لوجه اللّه تعالى وحده أو تمليك بقصد مرضاة الشخص ومرضاة اللّه على الراجح.
وقيل الصدقة هي ما قصد بها ما قصد بها وجه اللّه وحده بدون ملاحظة المعطى (بالفتح).
الشافعية - قالوا: الهبة تطلق على معنين:

أحدهما: عام يتناول الهدية والصدقة.
ثانيهما: خاص بالهبة ويقال لها ذات الأركان.
فالمعنى تمليك تطوع حال الحياة فالتمليك خرج عنه ما ليس فيه تمليك كالعارية والضيافة والوقف لأنها إباحة وخرج بالتطوع التمليك القهري كالحاصل بالبيع، هل الزكاة والنذر والكفارة كالبيع يقع فيها التمليك قهراً أو هي لا تمليك فيها بل هي من قبيل وفاء الدين؟

والجواب: أن المستحقين في هذه الأشياء ملكهم قبل ان تدفع إليهم فإذا حال الحول على المال أصبح ملك المستحقين للزكاة متقرراً في ذمة المكلف فإعطاؤها للذمة لا تمليك جديد ومثلها النذر والفارة. وقوله الحياة أخرج الوصية.
فالمتطوع بتمليك ماله من غير عوض حال حياة يقال له: مصدق ومهدي وموهب أما المعنى الخاص فهو مقصور على الهبة وهو تمليك تطوع في حياة لا لإكرام ولا ثواب أو احتاج بإيجاب وقبول.
فقوله: لا لأجل ثواب أو احتياج أخرج الصدقة لأن المقصود منها الثواب الأخروي أو سد حاجة الفقير.
وكذلك قوله بإيجاب وقبول فإن الصدقة والهدية لا يشترط فيها الإيجاب والهبة بهذا المعنى هي مقصودة عند الإطلاق.
ومن هذا تعلم أن الصدقة هي تمليك تطوع حال الحياة لأجل الثواب أو الاحتباج، وهذا المعنى يسمى هبة، والهدية تمليك تطوع كذلك لقصد الإكرام الخ. وهذا المعنى يُسمى هبة أيضاً فكل صدقة هبة، وكل هدية هبة.

أما الهبة بالمعنى الخاص فلا تسمى صدقة ولا هدية. فإذا حلف لا يتصدق أو لا يهدي ثم وهب بالمعنى الخص فإنه لا يحنث.
أما إذا حلف لا يهب ثم تصدق أو أهدى فإنه يحنث.
ويمكن اجتماع الثلاثة فيما إذا أعطى له شيئاً إكراماً وقصد ثواب الآخرة تأتى بإيجاب وقبول فهذا يقال له هبة وصدقة وتنفرد فيما إذا يقصد الثواب أو الإكرام ويأتي بالإيجاب والقبول.
أما الصدقة والهدية فإنهما لا ينفردان لأن الإعطاء مع الإكرام يسمى هدية وهبة وكذلك الإعطاء مع قصد الثواب.
الحنابلة - قالوا: الهبة تمليك جائز التصرف مالاً معلوماً أو مجهولاً تعذر علمه موجوداً مقدوراً على تسليمه غير واجب في هذه الحياة بلا عوض.

فقوله: تمليك جائز التصرف معناه أن يكون لشخص مال مملوك فيملكه (يعطيه) لغيره بشرط أن يكون صاحب المال أهلاً للتصرف (مكلف رشيد)
وقوله: (مالاً) يشمل العقار الثابت والمنقول فإنه يصح هبته.
وقوله: (معلوماً أو مجهولاً تعذر علمه) معناه أن المال الذي يوهب لا بد أن يكون معلوماً فلا تصح هبة المجهول إلا علمه كما إذا اختلط قمح شخص بقمح جازه فإنه يصح أن يهب أحدهما قمحه لصاحبه.
وقوله: موجوداً خرج المعدوم فلا يصح هبة قبل أن تحمل به.
وقوله: مقدوراً على تسليمه خرج ما ليس كذلك كالطير في الهواء فإن هبته لا تصح.
وقوله: غير واحب خرج به المال الواجب بذله كمال الزكاة والنذر والكفارة فإنه ليس بهبته.
وقوله: بلا عوض خرج به البيع ونحوه.

والهبة والهدية والصدقة والعطيه بمعنى واحد وهو تمليك في الحياة بلا عوض إلا أنها تختلف بالنية.
فإذا أرد بإعطائه ثواب الآخرة فقد كانت صدقة.
وإن قصد إكراماً وتودداً ومكافأة كانت هدية.
وإن لم يقصد شيئاً كانت هبة وعطية).


مبحث أركان الهبة وشروطها

*-أركان الهبة ثلاثة: عاقد وهو الواهب، والموهوب له، وموهب وهو المال، وصيغة. وكل ركن من هذه الأركان له شروط مفصلة في المذاهب (1).

(1) (الحنفية قالوا: الهبة ركن واحد وهو الصيغة، وهل هي الإيجاب والقبول معاً أو الركن الإيجاب فقط ليس ركناً، فإذا قال: وهبت داري لفلان صحت الهبة ولو لم يقبل الموهوب له؟ خلاف. فمنهم من يقول: إن الهبة تصح بمجرد الإيجاب والدليل على ذلك أنه لو حلف أن لا يهب شيئاً من ماله، ثم وهب ولم يقبل الموهوب له فغن يحنث فلو لم تصح الهبة بمجرد الإيجاب لما حنث.
ومنهم من يقول لا بد من القبول قولاً فلا تصح الهبة إلا به، أما حنثه بمجرد الإيجاب المذكور فإنه مبني على أن غرض الحالف بقوله: واللّه لا أهب عدم إظهار الجود فإذا أظهره فقد حنث وقد أظهر بمجرد الهبة وإن لم تتحق ماهيتها.
والدليل على ذلك أنه ألقى مالاً في الطريق ليكون لمن يرفعه فإنه يصح ويكون هبة. وقد عرفت أنه لا يشترط أن يكون الإيجاب والقبول لفظاً، فلو قال شخص لولديه وهبت هذه الدابة لأحدهما فأيكما أخذها تكون له فأخذها أحدهما صحت الهبة. وتنعقد الهبة بالتعاطي، فإذا كان معروفاً بين اثنين أحدهما قد وهب دابته للآخر فأعطاها المالك فأخذها بدون أن يتلفظا بالإيجاب والقبول فإنه يصح.

الحنفية - قالوا: شروط الهبة انواع:
نوع يتعلق بالركن المذكور، ونوع بالموهوب وهو المال يتعلق بالواهب.
فأما الذي يتعلق بالركن فهو أن لا يكون معلقاً على شيء غير محقق الوقوع كقوله: وهبت لك هذه الدار متى حضر أخوك من السفر، أو إن أمطرت السماء أهب لك هذه الدابة أو نحو ذلك لأن الحضور من السفر ونزول المطر أمر محتمل. وأن لا يكون مضافاً إلى وقت بأن يقول: وهبت لك هذا الشيء غداً أو أول الشهر أو نحو ذلك.

ومن ذلك ما إذا قال له: داري لك رقبي (بضم الراء القاف) وعناه إن مت أنا فهي لك وإن مت أنت فهي لي فهي معلقة بموت صاحبها وهو يحتمل أن يموت قبل الموهوب له وبعده، فهي معلقة على أمر غير محقق، فلذا كانت غير صحيحة، وإذا كانت هبة غير صحيحة فتكون عارية، وسميت رقبى لأن كلاً منهما يرقب موت صاحبه، وقيل تكون هبة ويلغو الشرط، أما الألفاظ التي تنعقد بها الهبة فهي كل لفظ يدل على تمليك الرقبة كقوله: وهبت لك هذه الدار أو نحلت بمعنى أعطيت أو أعطيت أو أطعمتك هذه الغلة، ومثل ذلك ما إذا أضاف إلى جزء يعبر عنه الكل كقوله: وهبت لك رقبة هذه الدابة أما إذا أتى بلفظ يدل على تمليك المنفعة كانت عارية كقوله: أعرتك هذه الدار أو أطعمتك هذه الأرض لأن الأرض لا تطعم وإنما تطعم الغلة فتدل هذه العبارة على إعارة الأرض لا على تمليكها وإذا أتى يحتمل الأمرين ينظر إلى نية القائل مثل أن يقول: حملتك على هذه الدابة أو أعمرتك هذه الدار أي جعلتها لك طول عمرك فإن المحل يحتمل أن يراد به إعارتها مؤقتاً ويحتمل أن يكون دائماً.

وأما قوله: جعلتها لك طول عمرك أو عمري فإنه يحتمل أن يريد جعل له منفعتها أو جعل له رقبتها. فإذا دفعها إليه ونوى الهبة وإلا كانت عارية.
وإذا قال له: ملكتك هذه الدار أو هذا الثوب فإنه لا يكون هبة إلا إذا قامت قرينة على الهبة لأن التمليك يصدق على البيع والهبة والوصية، وبعضهم يقول إنها هبة.
وإذا قال: جعلت هذا البستان باسم ابني، ولم يقل جعلته له، فقيل: يكون هبة وقيل لا يكون والظاهر أنه يكون هبة لأن العرف جار على ذلك.
بل لو قال: غرسته باسم ابني فلان ولم يقل جعلته يكون هبة لأن العرف على انعقاد الهبة بمثل ذلك.
وأما الشروط المتعلقة بالواهب فأمور:

منها: أن يكون حراً فلا تصح هبة الرقيق.
ومنها: أن يكون عاقلاً محجور عليه فلا تصح هبة المجنون والمحجور عليه.
ومنها: أن يكون بالغاً فلا تصح هبة الصغير.
ومنها: أن يكون بالغاً فلا تصح الصغير.
ومنها: أن يكون مالكاً للموهوب، فلا تصح ما ليس بمملوك.
أما الموهوب له فإنه لا يشترط فيه، وذلك الهبة للصغيرة ونحوه.
نعم إن كان الواهب يعول الصبي كالأخ عدم الأب فإن الهبة تتم بالإيجاب وحده.
أما إذا وهب له أجنبي فإن الهبة لا تتم إلا بقبض الولي وهو أربعة:
الأب ثم وصيه، ثم الجد، ثم وصي الجد.
وعند عدم وجود أحدهم تتم بقبض من يعوله كعمه وامه وأجنبي. فإن كان الصبي مميزاً فإنها تتم بقبضه هو ولو وجود أبيه لأنها من مصلحته.

وأما الشروط التي تتعلق بالموهوب فأمور:
منها: أن يكون موجوداً وقت الهبة، فلا تصح ما ليس بموجود وقت العقد بان وهب له ثمر بستانه في العام المقبل أو ما تلد أغنامه بعد حملها.
ومن ذلك ما يفعله العوام من هبة ما تلده الغنم أو البقر للولي أو للمسجد فإنها هبة باطلة.
ومثل ذلك ما لو وهب له الزبد الذي يخرج من هذا اللبن أو الدهن الذي يخرج من هذا السمسم، أو الدقيق الذي يخرج من هذه الحنطة، فإن هبة كل ذلك لا تصح حتى ولو قال له: سلطتك على قبضها عند وجودها لأن المعدوم لا تصح هبته على أي حال.
أما إذا كان موجوداً فغن هبته تجوز ولو كان متعلقاً بشيء آخر.
كما إذا وهب له الصوف الذي على ظهر الغنم، ثم جزه وسلمه إياه فإنه يصح وتكون الهبة لازمة.
ومنها: أن يكون الموهوب مالاً فلا تصح هبة ما ليس بمال أصلاً كالميتة والدم والخنزير وصيد الحرم وغير ذلك، كما لا تصح هبة المال الذي لا قيمة له في نظر الشرع كالخمر.

ومنها: أن يكون الموهوب مقبوضاً، وهذا الشرط للزوم الهية وثبوت الملك للموهوب له فلا يثبت له الملك بالقبض.
ومنها: أن يكون الموهوب مشاعاً فيما يقبل القسمة. فإذا وهب له نصف دار غير مقسوم فإن الهبة لاتصح.
فإذا أراد شخص أن يهب للآخر نصف دار فعليه أن يقسمها أولاً، فإن تهسر عليه قسمتها فيمكنه أن يبيعه النصف بثمن معين ثم يبرئه من الثمن.
أما الذي لا يمكن قسمته كالحمام والآلات البخارية ونحوها، فإنه تصح هبة المشاع فيها بشرط أن يكون قدره معلوماً.
وإذا وهب له مشاعاً فيما يقبل القسمة وسلمه له قبل القسمة فإن الموهوب له لا يملكه بالقبض، وإذا تصرف فيه لا ينفذ تصرفه ويكون عليه ضمانه وإنما التصرف للمالك الأصلي
وبعضهم يقول: إنها تملك بالقبض لأنها هبة فاسدة والفاسدة يملك بالقبض.
وعلى كل فقد أجمعوا على أن لصاحبها الرجوع بعد القبض في هذه الحالة.

وإذا مات الواهب كان لوارثه حق الرجوع، على أن الصحيح أن هبة المشاع قبل قسمته لاتفيد الملك بالقبض.
ومنها: أن لا يكون الموهوب مشغورلاً بملك الواهب، فإذا وهب لابيه بستاناً على أن الثمر الذي عليه للمواهب فالهبة لاتصح.
ومثل ذلك ما إذا وهب فيها متاع للواهب. فإنه لا يصح بل عليه أن يفرغها أولاً من متاعه.
ومنها: أن يكون الموهوب مملوكاً للواهب فلا تجوز هبة الأشياء المباحة كالماء والعشب كما لا تجوز هبة ملك الغير بدون إذنه.
المالكية - قالوا: يشترط في الواهب أن يكون أهلاً للتبرع، وهو من اجتمعت فيه أمور:
ثانهيما: أن لا يكون مديناً بدين يستغرق كل ماله وهبته وإن كانت تصح إلا أنها تقع موقوفة على إجازة رب الدين فإن أجازها فإنها تنفذ فهذا لنفاذها.

ثالثهما: أن لا يكون مجنوناً ولا سكراناً. فلا تصح هبتها.
رابعهما: أن لا يكون مرتداً فلا تصح.
خامسهما: أن لا يكون زوجة فيما زاد على ثلث مالها.
فإذا وهبت المرأة من ثلث مالها الهبة موقوفة على إذن زوجها أما إذا وهبت الثلث فأقل فإنه يصح ويفذ بدون إذن الزوج فهذا شرط نفاذ أيضاً.
سادسها: أن لا يكون مريضاً مرض الموت فيما زاد على الثلث فإذا وهب المريض زيادة عن ثلث ماله انعقدت هبته موقوفة على إذن الوارث.

ويشترط في الموهوب شروط:
منها: أن يكون مملوكاً فلا تصح هبة ما لاتصح ملكه كالكلب الذي لم يؤذن في اقنائه، كما لا تصح هبة ملك الغير بدون إذنه.
فإذا وهب شخص ملك غيره لم تنعقد الهبة بخلاف ما إذا باع ملك غيره فإنه يقع صحيحاً موقوفاً على إجازة المالك. وبعضهم يقول: إن هذه الأمور كالبيع فمتى أجازها المالك نفذت لأنها تكون في الحقيقة صادرة منه في هذه الحالة.
ومنها: أن يكون الموهوب من الأشياء القابلة من ملك إلى ملك في نظر الشارع هبة الاستمتاع بالزوجة لأن نقل هذا الاستمتاع ممنوعاً شرعاً ومثل ذلك هبة أم الولد. وتصح هبة جلود الأضاحي لأنها وإن كانت لا يصح بيعها فلا تقبل النقل بالبيع ولكن يصح إهداؤها والتبرع بها فتصح هبتها.

ولا يشترط في الموهوب أن يكون معلوماً فيجوز أن يهب مجهول العين والقدر ولو كان يظن أنه يسير فظهر له أنه كثير وهب من عمه لشخص وكان لا يعرف قدره ويظن أنه يسير فاتضح أنه كثير فإن الهبة تصح.
وكذا إذا وهبه ما في جيبه وهوز يظن أنهاعشرة قروش فيه جنيهاً أو جنيهين فإن الهبة تصح وليس للواهب الرجوع على المشهور.
وأما الصيغة فهي كل ما يدل على التمليك من لفظ أو فعل ولا فرق بين أن تكون دلالة اللفظ صريحة أو لا. مثال اللفظ الصريح ملكت. ومثال اللفظ الذي يدل على التمليك فهماً لا صراحة خذ هذه الدار مثلاً.
ومثال الفعل أن يمنح الأب أو الأم ولدهما حلياً سواء كان الولد أو انثى أو صغيراً فإذا اشترى الأب لأحد أبنائه من ذهب أو خاتماً من الماس أو حلى له مصحفاً بالذهب أو اشترى لبنته حلقاً ذهب أو أساور من الماس أو لبنة من ذهب أو غير ذلك كان مملوكاً للابن بطريق الهبة فإذا مات الأب لا يصح للورثة أن ينازعوه فيه ومثل الأب في ذلك الأم ولا يطالب الولهب بالاشهاد على ذلك لأن الاستعمال الحلي المشتري في حال الوالد أو الوالدة قرينة على التمليك إلا إذا أشهد الواهب سواء كان أباً أو أماً بأن هذا الحلي ليس نعطى للولد بطريق التمليك بل ليستمتع به فقط فإن في هذه الحالة لا يكون مملوكاً.

وعلى عكس ذلك الزوجة فإن زوجها إذا اشترى لها حلياً ولبسته يحمل على أن الغرض من ذلك تزيينها لاتمليكها إلا إذا أشهد على أنه ملك لها، هذا إذا كانت عنده، أما ما جرت به العادة من إرسال متاع العروس وهي دار ألبها فإن سماه عارية كان كذلك وإن سماه هدية كان هبة وإن لم يسم شيئاً يحما على الهدية.
ومثل الحلي في ذلك ما اشترى لولده دابة ليركبها أو كتب علم يحضر فيها أو سلاحاً يتزين به أو ثياباً فاخرة يلبسها أو نحو ذلك.
وإذا قال بولده ابن هذه الخبرة لتكون داراً وقال: إن هذه الخبرة دار ابني فلان فإن ذلك لا ينعقد به الهبة لأن العرف ينسب ملك الأب للابن وأمره ببنائها لا يقتضي التمليك.
ومثل ذلك ما إذا قالت المرأة لزوجها: ابن هذه التجربة لأنها دارك.

أما إذا قال الأجنبي لغيره ذلك فإنه يحمل على التمليك. فإذا بنى الابن أو الزوج الخبرة من ماله ومات الأب أو الزوجة فإن للباني قيمة بنائة منقوضاً لأنه يكون عارية وقد انقضت بموت الأب أو الزوجة.
هذا وتملك الهبة بلإيجاب والقبول أما قبضها في تمليك الموهوب على المشهور.فإذا قال المالك: وهبت هذه الدار لفلان وقبلها أصبحت الدار مملوكة له بحيث لا يصح للواهب الرجزع فيها بعد ذلك واذا امتنع عن تسليمها ولو برفع الأمر للحاكم.
وبعضهم يقول: يشترط في تمام الهبة القبض والحيازة فإن عدم القبض فإنها لا تلزم وإن كانت صحيحة.
ويجوز تأخير القبول عن الإيجاب فإذا وهب داراً فسكت عن قبولها ثم قبلها بعد ذلك فإن له ذلك.
وليست العمرى هبة وانما هي تمليك المنفعة مدة حياة المعطَى - بالفتح - أو المعطِي (بالكسر) - بلا عوض إنشاء والعمرى يضم العين وسكون الميم معناه مدة العمر وهي عند الإطلاق تحمل على عمر المعطي فإذا قال: عمرتك داري كان معناه أعطيك داري لتنتفع بها طوا عمرك.

والعمرى مندوية لأنها إحسان فإذا كانت في نظير عوض كانت إجارة فاسدة لأن مدة عمره مجهولة فزمن الإجارة مجهولة. وهي من قبيل الوقف على زيد مدة حياته فيخرج بها الوقف المؤبد أو المؤقت بزمن معين.
ولا يشترط فيها لفظ الإعمار بل كل ما يدل على تمليك المنفعة في عقار أو غيره مدة عمر المعطى - بالفتح - يكون عمرى.
كقوله: أعرتك داري أو ضيعتي أو فرسي أو سلاحي. وأعطيت أو أيكنت ونحوه ولكن إذا قال له: أعطيت فإنه لا بد من قرينة تدل على الإعمار، بأن يقول: أعطيتك سكنى داري أو غلة أرضي مدة حياتك. فإن لم يفعل ذلك كانت هبة لا عمرى.
فإذا مات المعطى - بالفتح - رجعت الدار ونحوها ملكاً للمعطي - بكسر - إن كان حياً ولوارثه من بعده إن كان قد مات.
أما الرقبى وهي أن يقول شخص لآخر: داري لك إن مت أنا قبلك تضعها إلى دارك ودارك لي إن مت أنت قبلي أضمها إلى داري، فهي باطلة، فإن وقع ذلك قبل موت أحدهما فسخ العقد وإن علم بعد الموت رجعت الدار للورثة ولا يعبأ بالعقد.
الشافعية - قالوا: يشترط في الواهب شروط: منها أن يكون ملكاً حقيقة أو حكماً والملك الحكمي هو كملك صوف الأضحية الواجبة بالنذر فإنها وإن كانت عن ملكه بالنذر إلا أن اختصاصاً فيصح له أن يهب صوفها.

ومثل ذلك هبة الضرة ليلتها لضرتها فإنها مملوكة لها حكماً. ومنها أن يكون مطلق التصرف في ماله فلا تصح الهبة من المحجور عليه لصغر أو سفه أو جنون. ومنها غير ذلك مما تقدم في البيع. ويشترط في الموهوب له أن يكون أهلاً للتملك. وهل يكفي في ذلك التمييز بحيث لو أهدى رجل بالغ صبياً مميزاً شيئاً وقبله تصح الهبة ويملكه الصغير أو لا؟
والجواب إن الصغير لا يملك بالقبول ولكن لا يحرم الدفع له إلا إذا قامت قرينة بأن الوالي لا يرضيه ذلك خوفاً من تعويد الصبي على التسفل والدناءة كان كذلك فإنه إعطاء الصبي شيئاً بدون رضاء وليه.
وتصح الهبة للمحجور عليه ويقبض له أو الحاكم إن يكن له ولي وعلى الوالي أن يقبل وهب لمحجوره فإن لم يفعل انعزل سواء وصياً أو قيماً.
أما الأب فإنهما لا يعزلان عن الولاية بعدم قبول الهبة. ولابد لملك الهبة من القبض فإذا وهب الجد أو الأب ابنه شيئاً لا يملكه إلا إذا قبضه عنه. وطريق قبضه أن ينقله من مكان إلى مكان.


: - أركان الهبة ثلاثة: عاقد وهو الواهب، والموهوب له، وموهب وهو المال،
ولو مات الواهب أو الموهوب له قبل القبض لا تنفسخ ويقوم الوارث مقام الأصل في ذلك. ويشترط في الصيغة الشروط التي تقدمت في البيع.

ومنها أن يكون مطابقاً للإيجاب على المعتمد فإذت وهب له نعجتين فقال أحدهما: لم تصح الهبة لعدم المطابقة بين الإيجاب والقبول.
ومنها: أن يكون القبول عقب الإيجاب فوراً وأنه الفصل إلا بالأجنبي فإذا قال له: وهبت لك وسلطتك على القبض فقال له: قبلت فإن الفصل بقوله وسلطتك لا يضر لتعلقه بالعقد.
ومنها: أن لا يعلق العقد فلا يصح أن يقول له: وهبت لك هذه الدار إن قدم فلان أو وهبت لك هذه الدابة أول الشهر وإذا وهبه شيئاً على أن يرجع إذا احتاج إليه فإنه لا يصح.
وتصح الهبة بعمرى ورقبى فالعمرى كأن يقول له: أعرتك هذا المنزل أي جعلته عمرك فإن مت رجع لي والرقبى كأرقبتك هذا أو جعلته لك رقبى على معنى إن مت قبلي عاد وإن مت قبلك كان لك فالهبة في هذا صحيحة والشرط لغو لا قيمة ولا تملك الهبة إلا بالقبض بإذن الواهب، فإذا قبض بغير إذنه بأن وضع يده على الموهوب كان عليه ضمانه ولو أذن له ورجع الإذان قبل أن يقبض بطل الإذن ومثل ذلك ما إذا مات أحدهما قبل القبض.

ولا يطفي في القبض أن يضع الموهوب بين يدي الموهوب له بل لا بد من الإذن.
الحنابلة - قالوا: اشترط في الواهب أن يكون جائز التصرف فلا تصح من سفيه ولا صغير ولا عبد ونحوهم كسائر التبرعات فإذا وهب الصغير أو السفيه فلا تصح هبتهما وإن أجاوها الولي أما العبد فتجوز هبته بإذن سيده.
ويشترط في الموهوب له أن يكون أهلاً للتصرف قبول الهبة من صغير ولو كان مميزاً كما لا يصح قبضه للّهبة ومثله المجنون؛ فيقبض ويقبل لهما وليهما.
فالأب العدل ولو ظاهر يقوم مقامهما فإن لم يوجد لهما ولي أو وصي يقبل عنهما الحاكم أو من يقيمونه مقامهم وعند عدم الأوليلء يقبضهما
أو من يليهم من قريب.

ويشترط في الموهوب أن يكون معلوماً فلا تصح هبة المجهول إلا إذا تعذر علمه كما تقدم فلا تصح الحمل في البطن واللبن في الضره والصرف على الظهر وإذا أذن صاحب الشاة في جز الصوف ولبن الشاة كان إباحة ومثل ذلك هبة الدهن في السمسم والزيت في الزيتون فإنه لا يصح هبتهما قبل عصره.
ويشترط في الموهوب أيضاً أن يكون موجوداً فلا تصح هبة المعدوم كهبة الثمر قبل أن يبدو.
وأن يكون مقدوراً على تسليمه فلا تصح هبة ما لا يصح بيعه وبعضهم يقول: تصح هبة الكلب المأذون فيه والنجاسة التي يباح الانتفاع بها.

واما الصيغة فالشرط فيها أن تكون بما يدل على الهبة عرفاً من لفظ كوهبت وملكت ونحوهما أو فعل كتجهيز ابنته هبة بالفعل ويصح تعليقها على شرط مستقبل كقوله: إن جاء رأس الشهر وهبتك.
وإذا علق على الموت كقوله: إن مت وصية.
ولا يصح توقيت الهبة بوقت كقوله: وهبتك هذا الثوب شهراً. ويستثنى من ذلك العمرى والرقبى فإن الهبة بهما جائزة وقد تقدم بيانهما في المذاهب النتقدمة فارجع إليهما. وهل تصح ويملك الموهوب بالعقد أو لابد من القبض؟ رأيان الأحسن منهما أنهما لا تملك إلا بالقبض فإذا تصرف الموهوب له قبل القبض لا ينعقد تصرفه).


مبحث في هبة الدين

*-إذا كان لشخص دين عند آخر له هذا الدين أو وهبه لأجنبي فإنه لا يجوز على تفصيل في المذاهب (1).

(1) (الحنفية - قالوا: هبة الدين جائزة.
فإذا قال له: وهبت لك الدين الذي لي عليك فإنه يصح ولكن هبة حقيقية لأن الهبة يشترط فيها إن يكون عيناً لاديناً فهي مجاز عن إسقاط الدين عنه وإن كانت بلفظ الهبة كما تقدم.
ويتم اسقاط الدبن بمجرد قول الواهب وهبت لك الدين فلا يشترط قبول المدين.
فإذا لم يقبل المدين ورد الهبة فإنها ترتد ويبقى الدين عليه على المختار.
هذا إذا كان كفيلاً فوهب له صاحب الدين دينه الذي كفله فإن الهية تصح بشرط القيول.
واذا رفض هذه المنحة فإن رفضه يصح.

إما إذا أبرأه صاحب الدين من الكفالة فإن إبرأه يتم من غير قبول ولو رد إبراأه لا يقبل رده لأن صالحب الدين قد استغنى عن كفالته فلا يجبر على قبولها.
وإذا أبرأ الأصيل عن الدين أو وهبه له فإن قبل فقد برئ الأصيل والكفيل. وإن لا يقبل لا يبرأ واحد منها.
وإذا كان لشخص دين على آخر فمات الدين لوارثه فإنه يصح ولو رد الزارث الهبة فإنها ترتد ولو وهب الدين لبعض الورثة كانت الهبة للجميع.
أما إذا أبرأ أحد الورثة فإن الإبراء يصح في نصيبه وحده.
هذا كله في هبة الدين لمن عليه الدين.

أما هبة الدين للأجنبي فهي صحيحة: وقد عرفت في تعريف الهبة أنه يشترط في صحة هبة الدين أن يأمر الدائن الموهوب له بالقبض فيقبضه بالنيابة عنه، وبذلك يصير الدين غيناً فيقبضه عن تفسه.
المالكية - قالوا: تصح هبة الدين لمن عليه الدين ولغيره، فإن كانت لمن عليه الدين كانت إبراء، ولإبراء يحتاج الى قبول على الراجع لأنه نقل للملك.
فإذا لم يقبل المدين لاتصح هية الدين له، وبعضهم يقول: إن هبة الدين إيقاط لانقل للملك فلا يحتاج إلى قبول.
أما إذا وهب الدين لغير من عليه الدين فإن الهبة تصح بشروط ثلاثة:
الشرط الأول: أن يشهد على الهبة ولإشهاد شرط صحة.
الشرط الثاتي: أن يدفع الواهب له سند الدين إن كان له سند.
وهذا الشرط يختلف فيه فبعضهم يقول: إنه شرط صحة وبعضهم يقول: إنه شرط كمال.

الشرط الثالث: أن يجمع بين الموهوب له وبين من عليه الدين إن كان حاضراً أما إن كان غائباً فلا يشترط الجمع، وهل شرط الجمع بينهما إن كان المدين حاضراً شرط صحة أو كمال؟ والراجع أنه شرط كمال.
فإذا كان لشخص مائة جنيه ديناً عند آخر وأراد أن يهبها لأخيه مثلاً فإن الأكمل في ذلك أن يشهد على الهبة، وأن يجمع بين أخيه وبين المدين إن كان حاضراً ويحيله، ويعطي أخاه سند الدين إن كان معه سند.
وبذلك تتم الهبة اتفاقاً فإن تعذر حضور المدين أو لم يكن للدين سند فإنه يكفي لصحة الهبة الإشهاد والقبول.
وهل إذا كان تامدين حاضراً ولم يجمع بينهما أو كان للدين سند ولم يعطه للموهوب له يصح أو لا؟ خلاف ذكلرناه لك أولاً.
إن دفع المدين الدين للواهب بعد علمه بالهبة ضمنه الموهوب له.
ونظير هذه المسألة رهن الدين فإنه لابد فيه من الإشهاد.

وصورة رهن الدين أن يشتري سلعة من محمد بعشرين جنيهاً، وللمشتري دين عند خالد يسوي عشرين جنيهاً أو أكثر أو أقل فرهن دينه عند محمد في نظير سلعته فعليه في هذه الحالة أن يشهد بأنه رهن لمحمد دينه الذي له عند خالد وأن يعطي محمداً سند الدين إن كان له سند وأن يجمع بينه وبين اغلمدين على التفصيل الذي ذكرناه في الهبة.
الشافعية - قالوا: هبة الدين للذي عليه الدين إبراء فلا تحتاج لقبول.
أما هبته لغير من عليه الدين فمختلف فيها:
فبعضهم يقول إنها هبة صحيحة وبعضهم يقول إنها باطلة.
والثاني هو المعتمد لأن الدين غير مقدور على تسليمه وهو متصف بكونه ديناً فإنه إذا قبض لا يكون ديناً بل يكون عيناً، أما بيع الدين، فإن المعتمد صحته.

فإذا كان لشخص دين عند آخر فإنه يصح له أن يبيعه بثمن فيكون الدين في مقابله الثمن.
وذلك التزام لتحصيل المبيع وهو التزام صحيح بخلاف الهبة فإنها لا مقابل لها فالتزام تحصيل الموهوب غير صحيح.
الحنابلة - قالوا: هبة الدين صحيحة لمن عليه الدين.
فإذا وهبه له صح، وإذا أبرأه منه صح، وإذا أسقط عنه صحيح، وإذا تركه له صح، وإذا ملكه له صح، وإذاىتصدق به عليه صح.
كل ذلك صحيح سواء كلن الدين معلوماً أو مجهولاً.
أما هبة الدين لغير من هو عليه فإنها لا تصح، لأن الهبة تقتضي وجود معين هنا).


مبحث الرجوع في الهبة

*-ليس للواهب أن يرجع في هبته في أمور مفصلة في المذاهب (1).

(1) (الحنفية - قالوا: يصح للواهب أنة يرجع في هبته بعد أن يقبضها الموهوب له، ومن باب أولى له الرجوع قبل القبض لأن الهبة لا تتم إلا بالقبض، وإن كان الرجوع في الهبة مكروهاً تحريماً على الراجح أو تنزيهاً، وإذا أسقط الواهب حقه في الرجوع ثم رجع بعد ذلك صح رجوعه لأن حقه في الرجوع لا يسقط بإسقاطه.

ويبطل حق الرجوع في الهبة بسبعة أمور:
الأول: أن يزيد الموهوب له في العين زيادة متصلة بها كما إذا وهب له نعجة غجفاء فعلفها حتى سمنت فليس للواهب أن يرجع في هذه الحالة حتى ولو عادت عجفاء كما كانت، ومثل ذلك ما إذا أهدى له حيواناً صغيراً عنده، أو أهدى رقيقاً جاهلاً فعلمه، أو ثوباً فصبغه أو خاطه.

أما إذا أهداه شاة فجعلت عنده، فإن كان الحبل يزيد في قيمتها فإنه يمنع الرجوع وإلا فله حق في الرجوع.
وإذا أهداه أرضاً فبنى فيها أة غرس أجشاراً فإن كان البناء والغرس يزيد في قيمة الأرض كلها فإنه يمنع الرجوع منها كلها وإن كان يزيد في البقعة التي فيها امتنع الرجوع في تلك البقعة، ثم إذا هدم البناء او قلع الشجر كان له الرجوع في هذه الحالة لأن الزيادة ليست في نفس العين كما في سمن الحيوان وهزاله.

فإذا وهب له عيناً تساوي عشرة ثم زاد سعرها فإن الزيادة لا تمنع الرجوع، وإذا نقلها الموهوب له من مكان إلى مكان فارتفع سعرها بسبب ذلك النقل لم يكن له حق الرجوع لأن الزيادة التي طرأت عليها كانت بعمل الواهب واتفاقه يقول له الرجوع.
أما الزيادة المنفصلة فإنها لا تمنع الرجوع في أصل العين، فإذا أهدى له بقرة فولدت كان له حق الرجوع في البقرة لا في الولد. وهل يرجع في البقرة مع احتياج ولدها للرضاع أو ينتظر؟ قولان.
ومن الزيادة المنفصلة الثمر، فإذا أهدى له بستاناً فأثمر كان له حق الرجوع في هبة البستان أما الثمر فهو من حق الموهوب له.
الأمر الثاني من موانع الهبة: موت أحد العاقدين بعد القبض فإذا وهب شخص داره لأخيه ثم مات الموهوب له فلا حق للواهب في الرجوع وكذا إذا مات الواهب فلا حق لوارثه.

الأمر الثالث: العوض فإذا وهب داراً بشرط عوضاً فإنه يصح وضع الرجوع وسيأتي بيان ذلك في باب الهبة في مقابل العوض.
ويشترط في الخروج عن الملك أن يكون تاماً من كل وجه بقي له به اختصاص فإن الرجوع لا يسقط.
مثال ذلك ما إذا وهب له شاة فضحى بها وصارت لحماً فإن له أن يرجع ويأخذ اللحم فإنه في هذه الحالة لم يخرج من ملكه بالكلية.
الأمر الخامس: الزوجية - فإذا وهب الزوج لزوجته شيئاً فإنه لا يصح له الرجوع فيه، أما إذا وهب لها قبل أن يتزوج بها ثم تزوج فإن له الرجوع.
الأمر السادس: القرابة، فلو وهب لذي رحم منه ولو كان ذمياً أو مستأمناً فإنه لا يصح له الرجوع فإذا وهب لأبيه أو ابنه أو عمه أو غير

ذلك من محارمه بالنسب فإن حقه في الرجوع يسقط. أما إذا وهب لمحارمح من الرضاع أو المصاهرة فإن له حق الرجوع.
الأمر السابع: هلاك العين الموهوبة وذلك ظاهر فإذا ادعى الموهوب له الهلاك صدق بدون حلف.
وإذا قال الواهب إن العين باقية وهي هذه وأنكر الموهوب له حلف المنكر أنها ليست هذه ولا يصح الرجوع إلا بتراضيهما. أو بحكم الحاكم وإذا رجع يالرضا أو القضاء كان ذلك فسخاً لعقد الهبة من الأصل وغعادة لملكه القديم لا هبة للواهب، فلهذا لا يشترط فيه قبض الواهب ولو كان هبة جديدة لاشترط فيه القبض.
المالكية - قالوا: ليس للواهب حق في الرجوع أن الهبة عقد لازم لكن بعضهم يقول: إنها تتم وتلزم بمجرد العقد فلا يشترط في إتمامها القبض وهذا المشهور، وبعضهم يقول: إنها لا تتم إلا بالقبض فالقبض شرط في تمامها فإن عدم لم تلزم وكان للواهب حق الرجوع، إلا الأب والأم فإن لهما حق الرجوع على التفصيل الآتي بعد.

على أنهم أموراً بها الهبة منها أن يتأخر قبضها لثبوت دين على الواهب يستغرق كل ماله سواء كان ذلك الدين سابقاً على عقد الهبة أو طرأ بعده، إلا أن بطلانها في الحالة الأولى نتفق عليه أما بطلانها في الحالة الثانية فهو على المشهور.
ومنها: أن يهب لشخص آخر قبل الأول بشرط أن يقبضها الموهوب له الثاني قبل الأول لأنه يرجع على الأول بوضع يده على الموهوب ولا يلزم بدفع تعويض للموهوب له الأول لم يتهاون الأول في طلبها على المشهور.
ومن ذلك هبة الدين فإذا كان لشخص عند آخر دين ثم وهبه من عليه الدين ولم يعمل الأشياء التي تقوم مقام القبض من استلام الدين إن كان.
أما إذا عمل الأول الأشياء تقوم مقام القبض فإن الدين ولا يبرأ الثاني.

ومنها: أن يعد شخص هدية لآخر، ثم بها هو أو رسوله ثم يموت الواهب تبطل في هذه الحالة لأنه لم يقبضها قبل المانع من القبض وهو موت الواهب، وكذلك إذا مات الموهوب له فإنها تبطل لعدم القبول إن لم يسهد بأن الهبة لفلان، فإذا أشهد لا تبطل بموت أحدهما لأن الوارث يقوم مقام المرسل إليه في القبول.
ولا تبطل الهبة ببيع الواهب إياها فإذا وهب له عيناً ولم يعلم له بالهبة ولم يقصر في طلبها ثم باعها فإن الموهوب له بخير في إجازة البيع وأخذ الثمن أو في فسخه وأخذ الهبة.
أما إذا باع الهبة بعد علم الموهوب له بها وتفريطه في وضع يده عليها فإن البيع ينفذ والثمن مختلف في أمره هل يأخذه الواهب الموهوب والراجح أن الثمن للموهوب له.

ومنها: أن يتأخر قبض الهبة حتى يمرض مرضاً يموت به فإن الهبة في هذه الحالة تبطل حتى ولو قبضها حال مرضه لأن الشرط أن يقبضها حال فتبقى الهبة موقوفة حال المرض حتى يتبين الحال فإن بطلت الهبة ولا تؤخذ منى الثلث ولا من غيره لأن المفروض أنه وهبها حال الصحة لا في حال المرض تنفذ من الثلث كالوصية أما إذا برء فإنها لا تبطل.
ومثل ذلك ما إذا جن الواهب فإنه وهب حال الصحة ثم تأخر الهبة توقف حتى يتبين حاله من الإفاقة أو الموت مجنوناً.
ومنها: ومنها: أن يهب الوديعة أو العارية لمن هي بيده وفي ذلك ثلاث صور:
الصورة الأولى: أن يعلم الموهوب له ويقبل الهبة في حياة الواهب، فإذا مات الواهب بعد ذلك تمت الهبة اتفاقاً.
الصورة الثانية: أن يعلم الموهوب له بالهبة وفي هذه الصورة تبطل الهبة باتفاق لعدم تحقق القبول والصحيح القبول لا بد منه.
وإذا قبض الموهوب له الهبة قبل أن يجزم بالقبول بل أخذها ها يقبل أو لا، ثم مات الواهب قبل ذلك وقبل الموهوب له الهبة بعد موته فإنه يصح.

ومثل ذلك ما إذا قبل الهبة في حال حياته ثم طلب الهبة وألح في طلبها ولكن الواهب يسوقه حتى مرض ومات الواهب فإن الهبة لا تبطل بذلك.
ومثل ذلك ما إذا باع الموهوب له الهبة أو وهبها قبل قبضها من الواهب ثم مات الواهب فإنها لا تبطل لأن تصرفه فيها بمنزلة قبضها وإن لم يقبضها المشتري أو الموهوب له الثاني، وكذلك إذا وهبه عيناً ولم يعلم الموهوب له بها حتى مات الموهوب له فإنها لا تبطل ويأخذها وارثه.
ومنها: ان يرجع الأب في هبته فإذا هبته بطلت فإذا رجع بطلت وعادت له وذلك للأب وحده دون غيره من الأقارب والأرحام إلا الأم على التفصيل الآتي:
أما الأب فله حق الرجوع في هبته لودله الحر سواء كان ذكراً أو أنثى صغيراً أو كبيراً غنياً أ فقيراً بعد أن يقبضها الولد ويضع عليها يده وصيغة الرجوع أن يقول الأب: رجعت فيما وهبت أو أخذته منه أو اعتصرته (أي أخذته قهراً عنه) وبعضهم يقول: لا بد من أن يقول اعتصرته، والأول أظهر لأن العامة لا تعرف لفظ اعتصرته.
والحديث الوارد في هذا الموضوع لا يشترط هذا اللفظ ولفظ الحديث (لا يحل لأحد أن يهب هبة ثم يعود فيها إلا الوالد) وبكن يشترط لصحة رجوع الأب في هبته شرطان:

الشرط الأول: أن يريد بالهبة الصلة والعطف والحنان على الولد لكونه محتاجاً أو خمىلاً بين الماس أو نحو ذلك فغن أراد ذلك فإن الرجوع.
الشرط الثاني: أن يريد بالهبة مجرد ثواب الآخرة لاذات الولد فإن أراد ذلك كان صدقة بلفظ الهبة فلا يصح له الرجوع. نعم إذا أراد العطف أو الصدقة ولكنه شرط الرجوع في هبته أو صدقته متى شاء فإن له ذلك ويعمل شرطه.
ومنها: ان ترجع الأم في هبتها وللأم حق الرجوع بالشرطين المذكورين في الأب مع زيادة شرط ثالث:
وهو أن لها حق الرجوع بشرط أن يكون ولدها كبيراً أو صغيراً له أب. أما إذا كان الولد يتيماً ووهبت له فليس لها حق الرجوع. ولها حق الرجوع مع وجود الأب سواء كان الأب والابن موسرين أو معسرين حتى ولو كان الأب مجنوناً.
وإذا وهبت لابنها في حياة أبيه ثم مات أبوه بعد ذلك فإن لها حق الرجوع على المختار.
ويمنع رجوع الأب والأم أمور:

احدهما: أن يتصرف الموهوب له في الهبة ببيع أو رهن أو هبة أو يعمل ما يغير صفة الهبة كأن صوغ النقود حلياً ونحو ذلك.
ثانيها: أن يطرأ على ذات الهبة زيادة القيمة كتعليم صنعة أو كبر وسمن هزيل. ومثل ذلك النقص كهزال سمين، فذلك التغير يمنع الرجوع.
ثالثها: أن تكون الهبة سبباً في الثقة بالولد فيعطيه ديناً أو يزوجه بنته أو يزوج الموهوب لها لابنه إن كانت أنثى في هذه الحالة لا يجوز للأب أن يرجع في هبته.
أما إذا وهب له وهو متزوج أو عليه دين فإن له الرجوع لأن الهبة لم تكن في تغرير أحد.
ومنها: أن يمرض الولد فإنه لا يصح للأب الرجزع عليه حال المرض لأنه إذا مات كانت الهبة حقاً لورثته برئ كان لوالده حق الرجوع.
الشافعية - قالوا: كتى تمت الهبة بالقبض بإذن الواهب أو تسليمه للشيء الموهوب فإن الهبة تلزم ولا يصح الرجوع فيها إلا الأب وإن علا فيصح للأب أن يرجع في هبته ومثله الجد وإن علا وكذلك الأم والجدة وهكذا. فللوالد أن يرجع في هبته على ولده سواء كان الولد ذكراً أو أنثى صغيراً أو كبيراً.

ويشترط للرجوع شروط:
أحدهما: أن يكون الولج حراً فإذا كان رقيقاً فلا يصح الرجوع. لأن الهبة للرقيق هبة لسيده وهو أجنبي لا رجوع عليه.
ثانيهما: أن يكون الموهوب شيئاً عيناً فإن كان ديناً للولد فوهبه الوالد له فإنه لا يصح له الرجوع فيه.
ثالثهما: أن يكون الموهوب في سلطة الولد بحيث يتصؤف فيه فلا رجوع إذا انقطعت سلطة الوالد على الموهوب كما إذا وهب العين الموهوبة له بغيره وقبضها الغير فإنه في هذه الحالة تنقطع سلكته وملكه فليس لوالده الرجوع. ومثل ذلك ما إذا رهن العين النوهوبة وقبضها المرتهن فإنه في هذه الحالة لا حق للوالد في الرجوع. وذلك لأن الولد لا سلطة له عبى العين حينئذ وإن كان ملكه باقياً. أما إذا اغتصب العين الموهونة من الولد فإن سلطته تبقى عليها للولد الرجوع.
رابعها: أن لا يحج على الولد لسفه فإن حجر عليه امتنع الرجوع.

خامسها: أن لا تكون العين اللمرهومة مستهلكة كبيض الدجاج والبذر إذا نبت في الأرض. ولا يمنع الرجوع زراعة الأرض وإجارتها لأن العين ياقية وإذا رجع الوالد لا تفسخ الإجارة بل تبقى على حالها ولا ينتفع بها مدة الإجارة.
سادسها: أن لا يبيع الولد الموهوبة فإن باعها امتنع الرجوع.
ومثل ذلك الوقف ونحوه من كل ما يزيل السلطة فإذا عاد ملكه بعد بيعه لم يعد الرجوع.
ولا يمنع الرجوع الزيادة المتصلة بالعين من سمن ونحوها فللوالد أنة يأخذها مع تلك الزيادة.
أما إذا زادت منفصلة كأن ولدت الدابة الموهوبة أو أثمر البستان فإن زسادة المنفصلة تكون للولد لأنها حدثت وهي في ملكه فللأب الرجوع في الأصل.

وإذا أسقط حق الرجوع فإنه لا يسقط ويحصل الرجوع بقوله: رجعت فيما وهبت أو استرجعته أو رددته إلى ملكي الهبة أو أبطلتها أو فسختها ونحو ذلك، ولا يحصل الرجوع ببيع الواهب العين التي وهبها ولا بواقفها ولا بهبتها ولا بإعتاقها. ويكره الرجوع من غير سبب أما إذا كان لسببب كرجر الولد الإنفاق في الشهوات الفاسدة والمعاصي فإنه لا يكره، بل إذا كان الرجوع في الهبة وتجريد الولد من المال هو الطريق الوحيد منعه عن المعاصي فإنه يجب على الوالد أن يفعل.
أما إذا كان الودل عاقاً وكان الرجوع يزيد في عقوقه فإنه يكره.
الحنابلة - قالوا: للواهب الرجوع في هبته قبل القبض لأن عقد الهبة لا يتم إلا بالقبض.
وإذا باع الواهب الموهوب أو هبته قبل القبض لأن عقد الهبة لا يتم إلا بالقبض.

وإذا باع الواهب الموهوب أو وهبه قبل بطلت الهبة لأن ذلك يعتبر رجوعاً.
أما بعد القبض فإن الهبة تتم للموهوب له، فلا حق للواهب في الرجوع إلا إذا كان أباً فقط، فإذا فضل الأب أبنائه بهبته فإن له الرجوع فيها، ويجب الرجوع إذا وهب له من غير إذن الباقي؛ لأن التسوية بين الأبناء بحسب حقوقهم الشرعية زاجبة على الأب والأم وغيرهما من الأقارب. وعلى أن الرجوع خاص بالأب المباشر فقط سواء أراد التسوية بين أولاده؛ فليس للأم ولا للجد ولا لغيرهما من الأقربين الرجوع في الهبة بعد تمامها بالقبض.
الأول: أن تكون عيناً لا ديناً ولا منفعة؛ فإذا كان للأب على ابنه فوهبه له حق له في الرجوع في هبته؛ لأن هبة الدين إسقاط لا تمليك حتى يملك إليه.

وكذلك ليس له الرجوع في إباحة منفعة بعد استيفائها فإذا أباح الأب لابنه سكنى دار سنة مثلاً، وسكن الوالد بالفعل كا هذه المدة فليس لوالده أن يرجع في ملك المدة التي سكنها وله الرجوع من الآن.
الثاني: أن تكون باقية في ملك الولد. فإن خرجت عن ملكه بأن باعها الوالد أو وهبها لغيره، أو وقفها ولو على نفسه ثم على غيره من بعده، أو دفعها صداقاً لامرأة، أو عوضاً في صلح أو نحو ذلك بطل حق رجوع الأب فيها. وإن عادت إلى الولد بسبب جديد كأن اشتراها ثانياً أو ورثها أو غير ذلك لم يعد حق الرجوع على الابن.
أما إذا عادت بسبب فسخ البيع بعيب فيها أو لفلس المشتري فلم يقدر على دفع الثمن ونحو ذلك فإن للأب حق الرجوع.
ومثل ذلك ما إذا تلفت العين فلا حق للأب في الرجوع في قيمتها.

الثالث: أن لا تخرج العين عن سلطة كما غذا وهبها وقبضها المرتهن فليس للأب حق الرجوع بعد ذلك.
ومثله ما إذا حجر على الابن لفلس، فإذا فك الرهن ورف الحجر عاد حق الرجوع.
أما إذا لم تزل سلطة الابن وتصرفه في العين، فإن للأب الرجوع كالرهن والهبة قبل القبض والإجارة والمزارعة زحعلها مضاربة.
وإذا رجع الأب في حال تعاقد على الهبة فإن كان العقد من العقود الازمة لا يملك الأب فسخه كالإجارة، وإن كان من العقود التي لا تلزم كالمضاربة والمزارعة والمشتركة فإن له فسخه.
الرابع: أن لا تزيد العين الموهوبة عند الولد زيادة متصلة ترفع قيمتها كالسمن والكبر والحمل. ومن ذلك ما إذا وهب له حيواناً مريضاً فبرئ عنده.

أما الزيادة المنفصلة كولد وثمر الشجرة ونحوهما فلا تمنع الرجوع على العين وتكون الزيادة ملكاً للولد، أما تلف بعض العين أو نقص قيمتها فإنه لا يمنع الرجوع.
وصفة الرجوع من الأب فيما وهبه لابنه أن يقول: رجعت في الهبة له أو ارتجعتها أو رددتها أو عدت فيها أو أعدتها إلى ملكي وغير ذلك من الألفاظ الدالة على الرجوع.
والأكمل أن بقول: رجعت فيما لك من كذا، ولا يحتاج الرجوع إلى حكم حاكم ولا إلى علم الولد.
وإذا أسقط الأب حقه من الرجوع فإنه لا يسقط. وبعضهم يقول: إنه يسقط).


مبحث في مقابل عوض مالي

*-تصح الهبة في مقالبل عوض مالي، كما إذا قال شخص لآخر: وهبت لك داري هذه بشرط أن تعوضني عنها مائة جنيه أو نحو ذلك على تفصيل المذاهب (1).

(1) (المالكية - قالوا: للواهب أن يشترط العوض المالي على هبته، ويعبر عن العوض بالثواب، ويقال للّهبة (هبة الثواب)
وينبغي أن يكون شرط العوض مقارناً لصيغة الهبة كأن يقول وهبتك أو أعطيتك هذا الشيء على أن تعوضني أو تثيبني.
وهل يشترط تعين جنس العوض وقدره أو لا؟
والجواب أنه لا يشترط على الصحيح
ففي ذلك صورتان، الصورة الأولى: أن لا يعين جنس العوض وقدره بأن يقول الواهب: وهبت لك كذا بشرط أن تعوضني فإذا قبل الموهوب له كان الحكم في هذه الصورة أن عقد الهبة بلزم الواهب إذا قبض الموهوب العين الموهوبة.
أما قبل القبض فللواهب الرجوع فإذا قبضها الموهوب له لا يلزمه دفع العوض بالقبض بل له أن يردها على صاحبها أو يدفع له قيمتها على صاحبا قبولها أو قبول قيمتها.

أما قبل القبض فله أن يمتنع عن قبول قيمتها ولو مضاعفة، هذا إذا لم يتصرف فيها الموهوب له تصرفاً بزيد في قيمتها فإن زادت عنده بسمن أو كبر أو نقصت بمرضص فإنها تلزم الموهوب له في هذه الحالة وعليه دفع فقيمتها على المعتمد وليس له ردها.
والحاصل أن الواهب يكون مخيراً قبل القبض، أما بعد القبض فإن الواهب يلزم بتنفيذ الهبة ويكون الخيار للموهوب له بين رد العين الموهوبة وبين دفع قيمتها يوم قبضها وهذا إذا لم يتصرف بما يغير حالها من زبادة فإن فعل كان ملزماً بالقيمة.
الصورة الثانية: أن يعين جنس العوض وقدره كأن يقول له وهبت لك هذه الدار بشرط ان تعوضني مائة أو تعوضني البستان الفلاني وحكم هذه الصورة أن العقد يلزم بمجرد القبول سواء قبض الموهوب له بالعوض سواء قبض أو لم يقبض فالعقد منهما برضى الموهوب له فإذا متنع عن دفع العوض يجبر عليه.

والهبة في نظير العوض بيع في الحقيقة فلا تخالف إلا في أمور يسيرة منها أنها تجوز مع جهل العوض بخلاف البيع فإنه يشترط فيه الثمن وأنها تجوز الأجل بخلاف البيع.
ولا يلزم أن يكون القبول فيها فوراً كما في البيع، فهي تحل ما أحله البيع ما حرمه؟؟ فلا تصح هبتة ما لا يصح بيعه كالجنين في بطن أمه وثمر البستان الذي يظهر صلاحه.
ويلاحظ في العوض أن يكون مما يصح دفعه في بيع السلم حتى لا يفضي إلى الربا فإذا وهب له عروض تجارة يجوز أن يعوضه عنها من فضة وذهب أو طعام من قمح وشعير إلى ونحوهما أو عروض تجارة من غير جنس العروض الوهوبة وهب له قماشاً ساغ أن يعوضه عنها أو أصنافاً عطرية ونحو ذلك.

وإذا وهب له فضة فلا يصح أن يعوضه عنها دهباً إذا كان في المجلس قبل تفرقهما أما في المجلس فيجوز لأنه يكون من قبيل الصرف.
وكذلك إذا وهب له ذهباً فإنه لا يجوز أن يعوضه فضة إلا في المجلس له خروفاً مذبوحاً (لحماً) فإنه لا يجوز أو يعوضه خروفاً حياً وبالعكس. وإذا وهب (حبوباً) فإنه يجوز أن يعوضه عنها عروض تجارة ونقوداً ولا حبوباً لئلا يفضي ذلك بيع الطعام لأجل منع الزيادة ولو في الجملة.
وإذا لم يشترط الواهب العوض لفظاً لا مبهماً ولا معيناً ولكنه ادعى أنه قصد العوض عند هبته بعد قبض العين الموهوبة فإنه يصدق مالم تقم قرينة أو يدل عرف عملي يشهد ضده فإذا كان مثل الواهب لا يطلب في هبته عوضاً من مثل الموهوب لن القول للوهوب له قبل القبض فالقول للواهب مطلاقً.
وإذا كانت الهبة لعرس وكان العرف يقتضي معوض عليها فللواهب أن يأخذ قيمة هبته معجلاً ولا ينتظر إلى عرس عنده كما هو المعتاد في بعض الجهات هدايا العرس مثلها إلى مهديها.

وإذا اخذ المهدي قيمتها عاجلاً فإن لصاحب العرس أن يحاسبه على ما أكله عنده وأتباعه من نساء ورجال.
أما إذا كان العرف لا يقضتي الرد فلا حق للواهب في طلبها.
وإذا وهب نقوداً مسكونة ولم يشترط العوض فإنه لاحق له في المطالبة بالعوض بدعوى أنه كان ينوي العوض مطلقاً ومثل التقود المسكوكة السبائك والحلي المكسر فإنه لا عوض فيه إلا بالشرط أما الحلي الصحيح فإن الواهب يصدق فيه.
فإن وهب أحد الزوجين للآخر فإنه لا يصدقْ في دعوى العوض إلا إذا شرطه أو قامت قرينه تدل على نية العوض وهذا في غير النقود المسكوكة، أما هي فلا يصدق فيها إلا بالشرط ولا تكفي القرينة.

وكذا إذا وهب شيئاً لقادم من سفر، ولم يشترط العوض فإنه لا يصدق في دعوى العوض ولو كان فقيراً وتضيع الهبة مجاناً.
الحنفية - قالوا: الهبة بشرط العوض جائزة ويصح عقد الهبة والعوض لازماً للواهب والموهوب له إذا قبض الواهب العوض أما إذا لم يقبضه كان لكل منهما الرجوع ولو قبض الموهوب الهبة كما عرفت.
ويشترط في ذلك أن يذكر الموهوب له لفظاً يعلم الواهب منه لأن العوض بدل عن كل هبته كأن يقول له: خذ هذا المال أو العقار عوض هبتك أو بدلها أو في مقابلها ونحو ذلك. فإذا لم يذكر ذلك كان للواهب حق الرجوع في هبته، وكان للموهوب له حق الرجوع في العوض الذي دفعه.

وبعضهم يقول إنه لا يشترط أن يقول خذ بدل هديتك أو عوضها بل اللازم فعل ما يدل على ذلك بما هو متعارف بين الناس، فإذا دفع إليه المبلغ بقصد العوض وكان معروفاً أنه لا يكون لهما حق الرجوع.
ويشترط في العوض ما يشترط في الهبة فلا يتم إلا بالقبض، ولا بد أن يكون مقروزاً غير شائع الخ ولا فرق فيه بين أن يكون موازياً للّهبة أو أكثر أو أقل.
وإذا وهب الأب لابنه الصغير فإنه لا يجوز له أن يأخذ في نظير هبته عوضاً من مال الصغير، وإذا وهب الموهوب. وإذا وهب النصراني للمسلم عيناً فإنه لا يجوز أن يعوضه بدلها خمراً أو خنزيراً.
ويشترط أن لا يكون العوض بعض الموهوب. فإذا وهب له بقرتين فلا يصح أن يعطيه إحداهما عوضاً، فإذا فعل كان للواهب حق الرجوع في الثانية.

وهل يشترط في العرض أن يذكر في عقد الهبة أو يصح بعد تمامها بحيث إذا قبضها الموهوب له وأراد الواهب الرجوع فيها فأعطاه الموهوب له عوضاً يصح ويمنع الرجوع؟ خلاف.
وبعضهم يقول: إنه لا بد من ذكره في عقد الهبة.
وبعضهم يقول: لا بل اللازم هو إضافة للّهبة التي تمت كأن يقول: هذا عوض عن هبتك، فإذا قبضه لا يكون له حق الرجوع.
أما إذا لم ينص على أنه عوض عن هبته فإن الوض يكون هبة جديدة، ويكون لكل منهما حق الرجوع.
الشافعية - قالوا: الهبة بشرط العوض ويقال له الثواب صحيحة بشرط أن يكون العوض معلوماً، وفي هذه الحالة تكون بيعاً لها حكم البيع.

أما إذا لم يشترط العوض ولا عدمه فإذا كانت قرينة على طلب العوض وجب دفعه أو رد الموهوب، وإذا لم تقم قرينة فلا عوض، ولا فرق في ذلك بين أن يكون الواهب أعلى من الموهوب له أو نظيره أو أدنى منه.
وإذا شرط عوضاً غير معين كأن قال: وهبتك على أن تعوضني دابة مثلاً فإن الهبة تبطل، فإذا قبضها كانت معاوضة بالشراء الفاسد؛ فيضمنها ضمان المغصوب.

الحنابلة - قالوا: الهبة بشررط العوض تصح إن كان العوض معلوماً حكم اليبع تثبت فيها الشفعة ونحوها مما يثبت في البيع.
أما إن كان العوض مجهولاً فإن الهبة لم تصح أصلاً؛ ويكون حكمها في هذه الحالة حكم البيع الفاسد؛ فغن قبضها الموهوب له كان عليه ضمانها بمثلها وإن كانت مثلية، وقيمتها إن كانت متقومة، وإن كانت باقية وجب عليه ردها بزيادتها المتصلة والمفصلة.
وإذا لم يشترط الواهب العوض لفظاً، وادعى أنه وهبها للعوض يسمح قوله - ولو قامت القرينة على ذلك أو كان العلاف مؤيدة في دعواه - لأن مدلول لفظ هبة العوض والقرائن لا تساوي اللفظ الصريح فلا يعمل بها).

عن الكاتب

A. Fatih Syuhud

التعليقات


جميع الحقوق محفوظة

الكتب الإسلامية