الكتب الإسلامية

مجموعة الكتب والمقالات الإسلاية والفقه علي المذاهب الأربعة

recent

آخر الأخبار

recent
جاري التحميل ...

كتاب الجنايات والردة والحدود والتعزير والجهاد

كتاب الجنايات والردة والحدود والتعزير والجهاد


كتاب بغية المسترشدين باعلوي الحضرمي علي المذهب الشافعي

محتويات

كتاب الجنايات

(مسألة): قتل زوجته الحامل لزمه القود إن تعمد كغيرها بشروطه الثلاثة: وهي أن لا يكون المقتول كافراً ولا عبداً، والقاتل مسلماً أو حراً، ولا أصلاً للمقتول، فإن عفا أحد ورثتها أو كان فيهم فرع للقاتل سقط القصاص ووجبت الدية إن عفي عليها، ولا عبرة بكون المقتول امرأة أو صغيراً أو دنيء النسب والقاتل بضده، نعم شرط القاتل أن يكون مكلفاً مختاراً عامداً ملتزماً للأحكام لا كافراً حربياً، ويجب أيضاً على عاقلة القاتل وهم قرابته من النسب دية الجنين، وهي غرة عبد أو أمة قيمته خمس من الإبل إن خرج ميتاً، فإن لم يخرج لم يجب شيء، ويجب أيضاً على القاتل كفارة عتق رقبة ثم صيام شهرين متتابعين، ويحرم عليه الامتناع والتعزز عن إقامة الحد، نعم إن كان لطلب العفو المحمود فينبغي للوارث إسعافه.

(مسألة: ش): طعن رجل وأخرجت شبكة بطنه فبقي يوماً وليلة، فجيء له بطبيب يعالجه فقال: لا يمكن إدخال الشبكة لكونها يبست فقطعها فمات بعد أيام، فإن تعمد مع علمه بأن القطع يقتل غالباً ومات بالفعلين، أو قطعها بلا إذن من المجروح الكامل وولي الناقص، فعلى كل من الطاعن ولو سكران تغليظاً عليه، إذ هو في حكم المكلف، والطبيب كان ماهراً بأن لا يخطىء إلا نادراً أولا القصاص بشرطه، ولا عبرة بإذن الوارث، وإن قطع الماهر على وفق معرفته فموته محال على فعل الطاعن، فعليه القصاص فقط، لأن الواقع من الطبيب محض معالجة، وإن أخطأ الماهر فمات المطعون بالفعلين بقول عدلين خبرين، فعلى الطاعن هنا وفيما يأتي حيث لا قصاص نصف دية مغلظة في ماله لتعمده، وليس على الماهر شيء إن أذن له في عين ما فعله، فإن قال له: داوني وأطلق،

أو قال الماهر: جهلت القطع وحلف، فعلى عاقلته نصف دية مغلظة مثلثة إن صدقوه وإلا فعليه، كما لو قطعها غير الماهر ظناً أن ذلك يجدي، لأنه قصد إنساناً بما لا يقتل غالباً في ظنه، وكما لو ألقاه على حديدة لا يعلمها، نعم إن أذن له المجروح في عين القطع فلا ضمان.
(مسألة: ك): يحرم التسبب في إسقاط الجنين بعد استقراره في الرحم، بأن صار علقة أو مضغة ولو قبل نفخ الروح كما في التحفة، وقال (م ر): لا يحرم إلا بعد النفخ، واختلف النقل عن الحنفية في الجواز مطلقاً وفي عدمه بعد نفخ الروح، وهل هو كبيرة؟ الأحوط أن يقال: إن علم الجاني بوجود الحمل بقرائن الأحوال وتعمد فعل ما يجهض غالباً وقد نفخ فيه الروح ولم يقلد القائل بالحل فكبيرة وإلا فلا.

(مسألة): لا قصاص على قاتل تارك الصلاة والزاني المحصن ببينة أو إقراره، ولم يرجع عنه إلا إن كان مثله، كما في التحفة والنهاية لكن يأثم، نعم إن قصد نحو وليه بقتله الحد ودفع العار لعدم الوالي أو تساهله بالحدود كما هو المعهود فيحتمل جوازه، وعبارة أبي مخرمة قتل تارك الصلاة أو الزاني المحصن عمداً تشهياً، فإن كان حين إقدامه جاهلاً إهداره أثم إثم المجترىء على المعاصي لا إثم القاتل، أو عالماً فإثم الافتيات على الإمام لا غير، وإن قتل تارك الصلاة في مدة الاستتابة أو قبلها أثم إثماً زائداً على الافتيات ويعزر في الكل، ولا قود إلا إن كان مثله اهـ.

(مسألة: ب): يجوز الشلي وهو الفصد المعروف عند ظهور الجدري بأن يؤخذ شيء من المدرة ويوضع في محل الفصد في نحو اليد لمن لم يظهر به أثر الجدري ولو بنحو صبي، لما عرف بالتجربة الصحيحة والاستقراء من حصول التخفيف بذلك جداً، وقد جوّز العلماء أكثر من ذلك في نظير المسألة، وقد علمنا بذلك نحن وغالب من عاصرناه من العلماء ومن قبلنا، وأفتى بجوازه جماعة كابن زيادة والعلامة طاهر بن محمد علوي، بل صرح هذا بوجوبه.

الدية والقسامة

(مسألة: ش): قال الجاني المستحق القصاص: بعتك هذه العين بما تستحق عليّ، لم يصح لأن البيع مقابلة مال بمال، والقصاص أصالة ليس بمال، نعم هو كناية في العفو، فإذا قصد به التماس العفو بالعين وقبل المستحق أو ولي المجنون الفقير ولو صبياً سقط القصاص وملك المستحق العين، كما لو قالت: بعتك هذه العين بطلاقي، إذ كل منهما بذل مال في مقابلة ما استحق عليه شرعاً وهو القصاص أو سلطة الزوج.

[فائدة]: لو أشرفت سفينة على الغرق إن لم يطرح متاعها كله أو بعضه وجب طرح ما احتيج إليه، وإن لم يأذن مالكه لنجاة راكب محترم، فإن لم يغلب جاز بإذن المالك، ويجب إلقاء متاع لإبقاء ذي روح، والدواب لإبقاء آدمي لا قنّ لحر، ويضمن ما ألقاه بغير إذن مالكه، وإن قال خوف غرق لا على الملقى فقط: ألق متاعك وأنا ضامن له أو ضامنه لا ضامن فقط ضمن، أو وأنا وهؤلاء ضامنون، فحصته أي القائل باعتبار الرؤوس لا هم وإن رضوا، ولو قال: أنا وهم ضامنون كل منا على الكمال، أو وأحصله من مالهم أو مالي لزمه الجميع، كما لو باشر الإلقاء بعد قوله: أنا وهم ضامنون بإذن المالك اهـ فتح. وأفتى الشيخ زكريا بأنه لو كان شخص له خبرة بقطع الظفرة من أعين الدواب فقال له آخر: اقطع ظفرة عين ثوري فقطعها فعميت لم يضمن اهـ.
(مسألة: ش): أعتق العبد جماعة حملوا عنه كل سنة في ديه نحو الخطأ ما يحمله المعتق الواحد وهو نصف دينار إن كانوا أغنياء، وربعه إن كانوا متوسطين، يقسم بينهم على قدر حصصهم، خلافاً لما توهمه نسخ العباب.

(مسألة: ش): جنى أحد الإخوة على بعض الآخرين خطأ كان كل الأرش على عاقلة الجاني الذين هم بقية الإخوة غير المجني عليه، فلا يلزمه شيء من الأرش، إذ لو لزمه لكان له، والشخص لا يثبت له في ذمة نفسه شيء ابتداء ولا دواماً، كما لو زوج السيد أمته بعبده لا يلزم العبد مهر، إذ لو لزم لكان لسيده، والسيد لا يثبت له في ذمة عبده دين.

(مسألة: ش): دعوى البكر أن شخصاً افتضها دعوى جرح، فاليمين فيه في جانب المدعى عليه ككل دعوى، سواء كان لوث كأن وجدا في خلوة وصاحت حال الإكراه أم لا، إذ اليمين لا تكون في جانب المدعي مطلقاً إلا في القسامة في القتل فقط، مع وجود اللوث المغلب للظن اقتصاراً على الوارد، فحينئذ إن أوجبت الدعوى قصاصاً، كأن ادعت امرأة على أخرى أنها أزالت بكارتها عمداً، فلا بد من شاهدين أو مالاً بأن كانت خطأ أو عمداً من رجل كفى فيها رجل وامرأتان، أو يمين المدعي، أو أربع نسوة، إذ لا يطلع على ذلك إلا النساء غالباً، وصفة الشهادة أن يقول: أشهد أن فلاناً أزال بكارة فلانة عمداً أو شبهة أو خطأ على وفق الدعوى، ولا يشترط تعرضه لما أزيلت به البكارة من ذكر أو نحو أصبع، فإن لم تكن بينة فالقول قول المنكر فيحلف خمسين يميناً، لأن حلف الجرح كالنفس وإن قل واجبه، ولم تكن ديته مقدرة، فإن نكل حلف المدعي المردودة خمسين أيضاً وثبت الواجب قصاصاً أو غيره.

أحكام البغاة والإمامة العظمى

(مسألة): لقاضي الخوارج المتغلب حكم قاضي السنة، فحيث نفذ قضاء قاضينا بأن لم يخالف نصاً أو إجماعاً أو قياساً جلياً نفذ قضاء قاضيهم، وحيث لا فلا، لأن هؤلاء ونحوهم من فرق المبتدعة الذين لا يكفرون ببدعتهم بغاة لوجود الشروط فيهم، وشهادة البغاة مقبولة، وقضاء قاضيهم نافذ، كما ينفذ قضاء الفاسق ونحوه للضرورة.

(مسألة: ك): تنعقد الإمامة إما ببيعة أهل الحل والعقد من العلماء والرؤساء ووجوه الناس الذين يتيسر اجتماعهم، أو باستخلاف إمام قبله، أو باستيلاء ذي الشوكة وإن اختلت فيه الشروط كلها، فحينئذ من اجتمعت فيه الشروط التي ذكروها في الإمام الأعظم فهو إمام أعظم، وإلا فهو متولّ بالشوكة، فله حكم الإمام الأعظم في عدم انعزاله بالفسق، فيزوّج بناته وإن لم يكن لهنّ وليّ خاص غيره كبنات غيره بالولاية العامة وإذا قلنا لم يؤثر الفسق في حقه فيوكل غيره، لكن يشترط في وكيله وقاضيه ما يشترط في وكيل غيره، وإلا لم تصح توليته، ولا تنفذ أحكامه على الراجح، نعم إن ولاه مع علمه بفسقه أو فسق بعد وعلمه الإمام نفذت للضرورة، وأمراء البلدان يسمعون إماماً أعظم لما ذكر في انعقاد الإمامة.

(مسألة: ي): لا تزول ولاية السلطان الذي انعقدت ولايته ببيعة أو عهد متصل بمن انعقدت ولايته بزوال شوكته، حتى يخلع نفسه أو يخلع بسبب، أو يأسره الكفار وييأس من خلاصه، أما من كانت ولايته بتغلب أو عهد متصل بمتغلب كغالب ولاة الزمان فنفوذ ولايته مدة بقاء شوكته ولو ضعيفة لا بعد زوالها، فلو بقيت في بعض البلاد نفذت فيما بقيت فيه فقط، وحيث قلنا بنفوذ ولايته فهو مقدم على أهل الحل والعقد إن كان مسلماً، بل لا تنفذ توليتهم نحو القضاء من غير إذنه إلا إن تعذر فتنفذ مدة التعذر، ومعنى ذي الشوكة انقياد الناس وطاعتهم وإذعانهم لأمره، وإن لم يكن عنده ما عند السلطان من آلة الحرب والجند ونحوهما مما تقع به الرهبة، كرؤساء البلد، ورئيس الجماعة، وصاحب الحوطة المطاع على وجه الاعتقاد والاحتشام، فسبب الانقياد لهم مقتض لصحة نصب القضاة والنوّاب وإن لم تكن شوكة، أما ذو الشوكة الكافر، فإن كان منقاداً لأمر نائب البلد المسلم خوفاً أو وفاء بعهد أو احتشاماً، فتولية القضاء بإذن ذلك النائب أو الكافر الذي عهد إليه تولية القضاء تصريحاً أو تلويحاً، وإن لم يكن منقاداً لأمر النائب فتولية القضاء لأهل الحل والعقد، ولا يتوقف على إذن الكافر إذ هم مأمورون بخلعه ولا تلزمهم طاعته، بل لا يجوز الانقياد له اختياراً، ويلزمهم إقامة إمام يخرجه، نعم لو ولى الكافر قاضياً ولم يمكن إلا طاعته للخوف نفذت توليته للضرورة.

الردة

[فائدة]: صرح الأئمة بتكفير من قال لكافر جاء ليسلم: اذهب فاغتسل، أي إن كان ممن لا يخفى عليه، بل يلزمه قطع الصلاة لذلك قياساً على إنقاذ الغريق، بل هذا أعظم لأن فيه إنقاذاً من الخلود في النار اهـ باجوري.
(مسألة: ش): حكم عليه حاكم فتبرم فقال استهزاء: ليس هذا الشرع بشيء قط كفر، كما لو قال لفتوى: أيّ شيء هذا الشرع، أو قيل له احضر مجلس العلم فقال: ما هذا بشيء، أو قال: قصعة من ثريد خير من العلم، فحينئذ تجري عليه أحكام المرتدين من الاستتابة وغيرها، نعم إن قال: لم أرد الشرع بل أردت الحكم عليّ ظننته غير مستند إلى جهة تقتضيه عزر تعزيراً بليغاً زاجراً لمثله عن إطلاق مثل هذا القول، ومن تأمل أحوال أهل الزمان لم يشك في استخفافهم بالشرع وحملته وبالفقه وخدمته.

(مسألة: ي): حاصل ما ذكره العلماء في التزيي بزي الكفار أنه إما أن يتزيا بزيهم ميلاً إلى دينهم وقاصداً التشبه بهم في شعائر الكفر، أو يمشي معهم إلى متعبداتهم فيكفر بذلك فيهما، وإما أن لا يقصد كذلك بل يقصد التشبه بهم في شعائر العيد أو التوصل إلى معاملة جائزة معهم فيأثم، وإما أن يتفق له من غير قصد فيكره كشد الرداء في الصلاة.

(مسألة: ش): المبتدعة قسمان: قسم يكفر ببدعته كمنكري علم الله بالجزئيات، ومعتقدي قدم العالم والمجسمة، وكالإسماعيلية المعتقدين كون الرسالة لعليّ وعدم براءة عائشة ومكفري الصحابة رضي الله عنهم، فهؤلاء لهم حكم الكفار فلا تحل مناكحتهم ولا ذبيحتهم. وقسم لا يكفرون كالمعتزلة والقدرية والزيدية، وفرقة من الحنابلة اعتقدوا التجسيم لكن ليس كسائر الأجساد فتكره مناكحتهم خروجاً من خلاف من حرمها.

(مسألة: ك): رجل ألزم الأمة متابعته، وادعى الاجتهاد المطلق وكفر من خالفه، واستحل دمه وعرضه، فهذا المدعي قد تعرض لخطر عظيم بتكفيره للمسلمين، فقد صح عنه عليه الصلاة والسلام: "إذا قال الرجل لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما". وقال الشيخان وغيرهما: "إذا قال لمسلم يا كافر بلا تأويل كفر" لأنه سمى الإسلام كفراً، بل قضية كلام الغزالي وأبي إسحاق وابن دقيق العيد وغيرهم أنه لا فرق بين أن يؤول أم لا، واستحلاله الدم والعرض أقبح لما صح أنه قال: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله" الحديث، فكيف ساغ لهذا الرجل استحلال ما لم يحل له عليه الصلاة والسلام وقد قال: "ما أمرت أن أشق على القلوب". ومن أثبت الشرك والكفر في المدينة المنوّرة بل أو في جزيرة العرب عامة فإثمه ظاهر وأمره مخطر، بل يخشى عليه الكفر كما قدمناه فيمن كفر مسلماً، وإجماع المسلمين حجة، قال الله تعالى: {ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى} الآية، فعليك بالجماعة فإنما يأكل الذئب القاصية من الغنم، ومن شذ فهو في النار.

(مسألة: ك): جعل الوسائط بين العبد وبين ربه، فإن صار يدعوهم كما يدعو الله في الأمور ويعتقد تأثيرهم في شيء من دون الله تعالى فهو كفر، وإن كان نيته التوسل بهم إليه تعالى في قضاء مهماته، مع اعتقاد أن الله هو النافع الضارّ المؤثر في الأمور دون غيره، فالظاهر عدم كفره وإن كان فعله قبيحاً.

(مسألة: ش): انهمك الحاكم في المعاصي وأكل الرشا فسق وانعزل ولا يكفر إلا إن استحل مجمعاً على تحريمه معلوماً من الدين بالضرورة، فحينئذ ينفسخ نكاحه ويوقف على انقضاء العدة إن كانت، والقول بتكفير أهل الكبائر رأي الخوارج وكثير من الظاهرية وليس من شأن أهل السنة، وأما قوله تعالى: {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون} فمحمول على كفر النعمة أو المستحل، وينبغي للمفتي أن يحتاط في التكفير ما أمكنه، لأن الإيمان محقق فلا يرتفع إلا بيقين.

الحدود والتعزير

(مسألة: ك): لا تتوقف توبة الزاني أو القاتل على تسليم نفسه للحد وإن تحتم بثبوته عند الحاكم، بل لا تتوقف حتى في حق الآدمي الواجب تسليم نفسه، فإذا ندم صحت توبته في حق الله تعالى، وبقيت معصية حق الآدمي، وهي لا تقدح في التوبة بل تقتضي الخروج منها، وينبغي لمن أتى معصية الستر حيث لم يعلم القاضي وإلا ندب له تسليم نفسه للحد.

(مسألة): ملخصة مع زيادة من الإكسير العزيز للشريف محمد بن أحمد بن عنقاء في حديث: الولد للفراش الخ، إذا كانت المرأة فراشاً لزوجها أو سيدها فأتت بولد من الزنا كان الولد منسوباً لصاحب الفراش لا إلى الزاني، فلا يلحقه الولد ولا ينسب إليه ظاهراً ولا باطناً وإن استلحقه، ومن هنا يعلم شدة ما اشتهر أنه إذا زنى شخص بامرأة وأحبلها تزوّجها واستلحق الولد فورثه وورّثه زاعماً سترها، وهذا من أشد المنكرات الشنيعة التي لا يسع أحداً السكوت عنها، فإنه خرق للشريعة ومنابذة لأحكامها، ومن لم يزله مع قدرته بنفسه وماله فهو شيطان فاسق ومداهن منافق، وأما فاعله فكاد يخلع ربقة الإسلام لأنه قد أعظم العناد لسيد الأنام، مع ما ترتب على فعله من المنكرات والمفاسد، منها حرمان الورثة وتوريث من لا شيء له مع تخليد ذلك في البطون بعده،

ومنها أنه صير ولد الزنا باستلحاقه كابنه في دخوله على محارم الزاني، وعدم نقض الوضوء بمسهنّ أبداً، ومنها ولايته وتزويجه نساء الزاني كبناته وأخواته ومن له عليها ولاية من غير مسوغ فيصير نكاحاً بلا وليّ، فهذه أعظم وأشنع، إذ يخلد ذلك فيه وفي ذريته، ويله فما كفاه أن ارتكب أفحش الكبائر حيث زنى حتى ضم إلى ذلك ما هو أشد حرمة منه وأفحش شناعة، وأيّ ستر وقد جاء شيئاً فرياً، وأحرم الورثة وأبقاه على كرور الملوين، وكل من استحل هذا فهو كافر مرتدّ خارج عن دين الإسلام، فيقتل وتحرق جيفته أو تلقى للكلاب، وهو صائر إلى لعنة الله وعذابه الكبير، فيجب مؤكداً على ولاة الأمور زجر فاعلي ذلك وتنكيلهم أشد التنكيل وعقابهم بما يروعهم، وقد علم بذلك شدة خطر الزنا وأنه من أكبر الكبائر.

(مسألة: ي): حملت امرأة وولدت ولم تقرّ بالزنا لم يلزمها الحد، إذ لا يلزم الحد إلا ببينة أو إقرار أو لعان زوج، أو علم السيد بالنسبة إلى قنة، إذ قد توطأ المرأة بشبهة أو وهي نائمة أو سكرانة بعذر أو مجنونة أو مكرهة، أو تستدخل منياً من غير إيلاج، ونحو ذلك فتحبل منه ولا يوجب حداً للشبهة، فعلم أن كل امرأة حملت وأتت بولد إن أمكن لحوقه بزوجها لحقه ولم ينتف عنه إلا باللعان، وإن لم يمكن كأن طالت غيبة الزوج بمحل لا يمكن اجتماعهما عادة، كان حكم الحمل كالزنا بالنسبة لعدم وجوب العدة وجواز إنكاحها ووطئها، وكالشبهة بالنسبة لدرء الحد والقذف واجتناب سوء الظن، نعم إن كانت قليلة الحياء والتقوى، كثيرة الخلوة بالأجانب والتزين لهم وتحدث الناس بقذفها، عزرها الإمام بما يزجر أمثالها عن هذا الفعل.

[فائدة]: زنى كافر ثم أسلم حد على المعتمد عند (م ر) خلافاً لابن حجر والخطيب حيث قال بسقوطه اهـ بج.
[فائدة]: يحرم على الشخص سرقة مال غيره على وجه المزج لأن فيه ترويعاً لقلبه اهـ ح ل.
(مسألة: ي): من سبّ أحداً من أهل البيت النبوي بنحو يا بانصت فسق واستحق التعزير الشديد، بل إن أراد بذلك سبّ جميع قبيلته الشامل لجميع بني هاشم كفر وقتل بكفره، فإن رجع للإسلام تحتم تعزيره، بل قال أبو حنيفة وأحمد: يتحتم قتله مطلقاً وإن تاب، وذلك لأنه سبّ النبي واجترأ على منصبه الشريف وهو كفر بالإجماع.

(مسألة: ب): لطم رقيق آخر كان التعزير على العبد اللاطم لا سيده بما يراه الحاكم أو المحكم من حبس أو ضرب أو إركابه حماراً معكوساً ونحوه، ولا يتولاه المظلوم، ولا يجوز التعزير بأخذ المال عندنا، هذا إن ثبت ببينة، وإلا فعلى العبد لا سيده أيضاً يمين الإنكار حيث لم يقرّ.

(مسألة: ك): ليس إتيان الحليلة في دبرها بزنا ولا لواط، بل هو صغيرة لا يفسق مرتكبه إلا إن تكرر منه، ولم تغلب طاعته معاصيه، ولا يعزر عليه إلا إن نهاه الإمام.
[فائدة]: قال في النهاية: لو استقل المقذوف بالاستيفاء للحد ولو بإذن الإمام لم يقع الموقع، نعم لو تعذر عليه الرفع إلى السلطان استوفاه إن أمكن مع رعاية المشروع ولو بالبلد كما قاله الأذرعي اهـ. وقوله السلطان أي أو من يقوم مقامه، وخرج بالحد التعزير فلا يستوفيه مستحقه مطلقاً لاختلافه باختلاف الناس إذ ربما يتجاوز الحد اهـ ع ش.

الصيال وإتلاف البهائم

[فائدة]: قال المحب الطبري في كتابه التفقيه: يجوز قتل عمال الدولة المستولين على ظلم العباد إلحاقاً لهم بالفواسق الخمس، إذ ضررهم أعظم منها، ونقل الأسنوي عن ابن عبد السلام أنه يجوز للقادر على قتل الظالم كالمكاس ونحوه من الولاة الظلمة أن يقتله بنحو سمّ ليستريح الناس من ظلمه، لأنه إذا جاز دفع الصائل ولو على درهم حتى بالقتل بشرطه فأولى الظالم المتعدي اهـ.
(مسألة: ش): يجرم ترويع المسلم وغيره ولو على وجه المزاح لما ورد من النهي عنه اهـ. وفي الحديث الحسن: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يروّعن مسلماً" اهـ بج.

(مسألة): عضت يده خلصها بفك لحي فبضرب فم فسلّ يد فعض ففقء عين فقلع لحي فعصر خصية فشق بطن، فمتى انتقل لمرتبة مع إمكان أخف منها ضمن نظير ما مر، نعم إن ظن أنه لو رتب أفسدها العاضّ قبل تخليصها من فيه فبادر فسلها فندرت أسنانه فهدر لما في الصحيحين أنه قضى في ذلك بعدم الدية، والعاضّ المظلوم في هدر أسنانه كالظالم لأن العض لا يجوز بحال، ولو تنازعا في أنه أمكنه الدفع بشيء فعدل لأغلظ منه صدق المعضوض كما جزم به في البحر، قال الأذرعي: وليكن الحكم كذلك في كل صائل، نعم لو اختلفا في أصل الصيال لم يقبل قول نحو القائل إلا ببينة أو قرينة ظاهرة، كدخوله عليه بالسيف مسلولاً، وإشرافه على حرمه، قاله في التحفة والنهاية.

(مسألة: ش): صالت بهيمة على زرعه، فأمر آخر بربطها مع أخرى، فكسرتها الأخرى بسبب الربط، لزم رابطها أرشها ما بين قيمتها صحيحة ومكسورة لا الآمر، إلا إن أكره المأمور، أو أمر غير مميز، أو أعجمياً يرى وجوب طاعة آمره فعليه فقط، وعلى مالك البهيمة لصاحب الزرع قيمة ما أتلفته إن سرحها ليلاً والزرع في الصحراء، ولم يقصر مالكه بفتح محوط إن كان، وكذا نهاراً وهو معها مع غيبة صاحب الزرع، وإلا فلا ضمان للعادة الغالبة، فلو انعكست بأن حفظ الزرع ليلاً والدابة نهاراً انعكس الحكم، كما لو جرت العادة بحفظها فيها ضمن فيهما، وقياسه لو جرت بعدم حفظها فيهما لم يضمن، ويضمن بإرسال الدابة في البلد مطلقاً.
[فائدة]: قال في الفتح في مبحث متلف البهيمة: وخرج بسرحها ما لو سرحت بنفسها بلا تقصير، بأن انهدم الجدار، أو فتح لص الباب، أو قطعت الحبل المحكم فلا يضمن متلفها مطلقاً.

الجهاد وفروض الكفاية

(مسألة: ي): اختلف العلماء في ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فقال أحمد: إنه كفر، وقال بعض أئمتنا: إنه كبيرة، وفصل بعضهم فقال: إن كان ترك المعروف وفعل المنكر كبيرة فالترك حينئذ كبيرة وإلا فصغيرة، فعليه من رأى تارك صلاة فلم يأمره، أو زانياً فلم ينهه، فقد ارتكب كبيرة اتفاقاً، ومن رأى مستعمل الحرير والنقدين استعمالاً محرماً فلم ينهه فقد ارتكب كبيرة عند من يرى أنه كبيرة وهو ابن حجر في الزواجر و ع ش، وصغيرة عند من يراه كذلك وهو المعتمد في التحفة في باب الردة، ورجحه المناوي ولم يقيد حرمة لبس الحرير بالمداومة على كلا القولين، لكن إذا قلنا إنه صغيرة فإنما يفسق مستعمله، وتارك النهي إن داوم عليه مداومة زادت بنفسها، أو مع صغائر أخرى على نوافل طاعاته، وليس لعامي يجهل حكم ما رآه أن ينكره حتى يعلم من فاعله أنه حال ارتكابه حتى يعلم أنه مجمع عليه أو في اعتقاد الفاعل، ولا لعالم أن ينكر مختلفاً فيه حتى يعلم من فاعله أنه حال ارتكابه معتقد تحريمه لاحتمال أنه قلد من يرى حله أو جهل حرمته.

(مسألة: ج): ونحوه ي: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قطب الدين، فمن قام به من أيّ المسلمين وجب على غيره إعانته ونصرته، ولا يجوز لأحد التقاعد عن ذلك والتغافل عنه وإن علم أنه لا يفيد، وله أركان: الأوّل المحتسب وشرطه الإسلام والتمييز، ويشترط لوجوبه التكليف، فيشمل الحر والعبد، والغني والفقير، والقوي والضعيف، والدنيء والشريف، والكبير والصغير، ولم ينقل عن أحد أن الصغير لا ينكر على الكبير وأنه إساءة أدب معه، بل ذلك عادة أهل الكتاب، نعم شرط قوم كونه عدلاً، ورده آخرون، وفصل بعضهم بين أن يعلم قبول كلامه أو تكون الحسبة باليد فيلزمه وإلا فلا وهو الحق، ولا يشترط إذن السلطان.

الثاني: ما فيه الحسبة وهو كل منكر ولو صغيرة مشاهد في الحال الحاضر، ظاهر للمحتسب بغير تجسس معلوم، كونه منكراً عند فاعله، فلا حسبة للآحاد في معصية انقضت، نعم يجوز لمن علم بقرينة الحال أنه عازم على المعصية وعظه، ولا يجوز التجسس إلا إن ظهرت المعصية، كأصوات المزامير من وراء الحيطان، ولا لشافعي على حنفي في شربه النبيذ، ولا لحنفي على شافعي في أكل الضب مثلاً. الثالث: المحتسب عليه ويكفي في ذلك كونه إنساناً ولو صبياً ومجنوناً. الرابع: نفس الاحتساب وله درجات: التعريف، ثم الوعظ بالكلام اللطيف، ثم السب والتعنيف، ثم المنع بالقهر، والأولان يعمان سائر المسلمين، والأخيران مخصوصان بولاة الأمور، زاد ج: وينبغي كون المرشد عالماً ورعاً وحسن الخلق، إذ بها تندفع المنكرات وتصير الحسبة من القربات، وإلا لم يقبل منه، بل ربما تكون الحسبة منكرة لمجاوزة حدّ الشرع، وليكن المحتسب صالح النية، قاصداً بذلك إعلاء كلمة الله تعالى، وليوطن نفسه على الصبر، ويثق بالثواب من الله تعالى.

إذا علمت ذلك فتقول: حكم أهل الحرف والصناع والسوقة في اختلاطهم الرجال بالنساء مع حرفهم، وفي الأسواق والطرق مع كشف الوجوه وبعض الأبدان من النساء، من المنكرات المألوفة في العادة على المعتمد عند النووي، وغيره، فحينئذ يجب على الوالي أو منصوبه إنكارها بحسب المراتب المتقدمة، فيعرّف أولاً بأن ذلك حرام لا يجوز فعله بكلام لطيف إن أجدى، ثم بالسب والتعنيف نحو: يا جاهل يا فاسق، وليتوعده بالعقوبة ثم يعاقبه بالضرب، ولا يبلغ به جداً، فلا يبلغ الحرّ أربعين سوطاً والأولى عشرة، وإن أراد التعزير بالحبس وذلك حيث كانت المعاقبة لترك واجب كترك التعلم يحبس حتى يتعلم، وإلا فلا يزيد على ستة أشهر، والأوسط شهر، والأقل ثلاثة أيام، ويجتهد ما بين ذلك حسب المنكر، ويعاقب كلاً بما يليق به، فيكفي التهديد لذوي الهيئة، ويغتفر له المرة والمرتان لحديث: "أقيلوا ذوي الهيئات" الخ،

المراد بهم في هذا الزمان من غلبت طاعاته سيئاته، فإن لم يجد عزر في مكان لائق به بحيث لا يعير به، فإن أصر عزر بالإشهار، وأما غير ذوي الهيئة فيعزر بالضرب غير المبرح أو الحبس، والأول أولى بجنس المنهيات، والثاني لترك المأمورات، ويقطع مادة ذلك أن يأمر الوالي النساء بستر جميع بدنهن، ولا يكلفن المنع من الخروج إذ يؤدي إلى إضرار، ويعزم على الرجال بترك الاختلاط بهنّ لا سيما في الخلوة، وعلى الوالي وجوباً حمل الناس على إقامة الجمعة والجماعة في المكتوبات، إذ هما من أعظم شعائر الدين، ولا يأثم من تخلف عن الجماعة إن قام الشعار بغيره إلا من حيث مخالفة أمر الوالي، فيعاقب بحسب ما يقتضيه حاله، وعليه أيضاً حمل أهل الحرف ونحوهم على تعلم ما لا بد من فروض الصلاة، إذ أكثرهم لا يحسنونها ولا يعرفون ما تصح به وما لا، ويلزمهم بذلك بأجرة منهم لمن يعلمهم إن لم يوجد متبرع، إذ هي أهم أركان الإسلام، ولا فرق بين من يصلي ولا يحسن ومن يتركها، ولا يكلفون حضور مجالس الذكر والتذكير إذا عرفوا الواجب، من كل مأمور به أو منهي عنه من أركان الإسلام وغيرها، فكم من واجب تاركيه، وحرام مرتكبيه، كالسرقة والربا الذي فشا، وتسلط به المعاملون على الضعفاء والمساكين، وهل أقبح من هذا الذنب وأشدّ منه؟ وكالتحاكم إلى الطاغوت في الأمور التي تنوبهم وتعرض لهم من غير إنكار ولا حياء من الله تعالى ولا من عباده، وهذا أمر معلوم، ولا يقدر أحد على إنكاره، ولا شك أن هذا كفر بالله تعالى وبشريعته، وكقطع بعض الورثة عن إرثه،

وأكل الأوقاف ووضعها في غير موضعها، فيجب على الوالي خاصة وكل قادر عامة منابذتهم حتى يرجعوا إلى حكم الله تعالى، ومعلوم أن من جرد نفسه لجهاد هؤلاء، واستعان بالله، وأخلص له النية، فهو منصور وله العاقبة، كما في غير آية من الكتاب العزيز، فإن ترك من هو قادر على ذلك جهادهم تعرض لنزول العقوبة به وبهم، كما هو مشاهد من تسلط الكفر على أهل الإسلام، وتسلط الظلمة، بسبب عدم التناهي بينهم، وعلى الوالي أيضاً تفقد العامة وكل من لا يشتغل بالعلم، حكمه حكم العامة في دينه، بل هو واحد منهم، وإن كان له نسب شريف وبيت رفيع، وربما يظن هذا بنفسه أنه داخل في الخاصة، متعلق بشيء من الولايات، وهو يخبط خبط عشواء، ويظلم العباد والبلاد جهلاً أو تجاهلاً، وجزاؤه على الله تعالى، فالواجب على الولي افتقاد هؤلاء، والبحث عن مباشرتهم وكيفية معاملتهم، ومن يتولون عليه، بل لو كان المتولي على ذلك من أهل العلم فلا بد من تفقده والنظر فيما هو مسؤول عليه، إذ ليس معصوماً، لا سيما إذا خالفه غيره من أهل العلم فالحق مع أحدهما، فليرجع إلى سؤال العلماء الظاهرين بالولاية الشائع عنهم ترك الدنيا.

[فائدة]: قال ابن حجر في الجوهر المنظم في زيارة القبر المعظم: تنبيه يتعين على من كان بمسجد رسول الله ومن ببلده الشريف أن يزيل ما أمكنه من منكر يراه لا سيما ما فيه ترك الأدب معه مما يؤدي إلى محذور، فإن من علامات المحبة غيرة المحب، وأقوى الناس ديانة أعظمهم غيرة، وما خلا عن الغيرة أحد إلا لخلوّه عن المحبة وامتلائه بالمخالفة، فيخشى عليه الحرمان والقطيعة والخسران، أعاذنا الله من ذلك بمنه وكرمه آمين اهـ.

(مسألة: ك): من الحقوق الواجبة شرعاً على كل غني وحده من ملك زيادة على كفاية سنة له ولممونه ستر عورة العاري وما يقي بدنه من مبيح تيمم، وإطعام الجائع، وفك أسير مسلم، وكذا ذمي بتفصيله، وعمارة سور بلد، وكفاية القائمين بحفظها، والقيام بشأن نازلة نزلت بالمسلمين وغير ذلك، إن لم تندفع بنحو زكاة ونذر وكفارة ووقف ووصية وسهم المصالح من بيت المال لعدم شيء فيه أو منع متوليه ولو ظلماً، فإذا قصر الأغنياء عن تلك الحقوق بهذه القيود جازه للسلطان الأخذ منهم عند وجود المقتضى وصرفه في مصارفه.

[فائدة]: نظم زين الدين العراقي مسقطات رد السلام فقال:
سلامك مكروه على من ستسمع ** وفي غير ما أبدى يسنّ ويشرع
مصلّ وتال ذاكر ومحدّث ** خطيب ومن يصغي إليهم ويسمع
مكرر فقه جالس لقضائه ** ولاعب شطرنج عسى هو يرجع
ودع كافراً أيضاً ومكشوف عورة ** ومن هو في حال التغوط أشنع
ودع آكلاً إلا إذا كنت جائعاً ** وتعلم منه أنه ليس يمنع

وقال آخر في الأحوال المكروه فيها السلام:
ردّ السلام واجب إلا على ** من في صلاة أو بأكل شغلا
أو شرب أو قراءة أو أدعية ** أو ذكر أو في خطبة أو تلبية
أو في قضاء حاجة الإنسان ** أو في إقامة أو الأذان
أو سلم الطفل أو السكران ** أو شابة يخشى بها افتتان
أو فاسق أو ناعس أو نائم ** أو حالة الجماع أو محاكم
أو كان في الحمام أو مجنوناً ** فهي اثنتان قبلها عشرونا

[فائدة]: أفتى الشيخ زكريا بندب السلام على المشتغل بالوضوء ووجوب الرد عليه في مختصر الأنوار، ويصح السلام بالأعجمية إن فهمها المخاطب وإن قدر على العربية، ويجب الجواب، ومن لا يستقيم نطقه يسلم كيف أمكنه، ويحرم على أهل الذمة ويندب عند المفارقة ويجب به الرد.

(مسألة: ب): لا يندب السلام على نحو المصلي، ولا على نائم انتبه بين حاضرين، ولا منه عليهم أيضاً.
[فائدة]: يسن إرسال السلام إلى الغائب، ويجب به الرد فوراً باللفظ في الرسول، وبالكتابة بالكتاب، ويسن الرد على المبلغ فيقول: وعليه وعليك السلام، والظاهر أنه لو قدم وعليك لم يكف ويحتمل خلافه اهـ إمداد. وفي التحفة فيقول: وعليك وعليه السلام، وقوله بالكتابة في الكتاب ظاهر عبارة التحفة الاكتفاء باللفظ أو الكتابة في ذلك اهـ.

(فرع): إذا أرسل السلام مع غيره إلى آخر، فإن قال: سلم لي على فلان، فقال الرسول: فلان يقول: السلام عليك أو السلام عليك من فلان وجب الرد، وحاصل ذلك أنه لا بد في الاعتداد به لوجوب الرد من صيغة من المرسل أو الرسول، فلو قال المرسل: سلم لي على فلان، فقال الرسول لفلان: زيد يسلم عليك، فلا اعتداد به ولا يجب به الرد، نقله (م ر) عن والده، وهل يجب استفصاله أم لا؟ ونقل المحشي عن (م ر) أنه يجب الرد على من قال: فلان يسلم عليك حملاً له على إتيانه بصيغة سلام شرعية، ومحل عدم الوجوب إذا علم أنه لم يأت بها، ويلزم الرسول الإبلاغ وله رد المتحمل بحضرة المرسل لا غيبته إذ لا يعقل حينئذ، نعم لو جاءه في كتاب: سلم لي على فلان، فله رده فوراً لأنه لم يحصل منه تحمل اهـ سم اهـ جمل.

(مسألة: ش): لا يجب قتال الكفار حيث لم يتعين بدخول بلد الإسلام إلا بشرط أن لا يكون له عذر، وأن يحضر الصف، وأن لا يزيد العدوّ على الضعف زيادة مؤثرة كمائة شجاع بضعفها وواحد بخلافها بضد الشجعان، فلا أثر لزيادة الواحد والاثنين من العدو حينئذ، ومن العذر فقد آلة الحرب، فلا يلزمه الثبات في الصف فضلاً عن غيره، ويعتبر في الآلة بحيث تحصل بها مقاومة العدوّ عرفاً، فلا أثر للحجر مع من يرمي بالبندق، ويجوز الهرب قبل التصافّ مطلقاً، ولو فرض قهر الكفار لمن لا يملك من أمره شيئاً فمعذور، فإن أمكنه الدفع حرم الاستسلام، إلا إن توقع من الأسر السلامة ولو بالفداء، ولم يخف نحو زنا به فهو أولى من القتال بلا فائدة، وأولى منه الهرب وإن فرض أن معه سلاحاً.

(مسألة: ش): أسلم الأسير الكافر عصم دمه، وإن اختار الإمام قتله قبل الإسلام إجماعاً، كما أن رجوع الزاني عن إقراره بعد حكم الحاكم برجمه يسقطه لما في الأحاديث الصحيحة المتواترة، إذ هي نص في أن قتال الكافر وقتله ملغيان بوجود إسلامه حربياً أو مرتداً، ولو بقذف نبيّ على المعتمد، على أن اختيار الإمام قتله إنما هو بإيجاده، فمن ثم لا يحتاج إلى لفظ كالمنّ، بخلاف الاسترقاق والفداء، فتحصل أن إسلام الأسير لا أثر له في اختيار منّ أو رقّ أو فداء قبله، بل يتعين ذلك المختار، وأن إسلامه يلغي اختيار قتله فقط.

الأمان والهدنة والجزية

(مسألة: ي): كل محل قدر مسلم ساكن به على الامتناع من الحربيين في زمن من الأزمان يصير دار إسلام، تجري عليه أحكامه في ذلك الزمان وما بعده، وإن انقطع امتناع المسلمين باستيلاء الكفار عليهم ومنعهم من دخوله وإخراجهم منه، وحينئذ فتسميته دار حرب صورة لا حكماً، فعلم أن أرض بتاوي بل وغالب أرض جاوة دار إسلام لاستيلاء المسلمين عليها سابقاً قبل الكفار.

(مسألة: ك): إقامة المسلمين بدار الكفر على أربعة أقسام: إما لازمة بأن قدروا على الامتناع من الكفر والاعتزال عنهم ولم يرجوا نصرة المسلمين، لأن موضعهم دار إسلام، فإذا هاجروا صارت دار حرب، أو مندوبة بأن أمكنهم إظهار دينهم ورجي ظهور الإسلام هناك، أو مكروهة بأن أمكنهم ولم يرجوا ذلك، أو حرام بأن لم يمكنهم إظهار دينهم، فحينئذ إذا كان في إظهار الدين وأحكام المسلمين من حدود وغيرها هلاك البلاد وقتل المسلمين بسبب أنه يتعاطاه الوالي الكافر ولا يفوضه إلى حكم الإسلام، حرمت الإقامة عندهم ووجبت الهجرة إلا لعاجز لا يقدر عليها فيعذر، بل لو لم يأمن منهم في حاله وماله إلا بإعطائهم شيئاً كل سنة كالجزية عكس القضية جاز الإعطاء للضرورة، بل وجب إن خيف ضرر على المسلمين، ومن ظلمه كافر بأخذ شيء منه قهراً جاز له أخذ قدر ظلامته من ماله على التفصيل في مسألة الظفر.

(مسألة: ج ك): استدان من أهل الحرب بعد أن دخل بلادهم بأمانهم استقرّ بذمته ولزمه رده ولو بأجرة، كما تحرم حينئذ سرقتهم واغتيالهم، كأسير أطلقوه بشرط أمنه على نفسه، بل أولى بخلاف ما لو أقرّ بغير أمان أو دخل مختفياً، فما يأخذه بأي نوع سرقة أو اختلاساً أو غيرهما يكون غنيمة مخمسة، زاد ج: ومثل دين الكافر المبتدع كرافضي بل هذا مسلم لا يشترط فيه الأمان، بل لا يجوز أخذ مال هذا بالحيلة والاغتيال والسرقة، لأن الصحيح أن أهل البدع كالمجسمة مسلمون، وقبلتنا من أمّها لا يكفر.

(مسألة: ك): أطلق السلطان عقد الأمان حمل على أربعة أشهر، فلو زاد عليها فإن كان مع امرأة وخنثى صح مطلقاً، أو مع ذكر صح فيها وبطل في الزائد، نعم إن كان بنا ضعف جازت الزيادة بنظر الإمام إلى عشر سنين لا فوقها، وإن دعت إليه حاجة وحيث انتفى العقد بلغ المأمن، ولم يجز اغتيالهم وإرقاقهم قبل ذلك، إذ حكم فاسد العقود كصحيحها، ولو دخل الكفار بلادنا لتجارة وأقاموا سنين وعلم السلطان وسكت فلم ينههم ولا أمرهم لكنه نهى عن ظلمهم وقتلهم، فالذي يظهر أنه حيث دخلوا معتمدين على العادة المطردة من منع السلطان من أخذ أموالهم وقتل نفوسهم وظنوا أن ذلك عقد مأمن صحيح لم يجز اغتيالهم ولو بسبب دين عليهم، بل يجب تبليغهم المأمن، وإن انتفى شرط من ذلك جاز الاغتيال والإرقاق مطلقاً.

(مسألة: ك): يجوز عقد الجزية مع اليهود والنصارى والمجوس، ومن تمسك بدينهم قبل نسخه، ومن أحد أبويه كتابي، ومن زعم أنه ممن تعقد له الجزية، لا الوثني والفلسفي والمعطل ونحوهم فلا يقبل منهم إلا الإسلام أو السيف، فلو عقدها الإمام لهم فعقد فاسد يلزم به كل سنة دينار، إذ هو أقلها على كل ذكر بالغ كعقد الجزية الفاسد، بخلاف ما لو بطل كأن عقدها الآحاد فلا يلزم به شيء، وحكم هؤلاء الكفار حكم المؤمنين لا يجوز التعرض لهم حتى يبلغوا المأمن، وما أخذ منهم فله حكم الفيء، فلمن أعطي منه شيئاً قبوله إن كان ممن يستحق من الفيء وإلا فلا، ومذهب الحنفية تعقد لكل مشرك كالوثني بشرط كونه عجمياً، وقال مالك: مطلقاً إلا من قريش خاصة فلا تعقد لهم فليقلدهما الإمام لكن يصرفها على مذهبهما.

عن الكاتب

A. Fatih Syuhud

التعليقات


جميع الحقوق محفوظة

الكتب الإسلامية