الكتب الإسلامية

مجموعة الكتب والمقالات الإسلاية والفقه علي المذاهب الأربعة

recent

آخر الأخبار

recent
جاري التحميل ...

شروط صحة الحج وأركانه

شروط صحة الحج وأركانه

شروط صحة الحج وأركانه
كتاب الفقه على المذاهب الأربعة للجزيري

محتويات

شروط صحة الحج - حج الصبي المميز وغيره - وقت الحج

* يشترط لصحة الحج الإسلام، سواء مباشرة الشخص بنفسه أو فعله نيابة عنه، فلا يصح من الكافر ولا عنه طبعاً، والتمييز، فإذا حج صبي مميز وقام بأعمال الحجر، فإنها تصح منه: كالصلاة، باتفاق ثلاثة من الأئمة، وقال المالكية؛ إن التمييز شرط لصحة الإحرام لا لصحة الحج، والأمر في ذلك سهل، فإن التمييز لا بد منه على كل حال، أما الصبي الذي لا يميز والمجنون فإن الحج لا يصح منهما، فلا يصح منهما إحرام، ولا أي عمل من أعمال الحج، ولكن على الوالي أن يقوم بالإحرام عنهما، وعليه أن يحضرهما المواقف، فيطوف ويسعى بهما، ويأخذهما إلى عرفة، وهكذا،
ومن شروط صحة الحج أن يباشر أعماله في وقت خاص، فإذا باشرها في وقت آخر بطل حجه، وفي بيان هذا الوقت اختلاف المذاهب، فانظره تحت الخط

وقت الحج عند الحنفية

(الحنفية قالوا: الوقت الذي هو شرط لصحة الحج هو وقت طواف الزيارة، ووقت الوقوف، فأما وقت الوقوف فهو من زوال شمس يوم عرفة إلى طلوع فجر يوم النحر، وأما طواف الزيارة فوقته من فجر يوم النحر إلى آخر العمر، فيصح الطواف في أي زمن بعد الوقوف بعرفة في زمنه المذكور، فلو لم يقف بعرفة في زمنه قبل الطواف لم يصح طوافه، وأما الوقت الذي لا يصح شيء من أفعال الحج قبله، فهو شوال، وذو القعدة وعشر ذي الحجة، فلو طاف أو سعى قبل ذلك، فلا يصح، ويستثنى من ذلك الإحرام، فإنه يصلح قبل أشهر الحج من الكراهة، وزاد الحنفية في شروط الصحة: المكان المخصوص، وهو أرض عرفات للوقوف؛ والمسجد الحرام لطواف الزيارة؛ والإحرام، وقد عدوا شروط الصحة فقط ثلاثة: الإحرام، الوقت، المكان، أما الإسلام فهو شرط وجوب وصحة معاً وأما التمييز فلم يعدوه من شروط الصحة؛ وإن كان شرطاً في المعنى، لأن إحرام غير المميز لا يصح عندهم.

وقت الحج عند المالكية

المالكية قالوا: الوقت الذي هو شرط لصحة الحج منه ما يبطل الحج بفواته، ومنه ما لا يبطل الحج بفواته، وهو أنواع: وقت الإحرام بالحج، ووقت الوقوف بعرفة؛ ووقت الطواف بالركن، وهو طواف الإفاضة، ويسمى طواف الزيارة، ووقت بقية أعمال الحج: كرمي الجمار، والحلق، والذبح، والسعي بين الصفا والمروة؛ فوقت الإحرام من أول شوال إلى قرب طلوع فجر يوم النحر بحيث يبقى على الفجر زمن يسع الإحرام، والوقوف بعرفة؛ وليس ابتداء الإحرام في ذلك الوقت شرطاً لصحة الحج، فيصح ابتداء الإحرام قبل ذلك الزمن إذا استمر محرماً إلى دخوله، وبعده مع الكراهة فيهما، ويكون الإحرام بعده للعام القابل، لأنه لا يمكن الحج في هذا العام، لفوات زمن الوقوف؛ ووقت الوقوف الركن من غروب شمس يوم عرفة إلى طلوع فجر العيد، وأما الوقوف لحظة من الوقت الذي بين زوال الشمس يوم عرفة وغروبها فهو واجب يلزم في تركه هدي، ووقت طواف الإفاضة من يوم عيد النحر إلى آخر شهر ذي الحجة، فإذا أخره عن ذلك لزم دم؛ وصح، ولا يصح قبل يوم العيد، بخلاف الوقوف لركن، فلا يصح قبل وقته المتقدم، ولا بعده، ووقت بقية أعمال الحج على تفصيل سيأتي عند ذكر كل منها، فالسعي يكون عقب طواف الإفاضة إن لم يتقدم عقب طواف القدوم، والرمي له أيام مخصوصة: الأول، والثاني، والثالث، والرابع من أيام العيد، وهكذا مما يأتي؛ فوقت الحج الذي فيه جميع أعمال: شوال، وذو القعدة، وجميع ذي الحجة. وأما المكان المخصوص. وهو أرض عرفة للوقوف، فليس ركنا على حدة، ولا شرطاً كذلك، بل هو جزء من مفهوم الركن، وهو الوقوف بعرفة، وكذا المسجد الحرام بالنسبة للطواف ليس شرطاً لصحة الحج، بل هو شرط لصحة الطواف، وأما التمييز فلم يعدوه من شروط الحج، وإن كان إحرام غير المميز لا يصح، لأنه شرط في الإحرام الذي هو النية، لأن النية لا تصح من غير المميز؟ فليس عندهم شرط لصحة الحج إلا الإسلام فقط.

وقت الحج عند الشافعية

الشافعية قالوا: الوقت الذي هو شرط لصحة الحج يبتدئ من أول يوم من شوال إلى طلوع فجر يوم عيد النحر؛ وهو شرط الإحرام بالحج، فلو أحرم به قبل هذا الوقت أو بعده، فلا يصح حجاً، ولكن ينعقد عمرة، وأما الوقوف بعرفة وطواف الإفاضة والسعي بين الصفا والمروة وغير ذلك من أعمال الحج، فلكل منها وقت يأتي بيانه عند ذكره، وليس عندهم من شروط صحة الحج سوى هذه الثلاثة: الإسلام، والتمييز، والوقت المخصوص.

وقت الحج عند الحنابلة

الحنابلة قالوا: الوقت الذي هو شرط لصحة الحج وأنواع: وقت الإحرام، ووقت الوقوف بعرفة ووقت طواف الإفاضة، ووقت بقية أعمال الحج؛ كالسعي بين الصفا والمروة أما وقت الإحرام فهو من أول شوال إلى قرب طلوع فجر يوم النحر، بحيث يبقى على طول الفجر زمن يسع الإحرام والوقوف، والإحرام في هذا الوقت سنة، ويصح قبل هذا الوقت وبعده مع الكراهة فيهما، وأما وقت الوقوف بعرفة وغيره من بقية الأعمال، فسيأتي ذكره عند بيان كل منها).

أركان الحج

* وأما أركان الحج فهي أربعة: الإحرام؛ وطواف الزيارة، ويسمى طواف الإفاضة. والسعي بين الصفا والمروة، والوقوف بعرفة، وهذه الأركان لو نقص واحد منها بطل الحج، باتفاق ثلاثة من الأئمة، وقال الحنفية: إن له ركنين فقط، فانظر مذهبهم تحت الخط (الحنفية قالوا: للحج ركنان فقط، وهما الوقوف بعرفة، ومعظم طواف الزيارة، وهو أربعة أشواط وأما باقية، وهو الثلاثة الباقية المكملة للسبعة، فواجب، كما سيأتي، وأما الإحرام فهو من شروط الصحة؛ كما تقدم، والسعي بين الصفا والمروة واجب لا ركن.
الشافعية قالوا: أركان الحج ستة: هي الأربعة المذكورة في أعلى الصحيفة، وزادوا عليها ركنين آخرين: وهما إزالة الشعر، بشرط أن يزيل ثلاث شعرات، كلاً أو بعضاً من الرأس لا من غيره، ويشترط أن يكون ذلك بعد الوقوف بعرفة، وبعد انتصاف ليلة النحر في الحج وترتيب معظمم الأركان ويشترط أن يكون ذلك بعد الوقوف بعرفة، وبعد انتصاف ليلة النحر في الحج وترتيب معظم الأركان الخمسة بأن يقدم الإحرام على الجميع، والوقوف على طواف الإفاضة والحلق، والطواف على السعي إن لم يفعل السعي عقب طواف القدوم)، وإليك بيان هذه الأركان على هذا الترتيب.

الركن الأول من أركان الحج: الإحرام

تعريفه

* الإحرام معناه في الشرع نية الدخول في الحج والعمرة، ولا يلزم في تحققه اقترانه بتلبية، أو سوق هدي، أو نحو ذلك عند الشافعية، والحنابلة، أما المالكية والحنفية، فانظر مذهبيهما تحت الخط (الحنفية قالوا: الإحرام هو التزام حرمات مخصوصة، ويتحقق بأمرين. الأول: النية: الثاني: اقترانها بالتلبية، ويقوم مقام التلبية مطلق الذكر، أو تقليد البدنة مع سوقها، فلو نوى بدون تلبية أو ما يقوم مقامها مما ذكر، أو لبى ولم ينو لا يكون محرماً، وكذا لو أشعر البدنة بجرح سنامها الأيسر، وهو خاص بالإبل، أو وضع الجل عليها، أو أرسلها؛ وكان غير متمتع بالعمرة إلى الحج، ولو يلحقها، أو قلد شاة لا يكون محرماً.
المالكية قالوا: الإحرام هو الدخول في حرمات الحج، ويتحقق بالنية فقط على المعتمد ويسن اقترانه بقول: كالتلبية والتهليل، أو فعل متعلق بالحج: كالتوجه، وتقليد البدنة).

مواقيت الإحرام

* الميقات معناه في اللغة موضع الإحرام للحاج، وهو موافق للمعنى الشرعي، فللإحرام ميقات مكاني، وميقات زماني، أما الميقات الزماني فقد تقدم الكلام عليه في مبحث "وقت الحج" المتقدم قريباً، وأما الميقات المكاني فيختلف باختلاف الجهات، فأهل مصر والشام والمغرب، ومن وراءهم من أهل الأندلس والروم والتكرور ميقاتهم الجحفة، وهي - بضم الجيم، وسكون الحاء - قرية بين مكة والمدينة، وهي خربة الآن، ويقرب منها القرية المعروفة برابغ، فيصح الإحرام منها بلا كراهة؛ وهؤلاء يحرمون من هذا المكان عند محاذاته بحراً، لأنه لا يلزم في الإحرام من الميقات المرور به في البرن، بل المدار على أحد أمرين: إما المرور عليه أو محاذاته ولو بالبحر، وأهل العراق وسائر أهل المشرق ميقاتهم ذات عرق، وهي قرية على مرحلتين من مكة، وسميت بذلك لأن بها جبلاً يسمى عرقاً - بكسر العين - يشرف على واد يقال له: وادي العقيق، وأهل المدينة المنورة بنور النبي صلى اللّه عليه وسلم ميقاتهم ذو الحليفة، وهي موضع ماء لبني جشم؛ بنيه وبين المدينة دون خمسة أميال، وهي أبعد المواقيت من مكة؛ لأن بينهما تسع مراحل؛ أي سفر تسعة أيام،

والميقات لأهل اليمن والهند يلملم - بفتح اللامين؛ وسكون الميم بينهما - وهو جبل مشرف على عرفات، وهو على مرحلتين من مكة يقال له: قرن المنازل، وهذه المواقيت لأهل هذه الجهات المذكورة، ولكل من مر بها أو حاذاها، وإن لم يكن من أهل جهتها، فمن مر بميقات منها: أو حاذاه قاصداً النسك، وجب عليه الإحرام منه، ولا يجوز له أن يجاوزه بدون إحرام، فإن جاوزه ولم يحرم، وجب عليه الرجوع إليه ليحرم منه، إن كان الطريق مأموناً؛وكان الوقت متسعاً، بحيث لا يفوته الحج ولو رجع، فإن لم يرجع لزمه هدي، لأنه جاوز الميقات بدون إحرام، سواء أمكنه الرجوع أو لم يمكن، لخوف الطريق. أو ضيق الوقت، إلا أنه في حالة إمكان الرجوع يأثم بتركه، ولا فرق في ذلك بين أن يكون أمامه مواقيت أخرى في طريق أو لا؛ وهذا الحكم بهذا التفصيل متفق عليه بين الشافعية، والحنابلة، وأما الحنفية والمالكية، فانظر مذهبيهما تحت الخط

(الحنفية قالوا: إن جاوز الميقات بدون إحرام حرم عليه ذلك؛ ويلزمه الدم إن لم يكن أمامه ميقات آخر يوم يمر عليه بعد، وإلا فالأفضل إحرامه من الأول فقط إن أمن على نفسه من ارتكاب ما ينافي الإحرام، فإن لم يأمن فالأفضل أن يؤخر الإحرام إلى آخر المواقيت التي يمر بها.

المالكية قالوا: متى مر بميقات من هذه المواقيت وجب عليه الإحرام؛ فإن جاوزه بدون إحرام حرم، ولزمه دم، إلا إذا كان ميقات جهته أمامه يمر عليه فيما بعد، فإن كان كذلك ندب له الإحرام من الأول فقط، فإن لم يحرم منه فلا إثم عليه ولا دم، وخالف المندوب).

ما يطلب من مريد الإحرام قبل أن يشرع

* من أراد ألإحرام، فإنه يطلب منه أمور: بعضها سنة، وبعضها مندوب؛ وقد رأينا أن نذكرها مفصلة في كل مذهب على حدة، ليسهل حفظها فانظرها تحت الخط

سنن الإحرام عند الحنفية

(الحنفية قالوا: يطلب منه أمور: منها الاغتسال، وهو سنة مؤكدة ويقوم مقامه الوضوء في تحصيل أصل السنة، ولكن الغسل أفضل، وهذا الغسل للنظافة لا للطهارة، فيطلب من الحائض أو النفساء حال الحيض النفاس، وإذا فقد الماء سقط ولم يشرع بدله التيمم، إذ لا نظافة في التيمم، ومنها قص الأظافر، وحلق الشعر المأذون في إزالته. كشعر الرأس والشارب إذا اعتاد حلق ذلك؛ وإلا فيسرحه، وهذا مستحب، ويكون قبل الغسل؛ ومنها جماع زوجته إذا لم يكن بها مانع؛ لئلا يطول عليه العهد، فيقع فيما يفسد الإحرام، وهو مستحب أيضاً ومنها لبس إزار ورداء، والإزار هو ما يستتر له من سرته إلى ركبته، والرداء هو ما يكون على الظهر والصدر والكتفين؛ وهو مستحب أيضاً، وإن زرّر أو عقده أساء، ولا دم عليه؛ويستحب أن يكون الإزار والرداء جديدين أو مغسولين طاهرين، وأن يكونا أبيضين،

ومنها التطيب في البدن والثوب بطيب لا تبقى عينه بعد الإحرام؛ وإن بقيت رائحته، وهو مستحب إن كان عنده طيب؛ وإلا فلا يستحب؛ ومنها أن يصلي بعدما تقدم ركعتين إذا كان الوقت ليس وقت كراهة وإلا فلا يصلي، وهذه الصلاة سنة على الصحيح؛ والأفضل أن يقرأ في الركعة الأولى بفاتحة الكتاب، وسورة {قل يا أيها الكافرون} وفي الثانية بالفاتحة؛ وسورة الإخلاص ويقوم مقامها الصلاة المفروضة إذا أحرم بعدها، ومنها أن يقول بلسانه قولاً مطابقاً لما في قلبه: اللّهم إني أريد الحج، فيسره لي، وتقبله مني، ثم يلبي بعد ذلك، وصفة التلبية أن يقول: لبيك اللّهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك؛ لا شريك لك، ويصلي على النبي صلى اللّه عليه وسلم بعد الفراغ من التلبية بصوت منخفض، ويكثر ما استطاع من التبية عقب كل صلاة مكتوبة، وكذا كلما لقي ركباً، أو ارتفع على مكان، أو هبط وادياً، وكذا يكثرها بالأسحار، وحين يستيقظ من نومه، وعند الركوب والنزول، ويستحب في التلبية كلها رفع الصوت بدون إجهاد.

سنن الإحرام عند المالكية

المالكية قالوا: يسن له أن يغتسل ولو كان حائضاً أو نفساء، لأنه مطلوب للإحرام، وهو يتأتى من كل شخص، ولا تحصل السنة إلا إذا كان متصلاً بالإحرام، فلو اغتسل ثم انتظر طويلاً عرفاً بلا إحرام أعاده، ويندب أن يكون الغسل بالمدينة المنورة، على ساكنها أفضل الصلاة والسلام، لمن أراد أن يحرم من ذي الحليفة، وإذا كان فاقداً للماء، فلا يشرع له التيمم بدل الغسل، ويسن أيضاً تقليد الهدي إن كان معه، ثم إشعاره بعد ذلك، والتقليد هو: تعليق قلادة في عنقه، ليعلم به المساكين، فتطمئن نفوسهم، والإشعار هو أن يشق من السنام قدر الأنملة أو الأنملتين، ويكون بالجانب الأيسر، ويبدأ به من العنق إلى المؤخر، وإنما تقلد الإبل والبقر ولا يشعر إلا الإبل وما له سنام من البقر، أما الغنم فلا تقلد ولا تشعر، ويندب أن يلبس إزاراً ورداء ونعلين، والإزار هو ما يستر العورة من السرة إلى الركبة، والرداء هو ما يلقى على الكتفين ولو لبس غيرهما مما ليس مخطياً ولا محيطاً، فلا يضر، ولكن يفوت المندوب، ومن السنن إيقاع الإحرام عقب صلاة،

ويندب أن يكون ركعتي نفل إن كان الوقت مما تجوز فيه النافلة، وإلا انتظر حتى تحل النافلة، والأولى أن يحرم الراكب إذا استوى على ظهر دابته، والماشي إذا أخذ في المشي، ويسن قرن الإحرام بالتلبية، كما تقدم، والتلبية في ذاتها واجبة؛ ويندب تجديدها عند تغير الحال، كصعود على مرتفع، أو هبوط إلى واد، أو ملاقاة رفقة، وعقب الصلاة، ويستمر يلبي حتى يدخل مكة، ثم يقطعها حتى يطوف، ويسعى إذا أراد السعي عقب طواف القدوم ثم يعاودها بعد ذلك حتى تزول الشمس يوم عرفة، ويصل إلى مصلاها، فيقطعها حينئذ، فإن لم يعاودها كان تاركاً للواجب، وعليه دم، ويندب التوسط فيها، فلا يداب عليها حتى يمل ويضجر، كما يندب التوسط في رفع صوته بها، فلا يخففه جداً، ولا يرفعه جداً؛ بل يكون بين الرفع والخفض ويندب الاقتصار على اللفظ الوارد عن النبي صلى اللّه عليه وسلم، وهو: لبيك اللّهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك.

سنن الإحرام عند الحنابلة

الحنابلة قالوا: يسن له أن يغتسل ولو حائضاً أو نفساء، أو يتيمم لعدم الماء. أو عجزه عن استعماله بمرض ونحوه، ولا يضر حدث بين الغسل والإحرام، ويسن له أيضاً أن يتنظف قبل إحرامه بأخذ شعره، وقلم ظفره، وإزالة رائحة كريهة، ويسن له أيضاً أن يطيب بدنه بالطيب وكره تطييب ثوبه، فإن طيبه واستدام لبسه فلا بأس ما لم ينزعه فإن نزعه لم يجز له لبسه قبل غسله، ويسن له أيضاً قبل إحرامه لبس إزار ورداء أبيضين نظيفين جديدين ونعلين بعد تجرده عن المخيط إن كان ذكراً، ويسن له إحرامه عقب صلاته مفروضة أو نافلة، بشرط أن لا يكون أداء النافلة وقت نهي، وأن لا يكون عادماً للماء والتراب، ويسن أن يعين في إحرامه نسكاً، حجاً كان أو عمرة، أو قراناً، وأن يتلفظ بما يعينه، ويسن له أن يقول: اللّهم إني أريد النسك الفلاني، فيسره لي، وتقبله مني، وإن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني، فإن فعل ذلك وحبس بمرض أو عدو ونحوه حل؛ ولا شيء عليه.

سنن الإحرام عند الشافعية

الشافعية قالوا: يسن لمن يريد الإحرام أمور: منها الغسل قبله، ولو مع بقاء الحيض، وينوي به غسل الإحرام، ويكره تركه لغير عذر، فإن عجز عنه لعدم الماء، أو لعدم قدرته على استعماله يتيمم، ومنها إزالة شعر الإبط والعانة، وقص الشارب، وتقليم الأظافر وحلق الرأس، لمن يتزين به، وإلا أبقاه ولبده بنحو صمغ، وهذا إذا كان عازماً على عدم التضحية، وإلا أخر ذلك إلى ما بعدها، ويسن تقديم هذه الأشياء على الغسل في حَق غير الجنب، أما هو فيسن له تأخيرها عنه، ومنها تطييب البدن بعد الغسل إلا لصائم، فيكره، وإلا للمرأة التي وجب عليها الإحداد - ترك الزينة - لوفاة زوجها فيحرم، ولا بأس باستدامته بعد الإحرام، ولو كان مما له جرم، ولا يضر تعطر الثوب بسبب ذلك ومنها الجماع قبل إحرامه، ومنها أن تخضب المرأة يديها إلى الكوعين من غير نقش، وأن تمسح وجهها بشيء من الخضاب، ومنها أن يلبس إن كان رجلاً إزاراً ورداءً أبيضين جديدين؛ وإلا فمغسولين، ونعلين، ويكره لبس المصبوغ ومنها صلاة ركعتين سنة الإحرام القبلية في غير وقت الكراهة، إلا لمن كان في الحرم المكي، فيصليها مطلقاً، ويقوم مقامها أي صلاة يصليها فرضاً أو نفلاً، ويسر القراءة فيهما ولو ليلاً،

ومنها استقبال القبلة عند بدء الإحرام، ويقول: اللّهم احرم لك شعري وبشري، ولحمي ودمي، ومنها التلبية، وهي أن يقول: لبيك اللّهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك، يقول ذلكبسكينة ووقار للذكر، ويسن أن يرفع صوته بها ما دام محرماً، فإن لم يكن محرماً فالسنة الإسرار بها، كما أن السنة للمرأة أن تسر بها على كل حال، ويكره لها رفع الصوت بها بحضرة الأجانب، ومثلها الخنثى، ويصلي ويسلم عقبها على النبي صلى اللّه عليه وسلم، وتتأكد التلبية ثلاثاً عند تغير الأحوال من سكون إلى حركة، وصعود وهبوط، واختلاط رفقة، وإقبال ليل أو نهار ثم يدعو بعدها بما شاءَ، والوارد أفضل).

ما لا يجوز للمحرم فعله بعد الدخول في الإحرام: الجماع - الصيد - الطيب

* نهى الشارع المحرم عن أشياء بعضها لا يحل فعله، وبعضها يكره فعله، وإليك بيانها:
يحرم على المحرم عقد النكاح، ويقع باطلاً عند ثلاثة؛ وخالف الحنفية، فانظر مذهبهم تحت الخط (الحنفية قالوا: يجوز للمحرم عقد النكاح، لأن الإحرام لا يمنع صلاحية المرأة للعقد عليها، وإنما يمنع الجماع، فهو كالحيض، والنفاس، والظهار قبل تكفيره، في أن كلاً منها يمنع الجماع فقط، لا صحة العقد)، وكذا يحرم عليه الجماع ودواعيه: كالقبلة والمباشرة، ويحرم الخروج عن طاعة اللّه تعالى بأي فعل محرم، وإن كان ذلك محرماً في غير الحج، إلا أنه يتأكد فيه، وتحرم المخاصمة مع الرفقاء والخدم وغيرهم، لقوله تعالى: {فمن فرض فيهن الحج فلا رفث، ولا فسوق، ولا جدال في الحج} والرفث الجماع ودواعيه، والكلام الفاحش، والجدال: المخاصمة؛

ويحرم أيضاً التعرض لصيد البر بالقتل أو الذبح، أو الإشارة إليه إن كان مرئياً، أو الدلالة عليه إن كان غير مرئي، أو نحو ذلك: كإفساد بيضه، وإنما يحرم التعرض له إذا كان وحشياً مأكولاً، أما إذا كان غير مأكول، فيجوز التعرض له عند الشافعية، والحنابلة، أما الحنفية، والمالكية، فقالوا: يحرم التعرض لصيد البر الوحشي مطلقاً، سواء كان مأكولاً أو غير مأكول؛ وأما صيد البحر فهو حلال: قال اللّه تعالى: {أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعاً لكم وللسيارة، وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرماً} والبري: هو ما يكون توالده وتناسله في البر، وإن كان يعيش في الماء، والبحري بخلافه عند ثلاثة؛ وخالف الشافعية، فانظر مذهبهم تحت الخط

(الشافعية قالوا: البري ما يعيش في البر فقط؛ أو يعيش فيه؛ وفي البحر: كالسلحفاة البحرية، والبحري ما لا يعيش إلا في البحر). ويحرم عليه أيضاً استعمال الطيب: كالمسك في ثوبه؛ أو بدنه، وقلم الظفر، ويحرم على الرجل أن يلبس مخيطاً أو محيطاً ببدنه، أو بعضه: كالقميص والسراويل والعمامة والجبة، ويقال لها القباء والخف إلا إذا لم يجد نعلين، فيجوز لبس الخفين بعد أن يقطعهما أسفل من الكعبين؛ وتغطية رأسه ووجهه أو بعضه بأس ساتر، عند الحنفية، والمالكية، أما الشافعية، والحنابلة، فقالوا: لا يحرم على الرجل تغطية وجهه.

ستر وجه المرأة المحرمة ورأسها

* ويجوز للمرأة أن تستر وجهها ويديها وهي محرمة إذا قصدت الستر عن الأجانب بشرط أن تسدل على وجهها ساتراً لا يمس وجهها، عند الحنفية، والشافعية؛ وخالف الحنابلة، والمالكية، فانظر مذهبيهما تحت الخط (الحنابلة قالوا: للمرأة أن تستر وجهها لحاجة، كمرور الأجانب بقربها، ولا يضر التصاق الساتر بوجهها، وفي هذا سعة ترفع المشقة والحرج.
المالكية قالوا: إذا قصدت المرأة بستر يديها أو جهها التستر عن أعين الناس، فلها ذلك إذا تحققت أن هناك من ينظر إليها بالفعل، أو كانت بارعة الجمال، لأنها مظنة نظر الرجال، وهي محرمة، بشرط أن يكون الساتر لا غرز فيه، ولا ربط، وإلا كان محرماً، وعليها الفدية في ستر الوجه كما يأتي، فإذا لم يتحقق هذان الشرطان، فإنه يحرم عليها ستر وجهها ويديها بشيء يحيط بهما. كالقفاز، وهو لباس يعمل على قدر اليدين لاتقاء البرد، ويحرم سترهما بشيء فيه خياطة أو ربط؛ وأما إدخالهما في قميصها، فلا يحرم، كما لا يحرم عليها ستر جزء من وجهها يتوقف عليه ستر رأسها ومقاصيصها).

لبس الثوب المصبوغ بما له رائحة طيبة، وإزالة الشعر

* يحرم لبس ثوب مصبوغ بما له رائحة طيبة، على تفصيل مذكور تحت الخط (الحنفية قالوا: يحرم لبس المصبوغ بالعصفر، وهو زهر القرطم، والورس - بفتح الواو، وسكون الراء - وهو نبت أحمر باليمن، والزعفران ونحو ذلك من أنواع الطيب، إلا إذا غسل بحيث لا تظهر له رائحة، فيجوز لبسه حال الإحرام.
المالكية قالوا: المصبوغ بما له رائحة يحرم على المرحم، وذلك كالمصبوغ بالورس والزعفران. وأما المصبوغ بالعصفر: فإن كان صبغه قوياً بأن صبغ مرة بعد أخرى حرم لبسه ما لم يغسل، وإن كان صبغه ضعيفاً، أو كان قوياً وغسل، فلا يحرم لبسه، وإنما يكره لبسه لمن كان قدوة لغيره، لئلا يكون وسيلة لأن يلبس العوام ما يحرم، وهو المطيب.
الشافعية قالوا: المصبوغ بما تقصد رائحته: كالزعفران والورس، لا يجوز لبسه إلا إذا زالت الرائحة بالمرة، وأما المصبوغ بما يقصد للون دون الرائحة: كالعصفر والحناء فلبسه لا يحرم.
الحنابلة قالوا: يحرم عليه لبس المصبوغ بالورس أو الزعفران، وأما المصبوغ بالعصفر، فيباح لبسه، سواء كان الصبغ قوياً أو ضعيفاً).

شم الطيب وحمله حال الإحرام

* يكره للمحرم أن يشم الطيب - الروائح العطرية - أو يحمله، باتفاق، أو المكث بمكان فيه رائحة عطرية، فإنه مكروه، عند المالكية، والحنفية، سواء قصد شمه أو لا: أما الحنابلة، والشافعية، فانظر مذهبيهما تحت الخط (الحنابلة، الشافعية قالوا: إذا قصد شم الطيب، كما إذا وضع وردة على أنفه بقصد شمها حرم عليه ذلك، سواء كان معه أو مكث بمكانه، أما إذا لم يقصد شمه، فلا حرمة عليه).

إزالة شعر الرأس وغيره حال الإحرام

* يحرم على المتلبس بالإحرام أن يزيل شعر رأسه بالحلق أو القص أو غيرهما، كما يحرم عليه إزالة شعر غير الرأس، ولو كان نابتاً في العين، ويستثنى من ذلك ما إذا تأذى ببقائه، فيجوز إزالته، وفيه الفدية، إلا في إزالة شعر العين إذا تأذى به، فلا فدية، إلا عند المالكية، فانظر مذهبهم تحت الخط (المالكية قالوا: إزالة الشعر مطلقاً حرام على المحرم، سواء كان الشعر في العين أو غيره، إلا لعذر يقتضي إزالته؛ فلا يحرم حينئذ، وفيها الفدية، ولو كان في العين)، وسيأتي تفصيل ذلك في باب الفدية.

الخضاب بالحناء حال الإحرام

* لا يجوز للمحرم أن يختضب الحناء، لأنه طيب، والمحرم ممنوع من التطيب، سواء كان رجلاً أو امرأة، وسواء كان الخضاب بها في اليدين، أو في الرأس، أو غير ذلك من أجزاء البدن، عند المالكية، والحنفية، أما الشافعية، والحنابلة، فانظر مذهبيهما تحت الخط (الشافعية قالوا: يكره الخضاب بالحناء للمرأة حال الإحرام: إلا إذا كانت معتدة من وفاة؛ فيحرم عليها ذلك؛ كما يحرم عليها الخضاب إذا كان نقشاً، ولو كانت غير معتدة، وأما الرجل فيجوز له الخضاب بها حال الإحرام في جميع أجزاء جسده، ما عدا اليدين والرجلين، فيحرم خضبهما بغير حاجة، وكذا لا يجوز له أن يغطى رأسه بحناء ثخينة.
الحنابلة قالوا: لا يحرم على المحرم ذكراً كان أو أنثى الاختضاب بالحناء في أي جزء من البدن ما عدا رأس الرجل، وفي هذه سعة).

هل يجوز للمحرم أن يأكل أو يشرب ما فيه طيب

* لا يجوز للمحرم أن يأكل أو يشرب طيباً أو شيئاً مخلوطاً بطيب، سواء كان قليلاً أو كثيراً إلا إذا استهلك الطيب، بحيث لم يبق له طعم، ولا رائحة، باتفاق ثلاثة وللمالكية في هذا تفصيل مذكور تحت الخط (المالكية قالوا: المراد باستهلاك الطيب في الطعام ذهاب عينه بالطبخ، ومتى كان كذلك لا يحرم، ولو ظهر ريحه: كالمسك. أو لونه: كالزعفران. أما ما اختلط بشيء من غير طبخ فيحرم تناوله على المحرم. وقال بعضهم: إن الطيب إذا طبخ في الطعام لا يحرم تناوله. ولو بقيت عينه)، فإذا بقي للطيب طعم أو رائحة حرم، باتفاق، ولا فرق في ذلك بين أن يكون ما يضاف إليه الطيب مطبوخاً أو غير مطبوخ، باتفاق ثلاثة، وخالف الحنفية، فانظر مذهبهم تحت الخط (الحنفية قالوا: إذا تغير الطيب بالطبخ فلا شيء على المحرم في أكله سواء وجد رائحته أو لا. أما إن خالط ما يؤكل بلا طبخ فإن كان الطيب مغلوباً، فلا شيء فيه، إلا أنه يكره إن وجدت معه رائحة الطيب: وإن كان غالباً ففيه الجزاء. وهذا إذا خلط بما يؤكل، فإن خلط بما يشرب، فإن كان غالباً ففيه دم، وإن كان مغلوباً ففيه صدقة. إلا إن شرب مراراً. ففيه دم، كما يأتي، أما إن أكل عين الطيب. فإن كان كثيراً ففيه دم وإلا فلا شيء فيه).

الاكتحال بما فيه طيب، دهن الشعر والبدن

* لا يجوز للمحرم أن يكتحل بما فيه طيب، فإن فعل ففيه الجزاء الآتي بيانه، أما الاكتحال بما ليس فيه طيب فجائز؛ باتفاق ثلاثة، وخالف المالكية؛ فانظر مذهبهم تحت الخط (المالكية قالوا: يحرم على المحرم الاكتحال مطلقاً بما فيه طيب وغيره إلا لضرورة فيجوز مطلقاً، غير أنه إذا اكتحل بطيب لضرورة فعليه الفدية، وإن اكتحل بغير مطيب لضرورة، فلا فدية عليه) ويحرم عليه إسقاط شعره، فإن فعله ففيه الجزاء الآتي. ولا يجوز للمحرم أن يدهن شعره أو بدنه، على تفصيل في المذاهب، مذكور تحت الخط (المالكية قالوا: يحرم عليه دهن الشعر والجسد، أو بعضه، بأي دهن كان، ولو كان خالياً من الطيب، فإن فعل ذلك فعليه الفدية، كما سيأتي، إلا إذا ادهن بما لا يطب فيه لمرض به؛ فلا فدية عليه، سواء كان المرض في باطن اليدين أو في الرجلين أو غيرهما، وفي غيرهما خلاف في موجب الفدية.
الحنفية قالوا: الأشياء التي تستعمل في البدن تنقسم إلى ثلاثة أنواع:

الأول: طيب محضر أعد للتطيب به؛ كالمسك، والكافور، والعنبر، ونحو ذلك، وهذا النوع لا يجوز للمحرم استعماله في ادهان أو غيره، بأي وجه كان، الثاني: ما ليس طيباً بنفسه، وليس فيه معنى الطيب ولا يصير طيباً بوجه: كالشحم، وهذا النوع يجوز للمحرم استعماله في الأدّهان، ونحوه، ولا شيء في استعماله، الثالث: ما ليس طيباً بنفسه، ولكنه أصل للطيب، وهذا يستعمل تارة على وجه التطيب والادهان؛ وتارة على وجه التداوي: كالزيت؛ فإن استعمل التطيب والأدّهان فهو في حكم الطيب، لا يجوز للمحرم استعماله، أما إذا استعمل للتداوي. فإنه يجوز للمحرم كما يجوز له أكله.

الشافعية قالوا: يحرم الأدّهان بما له رائحة طيبة مطلقاً، ويجوز الادهان بغيره في جميع البدن إلا في شعر الرأس والوجه؛ فلا يجوز إلا لحاجة.
الحنابلة قالوا: ما له رائحة طيبة يحرم على المحرم الدّهان به في سائر بدنه، أو أي جزء، أما ما ليس كذلك: كالزيت فلا يحرم الادهان به، ولو في شعر الرأس والوجه(.

حكم قطع حشيش الحرم وشجره

* لا يحل للمحرم، كما لا يحل لغيره أن يتعرض لشجر الحرم بقطع، أو قلع، أو إتلاف، ولا لغصن من أغصانه، ولو كانت الأغصان واصلة إلى الحل، أما إذا كان الشجر مغروساً في الحل، فيباح التعرض له، والانتفاع به إذا لم يكن مملوكاً للغير، ولو وصلت أغصانه إلى داخل الحرم؛ ومثل الشجر في ذلك حشيش الحرم، إلا الإذخر، وهو نبت معروف طيب الرائحة وكذا السنا المعروف - بالسنامكي - فإنه يباح التعرض لها بالقطع وغيره. وفي شجر الحرم وحشيشه تفصيل مذكور تحت الخط

حكم قطع حشيش الحرم وشجره عند الشافعية

(الشافعية قالوا: يحرم التعرض لأشجار الحرم الرطبة. وحشيشه الرطب بقطع أو قلع أو إتلاف، ولو كان مملوكاً للمتعرض ما عدا ما ذكر. ويزاد عليه الشوك فيباح قطعه، وإنما يحرم التعرض لشجر الحرم وحشيشه إن كان بغير قصد إصلاحه كأن يقلم الشجر لنموه، وإلا جاز أما الشجر اليابس فيجوز قطفه وقلعه وكذا يجوز قطع الحشيش اليابس. أما قلعه فيحرم مطلقاً. إلا إذا فسد منبته. فيجوز أيضاً. ولا فرق في الشجر بين الذي نيت بنفسه: كالسنط وما أنبته الناس: كالنخل. فيحرم التعرض له مطلقاً. أما الحشيش والحبوب ونحوها فإنما يحرم التعرض لها إذا نبتت بنفسها. فإذا زرعها الناس جاز لهم التعرض لها محرمين أو غير محرمين ويستثنى من المنع أمور: منها أخذ سعف النخل وورق الشجر بلا خبط يضر بالشجر وإلا حرم. ومها أخذ ثمر الشجر. وكذا عود السواك، بشرط أن ينبت مثله في سنة. ومنها رعي الشجر بالبهائم. ومنها أخذه للدواء: كالحنظل والسنامكي.

حكم قطع حشيش الحرم وشجره عند الحنابلة

الحنابلة قالوا: يحرم قلع شجر الحرم المكي وحشيشه إذا كان رطبين. ولو كان فيهما مصرة: كالشوك. وكذا السواك ونحوه. والورق الرطب. أما ما كان يابساً من الشجر والحشيش فلا بأس بقطعهما أو قلعهما. لأنهما كالميت وكذا لا بأس بقطع الإذخر، والفقع والكمأة والتمرة، وإن كان كل ذلكرطباً. كما لا بأس بقطع أو قلع ما زرعه آدمي من شجر أو حشيش، لأنه مملوك الأصل، ويباح رعي حشيش الحرم، المذكور، والانتفاع بما تساقط من ورق الشجر، وما انفصل من الأرض، أو انكسر من غير فعل آدمي، ولم ينفصل المنكسر عن أصله، أما ما قطعه آدمي فلا يجوز أن ينتفع به هو أو غيره.

حكم قطع حشيش الحرم وشجره عند الحنفية

الحنفية قالوا: النابت في أرض الحرم. إما أن يكون جافاً، أو منكسراً، وإما أن يكون غير ذلك، فالجاف والمنكسر لا يدخل في حكم شجر الحرم، لأنه حطب؛ وكذا حشيش الإذخر فإنه مستثنى من شجر الحرم وغير الجاف وهو قابل للنمو. إما أن يكون نابتاً بنفسه أو لا. والأول إما أن يكون من جنس ما ينبته الناس: كالزرع. أولاً: كالشجرة المعروفة - بأم غيلان - فالذي يحرم قطعه من ذلك هو الذي ينبت بنفسه، وليس من جنس ما ينبته الناس. وهذا لا يجوز قطعه مطلقاً. سواء كان مملوكاً أو غير مملوك. إلا أنه إذا قطعه مالكه حرم عليه قطعه فقط وليس عليه جزاء، وإذا قطعه غير مالكه فعليه الجزاء؛وسيأتي بيانه؛ وعليه قيمته، ويعفى عما يقطع من ذلك بسبب نصب الخيمة، أو حفر الكانون، أو وطء الدواب، لأنه لا يمكن الاحتراز عنه أما الذي ينبته الناس، أو ينبت بنفسه، وهو من جنس ما ينبته الناس، فإنه يحل قطعه والانتفاع به إذا لم يكن مملوكاً للغير فإن كان مملوكاً للغيرلزم دفع قيمته لمالكه.

حكم قطع حشيش الحرم وشجره عند المالكية

المالكية قالوا: يحرم قطع ما شأنه أن ينبت بنفسه من الشجر والنبات: كالبقل البري، وشجرة الطرفاء، ولو زرع، وسواء كان أخضر أو يابساً، ويستثنى من ذلك أمور. أولاً: الإخذر وهو نبت كالحلفاء طيب الرائحة؛ ثانياً: السنا، المعروف بالسنامكي، للاحتياج إليه في التداوي، ثالثاً: قطع ورق الشجر بالمجن، وهو عصا معوجة، يضعها على الغصن، ويحركها، فيقع الورق من غير خبط، وأما خبط العصا على الشجر ليقع ورقه فهو حرام، وأما الشجر أو النبات الذي شأنه أن يزرع كالخس، والحنطة، والبطيخ والرمان، فيجوز قطعه من أرض الحرم ولو كان نابتاً بنفسه).

ما يباح للمحرم

الفصد - الحجامة - حك الجلد والشعر

* يباح للمحرم الفصد والحجامة من غير حلق الشعر، باتفاق ثلاثة، وخالف المالكية، فانظر مذهبهم تحت الخط (المالكية قالوا: يكره للمحرم الفصد والحجامة لغير حاجة، ويجوزان لحاجة، وعليه الفدية إن وضع على موضعهما عصابة، وإلا فلا)، وكذا يباح له حك الجلد والشعر إذا لم يترتب على ذلك سقوط الشعر، أو الهوام، باتفاق ثلاثة من الأئمة، وقال الشافعية؛ يكره للمحرم حك جلده وشعره، ما لم يترتب عليه سقوط الشعر، وإلا كان حراماً.

غسل الرأس والبدن والاستظلال

* يباح للمحرم غسل رأسه وبدنه بالماء لإزالة الأوساخ عنه، بشرط أن لا يغتسل بما يقتل الهوام، فيجوز الاغتسال بالصابون ونحوه من المنظفات التي لا تقتل الهوام؛ ولو كانت له رائحة، عند الشافعية، والحنابلة، أما المالكية، والحنفية، فانظر مذهبيهما تحت الخط

(المالكية قالوا: لا يجوز للمحرم إزالة الوسخ بالغسل، ويستثنى من ذلك غسل اليدين فيجوز بما يزيل الوسخ كالصابون ونحوه مما ليس بطيب، أما الغسل بالطيب الذي تبقى رائحته في اليد فلا يجوز.

الحنفية قالوا: يجوز للمحرم أن يغتسل بما يزيل الوسخ، ولا يقتل الهوام. كما قال الشافعية والحنابلة، إلا أنه لا يجوز له أن يغتسل بما له رائحة عطرية)، ويجوز له أيضاً أن يستظل بالشجرة والخيمة والبيت والمحمل والمظلة المعروفة - بالشمسية - بشرط أن لا يمس شيء من ذلك رأسه ووجهه، فإن كشفهما واجب، باتفاق المالكية والحنفية، أما الشافعية، والحنابلة، فانظر مذهبيهما تحت الخط (الشافعية قالوا: يجوز الاستظلال بكل ما ذكر. ولو لاصق رأسه أو وجهه لكن لو وضع على رأسه ما يقصد به الستر عرفاً: كعباءة. وقصد الاستتار به حرم عليه ذلك. وإلا فلا.

الحنابلة قالوا: إذا استظل بما يلازمه غالباً كالمحمل حرم عليه ذلك. سواء كان راكباً أو ماشياً وإن استظل بما لا يلازمه، كشجرة أو خيمة جاز له ذلك).

ما يطلب من المحرم لدخول مكة

* يسن له أن يغتسل لدخول مكة، وهذا الغسل للنظافة لا لطواف القدوم، باتفاق ثلاثة من الأئمة ولذا يطلب من الحائض والنفساء عندهم، وخالف المالكية، فانظر مذهبهم تحت الخط (المالكية قالوا: الغسل لدخول مكة مندوب لا سنة. وهو للطواف بالبيت لا للنظافة فلا تفعله الحائض ولا النفساء، لأنهما ممنوعتان من الطواف، لأن الطهارة شرط فيه، كما يأتي، ويندب أن يدخل مكة نهاراً في وقت الضحى، فإن قدم ليلاً بات بمكان يعرف بذي طوى، وأخر الدخول للغد إذا ارتفع النهار، ولم ينصوا على طلب الدعاء عند رؤية البيت، سواء كان الدعاء خاصاً أو عاماً)،

ويستحب له أن يدخلها نهاراً، وأن يكون دخوله من أعلاها، ليكون مستقبلاً للبيت تعظيماً له، وأن يكون دخوله من بابها المعروف - بباب المعلى - وإذا دخلها بدأ بالمسجد الحرام بعد أن يأمن على أمتعته، ويندب له أن يدخل المسجد من باب السلام نهاراً، ملبياً متواضعاً خاشعاً، وأن يرفع يديه عند رؤية البيت، ويكبر ويهلل، ويقول: اللّهم زد هذا البيت. تشريفاً وتعظيماً، وتكريماً ومهابة، وبراً، وزد من عظمته وشرفه ممن حجه أو اعتمره تعظيماً وتشريفاً، وتكريماً ومهابة، وبراً، وهذا متفق عليه، إلا أن الحنفية يقولون: يكره له رفع يديه، وهو يدعو، ولفظ الدعاء الوارد: "اللّهم أنت السلام، ومنك السلام: فحينا ربنا بالسلام"، ويدعو بعد ذلك بما شاء، وبعد ذلك يطوف القدوم المذكور، وإنما يسن هذا الطواف للمحرم بشرطين؛ أحدهما: أن يكون قادماً من خارج مكة، ولهذا يسمى طواف القدوم، الشرط الثاني: أن يتسع له الوقت، وإلا ذهب للوقوف وتركه إذا ظن أنه يعطله عن الوقوف.

عن الكاتب

A. Fatih Syuhud

التعليقات


جميع الحقوق محفوظة

الكتب الإسلامية