الكتب الإسلامية

مجموعة الكتب والمقالات الإسلاية والفقه علي المذاهب الأربعة

recent

آخر الأخبار

recent
جاري التحميل ...

الكبائر الأربعون للذهبي أخذ الرشوة على الحكم

الكبائر الأربعون للذهبي أخذ الرشوة على الحكم

الكبائر الأربعون للذهبي أخذ الرشوة على الحكم
كتاب الكبائر للذهبي

محتويات

الكبيرة الحادية و الثلاثون : القاضي السوء

قال الله تعالى : { و من لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون } و قال الله تعالى : { و من لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون } و قال الله تعالى : { و من لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون }
روى الحاكم بإسناده و في صحيحه [ عن طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : لا يقبل الله صلاة إمام حكم بغير ما أنزل الله ]
و صحح الحاكم أيضا من [ حديث بريدة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : القضاة ثلاثة : قاض في الجنة و قاضيان في النار قاض عرف الحق فقضى به فهو في الحنة و قاض عرف الحق فجار متعمدا فهو في النار و قاض قضى بغير علم فهو في النار قالوا فما ذنب الذي يجهل ؟ قال : ذنبه أن لا يكون قاضيا حتى يعلم ] و [ عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : من جعل قاضيا فقد ذبح من غير سكين ] و قال الفضيل بن عياض رحمه الله ينبغي للقاضي أن يكون يوما في القضاء و يوما في البكاء على نفسه و قال محمد بن واسع رحمه الله : أول من يدعى يوم القيامة إلى الحساب القضاة و [ عن عائشة رضي الله عنها قالت : سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : يؤتى بالقاضي العدل يوم القيامة فيلقى من شدة الحساب ما يود أنه لم يقض بين اثنين في تمرة ] و [ عن معاذ بن جبل رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : إن القاضي ليزل في زلقة في جهنم أبعد من عدن ] و [ عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : ليس من وال و لا قاض إلا يؤتى به يوم القيامة حتى يوقف بين يدي الله عز و جل على الصراط ثم تنشر سريرته فتقرأ على رؤوس الخلائق فإن كان عدلا نجاه الله بعدله و إن كان غير ذلك انتفض به ذلك الجسر انتفاضا فصار بين كل عضو من أعضائه مسيرة كذا و كذا ثم ينخرق به الجسر إلى جهنم ] و قال مكحول : لو خيرت بين القضاء و بين ضرب عنقي لاخترت ضرب عتقي على القضاء و قال أيوب السختياني : إني وجدت أعلم الناس أشدهم هربا منه و قيل للثوري : إن شريحا قد استقضي فقال : أي رجل قد أفسدوه ! و دعا مالك بن المنذر محمد بن واسع ليجعله على قضاء البصرة فأبى فعاوده و قال : لتجلسن و إلا جلدتك فقال : إن تفعل فإنك سلطان و إن ذليل الدنيا خير من ذليل الآخرة ! و قال وهب بن منبه : إذا هم الحاكم بالجور أو عمل به أدخل الله النقص على أهل مملكته حتى في الأسواق و الأرزاق و الزرع و الضرع شيء و إذا هم بالخير أو العدل أدخل الله البركة في أهل مملكته كذلك و كتب عامل من عمال حمص إلى عمر بن عبد العزيز رضي الله تعالى عنه : أما بعد فإن مدينة حمص قد تهدمت و احتاجت إلى اصلاح فكتب إليه عمر : حصنها بالعدل و نق طرقها من الجور و السلام قال : و يحرم على القاضي أن يحكم و هو غضبان و إذا اجتمع في القاضي قلة علم و سوء قصد و أخلاق زعرة و قلة ورع فقد تم خسرانه و وجب عليه أن يعزل نفسه و يبادر بالخلاص فنسأل الله العفو و العافية و التوفيق لما يحب و يرضى إنه جواد كريم

موعظة : يا من عمره كلما زاد نقص

موعظة : يا من عمره كلما زاد نقص يا من يأمن ملك الموت و قد اقتص يا مائلا إلى الدنيا هل سلمت من النقص ؟ يا مفرطا في عمره هل بادرت الفرص ؟ يا من إذا ارتقى في منهاج الهدى ثم لاج له الهوى نكص من لك يوم الحشر عند نشر القصص عجبا لنفس أمست بالليل هاجعة و نسيت أهوال يوم الواقعة و لأن تقرعها المواعظ فتصغي لها سامعة ثم تعود الزواجر عنها ضائعة و النفوس غدت في كرم الكريم طامعة ليست له في حال من الأحوال طائعة و الأقدام سعت في الهوى في طرق شاسعة بعد أن وضحت من الهدى سبل واسعة و الهمم شرعت في مشارع الهوى متنازعه لم تكن موعظة العقول لها نافعة و قلوب تضمر التوبة إذا فزعت بزواجر رادعه ثم تعود إلى ما لا يحل مرارا متتابعة

الكبيرة الثانية و الثلاثون : أخذ الرشوة على الحكم

قال الله تعالى : { و لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل و تدلوا بها إلى الحكام لتأكلوا فريقا من أموال الناس بالإثم و أنتم تعلمون }
أي لا تدلو بأموالكم إلى الحكام أي لا تصانعوهم بها و لا ترشوهم ليقتطعوا لكم حقا لغيركم و أنتم تعلمون أنه لا يحل لكم و [ عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : لعن الله الراشي و المرتشي في الحكم ] أخرجه الترمذي و قال حديث حسن و [ عن عبد الله بن عمرو : لعن رسول الله صلى الله عليه و سلم الراشي و المرتشي ]
قال العلماء : فالراشي هو الذي يعطي الرشوة و المرتشي هو الذي يأخذ الرشوة و إنما تلحق اللعنة الراشي إذا قصد بها أذية مسلم أو ينال بها ما لا يستحق أما إذا أعطى ليتوصل إلى حق له و يدفع عن نفسه ظلما فإنه غير داخل في اللعنة و أم الحاكم فالرشوة عليه حرام أبطل بها حقا أو دفع بها ظلما و قد روي في حديث آخر : إن اللعنة على الرائش أيضا و هو الساعي بينهما و هو تابع للراشي في قصده خيرا لم تلحقه اللعنة و إلا لحقته

فصل من شفع لرجل شفاعة فأهدى له عليها هدية فقد أتى بابا كبيرا من أبواب الربا

فصل : و من ذلك ما روى أبو داود في سننه [ عن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : من شفع لرجل شفاعة فأهدى له عليها هدية فقد أتى بابا كبيرا من أبواب الربا ] و [ عن ابن مسعود قال : السحت أن تطلب لأخيك الحاجة فتقضى فيهدى إليك هدية فتقبلها منه و عن مسروق أنه كلم ابن زياد في مظلمة فردها فأهدى إليه صاحب المظلمة و صيفا فردها و لم يقبلها و قال سمعت ابن مسعود يقول : من رد عن مسلم مظلمة فأعطاه على ذلك قليلا أو كثيرا فهو سحت فقال الرجل : يا أبا عبد الرحمن ما كنا نظن أن السحت إلا الرشوة في الحكم فقال : ذلك كفر نعوذ بالله منه و نسأل الله العفو و العافية من كل بلاء و مكروه ]

الحكاية بين الأوزعي والنصراني

الحكاية : عن الإمام أبي عمر الأوزعي رحمه الله ـ و كان يسكن ببيروت ـ أن نصرانيا جاء إليه فقال : إن والي بعلبك ظلمني بمظلمة و أريد أن تكتب إليه و أتاه بقلة عسل فقال الأوزاعي رحمه الله : إن شئت رددت القلة و كتبت لك إليه و إن شئت أخذت القلة فكتبت له إلى الوالي أن ضع عن هذا النصراني من خراجه فأخذ القلة و الكتاب و مضى إلى الوالي فأعطاه الكتاب فوضع عنه ثلاثين درهما بشفاعة الإمام رحمه الله و حشرنا في زمرته

موعظة تدبروا العواقب و احذروا قوة المناقب

موعظة : عباد الله : تدبروا العواقب و احذروا قوة المناقب و اخشوا عقوبة المعاقب و خافوا سلب السالب فإنه و الله طالب غالب أين الذين قعدوا في طلب المنى و قاموا و داروا على توطئة دار الرحيل و حاموا ؟ ما أقل ما لبثوا و ما أوفى ما أقاموا ! لقد وبخوا في نفوسهم في قعر قبورهم على ما أسلفوا و لاموا
( أما والله لو علم الأنام ... لما خلقوا لما هجموا و ناموا )
( لقد خلقوا لأمر لو رأته ... عيون قلوبهم تاهوا و هاموا )
( ممات ثم قبر ثم حشر ... و توبيخ و أهوال عظام )
( ليوم الحشر قد عملت رجال ... فصلوا من مخافته و صاموا )
( و نحن إذا أمرنا أو نهينا ... كأهل الكهف إيقاظ نيام )

يا من بأقذار الخطايا قد تلطخ

يا من بأقذار الخطايا قد تلطخ و بآفات البلايا قد تضمخ يا من سمع كلام من لام و وبخ يعقد عقد التوبة حتى إذا أمسى يفسخ يا مطلقا لسانه و الملك يحصى و ينسخ يا من طير الهوى في صدره قد عشش و فرخ كم أباد الموت ملوكا كالجبال الشمخ كم أزعج قواعد كانت في الكبر ترسخ و أسكنهم ظلم اللحود و من ورائهم برزخ يا من قلبه من بدنه بالذنوب أوسخ يا مبارزا بالعظائم أتأمن أن يخسف بك أو تمسخ يا من لازم العيب بعد اشتماله الشيب ففعله يؤرخ و الحمد لله دائما و أبدا

الكبيرة الثالثة و الثلاثون : تشبه النساء بالرجال و تشبه الرجال بالنساء

في الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : [ لعن الله المتشبهات من النساء بالرجال و المتشبهين من الرجال بالنساء ] و في رواية : [ لعن الله الرجله من النساء ] و في رواية قال : [ لعن الله المخنثين من الرجال و المترجلات من النساء ] يعني اللاتي يتشبهن بالرجال في لبسهم و حديثهم و عن [ أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : لعن الله المرأة تلبس لبسة الرجل و الرجل يلبس لبسة المرأة ]

فإذا لبست المرأة زي الرجال من المقالب و الفرج و الأكمام الضيقة فقد شابهت الرجال في لبسهم فتلحقها لعنة الله و رسوله و لزوجها إذا أمكنها من ذلك أي رضي به و لم ينهها لأنه مأمور بتقويمها على طاعة الله و نهيها عن المعصية لقول الله تعالى { قوا أنفسكم و أهليكم نارا وقودها الناس و الحجارة } أي أدبوهم و علموهم و مروهم بطاعة الله و انهوهم عن معصية الله كما يحب ذلك عليكم في حق أنفسكم و لقول النبي صلى الله عليه و سلم : [ كلكم راع و كلكم مسؤول عن رعيته الرجل راع في أهله و مسؤول عنهم يوم القيامة ] و جاء عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : [ ألا هلكت الرجال حين أطاعوا النساء ] و قال الحسن والله ما أصبح اليوم رجل يطيع امرأته فيما تهوى إلا أكبه الله تعالى في النار و قال صلى الله عليه و سلم : [ صنفان من أهل النار لم أرهما قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس و نساء كاسيات عاريات مائلات مميلات رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة لا يدخلن الجنة و لا يجدن ريحها و إن ريحها ليوجد من مسيرة كذا و كذا ] أخرجه مسلم

قوله : كاسيات أي من نعم الله عاريات من شكرها و قيل : هو أن تلبس المرأة ثوبا رقيقا يصف لون بدنها و معنى مائلات قيل عن طاعة الله و ما يلزمهن حفظه مميلات أي يعلمن غيرهن الفعل المذموم و قيل مائلات متبخترات مميلات لأكتافهن و قيل مائلات يمتشطن المشطة الميلاء و هي مشطة البغايا و مميلات يمشطن غيرهن تلك المشطة رؤوسهن كأسنمة البخت أي يكبرنها و يعظمنها بلف عصابة أو عمامة أو نحوهما و عن نافع قال : كان ابن عمر و عبد الله ابن عمرو عند الزبير بن عبد المطلب إذ أقبلت امرأة تسوق غنما متنكبة قوسا فقال عبد الله بن عمر : أرجل أنت أم امرأة ؟ فقالت : امرأة فالتفت إلى ابن عمرو فقال : إن الله تعالى لعن على لسان نبيه صلى الله عليه و سلم المتشبهات من النساء بالرجال و المتشبهون من الرجال بالنساء
و من الأفعال التي تلعن عليها المرأة إظهار الزينة و الذهب و اللؤلؤ من تحت النقاب و تطيبها بالمسك و العنبر و الطيب إذا خرجت و لبسها الصباغات و الأزر و الحرير و الأقبية القصار مع تطويل الثوب و توسعة الأكمام و تطويلها إلى غير ذلك إذا خرجت و كل ذلك من التبرج الذي يمقت الله عليه و يمقت فاعله في الدنيا و الآخرة و هذه الأفعال التي قد غلبت على أكثر النساء قال عنهن النبي صلى الله عليه و سلم : [ اطلعت على النار فرأيت أكثر أهلها النساء ] و قال صلى الله عليه و سلم : ما تركت بعدي فتنة هي أضر على الرجال من النساء فنسأل الله أن يقينا فتنتهن و أن يصلحهن و إيانا بمنه و كرمه

موعظة كأنك بالموت و قد فجأك

موعظة : ابن آدم كأنك بالموت و قد فجأك و هجم و ألحقك بمن سبقك من الأمم و نقلك إلى بيت الوحدة و الظلم و من ذلك إلى عسكر الموتى مخيمة بين الخيم مفرقا من مالك ما اجتمع و من شملك ما انتظم و لا تدفعه بكثرة الأموال و لا بقوة الخدم و ندمت على التفريط غاية الندم فيا عجبا لعين تنام و طالبها لم ينم متى تحذر مما توعد و تهدد و متى تضرم نار الخوف في قلبك و تتوقد إلى متى حسناتك تضمحل و سيئاتك تجدد إلى متى لا يهولك زجر الواعظ و إن شدد إلى متى أنت بين الفتور و التواني تتردد متى تحذر يوما فيه الجلود تنطق و تشهد متى تترك ما يفني فيما لا ينفذ متى تهب بك في بحر الوجد ريح الخوف و الرجاء متى تكون في الليل قائما إذا سجا أين الذين عاملوا مولاهم و انفردوا و قاموا في الدجى و ركموا و سجدوا و قدموا إلى باب في الأسحار و وفدوا و صاموا هواجر النهار فصبروا و اجتهدوا لقد ساروا و تخلفت وفاتك ما وجدوا و بقيت في أعقابهم و إن لم تلحق بعدوا :
( يا نائم الليل متى ترقد ... قم يا حبيبي قد دنا الموعد )
( من نام حتى ينقضي ليله ... لم يبلغ المنزل أو يجهد )
( فقل لذوي الألباب أهل التقى ... قنطرة العرض لكم موعد )

الكبيرة الرابعة و الثلاثون : الديوث المستحسن على أهله و القواد الساعي بين الإثنين بالفساد

قال الله تعالى : { الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة و الزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك و حرم ذلك على المؤمنين }
عن [ عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : ثلاثة لا يدخلون الجنة : العاق لوالديه و الديوث و رجلة النساء ] و روى النسائي أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : [ ثلاثة قد حرم الله عليهم الجنة : مدمن الخمر و العاق لوالديه و الديوث الذي يقر الخبث في أهله ] يعني يستحسن على أهله نعوذ بالله من ذلك
قال المصنف رحمه الله تعالى : فمن كان يظن بأهله الفاحشة و يتغافل لمحبته فيها أو لأن لها عليه دينا و هو عاجز أو صداقا ثقيلا أو له أطفال صغار فترفعه إلى القاضي و تطلب فرضهم فهو دون من يعرض عنه و لا خير فيمن لا غيرة له فنسأل الله العافية من كل بلاء ومحنة إنه جواد كريم

موعظة : أيها المشغول بالشهوات

موعظة : أيها المشغول بالشهوات الفانيات متى تستعد لممات آت حتى متى لا تجتهد في إلحاق القوافل الماضيات أتطمع و أنت رهين الوساد في لحاق السادات ؟ هيهات هيهات هيهات ! آملا في زعمه اللذات إحذر هجوم هازم اللذات احذر مكائده فهي كوامن في عدة الأنفاس و اللحظات :
( تمضي حلاوة ما أخفيت و بعدها ... تبقى عليك مرارة التبعات )
( يا حسرة العاصين يوم معادهم ... لو أنهم سبقوا إلى الجنات )
( لو لم يكن إلا الحياء من الذي ... ستر العيوب لأكثروا الحسرات )

يا من صحيفته بالذنوب

يا من صحيفته بالذنوب قد حفت و موازينه بكثرة الذنوب قد خفت أما رأيت أكفاء عن مطامعها كفت أما رأيت عرائس آحاد إلى اللحود قد زفت أما عاينت أبدان المترفين و قد أدرجت في الأكفان و لفت أما عاينت طور الأجسام في الأرحام و متى تنتبه لخلاص نفسك أيها الناعس متى تعتبر بربع غيرك الدارس ؟ أين الأكاسر الشجعان الفوارس و أين المنعمون بالجواري و الظباء الخنس الكوانس أين المتكبرون ذوو الوجوه العوابس أين من اعتاد سعة القصور ! حبس في القبور في أضيق المحابس ! أين الرافل في أثوابه عري في ترابه عن الملابس أين الغافل في أمله و أهله عن أجله سلبته أكف الخالس أين جامع الأموال سلب المحروس و هلك الحارث ! حق لمن علم مكر الدنيا أن يهجرها و لمن جهل نفسه أن يزجرها و لمن تحقق نقلته أن يذكرها و لمن غمر بالنعماء أن يشكرها و لمن دعي إلى دار السلام أن يقطع مفاوز الهوى ليحضرها

الكبيرة الخامسة و الثلاثون : المحلل و المحلل له

صح من حديث [ ابن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم لعن المحلل المحلل له ] قال الترمذي : و العمل على ذلك عند أهل العلم منهم عمر بن الخطاب و عثمان بن عفان و عبد الله بن عمر و هو قول الفقهاء من التابعين و رواه الإمام أحمد في مسنده و النسائي في سننه أيضا باسناد صحيح و [ عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : سئل رسول الله صلى الله عليه و سلم عن المحلل فقال : لا إلا نكاح رغبة لا نكاح دلسة و لا استهزاء بكتاب الله عز و جل حتى يذوق العسيلة ] و رواه أبو اسحاق الجوزاني و [ عن عقبة بن عامر قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ألا أخبركم بالتيس المستعار ؟ قالوا : بلى يا رسول الله قال : هو المحلل لعن الله المحلل و المحلل له ] رواه ابن ماجه بإسناد صحيح و عن ابن عمر أن رجلا سأله فقال : ما تقول في امرأة تزوجتها أحلها لزوجها لم يأمرني و لم يعلم ؟ فقال له ابن عمر : لا إلا نكاح رغبة إن أعجبتك أمسكتها و إن كرهتها فارقتها و إنا كنا نعد هذا سفاحا على عهد رسول الله صلى الله عليه و سلم و أما الآثار عن الصحابة و التابعين فقد روى الأثرم و ابن المنذر عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : لا أوتي بمحلل و لا محلل إلا رجمتها و سئل عمر بن الخطاب عن تحليل المرأة لزوجها فقال : ـ ذلك السفاح ـ و عن عبد الله بن شريك العامري قال : سمعت ابن عمر رضي الله عنهما و قد سئل عن رجل طلق ابنة عم له ثم ندم و رغب فيها فأراد رجل أن يتزوجها ليحلها له فقال ابن عمر : كلاهما زان و إن مكثا عشين سنة أو نحو ذلك إذا كان يعلم أنه يريد أن يحللها و عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه سأل رجل فقال : ابن عمي طلق امرأته ثلاثا ثم ندم فقال : ابن عمك عصى ربه فأندمه و أطاع الشيطان فلم يجعل له مخرجا فقال : كيف ترى في رجل يحلها له ؟ فقال : من يخادع الله يخدعه و قال إبراهيم النخعي : إذا كان نية أحد الثلاثة الزوج الأول أو الزوج الآخر أو المرأة التحليل فنكاح الآخر باطل و لا تحل للأول و قال الحسن البصري : إذا هم أحد الثلاثة بالتحليل فقد أفسد و قال سعيد بن المسيب إمام التابعين في رجل تزوج امرأة ليحلها لزوجها الأول فقال لا تحل و ممن قال بذلك مالك بن أنس و الليث بن سعد و سفيان الثوري و الإمام أحمد و قال اسماعيل بن سعيد : سألت الإمام أحمد عن الرجل يتزوج المرأة و في نفسه أن يحللها لزوجها الأول و لم تعلم المرأة بذلك ؟ فقال : هو محلل و إن أراد بذلك الإحلال فهو ملعون و مذهب الشافعي رحمه الله : إذا شرط التحليل في العقد بطل العقد لأنه عقد بشرط قطعه دون غايته فبطل كنكاح المتعة و إن وجد الشرط قبل العقد فالأصح الصحة و إن عقد كذلك و لم يشرط في العقد و لا قبله لم يفسد العقد و إن تزوجها على أنه إذا أحلها طلقها ففيه قولان أصحهما أن يبطل و وجه البطلان أنه شرط يمنع صحته دوام النكاح فأشبه التأقيت و هذا هو الأصح في الرافعي و وجه الثاني أنه شرط فاسد قارن العقد فلا يبطل كما لو تزوجها بشرط أن لا يتزوج عليها و لا يسافر بها و الله أعلم فنسأل الله أن يوفقنا لما يرضيه و يجنبنا معاصيه إنه جواد كريم غفور رحيم

موعظة : لله در قوم تركوا الدنيا قبل تركها

موعظة : لله در قوم تركوا الدنيا قبل تركها و أخرجوا قلوبهم بالنفر عن ظلام شكلها التقطوا أيام السلامة فغنموا و تلذذوا بكلام مولاهم فاستسلموا لأمره و سلموا و أخذوا مواهبه بالشكر و تسلموا هجروا في طاعته لذيذ الكرى و هربوا إليه من جميع الورى و آثروا طاعته ايثار من علم و دري و رضوا فلم يعترضوا على ما جرى و باعوا أنفسهم فيا نعم البيع و يا نعم الشراء أسلموا إليه سلموا الروح و خدموه و الصدر لخدمته مشروح و قرعوا بابه و إذا الباب مفتوح و واصلوا البكا فالجفن بالدمع مقروح و قاموا في الأسحار قيام من يبكي و ينوح و صبروا على مقطعات الصوف و لبس المسوح و راضوا أنفسهم فإذا المذموم ممدوح تعرفهم بسيماهم عليهم آثار الصدق تلوح قد عبقوا بنشر أنسه رائحة ارتياحهم تفوح من طيب الثنا روائح لهم بكل مكان تستنشق ممسكة النفحات إلا أنها وحشية لسواهم لا تعبق

الكبيرة السادسة و الثلاثون : عدم التنزه من البول و هو شعار النصارى

قال الله تعالى : { و ثيابك فطهر } و [ عن ابن عباس رضي الله عنهما قال مر النبي صلى الله عليه و سلم بقبرين فقال : إنهما ليعذبان و ما يعذبان في كبير أما أحدهما فكان يمشي بالنميمة و أما الآخر فكان لا يستبرىء من البول أي لا يتحرز منه ] مخرج في الصحيحين و قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ استنزهوا من البول فإن عامة عذاب القبر منه ] رواه الدارقطني
ثم إن من لم يتحرز من البول في بدنه و ثيابه فصلاته غير مقبولة و روى الحافظ أبو نعيم في الحلية [ عن شقي بن ماتع الأصبحي عن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : أربعة يؤذون أهل النار على ما بهم من الأذى يسعون ما بين الحميم و الجحيم و يدعون بالويل و الثبور و يقول أهل النار لبعضهم البعض : ما بال هؤلاء قد آذونا على ما بنا من الأذى قال : فرجل مغلق عليه تابوت من جمر و رجل يجر أمعاءه و رجل يسيل فمه قيحا و دما و رجل يأكل لحمه قال : فيقال لصاحب التابوت : ما بال الأبعد قد آذانا على ما بنا من الأذى ؟ فيقول : إن الأبعد مات و في عنقه أموال الناس ثم يقال للذي يجر أمعاءه : ما بال الأبعد قد آذانا على ما بنا من الأذى ؟ فيقول : إن الأبعد كان لا يبالي أين ما أصاب البول منه و لا يغسله ثم يقال للذي يسيل فمه قيحا و دما : ما بال الأبعد قد آذانا على ما بنا من الأذى ؟ فيقول : إن الأبعد كان ينظر كل كلمة قبيحة فيستلذها و في رواية : كان يأكل لحوم الناس و يمشي بالنميمة ثم يقال للذي يأكل لحمه : ما بال الأبعد قد آذانا على ما بنا من الأذى ؟ فيقول : إن الأبعد كان يأكل لحوم الناس ـ يعني بالغيبة ـ ]
فنسأل الله العفو و العافية بمنه و كرمه إنه أرحم الراحمين

موعظة تذكروا في مصارع الذين سبقوا

موعظة : أيها العبيد تذكروا في مصارع الذين سبقوا و تدبروا في عواقبهم أين انطلقوا و اعلموا أنهم قد تقاسموا و افترقوا أما أهل الخير فسعدوا و أما أهل الشر فشقوا فانظر لنفسك قبل أن تلقى ما لقوا :
( و المرء مثل هلال عند مطلعه ... يبدو ضئيلا لطيفا ثم يتسق )
( يزداد حتى إذا ما تم أعقبه ... كر الجديدين نقصا ثم يمتحق )
( كان الشباب رداء قد بهجت به ... فقد تطاير منه للبلا خرق )
( و مات مبتسم جد المشيب به ... كالليل ينهض في أعجازه الأفق )
( عجبت و الدهر لا تفنى عجائبه ... من راكنين إلى الدنيا و قد صدقوا )
( و طالما نغصت بالفجع صاحبها ... بطارق الفجع و التنغيص قد طرقوا )
( دار لعهد بها الآجال مهلكة ... و ذو التجارب فيها خائف فرق )
( يا للرجال مخدوع بباطلها ... بعد البيان و مغرور بها يثق )
( أقول و النفس تدعوني لزخرفها ... أين الملوك ملوك الناس و السوق )
( أين الذين إلى لذاتها جنحوا ... قد كان قبلهم عيش و مرتفق )
( أمست مساكنهم قفرا معطلة ... كأنهم لم يكونوا قبلها خلقوا )
( يا أهل لذة دار لا بقاء لها ... إن اغترارا بظل زائل حمق )

الكبيرة السابعة و الثلاثون : الرياء

قال الله تعالى مخبرا عن المنافقين :
{ يراؤون الناس و لا يذكرون الله إلا قليلا } و قال الله تعالى : { فويل للمصلين * الذين هم عن صلاتهم ساهون * الذين هم يراؤون * و يمنعون الماعون } و قال الله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن و الأذى كالذي ينفق ماله رئاء الناس } الآية و قال الله تعالى : { فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا و لا يشرك بعبادة ربه أحدا }
أي لا يرائي بعمله و [ عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : إن أول الناس يقضى عليه يوم القيامة رجل استشهد في سبيل الله فأتي به فعرفه نعمه فعرفها قال : فما فعلت فيها ؟ قال : قاتلت فيك حتى استشهدت قال : كذبت و لكنك فعلت ليقال هو جريء و قد قيل ثم أمر به فسحب على وجهه حتى أقي في النار و رجل وسع الله عليه و أعطاه من أصناف المال فأتى به فعرفه نعمه فعرفها قال : فما عملت فيها ؟ قال : ما تركت من سبيل تحب أن ينفق فيها إلا أنفقت فيها لك قال : كذبت و لكنك فعلت ليقال هو جواد فقد قيل ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار و رجل تعلم العلم و علمه و قرأ القرآن فأتى به فعرفه نعمه فعرفها قال : فما عملت فيها ؟ قال : تعلمت العلم و علمته و قرأت فيك القرآن قال : كذبت و لكنك تعلمت ليقال هو عالم و قرأت ليقال هو قارىء ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار ] رواه مسلم و قال صلى الله عليه و سلم : [ من سمع سمع الله به ومن يرائي يراءى به ] قال الخطابي معناه من عمل عملا على غير إخلاص إنما يريد أن يراه الناس و يسمعوه جوزي على ذلك بأنه يشهره و يفضحه فيبدو عليه ما كان يبطنه و يسره من ذلك و الله أعلم و قال عليه الصلاة و السلام : [ اليسير من الرياء شرك ] و قال صلى الله عليه و سلم : [ أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر فقيل : و ما هو يا رسول الله ؟ قال الرياء ] يقول الله تعالى يوم يجازي العباد بأعمالهم : اذهبوا إلى الذين كنتم تراءونهم بأعمالكم فانظروا هل تجدون عندهم جزاء و قيل في قول الله تعالى : { و بدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون } قيل : كانوا عملوا أعمالا كانوا يرونها في الدنيا حسنات بدت لهم يوم القيامة سيئات و كان بعض السلف إذا قرأ هذه الآية يقول : ويل لأهل الرياء و قيل : إن المرائي ينادى به يوم القيامة بأربعة أسماء : يا مرائي يا غادر يا فاجر يا خاسر اذهب فخذ أجرك ممن عملت له فلا أجر لك عندنا و قال الحسن : المرائي يريد أن يغلب قدر الله فيه هو رجل سوء يريد أن يقول الناس هو صالح فكيف يقولون و قد حل من ربه محل الإردياء ؟ فلا بد من قلوب المؤمنين أن تعرفه و قال قتادة : إذا راءى العبد يقول الله : انظروا إلى عبدي كيف يستهزىء بي و روي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه نظر إلى رجل و هو يطأطى رقبته فقال : يا صاحب الرقبة إرفع رقبتك ليس الخشوع في الرقاب إنما الخشوع في القلوب و قيل : إن أبا أمامة الباهلي رضي الله عنه أتى على رجل في المسجد و هو ساجد يبكي في سجوده و يدعو فقال له أبو أمامة : أنت أنت لو كان هذا في بيتك ! و قال محمد بن مبارك الصوري : أظهر السمت في الليل فإنه أشرف من إظهاره بالنهار لأن السمت بالنهار للمخلوقين و السمت بالليل لرب العالمين و قال علي ابن أبي طالب رضي الله عنه : للمرائي ثلاث علامات : يكسل إذا كان وحده و ينشط إذا كان في الناس و يزيد في العمل إذا أثني عليه و ينقص إذا ذم به و قال الفضيل بن عياض رحمه الله : ترك العمل لأجل الناس رياء و العمل لأجل الناس شرك و الإخلاص أن يعاقبك الله منهما
فنسأل الله المعونة و الإخلاص في الأعمال و الأقوال و الحركات و السكنات إنه جواد كريم

موعظة : إن أيامكم قلائل

موعظة : عباد الله ! إن أيامكم قلائل و مواعظكم قواتل فليخبر الأواخر الأوائل و ليستيقظ الغافل قبل سير القوافل يا من يوقن أنه لا شك راحل و ما له زاد و لا رواحل يا من لج في لجة الهوى متى ترتقي إلى الساحل ؟ هل انتبهت من رقاد شامل و حضرت المواعظ بقلب غير غافل و قمت في الليل قيام عاقل و كتبت بالدموع سطور الرسائل تخفي بها زفرات الندم و الوسائل و بعثتها في سفينة دمع سائل لعلها ترسى على الساحل وا أسفاه لمغرور جهول غافل لقد أثقل بعد الكهولة بالذنب الكاهل و قد ضيع البطالة و بذل الجاهل و ركن إلى ركوب الهوى ركبة مائل يبني البنيان و يشيد المعاقل و هو عن ذكر قبره متشاغل و يدعي بعد هذا أنه عاقل تالله لقد سبقه الأبطال إلى أعلى المنازل و هو يؤمل في بطالته فوز العامل و هيهات هيهات ما فاز باطل بطائل :
( أيها المعجب فخرا ... بمقاصير البيوت )
( إنما الدنيا محل ... لقيام و قنوت )
( فغدا تنزل بيتا ... ضيقا بعد النحوت )
( بين أقوام سكوت ... ناطقات في الصموت )
( فارض في الدنيا بثو ... ب و من العيش بقوت )
( و اتخذ بيتا ضعيفا ... مثل بيت بيت العنكبوت )
( ثم قل : يا نفس هذا ... بيت مثواك فموتي )

الكبيرة الثامنة و الثلاثون : التعلم للدنيا و كتمان العلم

قال الله تعالى : { إنما يخشى الله من عباده العلماء } يعني العلماء بالله عز و جل قال ابن عباس : يريد إنما يخافني من خلقي من علم جبروتي و عزتي و سلطاني و قال مجاهد و الشعبي : العالم من خاف الله تعالى و قال الربيع بن أنس من لم يخش الله فليس بعالم و قال الله تعالى : { إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات و الهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله و يلعنهم اللاعنون }

نزلت هذه الآية في علماء يهود و أراد ( بالبينات ) الرجم و الحدود و الأحكام و بالهدى أمر محمد عليه الصلاة و السلام و نعته { من بعد ما بيناه للناس } أي بني إسرائيل { في الكتاب } أي في التوراة { أولئك } يعني الذين يكتمون { يلعنهم الله و يلعنهم اللاعنون } قال ابن عباس : كل شيء لا الجن و الأنس و قال ابن مسعود : ما تلاعن اثنان من المسلمين إلا رجعت تلك اللعنة على اليهود و النصارى الذين يكتمون أمر محمد صلى الله عليه و سلم و صفته و قال الله تعالى : { و إذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس و لا تكتمونه فنبذوه وراء ظهورهم و اشتروا به ثمنا قليلا فبئس ما يشترون }

قال الواحدي : نزلت هذه الآية في يهود المدينة أخذ الله ميثاقهم في التوراة ليبينن شأن محمد صلى الله عليه و سلم و نعته و مبعثه و لا يخفونه و هو قوله تعالى : { لتبيننه للناس و لا تكتمونه } و قال الحسن : هذا ميثاق الله تعالى على علماء اليهود أن يبينوا للناس ما في كتابهم و فيه ذكر رسول الله صلى الله عليه و سلم و قوله { فنبذوه وراء ظهورهم } قال ابن عباس : أي ألقوا ذلك الميثاق خلف ظهورهم { و اشتروا به ثمنا قليلا } يعني ما كانوا يأخذونه من سفلتهم برياستهم في العلم و قوله : { فبئس ما يشترون } قال ابن عباس : قبح شراؤهم و خسروا و قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ من تعلم علم مما يبتغي به وجه الله لا يتعلمه إلا ليصيب به عرضا من الدنيا لم يجد عرف الجنة ] يعني ريحها رواه أبو داود و قد مر حديث أبي هريرة في الثلاثة الذين يسحبون إلى النار أحدهم الذي يقال له : إنما تعلمت ليقال عالم و قد قيل و قال صلى الله عليه و سلم : [ من ابتغى العلم ليباهي به العلماء أو ليماري به السفهاء أو تقبل أفئدة الناس إليه فإلى النار ] و في لفظ [ أدخله الله النار ] أخرجه الترمذي و قال صلى الله عليه و سلم : [ من سئل عن علم فكتمه ألجم يوم القيامة بلجام من نار ] و كان من دعاء رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ أعوز بك من علم لا ينفع ] و قال صلى الله عليه و سلم [ من تعلم علما لم يعمل به لم يزده العلم إلا كبرا ] و [ عن أبي أمامة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : يجاء بالعالم السوء يوم القيامة فيقذف في النار فيدور بقصبه كما يدور الحمار بالرحا فيقال له بما لقيت هذا و إنما اهتدينا بك فيقول : كنت أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه ] و قال هلال بن العلاء : طلب العلم شديد و حفظه أشد من طلبه و العمل به أشد من حفظه و السلامة منه أشد من العمل به فنسأل الله السلامة من كل بلاء و التوفيق لما يحب و يرضى إنه جواد كريم

موعظة متى تذكر عواقب الأمور

( موعظة ) ابن آدم ! متى تذكر عواقب الأمور ؟ متى ترحل الرحال عن هذه القصور ؟ إلى متى في جميع ما تبني تدور ؟ أين من كان من قبلكم في المنازل و الدور ؟ أين من ظن بسوء تدبيره أنه لا يحور ؟ رحل و الله الكل فاجتمعوا في القبور ؟ و استوطنوا أ خشن المهاد إلى نفخ الصور فإذا قاموا إلى فصل القضاء و السماء تمور كشفوا الحجاب المخفي و هتك المستور و ظهرت عجائب الأفعال و حصل ما في الصدور و نصب الصراط فكم من قدم عثور و وضعت عليه كلاليب لخطف كل مغرور و أصبحت وجوه المتقين تشرق كالبدور وباءوا بتجارة لن تبور و دعا أهل الفجور بالويل و الثبور و جيء بالنار تقاد بالأزمة و هي تفور إذ ألقوا فيها سمعوا لها شهيقا و هي تفور ليس في الدنيا لمن آمن بالبعث سرور إنما يفرح بالدنيا جهول أو كفور
( إنما الدنيا متاع ... كل ما فيها غرور )
( فتذكر هول يوم ... السما فيه تمور )

الكبيرة التاسعة و الثلاثون : الخيانة

قال الله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله و الرسول و تخونوا أماناتكم و أنتم تعلمون }
قال الواحدي رحمه الله تعالى : نزلت هذه الآية في أبي لبابة حين بعثه رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى بني قريظة لما حاصرهم و كان أهله و ولده فيهم فقالوا : يا أبا لبابة ما ترى لنا إن نزلنا على حكم سعد فينا ؟ فأشار أبو لبابة إلى حلقه أي أنه الذبح فلا تفعلوا فكانت تلك منه خيانة لله و رسوله قال أبو لبابة : فما زالت قدماي من مكاني حتى عرفت أني خنت الله و رسوله و قوله : { و تخونوا أماناتكم و أنتم تعلمون } عطف على النهي أي و لا تخونوا أماناتكم قال ابن عباس : الأمانات الأعمال التي ائتمن الله عليها العباد يعني الفرائض يقول : لا تنقضوها قال الكلبي : أما خيانة الله و رسوله فمعصيتهما و أما خيانة الأمانة : فكل واحد مؤتمن على ما افترضه الله عليه إن شاء خانها و إن شاء أداها لا يطلع عليه أحد إلا الله تعالى و قوله { و أنتم تعلمون } أنها أمانة من غير شبهة و قال تعالى : { وأن الله لا يهدي كيد الخائنين } : أي لا يرشد كيد من خان أمانته يعني أنه يفتضح في العاقبة بحرمان الهداية و قال عليه الصلاة و السلام : [ آية المنافق ثلاث إذا حدث كذب و إذا وعد أخلف و إذا ائتمن خان ] و قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ لا إيمان لمن لا أمانة له و لا دين لمن لا عهد له ] و الخيانة قبيحة في كل شيء و بعضها شر من بعض و ليس من خانك في فلس كمن خانك في أهلك و مالك و ارتكب العظائم و عن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : [ أد الأمانة إلى من ائتمنك و لا تخن من خانك ] و في الحديث أيضا : [ يطبع المؤمن على كل شيء ليس الخيانة و الكذب ] و قال رسول الله صلى الله عليه و سلم [ يقول الله أنا ثالث الشريكين ما لم يخن أحدهما صاحبه ] و فيه أيضا : [ أول ما يرفع من الناس الأمانة و آخر ما يبقى الصلاة و رب مصل لا خير فيه ] و قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ إياكم و الخيانة فإنها بئست البطانة ] و قال عليه الصلاة و السلام : [ هكذا أهل النار و ذكر منهم رجلا لا يخفى له طمع و إن دق إلا خانه ] و قال ابن مسعود : يؤتى يوم القيامة بصاحب الأمانة الذي خان فيها فيقال له : أد أمانتك فيقول : أنى يا رب و قد ذهبت الدنيا ؟ قال فتمثل له كهيئتها يوم أخذها في قعر جهنم ثم يقال له إنزل إليها فأخرجها قال : فينزل إليها فيحملها على عاتقه فهي عليه أثقل من جبال الدنيا حتى إذا ظن أنه ناج هوت و هوى في أثرها أبد الآبدين ثم قال : الصلاة أمانة و الوضوء أمانة و الغسل أمانة و الوزن أمانة و الكيل أمانة و أعظم ذلك الودائع
اللهم عاملنا بلطفك و تداركنا بعفوك

موعظة ما أشرف الأوقات

( موعظة ) عباد الله ! ما أشرف الأوقات و قد ضيعتموها و ما أجهل النفوس و قد أطعتموها و ما أدق السؤال عن الأموال فانظروا كيف جمعتموها و ما أحفظ الصحف بالأعمال فتدبروا ما أودعتموها قبل الرحيل عن القليل و المناقشة عن النقير و الفتيل قبل أن تنزلوا بطون اللحود و تصيروا طعاما للدود في بيت بابه مسدود و لو قيل فيه للعاصي ما تختارلقال أعود و لا أعود :
( أين أهل الديار من قوم نوح ... ثم عاد من بعدهم و ثمود )
( بينما القوم في النمارق و الإستبـ ... رق أفضت إلى التراب الخدود )
( و صحيح أضحى يعود مريضا ... و هو أدنى للموت ممن يعود )

الكبيرة الأربعون : المنان

قال الله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن و الأذى }
قال الواحدي هو أن يمن بما أعطى و قال الكلبي بالمن على الله في صدقته و الأذى لصاحبها و في الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : [ ثلاثة لا يكلمهم الله و لا ينظر إليهم يوم القيامة و لا يزكيهم و لهم عذاب أليم : المسبل و المنان و المنفق سلعته بالحلف الكاذب ] المسبل هو الذي يسبل إزاره أو ثيابه أو قميصه أو سراويله حتى تكون إلى القدمين لأنه صلى الله عليه و سلم قال : [ ما أسفل من الكعبين من الإزار فهو في النار ] و في الحديث أيضا : [ ثلاثة لا يدخلون الجنة العاق لوالديه و المدمن الخمر و المنان ] رواه النسائي و فيه أيضا : [ لا يدخل الجنة خب و لا بخيل و لا منان ] و الخب هو المكر و الخديعة و المنان هو الذي يعطي شيئا أو يتصدق به ثم يمن به و جاء عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : [ إياكم و المن بالمعروف فإنه يبطل الشكر و يمحق الأجر ] ثم تلا رسول الله صلى الله عليه و سلم قول الله عز و جل : { يا أيها الذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن و الأذى } و سمع ابن سيرين رجلا يقول لآخر : أحسنت إليك و فعلت و فعلت فقال له ابن سيرين : اسكت فلا خير في المعروف إذا أحصي و كان بعضهم يقول : من بمعروفه سقط من شكره و من أعجب بعمله حبط أجره و أنشد الشافعي رحمه الله تعالى :
( لا تحملن من الأنام ... بأن يمنوا عليك منه )
( و اختر لنفسك حظها ... و اصبر فإن الصبر جنه )
( منن الرجال على القلوب ... أشد من وقع الأسنة )

أنشد بعضهم

و أنشد أيضا بعضهم فقال

( و صاحب سلفت منه إلي يد ...
أبطأ عليه مكافاتي فعاداني )
( لما تيقن أن الدهر حاربني
... أبدى الندامة مما كان أولاني )
( أفسدت بالمن ما قدمت من حسن
... ليس الكريم إذا أعطى بمنان )

موعظة يا مبادرا بالخطايا

( موعظة ) يا مبادرا بالخطايا ما أجهلك إلى متى تغتر بالذي أمهلك كأنه قد أهملك ؟ فكأنك بالموت و قد جاء بك و أنهلك و إذا الرحيل و قد أفزعك الملك و أسرك البلا بعد الهوى و عقلك و ندمت على وزر عظيم قد أثقلك يا مطمئنا بالفاني ما أكثر زللك و يا معرضا عن النصح كأن النصح ما قيل لك أين حبيبك الذي كان و أين انتقل ؟ أما وعظك التلف في جسده و المقل أين كثير المال أين طويل الأمل أما خلا وحده في لحده بالعمل أين من جر ثوبه الخيلاء غافلا و رفل ؟ أما سافر به و إلى الآن ما وصل أين من تنعم في قصره فكأنه في الدنيا ما كان و في قبره لم يزل أين من تفوق و احتفل ؟ غاب و الله نجم سعوده و أفل أين الأكاسرة و الجبابرة العتاة الأول ملك أموالهم سواهم و الدنيا دول

عن الكاتب

A. Fatih Syuhud

التعليقات


جميع الحقوق محفوظة

الكتب الإسلامية