الكتب الإسلامية

مجموعة الكتب والمقالات الإسلاية والفقه علي المذاهب الأربعة

recent

آخر الأخبار

recent
جاري التحميل ...

الحقوق متبادلة ومسألة ضرب النساء



الفهرس


ـ الحقوق متبادلة:

كما هو ملاحظ فالحقوق متبادلة بين الطرفين؛ إذ لكل منهما حق على الطرف الآخر .. ومن الأخطاء القاتلة التي يقع بها بعض الأزواج ـ سواء كانوا من الرجال أم من النساء ـ أنهم ينظرون إلى حقوقهم دون حقوق الطرف المقابل .. فلا يرون من الحياة الزوجية إلا حقوقهم ومصالحهم .. ولا يحفظون من الأحاديث والتوجيهات النبوية إلا ما يعني حقوقهم وحسب .. فتراهم يُطالبون ويذَكّرون بحقوقهم على الطرف الآخر .. من دون أن يكلفوا أنفسهم النظر فيما يجب للطرف المقابل عليهم من الحقوق .. فيقع بسبب ذلك الظلم، والتفريط بحقوق الطرف الآخر .. ومن ثم يقع المحظور الأكبر؛ ألا وهو الطلاق والفراق!

وأحياناً يحصل في العلاقة الزوجية .. أن طرفاً يعرف للطرف المقابل حقوقَه، ويُؤديها له .. بينما الطرف الآخر لا يعرف للطرف الذي يقابله حقوقه فضلاً عن أن يؤديها إليه .. وهذا أيضاً من الظلم والتفريط الذي لا تُرجى عواقبه!
والواجب في هذه الحالة أن يحفظ كل طرف ما للطرف المقابل من حقوق أكثر مما يحفظ ما له على الطرف المقابل من حقوق .. وأن يحرص على أداء حقوق الطرف المقابل أكثر مما يحرص على تحصيل حقه منه .. ولو تمَّ ذلك على الوجه الأكمل ـ وترفّعت الأنفس عن شحها وأنانيتها ـ تيقّنوا أن البيوت لعمرت بالمحبة والود والخير والتفاهم .. وأن الشقاق والطلاق لما عرفا سبيلهما إلى كثير من بيوت المسلمين التي عاشت تجربة الطلاق والفراق!

ونقول كذلك: يجب أن تُمارس هذه الحقوق، وأن تؤدّى من كل طرف إلى الطرف المقابل طواعية .. على أنها طاعة وعبادة لله تعالى، يلتمس عليها الأجر والمثوبة من الله تعالى .. يرجو منها الفوز برضى الله تعالى وجناته ونعيمه .. فهذا مما ـ لا شك فيه ـ يهوّن الأمر على الزوجين معاً .. ويجعلهما يتسابقان في أداء الحقوق نحو بعضهما البعض بشيء من اللذة والسعادة .. لعلمهما أن في أداء هذه الحقوق ـ نحو بعضهما البعض ـ يتعبدان لله تعالى .. كما يتعبد الناسك العابد في مسجده وزيادة .. وأنهما بذلك يفوزان برضى الله عليهما .. فيبارك الله لهما في زواجهما وذرياتهما.


ـ استغلال خاطئ:

من الأخطاء القاتلة والشائعة في الحياة الزوجية التي يقع فيها بعض الأزواج من الرجال .. أن منهم من يُطالب بحقوقه من زوجته بنوع استعلاء واحتقار واستعباد .. فيستغل ما له من حق استغلالاً خاطئاً؛ فيشعر زوجتَه أنها أمَةٌ له من دون الله تعالى .. وأنها يجب عليها طاعته من دون الله تعالى .. وأن هذه الحقوق تُؤدَّى له لذاته لأنه هو هو .. وليس طاعة وعبادة لله  .. وكأنه هو المقصود من العبادة من دون الله .. والعياذ بالله .. وهذا المسلك الطغياني الباطل، يُضعِف العلاقة فيما بين الزوجين .. ويجعل المرأة تؤدي حقوق زوجها عليها بمزيد من الفتور والنفور .. والغش .. واللامبالاة .. ثم هي لو وجدت فرصة للتهرب من القيام بحقوقه عليها فلا تقصِّر جهداً .. والمخطئ الملام حينئذٍ هو الزوج الذي أفهم زوجته أنها بأدائها لحقوقه عليها هي أمَة له من دون الله تعالى!


ـ مراعاة الاستطاعة:

وإن كان الأصل في الحقوق أن تؤدَّى كاملة من كل طرف نحو الطرف المقابل؛ إلا أن ذلك مشروطاً بالاستطاعة والقدرة، فإن حصل لدى طرف من الطرفين ـ في مرحلة من المراحل ـ العجز عن أداء كامل الحقوق يجب على الطرف المقابل أن يتفهم ذلك، وأن يُقيل العثرات، وأن يخفض من ثقف طلباته من الطرف الآخر .. لأن التكاليف الشرعية كلها؛ سواء منها المتعلق بحق الله تعالى أم المتعلق منها بحق العباد .. يُشترَط فيها الاستطاعة، فإن حصل العجز، رُفع التكليف إلى حين تحقق القدرة، لقوله تعالى: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ التغابن:16. وقوله تعالى: لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا البقرة:286. وفي الحديث فقد صح عن النبي  أنه قال:" إذا أمرتكم بأمرٍ فأتوا منه ما استطعتم " البخاري.

وبخاصة إن قضى الله بين الزوجين عشرة طويلة؛ فلا ينبغي حينئذٍ أن ينسيا الفضل بينهما، أو أن يكفر أحدهما نعمة ومعروف وفضل الآخر لأدنى خلاف أو تقصير يقع من أحدهما نحو الآخر، قال تعالى: وَلاَ تَنسَوُاْ الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ البقرة:237. وقال  في النساء:" أُريت النارَ فإذا أكثر أهلها النساء يكْفُرْنَ ". قيل أيكفرن بالله؟! قال:" يكفُرْن العشير، ويكفرن الإحسان؛ لو أحسنت إلى إحداهنّ الدهرَ ثم رأت منك شيئاً، قالت: ما رأيتُ منك حيراً قط " البخاري. وصفة كفران العشير والإحسان وإن كانت هي ألصق بالنساء ـ كما أفاد الحديث الشريف ـ إلا أن هذا لا يعني خلو الرجال ممن يكفر العشيرة والإحسان، ولأدنى خلاف مع زوجته .. وهذا لا يجوز .. ولا يليق بين الأكابر من الأزواج!


ـ القناعة، القناعة:

صدَق من قال: القناعة كنز لا يفنى .. وقِيل: القناعة مال لا ينفد .. ومن لوازم القناعة أن لا يحرص الزوجان ـ بأنانية مفرطة ـ على أن يُطالب كل واحد منهما الطرف الآخر بأقصى ما له من حقّ عليه .. بحيث لو أن أحدهما لم يأتِ بالكمال أو أتى بالحقوق منقوصة بعض الشيء أقام الدنيا وما أقعدها على الطرف المقابل .. وأكثر من المعاتبة والشكاية .. والصخب .. وأثار المشاكل، والقلاقل .. لماذا حقوقه لم تأته كاملة .. أو جاءته ناقصة بعض الشيء؟!

أقول: هذه الأنانية المفرطة التي يتصف بها بعض الأزواج .. من الرجال والنساء سواء .. تُسيء للحياة الزوجية أيما إساءة .. وتُثير المشاكل التي لا تُحمد عقباها .. والواجب في هذه الحالة أن تُقال العثرات .. وتُستَر الكبوات والغفلات .. والسهوات .. وتتوسع ساحة الأعذار فيما بين الزوجين المتحابين .. فمن علامات صدق المحبة أن يجد الحبيب لمحبوبه ألف عذر وعذر، عند حصول التقصير .. وأن لا يُكثر من شكايته للآخرين .. كما ينبغي ـ عند مورد التقصير ـ أن تُذكَر حسنات المقصّر .. والجوانب التي أجاد وأحسن فيها .. والصفات الحميدة التي يتحلى بها .. وعلى مبدأ إن الحسنات يُذهبن السيئات .. فهذا أدعى للإنصاف .. والرضى .. ولبقاء الود بين الزوجين، كما في الحديث، فقد صح عن النبي  أنه قال:" لا يَفرَكُ مؤمنٌ مؤمنة؛ إن كرِه منها خلُقاً رضي منها آخر " مسلم. وقوله " لا يَفرَكُ "؛ أي لا يبغضها إلى حد الطلاق.

وكذلك يُقال للمؤمنة: لا تفركُ مؤمنة مؤمناً فتسعى في خلعه والخلاص منه؛ إن كرهت منه خلقاً رضيت منه آخر .. وتذكّرت ما له عليها من فضل، فترضى وتقنع!


ـ خطأ قاتل:

من الأخطاء القاتلة المدمرة للحياة الزوجية التي يقع فيها بعض الأزواج ـ من الرجال والنساء سواء ـ عدم احترام كل طرف لأبوَي الطرف المقابل .. وحرص كلا الطرفين أو أحدهما ـ حسداً وأنانية وغيرة من عند نفسه الأمارة بالسوء ـ كيف يبعد الطرف المقابل عن أبويه .. وكيف يحمله على استعداء ومجافاة أبويه!

ولهؤلاء أقول: الأبوان نسَب لأبنائهما، وهما ألصق الرحم بالزوجين وبحياتهما .. لا يجوز ولا يمكن شرعاً ولا عقلاً ولا تربوياً تجاوزهما أو الاستهانة بحقوقهما .. ومن أبى إلا أن يفعل فإن النتائج ـ لا محالة ـ ستنعكس سلباً عليهما وعلى حياتهما الزوجية .. ومستقبل أبنائهما التربوي والنفسي .. وما أكثر الأدلة الدالة على ذلك لو أردنا الاستطراد والاستدلال!


ـ الرّفق، الرفق عبادَ الله:

لا شيء يُعمّر البيوت بالخير والمحبة والسعادة والرزق كالرفق .. ولا شيء يُشين البيوت كالعنف والشدة، وانتفاء الرفق، وإذا أحب الله بيتاً أدخل إليه الرفق، وإذا أراد بأهله خيراً أدخل عليهم الرفق، كما في الحديث:" إنَّ اللهَ رفيقٌ يُحبُّ الرِّفقَ في الأمرِ كُلِّه " البخاري.

وقال :" إنَّ اللهَ رفيقٌ يُحبُّ الرِّفقَ، ويُعطِي على الرفقِ ما لا يُعطي على العنفِ، ومَا لا يُعطي على ما سواهُ " مسلم.
وقال :" إنَّ الرِّفقَ لا يكونُ في شيءٍ إلا زانَهُ، ولا يُنزَعُ من شيءٍ إلا شانَه " مسلم.
وقال :" مَن يُحرَمِ الرِّفقَ يُحْرَمِ الخيرَ " مسلم.
وقال :" من أُعطي حظَّهُ من الرفق فقد أُعطي حظّه من الخير، ومن حُرِم حظه من الرفقِ فقد حُرِم حظه من الخير "[ ].
وقال :" إن اللهَ إذا أحبَّ أهل بيتٍ أدخلَ عليهم الرفق "[ ]. وقال :" إذا أراد الله بأهل بيتٍ خيراً أدخل عليهم الرفق "[ ].
وقال :" ما أُعطي أهل بيت الرفق إلا نفعهم، ولا منعوه إلا ضرَّهم "[ ].
وقال :" ما من أهل بيتٍ يحرمون الرفقَ إلا حُرِموا الخيرَ "[ ]. وفي رواية عند أبي دواد:" إلا حُرِموا الخيرَ كله ".
وقال :" لا تُنزَع الرحمةُ إلا من شَقيٍّ "[ ].
وقال :" ثلاثة كلهم ضامن على الله إن عاش رُزِق وكُفِي، وإن ماتَ أدخلَه الله الجنَّة ـ منهم ـ: مَن دخلَ بيتَه فسلَّمَ، فهو ضامِنٌ على الله .. "[ ].

تصوروا؛ مجرد أن يدخل الرجل بيته فيسلم على أهله ـ وفي ذلك من الرفق ما فيه ـ فقد تكفَّل الله بأن يكفيه مؤونة الرزق ما عاش، وإن مات أدخله الله الجنة .. كل هذا الخير والعطاء مقابل مجرد أن يسلم المرء على أهل بيته .. إن دخل عليهم!
حقاَ ثم حقاً من حُرِم الرفق .. فقد حُرِم خيراً كثيراً .. لا حرمنا الله وإياكم الرفق ولا بركات الرفق.
والرفق وإن كان المعني من المطالبة به بالدرجة الأولى هم الرجال لقرب طبيعتهم إلى العنف والخشونة والشدة أكثر من النساء، إلا أن النساء أيضاً لا يُستَثنين من مطالبتهن بالرفق .. فالرفق ـ وكذلك ضده العنف والشدة والفجور في الخصام ـ هو خُلُق؛ فكما أن الرجال يتخلقون به، كذلك فالنساء يمكن أن يتخلقن به .. وبالتالي فهنّ مطالبات بالرفق .. وبتعزيز خلق الرفق في البيت كما يُطالب بذلك الرجال سواء .. والعنف وما يُضاد الرفق بحقهن أقبح منه في الرجال.


ـ أثر المعصية على الحياة الزوجية:

كلنا بحاجة إلى الله تعالى .. وهو الغني عنا وعن خلقه .. وما عند الله تعالى لا يُطلب بمعصيته، وإنما بطاعته وامتثال أمره .. فكم من خير يتنزل، فتصده المعصية، وتمنع من اتمام نزوله .. وكم من خير ممنوع تتنزَّله الطاعة بإذن الله .. وكان من السلف يخاف من معاصيه على نفسه، أكثر مما يخاف أن يُؤتَى من قبل العدو .. ومنهم من كان يقول: إني لأجد أثر معصيتي في خلق دابتي وامرأتي!

فمن جوالِب السعادة في الحياة الزوجية طاعة الله تعالى .. ومن جوالب الشقاء، والنكد، والكآبة، والمشاكل في الحياة الزوجية معصية الله تعالى .. وقد خاب وخسر وندم من استبدل المعصية بالطاعة .. ولات حين مندم!
قال تعالى: وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً . وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ الطلاق:2-3. وقال تعالى: وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً الطلاق:4.

قال ابن القيم: كما أن من اتقى الله جعل له من أمره يسراً، فمن عطَّل التقوى جعلَ له من أمره عسراً ا- هـ.
وقال تعالى: وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ الشورى:30.
قال علي بن أبي طالب :" ما نزل بلاء إلا بذنب، ولا رُفِع إلا بتوبة ".
وقال رسول :" إن الرجلَ ليُحرَمُ الرزقَ بالذنب يُصيبه "[ ].
وفي الحلية عن ابن عباس، أنه قال:" يا صاحب الذنب لا تأمن سوء عاقبته، وما يتبع الذنب أعظم من الذنب إذا عملته: قلة حيائك ممن على اليمين وعلى الشمال ـ وأنت على الذنب ـ أعظم من الذنب، وضحكك وأنت لا تدري ما الله صانع بك أعظم من الذنب، وفرحك بالذنب إذا ظفرت به أعظم من الذنب، وحزنك على الذنب إذا فاتك أعظم من الذنب، وخوفك من الريح إذا حركت ستر بابك وأنت على الذنب ولا يضطرب فؤادك من نظر الله إليك أعظم من الذنب، ويحك هل تدري ما كان ذنب أيوب فابتلاه الله بالبلاء في جسده وذهاب ماله؟! استغاث به مسكين على ظالم يدرؤه عنه، فلم يعنه، ولم ينه الظالم عن ظلمه، فابتلاه الله ".

وعن محمد بن سيرين:" أنه لما ركبه الدَّين اغتُمّ لذلك، فقال: إنّي لأعرف هذا الغم بذنبٍ أصبته منذ أربعين سنة ".
فالعاصي قد لا تنزل به عقوبة معصيته في الحال .. بل قد تُؤخَّر ـ ما شاء الله لها أن تتأخر ـ حتى يظن العاصي أنه في مأمن من العقوبة، وأن ذنبه مرّ من غير عقوبة .. تنزَّلت العقوبة، وأصابته آثارها .. فإن كان من أهل الفطانة واليقظة عرف السبب .. وتذكّره .. وإن كان من أهل الغفلة والنسيان تساءل من أنَّى هذا ..  قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ آل عمران:165.


ـ مسألة القَوَامة:

الأسرة من أعظم مؤسسات المجتمع .. والتي بنجاحها تعمر المجتمعات بالرقي والتحضر والخير .. وبتخلفها وفشلها .. تتخلف المجتمعات عن ركب التحضر والتقدم والإزدهار .. وهي كأي مؤسسة لا بد لها من مدير وقيّم يدير ويرعى شؤونها .. لا يجوز أن تُترَك من دون ذلك .. كما لا يجوز أن يرأسها أكثر من رئيس أو مدير .. وإلا لتعارضت إرادات المدراء والرؤساء .. وتضاربت وتناقضت .. وتعرضت مؤسساتهم للفشل والدمار .. والأسرة من تلك المؤسسات بل من أعظمها إن لم تكن أعظمها .. والناس كما يقبلون من غير اعتراض ولا نقاش أن يكون لكل مؤسسة من مؤسسات حياتهم ومجتمعاتهم رئيساً ومديراً واحداً .. يجب عليهم كذلك أن يقبلوا من غير تعقيب ولا نقاش أن يكون لمؤسسة البيت والأسرة رئيساً ومديراً واحداً لا أكثر.

وقد قدَّر الله تعالى وشاءت مشيئته  بأن يكون القيم المدير في المؤسسة الاجتماعية الأهم والتي اسمها الأسرة هو " الرجل "، كما قال تعالى: الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ النساء:34. وقال تعالى: وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ البقرة:228. والمراد بالدرجة قد فسرتها الآية التي قبلها في سورة النساء.
وفي الحديث فقد صحّ عن النبي أنه قال:" كلُّ نفسٍ من بني آدم سيّدٌ، فالرجلُ سيدُ أهله، والمرأةُ سيدة بيتها "[ ].
وقال :" كلكم راعٍ وكلكم مسؤولٌ عن رعيته، والرجلُ راعٍ على أهل بيته، والمرأة راعية على بيت زوجها وولده " متفق عليه.
هذه مشيئة الله تعالى وحكمته قضت بأن تكون القوامة في الأسرة للرجل .. فمن أبى إلا المماحكة والجدال، والاصطياد في الماء العكر باسم حقوق المرأة .. نقول له: اخرس ... خسِئت .. لن تعدو قَدْرَك ...  أَأَنتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللّهُ البقرة:140.  وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ البقرة:216. قال تعالى:


ـ معنى القوامة:

 الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء ؛ أي قائمون على النساء بالرعاية، والنفقة، والحماية، والتوجيه الحسن، والتعليم، وتلبية حوائجهن الدينية والدنيوية .. وبما يحقق مصالحهن الدينية والدنيوية معاً .. وهو المراد من قوله في الحديث المتقدم:" والرجلُ راعٍ على أهل بيته ". فالقوامة من هذا الوجه مسؤولية وأمانة، وجهد وجهاد، ورعاية تكليف لا تشريف فيها ولا استعلاء، فالشّرف والكرامة لا يُقاسان بالذكورة أو الأنوثة، لمجرد الذكورة أو الأنوثة، وإنما بالأعمال، والتقوى، كما قال تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ الحجرات:13. فالأكرم هو الأتقى ـ بغض النظر عن جنسه ـ ومن كان الأكرم عند الله تعالى فهو الأكرم عند عبد الله.
لذا قد جاء الوعيد والترهيب بحق مَن يُفرّط من الرجال بمتطلبات هذه الأمانة والقوامة والرعاية فقال :" كفى بالمرء إثماً أن يُضيع مَن يقوت "[ ]. أي من يُعيل ويرعى من النساء والولدان، والضياع هنا يشمل المعنيين: تضييعهم في دينهم، وتضييعهم في أمور دنياهم ومعيشتهم .. والضياع الأول أخطر وأشد من الثاني.

وقال :" من قُتِل دون أهلِه فهو شهيد "[ ]. فمما تعنيه القوامة وتشمله القتال دونهن في سبيل الله.
قال القرطبي في التفسير: قوله تعالى: الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء  ابتداء وخبر؛ أي يقومون بالنفقة عليهن والذب عنهن؛ وأيضاً فإن فيهم الحكام والأمراء ومن يغزو، وليس ذلك في النساء ا- هـ.
وقال عبد الرحمن السعدي في التفسير:  الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء أي؛ قوامون عليهن بإلزامهن بحقوق الله تعالى، من المحافظة على فرائضه، وكفهن عن المفاسد، والرجال عليهم أن يلزموهن بذلك، وقوامون عليهن أيضا بالإنفاق عليهن، والكسوة ، والمسكن ا- هـ.
وقال الشوكاني في التفسير: فقال: الرِّجَالُ قَوَّامُونَ  إلخ، والمراد أنهم يقومون بالذب عنهن كما تقوم الحكام والأمراء بالذب عن الرعايا، وهم أيضاً يقومون ما يحتجن إليه من النفقة والكسوة والمسكن وجاء بصيغة المبالغة في قوله  قَوَّامُونَ  ليدل على أصالتهم في هذا الأمر ا- هـ.


ـ سبب القوامَة:

يظهر من خلال الآية الكريمة الآنفة الذكر أعلاه أن القوامة في البيت كُتبت للرجل، وذلك لسببين: أولهما:
 بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ ؛ والتفضيل مرده إلى أمرين: تفضيل الرجال على النساء من جهة بعض الأعمال؛ فيقوم الرجال بها من دون النساء: من ذلك الجهاد، والإمارة العامة، والقضاء، والضرب في الأرض .. فالرجال منهم الأنبياء والرسل، والحكام، والقضاة .. وليس للنساء من ذلك شيء.

ومن جهة النفس: فنفس الرجل ـ بشكل عام ـ أقوى من نفس المرأة من جهة الجسد، والعقل، والدين، والعاطفة .. تمكنه من مهام القوامة أكثر من المرأة .. فالمرأة محاطة بمجموعة من التقلبات الجسدية والسلوكيات الاضطرارية والعاطفية ـ لا يحصل منها شيء للرجل ـ تؤثر على مهامها القيادية .. من ذلك: الحمل، والولادة، والإحاضة، والنفاس، والإرضاع، وترك الصلاة والصيام في حالتي الحيض والنفاس .. وترك الصيام كلياً في حالتي الحمل والرضاعة .. وترك الجمَع والجماعات فلا يجب عليها في ذلك ما يجب على الرجل .. كما قال تعالى: وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنثَى آل عمران:36. فكل منهما له خصائصه وصفاته الخاصة به والتي تميزه عن الآخر .. هذا أمر واقع وحق مشاهد لا مجال للمرية والمماحكة فيه!

لكن هذه التقلبات والسلوكيات التي تحصل للمرأة من دون الرجل .. وإن كان لها أثرها على المهام القيادية العامة، والتي منها القوامة على الأسرة .. إلا أنها سبب رئيسي لاستمرار وعمران الحياة .. لذلك فهذه الصفات الأنثوية ليست صفات نقص على الإطلاق .. فهي وإن كانت من وجه صفات نقص أو ضعف إلا أنها من جهات عدة تعتبر صفات كمال لا قوام ولا عمران ولا استمرار للدنيا والحياة إلا بها .. بها استحقت المرأة أن يكون حقها على ولدها الرجل ـ سواء كان حاكماً أو أميراً أو قاضياً ـ أعظم وأغلظ حق بعد حق الخالق  وحق نبيه محمد  .. وهو مجبر ـ شاء أم أبى ـ أن يلتمس الجنة عند رجلها!
قال القرطبي في التفسير: قيل: للرجال زيادة قوة في النفس والطبع ما ليس للنساء؛ لأن طبع الرجال غلب عليه الحرارة واليبوسة، فيكون فيه قوة وشدة، وطبع النساء غلب عليه الرطوبة والبرودة، فيكون فيه معنى اللين والضعف؛ فجعل لهم حق القيام عليهن بذلك ا- هـ.

وقال عبد الرحمن السعدي في التفسير: فتفضيل الرجال على النساء، من وجوه متعددة؛ من كون الولايات مختصة بالرجال، والنبوة، والرسالة، واختصاصهم بكثير من العبادات؛ كالجهاد، والأعياد، والجمَع. وبما خصهم الله به، من العقل، والرزانة، والصبر، والجلَد، الذي ليس للنساء مثله ا- هـ.
ثانيهما:  وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ ؛ فالنفقة الواجبة على الرجل نحو أهله ـ إضافة لما تقدم ـ سبب ثانٍ في القوامة.
فإذا توقف أو امتنع الرجل عن النفقة سقطت نصف قوامته على أهله .. وأصبح ناقص القوامة، بل من أهل العلم من أسقط كامل القوامة عن الرجل بسقوط نفقته عن امرأته.

قال القرطبي في التفسير: فهم العلماء من قوله تعالى:  وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ  أنه متى عجز عن نفقتها لم يكن قواماً عليها، وإذا لم يكن قواماً عليها كان لها فسخ العقد؛ لزوال المقصود الذي شرع لأجله النكاح. وفيه دلالة واضحة من هذا الوجه على ثبوت فسخ النكاح عند الإعسار بالنفقة والكسوة؛ وهو مذهب مالك والشَّافعي ا- هـ.
وقال الشوكاني في التفسير: قوله  وَبِمَا أَنفَقُواْ  أي: وبسبب ما أنفقوا من أموالهم .. والمراد ما أنفقوه في الإنفاق على النساء، وبما دفعوه في مهورهن من أموالهم، وكذلك ما ينفقونه في الجهاد وما يلزمهم في العَقل. وقد استدل جماعة من العلماء بهذه الآية على جواز فسخ النكاح إذا عجز الزوج عن نفقة زوجته وكسوتها، وبه قال مالك والشافعي وغيرهما ا- هـ.
قلت: من رجالات هذا الزمان ـ وما أكثرهم ـ من يشترط ـ قبل الزواج ـ في زوجته أن تكون موظفة وعاملة تدر عليه وعلى بيته مالاً وراتباً شهرياً .. ومنهم من يُطالِب زوجته ـ بعد الزواج إن لم تكن من ذوات الوظيفة ـ بالعمل عند الناس، والضرب في الأرض ـ وفي ذلك من المحاذير ما فيه ـ لتنفق على نفسها، وعليه، وعلى بيته وأبنائه .. ثم هو مع ذلك في المقابل تراه يُطالب بكامل القوامة عليها، والويل لها لو قصرت في شيء مما تستلزمه القوامة .. فهو سرعان ما يذكرها بأنه القيم في البيت .. وما عليها إلا الطاعة والامتثال .. وهذا ـ في ميزان الحق والعدل ـ لا يصح، ولا يجوز .. وما أكثر المشاكل الزوجية الناجمة عن هذا الفهم والسلوك الخاطئين لمعنى ومفهوم القوامة ولوازمها!

فمن أراد لزوجته أن تعمل موظفة عند الناس لكي تنفق على نفسها وعليه، وعلى أبنائه .. فعليه أن يتقبل ـ بنفس طيبة راضية ـ فكرة التنازل عن نصف القوامة على أهله .. إن لم تكم كلها ـ كما تقدم عن بعض أهل العلم ـ كما عليه أن يخفض من ثقف مطالبه بحقوقه كزوج .. إذ ليس من العدل والإمكان أن يُطالبها بالعمل، والضرب في الأرض، ومن ثم يُلزمها بالنفقة على نفسها والبيت .. ثم بعد ذلك يُطالبها بكامل الحقوق الزوجية غير منقوصة .. وبكامل الرعاية لأبنائه .. فهذا لا يمكن تحقيقه .. وهو ظلم وأنانية من الزوج .. والملام ـ على حصول التقصير والمشاكل الناجمة من جراء ذلك ـ حينئذٍ هو لا غيره!


ـ خوارم القوامة:

مما يُنقِص ويُضعِف من قوامة الرجل على أهله، أمران:
أحدهما: عدم مراعاة الكفاءة بين الزوجين؛ بحيث تكون المرأة من ذوات تحصيل العلم العالي .. ومن ذوات العلم والفقه والأدب .. ومن بيت يُعرَف بالعلم والشَّرف والاستقامة .. بينما زوجها جاهل .. فاسق .. صعلوك .. لا يُحسِن القراءة والكتابة جيداً .. لا اجتهاد ولا جهاد .. من ذوي الاهتمامات والسلوكيات الوضيعة .. لا يعرف ولا يُحسن أن يُنزل الناس منازلهم .. فمثل هذا الاختيار غير الموفّق سيُربك الزوج كثيراً عندما يُطالَب بأن يتعامل مع زوجته بطريقة لائقة صحيحة .. وأن يُمارس عليها مهام القوامة الشرعية الكاملة .. ولو حاول سيقع في كثير من الأخطاء والمشاكل وهو يدري أو لا يدري .. التي لا سبيل للفكاك منها إلا بالطلاق أو بمزيد من المشاكل لتتراكم بعضها فوق بعض؛ لأنه فاقد لمقومات القوامة على هكذا زوجة .. وفاقد الشيء لا يُعطيه .. بل ربما يُعطي عكسه .. فيتحقق عكس المراد من القوامة[ ].

من هنا حضَّت السنة على مراعاة الكفاءة في الزواج، فقال :" تخيَّروا لنطفكم، وأنكحوا الأكفاءَ، وأنكحوا إليهم "[ ].
وقد تقدم معنا الحديث، عن عبد الله بن بريدة، عن أبيه، قال: جاءت فتاة إلى رسول الله  فقالت: إن أبي زوجني ابن أخيه ليرفع بي خَسِيسَتَه، قال: فجعل الأمرَ إليها، فقالت: قد أجزتُ ما صنع أبي، ولكن أردت أن أُعلم النساء أن ليس إلى الآباء من الأمر شيء[ ].
وقولها " ليرفع بي خَسِيسَتَه "؛ أي زوجني منه ليرفع بي دناءته وخِسته، ووضاعته فيجعله بي عزيزاً ذا مكانة .. وهو ليس كفأً لي، فخيرها النبي  " فجعل الأمر إليها " إن شاءت أمضت عقد أبيها .. وإن شاءت فسخت العقد .. وذلك مراعاة منه  لأهمية الكفاءة .. وأن قوامة الرجل على أهله لا يمكن أن تتحقق على وجه الأكمل إلا بعد تحقق الكفاءة.

ـ تنبيه: لا مشكلة في ممارسة قوامة الرجل على أهله إن كان فارق الكفاءة لصالحه .. أو كانت الكفاءة متماثلة بين الطرفين .. فحينئذٍ يُمارس الرجل القوامة بكل جدارة ومسؤولية .. ومن دون مشاكل تُذكَر .. وكلما كانت الكفاءة تميل لصالح الرجل كلما كان ذلك أحسن .. بينما لو كان الفارق في الكفاءة لصالح الزوجة .. وكان الفارق كبيراً فحينئذٍ يصعب أن يوضع العالِم في موضع التلميذ المتلقي، والجاهل في موضع العالم والأستاذ الملقِّن .. وبالتالي ينبغي أن نتوقع حصول بعض المشاكل والصعوبات عند ممارسة القوامة من هكذا رجل على هكذا امرأة، كما تقدمت الإشارة إلى ذلك أعلاه.

فإن قيل: هذه ظاهرة موجودة وتتكرر .. وبالتالي ألا يمكن علاجها من دون حصول المشاكل، أو اللجوء إلى الطلاق والتفريق ..؟!
أقول: إن حصل الخطأ في التقدير فتزوجت المرأة بمن هو أقل منها كفاءة .. وكان الفارق بينها وبين زوجها في الكفاءة كبيراً .. حينئذٍ يمكن لهما أن يتعايشا من دون مشاكل، ومن دون أن يلتجئا إلى الطلاق، في حالة واحدة، وهي: عندما يتفهم الزوج هذا الفارق في الكفاءة بينه وبين زوجته؛ فينزل زوجته منزلتها التي تليق بها .. وينصف الحق لو جاء من جهتها .. ويجتهد في أن يستفيد من علمها وفقهها ونصائحها من دون أن يجد في نفسه أدنى غضاضة أو حرج .. فالحق ضالة المؤمن أينما وجده، ومن أي طريق جاءه أخذه ولاذ به .. ومن جهة ثانية تعمل المرأة بتواضع وحب وإخلاص وصبر ـ من غير منة ولا شكاية ولا أذى ـ على رفع مستوى كفاءة زوجها العلمية والدينية والإيمانية .. وعلى نصحه فيما يتعين فيه النصح .. فإن قبل كل منهما بأن يقوما بهذا الدور .. يعيشا ـ بإذن الله تعالى ـ بوئام وحب واحترام متبادل ما قدر الله لهما أن يعيشا .. ومع الزمن والتدريب قد ترتفع كفاءة الرجل لتوازي كفاءة زوجته .. وربما تزيد .. ويحصل بذلك المراد والمطلوب .. فإن لم يفعلا ذلك .. وبقي الرجل يعيش في عالم كبريائه وكبره وجهله وتخبطاته .. فيحتقر زوجته .. ويرد الحق لو جاء منها لكونها امرأة أو زوجته .. وبقيت المرأة تُعاني من انعدام التفاهم .. للفارق في الكفاءة فيما بينها وبين زوجها .. فحينئذٍ ينبغي أن نتوقع حصول المكروه، الذي أشرنا إليه من قبل.
ثانياً: كذلك من خوارم القوامة ونقصانها عندما تُلزم المرأة بالعمل ومن ثم بالنفقة على نفسها وبيتها وأبنائها .. فحينئذٍ تنقص القوامة وتضعف كثيراً .. وربما تزول كلياً .. كما تقدمت الإشارة إلى ذلك.
فمن يحرص من الرجال على القوامة كاملة .. ويُطالب بها كاملة غير منقوصة .. عليه أن يتنبه لهذين الأمرين المشار إليهما أعلاه .. وأن يرتفع بنفسه إلى مستوى ومسؤوليات القوامة الشرعية، والمطلوبة.
ـ تنبيه آخر: المرأة إن كانت من ذوي المال والسَّعة .. لها أن تنفق ـ لو شاءت ـ على بيتها وزوجها وأبنائه كمعروف وصدقة منها .. فلها أجر في ذلك، وتُكتب لها صدقة بإذن الله .. فهي إن شاءت فعلت وإن شاءت أمسكت .. وهذا لا يضر الزوج في شيء، كما لا يُنقِص من قوامته على أهله في شيء .. لكن الأهم في المسألة أن لا تُلزَم المرأة بالنفقة على وجه الإجبار أو الوجوب .. أو الإكراه .. مهما كانت غنية وكان زوجها فقيراً، قال تعالى: وَآتُواْ النَّسَاء صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَيْءٍ مِّنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَّرِيئاً النساء:4. فشرطه أن يخرج المال منهن عن طيب نفس، من غير إكراه ولا إحراج .. أما أن يُؤخَذ منهن شيء على وجه الإكراه، أو الإحراج، أو الحياء .. فهو حرام لا يجوز.
قال ابن عباس: فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَيْءٍ مِّنْهُ نَفْساً ؛ يقول: إذا كان من غير ضرار ولا خديعة فهو هنيء مريء.
وقال الشوكاني في التفسير: وفي قوله  طِبْنَ ؛ دليل على أن المعتبر في تحليل ذلك منهن لهم إنما هو طيبة النفس لا مجرد ما يصدر منها من الألفاظ التي لا يتحقق معها طيبة النفس، فإذا ظهر منها ما يدل على عدم طيبة نفسها لم يحل للزوج ولا للولي وإن كانت قد تلفظت بالهبة أو النذر أو نحوهما ا- هـ.
فإن طابت أنفسهن بالعطاء فلا حرج من قبول ما تطيب به أنفسهن، قال تعالى: وَأُوْلُواْ الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ الأنفال:75. في أي معروف يُبذَل، ينبغي أن يُلتمَسُ الأقرب فالأقرب من الرحم، فالأقربون أولى بالمعروف.
وفي الحديث، عن زينب، امرأة عبد الله بن مسعود قالت: كنت في المسجد، فرأيت النبي  فقال:" تصَدَّقنَ ولو من حُلِيِّكن". وكانت زينت تُنفق على عبد الله وأيتامٍ في حَجرها، قال: فقالت لعبد الله: سل رسولَ الله : أيجزي عني أن أنفق عليك وعلى أيتامٍ في حجري من الصدقة؟ فقال: سلي أنتِ رسولَ الله ، فانطلَقَتُ إلى النبي ، فوَجَدتُ امرأةً من الأنصار على الباب، حاجَتها مثل حاجتي، فمرَّ علينا بلال، فقلنا: سلِ النبي : أيجزي عني أن أنفق على زوجي وأيتام لي في حجري، وقلنا: لا تخبر بنا، فدخل فسأله، فقال:" من هما ". قال: زينب. قال:" أيُّ الزيانب؟". قال: امرأة عبد الله. قال:" نعم لها أجران؛ أجر القرابة وأجر الصدقة "[ ]متفق عليه.
وفي رواية:" فلما صار النبي  إلى منزله، جاءت زينب، امرأة ابن مسعود، تستأذن عليه، فقيل: يا رسول الله، هذه زينب، فقال:" أيُّ الزيانب". فقيل: امرأة ابن مسعود، قال:" نعم، ائذنوا لها ". فأُذِن لها، قالت: يا نبيَّ الله، إنك أمرت اليوم بالصدقة، وكان عندي حليٌُّ لي، فأردت أن أتصدق به، فزعم ابن مسعود: أنه وولدَهُ أحقُّ من تصدقتُ به عليهم، فقال النبيُّ :" صدق ابن مسعود؛ زوجك وولدك أحق من تصدقت به عليهم " متفق عليه.
وعن أم سلمة، قالت: قلتُ: يا رسولَ الله، ألي أجرٌ أن أُنفقَ على بني أبي سَلَمَة؛ إنما هم بَنِيَّ؟! فقال :" أنفقي عليهم، فلك أجرُ ما أنفقتِ عليهم " متفق عليه.


ـ استغلال خاطئ للقوامة:

قد تقدم معنا أن من معاني ودلالات القوامة الرعاية والحماية، والنفقة والسهر على خدمة الأهل، ونصيحتهم، وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر .. إلا أن من الرجال ـ وهم كثر في بلادنا ـ من يفهم القوامة عبارة عن تسلط، واستعلاء، وإذلال للتي هي أمامه .. وله أن يأمرها بالمنكر وينهاها عن المعروف، ويحملها على معصية الله تعالى لو شاء .. وليس لها ـ وفق قانون القوامة كما يفهمه ـ إلا أن تطيعه في كل ما يأمرها به .. وتنفذ له رغباته وأهواءه ما وافق الحق منها وما خالف ...!

ولهؤلاء نقول: ليس لكم هذا الحق .. وليس من معاني ودلالات القوامة أن تطيعكم نساؤكم في معصية الله .. وفي المنكر .. والواجب عليهن في هذه الحالة أن يُقدمن طاعة الله تعالى على طاعتكم .. فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق أيَّاً كان هذا المخلوق.
قال :" لا طاعة في معصية الله؛ إنما الطاعة في المعروف " متفق عليه. وقال :" لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق "[ ].

ليس هذا فقط؛ إذ لا يكفي من النساء أن لا يُطِعْنَ أزواجهنّ في معصية الله تعالى .. بل يجب عليهنَّ أيضاً أن يأمرنَ أزواجهن بالمعروف، وينهونهم عن المنكر إذا ما رأوا منهم خطأ أو انحرافاً عن الحق، كما قال تعالى: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ التوبة:71. فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كما هو واجب على المؤمنين فهو كذلك واجب على المؤمنات .. وعلى المؤمنات أن لا يتهيبن أو يخفن من عواقب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .. فإن السكوت عن منكر ومعصية الزوج، وإقراره عليها .. لهو أضر عليها وعلى الحياة الزوجية من أمرها له بالمعروف ونهيها له عن معصية الله بكثير .. بل ما كانت طاعة الله ورسوله  إلا خيراً .. وما جلبت على صاحبها إلا خيراً .. ولكن الذي ننصح به: التزام الرفق في الأمر والنهي، والتذكير .. واجتناب العنف والشدة ما أمكن لذلك سبيلاً.

والزوج الصالح هو الذي يُسَر أيما سرور عندما يلمس من زوجته غيرة على دين الله تعالى وعلى حرماته .. وأنها تذكّره إذا ما سها، وتأمره بالمعروف، وتنهاه عن المنكر .. كلما رأت منه غفلةً أو خطأ أو تفريطاً .. فهذا زوج موفّق .. فليحمد الله على هكذا زوجة صالحة .. لا ينبغي ولا يجوز له أن يُسَاء لكون الذي يُذكّره وينصحه، ويقول له: اتق الله .. هي زوجته .. ويظن أن ذلك من خوارم القوامة كما يخيل الشيطان ذلك لكثير من الرجال .. بل يجب عليه أن يُشجعها ويُعزّز عندها صفة الغضب لله تعالى ولحرماته، وصفة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

تأملوا معي هذا الحديث: استأذنَ رهطٌ من اليهود على النبيِّ  فقالوا: السَّامُ عليك ـ والسّام الموت! ـ فقالت الذكية النّقية الفقيهة العالمة أمُّنا؛ أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: ففهمتها! فقلت: بل عليكم السَّام واللعنة! فقال النبي :" مهلاً يا عائشة! إن الله يحب الرفقَ في الأمر كلّه "، فقالت: يا رسولَ الله، أولم تسمع ما قالوا؟! قال رسولُ الله :" فقد قلت: وعليكم " متفق عليه.

تأملوا .. فالنبي  لم ينه عائشة رضي الله عنها عن غضبها لحرمات الله تعالى وحرمات رسوله  .. وإنكارها وردها على منكر وكفر أولئك الرهط من اليهود .. وإنما طالبها بأن تلتزم الرفق في ردها وإنكارها عليهم .. وكان الرفق يتمثل في قول النبي :" وعليكم " فقط؛ أي وعليكم يرتد السّام .. فدعاء النبي  فيهم مستجاب .. ودعاؤهم في النبي  لا يُستجاب؛ وهو كفر، يرتد عليهم بالخزي والخسران.

يؤسفني أن أقول: أن كثيراً من النساء إذا ما انتُهكت حرمات الله تعالى أمامهنّ من قِبَل أزواجهن .. لا يغضبن لحرمات الله، ولا يحركن ساكناً .. ولا يُنكِرن .. وكثير من هؤلاء الكثير يُطاوعن أزواجهنّ على المعصية وفعل المنكر .. بينما لو اقترب الزوج من حقوق زوجته الشخصية .. أو علمت عنه أنه يفكر جاداً بالتعدد والزواج من ثانية .. أقامت عليه دنياه وما أقعدتها .. واعترضت ونخرت .. وصعَّدت خلافها مع زوجها إلى درجة لا ينفع معها أن يُرسَل حكماً من أهله، وحكماً من أهلها .. ومن يغضب لنفسه وحقوقه .. من دون الله تعالى وحرماته .. أنَّى أن يُبارك الله له في زواجه .. وبيته .. وحياته؟!


ـ القوامة والشورى:

كذلك ينبغي إحياء العمل بمبدأ الشورى بين الزوجين فيما يخص البيت، والأبناء، وكل ما يتعلق بحياتهما الزوجية، فهذا مما يقوي الرابطة الزوجية بين الزوجين، ويحبب النفوس إلى بعضها البعض، ويجعل الطرفين شركاء في السراء والضراء، وفي تحمل تبعات الأشياء.
قال تعالى: وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ الشورى:38. وهذا عام يشمل جميع العلاقات والمجالات، والتعاملات، بما في ذلك الحياة الزوجية، والعلاقة بين الزوجين، ينبغي أن تقوم على الشورى والتشاور فيما يستحسن التشاور فيه.

فالمرأة كما قال النبي :" سيدة بيتها "؛ ومن لوازم السيادة أن تُستشار فيما هي سيدة فيه، وفيما كل ما هي أهل لأن تُستشار فيه .. وهذا لا يتعارض مع مبدأ قوامة الرجل .. كما يفهم البعض ويظن!

لكن هذا أيضاً لا يعني أن تتدخل المرأة في الشاردة والواردة من حياة زوجها، وفيما يعنيها وما لا يعنيها .. وتعمل رقيبة عليه وعلى أنفاسه وكلماته وحركاته داخل البيت وخارجه .. فلا ذهاب ولا إياب له .. ولا حركة .. إلا بعد إذنها وعلمها ورقابتها .. كما يفعل ذلك بعض النسوة .. فهذا مما يُفسد على الزوجين حياتهما .. ويدخل بينهما الشك والريبة .. وانعدام الثقة .. وفي ذلك من المفاسد ما لا يخفى على أحد، وفي الحديث:" إنّ من حُسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه "[ ].

المسألة ـ وللأسف ـ بين إفراط وتفريط؛ فريق يتجاهل زوجته كلياً فلا يستشيرها في شيء بزعم القوامة، وحقوق القوامة .. وفريق مقابل محكوم على مدار الوقت بقرارات وأوامر وتوجيهات زوجته .. لا فكاك له من سلطانها .. وكلاهما باطل .. والعدل وسط بينهما.


ـ القوامة والقدوة:

من لوازم ومقتضيات قوامة الرجل على أهله أن يكون لهم قدوة حسنة .. فلا يرون منه، ولا يُريهم من نفسه إلا خيراً .. فالمرأة ـ في الغالِب ـ هي على دين زوجها .. تتأثر بسلوكياته وأخلاقه، سواء كانت حسنة أم سيئة.

لا يمكن للرجل أن يأمر أهله بمعروف وهو لا يأتيه، أو ينهاهم عن منكر وهو يأتيه .. فالمرأة التي ترى زوجها يُخالط النساء، ويُمازحهن، ويُشاركهن الضحكات .. لا يُمكن أن ينهى زوجته عن مخالطة الرجال، وممازحتهم، ومشاركتهم الضحكات .. والمرأة التي ترى زوجها يُتابع الأفلام والمسلسلات الساقطة الهابطة .. لا يمكن أن ينهاها عن فعل ذلك .. ولو فعل .. سرعان ما تستدل على فعلها بفعله .. فإن لم تفعل، فأثر أمره ونهيه عليها حينئذٍ سيكون ضعيفاً جداً؛ لفقدانها الثقة به، ولأنه لا يمتثل في نفسه بما يأمر به، ولا ينتهي عما ينهى عنه، والله تعالى يقول: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ . كَبُرَ مَقْتاً عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ الصف :2-3.

وفي الحديث، فقد صح عن النبي  أنه قال:" يُجاء بالرجل يوم القيامة فيُلقى في النار، فتندلقُ أقتابه في النار، فيدور كما يدور الحمار برحاه، فيجتمع أهل النار عليه، فيقولون: أي فلاناً ما شأنك؟ أليس كنت تأمرنا بالمعروف، وتنهانا عن المنكر؟! قال: كنت آمركم بالمعروف ولا آتيه، وأنهاكم عن المنكر وآتيه " البخاري.
ثم من كان في مرحلة من مراحل الزواج قدوة سيئة لزوجته .. يحملها على معصية الله تعالى .. ثم هداه الله تعالى فيما بعد؛ فعاد إلى رشده وصوابه .. فإنه حينئذٍ سيجد صعوبة كبيرة في إصلاح ما أفسد بحق زوجته، كما سيجد صعوبة في إعادتها إلى الرشد والحق .. وبخاصة إن طالت فترة القدوة السيئة من حياتهما الزوجية[ ].


ـ الاحترام المتبادل:

أهاتف الرجل فأقول له: لا تجرئ زوجتك عليك .. لا تحملنّها ـ رغماً عن أنفها ـ على عدم احترامك .. لا يغرنَّك منها أدبها ودينها وأخلاقها .. ولا تُراهن على ذلك منها .. فيحملك ذلك على التطاول عليها بالسب، والقذف، واللعن، والتحقير .. لأتفه سبب وأحياناً من دون سبب .. طمعاً منك بأن دينها .. وأخلاقها .. وعلمها بحقوق الزوج عليها يمنعها من الرد .. والانتصاف لنفسها!
اعلم أن صنيعك هذا لا يليق بالرجال المحترمين .. وهو يتنافى مع بدهيات توجيهات وأخلاق ديننا الحنيف .. فالمسلم لا يكون بذَّاءً ولا لعَّاناً ولا طعَّاناً .. وفي الحديث عن أنس بن مالك:" لم يكن رسولُ الله  فاحشاً، ولا لعَّاناً، ولا سبَّاباً، كان يقول عند المعاتبة:" ما له تَربَ جبينُه " البخاري.

وقال :" لا ينبغي لصدِّيقٍ أن يكون لعَّاناً " مسلم.
وقال :" لا يكون المؤمنُ لعَّاناً "[ ].
ثم اعلم أن المرأة لصبرها حدود .. وأن من حرائر النساء من إذا جُرِحن لا يلتئم جرحهنَّ بسهولة .. ثم هي بعد ذلك لو نفد صبرها فردت عليك بعض بضاعتك وكلماتك وعباراتك .. وبعض سوء أخلاقك .. وأخذت تتصرف على طريقتك اقتداء بك .. فلا تلومنَّ حينئذٍ إلا نفسك .. فكما تدين تُدان .. والبادئ أظلم.

ونحن هنا لا نحض المرأة على أن تُقابل سيئة زوجها بسيئة .. لا؛ معاذ الله .. وإنما نطالبها بالصفح والصبر، والدفع بالتي هي أحسن .. إلى أقصى حد تقدر عليه .. وأجرها على الله .. وبخاصة إن كان خطأ زوجها بحقها قليلاً أو نادر الوقوع .. ولكن الذي أردنا الإشارة إليه أن لا يُراهن الرجل على ما له من حق، وعلى صبر وأدب وأخلاق زوجته .. فيحمله ذلك على الظلم، وعلى أن ينفلت من حدود وقيود الأدب والأخلاق، والاحترام المتبادل الذي ينبغي أن يكون بين الأزواج المحترمين .. فليس كل النساء في الصبر على أذى وبذاءة وفجور الرجل سواء .. فإن لم يتنبه الرجل لذلك .. ثم حصل ما يكدِّر عليه حياته الزوجية .. فلا يلومَنَّ حينئذٍ إلا نفسه.
وهذا الذي قلناه للرجل نقوله للمرأة كذلك؛ فلا يحملنّك حلم وصبر وخلق زوجكِ على أن تتطاولي عليه بسوء القول .. أو ترفعي صوتَكِ عليه .. فتجرّئيه عليكِ .. وعلى عدم احترامك .. وحينئذٍ تكونين أنت السبب، وأنت الملامة، وأنتِ البادئة، والبادئ أظلم .. فأنتِ معنية بالدرجة الأولى باحترام زوجِك، واحترام خصوصياته، وعدم التطاول عليه بما يُسيئه!

قال رسولُ الله :" خير نسائكم الودود الولود، المواتية[ ] المواسية، إذا اتقينَ الله، وشرُّ نسائكم المتبرِّجات المتخيلات، وهنَّ المنافقات، لا يدخلُ الجنة مِنهنّ إلا مثلُ الغراب الأعصَم "[ ].
الاحترام يجب أن يكون متبادلاً بين الطرفين .. فكل طرف يُعامِل الطرف المقابل بما يحب أن يُعامله به الطرف المقابل .. فإن لم يحصل ذلك .. وانتفى الاحترام المتبادل .. وانفلت لسان كل طرف على الطرف المقابل .. تُرِكَت فرجة واسعة للشيطان يتسلل من خلالها إلى حياة الأزواج .. ليفسدها عليهم، ويزرع فيما بينهم الفتن والمشاكل، والقلاقل!
وفي الحديث، فقد صح عن النبي  أنه قال:" المستبَّان شيطانان، يتهاتران، ويتكاذبان "[ ]. قال النبي :" المستبَّان "؛ فردّ المسؤولية عليهما معاً وليس على أحدهما دون الآخر .. لاشتراكهما بوزر السباب!


ـ مسألة ضرب النساء:

هذه مسألة قد كثر عليها الكلام والاختلاف، وخاض فيها الخائضون؛ فريق منهم جنح إلى الإفراط؛ فتوسّعوا؛ فوضعوا الضرب في غير موضعه، والتجؤوا إليه فيما لا يجوز اللجوء إليه .. وأدخلوا فيه من أنواع الضرب مالا يجوز إدخاله .. وفريق مقابل جنح إلى التفريط؛ فأنكروا وجحدوا شرعية الضرب مطلقاً .. وفريق ثالث هُدي للوسط بينهما، وهو الحق الذي نعتقده، ودلت عليه نصوص الشريعة، وصورته وبيانه كالتالي:
دلت نصوص الشريعة أن الأصل في تعامل الرجال مع نسائهم عدم اللجوء إلى الضرب .. وعدم جواز الضرب .. إلا في حالة استثنائية خاصة، يجوز فيها الضرب؛ كرخصة وليس كواجب .. يُلجَأ إليها وفق قيود وشروط لا بد من التقيد بها؛ تنتفي الرخصة بانتفائها .. وتوجد بوجودها.

أما أن الأصل لا يجوز ضرب الرجال لنسائهم، فهو لقوله تعالى: وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ النساء:19. ومن المعاشرة بالمعروف عدم اللجوء إلى الضرب.
وقال تعالى: وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ الروم:21. والضرب يتنافى مع المودة والرحمة التي ينبغي أن تكون بين الأزواج.
وفي الحديث فقد صح عن النبي  أنه قال:" لا تضربوا إماءَ الله "[ ]. هذا هو الأصل، الذي يجب العمل به.
وقال :" يعمدُ أحدُكم فيجلدُ امرأتَه جلْدَ العبدِ، فلعلَّه يُضاجِعُها في آخرِ يومه!" متفق عليه. أي جلداً مبرحاً كما يجلد السيد عبده .. وهذا لا يجوز ولا يليق .. ولا ينبغي أن يكون بين الأزواج، والنبي  ذكر ذلك على وجه الكراهة والاستقباح!
وعن معاوية القشيري، قال: أتيت رسولَ الله ، فقلت: ما تقول في نسائنا؟ قال :" أطعموهن مما تأكلون، واكسوهنّ مما تكسون، ولا تضربوهنّ، ولا تقبحوهنّ "[ ]. وقوله :" ولا تقبحوهنّ "؛ أي ولا تقولوا لهنّ قبحكنّ الله .. وهو كذلك نهي عن كل إطلاقٍ يُفيد معنى التقبيح والاحتقار، واللعن .. واللعن أشد!

وقد أطافَ بآل رسولِ الله  نساءٌ كثير يشكون ضرب أزواجَهنَّ لهنّ، فقال النبيُّ :" لقد طافَ بآلِ محمد نساءٌ كثير يشكونَ أزواجَهنَّ، ليس أولئكَ بخيارِكم "[ ]. أي الذين يضربون نساءهم ليسوا من خيار الصحابة والمسلمين .. وهذا وصف منفر مخيف يستدعي الابتعاد عن مقتضاه وأسبابه.
وكذلك الأحاديث الكثيرة ـ وقد تقدم ذكر بعضها ـ التي تدعو وتُلزم بخيار الرفق .. واجتناب العنف والشدة ما أمكن .. والعمل بمقتضى هذه الأحاديث يُلزم الرجال باجتناب الضرب، واللجوء إلى العنف والشدة.
ثم أنه لا يُعرَف عن النبي  قط .. ولا عن كبار الصحابة كالعشرة المبشرين بالجنة وغيرهم .. أنهم ضربوا امرأة قط .. لا من نسائهم ولا من غير نسائهم .. بل كانوا خير أزواج لخير زوجات .. كما في الحديث، فقد صح عن النبي  أنه قال:" خيركم؛ خيركم للنساء "[ ].
وقال :" خيرُكم خيرُكم لأهله، وأنا خيركم لأهلي "[ ].

وقالت عائشة رضي الله عنها:" ما ضربَ رسولُ الله  شيئاً قط بيده، ولا امرأة، ولا خادماً، إلا أن يجاهد في سبيل الله " مسلم.
وفي رواية عند أبي دواد وغيره:" ما ضرَبَ رسولُ الله ، خادماً ، ولا امرأةً قط ". هذا هو الأصل الذي لا يجوز ولا ينبغي العدول عنه.
إلا في حالة واحدة .. وهي حالة النشوز والإعراض عن الطاعة الواجبة، والترفع عن أداء الحقوق الزوجية، واستخفاف المرأة بزوجها وبحقه عليها .. ونفورها منه .. وهذا مؤداه إلى تعطيل الغرض والرسالة من الحياة الزوجية .. وتهديدها بالفشل .. ففي هذه الحالة، يُعالَج هذا الخلل الطارئ وفق الخطوات التالية:
كما قال تعالى: وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ  النساء:34. فالخطوة الأولى في علاج هذا الخلل والعوج الموعظة، وتذكير المرأة بحق زوجها عليها .. وتخويفها من وعيد الله الحق فيمن تعصي وتؤذي زوجها .. والموعظة هنا ينبغي أن تأخذ حقها من حيث الزمن والكم والنوع .. فإن أقلعت المرأة عن نشوزها .. وعادت إلى رشدها .. وفراش زوجها .. فقد تحقق المراد ولله الحمد .. وعلى الرجل هنا أن يُمسك عن المعاتبة والمؤاخذة .. ومراجعة زوجته فيما كان منه ومنها .. وغير ذلك مما يُفسد هذه النتيجة الطيبة .. ثم هو بعد ذلك يحمد الله تعالى على هداية زوجته وتوفيقه لها.

فإن أبت المرأة بعد الموعظة .. وبعد أن تكون الموعظة قد أخذت حقها .. إلا أن تستمر في النشوز والعصيان والتمرّد .. فهنا تأتي المرحلة الثانية في معالجة هذا الخلل والعوج:  وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ  النساء34. فلا يُجامعها ولا يُكلمها .. ولا يُحادثها .. عساها بعد ذلك تعود إلى رشدها وصوابها .. والهجر هنا كذلك ينبغي أن يأخذ حقه من حيث الزمن .. على قدر ما يلمس الرجل الفائدة من وراء ذلك .. كما يجب أن يكون الهجر في البيت وليس خارجه؛ لقوله :" ولا تهجر إلا في البيت "[ ]. فإن أقلعت المرأة عن نشوزها .. وعادت إلى رشدها .. وفراش زوجها .. فقد تحقق المراد ولله الحمد .. وعلى الرجل هنا أن يُمسك عن المعاتبة والمؤاخذة .. ومراجعة زوجته فيما كان منه ومنها .. وغير ذلك مما يُفسد هذه النتيجة الطيبة .. ثم هو بعد ذلك يحمد الله تعالى على هداية زوجته وتوفيقه لها.
فإن لم ينفع معها هذا ولا ذاك .. فهنا تأتي المرحلة الثالثة في تقويم الاعوجاج: واضربوهنَّ  النساء:34. والضرب هنا رخصة ليست واجبة، يُشترَط لها شروطاً:
1- أن يكون الضرب غير مبرِّح؛ فلا يكسر عظماً .. ولا يترك أثراً على جسم، لقوله :" واضربوهنّ ضرباً غير مبرّح "[ ]؛ والضرب غير المبرح؛ هو الذي لا يترك أثراً على جسم.

قال عطاء: قلت لابن عبَّاس، ما الضرب غير المبرِّح؟ قال: بالسِّواك، ونحوه!
2- أن يعتزل في الضرب الوجهَ؛ فلا يجوز أن يُقصد الوجه بالضرب .. لقوله :" ولا تضرب الوجهَ "[ ].
3- أن يرجح الظنّ لدى الرجل أن في استخدامه للضرب ـ بشرطيه الآنفي الذكر أعلاه ـ إنهاء لنشوز وعصيان زوجته .. أما إذا رجح لديه أن ضرب زوجته مما يزيد في نشوزها وعصيانها .. وأنها من النوع التي يزيدها الضرب نشوزاً وعصياناً .. فحينئذٍ لا يجوز له أن يلتجئ إلى وسيلة الضرب .. لأن الضرب لم يُشرَع لذاته وإنما شُرِع لغاية يزول بزوال الغاية المرجوة منه.
فإن أقلعت المرأة عن نشوزها .. وعادت إلى رشدها .. وفراش زوجها .. فقد تحقق المراد ولله الحمد .. وعلى الرجل هنا أن يُمسك عن المعاتبة والمؤاخذة .. ومراجعة زوجته فيما كان منه ومنها .. وغير ذلك مما يُفسد هذه النتيجة الطيبة .. ثم هو بعد ذلك يحمد الله تعالى على هداية زوجته وتوفيقه لها .. وهو المراد من قوله تعالى: فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً  النساء:34. أي  فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ ؛ فأمسكن عن نشوزِهنّ وعصيانهن  فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً ؛ أي فلا تظلموهن ولا تعتدوا عليهن بقولٍ أو فعل.
قال القرطبي في التفسير: وقِيل: المعنى لا تُكلفوهن الحبَّ لكم فإنه ليس إليهنَّ ا- هـ.
وقال السعدي في التفسير: أي؛ فقد حصل لكم ما تحبون، فاتركوا معاتبتها على الأمور الماضية، والتنقيب عن العيوب التي يضر ذكرها، ويحدث بسببه الشر ا- هـ.
 إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً النساء:34. قال ابن كثير: تهديد للرجال إذا بغوا على النساء من غير سبب، فإنَّ الله العلي الكبير وليهنّ، وهو ينتقم ممن ظلمهنّ، وبغى عليهنّ ا- هـ.
بهذه القيود والشروط والضوابط الآنفة الذكر أعلاه يجوز اللجوء إلى خيار الضرب .. وينبغي أن يُفهم ويُفسَّر قوله تعالى: وَاضْرِبُوهُنَّ النساء:34.

ونضيف فنقول: إن لم يكن الرجل فقيهاً بهذه القيود والضوابط والشروط .. قادراً على الالتزام بها .. وبالتالي قد يستخدم رخصة الضرب استخداماً خاطئاً مخالفاً للشرع .. ولغير غاياتها الشرعية .. ويضعها في غير موضعها الصحيح .. فحينئذٍ هذا وأمثاله .. لا يُفتَون بجواز ضرب نسائهم .. لا لأن الضرب لا يجوز بشروطه وقيوده كما تقدم .. وإنما لأن هذه النوعية من الرجال لا تفقه هذه القيود والشروط .. أو قد تستغلها استغلالاً خاطئاً لأغراضها النفسية والشخصية .. فإن ترتب على إمساكهم عن الضرب نوع خطأ أو نشوز؛ فالخطأ الناجم عن التقصير من جهة العفو والرفق أهون عليهم بكثير من الخطأ الناجم من جهة العنف والشدة.
وهذا قد حصل شيء منه في عهد الصحابة رضي الله عنهم أجمعين .. فلما نهى النبي  عن ضرب النساء .. استغل هذا النهي من قبل بعض النساء استغلالاً خاطئاً فزئرن على رجالهنّ، وتطاولن عليهم، فجاء عمر  إلى رسولِ الله ، فقال:" ذئِرن النساءُ على أزواجهنَّ، فرخَّص في ضربهنَّ " .. إلا أن هذه الرخصة أيضاً قد فُهمت خطأ واستغلت استغلالاً خاطئاً من قبل بعض الرجال .. فأطافَ بآل رسولِ الله  نساءٌ كثير يشكون أزواجَهنَّ، فغضب النبي ؛ لأنه لم يرخّص بالضرب ـ بعد أن نهى عنه ـ لتستخدم الرخصة بهذه الطريقة العنيفة الخاطئة .. فقال :" لقد طافَ بآلِ محمد نساءٌ كثير يشكونَ أزواجَهنَّ، ليس أولئكَ بخيارِكم ". وذلك لأن هؤلاء النفر من الرجال استخدموا الرخصة استخداماً خاطئاً .. واستغلوها استغلالاً خاطئاً .. ولم يلتزموا بشروطها وقيودها .. وهذا يتكرر في زماننا وغير زماننا .. وعلى من يفتي برخصة الضرب ـ بشروطها الآنفة الذكر ـ عليه أيضاً أن يتنبه إلى هذا المزلق .. وإلى الشخص الذي يُفتيه .. وإلى أين سيؤول العمل بفتواه .. وليتقِ الله ربّه[ ].

فإن وجد الرجل أن خيار الضرب بشروطه وقيوده ـ سواء قبل اللجوء إليه أو بعد اللجوء إليه ـ لا يجدي نفعاً في أوبة زوجته عن نشوزها وعصيانها .. كما أنه لم ينفع معها ـ من قبل ـ الوعظ والهجر .. وتوسّع الشقاق والخلاف بينهما .. ولم يعد كل طرفٍ منهما يُؤدي حقوق الطرف الآخر عليه .. هنا تأتي الخطوة الرابعة لحل المشكلة، كما قال تعالى: وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا النساء:35. أي أتى كل طرف منهما بما يشق على الآخر؛ فالمرأة ناشز لا تؤدي حق زوجها عليها .. والرجل يشق على زوجته؛ فلا هو يُمسكها بمعروف وإحسان، ولا هو يسرحها بمعروف وإحسان .. وأصبح كل منهما وكأنه في شِقٍّ آخر مغاير ومخالف لِشق الطرف المقابل.
قال الطبري في التفسير: يعني بقوله جلّ ثناؤه: وَإنْ خِفْتُمْ شِقاقَ بَيْنِهِما  وإن علمتم أيها الناس شقاق بينهما، وذلك مشاقة كل واحد منهما صاحبه، وهو إتيانه ما يشقّ عليه من الأمور، فأما من المرأة فالنشوز وتركها أداء حقّ الله عليها الذي ألزمها الله لزوجها، وأما من الزوج فتركه إمساكها بالمعروف، أو تسريحها بإحسان ا- هـ.

وقال السعدي: أي وإن خفتم الشقاق بين الزوجين، والمباعدة والمجانبة، حتى يكون كل منهما في شِقٍّ ا- هـ.
 فَابْعَثُواْ حَكَماً مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِّنْ أَهْلِهَا  النساء:35. أي حكمان صادقان عدلان، يكونان على قدر من العلم والتقوى، والدراية بواقع الشقاق الحاصل بين الزوجين .. فينظران في أسباب الشّقاق .. ويعملان جاهدان ما أمكنهما على الإصلاح بين الزوجين، وإعادة الأمور إلى ما كانت عليه قبل الشِّقاق .. فإن وجدا ذلك متعسراً، وأن أحدهما لم يعد قادراً على أداء ما أوجب الله عليه نحو الطرف المقابل .. وكان التفريق بين الزوجين هو الأسلم لهما في دينهما، ومعاشهما .. حكما بينهما بالتفريق، وحكمهما لازم للزوجين في الجمع والتفريق سواء .. والزوج ليس له الامتناع .. أما إن اختلفا وكان لكل منهما حكمه المختلف .. فحكم الواحد منهما منفرداً غير لازم، وهذا محل اتفاق بين أهل العلم.

أخرج الطبري في التفسير، بسنده عن علي بن أبي طالب : أن رجلاً جاءه وامرأته بينهما شقاق مع كل واحد منهما فئام من الناس، فقال عليّ : ابعثوا حكماً من أهله وحكماً من أهلها، ثم قال للحكمين: تدريان ما عليكما؟ عليكما إن رأيتما أن تجمعا أن تجمعا، وإن رأيتما أن تفرّقا أن تفرّقا. قالت المرأة: رضيت بكتاب الله بما عليّ فيه ولي. وقال الرجل: أما الفرقة فلا! فقال عليّ رضي الله عنه: كذبتَ، والله لا تنقلب حتى تقرّ بمثل الذي أقرّت به. وفي رواية: كذبت، والله لا تبرح حتى ترضى بمثل ما رضيت به ا- هـ.
قال ابن القيم في الزاد 5/191: بعث عثمان بن عفَّان عبد الله بن عباس ومعاوية حكَمين بين عقيل بن أبي طالب وامرأته فاطمة بنت عتبة بن ربيعة، فقيل لهما: إن رأيتما أن تُفرِّقا فرقتما.

وصحَّ عن علي بن أبي طالب أنه قال للحكمين بين الزوجين: عليكما إن رأيتما أن تفرِّقا فرَّقتما، وإن رأيتما أن تجمعا جمعتُما.
فهذا عثمان، وعليٌّ، وابن عباس، ومعاوية، جعلوا الحكم إلى الحكمين، ولا يُعرَف لهم من الصحابة مخالف ا- هـ.
وقال السعدي:  فَابْعَثُواْ حَكَماً مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِّنْ أَهْلِهَا ؛ أي رجلين مكلفين، مسلمين عدلين، عاقلين، يعرفان ما بين الزوجين، ويعرفان الجمع والتفريق. وهذا مستفاد من لفظ " الحكم " لأنه لا يصلح حكماً إلا من اتصف بتلك الصفات، فينظران ما ينقم كل منهما على صاحبه، ثم يلزمان كلا منهما ما يجب .. ومهما أمكنهما الجمع والإصلاح، فلا يعدلا عنه. فإن وصلت الحال، إلى أنه لا يمكن اجتماعهما وإصلاحهما، إلا على وجه المعاداة والمقاطعة، ومعصية الله، ورأيا أن التفريق بينهما أصلح، فرقا بينهما، ولا يشترط رضا الزوج، كما يدل عليه، أن الله سماهما الحكمين، والحكَم يحكم، وإن لم يرض المحكوم عليه.
ولهذا قال: إِن يُرِيدَا إِصْلاَحاً يُوَفِّقِ اللّهُ بَيْنَهُمَا النساء:35. أي بسبب الرأي الميمون والكلام الذي يجذب القلوب، ويؤلّف بين القرينين ا- هـ.

فإن جنح قرارهما للتفريق .. وكان الزوج هو السبب في حصول المشاققة .. فرقا بينهما من دون أن ترد المرأة له شيئاً من مهرها .. وإن كانت هي السبب .. خلعاها منه، وردت له المهر الذي أعطاها إياه .. وإن كانا كلاهما ـ الرجل والمرأة ـ سبب في حصول المشاققة .. ردت المرأة له بعض مهرها الذي أخذته منه بحسب ما يرى الحكمان .. والأتقى والأسلم في هذه الحالة أن لا يأخذ الرجل منه شيئاً؛ لأنه مال شبهة؛ شابه نوع ظلم وبغي من الرجل .. قد لا يكون له حق فيه، كما قال تعالى: فَلاَ تَأْخُذُواْ مِنْهُ شَيْئاً أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَاناً وَإِثْماً مُّبِيناً . وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَاقاً غَلِيظاً النساء:21. وهذا ما سنتناوله بشيء من التفصيل ـ إن شاء الله ـ في المسائل المدرجة تحت عنوان
صور إنهاء الحياة الزوجية بين الزوجين .

الهامش

قلت: ومع ذلك يوجد ـ وللأسف ـ من الرجال من يعتبر العمل في البيت لخدمة أهله منقصة، وتتنافى مع الرجولة ووظائفها .. ينتظرون حتى تسود هذه العادة في بلاد الغرب، ليعتبروها أولاً ظاهرة حضارية .. ومن ثم يقومون بها .. إذا جاءهم الفعل من قبل النبيِّ  أنفوه وترفَّعوا عنه .. بينما إذا جاءهم نفس الفعل من نصارى الغرب .. قبِلوه .. واستحسنوه .. وعدوه ظاهرة صحية وحضارية!!
ومن أمر الأهل بالصلاة .. تعليمهنَّ الصلاة، وكل ما يتعلق بها من شروط، وأركانٍ، وواجبات، وآدابٍ، ومستحبات.
صحيح الجامع: 6517.
رواه الحاكم موقوفاً، وقال: صحيح على شرطهما، صحيح الترغيب: 115.
لغرض الصلاة، ومشاهدة حلقات العلم التي تُعقد في المساجد، فطلب العلم فرض على كل مسلم ومسلمة، والجنة والنار للرجال والنساء سواء .. وليس لأحدهما دون الآخر!

صحيح سنن الترمذي: 1637.
رواه ابن أبي الدنيا في ذم الغضب، صحيح الجامع: 1704.
رواه أحمد وغيره، صحيح الجامع: 303.
رواه الطبراني وغيره، السلسلة الصحيحة: 942.
رواه الطبراني وغيره، صحيح الترغيب: 2666.
صحيح سنن الترمذي: 1568.
رواه أبو داود، وابن حبان، صحيح الترغيب: 321.
صحيح الترغيب والترهيب، قال المنذري في التخريج: رواه النسائي بإسناد صحيح، وابن حبان في صحيحه بزيادة، والحاكم، وقال: صحيح الإسناد.
صحيح الجامع: 4565.
رواه أحمد، وأبو داود، والحاكم، صحيح الجامع: 4481.
رواه أحمد وغيره، صحيح الجامع: 6445.
مثله مثل الذي يُحسِن ركوب الحمار .. ومعتاد على ركوب الحمار لا غير .. فيُحمَل على ركوب الفرس .. وقيادتها .. من غير دراية مسبقة بفن قيادتها وركوبها .. وكيفية التعامل معها .. فهذا لا شك أنه سيقع على رأسه من أول محاولة له في ركوب وقيادة الفرَس .. وربما يتعثر كثيراًً ليحسن قيادتها .. وقد لا يُحسِن .. ولا يلومَنَّ إلا نفسه!
صحيح سنن ابن ماجه: 1602.
قد تقدم تخريج الحديث.
تأملوا أدب ورقي وعِفة ابن مسعود رضي الله عنه .. رغم فقره وحاجته .. وزوجته غنية .. وهي ومالها في بيته .. لم يأخذ من مالها شيئاً عنوة عنها .. ومن دون طيب نفس منها .. بل هو لم يُبادر إلى سؤال النبي  .. وإنما تركها هي تسأل النبي  لتطمئن أكثر أن لها صدقة وأجراً في نفقتها على زوجها وأبنائها.
مشكاة المصابيح: 3696. وصححه الشيخ ناصر في التخريج.
صحيح سنن الترمذي: 1887. أقول: كثير من الرجال في هذه المسألة بين إفراط وتفريط؛ فريق منهم تراه يرتضي لنفسه أن تكون امرأته عليه وعلى أنفاسه وكلماته وحركاته كشرطي مرور لا يمكن أن يمرر شيئاً أو يقرر شيئاً أو يعمل شيئاً إلا بعد إذنها وموافقتها والرجوع إليها .. وفريق آخر في المقابل تراه يتجاهل المرأة كلياً، وفيما لا يجوز له تجاهلها .. وكلا الفريقين على باطل .. والحق وسط بينهما .. وأهله هم الأقل، وللأسف!
من القصص والمشاكل الزوجية التي عُرِضت عليَّ أن امرأة صالحة من ذوات الصلاة والحجاب والإلتزام .. ابتليت بزوج غير صالح .. فكان زوجها يحملها على ترك الحجاب، والصلاة .. والتهتك .. والاختلاط .. وكان يلقى منها ـ بادئ ذي بدء ـ مقاومة شديدة .. إلى أن ضعفت مقاومتها؛ فتابعته في النهاية على ما يريد .. ثم بعد زمنٍ هداه الله إلى الحق، وعاد إلى رشده وصوابه، فتاب مما قدمت يداه وفرّط بحق نفسه وأهله .. ولما أراد أن يُعيد أهله ثانية إلى ما كانت عليه من الطاعة والاستقامة والالتزام .. فلم يعد يقدر على ذلك .. فهام الرجل على وجهه يشكو ويسأل الشيوخ: ماذا يفعل ..؟! وجوابه: أن الله تعالى قد عاقبه من جنس عمله وذنبه .. فليصبر على آلام وتبعات تفريطه القديم .. ولا يلومنَّ إلا نفسه!
صحيح سنن الترمذي: 1643.
أي الموافقة المطيعة له في المعروف، التي لا تُكثر من مجادلته ومخالفته، ولأتفه سبب. " والمواسية "؛ أي التي تواسي زوجها إذا ما أصابه الحزن، أو داهمه هم أو كرب.
أخرجه البيهقي في السنن، السلسلة الصحيحة: 1849. والغراب الأعصم؛ هو الغراب أحمر المنقار والرجلين، وهو قليل ونادر بين الغربان، وفي ذلك كناية على قلة من يدخل الجنة من النساء ممن يتصفن بما تقدم ذكره عن شرار نساء المسلمين!
صحيح الأدب المفرد: 330.
رواه أبو داود، وابن ماجة، والحاكم، صحيح الجامع: 5137.
صحيح سنن أبي داود: 1877.
صحيح سنن أبي داود: 1879.
رواه الحاكم، صحيح الجامع: 3316.
رواه الترمذي، صحيح الجامع: 3314.
رواه أبو داود، والطبراني، والحاكم، صحيح الجامع: 3149.
رواه الترمذي، وقال حديث حسن صحيح.
صحيح سنن أبي داود: 1875.
تناولت بعض وسائل الإعلام إحصائية ذكرتها الأمم المتحدة تقول:" إن نحو 70% من النساء في العالم تعانين من أحد أشكال العنف خلال حياتهن، ومن أبرز أشكال العنف: القتل، والضرب الجسدي، والإجبار على الدعارة، وتشويه الأعضاء التناسلية، والتحرش الجنسي "ا- هـ.
قلت: هذا يحصل في هذا الزمان الذي تكاثرت فيه القوانين الوضعية التي تحمي حقوق المرأة .. ودونت فيه عشرات المجلدات التي تتكلم عن حقوق المرأة، والعنف الذي تتعرض له المرأة .. ومع ذلك لا حياة لمن تنادي؛ لا تزال 70% من نساء الأرض يُعتدَى عليهن بشتى أنواع الاعتداءات الجسدية والنفسية .. مما دل أن مجرد القوانين وما يدون في تلك المجلدات .. بعيداً عن الإيمان بالله، والخوف من الله تعالى ومن عقابه .. لا تُجدي نفعاً، وهي ستبقى حبراً على ورق حبيسة تلك المجلدات .. ما قيمة وما أثر تلك القوانين والمجلدات عندما يختلي الرجل بامرأته بعيداً عن عين القانون .. وسلطة القانون .. إذا كان الرجل لا يخاف الله .. ولا يستشعر رقابة الله تعالى له .. وأنه قادر عليه .. أكثر من قدرته على زوجته الضعيفة!

عن الكاتب

A. Fatih Syuhud

التعليقات


جميع الحقوق محفوظة

الكتب الإسلامية