الكتب الإسلامية

مجموعة الكتب والمقالات الإسلاية والفقه علي المذاهب الأربعة

recent

آخر الأخبار

recent
جاري التحميل ...

إسلام عمر بن الخطاب وإسراء الرسول ومعراجه

إسلام عمر بن الخطاب وإسراء الرسول ومعراجه



المحتويات



إسلام عمر بن الخطاب

@قال ابن إسحاق: ولما قدم عمرو بن العاص وعبد الله بن أبي ربيعة على قريش، ولم يدركوا ما طلبوا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وردهم النجاشي بما يكرهون، وأسلم عمر بن الخطاب، وكان رجلاً ذا شكيمة لا يرام ما وراء ظهره؛ امتنع به أصحاب رسول الله وبحمزة؛ حتى غاظوا قريشاً.

فكان عبد الله بن مسعود يقول:
ما كنا نقدر على أن نصلي عند الكعبة حتى أسلم عمر، فلما أسلم عمر قاتل قريشاً حتى صلى عند الكعبة وصلينا معه.
قلت: وثبت في ((صحيح البخاري)) عن ابن مسعود أنه قال:
ما زلنا أعزة منذ أسلم عمر بن الخطاب.

وقال زياد البكائي: حدثني مسعر بن كدام عن سعد بن إبراهيم قال: قال ابن مسعود:
إن إسلام عمر كان فتحاً، وإن هجرته كانت نصراً، وإن إمارته كانت رحمة، ولقد كنا وما نصلي عند الكعبة حتى أسلم عمر، فلما اسلم عمر؛ قاتل قريشاً حتى صلى عند الكعبة، وصلينا معه.
@قال ابن إسحاق: وكان إسلام عمر بعد خروج من خرج من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الحبشة.
حدثني عبد الرحمن بن الحارث بن عبد الله بن عياش بن أبي ربيعة عن عبد العزيز بن عبد الله بن عامر بن ربيعة [عن أبيه] عن أمي أم عبد الله بنت أبي حثمة قالت:
والله؛ إنا لنترحل إلى أرض الحبشة، وقد ذهب عامر في بعض حاجتنا، إذ أقبل عمر، فوقف وهو على شركه، فقالت: وكنا نلقى منه أذى لنا وشدة علينا.

قالت: فقال: إنه للانطلاق يا أم عبد الله؟
قلت: نعم؛ والله لنخرجن في أرض من أرض الله – إذا آذيتمونا وقهرتمونا – حتى يجعل الله لنا مخرجاً.
قالت: فقال: صحبكم الله. ورأيت له رقة لم أكن أراها، ثم أنصرف وقد أحزنه فيما أرى خروجنا.
قالت: فجاء عامر بحاجتنا تلك، فقلت له: يا أبا عبيد الله! لو رايت عمر آنفاً ورقته وحزنه علينا.
قال: أطمعتِ في إسلامه؟ قالت: قلت: نعم.
قال: لا يسلم الذي رأيت حتى يسلم حمار الخطاب!.
قالت: يأساً منه لما كان يرى من غلظته وقسوته على الإسلام.

قلت: هذا يرد قول من زعم أنه كان تمام الأربعين من المسلمين، فإن المهاجرين إلى الحبشة كانوا فوق الثمانين.
اللهم! إلا أن يقال: إنه كان تمام الأربعين بعد خروج المهاجرين.
قلت: وقد استقصيت كيفية إسلام عمر رضي الله عنه، وما ورد في ذلك من الأحاديث والآثار مطولاً في أول ((سيرته)) التي أفردتها على حدة، ولله الحمد والمنة.
@قال ابن اسحاق وحدثني نافع مولى ابن عمر عن ابن عمر قال:
لما أسلم عمر قال: أي قريش أنقل للحديث؟
فقيل له: جميل بن معمر الجمحي.
فغدا عليه. قال عبد الله: وغدوت أتبع أثره، وأنظر ما يفعل، وأنا غلام أعقل كلما رأيت، حتى جاءه فقال له: أعلمت يا جميل! اني أسلمت ودخلت في دين محمد صلى الله عليه وسلم؟
قال:؛ فوالله ما راجعه حتى قام يجر رداءه، واتبعه عمر، واتبعته أنا، حتى قام على باب المسجد صرخ بأعلى صوته: يا معشر قريش! - وهم في أنديتهم حول الكعبة - ألا إن ابن الخطاب قد صبأ.

قال: يقول عمر من خلفه: كذب، ولكني قد أسلمت، وشهدت أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وثاروا إليه فما برح يقاتلهم ويقاتلونه حتى قامت الشمس على رؤسهم.
قال: وطلح فقعد، وقاموا على رأسه وهو يقول:
افعلوا ما بدا لكم، فأحلف بالله؛ أن لو قد كنا ثلاثمائة رجل لقد تركناها لكم، أو تركتموها لنا.
قال: فبينما هم على ذلك؛ إذ أقبل شيخ من قريش - عليه حلة حبرة وقميص موشى - حتى وقف عليهم، فقال: ما شأنكم. فقالوا: صبأ عمر!

قال: فمه؛ رجل اختار لنفسه أمراً؛ فماذا تريدون؟! أترون بني عدي يسلمون لكم صاحبهم هكذا؟! خلوا عن الرجل.
قال: فوالله؛ لكأنما كانوا ثوبا كشط عنه.
قال: فقلت لأبي بعد أن هاجر إلى (المدينة): يا أبت! من الرجل الذي زجر القوم عنك بـ(مكة) يوم أسلمت وهم يقاتلونك؟
قال: ذاك أي بني! العاص بن وائل السهمي.
وهذا إسناد جيد قوي، وهو يدل على تأخر إسلام عمر؛ لأن ابن عمر عرض يوم (أحد) وهو ابن أربع عشرة سنة، وكانت (أحد) في سنة ثلاث من الهجرة، وقد كان مميزاً يوم أسلم أبوه، فيكون إسلامه قبل الهجرة بنحو من أربع سنين، وذلك بعد البعثة بنحو تسع سنين. والله أعلم.
[المستدرك]

عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
((اللهم! أعز الإسلام بأحب هذين الرجلين إليك: بأبي جهل، أو بعمر بن الخطاب)).
قال: فكان أحبهما إليه عمر.
أخرجه الترمذي (3764) وقال: ((حديث حسن صحيح))، وابن سعد (3/237)، والحاكم (3/83)، وأحمد (2/95)، وقال الحاكم: ((صحيح الإسناد))، ووافقه الذهبي، وهو عنده من طريقين آخرين عن نافع عنه. ثم رواه هو وابن ماجه (105) من حديث عائشة، وهو أيضاً من حديث ابن مسعود، وابن سعد (3/237و242) من حديث عثمان بن الأرقم ، وسعيد بن المسيب، والحسن البصري مرسلاً.
وعن ابن عباس قال:
أول من جهر بالإسلام عمر بن الخطاب.
رواه الطبراني، وإسناده حسن؛ كما في ((المجمع)) (9/63).
وعن عمر أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! إني لا أدع مجلساً جلسته في الكفر إلا أعلنت فيه الإسلام.
فأتى المسجد، وفيه بطون قريش متحلقة، فجعل يعلن الإسلام، ويشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله.
فثار المشركون، فجعلوا يضربونه ويضربهم، فلما تكاثروا خلصه رجل.
فقلت لعمر: من الرجل الذي خلصك من المشركين؟ قال: ذاك العاص بن وائل السهمي.
رواه الطبراني في ((الأوسط))، ورجاله ثقات؛ كما قال الهيثمي. [انتهى المستدرك].


فصل في ذكر مخالفة قبائل قريش بني هاشم وبني عبد المطلب في نصرة رسول الله صلى الله عليه وسلم

ورسول الله صلى الله عليه وسلم على ذلك يدعو قومه ليلاً ونهاراً ، وسراً وجهاراً، منادياً بأمر الله تعالى ، لا يتقي فيه أحداً من الناس.
فجعلت قريش حين منعه الله منها – وقام عمه وقومه من بي هاشم وبني عبد المطلب دونه ، وحالوا بينهم وبين ما أرادوا من البطش به – يهمزونه، ويستهزؤون به ويخاصمونه.
وجعل القرآن ينزل في قريش بأحداثهم، وفيمن نصب لعداوته، منهم من سمى لنا، ومنهم من نزل القرآن في عامة من ذكر الله من الكفار.
فذكر ابن إسحاق أبا لهب ونزول السورة فيه، والعاص بن وائل ونزول قوله: ﴿أفرأيت الذي كفر بآياتنا وقال لأوتين مالاً وولداً﴾ [مريم: 77] فيه، وقد تقدم شيء من ذلك.
وأبا جهل بن هشام، وقوله للنبي صلى الله عليه وسلم: لتتركن سب آلهتنا أو لنسبنّ إلهك الذي تعبد. ونزول قول الله فيه: ﴿ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدواً بغير علم﴾ الآية [الأنعام: 108].

@قال ابن إسحاق: و جلس رسول الله صلى الله عليه و سلم - فيما بلغنا - يوماً مع الوليد بن المغيرة في المسجد فجاء النضر بن الحارث حتى جلس معهم، و في المجلس غير و احد من رجال قريش.
فتكلم رسول الله صلى الله عليه و سلم فعرض له النضر، فكلمه رسول الله صلى الله عليه و سلم حتى أفحمه، ثم تلا عليه و عليهم ﴿ إنَّكُم وما تعبُدُون مِن دُونِ اللهِ حصبُ جهنَّمَ أنتُمْ لَها واردُونَ لوْ كانَ هؤلاءِ آلهةً ما وردُوها و كلٌّ فِيها خالدِون لُهم فِيها زفيرٌ و هم فِيها لا يسمَعُون ﴾[ الأنبياء : 98 - 100].
ثم قام رسول الله صلى الله عليه و سلم و أقبل عبد الله بن الزبعري السهمي حتى جلس.

فقال الوليد بن المغيرة له : و الله ما قام و الله ما قام النضر بن الحارث لابن عبد المطلب آنفا و ما قعد، و قد زعم محمد أنّا و ما نعبد من آلهتنا هذه حصب جهنم !.
فقال عبد الله بن الزبعرى : أما – والله – لو و جدته لخصمته، فسلوا محمداً أكل من نعبد من دون الله حصب جهنم مع عبده ؟ فنحن نعبد الملائكة و اليهود تعبد عزيراً و النصارى تعبد عيسى.
فعجب الوليد و من كان معه في المجلس من قول ابن الزبعرى و رأوا أنه قد احتج و خاصم.
فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه و سلم ...فأنزل الله تعالى ﴿ إنَّ الذين سبقَتْ لَهمْ مِنَّا الُحسنى أُولئِك عنْهَا مُبعدُونَ لا يسمعُون حسِيسَها و هُم في ما اشْتَهتَ أنْفُسُهُم خالِدُون ﴾ [ الأنبياء : 101-102 ]؛ أي: عيسى ابن مريم، و عزيراً، و من عبد من الأحبار و الرهبان الذين مضوا على طاعة الله تعالى .

و نزل - فيما يذكرون أنهم يعبدون الملائكة و أنها بنات الله - : ﴿و قالُوا اتَّخذَ الرَّحمنُ ولداً سُبحانَه بَلْ عِبادٌ مُكرَمُون﴾ [ الأنبياء :26 ].
و نزل في إعجاب المشركين بقول ابن الزبعري: { و لمَّا ضُرِبَ ابنُ مريمَ مثلاً إذا قومُكمَ مِنْهُ يَصدُّونَ و قَالُوا آلِهَتُنَا خَيْرٌ أمْ هُوَ ما ضَرَبُوهُ لَكَ إلاَّ جَدَلاً بَلْ هُمْ قومُ خَصِمُونَ } [ الزخرف :57و58 ].
و هذا الجدل الذي سلكوه باطل، و هم يعلمون ذلك؛ لأنهم قوم عرب من لغتهم أن (ما) لما لا يعقل، فقوله : ﴿ إنكُمْ وَ مَا تَعْبُدُون مِنْ دونِ اللهِ حصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ ﴾ إنما أريد بذلك ما كانوا يعبدونه من الأحجار التي كانت صور أصنام، و لا يتناول ذلك الملائكة الذين زعموا أنهم يعبدونهم في هذه الصور، و لا المسيح، و لا عزيراً، و لا أحداً من الصالحين؛ لأن اللفظ لا يتناولهم لا لفظاً و لا معناً.

فهم يعلمون أن ما ضربوه بعيسى ابن مريم من المثل جدل باطل؛ كما قال الله تعالى : ﴿ مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إلا جَدَلاً بلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ﴾.

ثم قال ﴿ إنْ هُوَ ﴾؛أي: عيسى ﴿إلا عَبْدٌ أنْعَمْنَا عَلَيْهِ ﴾؛ أي: بنبوتنا، ﴿وَ جَعَلْنَاهُ مَثَلاً لِبَنِي إسْرَائِيل﴾؛ أي: دليلاً على تمام قدرتنا على ما نشاء، حيث خلقناه من أنثى بلا ذكر، و قد خلقنا حواء من ذكر بلا أنثى، و خلقنا آدم لا من هذا، و لا من هذا، و خلقنا سائر بني آدم من ذكر و أنثى، كما قال في الآية الأخرى: ﴿و لنجعله آيةً للنَّاس﴾[مريم:21]؛ أي: أمارة و دليلاً على قدرتنا الباهرة، ﴿و رحمةً منَّا﴾ نرحم بها من نشاء .

وذكر ابن اسحاق الوليد بن المغيرة حيث قال: أَيُنْزَل على محمد وأترك وأنا كبير قريش وسيدها؟! ويترك أبو مسعود عمرو بن عمرو الثقفي سيد ثقيف؟! فنحن عظيماً القريتين. ونزول قوله فيه: ﴿وقال لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم﴾ والتي بعدها . [الزخرف: 31و32].
وذكر أبي بن خلف حين قال لعقبة بن أبي معيط: ألم يبلغني أنك جالست محمداً وسمعت منه وجهي من وجهك حرام؛ إلا أن تتفل في وجهه. ففعل ذلك عدو الله عقبة لعنه الله، فأنزل الله :﴿ويوم يعض الظالم على يديه يقول يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلاً، يا ويلتي ليتني لم أتخذ فلاناً خليلاً﴾ والتي بعدها [الفرقان: 27-29].
قال: ومشى أبي بن خلف بعظم بال قد أرمّ، فقال: يا محمد أنت تزعم أن الله يبعث هذا بعد ما أرم؟! ثم فته بيده، ثم نفخه في الريح نحو رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال:
((نعم؛ أنا أقول ذلك؛ يبعثه الله وإياك بعد ما تكونان هكذا، ثم يدخلك النار)).

وأنزل الله تعالى : ﴿وضرب لنا مثلا ونسي خلقه قال من يحيي العظام وهي رميم قل يحييها الذي أنشاها أول مرة وهو بكل خلق عليم﴾ إلى آخر السورة [يس: 78-83].
قال: واعترض رسول الله صلى الله عليه وسلم - فيما بلغني - وهو يطوف عند باب الكعبة الأسود بن المطلب، والوليد بن المغيرة، وأمية بن خلف، والعاص بن وائل فقالوا: يا محمد! هلم فلنعبد ما تعبد، وتعبد ما نعبد، فنشترك نحن وأنت في الأمر!

فأنزل الله فيهم: ﴿قل يا أيها الكافرون. لا أعبد ما تعبدون﴾ إلى آخرها.
قال: ووقف الوليد بن المغيرة فكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورسول الله يكلمه، وقد طمع في إسلامه.
فمرّ به ابن أم مكتوم: عاتكة بنت عبد الله بن عنكثة الأعمى، فكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجعل يستقرئه القرآن، فشق ذلك عليه حتى أضجره، وذلك أنه شغله عما كان فيه من أمر الوليد وما طمع فيه من إسلامه، فلما أكثر عليه انصرف عنه عابساً وتركه.

فأنزل الله تعالى : ﴿عبس وتولى. أن جاءه الأعمى ﴾ إلى قوله: ﴿مرفوعة مطهرة﴾ [عبس: 1-14].
وقد قيل: إن الذي كان يحدث رسول الله صلى الله عليه وسلم حين جاءه ابن أم مكتوم: أمية بن خلف. فالله أعلم.
[المستدرك]

عن علي رضي الله عنه قال:
قال أبو جهل للنبي صلى الله عليه وسلم: قد نعلم يا محمد! أنك تصل الرحم، وتصدق الحديث، ولا نكذبك، ولكن نكذب الذي جئت به. فأنزل الله عز وجل:
﴿﴿قد نعلم إنه ليحزنك الذي يقولون فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون﴾ [الأنعام:36].
أخرجه الترمذي (5058)، والحاكم (2/315) وقال : ((صحيح على شرط الشيخين)).
وعن ابن عباس رضي الله عنهما:
((ان أبا معيط كان يجلس مع النبي صلى الله عليه وسلم بـ(مكة) لا يؤذيه، وكان رجلاً حليماً، وكان بقية قريش إذا جلسوا معه آذوه، وكان لأبي معيط خليل غائب عنه بالشام، فقالت قريش: صبأ أبو معيط.
وقدم خليله من الشام ليلاً، فقال لامرأته: ما فعل محمد مما كان عليه؟ فقالت: أشد مما كان أمراً. فقال: ما فعل خليلي أبو معيط؟ فقالت: صبا.
فبات بليلة سوء، فلما أصبح أتاه أبو معيط فحياه، فلم يرد عليه التحية. فقال: مالك. لا ترد علي تحيتي؟ فقال: كيف أرد عليك تحيتك وقد صبوت؟!
قال: أوقد فعلتها قريش؟! قال: نعم.

قال: فما يبرئ صدورهم إن أنا فعلت؟
قال: تأتيه في مجلسه، وتبزق في وجهه، وتشمته باخبث ما تعلمه من الشتم!.
ففعل، فلم يزد النبي صلى الله عليه وسلم إن مسح وجهه من البزاق، ثم التفت إليه فقال:
((إن وجدتك خارجاً من جبال (مكة) أضرب عنقك صبراً)).
فلما كان يوم بدر، وخرج أصحابه، أبى أن يخرج.
فقال له أصحابه: أخرج معنا.
قال: قد وعدني هذا الرجل إن وجدني خارجاً من جبال (مكة) أن يضرب عنقي صبراً.

فقالوا: لك جمل أحمر لا يدرك، فلو كانت الهزيمة طرت عليه.
فخرج معهم، فلما هزم الله المشركين، وحل به جمله في جدد من الأرض، فأخذه رسول الله صلى الله عليه وسلم أسيرا في في سبعين من قريش، وقدم إليه أبو معيط فقال: تقتلني من بين هؤلاء؟ قال:
((نعم. بما بزقت في وجهي)).
فأنزل الله في أبي معيط ﴿ ويوم يعض الظالم على يديه﴾ إلى قوله ﴿وكان الشيطان للانسان خذولا﴾[الفرقان: 27-29].
أخرجه ابن مردويه، وأبو نعيم في ((الدلائل)) بسند صحيح من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس؛ كما في ((الدر المنثور)) (5/68).
وعن ابن عباس أيضاً:
أن قريشا وعدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعطوه مالاً، فيكون أغنى رجل بمكة ويزوجوه ما أراد من النساء، ويطؤوا عقبه، فقالوا له: هذا لك عندنا يا محمد! وكف عن شتم آلهتنا، فلا تذكرها بسوء.

فإن لم تفعل؛ فإنا نعرض عليك خصلة واحدة، فهي لك ولنا فيها صلاح.
قال: ((ما هي؟)).
قالوا: تعبد آلهتنا سنة: اللات والعزى، ونعبد إلهك سنة. قال:
((حتى أنظر ما يأتي من عند ربي)).
وكان لذلك سبب ذكره كثير من المفسرين عند قوله تعالى : ﴿وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته فينسخ الله ما يلقي الشيطان ثم يحكم الله آياته والله عليم حكيم﴾ [الحج:52].
وذكروا قصة الغرانيق، وقد أحببنا الإضراب عن ذكرها صفحاً؛ لئلاً يسمعها من لا يضعها على مواضعها.
إلاأن أصل القصة في ((الصحيح)).
روى البخاري دون مسلم عن ابن عباس قال:
فجاء الوحي من اللوح المحفوظ: ﴿قل يا أيها الكافرون﴾ السورة، وأنزل الله: ﴿قل أفغير الله تأمروني أعبد أيها الجاهلون﴾ إلى قوله: ﴿ فاعبد وكن من الشاكرين﴾ [الزمر: 64-66].

أخرجه ابن جرير (30/331)، وابن أبي حاتم، والطبراني؛ كما في ((الدر)). (6/404)، وإسناده حسن. [انتهى المستدرك].
ثم ذكر ابن إسحاق من عاد من مهاجرة الحبشة إلى (مكة).
وذلك حين بلغهم إسلام أهل (مكة)، وكان النقل ليس بصحيح ولكن كان له سبب.
وهو ماثبت في ((الصحيح)) وغيره: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جلس يوماً مع المشركين، وأنزل الله عليه: ﴿والنجم إذا هوى. ما ضل صاحبكم... ﴾يقرؤها عليهم حتى ختمها ، وسجد، فسجد من هناك من المسلمين والمشركين، والجن والإنس.
سجد النبي صلى الله عليه وسلم بـ(النجم)، وسجد معه المسلمون والمشركون، والجن، والإنس.
وروى هو ومسلم وأبو داود والنسائي عن عبد الله (ابن مسعود). قال:
قرأ النبي صلى الله عليه وسلم: ﴿والنجم﴾ بـ(مكة)، فسجد فيها وسجد من معه؛ غير شيخ أخذ كفّاً من حصا أو تراب فرفعه إلى جبهته، وقال: يكفيني هذا. فرأيته بعدُ قُتِلَ كافراً.

وروى أحمد وعنه النسائي عن المطلب بن أبي وداعة قال:
قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم بـ(مكة) سورة (النجم)، فسجد، وسجد من عنده، فرفعت رأسي وأبيت أن أسجد.
ولم يكن أسلم يومئذ المطلب، فكان بعد ذلك لا يسمع أحداً يقرؤها إلا سجد معه.
وقد يجمع بين هذا والذي قبله بأن هذا سجد ولكنه رفع رأسه استكباراً، وذلك الشيخ الذي استثناه ابن مسعود لم يسجد بالكلية. والله أعلم.
والمقصود أن الناقل لما رأى المشركين قد سجدوا متابعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم؛ اعتقد أنهم قد أسلموا واصطلحوا معه، ولم يبق نزاع بينهم.
فطار الخبر بذلك، وانتشر حتى بلغ مهاجرة الحبشة بها، فظنوا صحة ذلك، فأقبل منهم طائفة طامعين بذلك، وثبتت جماعة، وكلاهما محسن مصيب فيما فعل.

وقال البخاري:
وقالت عائشة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
((أريت دار هجرتكم؛ ذات نخل بين لابتين)).
فهاجر من هاجر قبل (المدينة)، ورجع من كان هاجر بأرض الحبشة إلى (المدينة).
وفيه عن أبي موسى وأسماء رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وقد تقدم حديث أبي موسى (ص170)، وهو في ((الصحيحين))، وسيأتي حديث أسماء بنت عميس بعد فتح (خيبر) حين قدم من كان تأخر من مهاجرة ((إن في الصلاة شغلاً)).

وهو يقوي تأويل من تأويل حديث زيد بن أرقم الثابت في ((الصحيحين)):
كنا نتكلم في الصلاة حتى نزل قوله تعالى : ﴿وقوموا لله قانتين﴾، فأمرنا بالسكوت، ونُهيناً عن الكلام.
على أن المراد جنس الصحابة، فإن زيداً أنصاري مدني، وتحريم الكلام في الصلاة ثبت بـ(مكة)، فتعين الحمل على ما تقدم.
وأما ما ذكره الآية – وهي مدنية – فمشكل، ولعله اعتقد أنها المحرمة لذلك، وإنما كان المحرم له غيرها معها. والله أعلم.


ذكر عزم الصديق على الهجرة إلى أرض الحبشة

@قال ابن إسحاق: وقد كان أبو بكر الصديق رضي الله عنه – كما حدثني محمد بن مسلم الزهري عن عروة عن عائشة – حين ضاقت عليه (مكة)، وأصابه فيها الأذى، ورأى من تظاهر قريش على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ما رأى ؛ استأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الهجرة؛ فأذن له.
فخرج أبو بكر رضي الله عنه مهاجراً؛ حتى إذا سار من (مكة) يوماً أو يومين لقيه ابن الدّغنة – أخو بني الحارث بن يزيد؛ أحد بني بكر بن عبد مناة بن كنانة – وهو يومئذ سيد الأحابيش.
[قال ابن إسحاق: و(الأحابيش): بنو الحارث بن عبد مناة بن كنانة، والهون بن خزيمة بن مدركة، وبنو المصطلق من خزاعة.
@قال ابن هشام: تحالفوا جميعاً، فسموا الأحابيش؛ لأنهم تحالفوا بوادٍ يقال له : (الأحبش) بأسفل (مكة) للحلف].
فقال: [ابن الدغنة]: إلى أين يا أبا بكر؟
قال: أخرجني قومي، وآذوني، وضيّقوا علي.

قال: ولم؟ والله؛ إنك لتزين العشيرة، وتعين على النوائب، وتفعل المعروف، وتُكسب المعدوم، ارجع فإنك في جواري.
فرجع معه، حتى إذا دخل (مكة) قام معه ابن الدّغنة فقال: يا معشر قريش! إني قد أجرت ابن أبي قحافة، فلا يعرض له أحد إلا بخير.
قال: فكفوا عنه.
قالت: وكان لأبي بكر مسجد عند باب داره في بني جمح، فكان يصلي فيه، وكان رجلاً رقيقاً؛ إذا قرأ القرآن استبكى.
قالت: فيقف عليه الصبيان والعبيد والنساء؛ يعجبون لما يرون من هيئته.
قال: فمشى رجال من قريش إلى ابن الدّغنة، فقالوا: يا ابن الدغنة! إنك لم تجر هذا الرجل ليؤذينا ! إنه رجل إذا صلى وقرأ يرقّ وكانت له هيئة، ونحن نتخوف على صبياننا ونسائنا وضعفائنا أن يفتنهم، فأته فمره أن يدخل بيته فيصنع فيه ما شاء.
قالت: فمشى ابن الدغنة إليه فقال: يا أبا بكر! إني لم أجرك لتؤذي قومك، وقد كرهوا مكانك الذي أنت به، وتأذوا بذلك منك، فادخل بيتك فاصنع فيه ما أحببت.
قال: أو أرد عليك جوارك، وأرضى بجوار الله .

قال: فاردد عليّ جواريّ. قال: قد رددته عليك.
قال: فقام ابن الدّغنة فقال: يا معشر قريش! إن ابن أبي قحافة قد ردّ علي حواري، فشأنكم بصاحبكم.
وقد روى الإمام البخاري هذا الحديث منفرداً به، وفيه زيادة حسنة،
أخرجه عن عقيل : قال ابن شهاب: فأخبرني عروة بن الزبير عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت:
لم أعقل أبوي قط إلا وهما يدينان الدين، ولم يمر علينا يوم يأتينا فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم طرفي النهار: بكرة وعشية، فلما ابتلي المسلمون خرج أبو بكر مهاجراً نحو أرض الحبشة، حتى إذا بلغ (برك الغماد) لقيه ابن الدعنة، وهو سيد (القارة)، فقال: أين تريد يا أبا بكر؟
فقال أبو بكر: أخرجني قومي، فأريد أن أسيح في الارض فأعبد ربي.

فقال ابن الدغنة: فان مثلك يا أبا بكر! لا يخرج ولا يخرج مثله، إنك تكسب المعدوم، وتصل الرحم، وتحمل الكل، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق، وأنا لك جار، فارجع فاعبد ربك ببلدك.
فرجع وارتحل معه ابن الدغنة، وطاف ابن الدغنة في أشراف قريش، فقال لهم: إن أبا بكر لا يخرج مثله ولا يخرج، أتخرجون رجلا يكسب المعدوم، ويصل الرحم، ويحمل الكل، ويقري الضيف، ويعين على نوائب الحق؟!
فلم يكذب قريش بجوار ابن الدغنة وقالوا: لابن الدغنة: مر أبا بكر فليعبد ربه في داره، وليصل فيها ويقرأما شاء، ولا يؤذينا بذلك، ولا يستعلن به، فإنا نخشى أن يفتن نساءنا وأبناءنا.
فقال ابن الدغنة ذلك لأبي بكر.
فلبث أبو بكر بذلك يعبد ربه في داره، ولا يستعلن بصلاته، ولا يقرأ في غير داره.

ثم بدا لأبي بكر فابتنى مسجدا بفناء داره، وكان يصلي فيه ويقرأ القرآن، فينقذف [عليه] نساء المشركين وأبناؤهم ؛ يعجبون منه وينظرون إليه، وكان أبو بكر رجلاً بكاءً لا يملك عينيه إذا قرأ القرآن.
فأفزع ذلك أشراف قريش من المشركين، فارسلوا إلى ابن الدغنة، فقدم عليهم، فقالوا: إنا كنا أجرنا أبا بكر بجوارك على أن يعبد ربه في داره، فقد جاوز ذلك، فابتنى مسجداً بفناء داره، فأعلن في الصلاة والقراءة فيه، وإنا قد خشينا أن يفتتن أبناؤنا ونساؤنا، فانْهَهُ، فإن أحب على أن يقتصر أن يعبد ربه في داره فعل، وإن أبى إلا أن يعلن ذلك؛ فسله أن يرد عليك ذمتك، فانا قد كرهنا نخفرك، ولسنا مقرين لأبي بكر الاستعلان.
قالت عائشة: فاتى ابن الدغنة إلى أبي بكر فقال: قد علمت الذي قد عاقدتك عليه، فإما أن تقتصر على ذلك، وإما أن ترد إليّ ذمتي، فإني لا أحب أن تسمع العرب أني أخفرت في رجل عقدت له.
فقال أبو بكر: فإني أرد عليك جوارك، وأرضى بجوار الله عز وجل.
ثم ذكر تمام الحديث في هجرة أبي بكر رضي الله عنه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ كما سيأتي مبسوطاً.


فصل قصة الطفيل بن عمرو الدوسي

وقد ذكر محمد بن إسحاق رحمه الله قصة الطفيل بن عمرو الدوسي مرسلة بدون إسناد.
وكان سيداً مطاعاً شريفاً في (دوس)، وكان قد قدم (مكة)، فاجتمع به أشراف قريش، وحذروه من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ونهوه أن يجتمع به، أويسمع كلامه.
روى الإمام أحمد والبخاري عن أبي هريرة قال:
لما قدم الطفيل وأصحابه على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن دوساً قد استعصت [وأبت، فادع الله عليهم. فاستقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم القبلة، ورفع يديه، فقال الناس: هلكوا]، قال:
((اللهم! اهد دوساً، وائت بهم، [اللهم! اهد دوساً، وائت بهم])).


قصة مصارعة ركانة

روى أبو داود والترمذي عن أبي جعفر بن محمد بن ركانة عن أبيه:
أن ركانة صارع النبي صلى الله عليه وسلم، فصرعه النبي صلى الله عليه وسلم.
وقال الترمذي: ((غريب)).
قلت: وقد روى أبو بكر الشافعي بإسناد جيد عن ابن عباس رضي الله عنهما:
أن يزيد بن ركانة صارع النبي صلى الله عليه وسلم ، فصرعه النبي صلى الله عليه وسلم ثلاث مرات؛ كل مرة على مائة من الغنم، فلما كان في الثالثة قال: يا محمد! ما وضع ظهري إلى الأرض أحد قبلك، وماكان أحد أبغض إلي منك، وأنا أشهد أن لا إله إلا الله، وأنك رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فقام عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورد عليه غنمه.

@قال ابن إسحاق: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا جلس في المسجد، فجلس عليها المستضعفون من أصحابه: خباب، وعمار، وأبو فكيهة يسار مولى صفوان بن أمية، وصهيب، وأشباههم من المسلمين؛ هزئت به قريش، وقال بعضهم لبعض: هؤلاء أصحابه كما ترون! أهؤلاء منّ الله عليهم من بيننا بالهدى ودين الحق؟! لو كان ما جاء به محمد خيراً ما سبقنا هؤلاء إليه، وما خصهم الله به دوننا!
فأنزل الله عز وجل فيهم: ﴿ وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ. وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهَؤُلَاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ. وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [الأنعام: 52-54].

قال: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم كثيراً ما يجلس عند المروة إلى مبيعه غلام نصراني يقال له: جبر؛ عبد لبني الحضرمي، وكانوا يقولون: والله؛ ما يعلّم محمداً كثيراً مما يأتني به إلا جبر.
فأنزل الله تعالى في ذلك من قولهم: ﴿إنما يعلمه بشر لسان الذي يُلحدون إليه أعجمي وهذا لسان عربي مبين﴾ [النحل: 103].
ثم ذكر نزول سورة (الكوثر) في العاص بن وائل حين قال: عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : إنه أبتر. أي : لا عقب له؛ فإذا مات انقطع ذكره، فقال الله تعالى : ﴿إن شانئك هو الأبتر﴾.
أي: المقطوع الذِكر بعده؛ ولو خلف ألوفاً من النسل والذرية، وليس الذكر والصيت ولسان الصدق بكثرة الأولاد والأنسال والعقب. وقد تكلمنا على هذه السورة في ((التفسير))، ولله الحمد.
[ثم روى ابن إسحاق (2/35) بإسناده الصحيح عن أنس قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وقيل له: يا رسول الله! ما الكوثر الذي أعطاك الله؟ قال:
((نهر كما بين (صنعاء) إلى (أيلة)، آنيته كعدد نجوم السماء، ترده طيور لها أعناق كأعناق الإبل)).
قال: يقول عمر بن الخطاب: إنها يا رسول الله! لناعمة. قال:
((أكلّها أنعمُ منها)).

@قال ابن إسحاق:
وقد سمعت في هذا الحديث أو غيره أنه قال صلى الله عليه وسلم :
((من شرب منه لا يظمأ أبداً))].
قلت: وقال الله تعالى : ﴿ وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ وَلَقَدْ جَاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ﴾[ألأنعام: 34].
وقال تعالى : ﴿إنا كفيناك المستهزئين﴾ [الحجر: 95].
قال سفيان: عن جعفر بن إياس عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال:
المستهزؤون: الوليد بن المغيرة، والأسود بن عبد يغوث الزهري، والأسود بن المطلب أبو زمعة، والحارث بن عيطل، والعاص بن وائل السهمي.

فأتاه جبريل، فشكاهم إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأراه الوليد، فأشار جبريل إلى أكحله، وقال: كفيته.
ثم أراه الأسود بن المطلب، فأومأ إلى عينيه، وقال: كُفيته.
ثم أراه الحارث بن عيطل، فأومأ إلى بطنه، وقال: كفيته.
ومر به العاص بن وائل ، فأومأ إلى أخمصه، وقال: كفيته.
فأما الوليد؛ فمر برجل من خزاعة وهو يريش نبلاً له، فأصاب أكحله، فقطعها.
وأما الأسود بن عبد يغوث؛ فخرج في رأسه قروح؛ فمات منها.
وأما الأسود بن المطلب فعمي، وكان سبب ذلك أنه نزل تحت سمرة، فجعل يقول: يا بنيّ ألا تدفعون عني؟ قد قتلت فجعلوا يقولون: ما نرى شيئاً. وجعل يقول: يا بنيّ! ألا تدفعون عني؟ قد هلكت! ها هو ا الطعن بالشوك في عيني. فجعلوا يقولون: ما نرى شيئاً. فلم يزل كذلك حتى عميت عيناه.

وأما الحارث بن عيطل؛ فأخذه الماء الأصفر في بطنه؛ حتى خرج خرؤه من فيه ؛ فمات منها.
وأما العاص بن وائل؛ فبينما هو كذلك يوماً؛ إذا دخل في رجله شبرقة حتى امتلأت منها؛ فمات منها.
وقال غيره في هذا الحديث.
فركب إلى الطائف على حمار، فربض به على شبرقة (يعني: شوكة)، فدخلت في أخمص قدمه شوكة، فقتلته.
رواه البيهقي بنحو من هذا السياق.
[المستدرك]

عَنْ خَبَّابٍ قَالَ:
جَاءَ الْأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ التَّمِيمِيُّ وَعُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنٍ الْفَزَارِيُّ، فَوَجَدَوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ صُهَيْبٍ وَبِلالٍ وَعَمَّارٍ وَخَبَّابٍ قَاعِدًا فِي نَاسٍ مِنْ الضُّعَفَاءِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ، فَلَمَّا رَأَوْهُمْ حَوْلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَقَرُوهُمْ، فَأَتَوْهُ فَخَلَوْا بِهِ، وَقَالُوا:
إِنَّا نُرِيدُ أَنْ تَجْعَلَ لَنَا مِنْكَ مَجْلِسًا تَعْرِفُ لَنَا بِهِ الْعَرَبُ فَضْلَنَا، فَإِنَّ وُفُودَ الْعَرَبِ تَأْتِيكَ، فَنَسْتَحْيِي أَنْ تَرَانَا الْعَرَبُ مَعَ هَذِهِ الْأَعْبُدِ! فَإِذَا نَحْنُ جِئْنَاكَ فَأَقِمْهُمْ عَنْكَ، فَإِذَا نَحْنُ فَرَغْنَا فَاقْعُدْ مَعَهُمْ إِنْ شِئْتَ. قَالَ :
((نَعَمْ)).
قَالُوا: فَاكْتُبْ لَنَا عَلَيْكَ كِتَابًا.
قَالَ: فَدَعَا بِصَحِيفَةٍ، وَدَعَا عَلِيًّا لِيَكْتُبَ - وَنَحْنُ قُعُودٌ فِي نَاحِيَةٍ - فَنَزَلَ جِبْرَائِيلُ عَلَيْهِ السَّلام فَقَالَ: ﴿وَلَا تَطْرُدْ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنْ الظَّالِمِينَ﴾ [ الأنعام:52].
ثُمَّ ذَكَرَ الأقْرَعَ بْنَ حَابِسٍ وَعُيَيْنَةَ بْنَ حِصْنٍ فَقَالَ: ﴿وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهَؤُلَاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ﴾ [الأنعام:53] .

ثُمَّ قَالَ: ﴿وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ﴾ [الأنعام:54].
قَالَ : فَدَنَوْنَا مِنْهُ حَتَّى وَضَعْنَا رُكَبَنَا عَلَى رُكْبَتِهِ، [وهو يقول :﴿ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ﴾].
وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَجْلِسُ مَعَنَا، فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَقُومَ قَامَ وَتَرَكَنَا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: ﴿وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ﴾:
وَلَا تُجَالِسْ الْأَشْرَافَ ﴿تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا﴾ يَعْنِي: عُيَيْنَةَ وَالْأَقْرَعَ ﴿وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا﴾ قَالَ: هَلاكًا؛ قَالَ: أَمْرُ عُيَيْنَةَ وَالأَقْرَعِ، ثُمَّ ضَرَبَ لَهُمْ مَثَلَ الرَّجُلَيْنِ وَمَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا.

قَالَ خَبَّابٌ: فَكُنَّا نَقْعُدُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِذَا بَلَغْنَا السَّاعَةَ الَّتِي يَقُومُ فِيهَا؛ قُمْنَا وَتَرَكْنَاهُ حَتَّى يَقُومَ.
أخرجه ابن ماجة (4127) والسياق له، وابن جرير (7/201)، وابن أبي شيبة أيضاً، وأبو يعلى، وأبو نعيم في ((الحلية))، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ ، وابن مردويه، والبيهقي في ((الدلائل))؛ كما في ((الدر المنثور)) (3/13)، وإسناده صحيح كما قال البوصيري. وله شاهد عن ابن مسعود مختصراً. أخرجه أحمد (1/420)، وابن جرير (7/200) من طريق أشعث عن كردوس الثعلبي عنه. وسنده صحيح إن كان أشعث بن أبي الشعثاء. ثم ترجح عندي أنه ابن سوار، وفيه ضعف؛ لأنه ممن رواه عن حفص بن غياث.
عن سعد قال:
كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم ستة نفر، فقال المشركون للنبي صلى الله عليه وسلم : اطرد هؤلاء لا يجترؤون علينا.

قال: وكنت أنا وابن مسعود ورجل من هذيل وبلال ورجلان لست أسميهما، فوقع في نفس رسول الله صلى الله عليه وسلم ما شاء الله أن يقع، فحدث نفسه، فأنزل الله عز وجل: ﴿ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه﴾ [الأنعام: 52].
أخرجه مسلم (2413)، وابن ماجه (4128)، وابن جرير (7/202)، والحاكم (3/319) وقال: ((صحيح على شرط الشيخين))، ووافقه الذهي، وعزاه المؤلف في ((التفسير)) لابن حبان والحاكم فقط! وعزاه في ((الدر)) (3/13) لجمع آخر منهم أحمد، ولم أره في ((مسنده)).

وعن ابن عباس قال:
لما قدم كعب بن الأشرف (مكة) أتوه، فقالوا له: نحن أهل السقاية والسدانة، وأنت سيد أهل (المدينة)، فنحن خير أم هذا الصنبور المنبتر من فوقه يزعم أنه خير منا؟ قال: بل أنتم خير منه! فنزلت عليه: ﴿إن شانئك هو الأبتر﴾.
قال: وأنزلت عليه: ﴿تَرَ إلى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يَشْتَرُونَ الضَّلَالَةَ وَيُرِيدُونَ أَنْ تَضِلُّوا السَّبِيلَ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِأَعْدَائِكُمْ وَكَفَى بِاللَّهِ وَلِيًّا وَكَفَى بِاللَّهِ نَصِيرًا﴾ [النساء: 44و45].
أخرجه ابن جرير في ((التفسير)) (30/330) بإسناد صحيح رجاله رجال الصحيح))، وقال المؤلف في ((التفسير)): ((رواه البزار، وإسناده صحيح)). وفي ((المجمع)) (7/6): ((رواه الطبراني، وفيه يونس بن سليمان الجمال، ولم أعرفه، وبقية رجاله رجاله رجال (الصحيح) )).

قلت: قد توبع عند الأولين، فصح الحديث، والحمد لله. [انتهى المستدرك].


فصل دعاء النبي صلى الله عليه وسلم على قريش

وذكر البيهقي ها هنا دعاء النبي صلى الله عليه وسلم على قريش حين استعصت عليه بسبع مثل سبع يوسف.
وأورد ما أخرجاه في ((الصحيحين)) عن ابن مسعود قال:
خمس [قد] مضين: اللزام، والروم، والدخان، والبطشة، والقمر.
وفي رواية عن ابن مسعود قال:
إن قريشا لما استعصت على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبطؤوا عن الإسلام قال:
((اللهم! أعنّي عليهم بسبع كسبع يوسف)).
قال فأصابتهم سنة حتى حصّت كل شيء، حتى أكلوا الجيف، وحتى أن أحدهم كان يرى ما بينه وبين السماء كهيئة الدخان من الجوع، ثم دعا، فكشف الله عنهم، ثم قرأ عبد الله هذه الآية: ﴿إنا كاشفوا العذاب قليلاً إنكم عائدون﴾[الدخان:15].

قال: فعادوا فكفروا، فأخرّوا إلى يوم بدر.
قال عبد الله: إن ذلك لو كان يوم القيامة كان لا يكشف عنهم ﴿يوم نبطش البطشة الكبرى إنا منتقمون﴾ [الدخان: 16]؛ قال: يوم بدر.
وفي رواية عنه قال:
لما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم من الناس إدباراً قال:
((اللهم سبع كسبع يوسف)).
فأخذتهم سنة؛ حتى أكلوا الميتة والجلود والعظام، فجاءه أبو سفيان وناس من أهل (مكة)، فقالوا: يا محمد! إنك تزعم أنك بعثت رحمة، وإن قومك قد هلكوا؛ فادع الله لهم.
فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسقوا الغيث، فأطبقت عليهم سبعا، فشكا الناس كثرة المطر، فقال:
((اللهم حوالينا ولا علينا)).
فانحدرت السحابة عن رأسه فسُقِيَ الناس حولهم.

قال: لقد مضت آية الدخان، وهو الجوع الذي أصابهم، وذلك قوله: ﴿إنا كاشفوا العذاب قليلا إنكم عائدون﴾ [الدخان:15]. وآية الروم، والبطشة الكبرى، وانشقاق القمر، وذلك كله يوم بدر.
قال البيهقي: يريد - والله أعلم - البطشة الكبرى، والدخان، وآية اللزام كلها حصلت بـ(بدر).
قال: وقد أشار البخاري إلى هذه الرواية.
ثم أورد من حديث ابن عباس قال:
جاء أبو سفيان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، يستغيث من الجوع؛ لأنهم لم يجدوا شيئا حتى أكلوا العهن، فأنزل الله تعالى : ﴿ولقد أخذناهم بالعذاب فما استكانوا لربهم وما يتضرعون﴾ [المؤمنون: 76].
قال: فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى فرج الله عنهم.

ثم قال الحافظ البيهقي:
وقد روي في قصة أبي سفيان ما دل على أن ذلك بعد الهجرة ولعله كان مرتين. والله أعلم.
[المستدرك]
عن أبيّ بن كعب أنه قال:
في هذه الآية: ﴿ولنذيقنهم من العذاب الأدنى دون العذاب الأكبر﴾ [السجدة: 21] قال:
المصيبات في الدنيا – قال: - والدخان قد مضى، والبطشة واللزام.
أخرجه مسلم (2799)، وابن جرير (21/108)، وأحمد في ((المسند)) (5/128)، وصححه الحاكم (4/428). [انتهى المستدرك].


فصل قصة فارس والروم

ثم أورد البيهقي قصة فارس والروم ونزول قوله تعالى : ﴿الم. غُلِبَتِ الرُّومُ. فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ. فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ. بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ﴾ [الروم: 1-5].
ثم روى عن ابن عباس قال:
كان المسلمون يحبون أن يظهر الروم على فارس؛ لأنهم أهل الكتاب، وكان المشركون يحبون أن تظهر فارس على الروم؛ لأنهم أهل أوثان، فذكر ذلك المسلمون لأبي بكر، فذكر ذلك أبو بكر للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال:
((أما إنهم سيظهرون)).
فذكر ذلك أبو بكر للمشركين، فقالوا: اجعل بيننا وبينك إن ظهروا لك كذا وكذا، وإن ظهرنا كان لنا كذا وكذا. [فجعل أجلاً خمس سنين، فلم يظهروا].

فذكر ذلك أبو بكر للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال:
((ألا جعلته – أراه قال: - دون العشر؟)).
فظهرت الروم بعد ذلك.
[232]
وقد أوردنا طرق هذا الحديث في ((التفسير))، وذكرنا أن المُنَاخب- أي: المُراهن – لأبي بكر أميّة بن خلف، وأن الرهن كان على خمس قلائص، وأنه كان إلى مدة، فزاد فيها الصديق عن أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي الرهن، وأن غلبة الروم على فارس كان يوم بدر، أو كان يوم الحديبية. فالله أعلم.


فصل في الإسراء برسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة إلى بيت المقدس ثم عروجه من هناك إلى السماوات وما رأى هناك من الآيات

ذكر ابن عساكر أحاديث الإسراء في أوائل البعثة، وأما ابن إسحاق؛ فذكرها في هذا الموطن بعد البعثة بنحو من عشر سنين، وهو في الأظهر.
وقد ذكرنا الأحاديث الواردة في ذلك مستقصاة عند قوله تعالى : ﴿سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير﴾ [الإسراء:1].
فلتكتب من هناك على ما هي عليه من الأسانيد والعزو، والكلام عليها ومعها، ففيها مقنع وكفاية. ولله الحمد والمنة.

عن الكاتب

A. Fatih Syuhud

التعليقات


جميع الحقوق محفوظة

الكتب الإسلامية