الكتب الإسلامية

مجموعة الكتب والمقالات الإسلاية والفقه علي المذاهب الأربعة

recent

آخر الأخبار

recent
جاري التحميل ...

الفــــــصل الثاني أنواع التوسل




الفهرس



الفــــــصل الثاني : أنواع التوسل


المبحث الأول : التوسل المشروع :

كل عبادة ثابتة في الشرع بدليل صحيح من الكتاب والسنة فهي وسيلة يتوسل بها العبد إلى -الله عز وجل- للوصول إلى جنته ورضاه وهذا هو مقصود العبد الأعظم ، أو يريد بهذه العبادة الحصول على مبتغاه من أمور الدنيا كالشفاء من مرض أو الرزق بالولد أو غير ذلك من مقاصد العبد الدنيوية ، وهذه العبادة إذا كانت على صورة دعاء فقد قسم العلماء التوسل فيها إلى ستة أقسام :

القسم الأول: التوسل إلى الله تعالى بأسمائه سواء كان بالأسماء على سبيل العموم أو باسم معين منها.

فمثال التوسل بالأسماء على سبيل العموم : ما ثبت في الحديث الصحيح عن ابن مسعود رضي الله عنه في دعاء الهم والغم: "اللهم إني عبدك ابن عبدك ابن أمتك، ناصيتي بيدك، ماض في حكمك، عدل في قضاؤك، أسألك اللهم بكل اسم هو لك سميت به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو علمته أحداً من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك أن تجعل القرآن العظيم ربيع قلبي، ونور صدري، وجلاء حزني، وذهاب همي وغمي" .

والشاهد من الحديث قوله: "بكل اسم هو لك". ونقول : نحن اللهم إني أسألك بأسمائك الحسنى، ودليل هذا القسم قوله تعالى: (ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها) .

أما التوسل باسم خاص: فمثل أن تقول: "يا غفور اغفر لي يا رحيم ارحمني، اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني". وهذا توسل باسم لكنه خاص.

وفي هذا النوع يجب أن يكون الاسم مناسباً للدعاء، فإذا أردت أن تسأل الله الرزق تقول: يا رزاق، والمغفرة يا غفور، والعفو يا عفو، وهكذا.

لكن لو قلت : اللهم يا شديد العقاب اعف عني فهذا غير مناسب، فكيف تتوسل باسم يدل على العقوبة إلى عفو الله عز وجل، إنما تدعو الله تعالى بالأسماء المناسبة لما تدعو به.

القسم الثاني: التوسل إلى الله تعالى بصفاته سواء كان ذلك على سبيل العموم أو بصفة خاصة.

ومن الصفات الأفعال، فإن الأفعال صفات، مثال ذلك أن تقول: "اللهم إني أسألك بأسمائك الحسنى وصفاتك العليا" وهذا التوسل صحيح، والتوسل بالصفات يكون كذلك عاماً، ويكون خاصاً، فمثال العام ما ذكرته آنفاً، ومثال الخاص: "أعوذ بعزة الله وقدرته من شر ما أجد وأحاذر" فهنا توسل بصفة من صفات الله عز وجل.

ومن التوسل بالأفعال: "اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم" .

فأنت تسأل الذي منَّ بصلاته على إبراهيم وعلى آل إبراهيم أن يمن بصلاته على محمد وعلى آل محمد، فالكاف في قولك: "كما صليت" ليست للتشبيه ولكنها للتعليل.

القسم الثالث: التوسل إلى الله تعالى بالإيمان به.

أي أن يتوسل الإنسان إلى الله تعالى بالإيمان به وبرسوله فيقول: اللهم بإيماني بك وبرسولك أسألك كذا وكذا. فيصح هذا، ودليله قوله تعالى: (إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار) إلى أن قال: (ربنا إننا سمعنا منادياً ينادي للإيمان أن آمنوا بربكم فآمنا ربنا فاغفر لنا ذنوبنا وكفر عنا سيئاتنا) أي فبسبب إيماننا برسولك فاغفر لنا، فجعلوا الإيمان به وسيلة للمغفرة.
فالتوسل بالإيمان بالله، والإيمان برسوله صلى الله عليه وسلم ، والتوسل بمحبة الله، ومحبة رسوله صلى الله عليه وسلم جائز، لأن الإيمان بالله سبب موصل للمغفرة، ومحبة الله ورسوله سبب موصل للمغفرة فصح أن يتوسل إلى الله تعالى به.

القسم الرابع: التوسل إلى الله تعالى بحال الداعي.

أي أن يتوسل الداعي إلى الله بحاله ولا يذكر شيئاً مثل أن يقول: "اللهم إني أنا الفقير إليك، اللهم إني أنا الأسير بين يديك" وما أشبه ذلك، والدليل على ذلك قول موسى عليه الصلاة والسلام حين سقى للمرأتين ثم تولى إلى الظل فقال: (رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير) ولم يذكر شيئاً.

ووجه هذه الآية أن حال الداعي إذا وصفها الإنسان فإنها تقتضي الرحمة واللطف والإحسان لا سيما إذا كانت بين يدي أرحم الراحمين جل وعلا.

والقسم الخامس: التوسل بدعاء من ترجى إجابة دعائه.

ودليل ذلك ما ثبت في الصحيحين (أن النبي صلى الله عليه وسلم ، كان يخطب الناس يوم الجمعة فدخل رجل فاستقبل النبي صلى الله عليه وسلم ، وقال: يا رسول الله هلكت الأموال، وانقطعت السبل فادع الله يغيثنا، فرفع النبي صلى الله عليه وسلم ، يديه ثم قال: "اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا" ـ ثلاث مرات ـ. قال أنس بن مالك: "والله ما نرى في السماء من سحاب ولا قزعة"ـ والقزعة هي القطعة الصغيرة من الغيم ـ، وما بيننا وما بين سلع من بيت ولا دار ـ وسلع جبل بالمدينة تأتي من نحوه السحب ـ قال : فخرجت من ورائه سحابة مثل الترس فلما توسطت السماء انتشرت ثم أمطرت فما نزل النبي صلى الله عليه وسلم ، من منبره إلا والمطر يتحادر من لحيته) .

القسم السادس: التوسل إلى الله بالعمل الصالح.

وهو أن يذكر الإنسان بين يدي دعائه عملاً صالحاً يكون سبباً في حصول المطلوب، ومثاله قصة الثلاثة الذين حدث عنهم الرسول صلى الله عليه وسلم ، (ثلاثة من بني إسرائيل آواهم المبيت إلى غار، فدخلوا الغار فأراد الله -عز وجل- بحكمته أن تنطبق عليهم صخرة ابتلاء وامتحاناً وعبرة لعباده انطبقت عليهم الصخرة فأرادوا أن يدفعوها فعجزوا فقال بعضهم لبعض : إنه لا يخرجكم من ذلك إلا أن تتوسلوا إلى الله تعالى بصالح أعمالكم، فتوسلوا إلى الله بصالح أعمالهم فقال أحدهم: اللهم إنه كان لي أبوان شيخان كبيران وكنت لا أغبق قبلهما أهلاً ولا مالاً، فأتي بي طلب الشجر يوماً فرحت عليهما فوجدتهما نائمين وكرهت أن أغبق أحداً قبلهما، فبقي الإناء على يدي حتى برق الفجر، ثم استيقظا فسقيتهما، اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك فاصرف عنا ما نحن فيه، أو فافرج عنا ما نحن فيه فانفرجت الصخرة قليلاً لكنهم لا يستطيعون الخروج.

أما الثاني: فذكر أن له ابنة عم وكان يحبها حباً شديداً فأرادها على نفسها فأبت، ثم إنه في سنة من السنوات ألمت بها الحاجة فجاءت إليه تطلب دفع حاجتها فأعادها إلا أن تمكنه من نفسها ـ هي للضرورة مكنته من نفسها ـ فلما جلس منها مجلس الرجل من امرأته قالت له: يا هذا اتق الله، ولا تفض الخاتم إلا بحقه ـ فهذه كلمة عظيمة مؤثرة ـ قال: فقمت عنها وهي أحب الناس إلي ـ يعني ما تركتها رغبة لأني لا أريدها لكنه تركها خوفاً من الله عز وجل حين ذكر به ـ وأعطاها حاجتها" فجمع هذا الرجل بين كمال العفة والصلة، قال: "اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا ما نحن فيه، فانفرجت الصخرة إلا أنهم لا يستطيعون الخروج.

أما الثالث: فذكر أن له أجراء ـ يعني أناساً استأجرهم ـ وأعطى كل واحد منهم أجره، إلا واحداً لم يعطه أجره، فنماه له، وصار فيه إبل وغنم وبقر ورقيق حتى جاء العامل يطلب أجره فقال له : كل ما ترى من الإبل والغنم والرقيق كله لك، فقال له الأجير: اتق الله، لا تستهزئ بي، فقال: لا أستهزئ بك هذه أجرتك، فأخذها الأجير وذهب بها كلها فهذه المعاملة والوفاء التام من هذا الرجل، لأنه من الممكن أنه إذا جاء يطلب أجره أن يعطيه أجره وينتهي، لكن لأمانته ووفائه أعطاه كل ما نماه أجره، قال: اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا ما نحن فيه، فانفرجت الصخرة وخرجوا يمشون) .

فلو قال قائل : اللهم إني أسألك ببر والدي أن توفقني لبر أولادي بي، فهذا توسل صحيح، وهو توسل بالعمل الصالح.


المبحث الثاني : التوسل الممنوع

إن أي عبادة لا تكون شرعية إلا إذا ثبتت بدليل صحيح من الكتاب والسنة ، وإذا لم يتوفر فيها هذا الشرط خرجت من دائرة المشروع إلى الممنوع ، بالتالي التوسل لا يمكن أن نصفه بأنه شرعي وموصل إلى المقصود فعلاً إلا بدليل صحيح من الكتاب أو السنة ، أما إذا افتقد ذلك كان ممنوعاً ،وإذا قام دليل يحرمه فالحظر أشد من باب أولى .
لذلك يعرف العلماء التوسل الممنوع بقولهم :
هو أن يتوسل بوسيلة لم يأت بها الشرع .

وسنتناول في التوسل الممنوع مطلبين :


المطلب الأول : أقسام التوسل الممنوع:

يقسم العلماء التوسل الممنوع إلى قسمين( ) :

1- التوسل البدعي : وهو التوسل بوسيلة سكت عنها الشرع ، كالتوسل بجاه الأنبياء أو طلب الدعاء منهم.

2- التوسل الشركي : أن يتوسل بوسيلة أبطلها الشرع ، كتوسل المشركين بآلهتهم, أو توسل الضالين من المبتدعة بالرسول  وبأولياءهم كقولهم (مدد يا رسول الله) (مدد يا بدوي ، يا جيلاني ، يا رفاعي ...وهذا شرك أكبر يأتيهم بعكس مقصودهم فيوجب دخولهم النار ولا يكون وسيلة للوصول إلى رضا الله جل وعلا ولا حتى قضاء مطالبهم !

ثم نجد من قسم التوسل الممنوع بإعتبار اقترانه بالدعاء إلى ثلاثة أنواع :

الأول : أن يدعو غير الله وهو ميت غائب سواء من الأنبياء والصالحين أو غيرهم فيقول : يا سيدي فلان ،اغثني ، أو أنا استجير بك ، أو استغيث بك ونحو ذلك فهذا هو الشرك .

الثاني : أن يطلب الدعاء من الميت أو الغائب سواء كان الأنبياء والصالحين فيقول : ادع الله لي ، أو ادع ربك ، أو أسأل الله لنا ونحو ذلك فهذا لا يستريب عالم أنه غير جائز و أنه من البدع التي لم يفعلها أحد من سلف الأمة .
الثالث : أن يسأل الله بذات أحد من الصالحين أو جاهه فيقول في دعاءه أسألك اللهم بفلان أو بجاه ونحو ذلك وهذا منهي عنه على الراجح( ).

تعليق ختامي

انظر : مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين ( 5/ 205) والتوسل انواعه وأحكامه للألباني (ص34).
رواه أحمد ( 1/ 391، 452) وابن أبي شيبة في المصنف ( 29318) وأبو يعلى ( 5276) وابن حبان ( 972) والطبراني في المعجم الكبير (10 / 209 ) والحاكم ( 1| 509) وابن السني في عمل اليوم والليلة ( 340) .
الأعراف : 180
سنن ابن ماجه (2/1163 ) . المعجم الكبير للطبراني (9/45).
صحيح البخاري (3 /1233) صحيح مسلم (1/305 ).
سورة ال عمران : 193.
القصص: 24.
صحيح البخاري( 1/ 344) . صحيح مسلم ( 2/ 613) .
صحيح البخاري ( 2/ 793) .
والمتتبع لآيات الدعاء في القرآن قد يجد أنواع غيرها ، كتقديم الإعتراف بالذنب ، وكتقديم شكر النعمة وقد تدخل في غيرها من الأنواع السابقة .
انظر : مجموع فتاوى ابن عثيمين ( 2/270) .
انظر مجموع الفتاوى (2\243).

عن الكاتب

A. Fatih Syuhud

التعليقات


جميع الحقوق محفوظة

الكتب الإسلامية