الكتب الإسلامية

مجموعة الكتب والمقالات الإسلاية والفقه علي المذاهب الأربعة

recent

آخر الأخبار

recent
جاري التحميل ...

مباحث الربا علي المذاهب الأربعة

مباحث الربا علي المذاهب الأربعة

المحتويات



مباحث الربا تعريفه وأقسامه

* ومن البيوع الفاسدة المنهي عنها نهياً مغلظاً "الربا" ومعناه في اللغة: الزيادة. قال اللّه تعالى: {فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت} أي علت وارتفعت، وذلك معنى الزيادة فإن العلو والارتفاع زيادة على الأرض. وقال تعالى: {أن تكون أمة هي أربى من أمة} أي أكثر عدداً.

أما في اصطلاح الفقهاء: فهو زيادة أحد البدلين المتجانسين من غير أن يقابل هذه الزيادة عوض، وينقسم إلى قسمين: (الشافعية - قالوا: ينقسم الربا إلى ثلاثة أقسام. الأول: ربا الفضل، ومنه ربا الفرض كأن يقرضه عشرين جنيهاً بشرط أن يكون له منفعة كأن يشتري سلعة أو يزوجه ابنته، أو يأخذ منه فائدة مالية ونحو ذلك كما تقدم في البيع الفاسد. الثاني: ربا النسيئة وهو المذكور. الثالث: ربا اليد ومعناه أنه يبيع المتجانسين كالقمح من غير تقابض) الأول: ربا النسيئة، وهو أن تكون الزيادة المذكورة في مقابلة "تأخير الدفع" ومثال ذلك: ما إذا اشترى إردباً من القمح في زمن الشتاء بإردب ونصف يدفعها في زمن الصيف. فإن نصف الإردب الذي زاد في الثمن لم يقابله شيء من المبيع، وإنما هو في مقابل الأجل فقط، ولذا سمي ربا النسيئة أي التأخير. الثاني: ربا الفضل، وهو أن تكون الزيادة المذكورة مجردة عن التأخير فلم يقابلها شيء، وذلك كما إذا اشترى إردباً من القمح بإردب وكيلة من جنسه مقايضة بأن استلم كل من البائع والمشتري ماله. وكما إذا اشترى ذهباً مصنوعاً زنته عشرة مثاقيل بذهب مثله قدره مثقالاً.


حكم ربا النسيئة ودليله

* لا خلاف بين أئمة المسلمين في تحريم ربا النسيئة، فهو كبيرة من الكبائر بلا نزاع، وقد ثبت ذلك بكتاب اللّه تعالى وسنة رسوله وإجماع المسلمين، فقد قال تعالى: {وأحل اللّه البيع وحرم الربا فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف وأمره إلى اللّه، ومن عاد فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون، يمحق اللّه الربا ويربي الصدقات، واللّه لا يحب كل كفار أثيم. يا أيها الذين آمنوا اتقوا اللّه وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين. فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من اللّه ورسوله، وإن تبتم فلكم رؤوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون}.

فهذا كتاب اللّه تعالى قد حرم الربا تحريماً شديداً، وزجر عليه زجراً تقشعر له أبدان الذين يؤمنون بربهم ويخافون عقابه، وأي زجر أشد من أن يجعل اللّه المرابين خارجين عليه محاربين له ولرسوله؟ فماذا يكون حال ذلك الإنسان الضعيف إذا كان محارباً للإله القادر القاهر الذي لا يعجزه في الأرض ولا في السماء؟ لا ريب في أنه بذلك قد عرض نفسه للهلاك والخسران.

أما معنى الربا الذي يؤخذ من هذه الآية الكريمة، فالظاهر أنه هو الربا المعروف عند العرب في الجاهلية، وقد بينه المفسرون فقد ذكر غير واحد منهم: أن الواحد من العرب كان إذا داين شخصاً لأجل وحل موعده فإنه يقول لمدينة: أعط الدين أو أرب ومعنى هذا أنه يقول له: إما أن تعطي الدين أو تؤخره بالزيادة المتعارفة بيننا، وهذه الزيادة تكون في العد كأن يؤجل له دفع الناقة على أن يأخذها ناقتين، وتارة تكون بالسن كأن يؤجل له دفع ناقة سن سنة على أن يأخذها منه سن سنتين أو ثلاث وهكذا ومثل ذلك أيضاً ما كان متعارفاً عندهم من أن يدفع أحدهم للآخر مالاً لمدة ويأخذ كل شهر قدراً معيناً، فإذا حل موعد الدين ولم يستطع المدين أن يدفع رأس المال أجل له مدة أخرى بالفائدة الذي يأخذها منه، وهذا هو الربا الغالب في المصارف وغيرها ببلادنا، وقد حرمه اللّه تعالى على المسلمين وعلى غيرهم من الأمم الأخرى، ونهى عنه اليهود والنصارى لما فيه من إرهاق المضطرين، والقضاء على عوامل الرفق والرحمة بالإنسان، ونزع التعاون والتناصر في هذه الحياة، فإن الإنسان من حيث هو لا يصح أن يكون مادياً من جميع جهاته ليس فيه عاطفة خير لأخيه، فيستغل فرصة احتياجه ويوقعه في شرك الربا فيقضى على ما بقي فيه من حياة، مع أن اللّه تعالى قد أوصى الأغنياء بالفقراء وجعل لهم حقاً معلوماً في أموالهم وشرع القرض لإغاثة الملهوفين وإعانة المضطرين، فضلاً عما في الربا من حصر الأموال في فئة المرابين، وفتح أبواب الشهوات لضعاف الإرادة والقضاء على ما عندهم من ثروة إلى غير ذلك من المضار الكثيرة التي يضيق المقام عن ذكرها، وقد بيناها أتم بيان في الجزء الثاني من كتاب الأخلاق الدينية في حكمة تشريع البيع.

فالآيات الكريمة تدل دلالة قاطعة على تحريم ربا النسيئة، منه ما هو معروف في زماننا من إعطاء ما يأجل بفائدة سنوية أو شهرية على حساب المائة، وما يحتمل به بعضهم من التحكك بالدين في جواز هذا النوع، فإنه بعيد كل البعد عن الدين ومناف لحكمه تشريعة في صورتها ومعناها فقد زعم بعضهم أن المحرم من ذلك هو أكل الربا أضعافاً مضاعفة كما ورد في آية آل عمران: {يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا الربا أضعافاً مضاعفة. واتقوا اللّه لعلكم تفلحون}. وهذا خطأ صريح لأن الغرض من الآية الكريمة إنما هو التنفير من أكل الربا، ولفت نظر المرابين لما عساه أن يؤول إليه أمر الربا من التضعيف الذي قد يستغرق مال المدين، فيصبح لمرور الزمن وتراكم فوائد الربا فقيراً بائساً عاطلاً في هذه الحياة بسبب هذا النوع الفاسد من المعاملة، وفي ذلك من الضرر على نظام العمران ما لا يخفى، ولا يكاد يتصور عاقل أن اللّه تعالى ينهى عن ثلاثة أضعاف، ولا ينهى عن الضعفين أو الضعف، على أنه لا يمكن لعاقل أن يفهم هذا المعنى بعد قول اللّه تعالى: {فإن تبتم فلكم رؤوس أموالكم}.

وأغرب من هذا ما يزعم بعضهم من أن القرض بفائدة ليس من باب الربا، لأن الربا عقد بيع لا بد له من صيغة أو ما يقوم مقامها، وما يتعامل به الناس الآن من أخذ المال قرضاً بفائدة ليس بيعاً وقد صرح الشافعية بذلك، ولكن قد فات هذا أن الفقهاء الذين قالوا: إن مثل ذلك ليس بعقد قالوا أيضاً: إنه من باب أكل أموال الناس بالباطل، وإن مضار الربا الذي حرم من أجلها متحققة فيه فحرمته كحرمة الربا، وإثمه كإثمه فالمسألة شكلية لا غير وأما تحريم ربا النساء من السنة فقد وردت فيه أحاديث كثيرة صحيحة.

ومنها في الذهب والفضة قوله صلى اللّه عليه وسلم: "الذهب بالذهب ربا إلا هاء ومعنى ها: خذ وهات يداً بيد فهي اسم فعل. فلا يصح تأجيل البدلة فيه، على أنه حديث الذهب بالذهب والفضة الخ، يدل على حرمة ربا النساء. والفضل في الذهب والفضة والطعام.
وسيأتي بيانه في مبحث ربا الفضل.


حكم ربا الفضل

* أما ربا الفضل وهو أن يبيع أحد الجنسين بمثله بدون تأخير في القبض فهو حرام في المذاهب الأربعة، ولكن بعض الصحابة أجازه، ومنهم سيدنا عبد اللّه بن عباس رضي اللّه عنهما، على أن بعضهم نقل أنه رجع عن رأيه أخيراً وقال بحرمته أيضاً، على أن ربا الفضل ليس له كبير الأثر في المعاملة لقلة وقوعه، لأن ليس من مقاصد الناس أن يشتري الواحد شيئاً بجنسه أو يبيعه إلا إذا كان في أحد الجنسين معنى زائد يريد كل واحد من المتعاقدين أن ينتفع به. وإنما حرم ذلك لما عساه أن يوجد من التحايل والتلبيس على بعض ضعاف العقول، فيزين لهم بعض الدهاة أن هذا الإردب من القمح مثلاً يساوي ثلاثة لجودته، أو هذه القطعة المنقوشة نقشاً بديعاً من الذهب تساوي زنتها مرتين، وفي ذلك من الغبن بالناس والإضرار بهم مالا يخفى، والأصل في تحريمه قوله عليه الصلاة والسلام: "الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والبر بالبر، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر، والملح بالملح، مثلاً بمثل، سواء بسواء، يداً بيد، فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يداً بيد".

فهذا الحديث يدل على أنه لا يجوز بيع شيء من هذه الأصناف المتجانسة بمثله مع زيادة، وأنه لا يجوز تأجيل التقايض فيها، فلا يصح بيع جنيه من الذهب بجنيه وعشرة قروش غلا يداً بيد ولا نسيئة، كما لا يحل بيع قطعة من الذهب زنتها عشرة مثاقيل بقطعة من الذهب زنتها اثنا عشرة مثقالاً. ومثل ذلك القمح والشعير الخ ما ذكر في الحديث.

وقد ورد النهي عن ذلك في بيع الذهب والفضة بخصوصهما، فقد قال صلى اللّه عليه وسلم: "لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا مثلاً بمثل، ولا تشفوا بعضها على بعض، ولا تبيعوا الورق بالورق إلا مثلاً بمثل ولا تشفوا بعضها على بعض، ولا تبيعوا منها غائباً بناجز" متفف عليه. وتشفوا بضم التاء وكسر الشين: تزيدوا.

فإذا اختلف الجنس فإنه يصح فيه البيع والشراء على قيمته وبنقصها، فيصح أن يشتري الجنية الذي قيمته مائة وعشرين مثلاً، كما يصح أن يصرفه بخمسة وتسعين قرشاً وهكذا. ويسمى هذا صرفاً ولكن يشترط فيه التقابض، فلا يصح صرف جنيه بفضة إلا إذا كان كل واحد يأخذ ماله في المجلس، فإذا أخذ تسعين قرشاً وأجل عشرة قروش مثلاً حرم. وسيأتي ذلك موضحاً في الصرف. وكذلك في العام أعني البر والشعير الخ ما ذكر في الحديث، فإنه يشترط فيه التقابض (الحنفية - قالوا: لا يشترط التقابض في بيع الذهب والفضة، وإنما قال: يشترط فيه التعيين وسيأتي موضحاً في الصرف) وإذا كان البدلان طعامين كما إذا باع قَمحاً بأرز، أما إذا كان أحد البدلين نقداً والآخر طعاماً فإنه يصح فيه التأخير، سواء كان الطعام مبيعاً كما إذا اشترى قمحاً بجنيهات لأجل. أو كان الطعام ثمناً كما إذ اشترى خمسة جنيهات بخمسة "أردب" من القمح يدفعها في وقت كذا، وهذا هو السلم.


مبحث الأشياء التي يكون الربا فيها حراماً

* قد عرفت أن ربا النسيئة هو بيع الجنس الواحد ببعضه، أو بجنس آخر مع زيادة في نظير تأخير القبض. كبيع إردب من القمح الآن بإردب ونصف يدفع له بعد شهرين. وكبيع عشرين جنيهاً الآن بخمسة وعشرين تدفع له بعد سنة. وكبيع إردب من القمح الآن بإردبين من الذرة يدفعان له بعد ستة أشهر، لأنه وإن اختلف الجنس في القمح والذرة ولكن يشترط فيه التقابض وعدم تأجيل الدفع وإلا كان ربا.
وإذا كان كذلك: فهل كل جنس في البيع يدخله الربا؟ أو هو مقصور على الأجناس المذكورة في الحديث المتقدم وهي: البر والشعير. والذهب، والفضة، والتمر، والملح؟ لا خلاف بين الأئمة الأربعة على أن الربا يدخل في أجناس أخرى غير التي ذكرت في الحديث قياساً عليها. وإنما اختلفوا في علة تحريم الزيادة في الأشياء المذكورة في الحديث ليقاس عليها غيرها متى وجدت تلك العلة كما هو مفصل في أسفل الصحيفة (الحنابلة - قالوا: العلة في تحريم الزيادة الكيل والوزن، فكل ما يباع بالكيل أو الوزن فإنه يدخله الربا، سواء كان قليلاً لا يتأتى كيله كتمرة بتمرتين. أو لا يتأتى وزنه كقدر الألازة من الذهب، وسواء كان مطعوماً كالأرز والذرة والدخن، أو غير مطعوم كبذر القطن والبرسيم والكتان والحديد والرصاص والنحاس، أما ما ليس بمكيل ولا موزون كالمعدود فإنه لا يجري فيه الربا، فيصح بيع البيضة بيضتين، والسكين بسكينين وإن كانا من جنس واحد لاختلاف الصفة. وقيل: بكراهة ذلك.

الحنفية - قالوا: العلة في تحريم الزيادة هي الكيل والوزن كما يقول الحنابلة، إلا أنهم قالوا: إن القدر الذي يتحقق فيه الربا من الطعام هو ما كان نصف صاع فأكثر، أما إذا كان أقل من نصف صاع فإنه يصح فيه الزيادة، فيجوز أن يشتري حفنة من القمح بحفنتين يداً بيد أو نسيئة وهكذا إلى أن تبلغ نصف صاع، فيصح بيع التمرتين لأن التمر يباع مكيلاً، وكل ما كان أقل من نصف صاع لا يدخله الربا، وهذا هو المشهور، أما القدر الذي يتحقق فيه الربا من الموزون فهو ما دون الحبة من الذهب والفضة، وما كان كتفاحة أو تفاحتين من الطعام، يجوز بيع التفاحة بتفاحتين ولكن يشترط في صحة البيع في مثل ذلك تعيين البدلين كأن يقول: بعتك هذه التفاحة المعينة بهاتين التفاحتين كما سيأتي بيانه، فكل ما تحققت فيه هذه العلة فإنه يدخله الربا، سواء كان مطعوماً أو غير مطعوم، فيقاس على القمح والشعير المذكورين في الحديث كل ما يباع بالكيل كالذرة والأرز والدخن والسمسم والحلبة والجص إذا كان لا يباع بالكيل، ويقاس على الذهب والفضة كل ما يباع بالوزن كالرصاص والنحاس.

أما الذي لا يباع بالكيل ولا بالوزن كالمعدود والمذروع فإنه لا يدخله ربا الفضل، فيجوز أن يبيع الذراع من الثوب بذراعين بثوب من جنسه بشرط القبض الآتي بيانه، كما يجوز أن يبيع البيضة بيضتين والبطيخة باثنتين وهكذا، والضابط في ذلك أن المبيع إذا كان متحداً مع الثمن في الجنس كقمح بقمح، وشعير بشعير وكان يباع بالكيل والوزن فإنه لا يصح أن يوجد في أحد العوضين زيادة، سواء كانت الزيادة لأجل أو لا، فيحرم ربا الفضل وربا الزيادة، وذلك كالقمح والشعير والذهب ونحوهما مما يباع كيلاً أو وزناً، لأنه قد تحقق فيها القدر والكيل والوزن والجنس، أما إذا وجد أحدها فقط فإنه لا يدخله ربا الفضل، وإنما يحرم فيه ربا النسيئة، فمثال ما يتحقق فيه الجنس دون القدر: البيض والبطيخ ونحوهما من كل ما يباع عداً، ومثله الثياب ونحوهما من كل ما يباع بالذراع فإنه قد وجد فيها اتحاد الجنس وانتفى القدر، أعني كونها مبيعة بالكيل أو الوزن، ومثال ما وجد فيه القدر دون اتحاد الجنس: القمح والشعير فإنهما يباعان كيلاً مع اختلاف جنسهما، فيحرم في هذا ربا النساء وهو البيع مع زيادة الأجل، ولا يحرم ربا الفضل وهو البيع مع زيادة بشرط القبض أما بيع الطعام بجنسه بدون زيادة فإنه لا يشترط فيه القبض.

الشافعية - قالوا: الأشياء المذكورة في الحديث تنقسم إلى قسمين: نقد وهو الذهب والفضة ومطعوم وهو ما قصد ليكون طعاماً للآدميين غالباً، أي ما خلقه اللّه بقصد أن يكون لهم طعاماً بأن يلهمهم ذلك ولو شاركهم فيه غيرهم كالفول بالنسبة للبهائم والإنسان، فكل ما وجد فيه النقدية "أي كونه ثمناً" والطعمية - بضم الطاء - "أي كونه مطعوماً" فإنه يدخل فيه الربا، ولا فرق في الثمن بين أن يكون مضروباً كالجنيه والريال، أو غير مضروب كالحلي والتبر، فلا يصح أن يشتري جنيهين بثلاثة لأجل أو مقابضة كما لا يصح أن يشتري قطعة مصنوعة من الذهب زنتها عشرة مثاقيل زنتها ثلاثة عشر كما سيأتي في الصرف.

أما عروض التجارة فإنه يصح بيعها ببعضها مع زيادة أحد المثلين على الآخر، لأنها ليست أثماناً فلم تتحقق فيها العلة المذكورة.
وأما المطعوم فإنه يشمل أموراً ثلاثاً ذكرت في الحديث. أحدها: أن يكون للقوت كالبر والشعير، فإن المقصود منهما التقويت، ويلحق بهما ما في معناهما: الأرز، والذرة، والحمص والترمس، وقد اختلف في الماء العذب فقيل: إنه يلحق بالقوت لأنه ضروري للبدن، وقد أطلق اللّه عليه أنه مطعوم قال تعالى: {ومن لم يطعمه فإنه مني}. وقيل: إنه مصلح للبدن فهو ملحق بالتداوي الآتي.
ثانيها: أن يكون للتفكه وقد نص الحديث على التمر فيلحق به ما في معناه كالزبيب والتين.

ثالثهاً: أن يكون لإصلاح الطعام والبدن، وقد نص الحديث على الملح فيلحق به ما في معناه من الأدوية كالسنامكي ونحوها من العقاقير المتجانسة، ومنه الحلبة اليابسة فإنها تستعمل دواء بخلاف الخضراء فإنها ليست بربوية. فخرج بقوله: ما قصد أن يكون طعاماً ما كان مطعوماً ولكن لم يخلق بقصد أن يكون كذلك. كالجلد والعظم فإنه وإن كان يؤكل ولكنه لم يخلق لذلك. وخرج أيضاً ما اختص به البهائم كالحشيشي والتبن والنوى فإنه لا ربا فيه، ومن هذا تعلم أن الشافعية قاسوا كل ما فيه طعم وما يصلح نقداً على الأشياء الستة المذكورة في الحديث، فعلة القياس هي الطعمية والنقدية، فأما ما ليس بطعم كالجبس مثلاً فإنه يصح بيعه بجنسه متفاضلاً كعوض التجارة.

المالكية - قالوا: علة تحريم الزيادة في الذهب والفضة النقدية، أما في الطعام فإن العلة تختلف في ربا النسيئة وربا الفضل. فأما العلة في تحريم النسيئة فهي مجرد المطعومية على غير وجه التداوي، فمتى كان طعاماً للآدمي فإنه يحرم ربا النسيئة، سواء كان صالحاً للادخار والاقتيات الآتي بيانهما أو لا، وذلك كأنواع الخضر من قثاء وبطيخ وليمون ونارنج رخص وكراث وجزر وقلقاس وكرنب ونحو ذلك. ومثل الخضر أنواع الفاكهة الرطبة كالتفاح والموز، فكل هذه الأصناف يدخلها ربا النسيئة ولا يدخلها ربا الفضل، فيصح بيع كل جنس منها بجنس آخر أو بجنسه مع زيادة بشرط التقابض في المجلس. أما بيعها كذلك لأجل فإنه ممنوع، فيصح أن يبيع رطل من التفاح برطلين مقابضة. وكذلك يصح أن يبيع الجزر بالخس بزيادة أحد الجنسين على الآخر بشرط القبض.

وأما العلة في تحريم ربا الفضل فهي أمران: أن يكون الطعام مقتاتاً ومعنى كونه مقتاتاً: أن الإنسان يقتات به غالباً بحيث تقوم عليه بنيته، بمعنى أنه لو اقتصر عليه يعيش بدون شيء آخر. ثانيهما: أن يكون صالحاً للادخار، ومعنى كونه صالحاً للادخار: أنه لا يفسد بتأخيره مدة من الزمن لا حد لها على ظاهر المذهب خلافاً لمن قال: إن الصالح للادخار هو الذي بقي بدون فساد ستة أشهر. والراجح أن المرجع في ذلك للعرف، فما يعده العرف صالحاً للادخار كان كذلك. فكل ما وجدت فيه هذه العلة فإنه يحرم فيه ربا الفضل، كما يحرم فيه ربا النساء من باب أولى.

وتفسير العلة بالاقتيات والادخار هو القول المعلول علية في المذهب، وهناك أقوال أخرى في تفسير العلة المذكورة أشهرها أن يزاد على الاقتيات والادخار قيد ثالث، وهو كون الطعام متخذاً لعيش الآدمي غالباً، فيخرج بذلك البيض والزيت لأنهما لم يتخذا عيشاً للآدمي غالباً فلا يمنع فيهما الربا. وقد عرفت أن المعول عليه في المذهب هو التفسير الأول، فالراجح أن البيض والزيت يدخلهما الربا لأنهما يقتاتان ويصلحان للادخار). على أن الظاهرية اقتصروا على الأشياء المذكورة في الحديث.
*4* مبحث بيع الحبوب بأجناسها وبغير أجناسها

* من الأصناف الستة المذكورة في الحديث المتقدم بيع البر بالبر، والشعير بالشعير، وقد قاس الأئمة على هذين النوعين غيرهما من أنواع الحبوب على حسب اختلاف وجهة نظرهم في العلة كما علمت، فلا يصح بيع القمح بالقمح إلا مثلاً بمثل يداً بيد كما هو منصوص في الحديث، وكذلك الشعير. ولكن يصح (المالكية - قالوا: الشعير والقمح جنس واحد وكذلك السلت "الشعير النبوي" فالثلاثة لا تفاوت بينها لأن المعول عليه في اتحاد الجنس واستواء المنفعة أو تقاربها.

فأنواع القمح والشعير متقاربة فيها لأن الغرض منها القوت وهو حاصل، وإن كان يتفاوت من حيث الطعم والجودة، فلا يصح بيع الأشياء الثلاثة ببعضها إلا مثلاً بمثل يداً بيد. وهذا هو الراجح عندهم. وبعضهم يقول: إن القمح والشعير جنسان مختلفان) بيع الشعير بالقمح متفاضلين يداً بيد، فيصح أن يبيع كيلة من القمح بكيلتين من الشعير بشرط التقابض في المجلس ويقاس على ذلك الذرة والأرز والفول والحمص والترمس والدخن وحب البرسيم (الشافعية والمالكية - قالوا: البرسيم ليس داخلاً في الأصناف التي يدخلها ربا الفضل، لأن العلة عند الشافعية الطعمية وهي كونها طعاماً للآدمي غالباً وحب البرسيم ليس كذلك. والعلة عند المالكية كونه صالحاً للقوت والادخار والبرسيم ليس كذلك) والحلبة (الشافعية - قالوا: الحلبة اليابسة يدخلها ربا الفضل لا بعلة كونها مكيلة كما يقول الحنفية والحنابلة، وإنما يدخلها بعلة كونها تستعمل دواء فهي مقيسة على الملح المصلح لأنها مصلحة للبدن. أما الحلبة الخضراء فليست من الأصناف التي يدخلها الربا كما تقدم.

المالكية - قالوا: الحلبة لا يدخلها ربا الفضل، سواء كانت يابسة أو خضراء، واختلف في هل يدخلها ربا النساء أو لا؟ فقال بعضهم: إنها دواء لا يدخلها ربا النساء أيضاً، وقال بعضهم: إنها طعام يدخلها ربا النساء) والجلبان والبسلة وجميع أصناف الحبوب التي تباع بالكيل فإنها لا يصح بيع جنسها ببعضه إلا مثل بمثل، ويصح بيعها بالجنس الآخر مفاضلة يداً بيد.

أما بيع الدقيق بالحب أو الخبز وما يتعلق بذلك ففيه تفصيل في المذاهب
(المالكية - قالوا: الحب والدقيق جنس واحد لأن الطحن لا يخرج الشيء عن جنسه، لأنه عبارة عن تفرقة أجزائه مع بقاء تلك الأجزاء. وكذلك العجين مع الدقيق والحب فإن العجن لا يخرجه عن جنسه، فلا يصح بيع واحد منهما بالآخر إلا مثلاُ بمثل بدون زيادة، فلو باع قمحاً بدقيق مأخوذ منه فإنه يصح إذا كانا متساويين. ويعرف تساويهما بالوزن، وقيل: يعرف بالوزن والكيل، وكذلك لا يصح أن يبيع دقيقاً أو حنطة بعجين مأخوذ منهما إلا مثلاً بمثل كما ذكر لأنها جنس واحد، أما إذا اختلف الجنس كأن باع دقيقاً من الذرة بحب من القمح فإنه يصح بيعه متفاضلاً بشرط التقابض في المجلس. ويعرف التماثل بين الدقيق والعجين بالتحري عن قدر الدقيق الموجود في العجين ويبدل بمثله، ويعرف التماثل بين العجين والقمح بالتحري عن قدر الدقيق الموجود في القمح والعجين. أما إذا اختلف الجنس كبيع دقيق من الحنطة بذرة فإنه يصح مع التفاضل إذا كان يداً بيد.

أما الخبز فإنه جنس مغاير للدقيق والعجين والحنطة لأن صنعة الخبز جعلته جنساً منفرداً، فيصح أن يبيع خبزاً بدقيق أو حنطة أو عجين متفاضلاً بشرط التقابض. على أن الخبز جميعه جنس واحد ولو كان أصله مختلفاً، فلا يصح بيع أقراص الخبز "الأرغفة" المأخوذة من القمح بأقراص الخبز المأخوذة من القمح أيضاً، أو من الشعير أو من الذرة وهكذا إلا مثلاً بمثل ويداً بيد، لأنها كلها جنس واحد. فلا يصح التفاضل فيها إلا الكعك فإنه جنس على حدة لما خالطه من السمن والسمسم والمحلب واللبن وغير ذلك، فيصح بيعه متفاضلاً يداً بيد.
ثم إن كان الخبز مأخوذاً من صنف واحد كالقمح فإن المثلية تعتبر بالتحري عن قدر الدقيق الموجود في كل منهما، فإذا كان قدر الدقيق فيهما متساوياً كان مثلين، وإلا فلا، أما إن كان مأخوذاً من صنفين مختلفين من الأصناف التي توجد فيها علة الربا كالقمح والذرة، فإن المثلية تعتبر بوزنهما بدون تحر عن الدقيق. وإنما يشترط في الخبز إذا كان العقد بيعاً. أما إذا كان قرضاً فإنه لا يشترط فيه ذلك، وإنما المعول في ذلك على العد، فيصح أن يقترض خمسة أرغفة ويردها كذلك وإن كانت أقل وزناً أو أكثر اتباعاً للعرف. ولا بأس بما يفعله الجيران من قرض الخبز والخميرة ورد مثلها بدون تحر.

وسلق الحبوب "كالبليلة" لا يخرجها عن جنسها أيضاً، ولكن لا يصح بيع المسلوق بغير المسلوق مطلقاً لا متفاضلاً ولا متماثلاً، لأنه لا يصح بيع الرطب باليابس لعدم تحقق المماثلة كما لا يصح بيع المسلوق بالمسلوق لهذه العلة.

الحنفية - قالوا: لا يصح بيع الدقيق المأخوذ من جنس بجنسه، فلا يصح بيع الدقيق المأخوذ من القمح بالقمح. وكذلك المأخوذ من الذرة بالذرة وهكذا كانا متساويين أو لا، وذلك لأن التساوي في مثل ذلك غير محقق، فإن الدقيق ينكبس في المكيال أكثر من القمح، فلا تزال شبهة الزيادة باقية لأنها إنما تزول في بيع الجنس بمثله إذا كان التساوي محققاً، أما بيع الدقيق المأخوذ من جنس بغير جنسه، فإن يصح كالدقيق المأخوذ من القمح إذا بيع بالشعير فإنه يصح لاختلاف الجنس متى كان يداً بيد. وكذلك لا يصح بيع الدقيق الناعم بالمجروش "المدشوش" إذا كان متحد الجنس للعلة المذكورة لا متساوياً ولا متفاضلاً، أما بيع الدقيق بالدقيق المتحد الجنس فإنه يجوز بشرط التساوي في الكيل. أما بيع الدقيق بالدقيق وزناً فإنه لا يجوز. وكذلك يصح بيع الدقيق المنخول بالدقيق غير المنخول إذا تساويا في الكيل، كما يصح بيع المدشوش مع التساوي في الكيل.

ويجوز بيع الخبز بالحنطة وبيع الحنطة بالخبز متساوياً ومتفاضلاً، لأن الخبز صار بالصفة جنساً مختلفاً من الحنطة ولا يشترط في ذلك التقابض؛ وإنما يشترط التعيين الآتي بيانه قريباً، بل يصح أن يبيع عشرين رغيفاً من الخبز مقبوضة بكيلة من القمح يأخذها بعد شهر وإن كان الكيلة أكثر من الأرغفة، كما يصح أن يبيع إردباً من القمح بمائة أقة من الخبز يأخذها بعد أيام، وقيل: لا يصح في الحالة الثانية وهو ما إذا كان المؤجل الخبز، ولكن الفتوى على أنه يصح. وكذلك يصح بيع الدقيق بالخبز، والخبز بالدقيق على التفصيل المذكور في الحنطة.

ويصح استقراض الخبز كأن يأخذ خمسة أرغفة من جاره على أن يردها، ولكن يشترط لصحة ذلك الوزن على المفتى به. وبعضهم يقول: يجوز بالوزن والعد.

ويجوز بيع الحنطة المبلولة بالحنطة المبلولة، والمبلولة باليابسة، والرطبة بالرطبة، واليابسة باليابسة، وفي بيع الحنطة المقلية "الفشار" بالحنطة غير المقلية خلاف، والأصح أنه لا يجوز وإن تساوياً كيلاً، وأما بيع المقلية بالمقلية فإنه يجوز بشرط التساوي.
الحنابلة - قالوا: لا يصح بيع الدقيق بالحب المأخوذ منه مطلقاً فلا يصح أن يبيع براً بدقيق مأخوذ منه، لأنه يشترط التساوي في بيع الجنس الواحد ببعضه، والقمح والدقيق جنس واحد ولكن تساويهما متعذر، لأن أجزاء الحب تنتشر بالطحن. وكذلك لا يصح بيع الخبز بالحب المأخوذ منه، كما لا يصح بيعه بدقيقه ولا وزناً. ولا يصح بيع الحنطة المبلولة باليابسة وكذلك لا يصح بيع الرطبة "الفريك" قبل تجفيفه باليابسة، أما بيع الخبز بالخبز فإنه يصح إذا كانا متساويين، فإن زاد أحدهما على الآخر فإنه لا يصح.
الشافعية - قالوا: يشترط في بيع بعض الجنس ببعضه ثلاثة شروط: الحلول فلا يصح بيعه مؤجلاً، فلو اشترط التأجيل ولو درجة لا يصح. والتقابض الحقيقي في المجلس بأن يقبض البائع المبيع والمشتري الثمن في المجلس، فلا تنفع فيه الحوالة ولو قبضه في المجلس، والمماثلة يقيناً بأن يمكن التأكد من المماثلة، فإذا شك فيها لم يصح البيع. أما بيع الجنس بعضه ببعضه فإنه يشترط فيه الحلول والتقابض فقط، ولا تشترط المماثلة كما يأتي في الصرف.

ومن هذا يتضح لك أنه لا يصح بيع دقيق بجنسه، فلا يصح بيع دقيق الحنطة بدقيق الحنطة مثلاً لانتفاء المماثلة اليقينية لسبب النعومة الطارئة عليه، إذ قد يكون أحد البدلين أنعم من الآخر فلا ينكبس في الكيل، وكذلك لا يصح بيع دقيق الحنطة بيع الخبز المأخوذ من القمح بخبز الشعير مثلاً فإنه جائز لاختلاف الجنسين، والمماثلة اليقينية ليست شرطاً في بيع خبز القمح بخبز الشعير مثلاً فإنه جائز لاختلاف الجنسين، والمماثلة اليقينية ليست شرطاً في بيع بعضهما ببعض.

ويصح بيع دقيق القمح بدقيق الذرة أو الشعير لاختلاف الجنس، وكذا باقي الأنواع متى اختلف جنسها لعدم اشتراط المماثلة فيه كما علمت، ومثل الدقيق الفول المجروش "المدشوش" فإنه لا يجوز بيعه ببعضه. وكذا العدس المدشوش، ومثل الخبز: الكنافة والشعرية، فإنه لا يصح بيع كل جنس من هذه الأجناس ببعضه لانتفاء المماثلة الحقيقية، أما بيعه بالجنس الآخر فإنه يصح متى تحقق الشرطان الآخران وهما التقابض والحلول).

ويعرف اختلاف الأجناس واتحادهما بأمور مفصلة في المذاهب
(الحنفية - قالوا: يعرف اختلاف الجنس بأمور ثلاثة:
أحدها: اختلاف الأصل، ومثاله الخل المأخوذ من التمر الرديء ويسمى "دقلاً" بفتح الدال والقاف، والخل المأخوذ من نشارة الخشب مثلاُ فإنهما حنسان مختلفان وإن كان كل منهما خلاً لأن أصلهما المأخوذين منه مختلف. وكذلك لحم البقر مع لحم الضأن فإنهما جنسان مختلفان وإن كان كل منهما لحم.

ثانيهما: اختلاف الغرض المقصود من المبيع كصوف الغنم وشعر المعز، فإن ما يقصد من شعر المعز من الاستعمال غير ما يقصد من صوف الغنم، فهما جنسان مختلفان. بخلاف لحمهما فإنه جنس واحد، لأنه يصدق عليه اسم واحد وهو الغنم. ومثل لحمهما لبنهما فإنه جنس واحد.

ثالثها: زيادة الصنع كالخبز مع الحنطة فهما جنسان مختلفان لتبدل صفتهما بالصفة التي حدثت في عمل الخبز.
ومن هذا تعلم أن الشعير والقمح جنسان مختلفان لأن كل منهما أصل قائم بنفسه مغير للآخر، على أن الغرض من استعمالهما مختلف، لأن القمح قد يقصد لعمل الفطير والكنافة والكعك، بخلاف الشعير فإنه لا يصلح لذلك.

الحنابلة - قالوا: كل شيئين فأكثر أصلهما واحد قد اجتمعا في اسم واحد فهما جنس واحد سواء اختلف القصد من استعمالهما أو اتحد، فمثال الأول: القمح فإن له أنواعاً كالهندس، والصعيدي، والبعلي، والبحيري، والاسترالي، فهذه الأنواع يجمعها اسم قمح فهي كلها جنس متحد وكذلك الملح فإن له أنواعاً: الرشيدي، والمنزلاوي، والدمياطي. ولكن كلها يجمعها لفظ ملح فهي جنس واحد، ولا شك أن الغرض من الاستعمال في القمح والملح لا يختلف وإن كان في بعضه ميزة عن الآخر. ومثال الثاني وهو ما يختلف الغرض من استعماله: الزيت السيرج مثلا إذا أضيف إلى بعضه دهن الياسمين، وأضيف إلى بعض آخر منه دهن الورد، وأضيف إلى بعض دهن البنفسح فأصبح عطراً مختلفاً يختلف الغرض من استعماله ولكن أصله واحد فهو جنس واحد. وإنما الذي جعله ياسمين وبنفسج وورد هي الرياحين التي أضيفت إليه. فلم تخرجه عن كونه جنساً واحداً وهو الزيت.

المالكية - قالوا: يعرف اتحاد الجنس باستواء المنفعة أو تقاربها. فالملح وإن تنوع إلى رشيدي وغيره إلا أن منفعة الجميع وهي إصلاح الطعام واحدة. والقمح وإن تنوع إلى هندي ومصري لكن منفعته واحدة، أما الشعير والقمح فإن منفعتهما متقاربة وهي كونهما يقتات بهما، ويختلف الجنس باختلاف أصله المأخوذ منه إذا لم يكن الغرض منه شيء واحد مثل الخل المستخرج من أصناف مختلفة، فإن الغرض منه شيء واحد وهو الحموضة، وهي موجودة في الخل المستخرج من نشارة الخشب، ومن الخل المستخرج من التمر فيكون الخل جنساً واحداً، أما إذا كان الغرض منه مختلفاً فإنه يكون أجناساً يصح أن يباع بعضها ببعض متفاضلة يداً بيد، لأن الزيت وإن كان واحداً لكن الغرض منه مختلف وأصله أيضاً مختلف، ومثل الزيت العسل المستخرج من قصب السكر ومن البنجر وعسل النحل فهو أجناس مختلفة: أما السكر والعسل فهما جنسان مختلفان وسيأتي بيانه في مبحثه قريباً.

الشافعية - قالوا: اتحاد الجنس بين طعامين هو أن يكون لهما اسم خاص يشتركان فيه اشتراكاً حقيقياً، بمعنى أن تكون حقيقتهما واحدة كالقمح الهندي والقمح الاسترالي فإنهما مختصان باسم القمح مشتركان فيه اشتراكاً حقيقياً، وأما إذا كان الاسم عاماً كالحب بالنسبة للقمح فإنه ليس بجنس واحد، لأن الحب يشمل ايضاً الذرة والأصناف الأخرى، وكذلك ما إذا اشتركا فيه اشتراكاً لفظياً كالبطيخ إذا أطلق على النوع الأخضر منه والأصفر ويسمى "قاووناً" فإن ذلك الاشتراك لفظي فهما جنسان مختلفان لأن حقيقتهما مختلفة).

ويعرف ما يباع بالكيل وما يباع بالوزن بما كان عليه المسلمون في عهد النبي صلى اللّه عليه وسلم على تفصيل في المذاهب
(الشافعية - قالوا: المعتبر فيما يباع بالكيل عادة أهل الحجاز: مكة، والمدينة. واليمامة، والقرى التابعة لها كالطائف، وجدة وخيبر، وينبع، فما كان يبيعه أهل الحجاز بالكيل يكون مكيلاً ولو باعه الناس بالوزن أو العد بعد ذلك، فمتى كان الشيء يكال في عهد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فإن معياره الكيل ولو كان بغير الآلة التي يكال لها في ذلك العهد. ومتى كان يوزن في ذلك العهد، فإن معياره الوزن ولو غير الناس هذه العادة. أما ما لم يعرف في عهد النبي صلى اللّه عليه وسلم، أو كان مستعملاً في غير الحجاز، أو كان مستعملاً في الحجاز تارة بالكيل وتارة بالوزن، فإن كان المبيع أكبر جرماً من التمر المعتدل فإنه يعتبر فيه بالوزن كالجوز والبيض، فإن الكيل لم يعهد في الحجاز يومئذ لصنف أكبر من التمر، أما إن كان مساوياً للتمر، أو دونه كاللوز والبندق والفستق فيعتبر عادة بلد المبيع حالة البيع. ومن هذا تعلم أن المكيل لا يباع بعضه ببعض وزناً، وأن الموزون لا يباع بعضه ببعض كيلاً، ولا يضر التفاوت في الوزن إذا كان المبيع الذي يباع بالكيل مستوياً في الكيل، وكذلك لا يضر التفاوت في الكيل فيما يباع بالوزن إذا كان متساوياً فيه,

الحنابلة - قالوا: المعتبر فيما يباع بالوزن عرف مكة على عهد النبيّ صلى اللّه عليه وسلم، فما كانوا يبيعونه موزوناً كان كذلك ولو غيره الناس بعد ذلك. والمعتبر فيما يباع بالكيل عرف أهل المدينة لما رواه عبد الملك بن عمير أن النبيّ صلى اللّه عليه وسلم قال: "المكيال مكيال المدينة، والميزان ميزان مكة" فيحرم أن يبيع ما كان يباع بالكيل في المدينة في ذلك العهد متفاضل الجنس في الكيل، وكذلك ما كان يباع موزوناً. وما لا يعرف يعتبر فيه عرف الموضع الذي يباع فيه، وقد بين الحديث أن الذهب والفضة يباعان بالوزن، والشعير والتمر يباعان بالكيل، فقد قال صلى اللّه عليه وسلم: "الذهب بالذهب، والفضة بالفضة وزناً بوزن، والشعير بالشعير مدي بمدي، والتمر بالتمر مدي بمدي، فمن زاد أو ازداد فقد أربى" وبه يعلم بعض الأصناف التي تباع بالكيل أو الوزن.
فمن الأشياء التي تباع بالكيل: البر، والشعير، والدقيق، وسائر الحبوب. والجص "الجبس" والنورة، وكذلك التمر، والرطب والبسر، وباقي تمر النخل، ومثله الزبيب، والفستق، والبندق، واللوز، والعناب، والمشمش الجاف، والزيتون، والملح، وكذلك المائعات من لبن وزيت، وخل، وسمن. وسائر الأدهان، والعسل "وجعله بعضهم موزوناً". فهذه الأشياء كلها مما تباع بالكيل وإن تعارف الناس على بيعها بالوزن أو العد.

ومن الأشياء التي تباع بالوزن: الذهب، والفضة، والنحاس، والحديد، والرصاص، والزئبق، والكتان، والقطن، والحرير، والقز، والوبر، والصوف، سواء كانت مغزولة أو غير مغزولة، واللؤلؤ، والزجاج، والطين الأرمني الذي يؤكل دواء، واللحم، والشحم، والشمع والزعفران، والعصفر، والروس، والخبز إلا إذا تفتت وصار ناعماً كالحب فإنه يباع مكيلاً، والجبن، والعنب، والزبد. وقال بعضهم: يباح في السمن أن يباع موزوناً.

أما الأصناف التي لا تباع بالكيل ولا بالوزن فمنها الثياب، والحيوان، والجوز، والبيض، والرمان، والقثاء، والخيار، وسائر الخضر، والبقول، والسفرجل، والتفاح، والكمثرى، والخوخ، وكل فاكهة رطبة.

الحنفية - قالوا: اختلف في معرفة المكيل والموزون، فقال بعضهم: إن المعول في ذلك على العرف. فمتى تعارف الناس على بيع شيء بالكيل كان مكيلاً، ومتى تعارفوا على بيع شيء بالوزن كان موزوناً. سواء نص الشارع على كونه مكيلاً وموزوناً أو لا، لأن الشارع إنما نص على أصناف الطعام المذكورة في الحديث مكيلة لكون الذهب والفضة موزوناً تبعاً لعرف ذلك الزمان، فلو غير الناس ذلك وباعوا الطعام موزوناً والذهب والفضة معدوداً اعتبر الشارع ذلك، وعد الطعام موزوناً والذهب معدوداً. وبعضهم يقول: إن المعول عليه في معرفة المكيل والموزون هو نص الشارع، فما نص على تحريم التفاضل فيه كيلاً كان مكيلاً دائماً وإن باعه الناس بغير الكيل كالحنطة والشعير والتمر والملح. وكل شيء نص على تحريم التفاضل فيه وزناً فهو موزون كالذهب والفضة، ومثل نص الرسول ما كان عليه المسلمون في عهده، أما ما لا نص فيه ولم يعرف حاله على عهد الرسول فإنه يعتبر فيه عرف الناس. والمشهور من المذهب الثاني. ورجح بعضهم الأول وهو أقرب في ضبط الموضوع وأسهل في تطبيق الحكم.

فيقاس على البر والشعير المذكورين في الحديث كل ما يباع بالكيل: كالذرة، والدخن، والبرسيم، والحلبة، وجميع أصناف الحبوب التي تعارف الناس بيعها بالكيل، فإذا تعارفوا بيعها بالوزن تدخل في الموزون.
ويقاس على التمر جميع أنواع الفاكهة التي تباع بالوزن كالعنب، والتفاح، والتين والزبيب، والكمثرى، والجوز، واللوز، وهكذا من كل ما يباع بالوزن.

المالكية - قالوا: المماثلة في بيع بعض الجنس الذي يدخله الربا ببعضه لا تعتبر إلا بالكيفية الواردة في الشرع: وهي أن تباع الحبوب بالكيل، وتباع النقود، واللحم، والسمن، والعسل، والزيوت بالوزن. فلا يجوز بيع قمح بقمح وزناً وإن تساويا، كما لا يجوز بيع ذهب بذهب، أو سمن بسمن، أو عسل بعسل كيلاً. ولا يشترط في آلة الكيل وآلة الوزن أن تكون مماثلة لما يكال به أو يوزن في الشرع من المد والصاع والوسق. بل يكفي ما اعتاد الناس الكيل والوزن به وإن خالف ما ورد بالشرع بزيادة أو نقص.
فإن لم يرد في الشرع ما يدل على أن هذا يباع بالكيل وذاك يباع بالوزن كما في البصل والثوم والملح والتوابل فتعتبر المماثلة فيه بحسب عادة الناس في معرفة قدره، سواء كان بالكيل أو الوزن.

فإذا كانت العادة أن يبيع الناس شيئاً بالوزن أو الكيل وأراد أحد أن يبيعه بجنسه ولكن تعذر وزنه أو كيله كأن كان في سفر ولم يجد ميزاناً ولا كيلة فإنه يصح أن يتحرى في معرفة القدر إن كان يمكنه التحري).


مبحث بيع الفاكهة بجنسها وما يتعلق به

* قد عرفت أن التمر من الأصناف التي يدخلها الربا بنص الحديث، فلا يصح بيعه بجنسه إلا مثلاً بمثل يداً بيد. ويقاس على التمر الفاكهة على تفصيل في المذاهب

(المالكية - قالوا: إن الفواكه الرطبة جميعها مثل الخضر لا يدخلها ربا الفضل، لأنها غير صالحة للادخار كالمشمش والخوخ والتفاح والموز والبطيخ والقثاء والليمون والجزر والقلقاس والنارنج وغير ذلك من الفواكه والخضر التي لا يمكن ادخارها، فيصح بيع كل جنس منها ببعضه وبجنس آخر متماثلة ومتفاضلة بشرط التقابض. أما بيعها متفاضلة لأجل كأن يبيع خمس بطيخات الآن بعشرة يأخذها بعد شهر فإنه لا يصح لأنك قد عرفت أن العلة في تحريم ربا النساء في الطعام مجرد كونه مطعوماً، والتمر جميعه رطبه ويابسه من الأصناف التي يدخلها الربا بنص الحديث. وهو جنس واحد وإن اختلفت أنواعه. كتمر زغلول وسمان وأسيوطي وواحي ومغربي وغيرها فلا يجوز بيع بعضه متفاضلاً ولو من نوعين مختلفين، فلا يصح بيع رطل من الزغلول برطلين من السماني مثلاً وهكذا. وإنما يصح بيعه مثلاً بمثل يداً بيد. ومثل التمر الزبيب فإنه جنس واحد وإن اختلفت أنواعه كالزبيب البناتي وغيره، فلا يصح بيعها ببعضها مفاضلة، وقد اختلف في العنب الرطب قبل أن يصير زبيباً. فقال بعضهم: إنه من الأصناف التي يدخلها ربا الفضل، فلا يجوز بيع بعضه ببعض متفاضلاً مهما اختلفت أنواعه كأزميري وفيومي وأمريكي وبعضهم يقول: إنه لا يدخله ربا الفضل لكونه غير صالح للادخار أنواعه كأزميري وفيومي وأمريكي وبعضهم يقول: إنه لا يدخل ربا الفضل لكونه غير صالح للادخار وهو رطب.

وهل يجوز التمر الجديد بالتمر القديم؟ خلاف: فقيل. يصح، وقيل: لا يصح لعدم تحقيق المماثلة. أما بيع الرطب اليابس بمثله واليابس بمثله فإنه جائز وأما الفواكه الجافة: كالجوز، واللوز والمشمش الحموي والهندي والفستق والبندق وغيرها، فإنها أجناس مختلفة يدخلها ربا الفضل وربا النسيئة على التحقيق، لأنها تدخر وتقتات كما تقدم.

الحنفية - قالوا: جميع الفواكه والخضر التي تباع بالوزن أو الكيل يدخلها الربا قياساً على التمر كما سبق.
ثم إن تمر النخيل جميعه جنس واحد وإن تعددت أصنافه، فلا يصح بيع بعضه ببعض إلا مثلاً بمثل يداً بيد، لا فرق في ذلك بين جيده ورديئه. لأن الجودة والرداءة لا تعتبر في الأصناف الربوية إلا في مال اليتيم، فإنه لا يجوز للموصي أن يبيع الجيد من مال اليتيم بجنسه إذا كان رديئاً.

ويصح أن يبيع الرطب من التمر باليابس، كما يصح أن يبيع المبلول من الحنطة باليابس. كذلك يصح بيع الرطب واليابس من باب أولى.

ويصح بيع التمر المبلول "المنقع" باليابس، ومثله بالزبيب والتين. وكما أن تمر النخيل جميعه جنس واحد، فكذلك العنب جنس واحد وإن اختلفت أنواعه. كالأزميري والأمريكي والبلدي والفيومي فكله جنس واحد لا يصح بيع بعضه ببعض إلا مثلاً بمثل يداً بيد. وهل يصح بيع الرطب من العنب بالجاف "الزبيب؟" فقيل: يصح بيع الزبيب بالعنب مثلاً بمثل كيلاً. وقيل: لا يصح لانتفاء المماثلة. وكذلك الحال في كل ثمرة لها حال جفاف كالتين والمشمش والجوز والكمثرى والرمان، فإنه يجوز بيع رطبها بيابسها كما يصح بيع رطبها برطبها.
وثمر كل شجرة تغاير الأخرى جنس على حدته، فالكمثرى جنس، والتفاح جنس، والبرقوق جنس، والموز جنس، والجوافة جنس وهكذا، فلا يصح بيع جنس من هذه الأجناس ببعضه إلا متماثلاً يداً بيد. ويصح أن يبيع كل جنس منه بالجنس الآخر متفاضلاً بشرط التقابض.

والمراد بالتقابض في الذهب والفضة: أن يقبض البائع الثمن من المشتري والمبيع في المجلس. أما في بيع الطعام بالطعام فإن المراد بالتقابض فيه التعيين، سواء كان بجنسه أو بغير جنسه، فإذا باع ثوباً من القماش الأبيض "البفتة" بمثله، فإن الشرط أن يعين كلاً من الثوبين وبينهما ولا يلزم قبضهما في المجلس كما سيأتي.

وما يباع من الفاكهة بالعدد كالمنجا والبرتقال فإنه لا يدخله ربا الفضل، فيجوز بيع بعضه ببعض متفاضلاً. ومثل ذلك البطيخ "الحرش" والشمام وهكذا.

الحنابلة - قالوا: التمر جميعه جنس واحد وإن اختلفت أنواعه، وكذلك كل ثمرة شجرة يختلف أصلها كالكمثرى والتفاح فهما جنسان مختلفان لاختلاف أصلهما. وكذلك البرقوق والخوخ ونحوها فكلها أجناس مختلفة لا يصح بيع الجنس الواحد منها ببعضه إلا يداً بيد متماثلة.

ولا يصح بيع رطب الجنس الواحد بيابسه، فلا يصح بيع العنب بالزبيب، ولا بيع التمر اليابس بالرطب، ولا بيع العجوة بالتمر. أما بيع رطب التمر بمثله متساوياً فإنه يصح وكذلك بيع العنب الرطب بمثله متساوياً فإنه يصح.
وكذلك المشمش الرطب بمثله، والتوت والتين ونحوها فإنه يصح بيعها بجنسها متساوياً ولا يصح بيع عجوة منزوعة النوى بعجوة بها نواها.

الشافعية - قالوا: جميع الفواكه والخضر يدخلها الربا، لأن العلة في التحريم الطعمية كما مر.
ثم إن الثمرة التي يعرض لها الجفاف تعتبر المماثلة فيها وقت الجفاف، أي في الوقت الذي يحصل فيه كمالها، فلا يصح أن يباع رطب برطب، لأن المماثلة بينهما إنما تتحقق وقت الجفاف وهي مجهولة في حالة كونها رطباً فلا يصح البيع.
وكذلك لا يصح بيع تمر بتمر قبل الجفاف، لا بيع عنب بعنب، ولا بيع عنب بزبيب، لأن المماثلة. إنما تعتبر عند الجفاف.
أما الفاكهة التي لا جفاف لها كالعنب الذي لا يصنع زبيباً والقثاء فإنه لا يجوز بيع بعض جنسه ببعض مطلقاً).


مبحث بيع اللحم بجنسه وما يتعلق به

* اللحم من الأصناف التي يدخلها الربا بدون خلاف، ولكن في بيان أجناسه وفي بيع بعضها ببعض اختلاف المذاهب
(المالكية - قالوا: اللحم أربعة أجناس:
الأول: لحم ذوات الأربع وهو قسمان: مأكول، وغير مأكول. فالمأكول كله جنس واحد، سواء كان وحشياً كحمار الوحش وبقره وظبائه، أو كان غير وحشي كالإبل والغنم والبقر.
الثاني: لحم الطير وهو جنس واحد جميعه، سواء كان وحشياً كالرخم والعقبان والغراب، أو غير وحشي كالحمام والدجاج والأوز ومنه النعام والبط ونحو ذلك.
الثالث: لحم دواب البحر "السمك" وكله جنس واحد أيضاً على اختلاف أنواعه، حتى ما كان منه على صورة دواب البر كالثعبان وفرس البحر الترسة.

الرابع: لحم الجراد وهو ربوي على الراجح، فكل جنس من هذه الأجناس الأربعة لا يجوز بيع بعض الجنس الواحد منه ببعضه إلا مثلاً بمثل يداً بيد، فلا يصح أن يبيع رطلاً من الضأن برطلين من المعز، ولا برطل ونصف من البقر مثلاً، ولا أن يبيع لحم حوت بلحم ترسة أو شلبة، ولا لحم أوز بلحم حمام مع التفاضل وهكذا، كما لا يصح أن يبيع رطلاً رطباً برطل جاف. وأيضاً لا يصح تأجيل القبض بل يجب أن يأخذ المشتري المبيع والبائع الثمن مناجزة أما بيع لجم جنس بجنس آخر فإنه يصح مفاضلة، فيصح أن يشتري رطلاً من لحم الضأن برطلين من لحم الحوت. كما يصح أن يشتري رطلين من لحم البقر برطل من لحم طير. وإنما يشترط في صحته المناجزة قليلاً يصح تأجيل القبض كما يصح بيع الجنس الجاف بالجنس الآخر الطري. فيصح أن يبيع لحم البقر الطري بلحم السمك المجفف "البكلاه" لاختلاف الجنسين. وحاصل ذلك أن بيع لحم الجنس الواحد ببعضه لا يجوز إلا بشرطين:

الأول: المماثلة في القدر، فلا يصح الزيادة في أحد البدلين "المبيع والثمن".
الثاني: المناجزة بأن يقبض كل من البائع والمشتري ماله.
أما بيع جنس بجنس آخر غيره فإنه يشترط فيه شرط واحد وهو المناجزة، هذا وقد اختلف في الجراد، فقال بعضهم: إنه ليس بطعام فلا يدخله الربا، وقال بعضهم: إنه طعام وهو الراجح فيكون جنساً مغايراً للطير بيعه بغيره من الأجناس المذكورة. ولا يصح بيع بعضه إلا مثلاً بمثل يداً بيد.
وهل الطبخ بالخضر المختلفة كالبامية والملوخية والقرع ونحو ذلك يخرج اللحم عن جنسه أو لا؟ وكذلك ما يحدث في اللحم من الصناعة التي تخالف الأخرى يجعله جنساً مغايراً للآخر أو لا؟ خلاف.
وإذا بيع لحم فيه عظم بلحم خال من العظم فالمشهور أنه لا بد من تساويهما في الوزن بقطع النظر عن العظم. وقيل: يتحرى القدر الذي فيه من العظم ويحذف من الوزن.

هذا إذا كان العظم يؤكل "كالقرقوش"، أما إذا كان لا يؤكل فإنه يصح بيع اللحم المشتمل عليه باللحم الخالي عنه مفاضلة.
أما بيع اللحم بحيوان حي فإنه كان من جنسه وكان مأكولاً فإنه لا يصح، كبيع لحم خروف بجدي من المعز، وبيع لحم بقر بخروف وهكذا لأن اللحم قبل السلخ مجهول وبعده معلوم، ولا يجوز بيع معلوم بمجهول من جنسه، وأما بيعه بجنس آخر فإنه يجوز، ولكن إذا كان المبيع الحيوان الحي مما تطول حياته وكان له منفعة كثيرة سوى اللحم يقتنى من أجلها فإنه يصح بيعه باللحم مناجزة ونسيئة، وذلك كالإبل والبقر وإناث الضأن والمعز، لأن لها منفعة سوى اللحم وتطول حياتها، لأن الإبل تقتني لحم الأثقال والألبان، والبقر يقتني للحرث والألبان، وإناث الضأن والمعز تقتني للألبان والصوف في إناث الضأن. أما إذا كان الحيوان مما لا يطول أجله كبعض الطيور الدواجن، أو كان لا منفعة له سوى اللحم كذكور المعز "الجديان" أو كان له منفعة سوى اللحم ولكن يسيرة لا كثيرة كذكور الضأن بالخروف المخصي، فإنه لا ينتفع إلا بالصوف وهي منفعة يسيرة بالنسبة لما قبله، فإنه لا يصح بيعه باللحم إلا مقايضة يداً بيد.
أما بيع اللحم الذي يؤكل بالحيوان الذي لا يؤكل فإنه جائز كبيع بقرة بحمار أو فرس. ويكره بيع لحم ما يؤكل بالحيوان الذي يكره أكله كبيع لحم طير بهر أو ذئب.

الحنفية - قالوا: لحم البقر والجاموس جنس واحد. وكذلك لحم الضأن والمعز فإنهما جنس واحد وما عدا ذلك فإنه يختلف باختلاف أصله، فلحم الإبل جنس على حدة وإن اختلفت أنواعها كبخاتي وعربي، ولحوم الطيور المختلفة أجناس مختلفة، ولحوم الأسماك المختلفة كذلك، فلا يصح بيع بعض الجنس الواحد ببعضه إلا مثلاً بمثل يداً بيد، ومعنى كون بيعها يداً بيد أن يعين المبيع والثمن. أما التقابض في المجلس في بيع الطعام فليس بشرط كما بيناه لك فيما تقدم، وإنما يحرم بيعها نسيئة بدون تعيين لوجود القدر فيها وهو أنها تباع وزناً وإن اختلف جنسها، وقد علمت مما تقدم أن الأصناف التي يوجد فيها القدر فقط، أو اتحاد الجنس فقط فإنه يباح فيها ربا الفضل ويحرم ربا النسيئة.

فيصح أن يبيع لحم بقر بلحم بقر مفاضلة كأن يبيع رطلاً برطلين، كما يصح أن يبيع لحم غنم بلحم بقر مفاضلة وكما يصح أن يبيع لحماً بحيوان حي سواء كان من جنسه أو من غيره جنسه، لأنه بيع ما هو موزون بما ليس بموزون وهو جائز كيفما كان. وإنما يشترط أن يكون البيع بالتفاضل في كل هذا يداً بيد، ومعنى كونه يداً بيد أن يكون معيناً.
أما لحم الطير فإن كان المتعارف فيه أنه يباع بالوزن فإنه يدخله الربا بحيث لا يباع الجنس الواحد منه ببعضه متفاضلاً. أما إن كان يباع بدون وزن فإنه يصح أن يباع الجنس ببعضه متفاضلاً كما يصح أن يباع بغيره، فيصح بيع الدجاجة الواحدة باثنتين مذبوحة كانت أو غير مذبوحة، نيئة أو مشوية. كما يصح بيع الدجاجة بحمامتين وهكذا.

أما السمك فإن كان يباع بالوزن فإنه لا يصح بيع الجنس الواحد ببعضه مفاضلة، فلا يصح بيع حوث مثلاً بمثل. أما بيعه بغير جنسه فإنه يصح مفاضلة كبيع "القرقور" بالشلبة مثلاً فإن كان أهل جهته يبيعونه بغير الوزن فإنه يصح بيع الجنس الواحد منه مفاضلة.
الحنابلة - قالوا: لحم المعز والضأن جنس واحد، ولحم البقر والجاموس جنس واحد. وما عدا ذلك أجناس مختلفة لاختلاف أصولها وأسمائها، فلحم الإبل جنس وإن اختلفت أنواعه كإبل عراب وبخت، ولحم البقر جنس، ولحم الغنم جنس، ولحم الدجاج جنس. ولحم الأوز جنس وهكذا.
ويحرم بيع بعض الجنس الواحد ببعضه متفاضلاً. أما بغير جنسه فإنه يجوز. فيصح أن يبيع رطلاً من لحم الغنم برطلين من لحم بقر، كما يصح أن يبيع رطلاً من لحم رأس الضأن برطلين من لحم رأس الجمل بشرط أن يكون يداً بيد.
والشحم والكبد والطحال والرؤوس والأكارع والقلب والكرش ونحوها أجناس مختلفة. فلا يصح بيع الجنس الواحد منها ببعضه مفاضلة، ويصح بيعه بالجنس الآخر كذلك.

ويصح بيع اللحم بالحيوان الحي إذا كان من غير جنسه، سواء كان مأكولاً أو غير مأكول. كأن يشتري لحم عجل بخروفين، أو يشتري لحم جمل بعجل وحمار مفاضلة، ويحرم بيعه نسيئة عند جمهور الفقهاء.
الشافعية - قالوا: لحم البقر والجاموس جنس واحد، ولحم المعز والضأن جنس آخر، فلا يصح بيع بعض الجنسين المذكورين ببعضه إلا مثلاً بمثل يداً بيد كما تقدم.

أما بيع بعض الجنسين بصاحبه مفاضلة فإنه يصح، وإنما تعتبر المماثلة في اللحم بحالة جفافه، فإذا جف بأن صار قديداً فإنه يصح بيع بعضه ببعض بالتفصيل المذكور، أما إذا كان رطباً فإنه يصح كما تقدم في الفاكهة.
ولا يصح بيع لحم بحيوان حي، سواء كان من جنسه أو من غير جنسه، مأكولاً أو غير مأكول فلا يصح بيع لحم خروف بخروف حي، كما لا يصح بيعه بسمك أو حمار، ومثل اللحم الألية والشحم والكبد والطحال والكلية، فلا يصح بيعها بالحيوان الحي وهي أجناس مختلفة ولو كانت من حيوان واحد، فيصح أن يبيع لحم ألية "لية" مثلاً بالشحم "الدهن" أو بالكبد أو الطحال أو الكلية متفاضلاً بعد الجفاف، ومثلها الأكارع والمخ والكرش والقلب والرأس والسنام ونحوها فإنها كلها أجناس مختلفة لها الحكم المتقدم.

أما حيوانات البحر: فما كان منها على هيئة السمك المعروف كالحوت واللبيس والمرجان والبلطي والبوري ونحو ذلك، فقيل: كلها جنس واحد، وقيل: أجناس مختلفة. وأما بقية دوابه فإنها أجناس مختلفة باتفاق. وكذلك الطيور والعصافير فإنها أجناس مختلفة، على أن الجنس الواحد يختلف باختلاف كونه وحشياً أو أهلياً، فبقر الوحش جنس يغاير البقر الأهلي، والمتولد من الجنسين جنس ثالث).
*4* مبحث بيع المائعات بأجناسها وبيعها بما تخرج منه
* المائعات من لبن وخل وماء وزيت وعصير وغير ذلك هي من الأصناف الربوية "التي يدخلها الربا" كما يدخل أصولها المستخرجة منها، وفي جواز بيع بعض الجنس الواحد منها ببعضه، أو بجنس آخر مغاير له وما يتعلق بذلك تفصيل في المذاهب
(الشافعية - قالوا: تختلف أجناس المائعات باختلاف أصولها المستخرجة منها، فكل مائع يستخرج من جنس يغاير الآخر يكون جنساً على حدة:

الزيت المستخرج من السمسم مثلاً جنس على حدة، والزيت المستخرج من حب الخس جنس، والزيت المستخرج من الزيتون جنس وهكذا، فيصح بيع الجنس الواحد ببعضه مثلاً بمثل يداً بيد، وبالجنس الآخر المغاير له متفاضلاً يداً بيد كما تقدم إلا زيت السمك وزيت القرطم وزيت بذر الكتان فإنها ليست من الأصناف التي يدخلها الربا، فيصح بيعها ببعضها وبغيرها مطلقاً، ومثلها شجر الخروع وحبه، أما زيته فإنه يدخله الربا، وكذلك العود والمسك والورد وبذر الكتان وكسب القرطم - بضم الكاف - "والكسبة" فإنها لا يدخلها الربا، فيجوز بيع بعضها ببعض مطلقاً.
أما كسب الزيت المستخرج من السمسم أو الخس ونحوهما فإنه جنس مغاير لها، فيصح بيع بعضه ببعض، بخلاف الطحينة فإنها كالدقيق؛ فلا يصح بيع بعضها ببعض لانتفاء المماثلة بين أجزائها وكذا لا يصح بيعها بالدراهم لجهالة المبيع بما اختلط به وإذا أضيف إلى نوع واحد من الزيت أنواع أخرى اختلفت من أجله كان أجناساً متعددة، فإذا أضيف إلى دهن السمسم بنفسج، أو ورد، أو ياسمين. فإنه يصح أن يبيع كل واحد منها بالآخر مفاضلة.

ومثل الزيت الخل، فإنه يختلف باختلاف ما استخرج منه، فالخل المستخرج من العنب جنس والمستخرج من الزيت جنس آخر والمستخرج من التمر جنس، والمستخرج من الزبيب جنس، فإن لم يختلط بالخل ماء فإنه يصح بيع بعض الجنس الواحد منه ببعضه مثلاً بمثل يداً بيد، كما يصح أنيباع جنس آخر من نوعه مفاضلة بالشروط المتقدمة، وإن اختلط به ماء فإنه لا يصح بيع بعضه ببعض، ولكن يصح بيعه بجنس آخر، لأنه إذا أضيف إليه ماء لا تعرف المماثلة، سواء كان الماء عذباً أو غير عذب على المعتمد، وكذلك العصير المستخرج من أصناف مختلفة، فإنه يختلف باختلافها كعصير العنب والرطب والرمان وقصب السكر وغيرها فإنها أجناس مختلفة لها الحكم المتقدم. ولا يصح بيع عصير العنب بالعنب، كما لا يصح بيع خل العنب بالعنب لأن القاعدة أنه لا يصح بيع شيء بما اتخذ منه، أو بما فيه شيء منه، أما خل العنب بعصير العنب فإن بيعهما ببعضهما يصح لأنهما جنسان مختلفان، ولا يصح بيع عصير الرطب بالرطب، إنما يصح بيع خله بعصيره. وقد يقال: إن العصير أصل للخل فكيف يصح بيعه به مع أن الشيء لا يباع بأصله؟ ويجاب بأن الخل غير مشتمل على العصير فضلاً عن التفاوت الكبير بينهما في الاسم والصفة. وأما بيع الزبيب بخل العنب، أو عصير العنب فقيل: يصح، وقيل: لا يصح.

وأما اللبن فإنه يتنوع إلى أنواع: حليب، ومخيض "خض"، ورائب، وحامض. وهذه يصح بيع بعض كل واحد منها ببعضه كيلاً بشرطين.
الأول: أن لا يخالطها ماء لما تقدم من أن وجود الماء يمنع المماثلة، على أنه إذا خالط اللبن ماء فإن بيعه لا يصح مطلقاً حتى بالنقود لما فيه من الإبهام والجهل بالمبيع.
الثاني: أن لا يغلي على النار، فإذا غلا اللبن الحليب على النار، فإنه لا يصح بيع بعضه ببعضه، لأن الذي قد تذهبه النار من هذا أكثر من الذي تذهبه من الآخر بخلاف ما إذا سخن بالنار فقط فإن التسخين لا يضر.
أما باقي الأنواع التي تتخذ من اللبن كالجبن والأقط "اللبن الثخين الذي يوضع فيه ملح" ويصنع منه الكشك، والزبد فإنه لا يصح بيع بعض الجنس الواحد منها ببعضه، فلا يصح بيع بعض الجبن ببعضه، ولا بعض الأقط بعضه، ولا بيع الزبد ببعضه، لأن الأقط به الملح فلا نعرف المماثلة، والجبن تخالطه الأنفحة والملح أيضاً. والزبد لا يخلو عن قليل مخيض فلا يصح بيعه ببعضه، بل ولا بالنقد لما فيه من المخيض المانع من العلم بالمبيع. أما بيع كل منها بالجنس الآخر فإنه يجوز إلا إذا كان متخذاً منه، فلا يجوز بيع الجبن باللبن، وكذلك الزبد والقط لأنها مأخوذة من اللبن وإنما يصح بيع كل واحد منها بالجنس الآخر ما لم يكن المخالط كثيراً يمنع معرفة المقصود، وإلا فلا يصح.

ويصح بيع بعض السمن ببعضه وزناً إن كان جامداً، وكيلاً إن كان مائعاً على المعتمد، ولا يجوز بيع السمن بالزبد، ولا بيعه باللبن لأنه متخذ منه، وأما الماء العذب فإنه ربوي داخل في المطعوم، فقال تعالى: {ومن لم يطعمه فإنه مني} فلا يصح بيع بعضه ببعض إلا مثلاً يداً بيد: والعسل المستخرج من السكر جنس غير السكر والعسل المستخرج من النحل جنس آخر فيجوز بيع بعضه ببعض.
الحنابلة - قالوا: المائعات المستخرجة من أجناس مختلفة، أجناس مختلفة مثل أصولها، فزيت السمسم جنس، وزيت الزيتون جنس، وخل التمر جنس، وخل العنب جنس، وعسل النحل جنس، وعسل السكر جنس، فيصح بيع الجنس الواحد ببعضه مثلاً بمثل يداً بيد ويصح بيعه بالأجناس الأخرى متفاضلاً إلا أنه لا يصح بيع خل العنب بخل الزيت لا متفاضلاً ولا متماثلاً، لأن خل الزبيب لا بد أن يخالطه ماء.
ويصح بيع الدبس ببعضه وهو ما يسيل من الرطب كالعسل، فإنه يصح بيع بعضه ببعض يداً بيد إن كان من جنس واحد، ومتفاضلاً إن كان من جنسين إلا أنه لا يصح بيع العسل الذي فيه شمع ببعضه، كما لا يصح بيعه بالعسل الخالي من الشمع.
ويصح بيع السمن ببعضه كذلك. ولا يصح بيع الزبد بالسمن كما لا يصح بيعهما باللبن لأنه أصل لهما. ولا يصح بيع الشيء بأصله، ومثلهما الجبن والمخيض فإنه لا يصح بيعهما باللبن، أما بيع كل جنس بالآخر فإنه يصح إذا لم يكن مستخرجاً منه، فيصح بيع الزبد بالمخيض "اللبن الخض" يداً بيد لاختلاف الجنس، وليس المخيض أصلاً للزبد.

ويصح بيع عصير الجنس الواحد ببعضه، فيص بيع عصير العنب بعصير العنب ولو مطبوخين أما إذا كان أحدهما مطبوخاً والآخر غير مطبوخ فإنه لا يصح.
ولا يضر ما اختلط به جنس من الأجناس إذا كان يسيراً كالملح في الخبز، فإنه لا يمنع بيع بعضه ببعض، والماء في خل التمر وخل الزبيب فإنه يسير لا يضر، فيصح بيع كل جنس ببعضه لأن الماء الذي يضاف إليه غير مقصود بخلاف اللبن المشوب بالماء فإنه لا يصح بيعه بمثله.
الحنفية - قالوا: تختلف المائعات باختلاف أصولها المستخرجة منها. فالزيت المستخرج من السمسم جنس، والمستخرج من الخس جنس، والمستخرج من الزيتون جنس، وهكذا. فيصح بيع بعض كل جنس ببعضه مماثلة وبالآخر مفاضلة بشرط التعين كما تقدم. وهل يصح بيع كل جنس بأصله الذي استخرج منه كبيع زيت السمسم بالسمسم؟. وبيع عصير العنب بالعنب؟ وبيع اللبن بالسمن؟ أو لا يصح. والجواب أن القدر الموجود الخالص إذا كان أكثر من القدر الموجود في الأصل فإن البيع يصح. أما إذا كان أقل أو مساوياً أو لا يعلم حاله فإن البيع لا يصح فإذا باع مثلاً عشرة أرطال من زيت السمسم بكيلتين منه؛ فإن كانت العشرة أرطال أكثر من الزيت الموجود في الكيلتين فإنه يصح وإلا فلا. هذا إذا كان الثقل "التفل" له قيمة بعد عصره واستخراج زيته كثفل السمسم فإنه ينتفع به. أما إذا لم يكن له قيمة كبيع الزبدة بالسمن فإن البيع لا يصح، لأن الزبدة بعد غليها وجعلها سمناً لاتبقى لها فضلة نافعة لها قيمة إلا إذا علم أن السمن الخالص من غير الثفل "المرجة" يساوي الذي باعه به.

ومثل ذلك ما إذا باع عشرة أرطال من اللبن برطلين من السمن فإنه يصح إذا كانت العشرة أرطال من اللبن تشتمل على أقل من رطلين من السمن. أما إذا كانت تشتمل على رطلين فأكثر فإنه لا يصح البيع، وبديهي أن "ثفل" اللبن هو الزبدة وله قيمة.
والعلة في ذلك ظاهرة وهو أن الأصل فيه زيادة ينتفع بها وهي الثفل، فينبغي أن يعمل حساب هذه الزيادة في مقابلها، فإذا بيع السمسم بمقدار الزيت الذي فيه فقد ضاع ثفله، أما إذا كان الثفل لا ينتفع به أصلاً كثفل عصير العنب فإنه يصح بيعه بعصير العنب بدون أن يكون العصير زائداً على ما في العنب متى علم أن القدر الموجود في العنب يساوي العصير الذي اشتراه به. وإذا أضيف إلى نوع واحد من الزيت فإنه يختلف، كما إذا أضيف إلى زيت السمسم دهن البنفسج، أو الياسمين، أو الورد، أصبح كل واحد منهما جنساً على حدة كما تقدم في مبحث ما يعرف به اتحاد الجنس.

ومثل الزيت الخل، فإنه أجناس مختلفة الأصول المستخرج منها، فخل العنب جنس وخل الدقل بفتح الدال "التمر الرديء" جنس، وخل الخمر جنس، فيصح بيعها ببعضها مفاضلة كما يصح أن يباع بعض كل جنس منها ببعضه مماثلة، أما بيع الخل بالعصير فإنه لا يصح مفاضلة، وذلك لأن العصير يتخلل بعد مدة فكأنه باع الخل بمثله مفاضلة.
لا يصح بيع رطل زيت فيه رائحة عطرية برطل زيت خال منها، لأنه في هذه الحالة يكون قد باع رطلاً من الزيت بمثله مع زيادة الرائحة.

ويجوز بيع اللبن الحلية بمثله كما يجوز بيعه بالجبن مفاضلة لأنهما جنسان مختلفان، أما بيع الحليب بالمخيض "الخض" فإنه إذا كان المخيض أكثر يصح، وإلا فلا، فيصح أن يبيع رطلين من اللبن الخض برطل من الحليب، أما إذا كان العكس فإنه يجوز، لأن الحليب مشتمل على زبدة فينبغي أن تراعى هذه الزيادة.

وإذا كان الماء في البئر أو في النهر فإنه لا يصح بيعه، فما جرت به عادة بعض الناس من بيع ماء البئر بالخبز ونحوه فإنه لا يصح إلا إذا أجر الدلو أو الرشا "الحبل الذي يملأ به، فإنه يصح في هذه الحالة، وإذا أخذ الماء ووضعه في جرة أو نحوها كان أحق به فأصبح مالكاً له فصح له أن يبيعه وسيأتي ما يتعلق بذلك موضحاً في المساقاة.

المالكية - قالوا: يختلف الجنس باختلاف أصله، فالزيت يكون أجناساً مختلفة باختلاف أصوله المستخرج منها، فزيت القرطم والسمسم والسلجم والزيتون وزيت بذر الفجل والخس وبذر الكتان وغير ذلك كلها أجناس ربوية مختلفة لاختلاف الأجناس المستخرجة منها كما تقدم في مبحث ما يعرف به اتحاد الجنس، وكذلك العسل فإنه يختلف باختلاف أصله.

فيصح بيع بعض الجنس الواحد ببعضه مماثلة يداً بيد، كما يصح بيع الجنس بجنس آخر مفاضلة يداً بيد.
وأما الخل المتخذ من أصناف مختلفة فإنه كله جنس واحد كما تقدم فلا يصح بيع بعضه ببعض متفاضلاً.
ومثل الخل الأنبذة، والمراد بها ماء الزيت والعرقسوس، والتمر، والمشمش، والقراصية ونبيذ التين، وهكذا باقي أنواع "الشرابات" المختلفة المأخوذة من الأصناف التي يدخلها الربا فإنها كلها جنس واحد، فلا يصح بيع بعضها ببعض مفاضلة، وليس منها ماء الخروب لأن الخروب لا يدخله الربا.

والخل من التمر جنسان مختلفان فيصح بيعهما ببعضهما مفاضلة، أما النبيذ فهو مع الخل جنس واحد على المعتمد، فلا يصح بيعهما ببعضهما مفاضلة ويصح مماثلة، وكذلك النبيذ مع التمر جنس واحد ولكن لا يصح بيعهما ببعضهما لا مفاضلة ولا مماثلة.
أما اللبن وما يتولد منه فإنه سبعة أنواع؟ وهي الحليب، والزبدة، والسمن، والمخيض "الخض" الأقط، وهو لبن يحفف حتى يستحجر فيحفظ ليطبخ به عند الحاجة كالخضر المجففة، والجبن، والمضروب "الرائب". فهذه الأنواع يجوز بيع بعض كل واحد منها بمثله، فيجوز أن يبيع رطلاً من الحليب برطلين من الحليب. ورطلاً من الزبد برطلين من الزبد وهكذا. ولا يصح بيع الحليب بالزبد ولا بالسمن ولا بالجبن ولا بالأقط، كما لا يصح بيع الزبد بالسمن أو الجبن أو الأقط، ولا بيع السمن بالجبن ولا بالأقط.

وأما بيع المخيض أو المضروب بالأقط فقيل: لا يصح مطلقاً، لأنه من قبيل بيع الجاف باللبن وهو لا يجوز. وقيل: يصح، والظاهر الأول. وكذلك اختلف في بيع الجبن بالأقط فقيل: بالجواز: وقيل بالمنع).

عن الكاتب

A. Fatih Syuhud

التعليقات


جميع الحقوق محفوظة

الكتب الإسلامية