الكتب الإسلامية

مجموعة الكتب والمقالات الإسلاية والفقه علي المذاهب الأربعة

recent

آخر الأخبار

recent
جاري التحميل ...

كيف يصل الشيطان بوسوسته إلى نفس الإنسان

كيف يصل الشيطان بوسوسته إلى نفس الإنسان


محتويات

17- النساء وحب الدنيا :

وقد أخبرنا الرسول صلى الله عليه وسلم أنه ما ترك بعده فتنة أشد على الرجال من النساء ، ولذلك أمرت المرأة بستر جسدها كله إلا الوجه والكفين ، وأمر الرجال بغض أبصارهم ، ونهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن الخلوة بالمرأة ، وأخبر أنّه ما خلا رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما . وفي سنن الترمذي بإسناد صحيح : ( المرأة عورة فإذا خرجت استشرفها الشيطان ) (12) .
ونحن اليوم نشاهد عظم فتنة خروج النساء كما وصفهم الرسول صلى الله عليه وسلم كاسيات عاريات ، قامت مؤسسات في الشرق والغرب تستخدم جيوشاً من النساء والرجال لترويج الفاحشة بالصورة المرئية ، والقصة الخليعة ، والأفلام التي تحكي الفاحشة وتدعو لها !
أما حبّ الدنيا فهو رأس كل خطيئة ، وما سفكت الدماء ، وهتكت الأعراض ، وغصبت الأموال ، وقطعت الأرحام ، ... إلا لأجل حيازة الدنيا ، والصراع على حطامها الفاني ، وحرصاً على متعها الزائدة .
18- الغناء والموسيقى :

الغناء والموسيقى طريقان يفسد الشيطان بهما القلوب ، ويخرب النفوس ، يقول ابن القيم : " ومن مكايد عدو الله ومصايده التي كاد بها من قل نصيبه من العلم والعقل والدين ، وصاد بها قلوب الجاهلين والمبطلين : سماع المكاء والتصدية ، والغناء بالآلات المحرمة ، الذي يصد القلوب بها عن القرآن ، ويجعلها عاكفة على الفسوق والعصيان ، فهو قرآن الشيطان ، والحجاب الكثيف عن الرحمن ، وهو رقية اللواط والزنى ، كاد به الشيطان النفوس المبطلة ، وحسنه لها مكراً وغروراً ، وأوحى لها الشبه الباطلة على حسنه ، فقبلت وحيه ، واتخذت لأجله القرآن مهجوراً .... " (13) .

ومن عجب أن بعض الناس ، الذين يدّعون التعبد ، يتخذون الغناء والرقص والتمايل طريقاً للتعبد ، يتركون السماع الرحماني ، ويذهبون إلى السماع الشيطاني ، وقد عدّ ابن القيم (14) لهذا السماع بضعة عشر اسماً : اللهو ، واللغو ، والباطل ، والزور ، والمكاء ، والتصدية ، ورقية الزنى ، وقرآن الشياطين ، ومنبت النفاق في القلب ، والصوت الأحمق ، والصوت الفاجر ، وصوت الشيطان ، ومزمور الشيطان ، والسمود .

وأطال النفس في بيان تحريمه ، وما فيه من زور وبهتان ، فراجعه إن شئت .

الجرس مزامير الشيطان :

أخبرنا الرسول صلى الله عليه وسلم أن : ( الجرس مزامير الشيطان ) . رواه مسلم في صحيحه عن أبي هريرة (15) . ولذا فإن الملائكة ( لا تصحب رفقة فيها كلب ولا جرس ) . رواه مسلم في صحيحه ، عن أبي هريرة (16) .

19- تهاون المسلمين في تحقيق ما أمروا به :

إذا التزم المسلم بإسلامه فإن الشيطان لا يجد سبيلاً لإضلاله والعبث به ، فإذا تهاون وتكاسل في بعض الأمور ، فإن الشيطان يجد فرصة ، قال تعالى : ( يا أيَّها الَّذين آمنوا ادخلوا في السلم كافَّةً ولا تتَّبعوا خطوات الشَّيطان إنَّه لكم عدوٌ مُّبينٌ ) [البقرة :208] .

فالدخول في الإسلام في كل الأمور هو الذي يخلص من الشيطان ، فمثلاً إذا كانت صفوف المصلين مرصوصة ، فإن الشياطين لا تستطيع أن تتخلل المصلين ، فإذا تُركت فُرجٌ بين الصفوف ، فإن الشياطين تتراقص بين صفوف المصلين ؛ ففي الحديث : ( أقيموا صفوفكم ، لا تتخللكم الشياطين كأنّها أولاد الحَذَف ) . قيل يا رسول الله : وما أولاد الحذف ؟ قال : ( سود جُرد بأرض اليمن ) . رواه أحمد والحاكم بإسناد صحيح (17) .
وفي الحديث الآخر : ( أقيموا صفوفكم ، وتراصوا ، فوالذي نفسي بيده ، إني لأرى الشيطان بين صفوفكم كأنها غنم عُفْر ) . رواه أبو داود الطيالسي بإسناد صحيح (18) .
--------------------------------
(1) رواه البيهقي ، وصحح ابن كثير إسناده .
(2) راجع : الدر المنثور ، للسيوطي :3/158 .
(3) راجع روايات الحديث في الدر المنثور : 7/545 .
(4) بسط القول في السحر في مؤلف مستقل أ.د.عمر الأشقر عنون له بعنوان : عالم السحر والشعوذة .
(5) أي أجابني فيما طلبته .
(6) أي مسحور .
(7) المشاطة : شعر سقط من الرأس بعد تسريحه .
(8) جف طلع نخلة ، أي : غشاء الطلع .
(9) صحيح البخاري : 10/221 . ورقمه : 5763 .
(10) تفسير ابن كثير : 17/423 .
(11) تلبيس إبليس : 42 .
(12) صحيح سنن الترمذي : 1/343 . ورقمه : 936 . وقوله : استشرفها ، أي : زينها في نظر الرجال .
(13) إغاثة اللهفان : 1/242 .
(14) إغاثة اللهفان : 1/256 .
(15) صحيح مسلم : 3/1672 . ورقمه : 2114 .
(16) صحيح مسلم : 3/1672 . ورقمه : 2113 .
(17) صحيح الجامع : 1/384 . وأولاد الحَذف : الغنم الصغار ، والمراد الشياطين ، فإنها تدخل في أوساط الصفوف كأولاد الحذف . جُرد ، أي : ليس على جلدها شعر .
(18) صحيح الجامع : 1/384 .

كيف يصل الشيطان بوسوسته إلى نفس الإنسان

المطلب الأول الوسوسة

الشيطان يستطيع أن يصل إلى فكر الإنسان وقلبه بطريقة لا ندركها ، ولا نعرفها ، يساعده على ذلك طبيعته التي خلق عليها ، وهذا هو الذي نسميه بالوسوسة ، وقد أخبرنا الله بذلك إذ سماه : ( الوسواس الخنَّاس – الَّذي يوسوس في صدور النَّاس ) [الناس : 4-5] . قال ابن كثير في تفسيره : ( الوسواس الخنَّاس ) : الشيطان جاثم على قلب ابن آدم ، فإذا سها وغفل وسوس ، فإذا ذكر الله خنس .
وقد ثبت في الصحيحين عن أنس أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال : ( إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم ) (1) .
وبهذه الوسوسة أضل آدم وأغواه بالأكل من الشجرة : ( فوسوس إليه الشَّيطان قال يا آدم هل أدلُّك على شجرةٍ الخلد وملكٍ لا يبلى ) [ طه : 120 ] .
وقد تتمثل الشياطين في صورة بشر ، وقد يحدّثون الإنسان ، ويُسمِعونه ، ويأمرونه ، وينهونه ، بمرادهم ... كما سيأتي بيانه .
--------------------------------
(1) مشكاة المصابيح : 1/26 . ورقمه : 68 .

المطلب الثاني تمثل الشياطين

أحياناً تأتي الشياطين لا بطريق الوسوسة ؛ بل تتراءى له في صورة إنسان ، وقد يسمع الصوت ، ولا يرى الجسم ، وقد تتشكل بصور غريبة ... وهي أحياناً تأتي الناس وتعرفهم بأنها من الجن ، وفي بعض الأحيان تكذب في قولها ، فتزعم أنها من الملائكة ، وأحياناً تسمي نفسها برجال الغيب ، أو تدعي أنها من عالم الأرواح ....
وهي في كل ذلك تحدث بعض الناس ، وتخبرهم بالكلام المباشر ، أو بوساطة شخص منهم يسمى الوسيط ، تتلبس وتتحدث على لسانه ، وقد تكون الإجابة بوساطة الكتابة ...
وقد تقوم بأكثر من ذلك ، فتحمل الإنسان ، وتطير به في الهواء ، وتنقله من مكان إلى مكان ، وقد تأتي له بأشياء يطلبها ، ولكنها لا تفعل هذا إلا بالضالين ، الذين يكفرون بالله ربّ الأرض والسماوات ، أو يفعلون المنكرات والموبقات ....

وقد يتظاهر هؤلاء بالصلاح والتقوى ، ولكنهم في حقيقة أمرهم من أضلّ الناس وأفسقهم ، وقد ذكر القدامى والمحدثون من هذا شيئاً كثيراً ، لا مجال لتكذيبه والطعن فيه ؛ لبلوغه مبلغ التواتر .
فمن ذلك ما ذكره ابن تيمية عن الحلاج قال : " وكان صاحب سيمياء وشياطين تخدمه أحياناً ، كانوا معه ( بعض أتباعه ) على جبل أبي قبيس ، فطلبوا منه حلاوة ، فذهب إلى مكان قريب ، وجاء بصحن حلوى ، فكشفوا الأمر فوجدوا ذلك قد سرق من دكان حلاوي باليمن ، حمله شيطان تلك البقعة " .

قال : " ومثل هذا يحدث كثيراً لغير الحلاج ممن له حال شيطاني ، ونح نعرف كثيراً من هؤلاء في زمننا وغير زمننا ، مثل شخص هو الآن ( في زمن ابن تيمية ) بدمشق ، كان الشيطان يحمله من جبل الصالحية إلى قرية حول دمشق ، فيجيء من الهواء إلى طاقة البيت ، فيدخل وهم يرونه ، ويجيء بالليل على باب الصغير ( باب من أبواب دمشق الستة التي كانت يومئذ ) ، فيعبر منه هو ورفيقه ، وهو من أفجر الناس .
وآخر كان بالشوبك ( قلعة حصينة في أطراف الشام ) من قرية يقال لها : الشاهدة ، يطير في الهواء إلى رأس الجبل والناس يرونه ، وكان شيطان يحمله ، وكان يقطع الطريق.

وأكثرهم شيوخ الشرّ ، يقال لأحدهم : ( البوشي أبي المجيب ) ينصبون له خركاه في ليلة مظلمة ، ويصنعون خبزاً على سبيل القربات ، فلا يذكرون الله ، ولا كتاب فيه ذكر الله ، ثم يصعد ذلك البوشي في الهواء وهم يرونه ، ويسمعون خطابه للشيطان ، وخطاب الشيطان له . ومن ضحك أو سرق من الخبز ضربه الدف ، ولا يرون من يضرب به .
ثم إن الشيطان يخبرهم ببعض ما يسألونه عنه ، ويأمرهم بأن يقربوا له بقراً وخيلاً وغير ذلك ، وأن يخنقوها خنقاً ، ولا يذكرون اسم الله عليها ، فإذا فعلوا قضى حاجتهم " .

ويذكر ابن تيمية أيضاً عن " شيخ أخبر عن نفسه أنه كان يزني بالنساء ويتلوط الصبيان ، وكان يقول : يأتيني كلب أسود بين عينيه نكتتان بيضاوان ، فيقول لي : فلان ابن فلان نذر لك نذراً ، وغداً نأتيك به ، فيصبح ذلك الشخص يأتيه بذلك النذر ، ويكاشفه هذا الشيخ الكافر " .

ويذكر عن هذا الشيخ أنه قال : " وكنت إذا طلب مني تغيير مثل ( اللادن ) (صمغ يستعمل عطراً ودواء) أقول : حتى أغيب عن عقلي ، وإذا باللادن في يدي أو في فمي ، وأنا لا أدري من وضعه .

قال : وكنت أمشي وبين يدي عمود أسود عليه نور .
قال : فلما تاب هذا الشيخ ، وصار يصلي ويصوم ، ويجتنب المحارم ، ذهب الكلب ، وذهب التغيير ، فلا يأتي باللادن ولا غيره .
ويحكى عن شيخ آخر كان له شياطين يرسلهم يصرعون بعض الناس ، فيأتي أهل ذلك المصروع إلى الشيخ يطلبون إبراءَه ، فيرسل إلى أتباعه ، فيفارقون ذلك المصروع ، ويعطون الشيخ دراهم كثيرة ، وكان أحياناً تأتيه الجن بدراهم وطعام تسرقه من الناس ، حتى إن بعض الناس كان له تين في كوارة ، فيطلب الشيخ من شياطينه تيناً فيحضرونه له ، فيطلب أصحاب الكوارة التين ، فيجدونه قد ذهب .

ويذكر عن آخر أنه كان مشتغلاً بالعلم فجاءَته الشياطين وأغوته ، وقالوا له : نحن نسقط عنك الصلاة ، ونحضر لك ما تريد ، فكانوا يأتونه بالحلوى ، حتى حضر عند بعض الشيوخ العارفين بالسنة فاستتابه ، وأعطى أهل الحلاوة ثمن حلاوتهم التي أكلها ذلك المفتون بالشيطان " (1) .

وبين شيخ الإسلام بعض طرق الشيطان في الإغواء ، فقال (2) : " أنا أعرف من تخاطبه النباتات بما فيها من المنافع ، وإنما يخاطبه الشيطان الذي دخل فيها ، وأعرف من يخاطبهم الشجر والحجر ، وتقول : هنيئاً لك يا ولي الله ، فيقرأ آية الكرسي فيذهب ذلك ، وأعرف من يقصد صيد الطير ، فتخاطبه العصافير وغيرها ، وتقول : خذني حتى يأكلني الفقراء ، ويكون الشيطان قد دخل فيها كما يدخل في الإنسان ويخاطبه بذلك .

ومنهم من يكون في البيت وهو مغلق ، فيرى نفسه خارجه ، وهو لم يفتح ، وبالعكس ، وكذلك في أبواب المدينة ، وتكون الجن قد أدخلته وأخرجته بسرعة يتصورون بصورة صاحبه ، فإذا قرأ آية الكرسي مرة بعد مرة ذهب ذلك كله " .

ويقول رحمه الله : " وأعرف من يخاطبه مخاطب ويقول له : أنا من أمر الله ، ويعده بأنه المهدي الذي بشر به الرسول صلى الله عليه وسلم ، ويظهر له الخوارق ، مثل أن يخطر بقلبه تصرف في الطير والجراد في الهواء ، فإذا خطر بقلبه ذهاب الطير أو الجراد يميناً أو شمالاً ذهب حيث أراد ، وإذا خطر بقلبه قيام بعض المواشي ، أو نومه ، أو ذهابه ، حصل له ما أراد من غير حركة منه في الظاهر ، وتحمله إلى مكة وتأتي به ، وتأتيه بأشخاص في صورة جميلة ، وتقول له : هؤلاء الملائكة الكروبيون جاؤوا لزيارتك ، فيقول في نفسه : كيف تصوروا بصورة المردان ؟ ! فيرفع رأسه فيجدهم بلحى ، ويقولون له : علامة أنك المهدي أنك تنبت في جسدك شامة ، فتنبت ويراها ، وغير ذلك ، وكله من مكر الشيطان " (3) .

وبين رحمه الله " أن أهل الضلال والبدع الذين فيهم زهد وعبادة على غير الوجه الشرعي ، ولهم أحياناً مكاشفات وتأثيرات ، يأوون كثيراً إلى مواضع الشياطين التي نُهي عن الصلاة فيها ؛ لأن الشياطين تتنزل عليهم بها ، وتخاطبهم الشياطين ببعض الأمور كما تخاطب الكهان ، وكما كانت تدخل في الأصنام ، وتكلم عابدي الأصنام ، وتعينهم في بعض المطالب كما تعين السحرة ، وكما تعين عباد الأصنام وعباد الشمس والقمر والكواكب ، إذا عبدوها بالعبادات التي يظنون أنها تناسبها ، من تسبيح لها ولباس وبخور وغير ذلك ؛ فإنه قد تنزل عليهم شياطين يسمونها روحانية الكواكب ، وقد تقضي بعض حوائجهم " (4) .

الذين تخدمهم الشياطين يتقربون إليها بالمعاصي :
هؤلاء الذين يزعمون الولاية – والحقيقة أن الشياطين تخدمهم – لا بدّ أن يتقربوا إلى الشياطين بما تحبه من الكفر والشرك ؛ كي يقضوا بعض أغراضه ، ويذكر ابن تيمية (5) : أن كثيراً من هؤلاء يكتبون كلام الله بالنجاسة ، وقد يقلبون حروف كلام الله عزّ وجلّ ، إمّا حروف الفاتحة ، وإما حروف ( قل هو الله أحد ) ، وإما غيرهما – ويذكر أنهم قد يكتبون كلام الله بالدم أو بغيره من النجاسات ، وقد يكتبون غير ذلك مما يرضاه الشيطان ، أو يتكلمون بذلك .

فإذا قالوا أو كتبوا ما ترضاه الشياطين ، أعانتهم على بعض أغراضهم : إما تغوير ماء من المياه ، وإما أن يحمل في الهواء إلى بعض الأمكنة ، وإما أن يأتيه بمال من أموال بعض الناس ، كما تسرقه الشياطين من أموال الخائنين ، ومن لم يذكر اسم الله عليه ، وتأتي به ، وإما غير ذلك .

رجال الغيب :

يذكر شارح الطحاوية : " أن من الشياطين ما يسميه الناس رجال الغيب ، وأن بعض الناس يخاطبونهم ،وتحصل لهؤلاء خوارق يزعمون بها أنهم أولياء الله ، وأن بعض هؤلاء يعين المشركين على المسلمين ، ويقول : إن الرسول أمره بقتال المسلمين مع المشركين ، لكون المسلمين عَصَوْا " .
ويعقب شارح الطحاوية على ذلك قائلاً : " هؤلاء في الحقيقة إخوان المشركين ، وذكر أنّ الناس من أهل العلم في رجال الغيب ثلاثة أحزاب :
1- حزب يكذبون بوجود رجال الغيب ، ولكن قد عاينهم الناس ، وثبت عمن عاينهم ، أو حدثه الثقات بما رأوه ، وهؤلاء إذا رأوهم وتيقنوا وجودهم ، خضعوا لهم .

2- وحزب عرفوهم ، ورجعوا إلى القدر ، واعتقدوا أن ثَمّ في الباطن طريقاً إلى الله غير طريقة الأنبياء .
3- وحزب ما أمكنهم أن يجعلوا ولياً خارجاً عن دائرة الرسول ، فقالوا : يكون الرسول هو محمداً للطائفتين . فهؤلاء معظمون للرسول جاهلون بدينه وشرعه " .

ثم قال مبيناً حقيقة هؤلاء وأتباعهم : " والحق أن هؤلاء من أتباع الشياطين ، وأن رجال الغيب هم الجن ، ويسمون رجالاً ، كما قال تعالى : ( وأنَّه كان رجالٌ من الإنس يعوذون برجالٍ من الجن فزادوهم رهقاً ) [ الجن : 6 ] ، وإلا فالإنس يؤنسون ، أي يشهدون ويرون ، وإنما يحتجب الإنس أحياناً ، لا يكون دائم الاحتجاب عن أبصار الإنس ، ومن ظنهم من الإنس فمن غلطه وجهله " .

ثم بين أن السبب في الاختلاف فيهم وفي افتراق هذه الأحزاب الثلاثة عدم الفرقان بين أولياء الشيطان وأولياء الرحمن ، وبيّن أنه يجب عرض أفعال الناس وأقوالهم وحالهم على الكتاب والسنة ، فما وافقهما كان صالحاً ،وما خالفهما كان غالطاً ، ومهما فعل الإنسان وتبدى من حاله لا يكون مؤمناً ولا ولياً لله – وإن طار في الهواء ، ومشى على الماء ما لم يكن ملتزماً بالكتاب والسنة (6) .

فلا بد أن يكون عند العبد الميزان الذي يفرق به بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان ، والصالحين والطالحين ، وإلا ضّل وزاغ ، وظن أعداء الله أولياءَه ، هذا الميزان هو الكتاب والسنة ، فإذا كان العبد ملتزماً بهما فنعم ، وإلا فإنّه ليس على شيء ، ولو رأيناه يحي الأموات ، ويحول المعادن الخسيسة إلى معادن نفيسة .

يقول ابن تيمية : " ومن لم يميز بين الأحوال الرحمانية والنفسانية اشتبه عليه الحق بالباطل ، ومن لم ينوّر الله قلبه بحقائق الإيمان واتباع القرآن ، لم يعرف طريق المحق من المبطل ، والتبس عليه الأمر والحال ، كما التبس على الناس حال مسيلمة صاحب اليمامة وغيره من الكذابين في زعمهم أنهم أنبياء وإنما هم كذابون " (7) .

وقد ألف ابن تيمية كتاباً عظيماً ، إذا عرفته ، تبين لك الفارق الكبير بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان بحيث لا يشتبه عليك بعد ذلك أمر أولياء الشيطان ، وقد أسماه " الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان " .

لا تسخر الجن لأحد بعد نبي الله سليمان :
استجاب الله لنبيه سليمان ، ووهب له ملكاً لا ينبغي لأحد من بعده ، فإذا حصل طاعة من الجن لأحد من الإنس ، فلا يكون على سبيل التسخير ، وإنما برضى الجني ، وهل يجوز ذلك ؟
يقول ابن تيمية (8) : " الجن مع الإنس على أحوال : فمن كان من الإنس يأمر الجن بما أمر الله به ورسله من عبادة الله وحده وطاعة نبيه ، ويأمر الإنس بذلك ، فهذا من أفضل أولياء الله تعالى ، وهو في ذلك من خلفاء الرسول صلى الله عليه وسلم ونوابه .
ومن كان يستعمل الجن في أمور مباحة له ، فهو كمن استعمل الإنس في أمور مباحة له ، وهذا كأن يأمرهم بما يجب عليهم ، وينهاهم عما حرّم عليهم ، ويستعملهم في مباحات له ، فيكون بمنزلة الملوك ، الذين يفعلون مثل ذلك ، وهذا إذا قدّر أنه من أولياء الله ، فغايته أن يكون في عموم أولياء الله مثل النبي الملك مع العبد الرسول ، كسليمان ويوسف مع إبراهيم وموسى وعيسى ومحمد صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين .

ومن كان يستعمل الجنّ فيما ينهى الله عنه ورسوله إما في الشرك ، وإما في قتل معصوم الدم ، أو في العدوان عليهم بغير القتل ، كتمريضه وإنسائه العلم ، وغير ذلك من الظلم ، وإما في فاحشة ، كجلب من يطلب منه الفاحشة ، فهذا قد استعان بهم على الإثم والعدوان ، ثمّ إن استعان بهم على الكفر فهو كافر ، وإن استعان بهم على المعاصي فهو عاص : إما فاسق ، وإما مذنب غير فاسق .
وإن لم يكن تام العلم بالشريعة ، فاستعان بهم فيما يظن أنه من الكرامات ، مثل أن يستعين بهم على الحج ، أو يطيروا به عند السماع البدعي ، أو أن يحملوه إلى عرفات ، ولا يحج الحج الشرعي الذي أمره الله به ورسوله ، وأن يحملوه من مدينة إلى مدينة ، ونحو ذلك ، فهذا مغرور قد مكروا به " .
--------------------------------
(1) جامع الرسائل لابن تيمية : ص190-194 .
(2) مجموع الفتاوى : 11/300 .
(3) مجموع الفتاوى لشيخ الإسلام : 11/300 .
(4) مجموع الفتاوى : 19/41 .
(5) مجموع الفتاوى : 19/35 .
(6) شرح العقيدة الطحاوية : 571-572 .
(7) جامع الرسائل : ص197 .
(8) مجموع الفتاوى : 11/307 .

عن الكاتب

A. Fatih Syuhud

التعليقات


جميع الحقوق محفوظة

الكتب الإسلامية