الكتب الإسلامية

مجموعة الكتب والمقالات الإسلاية والفقه علي المذاهب الأربعة

recent

آخر الأخبار

recent
جاري التحميل ...

شروط صحة الصلاة وأركانها وأعذارها والحيض

شروط صحة الصلاة وأركانها وأعذارها والحيض


كتاب كاشفة السجا شرح سفينة النجا للنووي الجاوي الشافعي

محتويات

فصل في بيان قدر الحيض

(فصل): في بيان قدر الحيض وما يذكر معه وأما حكمه فقد تقدم (أقل الحيض) زمناً (يوم وليلة) أي قدرهما متصلاً وهو أربع وعشرون ساعة فلكية وكل ساعة خمس عشرة درجة وكل درجة أربع دقائق فإن نقص الدم عن هذا المقدار فليس بحيض بل هو دم فساد (وغالبه ست أو سبع) من الأيام بلياليها وإن لم تتصل الدماء لكن بلغ مجموعها قدر يوم وليلة. (وأكثره خمسة عشر يوماً بلياليها) أي مع لياليها سواء تقدمت أو تأخرت أو تلفقت، وإن لم تتصل الدماء، بأن ينزل عليها في كل يوم قدر ساعة مثلاً لكن لما تلفقت أوقات الدماء فبلغت يوماً وليلة فيحكم عليه بأنه حيض فإن زادت الدماء على الخمسة عشر فذلك الزائد دم استحاضة، وتسمى المرأة التي زاد دمها على الخمسة عشر مستحاضة، ويجوز وطء المستحاضة غير المتحيرة ولو مع نزول الدم ويجوز التضمخ للحاجة. واعلم أن كل ذلك بالتفتيش والفحص من الإمام الشافعي رضي الله عنه لنساء العرب (أقل الطهر بين الحيضتين خمسة عشر يوماً) أي بلياليها متصلة،

وخرج بقوله: بين الحيضتين الطهر بين حيض ونفاس فإنه يجوز أن يكون أقل من ذلك تقدم الحيض على النفاس أو تأخر عنه، وصورة تقدم الحيض كأن حاضت الحامل عادتها بناء على القول الأصح أن الحامل قد تحيض ثم طهرت يوماً أو يومين ثم ولدت ونزل بعده النفاس، وصورة التأخر كأن نفست المرأة أكثر النفاس ستين يوماً ثم طهرت يوماً أو يومين ثم نزل عليها الحيض وقد ينعدم الطهر بينهما بالكلية فيتصل النفاس بالحيض كأن ولدت متصلاً بآخر الحيض بلا تخلل نقاء، فمرادهم بالأقل ما يشمل العدم، وقد يكون بين نفاسين كأن وطئها في زمن النفاس فعلقت بناء على أنه لا يمنع العلوق ثم يستمر النفاس مدة يمكن أن يكون الحمل فيها علقة ثم ينقطع يوماً أو يومين مثلاً فتلقى تلك العلقة فينزل عليها النفاس (وغالبه أربعة وعشرون يوماً) أي إن كان الحيض ستاً (أو ثلاثة وعشرون يوماً) أي إن كان سبعاً أي غالب الطهر بقية الشهر بعد غالب الحيض لأن الشهر العددي لا يخلو غالباً عن حيض وطهر (ولا حد لأكثره) أي الطهر بالإجماع ولذا قال ابن قاسم الغزي في شرح الغاية: فقد تمكث المرأة دهرها أي أبدها بلا حيض أي كسيدتنا فاطمة عليها السلام، وحكمته عدم فوات زمن عليها بلا عبادة ولذلك سميت الزهراء، وقيل إنها ولدت وقت الغروب ونزل عليها النفاس مجة ثم طهرت وصلت.

[فرع] قال محمد الصبان في كتابه المسمى بإسعاف الراغبين: فاطمة تزوجها علي وهو ابن إحدى وعشرين سنة وخمسة أشهر وهي بنت خمس عشرة سنة وخمسة أشهر عقب رجوعهم من بدر، وعليه تكون ولادتها قبل النبوة بنحو سنة وقيل غير ذلك، وتوفيت بعد أبيها لستة أشهر على الصحيح ليلة الثلاثاء لثلاث خلون من رمضان سنة إحدى عشرة ودفنها علي ليلاً، وفاطمة كما قال ابن دريد مشتقة من الفطم وهو القطع أي المنع، سميت بذلك لأن الله تعالى فطمها عن النار كما وردت به الأحاديث، فهي فاطمة بمعنى مفطومة انتهى. قال الشرقاوي: ولم يعش من أولاد النبي صلى الله عليه وسلّم بعده إلا فاطمة فإنها عاشت بعده ستة أشهر انتهى.

واعلم أن سن اليأس من الحيض اثنتان وستون سنة قمرية تقريبية على الصحيح وهو المعتمد وقيل ستون وقيل خمسون وهذا باعتبار الغالب، فلا ينافي ما صرحوا به من أنه لا آخر لسن الحيض فهو ممكن ما دامت حية (أقل النفاس مجة) أي دفعة من الدم، وفي عبارة لحظة أي بقدر ما تلحظه العين أي إن ما وجد منه عقب الولادة يكون نفاساً ولو قليلاً ولا يوجد أقل من مجة. (وغالبه أربعون يوماً وأكثره ستون يوماً) وذلك باستقراء الشافعي رضي الله عنه وعبوره سنتين كعبور الحيض أكثره.

فصل أعذار الصلاة اثنان

(فصل): في بيان ما لا ملامة من الشرع على تأخير الصلاة عن وقتها بسببه (أعذار الصلاة اثنان) الأعذار جمع عذر بضم الذال للإتباع وسكونها أي الأشياء التي ترفع ذنوب الصلاة بتأخيرها عن وقتها اثنان: الأول (النوم) أي إذا لم يتعدَّ به أي لم يتجاوز الحد به فلو تيقظ من نومه وقد بقي من وقت الفريضة ما لا يسع إلا الوضوء أو بعضه فلا يجب قضاؤها فوراً، ولو بقي من الوقت ما يسع الوضوء ودون ركعة وله صلاة فائتة قدم تلك الفائتة على الحاضرة لأن صاحبة الوقت صارت فائتة أيضاً أخذاً مما قالوه من أنه لو نوى الأداء حينئذٍ وقصد الأداء الحقيقي لم تنعقد صلاته، ولو شك بعد خروجه هل فعلها أو لا لزمه قضاؤها لأن الأصل عدم فعلها كما لو شك في النية ولو بعد خروجه من الصلاة، بخلاف ما لو شك بعد خروجه هل الصلاة عليه أو لا بأن بلغ أو أفاق أول النهار وشك هل حصل ذلك قبل طلوع الشمس فيجب عليه الصبح أو بعده فلا تجب فإنه لا يلزمه شيء ويقضي الشخص ما فاته من مؤقت وجوباً في الفرض وندباً في النفل متى تذكره وقدر على فعله تعجيلاً لبراءة الذمة ولخبر الصحيحين: "من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها" رواه الشيخان، فإن لم يتذكره أو تذكره ولم يقدر على فعله لم يقض ويقضيه متى تذكره ولو في وقت الكراهة، نعم إن تذكره وقت الخطبة امتنع عليه فيؤخره لما بعد الصلاة، وإن كانت الجمعة تقضى ظهراً لا جمعة، والمبادرة إلى قضاء النفل سنة وكذا إلى الفرض إن فات بعذر وإلا وجبت إلا إن خاف فوت حاضرة فيبدأ بها وجوباً، فلا يجوز أن يصرف زمناً في غير قضائها كالتطوع إلا فيما يضطر إليه كنوم أو مؤنة من تلزمه مؤنته.

ثم اعلم أنه إذا نام قبل دخول الوقت ففاتته الصلاة فلا إثم عليه وإن علم أنه يستغرق الوقت ولو جمعة على الصحيح ولا يلزمه القضاء فوراً لقوله صلى الله عليه وسلّم: "ليس في النوم تفريط إنما التفريط على من لم يصل الصلاة حتى يدخل وقت الأخرى" رواه مسلم قال السويفي في للسببية أي ليس بسبب النوم تفريط أي إن نام قبل دخول الوقت، وأما إن نام بعد دخوله فإن علم أنه يستغرق الوقت حرم عليه النوم ويأثم إثمين: ثم الذي حصل بسبب النوم فلا يرتفع إلا بالاستغفار، وإن غلب على ظنه الاستيقاظ قبل خروج الوقت فخرج ولم يصل فلا إثم عليه وإن خرج الوقت لكنه يكره له ذلك إلا إن غلبه النوم بحيث لا يستطيع دفعه، وإن لم يغلب على ظنه الاستيقاظ أثم، ويجب إيقاظ من نام بعد الوجوب، ويسن إيقاظ من نام قبل الوقت إن لم يخش ضرراً لينال الصلاة في الوقت.

[تنبيه] كثرة النوم مما يورث الفقر للغني وزيادته لمن هو فقير. وفي الحديث: "لا يرد القضاء إلا الدعاء ولا يزيد في العمر إلا البر" وإن الرجل ليحرم الرزق بذنب أذنبه خصوصاً الكذب، وكثرة النوم توجب الفقر وكذلك النوم عرياناً إذا لم يستتر بشيء والأكل جنباً والتهاون بإسقاط المائدة وحرق قشر البصل وقشر الثوم وكنس البيت ليلاً وترك القمامة بضم القاف أي الكناسة في البيت، والمشي أمام المشايخ ونداء الوالدين باسمهما وغسل اليدين بالطين والتهاون بالصلاة وخياطة الثوب وهو على بدنه، وإسراع الخروج من المسجد والتبكير بالذهاب إلى الأسواق والبطء في الرجوع منها، وترك غسل الأواني وشراء كسر الخبز من الفقراء السؤال وإطفاء السراج بالنفس والكتابة بالقلم المعقود والامتشاط بمشط مكسور وترك الدعاء للوالدين والتعمم قاعداً والتسرول قائماً، والبخل وهو منع السائل مما يفضل عنده والتقتير وهو التضييق في النفقة، والإسراف وهو مجاوزة التوسط ذكره السويفي وقال صلى الله عليه وسلّم: "خير الأمور أوسطها" وقال صلى الله عليه وسلّم: "الخلق السيىء يفسد العلم كما يفسد الخل العسل".

[فائدة] قال سليمان الجمل: قد روى أنسبن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلّم أنه قال: "من أراد أن ينام على فراشه فنام على يمينه ثم قرأ قل هو الله أحد مائة مرة فإذا كان يوم القيامة يقول الرب عز وجل: يا عبدي ادخل بيمينك الجنة" قال: هذا حديث غريب من حديث ثابت عن أنس. وروى نوفل الأشجعي أن رجلاً قال للنبي صلى الله عليه وسلّم: أوصني فقال: "اقرأ عند منامك قل يا أيها الكافرون} ((109) الكافرون:1) فإنه براءة من الشرك" أخرجه أبو بكر الأنباري وغيره. وقال ابن عباس: ليس في القرآن أشد غيظاً لإبليس منها لأنها توحيد وبراءة من الشرك انتهى. قال النووي في التبيان: يستحب أن يقرأ عند النوم آية الكرسي وقل هو الله أحد والمعوذتين وآخر سورة البقرة فهذه مما يهتم له ويتأكد الاعتناء به فقد ثبت فيه أحاديث صحيحة، ويستحب أن يقرأ إذا استيقظ من النوم كل ليلة آخر آل عمران من قوله تعالى: إن في خلق السموات والأرض} ((3)آل عمران:190) إلى آخرها فقد ثبت في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم كان يقرأ خواتيم آل عمران إذا استيقظ.

وقال صاحب إتمام الدرة الملتقطة: وقد كان النبي صلى الله عليه وسلّم يقرأ سورة الإخلاص مع المعوذتين وينفث على يديه ويمسح بهما على جسده عند النوم إذا كان وجعاً متألماً ويأمر بذلك، قال بعض العلماء: من واظب على قراءتها نال كل خير وأمن من كل شر في الدنيا والآخرة، ومن قرأها وهو جائع شبع أو عطشان روي. (و) الثاني: (النسيان) أي إذا لم ينشأ عن تقصير كلعب الشطرنج بكسر أوله وهو المختار وفتحه معجماً ومهملاً وهو حرام لأنه إن شرط فيه مال من الجانبين فقمار أو من أحدهما فمسابقة على غير آلة القتال ففاعلها متعاطٍ لعقد فاسد قاله شيخ الإسلام في شرح المنهج.

فصل في شروط صحة الصلاة

(فصل): في بيان شروط صحة الصلاة. وأما شروط وجوب الصلاة فلم يذكرها المصنف لوضوحها أو لعدم اختصاصها بالصلاة وسأذكرها إن شاء الله تعالى تتميماً للفائدة. قال المصنف: (شروط الصلاة) وهي ما تتوقف عليها صحة الصلاة ولسيت منها (ثمانية) الأول: (طهارة الحدثين) أي عند قدرته فلو صلى بدونها ولو ناسياً لم تصح صلاته وفي صورة النسيان يثاب على قصده دون فعله إلا القراءة ونحوها بما لا يتوقف على وضوء فيثاب على فعله أيضاً، نعم إن كان جنباً لم يثب على القراءة على الأقرب، أما فاقد الطهورين فلا تشترط الطهارة في حقه مع وجوب الإعادة عليه. (و) الثاني (الطهارة عن النجاسة) أي التي لا يعفى عنها (في الثوب) أي الملبوس من كل محمول له وإن لم يتحرك بحركته وملاق لذلك (والبدن) أي الشامل لداخل أنفه أو فمه أو عينه (والمكان) أي ما يلاقي شيئاً من بدنه أو ملبوسه. واعلم أن النجاسة على أربعة أقسام: قسم لا يعفى عنه في الثوب والماء وهو معروف. وقسم يعفى عنه فيهما وهو ما لا يدركه الطرف المعتدل. وقسم يعفى عنه في الثوب دون الماء وهو قليل الدم لسهولة صون الماء عنه ولأن كثرة غسل الثوب تبليه ومن هذا القسم أثر الاستنجاء فيعفى عنه في البدن والثوب حتى لو سال منه عرق وأصاب الثوب من المحل المحاذي للفرج عفى عنه دون الماء. وقسم يعفى عنه في الماء دون الثوب وهو الميتة التي لا دم لها سائل كالقمل حتى لو حملها في الصلاة بطلت ومن هذا القسم منفذ الطير فإنه إذا كان عليه نجاسة ووقع في الماء لم ينجسه عكس منفذ الآدمي ولو حمله في الصلاة لم تصح.

[خاتمة] قال الشهاب الرملي في شرح منظومة ابن العماد: وتعرف القلة والكثرة بالعادة فما يقع التلطخ به ويعسر الاحتراز عنه فقليل، وما زاد فكثير لأن أصل العفو إنما أثبتناه لتعذر الاحتراز، فلينظر أيضاً في الفرق بين القليل والكثير إليه، وقيل الكثير ما بلغ حداً يظهر للناظر من غير تأمل وإمعان، وقيل: إنه ما زاد على الدينار، وقيل إنه الكف فصاعداً، وقيل ما زاد على الكف، وقيل إنه الدرهم البغلي فصاعداً، وقيل ما زاد عليه، وقيل ما زاد على الظفر اهـ. والبغلي قيل: هو نسبة إلى ملك، والدرهم البغلي هو ثمانية دوانق بخلاف الدرهم الطبري فإنه أربعة دوانق، والدرهم الغالي فإنه ستة دوانق. (و) الثالث: (ستر العورة) بجرم طاهر يمنع رؤية لون البشرة بأن لا يعرف بياضها من نحو سوادها في مجلس التخاطب لقادر عليه ولو بإعارة أو إجارة وإن صلى في خلوة ولو في ظلمة والواجب سترها من أعلى وجوانب، فلو كانت بحيث ترى له أو لغيره في ركوع أو سجود من طوقه مثلاً لسعته بطلت وإن لم تر بالفعل، وكذا لو كان ذيله قصيراً بحيث لو ركع يرتفع عن بعضها فتبطل إذا لم يتداركه بالستر قبل ركوعه لا من أسفل، فلو كان يصلي في علو وتحته من يراها من ذيله لم يضر. قال الشبراملسي في حاشيته على النهاية للرملي: ويسن أن يلبس أحسن ثيابه ويحافظ مع ذلك على ما يتجمل به عادة ولو أكثر من اثنين ويتسرول. روي عن مالكبن عتاهية أن النبي صلى الله عليه وسلّم قال: "إن الأرض تستغفر للمصلي بالسراويل وأولى الستر القميص مع السراويل ثم القميص مع الإزار ثم الرداء".

(و) الرابع (استقبال القبلة) أي لعينها يقيناً في القرب وظناً في البعد لا لجهتها على الصحيح وذلك بالصدر لا بالوجه في حق القائم أو القاعد وقت القيام والقعود، أما في الركوع والسجود فمعظم البدن، أما المضطجع فيجب بالوجه ومقدم البدن والمستلقي فكذلك مع أخمصيه، ويجب رفع رأسه قليلاً إن أمكن وهذا عند الكلبي هو المراد بالنحر في قوله تعالى: فصل لربك وانحر} ((108) الكوثر:2) قال في معنى وانحر أي استقبل القبلة بنحرك أي بصدرك. والأصل في اشتراط ذلك قبل الإجماع قوله تعالى: فولِّ وجهك شطر المسجد الحرام} ((2) البقرة:144) أي فاستقبل بذاتك في الصلاة قصده وجهته، قال الشرقاوي: والمراد بالجهة عند اللغويين العين وإطلاقها على غير العين مجاز كما قاله الزيادي، والمراد بالمسجد الحرام الكعبة بخلافه في غير هذا الموضع من القرآن فإنه متى اطلق فيه فالمراد به جميع الحرم اهـ. قال في المصباح: قوله تعالى: فثم وجه الله} ((2) البقرة:115) أي جهته التي أمركم بها. وعن ابن عمر أنها نزلت في الصلاة على الراحلة. وعن عطاء نزلت في اشتباه القبلة اهـ.

ويجوز ترك استقبال القبلة في حالتين: الأولى في شدة الخوف فإذا التحم القتال ولم يتمكنوا من تركه بحال لقلتهم وكثرة العدو أو اشتد الخوف ولم يلتحم القتال ولم يأمنوا أن يركب العدو أكتافهم لولوا وتفرقوا صلوا بحسب الإمكان وليس لهم التأخير عن الوقت. الحالة الثانية من النافلة في السفر المباح فلا يشترط طوله وأقله أن يسافر إلى محل لا يسمع فيه نداء الجمعة فيجوز للمسافر التنفل راكباً وماشياً إلى جهة مقصده في السفر الطويل والقصير، ثم إن راكب الدابة ولو في نحو هودج لا يجب عليه وضع جبهته في ركوعه وسجوده على سرجها أو معرفتها بل يومىء بهما ويكون سجوده أخفض من ركوعه، هذا إذا لم يمكنه إتمامهما والاستقبال في جميع صلاته وإلا وجب ذلك لتيسره عليه، وإن سهل عليه غيرهما من بقية الأركان فلا يلزمه شيء في جميع ذلك إلا الاستقبال في تحرمه فقط إن سهل وإلا فلا يلزمه شيء، وأما الماشي فيمشي في أربعة أشياء: القيام والاعتدال والتشهد والسلام. ويستقبل القبلة في أربعة: الإحرام والركوع والسجود والجلوس بين السجدتين، ولا يكفيه الإيماء بالركوع والسجود.

ثم اعلم أن مراتب القبلة أربعة: الأولى العلم بها بنحو رؤية. الثانية: خبر ثقة عن علم كقوله: أنا شاهدت القبلة هكذا وفي معناه نحو بيت الإبرة المعروف. الثالثة: الاجتهاد قال النووي في الإيضاح: ولا يصح الاجتهاد إلا بأدلة القبلة وهي كثيرة أقواها القطب وأضعفها الريح اهـ. الرابعة: تقليد المجتهد وهو قبول قوله، ويعتمد إخبار صاحب البيت إن علم أنه يخبره عن علم كأن يقول له: من أين جاء لك أن القبلة هكذا؟ فيقول: حررتها على القطب أو شاهدت الكعبة مثلاً، أما إذا أخبره عن اجتهاد فلا يجوز تقليده بل لا بد من اجتهاده، وكذا لو قال: القبلة هكذا ولم يعلم حاله هل هو عالم أو مجتهد؟ فلا بد من اجتهاد السائل. (و) الخامس: (دخول الوقت) أي معرفة دخوله يقيناً أو ظناً بالاجتهاد فمن صلى بدونها بأن هجم وصلى لم تصح صلاته وإن وقعت في الوقت لعدم الشرط بخلاف ما لو صلى بالاجتهاد ثم تبين أن صلاته كانت قبل الوقت فإنه إن كان عليه فائتة من جنسها وقعت عنها وإلا وقعت له نفلاً مطلقاً، فلو كان يصلي الصبح كل يوم بالاجتهاد، مدة ثم تبين أنه كان صلاه في كل يوم في تلك المدة قبل الوقت لم يجب عليه إلا قضاء صبح اليوم الأخير فقط لأن صبح كل يوم يقع عن الذي قبله، وصبح اليوم الأول وقع نفلاً مطلقاً، وصح أداءً بنية قضاء وعكسه حيث كان جاهلاً بالحال، فلو ظن خروج وقتها لغيم ونحوه فنواها قضاءً فتبين بقاؤه أو ظن بقاءه فنواها أداءً فتبين خروجه صح لاستعمال أحدهما بمعنى الآخر لغة، فإن كان عالماً عامداً لم يصح لتلاعبه، نعم إن قصد بذلك المعنى اللغوي لم يضر.

ثم اعلم أن مراتب معرفة دخول الوقت ثلاثة، الأولى: العلم بنفسه أو بأخبار الثقة عن معاينة أو برؤية المزاول الصحيحة والمناكب الصحيحة والساعات المجرية وبيت الإبرة لعارف به وفي معناه أذان المؤذن العارف في الصحو. الثانية: الاجتهاد بورد من قرآن أو درس أو مطالعة علم أو نحو ذلك كخياطة وصوت ديك أو نحوه كحمار مجرب، ومعنى الاجتهاد بذلك أن يتأمل فيه كأن يتأمل في الخياطة هل أسرع فيها أو لا؟ وفي أذان الديك هل هو قبل عادته أو لا؟ وهكذا، ولا يجوز أن يصلي مستنداً لديكٍ من غير اجتهاد فيه. الثالثة: تقليد ثقة عارف عن اجتهاد فلا يقلد إذا قدر على الاجتهاد هذا في حق البصير، وأما الأعمى فله تقليد المجتهد ولو مع القدرة على الاجتهاد لأن شأنه العجز عنه.(و) السادس. (العلم بفرضيتها) أي بكون الصلاة المفروضة فرضاً وهذا لا بد منه في حق العامي وغيره قال الشرقاوي: هذا شرط لكل عبادة فكان الأولى إسقاطه (و) السابع: (أن لا يعتقد فرضاً) أي معيناً (من فروضها سنة) هذا في حق العامي وهو من لم يحصل طرفاً من الفقه يهتدي به إلى باقيه. (و) الثامن (اجتناب المبطلات) كتطويل ركن قصير عمداً ونحوه مما ستقف عليه إن شاء الله تعالى في كلام المصنف، وإنما لم يذكر المصنف الإسلام والتمييز لأنهما معلومان من طهارة الحدثين إذ شرطها النية وشرط النية الإسلام والتمييز ويعلم التمييز أيضاً من اشتراط معرفة الوقت.

[تنبيه] (الأحداث اثنان) الأول بإدخال الجنابة في الأكبر (أصغر و) الثاني (أكبر فالأصغر ما أوجب الوضوء) قال الجفري في الأبريقية: هي نواقضه. (والأكبر ما أوجب الغسل) وهي الجنابة والحيض والنفاس والولادة هذا على طريقة بعضهم وبعضهم جعل الأحداث ثلاثة أقسام: أكبر وأوسط وأصغر، فلكون ما يحرم بالحيض أكثر من غيره يسمى حدثاً أكبر، ولكن ما يحرم بالجنابة أقل مما يحرم بالحيض وأكثر ما يحرم بالحدث الأصغر يسمى حدثاً أوسط، ولكون ما يحرم بناقض الوضوء أقل من ذلك يسمى حدثاً أصغر فأصغريته وأكبريته وتوسطه باعتبار قلة ما يحرم به وعدم قلته.

(تنبيه آخر) قال: (العورات أربع) وهي لغة النقص والشيء المتقبح وسمي المقدار الذي سيذكره المصنف بها لقبح ظهوره، وتطلق شرعاً على ما يجب ستره في الصلاة وعلى ما يحرم النظر إليه (عورة الرجل) أي الذكر المحقق ولو كافراً أو عبداً أو صبياً ولو غير مميز (مطلقاً) سواء في الصلاة أو خارجها ما بين السرة والركبة، لكن بالنسبة لنظر محارمه ومماثله، أما نفس السرة والركبة فليسا بعورة لكن يجب ستر بعضهما من باب ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، أما عورته بالنسبة لنظر الأجنبية إليه فجميع بدنه حتى الوجه والكفين ولو عند أمن الفتنة ولو رقيقاً فيحرم عليها أن تنظر إلى شيء من ذلك، وبالنسبة للخلوة السوأتان فقط على المعتمد فتحصل أن له ثلاث عورات.

[فرع] اعلم أن نظر المرأة إلى زوجها جائز في جميع بدنه كعكسه، نعم إن منعها من النظر إلى عورته امتنع عليها النظر إليها بخلاف العكس فإنه جائز قطعاً لأنه يملك التمتع بها ولا تملك التمتع به، لكن نظره إلى فرجها قبلاً أو دبراً مكروه إذا كان بغير حاجة وإلى باطنه أشد كراهة. (والأمة) بالجر معطوف على الرجل أي وعورتها ولو خنثى ولو مبعضة ومدبرة ومكاتبة وأم ولد (في الصلاة) أي وكذا عند الرجال المحارم وفي الخلوة وكذا عند النساء (ما بين السرة والركبة) أي فعورتها في جميع ذلك ما بين ذلك، وأما عورتها عند الرجال الأجانب فجميع بدنها كالحرة كما سيذكره المصنف. فتلخص أن لها عورتين وقيل إنها كالحرة بالنسبة لغير الأجانب إلا رأسها فتكون عورتها ما عدا الوجه والكفين والرأس، وقيل ما لا يبدو عند المهنة، وقيل الركبة منها دون السرة، وقيل عكسه، وقيل السوأتان فقط وبه قال مالك وجماعة.

(وعورة الحرة) أي كاملة الحرية ومثلها الخنثى (في الصلاة جميع بدنها ما سوى الوجه والكفين) أي ظهراً أو بطناً إلى الكوعين فلا يجب سترهما ودخل فيما سواهما الشعر، وكذا باطن القدم فيجب ستره ولو بالأرض حال القيام فيكفي ذلك قياساً على ما لو انكشف بعض وركه في تشهده مثلاً فستْره بإلصاقه بالأرض، فإن ظهر من باطن القدم شيء عند سجودها أو ظهر عقبها عند ركوعها أو سجودها بطلت صلاتها، وأما الوجه والكفان فليسا بعورة وإنما لم يكونا عورة لأن الحاجة تدعو إلى إبرازهما. (وعورة الحرة والأمة عند الأجانب) أي بالنسبة لنظرهم إليهما (جميع البدن) حتى الوجه والكفين ولو عند أمن الفتنة فيحرم عليهم أن ينظروا إلى شيء من بدنهما ولو قلامة ظفر منفصلة منهما. (وعند محارمهما) أي بالنسبة للرجال المحارم (والنساء) أي مطلقاً غير الكافرات في الحرة خاصة، وكذا في الخلوة (ما بين السرة والركبة) أما بالنسبة للنساء الكافرات في الحرة فما عدا ما يبدو عند المهنة أي الخدمة والاشتغال بقضاء حوائجها، فتلخص أن للحرة أربع عورات، وأما الأمة فقد تقدم أن لها عورتين.

[تنبيه] منع الرافعي النظر إلى فرج الصغيرة، وقطع القاضي حسين بجواز النظر إلى فرج الصغيرة التي لا تشتهي والصغير أيضاً. وقطع المروزي بالجواز في الصغير خاصة وإباحة ذلك تبقى إلى بلوغ سن التمييز ومصيره بحيث يمكنه ستر عورته عن الناس.

[فرع] تجب الصلاة على من اتصف بهذه الصفات الست: أحدها: إسلام ولو فيما مضى كمرتد فلا يجب على الكافر الأصلي القضاء إذا أسلم بل لا ينعقد، وأما المرتد فيجب عليه القضاء حتى زمن الجنون دون زمن الحيض والنفاس. وثانيها: بلوغ بالسن أو بالاحتلام أو بالحيض فلا يجب القضاء على الصبي بعد البلوغ لكن يندب له إذا بلغ قضى ما فاته زمن التمييز إلى البلوغ دون ما قبله فإنه يحرم ولا ينعقد خلافاً لجهلة الصوفية قاله عبدالكريم. وثالثها: عقل فلا قضاء على المجنون إذا أفاق إلا المرتد ولا المغمى عليه إلا إذا تعدى فيجب عليهما حينئذٍ، وأما إذا لم يتعدَّ فليس بواجب بل يستحب على المعتمد. ورابعها: سلامة إحدى حواس السمع والبصر فلا تجب الصلاة على من خلق أصم أعمى ولو ناطقاً فلا يجب عليه القضاء إن زال مانعه. خامسها: بلوغ الدعوة فلا تجب الصلاة على من لم تبلغه الدعوة لكن لو أسلم من لم تبلغه وجب عليه القضاء قاله الشبراملسي. والسادس: نقاء من الحيض والنفاس فلا يجب على الحائض والنفساء قضاؤها ولو في ردة بل ولا يندب، قال محمد البقري: فلو أرادتا القضاء فإنه يصح مع الكراهة اهـ. وإذا زالت الموانع المذكورة منهم وقد بقي من وقت الصلاة ما يسع قدر تكبيرة تحرم لزمتهم تلك الصلاة، وكذلك الصلاة التي قبلها إن صلحت لجمعها معها.

[فرع آخر]: وتكره الصلاة على من اتصف بأحد هذه الأمور العشرين. أحدها: حاقب بالموحدة أي بالغائط. وثانيها: حاقن بالنون أي بالبول. وثالثها: حاقم بالميم أي بالبول والغائط معاً. ورابعها: صافن بالنون أي قائم على رجل. وخامسها: صافد بالدال أي قارن بين قدميه معاً كأنهما في قيد. وسادسها: حازق بالزاي والقاف أي بضيق الخف، قال الشرقاوي: فسره بعضهم بالمدافع للريح، وأما الذي يضيق الخف فيقال له حافز وكلٌّ صحيح اهـ. وسابعها: جائع إذا حضر الطعام والشراب أو قرب حضورهما. وثامنها: عطشان. وتاسعها: حافز بالفاء والزاي أي بالريح. وعاشرها: من حضره طعام تتوق نفسه إليه وإن لم يكن جائعاً وكالحضور قرب حضوره وكالتوقان للطعام التوقان للجماع مع حضور حليلته. وحادي عشرها: من غلبه النوم.

وثاني عشرها: من في المقبرة غير المنبوشة وكذا المنبوشة إن فرشت وإلا فلا تصح الصلاة فيها. وثالث عشرها: من في مزبلة وهو بفتح الموحدة وضمها موضع الزبل. ورابع عشرها: من في المجزرة وهي موضع ذبح الحيوان. وخامس عشرها: من في الحمام غير الجديد ولو في مسلخه أي في مكان سلخ الثياب. وسادس عشرها: من في عطن الإبل ولو طاهراً وهو الموضع الذي تنحى إليه الإبل الشاربة ليشرب غيرها فإذا اجتمعت سيقت منه إلى المرعى. وسابع عشرها: من في قارعة الطريق أي أعلاه وذلك إذا كان في البنيان دون البرية. وثامن عشرها: من في ظهر الكعبة. وتاسع عشرها: من في الكنيسة والبيعة وسائر مأوى الشياطين كمواضع الخمر والمكس قال شيخنا أحمد النحراوي: الكنيسة باعتبار الزمن السابق هي معبد اليهود والبيعة معبد النصارى، وأما باعتبار هذا الزمن فبعكس هذا اهـ. قال الشرقاوي: ومحل الكراهة في المذكورات حيث لم يخف فوت المكتوبة وإلا فلا كراهة. وعشروها: منفرد والجماعة قائمة سواء كان منفرداً عن الجماعة والصف بأن أحرم بصلاته فرادى أو عن الصف فقط بأن أحرم بها جماعة وانفرد عن الصف الذي من جنسه فانفراده مكروه مفوت لفضيلة الجماعة كما ذكره الرملي لا لفضيلة الصف فقط كما زعمه بعضهم. وأما المكروهات في الصلاة فستأتي إن شاء الله تعالى وهي إحدى وعشرون.

فصل أركان الصلاة سبعة عشر

(فصل): في بيان أركان الصلاة (أركان الصلاة سبعة عشر) وهذه طريقة من جعل الطمأنينات في محالها الأربع أركاناً مستقلة كما في الروضة، وعدها بعضهم ثمانية عشر بزيادة نية الخروج من الصلاة كأبي شجاع والصحيح أنها سنة، وعدها بعضهم كذلك أيضاً لكن لا بما ذكر بل بزيادة الموالاة كما في الستين، والمعتمد أنها شرط للركن، وعدها بعضهم أربعة عشر بجعل الطمأنينات في محالها الأربع ركناً واحداً لاتحاد جنسها، وبعضهم خمسة عشر بزيادة قرن النية بالتكبير كما في التحرير والمعتمد أنها هيئة للنية، ومنهم من جعلها تسعة عشر بجعل الخشوع ركناً كالغزالي، ومنهم من جعلها عشرين بزيادة ذات المصلى، والصواب أنه لا يعد من الأركان في الصلاة لأن لها صورة في الخارج يمكن تعقلها وتصورها بدون تعقل مصلَ وفارقت نحو الصوم حيث عدوا الصائم ركناً بعدم وجود صورة محسوسة في الخارج فيه، وعد بعضهم فقد الصارف من الأركان، وعلى عد هذه الزوائد أركاناً تكون جملتها ثلاثة وعشرين، والمعتمد ما في المنهاج وغيره من جعلها ثلاثة عشر بجعل الطمأنينة هيئة تابعة للركن: ثمانية أفعالاً وهي: النية والقيام والركوع والاعتدال والسجود والجلوس بين السجدتين والجلوس الأخير والترتيب. وخمسة أقوالاً: تكبيرة التحرم والفاتحة والتشهد والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلّم والسلام. قال محمد البقري: وقد شبهت الصلاة بالإنسان فالشرط كحياته والركن كرأسه والأبعاض كأعضائه والهيئات كشعوره التي يتزين بها.

(الأول: النية) أي بالقلب فلا يجب النطق بها باللسان لكن يسن ليعاون اللسان القلب ولا عبرة بنطق اللسان بخلاف ما في القلب كأن نوى الظهر بقلبه وسبق لسانه إلى غيره، ويجب قرن النية بتكبيرة التحرم لأنها أول واجبات الصلاة. واعلم أن لهم مقارنة حقيقية واستحضاراً حقيقياً ومقارنة عرفية واستحضاراً عرفياً إجماليين، والمقارنة الحقيقية بعد الاستحضار الحقيقي والعرفية بعد العرفي، فالاستحضار الحقيقي أن يستحضر في ذهنه ذات الصلاة أي أركانها الثلاثة عشر التي من جملتها النية وما يجب التعرض له فيها تفصيلاً بأن يقصد كل ركن بذاته على الخصوص وتكون هيئتها أمامه كالعروس، والمقارنة الحقيقية أن يقرن هذا المستحضر بأول جزء من أجزاء التكبيرة ويستديم ذلك إلى آخرها، والاستحضار العرفي أن يستحضر هيئة الصلاة إجمالاً بأن يقصد فعلها ويعينها من ظهر أو عصر وينوي الفرضية، والمقارنة العرفية أن يقرن هذا المستحضر إجمالاً بأي جزء من أجزاء التكبيرة، واختار النووي في المجموع وغيره ما اختاره إمام الحرمين والغزالي أنها تكفي المقارنة العرفية أي الإجمالية بعد الاستحضار العرفي بأن لا يقصد الركوع بذاته والقراءة بذاتها وهكذا لأن المقارنة الحقيقية تعجز عنها القدرة البشرية غالباً.

(الثاني: تكبيرة الإحرام) هذا من إضافة السبب للمسبب لأنه يحرم بها ما كان حلالاً قبلها كأكل وكلام فيقول: الله أكبر ولا تضر زيادة لا تمنع اسم التكبير ولكنها خلاف الأولى ك الله الأكبر بزيادة اللام والله الجليل الأكبر، وكذا كل صفة من صفاته تعالى إذا لم يطل بها الفصل كقوله: الله عز وجل أكبر لبقاء النظم والمعنى بخلاف ما تخلل غير صفاته كالضمير فإنه يضر نحو الله هو أكبر، وكذا النداء نحو الله يا رحمن أو يا رحيم أكبر والله يا أكبر. (الثالث: القيام على القادر في الفرض) هو نصب فقار ظهره أي عظامه التي هي مفاصله وإن أطرق رأسه بل هو مندوب ولو قدر على ذلك بمعين بأجرة مثل قادر عليها فاضلة عما يعتبر في زكاة الفطر، هذا إذا كان يحتاجه عند ابتداء النهوض لكل ركعة، فإن احتاجه في جميع صلاته لم يجب أو بعكازة وإن احتاجها في جميع صلاته، والعكازة بضم العين عصا أقصر من الرمح ولها زج أي حديد من أسفلها، وهذا الفرق بين الصورتين هو المعتمد، فالمعين يجب ابتداء لا دواماً بخلاف العكازة فإنها تجب دواماً أيضاً ولو بإعارة أو بإجارة قدر عليها كما في شراء ماء الوضوء لا بهبة لها أو لثمنها فلا يلزمه القبول.

والأصل في وجوب القيام قوله صلى الله عليه وسلّم لعمرانبن حصين وكانت به بواسير: "صل قائماً فإن لم تستطع فقاعداً فإن لم تستطع فعلى جنب" روى هذه الأحوال الثلاثة البخاري. زاد النسائي الحالة الرابعة وهي: "فإن لم تستطع فمستلقياً لا يكلف الله نفساً إلا وسعها" قال في المصباح: والباسور قيل ورم تدفعه الطبيعة إلى كل موضع من البدن يقبل الرطوبة من المقعدة والانثيين والاشفار وغير ذلك، فإن كان في المقعدة لم يكن حدوثه دون انتفاخ العروق اهـ. واعلم أن سيدنا عمر إن كان من أكابر أعيان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلّم قيل إن الملائكة كانت تسلم عليه جهاراً فلما شفي من مرضه بدعوة النبي صلى الله عليه وسلّم احتجبت عنه الملائكة فشكا للنبي صلى الله عليه وسلّم احتجاب الملائكة عنه فقال له: احتجابهم عنك بسبب شفائك فقال له: ادع الله بعود المرض فلما عاد له مرضه عادت له الملائكة فيستجاب الدعاء عند ذكر اسمه كرامة له.

[فرع] لو طرأ العجز في أثناء الصلاة أتى بمقدوره كما لو طرأت القدرة في أثنائها فإنه يأتي بمقدوره أيضاً، وتجب القراءة في هوى العاجز لأنه أكمل مما بعده بخلاف نهوض القادر فلا تجزئه القراءة فيه لقدرته عليها فيما هو أكمل منه، فلو قرأ فيه شيئاً أعاده، ولو قدر على القيام بعد القراءة وجب قيام بلا طمأنينة ليركع منه، وإنما لم تجب الطمأنينة لأنه غير مقصود بنفسه، وإن قدر عليه في الركوع قبل الطمأنينة انتصب إلى حد الركوع ليطمئن، فإن انتصب ثم ركع عامداً عالماً بطلت صلاته أو بعد الطمأنينة فقد تم ركوعه، ولو قدر عليه في الاعتدال قبل الطمأنينة قام واطمأن، وكذا بعدها إن أراد قنوتاً في محله وهو اعتدال الركعة الأخيرة من الصبح وإلا فيجوز القيام، فإن قنت قاعداً عامداً عالماً بطلت صلاته لأنه أحدث جلوساً للقنوت مع القدرة على القيام هذا إذا طال جلوسه وإلا فلا يضر. قوله على القادر، خرج به العاجز سواء كان العجز حسياً كالمقعد أو شرعياً كاحتياجه في مداواته من وجع العين إلى الاستلقاء فلا يجب عليه القيام، ولا بد في ذلك من إخبار طبيب عدل أنه يفيد ويكفي معرفة نفسه إن كان طبيباً، ومثل ذلك ما لو خاف راكب سفينة دوران رأسه أو غرقاً فيصلي قاعداً ولا يعيد، بخلاف ما إذا صلى قاعداً لزحمة فيها فإنه يعيد لندرة ذلك،

والضابط كل ما يذهب خشوعه أو كماله أو يحصل به مشقة لا تحتمل عادة وهي المرادة بالشديدة كان مجوز الترك القيام في الفرض أي العيني أو الكفائي فيشمل المنذورة والمعادة وصلاة الصبي وإن لم تجب فيها نيته بخلاف المعادة، وخرج بالفرض النفل فللقادر على القيام فعله قاعداً أو مضطجعاً، لكن إذا صلى مضطجعاً وجب أن يأتي بركوعه وسجوده تامين بأن يقعد لهما ولا يومىء بهما لعدم وروده، وأما إذا تنفل مستلقياً مع إمكان الاضطجاع لم يصح وإن أتم الركوع والسجود لعدم وروده. ثم اعلم أن القيام أفضل الأركان ثم السجود ثم الركوع ثم الاعتدال فالتطويل في القيام أفضل ثم في السجود ثم في الركوع ثم في الاعتدال. (الرابع: قراءة الفاتحة) أي حفظاً أو تلقيناً أو نظراً في المصحف أو نحو ذلك ولو بواسطة سراج لمن في ظلمة، وتجب في كل ركعة سواء الصلاة السرية أو الجهرية وسواء الإمام والمأموم والمنفرد لخبر الصحيحين:

"لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب" قال البغوي في المصابيح وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلّم قال: "من صلى صلاة لم يقرأ فيها بأم القرآن فهي خداج ثلاثاً" أي غير تمام، فقيل لأبي هريرة إنها تكون وراء الإمام فقال: اقرأ بها في نفسك فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلّم يقول: "قال الله تعالى: قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين ولعبدي ما سأل فإذا قال العبد: الحمد لله رب العالمين قال الله: حمدني عبدي، وإذا قال: الرحمن الرحيم قال الله: أثني علي عبدي، وإذا قال مالك يوم الدين قال: مجدني عبدي، وإذا قال: إياك نعبد وإياك نستعين قال: هذا بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل، وإذا قال: اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين قال: هذا لعبدي ولعبدي ما سأل" أخرجه الشيخان. ثم إن عجز المصلي عنها لزمه قراءة قدرها من بقية القرآن ولو مفرقاً على المعتمد، ثم إن عجز عن ذلك لزمه قراءة قدرها من ذكر أو دعاء ويجب كونه سبعة أنواع مثالها في الذكر سبحان الله والحمد لله ولا إله الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم،

فهذه خمسة أنواع وما شاء الله كان نوع وما لم يشأ الله لم يكن نوع فالجملة سبعة أنواع، لكن قال السويفي: وهذه ستة أنواع فيضم إليها البسملة إن كان يحفظها وإلا ضم إليها نوعاً آخر انتهى.
ثم يكرر ذلك. أو يزيد عليه حتى يبلغ قدر الفاتحة والدعاء كالذكر ويعتبر تعلقه بالآخرة إن عرف ذلك وإلا أتى بدعاء دنيوي ويجب أن يكون بالعربية فإن عجز عنها ترجم بأي لغة شاء، فيجب تقديم ترجمة المتعلق بالآخرة على عربية غيره فإن لم يعرف غير المتعلق بالدنيا أتى به وأجزأ، ومن المتعلق بالآخرة: اللهم اغفر لي وارحمني وسامحني وارض عني. ومن المتعلق بالدنيا: اللهم ارزقني زوجة حسناء أو وظيفة. ثم إن عجز عن ذلك وقف بقدر الفاتحة وجوباً ولا يترجم عن الفاتحة ولا عن بقية القرآن إذا كان بدلاً عنها بخلاف التكبير عند العجز عن العربية فيترجم عنه، ولا يجب عليه تحريك لسانه بخلاف الأخرس الذي طرأ خرسه (الخامس: الركوع) وأقله للقائم أن ينحني قدر وصول راحتي معتدل الخلقة ركبتيه يقيناً، والمراد بالراحة بطن الكف خاصة ولا يكتفى بوصول الأصابع وأكمله أربعة أشياء: الأول تسوية ظهره وعنقه ورأسه بحيث تصير كلوح واحد من نحاس لا اعوجاج فيه. الثاني: نصب ركبتيه. الثالث: قبضهما بكفيه. الرابع: تفريق أصابعه للقبلة تفريقاً وسطاً، أما القاعد فأقله في حقه محاذاة جبهته أمام ركبته وأكمله محاذاتها محل سجوده من غير مماسة وإلا كان سجوداً لا ركوعاً.

(واعلم) أنه يجب في الركوع أن لا يقصد به غيره فقط، ويسن أن يقول فيه: سبحان ربي العظيم وبحمده. وأقله مرة والاقتصار عليها خلاف الأولى، ويأتي الإمام بالثلاث وإن لم يرض المأمومون، فإذا زاد عليها بغير رضاهم كره وإلا كمل منها خمس إلى إحدى عشرة ويزيد المنفرد وإمام قوم محصورين راضين بالتطويل: اللهم لك ركعت وبك آمنت ولك أسلمت خشع لك سمعي وبصري ومخي وعظمي وعصبي وشعري وبشري وما استقلت به قدمي لله رب العالمين. فالإتيان بالثلاث في التسبيح مع هذا الدعاء أولى من الزيادة عليها مع عدمه. وفي المصابيح قال أنس: كان رسول الله صلى الله عليه وسلّم يكثر أن يقول في ركوعه وسجوده: سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي. وعن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم كان يقول في ركوعه وسجوده: سبوح قدوس رب الملائكة والروح.

(السادس: الطمأنينة فيه) أي في الركوع ولا تقوم زيادة الهوى مقام الطمأنينة، وأقلها أن تستقر أعضاؤه راكعاً بحيث ينفصل رفعه عن هويِه. (السابع: الاعتدال) ولو في النفل وهو عود المصلي إلى ما ركع منه من قيام أو قعود، ويجب أن لا يقصد بالاعتدال غيره، وأما الرفع من الركوع فهو مقدمة له كالهوي للركوع والسجود، وقيل الركن مجموع الرفع والاعتدال، ويسن أن يقول في الرفع: سمع الله لمن حمده، وفي اعتداله: ربنا لك الحمد ملء السموات وملء الأرض وملء ما شئت من شيء بعد، وزاد في التحقيق: حمداً كثيراً مباركاً فيه بعد ربنا لك الحمد ويزيد من مر ما لم يرد القنوت أهل الثناء والمجد أحق ما قال العبد وكلنا لك عبيد لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد. (الثامن: الطمأنينة فيه) أي في الاعتدال، ولو سجد ثم شك هل تم اعتداله أو لا اعتدل ثم اطمأن وجوباً ثم سجد. (التاسع: السجود مرتين) أي في كل ركعة، ويسن أن يقول فيه: سبحان ربي الأعلى وبحمده فقد ورد عن عتبةبن عامر أنه قال: لما نزلت فسبح باسم ربك العظيم

قال صلى الله عليه وسلّم: اجعلوها في ركوعكم، ولما نزلت سبح اسم ربك الأعلى قال: اجعلوها في سجودكم، ويحصل أصل السنة بمرة وأدنى الكمال ثلاث ثم خمس ثم سبع ثم تسع ثم إحدى عشرة ولا يزيد أحد على ذلك سوى المنفرد وإمام قوم محصورين راضين بالتطويل والمأموم ويزيد من ذكر: اللهم لك سجدت وبك آمنت ولك أسلمت سجد وجهي للذي خلقه وصوره وشق سمعه وبصره تبارك الله أحسن الخالقين. وزاد في الروضة: بحوله وقوته قبل تبارك، ويسن إكثار الدعاء في السجود لحديث مسلم: أقرب ما يكون العبد من ربه أي رحمته وعفوه وهو ساجد فأكثروا الدعاء أي في سجودكم فَقمِنٌ أي فحقيق أن يستجاب لكم، قال البغوي في المصابيح عن الشيخين: وقال أبو هريرة: كان رسول الله صلى الله عليه وسلّم يقول في سجوده: اللهم اغفر لي ذنبي كله دقه وجله أوله وآخره وعلانيته وسره. وقالت عائشة: فقدت رسول الله صلى الله عليه وسلّم ليلة من الفراش فالتمسته فوقعت يدي على بطن قدميه وهو في المسجد وهما منصوبتان وهو يقول: اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك وبمعافاتك من عقوبتك وأعوذ بك منك لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك. ويسن فتح عينيه حالة السجود.

(العاشر: الطمأنينة فيه) أي السجود وهذه إحدى شروط السجود السبعة التي ستأتي في كلام المصنف رضي الله عنه. (الحادي عشر: الجلوس بين السجدتين) أي في كل ركعة ولو في نفل سواء أصلى قاعداً أو مضطجعاً فلا يكفي ما دون الجلوس وأقله أن يستوي جالساً، وهذا هو المراد بالنحر عند عطاء في قوله تعالى: وانحر} ((108) الكوثر:2) قال: أمره الله سبحانه وتعالى أن يستوي بين السجدتين جالساً حتى يبدو نحره. قال الشبراملسي: وقد جزم ابن المقري بعدم وجوب الاعتدال والجلوس بين السجدتين في النفل اهـ وأكمله أن يقول: رب اغفر لي وارحمني واجبرني وارفعني وارزقني واهدني وعافني واعف عني. قوله: رب اغفر لي أي استر ما وقع من ذنوبي وما سيقع منها. وقوله: وارحمني أي رحمة واسعة. وقوله: واجبرني أي أغنني واعطني مالاً كثيراً وهو من باب قتل. وقوله: وارفعني أي في الدنيا والآخرة. وقوله: وارزقني أي رزقاً واسعاً، ومحل جواز الدعاء بذلك إن قصد الرزق من الحلال أو أطلق وإلا حرم.

وقوله: واهدني أي لصالح الأعمال. وقوله: وعافني أي سلمني من بلايا الدنيا والآخرة. وقوله: واعف عني أي امح ذنوبي، ويأتي في الضمائر المذكورة بلفظ الإفراد ولو إماماً لأن التفرقة بينه وبين غيره خاصة بالقنوت، قال السويفي في تحفة الحبيب: ويسن للمنفرد وإمام محصورين رضوا بالتطويل أن يزيدوا على ذلك: رب هب لي قلباً تقياً من الشرك برياً لا كافراً ولا شقياً اهـ. ولو طول الجلوس بين السجدتين عن الدعاء الوارد فيه بقدر أقل التشهد بطلت الصلاة كما لو طول الاعتدال زيادة عن الدعاء الوارد فيه بقدر الفاتحة إلا في محل طلب فيه التطويل كاعتدال الركعة الأخيرة من سائر الصلوات لطلب تطويله في الجملة بالقنوت وكصلاة التسبيح، قال السويفي: قوله في الجملة أي في غير هذه الصورة قاله الرحماني اهـ. وإنما بطلت الصلاة بتطويلهما لأنهما ركنان قصيران فلا يطولان ولو نام قاعداً متمكناً في الصلاة لم يضر إن قصر، وكذا إن طال في ركن طويل فإن طال في ركن قصير بطلت صلاته لأن مقدمات النوم تقع بالاختيار فنزل منزلة العامد. (الثاني عشر: الطمأنينة فيه) أي الجلوس بين السجدتين.

[فائدة] اعلم أن الأعداد المركبة كلها مبنية صدرها وعجزها وتبنى على الفتح نحو أحد عشر بفتح الجزأين إلا اثني عشر واثنتي عشرة فيعرب صدرهما كالمثنى، وأما عجزهما فيبنى على الفتح، قال عبد الله الفاكهي في شرح ملحة الإعراب: وإلا ثماني عشرة فلك فتح الياء وإسكانها ويقل حذفها مع بقاء كسر النون وفتحها اهـ. ويعرف الجزء الأول من جميع الأعداد المركبة بأل إذا أريد تعريفه خصوصاً إذا كان مبتدأ كما في هذا المتن كما قال أبو القاسم الحريري في شرح ملحة الإعراب أيضاً: وتفتح الياء من ثماني عشر وقد سكنها بعضهم، وإذا عرفت هذا النوع من العدد أدخلت الألف واللام على الأول فقلت: رأيت الأحد عشر رجلاً اهـ. وإنما بنى الصدر لأنه كجزء الكلمة على ما قاله الرضي وبنى العجز لتضمنه معنى حرف العطف وهو الواو قاله الأشموني. (الثالث عشر: التشهد الأخير) وهو الذي يعقبه سلام وإن لم يكن للصلاة تشهد أول كالصبح والجمعة أو التعبير بالأخير جرى على الغالب من أن أكثر الصلاة له تشهدان. اعلم أن التشهد أربع جمل: الأولى التحيات لله، الثانية سلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، الثالثة: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، الرابعة: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله. وشروطه تسعة، الأول: إسماع النفس به كالفاتحة. الثاني: قراءته قاعداً إلا لعذر. الثالث: أن يكون بالعربية للقادر عليها، ولو بالتعلم، الرابع: عدم الصارف كالفاتحة. الخامس: الموالاة بأن لا يفصل بين كلماته بغيرها ولو ذكراً أو قرآناً نعم يغتفر وحده لا شريك له بعد إلا الله لأنها وردت في رواية، وكذا زيادة يا في أيها النبي وزيادة ميم في السلام عليك. السادس: مراعاة الحروف ولا يجوز إبدال لفظ أقل من التشهد ولو بمرادفه كالنبي بالرسول وعكسه وأشهد بأعلم ومحمد بأحمد وغير ذلك.

السابع: مراعاة الكلمات. الثامن: مراعاة التشديدات فيجب التشديد أو الهمزة في قوله أيها النبي وصلاً ووقفاً فلو تركهما لم تصح قراءته ولو أظهر النون المدغمة في اللام في أن لا إله إلا الله بطل تشهده لتركه شدة منه نعم يعذر في ذلك الجاهل لخفائه عليه قاله الشرقاوي، وكذا نقله السويفي عن الرملي، ويضر إسقاط شدة: محمداً رسول الله لكن قال الشيخ محمد الفضالي: يغتفر في هذه للعوام دون الأولى، وقال السويفي: المعتمد في هذه عدم البطلان كما في الشبراملسي على أن البزي خير بين الإدغام والإظهار في النون والتنوين مع اللام والراء ولأنه لما أظهر التنوين في الصيغة الأخرى وهي: أن محمداً عبده ورسوله لم يضر إظهاره هنا، وأما ترك الشدة والإظهار معاً سواء الوقف أو غيره فيضر خلافاً للقليوبي حيث جوز إسقاطهما معاً في الوقف. التاسع: الترتيب إن حصل بعدمه تغيير المعنى نحو: التحيات عليك السلام، وأما إذا لم يلزم على عدم الترتيب تغيير معناه كأن قال: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته التحيات لله السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين فلا يشترط الترتيب. (الرابع عشر: القعود فيه) أي الجلوس للتشهد الأخير، وكذا للصلاة على النبي صلى الله عليه وسلّم وللتسليمة الأولى ففي ههنا بمعنى اللام أي لأجل التشهد وذلك على طريقة قوله تعالى حكاية عن قول زليخا: فذلكن الذي لمتنني فيه} ((12) يوسف:32) أي لأجل حبي يوسف عليه السلام،

ومثله في الحديث أن امرأة دخلت النار في هرة قاله ابن هشام في المغني. قال في المصباح: الجلوس هو الانتقال من سفل أو علو والقعود هو الانتقال من علو إلى أسفل، فعلى الأول يقال لمن هو نائم أو ساجد: اجلس، وعلى الثاني لمن هو نائم: اقعد. (الخامس عشر: الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلّم فيه) أي في القعود بعد التشهد، قال الشرقاوي: وأقل الصلاة على النبي وآله: اللهم صلِّ على محمد وآله ويكفي صلى الله على محمد أو على رسوله أو النبي دون أحمد والماحي أو عليه لأن الصلاة يطلب فيها مزيد الاحتياط فلم يغتفر فيها ما فيه نوع إبهام، بخلاف الخطبة فإنها أوسع منها وأكملها الصلاة الإبراهيمية وهي أفضل الصيغ فيبر بها من حلف أنه يصلي بأفضلها اهـ. قال ابن حجر في المنهج القويم: وتتعين صيغة الدعاء هنا لا في الخطبة لأنها أوسع باباً إذ يجوز فيها الفعل الفاحش والكثير بخلاف الصلاة، وشروط الصلاة كشروط التشهد فلو أبدل لفظ الصلاة بالسلام أو بالرحمة لم يكف اهـ. والمراد بصيغة الدعاء هي صيغة الأمر والماضي وخرج بها المضارع للمتكلم واسم الفاعل كقوله: أصلي وأنا مصل فإنه لا يكفي، قال البقري وغيره من الفضلاء: والأكمل أن يأتي بلفظ السيادة لأن فيه سلوك الأدب. قال عبد العزيز في فتح المعين: والسلام تقدم في تشهد آخر فليس هنا إفراد الصلاة عنه انتهى. أي فلا يحكم بأن الصلاة هنا مكروهة، أو خلاف الأولى بسبب إفرادها عن السلام لأن السلام قد تقدم، وأيضاً إن محل ذلك في غير الوارد قال الشرقاوي: ولا يشترط الموالاة بينها وبين التشهد لأنها ركن مستقل فلا يضر تخلل ذكر بينهما. (السادس عشر: السلام) أي السلام الأول وشروطه عشرة:

الأول: الإتيان بأل فلا يكفي سلام عليكم لعدم وروده. الثاني: كاف الخطاب فلا يكفي السلام عليه أو عليهما أو عليهم أو عليها أو عليهن. الثالث: ميم الجمع فلا يكفي السلام عليكما أو عليك. الرابع: أن يأتي به بالعربية إن قدر عليها وإلا ترجم وأن يتلفظ فلا يكفي الأمان عليكم مثلاً. الخامس: أن يسمع به نفسه حيث لا مانع من السمع فلو همس به حيث لم يسمع به نفسه لم يعتد به فتجب إعادته وإن نوى الخروج من الصلاة بذلك بطلت لأنه نوى الخروج قبل السلام. السادس: أن يوالي بين كلمتيه فلو لم يوال بأن سكت سكوتاً طويلاً أو قصيراً قصد به القطع ضر، وكذا لو فصل بين كلمتيه بكلام أجنبي كما في الفاتحة. السابع: أن يأتي به من جلوس أو بدله فلا يصح الإتيان به من قيام مثلاً. الثامن: أن يكون مستقبل القبلة بصدره فلو تحول به عن القبلة قبل إكماله بطلت بخلاف الالتفات بالوجه فإنه لا يضر بل يسن أن يلتفت به في الأولى يميناً حتى يرى من خلفه خده الأيمن وفي الثانية يساراً حتى يرى من خلفه خده الأيسر.

التاسع: أن لا يقصد به غيره فيقصد به التحلل فقط أو مع الخبر أو يطلق فلو قصد به الخبر لم يصح. العاشر: أن لا يزيد فيه على الوارد زيادة تغير المعنى كأن قال: السلام وعليكم بالواو بين المبتدأ والخبر وأن لا ينقص عنه بما يغير المعنى كأن يقول: السام عليكم نعم لو قال السلام التام أو الحسن عليكم لم يضر، وكذا لو قال: السلم بكسر السين أو فتحها مع سكون اللام أو بفتح السين مع اللام وقصد به معنى السلام فإنه يكفي، فإن قصد به غير معناه وهو الصلح أو أطلق بطلت صلاته إن خاطب وتعمد، ولو جمع بين اللام والتنوين لم يضر، وكذا لو قال: والسلام عليكم بالواو في المبتدأ بخلاف التكبير ويجزىء عليكم السلام مع الكراهة فلا يشترط ترتيب كلمتيه لتأدية معنى ما قبله. (السابع عشر: الترتيب) أي للأركان المذكورة وجعل كل شيء في مرتبته فهو من الأفعال أو وقوع كل شيء في مرتبته فهو صورة الصلاة وصورة الشيء جزء منه، ودليل وجوب الترتيب والذي قبله الاتباع مع خبر: "صلوا كما رأيتموني أصلي" ويتصور الترتيب بين النية والتكبير والقيام والقراءة والجلوس والتشهد والصلاة لكن باعتبار الابتداء لا باعتبار الانتهاء لأنه لا بد من استحضار النية قبل التكبير، وتقديم القيام على القراءة، وتقديم الجلوس على التشهد والصلاة كما استظهره شيخنا محمد حسب الله، وكذا في تحفة الحبيب،

وأما بالنسبة إلى هذه الأركان مع محالها فليست مرتبات فهي مستثنيات من وجوب الترتيب، فلو ترك الترتيب عمداً بتقديم ركن فعلي على فعلي كأن سجد قبل ركوعه أو على قولي كأن ركع قبل قراءته أو بتقديم قولي وهو سلام على فعلي أو قولي كأن سلم قبل سجوده أو تشهده بطلت صلاته، أما لو قدم قولياً غير سلام عليهما كتشهد على سجود وكصلاة على النبي صلى الله عليه وسلّم على تشهد فلا يضر لكن لا يعتد بما قدمه بل يعيده في محله أو ترك ذلك سهواً فما بعده المتروك إلى أن يتذكر لغوٌ لوقوعه في غير محله، فإن تذكره قبل بلوغ مثله من ركعة أخرى فعله فوراً وجوباً فإن أخر بطلت صلاته، وإن لم يتذكر حتى بلغ مثله تمت به ركعته لوقوعه عن متروكه وتدارك الباقي، ويسجد للسهو في جميع صور ترك الترتيب سهواً، ومنها ما لو سلم في غير محله كذلك فيسجد له، أما لو ترك السلام أو تذكره قبل طول الفصل وأتى به فلا سجود، وكذا بعد طوله إذ غايته أنه سكوت طويل وتعمده غير مبطل فلايسجد لسهوه أفاده الشرقاوي.

[خاتمة] ويجب أن لا يقصد بالركن غيره فقط، فلو هوى لتلاوة فجعله ركوعاً لم يكف لأنه صرفه إلى غير الواجب فعليه أن ينتصب ليركع، وكذا لو رفع من الركوع فزعاً فلا يكفي فعليه أن يعود إلى الركوع ثم يرفع.

عن الكاتب

A. Fatih Syuhud

التعليقات


جميع الحقوق محفوظة

الكتب الإسلامية