الكتب الإسلامية

مجموعة الكتب والمقالات الإسلاية والفقه علي المذاهب الأربعة

recent

آخر الأخبار

recent
جاري التحميل ...

كتاب أحكام السحر والكهانة عند فقهاء المذاهب

كتاب أحكام السحر والكهاية عند فقهاء المذاهب

مبحث السحر والكهانة والنجم
كتاب الفقه على المذاهب الأربعة للجزيري

محتويات

مبحث السحر

*-وأما السحر الوارد في الحديث فإن المراد به الأقوال، والأفعال التي تنافي أصول الدين، وتتعارض مع الأخلاق الشرقية، ولهذا عرفه الفقهاء: بأنه كلام مؤلف يعظم به غير اللّه تعالى، وتنسب إليه مقادير الكائنات، ولا ريب في أنه بهذا المعنى كبيرة من أفظع الكبائر، بل قد يكون ردة ظاهرة، بصرف النظر عما يترتب عليه من الآثار. لأن الذي يعظم غير اللّه بما هو مختص باللّه وحده كافر.
وقد نقل عن بعض فاسدي الخلاق الذين يحترفون السحر أنه يسب الإله، ويسجد لما يسميه قرينة، ومنهم من يضع المصحف الشريف تحت قدمه، ومنهم من يهين الملائكة بالسب، ومنهم من يصف الإله بما لا يليق به، وكل ذلك ردة صريحة، وكفر شنيع بلا نزاع. وهو من أكبر الجرائم سواء ترتب عليه الأثر المطلوب أولا.

وقد فسر بعض الفقهاء السحر بأنه أمر خارق للعادة ينشأ عن سبب معتاد، ثم إن هذا السبب إن كان هو العبارات الفاحشة التي أشرنا إليها كان ردة، وإن كان بالعبارات الخالية من ذلك كالأسماء الإلهية، أو استعمال معاني الأحرف التي لا تنافي الدين، فإنه ينظر فيما يترتب عليه من الآثار. فإن ترتب عليه ضرر لمظلوم غافل، أو إساءة إلى بريء في نفس أو مال، فإنه يكون محرماً(1).
وحاصله أنه إذا كان أقوالاً وأفعالاً تنافي الدين وتوجب تكفير صاحبها، كان كفراً بصرف النظر عما يترتب عليه من الآثار، وإن كانت هذه الأقوال أو الأفعال محرمة كان حراماً، أما إن كانت جائزة فإنه ينظر لما يترتب عليها من الآثار. فإن كانت محرمة كان حراماً، وإلا فلا.

هذا هو حكم كثير من العلماء في حقيقة السحر. فقال بعضهم: أنه تخيل لا حقيقة له، والى هذا الرأي ذهب كثير من العلماء، ومنهم الاستراباذي من الشافعية، وأبو بكر الرازي من الحنفية، وأبن حزم وكثير من العلماء غير هؤلاء.
فهذه الفئة تجزم بأن السحر هو من باب الخيال، كاللعاب السيمائية التي يقوم بها مهارة الهواة ومن على شاكلتهم، ولكن جمهور العلماء يقولون: إن للسحر حقيقة، وقد تترتب عليه آثار حقيقية، وهؤلاء فريقان: فريق قال: إن الآثار المترتبة عليه محدودة فقد ينقلب بالسحر الحيوان إنساناً، وبالعكس، ولكن قائل هذا، لم يعول عليه. والرأي المعتمد هو الأول. وقد ذكر بعض المحققين: أن السحر صناعة من الصناعات التي يستخدمها الإنسان في إظهار الأمور على غير ما هي عليه في الواقع، وقد يكون لبعض أنواع السحر تأثيرها ما على بعض النفوس أو الأبدان.
هذا هو رأي المحققين من العلماء. على أن الباحث في هذه المسألة يجب عليه أن ينظر إلى الواقع ويجعل للنظر الصحيح قيمته في حكمه، فهل هناك أدلة واقعية تثبت أن السحر قد ترتبت عليه آثار صحيحة، وهل هناك أدلة من الكتاب أو السنة الصحيحة تدل على ذلك(2).

والواقع أن الذين قد شهروا بإتقان السحر هم قدماء المصريين، وهؤلاء قد تحدث عنهم القرآن الكريم فقد اخبرنا بأن فرعون قد جمع من قومه كل سحار عليم، وجاء بهم مجتمعين، فماذا كان من أمرهم؟ إنهم لم يأتوا إلا بخيال لا حقيقة له، كما قال تعالى: {يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى} فهذا صريح في أن سحرة فرعون وهم أمهر السحرة لم يأتوا إلا بخيال لا حقيقة له، ولو كان للسحر اثر حقيقي لجاؤوا به في هذا الوقت العصيب، وليس من المعقول أبداً أن يأتي فرعون بكل سحار عنيد في مقام الانتصار لعز شيء عندهم، ثم يكون قصار أمرهم أن يأتوا بخيال لا حقيقة له، وهم عالمون بغيره، والواقع أن هذه الآية تدل دلالة واضحة على أن قصاري أمر السحر هو ذلك الخيال الذي جاء به سحرة فرعون.
فهذه هي حجة الذين يرون أن السحر خيال لا حقيقة له.
أما الفريق الثاني فإنه يحتج بقصة هاروت وماروت الواردة في القرآن الكريم قال تعال: {وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحرن وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت}.

ولكن الواقع أن هذه الآية الكريمة لا تصلح حجة لأنها لم تتعرض لحقيقة السحر فقد يكون نوعاً من أنواع الفتنة، أو الحيلة التي يسعى بها بعض النمامين للتفريق بين الزوجين، ولهذا حدثت الآية عن الآثار المترتبة على أعمال هؤلاء، فقد قال تعالى: {فيتعلمون منهما ما يقرفون به بين المرء وزوجه} فكل ما كان يترتب على فعلهم من الآثار هو الفرقة بين المرء وزوجه، وهذه مسألة قد تقع بغير السحر الخارق للعادة، ولنا من الواقع ما يؤيد هذا، فإن كثيراً من النمامين قد أحدثوا فتنة تفق بين الزوجين، فليس في الآية الكريمة حدة على أن السحر له أثر حقيقي، ولم يبق للقائلين بأن السحر له أثر حقيقي إلا ألاستدلال بحديث البخاري الذي رواه عن السيدة عائشة من أن النبي صلى اللّه عليه وسلم قد سحر، وأنه كان يخيل إليه أن يفعل الشيء، ولم يفعل(3) وهذا حديث صحيح لم يتعرض أحد للقدح في أحد من رواته، وليس من الحسن أن يقال: إن مثل هذه الأحاديث. تجزئ في المسائل الفرعية، لا في المسائل الاعتقادية. فإن العقائد لا تبنى إلا على الأدلة اليقينية، والأحاديث مهما كانت صحيحة فهي أحاديث آحاد لا تفيد إلا الطن لأن الأحاديث الصحيحة يجب أن يكون لها قيمتها في الإثبات، فهي معضدة للبراهين العقلية.
وإنما يجب أن نفهم الحديث على وجه يطابق أصول الدين، ويوافق ما يقضي به الفعل السليم، وإلا فلا يصح لنا أن نحتج به على عقيدة من العقائد.

فهذا الحديث الذي رواه البخاري فيه شيء يجب أن ننزه عنه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، وهو قول عائشة رضي اللّه عنها: "أنه كان يخيل إليه يفعل الشيء ولم يفعل" لأنه إذا أخذ على ظاهره كان قدحاً في رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وهو المصون المنزه في تفكيره، وإدراكه عن كل شائبة من شوائب النقص ، ولهذا يجب أن نفهم هذه الجملة على وجه معقول واضح:
إن هذه الجملة نطقت بها السيدة عائشة تريد بها أنه كان يخيل إليه أن يأتيها فلم يستطع، وبالتالي أنه كان يجد في نفسه رقبة في جماعها، فإذا هم بها عجز عن الفعل، ونظراً لكون هذا متعلقاُ بها عبرت عنه بهذه العبارة حياء، ويدل على ذلك ما رواه عبد الرزاق عن أبن المسيب، وعروة بن الزبير رضي اللّه عنهما من أن النبي صلى اللّه عليه وسلم سحر في هذا المعنى فقط، وأن السحر لم يحدث في قواه الباطنة أي أثر، بل حبسه عن اتيان زوجه عائشة، وهذا هو النوع مالمعروف بين الناس، لعصمة النبي صلى اللّه عليه وسلم عن التأثر في أي ناحية من نواحي الإدراك بأي ناحية من نواحي الإدراك بأي أثر، ولو مؤقتاً.

ولقد قال في فتح الباري: إن بعض العلماء قال: أن تأثير السحر منحصر في التفريق بين المرء وزوجه، أو نحو ذلك، فإذا فهمنا هذا الحديث على هذا الوجه، لم يكن فيه ذلك الضرر الذي حول به بعضهم، وأنكر من أجله الحديث فلا مانع حينئذ من أن يكون للسحر بعض التأثير الحقيقي في بعض الأحيان على أن هذا الحديث لا يدل دلالة قاطعة طبعاً لأنه لا يفيد إلا الظن، ولهذا قال المنكرون للسحر: إن مثل هذا الحديث الصحيح يصح الاحتجاج به في الأحكام الفقهية الفرعية، أما في إثبات عقيدة فلا. لأن اعتقاد أن السحر له تأثير حقيقي لا يمكن إثباته إلا بالدليل العقلي الذي يؤيده الواقع، ولم يوجد في الخارج إلا حوادث أحادية ينقلها أناس غير تقاة، ولو كان له حقيقة لقصها علينا كتاب اللّه تعالى في مسألة سحر فرعون

مباشرة السحر عند المالكية

(1) (المالكية قالوا: إن مباشرة السحر كفر وارتداد عن الإسلام، سواء كانت المباشرة من جهة تعلمه، أو تعليمنه، أو المل به لأن لسحر كلام يعظم به غير اللّه تعالى، وتنسب إليه المقادير. ثم إن تجاهر به فيقتل أن لم يتب وإن اسره فحكم الزنجيق يقتل بدون ستتابة. وشرط بعضهم عدم الاستتابة مطلقاً، أسره، أو أظهره، وحكم الزنديق على حال أن جاء تائبا قبل الإطلاع عليه، قبل وإلا فلا.

مباشرة السحر عند الشافعية والحنابلة

الشافعية، والحنابلة - قالوا: إن السحر له حقيقة مؤثرة، وقد يموت المسحور بسبب السحر، أو يتغير طبعه وعادته، وأن لم يباشره وإن الساحر يقوى على قهر الخصوم من غير ممارسة الحروب والقتال.
وقيل: إن الساحر قد يصير بحيث تخبره الأرواح بالحوادث التي ستقع قبل وقوعها ليمكنه الاحتراز عنها.

تعريف السحر

وقد اختلف العلماء في تعريفه فقال صاحب إرشاد المقاصد: هو علم يستفاد منه حصول ملكة نفسانية يقتدر بها على أفعال غريبة بأسباب خفية وعرفه أبن العربي بقوله: هو كلام مؤلف يعظم فيه غير اللّه عز وجل وتنسب إليه الكائنات والمقاردير، وعرفه بعضهمك هو علم يغير الطبع، ويقلب الشيء عن حقيقته. ولا نزاع في تحريم العمل به وتعلمهن وهو على قسمين حقيقي وغير حقيقي، ويسمى السيماء وسحرة فرعون برعوا في النوعي قال تعالى: {واسترهبوهم وجاؤوا بسحر عظيم}).
(2) (قالوا: للسحر حقيقة وتأثير في إيلام الأجسام، خلا من منع ذلك. وقال: إنما هو تخيل.

حكم تعليم السحر وتعلمه وفعله

قالوا: وتعليم السحر حرام بلا خلاف عندهم، واعتقاد إباحته كفر.
الحنفية، والمالكية والحنابلة قالوا: يكفر الساحر بتعلمه السحر، وفعله، سواء اعتقد تحريمه، أولا، ويجب على الحاكم قتله، وقد روي عن عمر بن الخطاب، وعثمان بن عفان، وعبد اللّه بن عمر رضي اللّه تعالى عنهم.
كما روي عن جندب بن عبد اللّه، وحبيبب بن كعب، وقيس بن سعد، وعمر بن عبد العزيز رضا، اللّه عليهم فإنهم قتلوا الساحر بدون الاستتابة، وفيه حديث مرفوع رواه الشيخ أو بكر الرازي في أحكام القرآن، حدّثنا أبن قانع، حدّثنا بشر بن موسى، حدّثنا أبن الأصفهاني، حدّثنا أبو معاوية عن إسماعيل بن مسلم، عن الحسن عن جندب أن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال: "حد الساحر، ضربه بالسيف" يعني القتل. وقصة جندب في قتله الساحر بالكوفة عن الوليد بن عتبة مشهورة.

حكم الساحر والكاهن عند الشافعية

الشافعية قالوا: لا يقتل الساحر ولا يكفر، إلا اعتقد إباحته.
أما الكاهن فقيل: هو الساحر، وقيل: هو العراف، وهو الذي يحدث ويتخرص، وقيل: هو الذي له من لجن من يأتيه بالأخبار.

حكم الساحر والكاهن عند الحنفية

الحنفية قالوا: إن الكاهن إن اعقد أن الشياطين يفعلون له ما يشاء كفر، وإن اعتقد أنه تخيل لم يكفر.

حكم الساحر والكاهن عند الشافعية

الشافعية - قالوا: إن الكاهن إن اعتقد ما يوجب الكفر مثل التقرب إلى الكواكب، وأنها تفعل ما يلتمسه منها كفر.

حكم الساحر والكاهن عند الحنابلة

الحنابلة قالوا: إن الكاهن حكمه حكم الساحر، فيقتل لقوله سيدنا عمر رضي اللّه عنه: (اقتلوا كل ساحر وكاهن) وفي رواية إن تاب لم يقتل، ويجب أن لا يعدل عن قول الشافعية في كفر الساحر والعراف وعدمه، وأما قتله فيجب، ولا يستتاب إذا عرفت مزاولته لعمل السحر لسعيه بالفساد في الأرض لا بمجرد عمله، إذا لم يكن في اعتقاده ما يوجب كفره، قالوا: ولا تقبل توبة الساحر والزنديق وهو من لا دين له.

وقد ورد الشع بذم السحر قال تعالى: {ولا يفلح الساحر حيث أتى} أي حيث كان وأين أقبل. وقال تعلاى: {ولا يفلح الساحرون} أي لا يظفرون بمطلوب، ولا ينجون من مكروه.
قال الإمام النووي رحمه اللّه تعالى: عمل السحر حرام، وهو من الكبائر بالإجماع، وقد عده الرسول صلوات اللّه وسلامه عليه من الموبقات السبع، ومن السحر ما يكون كفراً، ومنه ما لا يكون كفراً بل معصية كبيرة، فإن كان فيه قول أو فعل يقتضي الكفر فهو كفر، وإلا فلا.

المالكية رحمهم اللّه قالوا: الساحر كافر يقتل بالسحر ولا يستتاب، بل يتحتم قتله كالزنديق: قال عياض: وقول مالك قال أحمد وجماعة من الصحابة والتابعين، وذلك فيمن عمل به للباطل والشر.
أما من تعلمه لفك المسحور، ومنع الأذى عنه، أو تعلمه للعلم فقط ولم يعمل به فهو جائز.
وقد سئل الإمام أحمد عمن يطلق السحر عن المسحور، فقال: لا بأس به، وهذا هو المعتمد، فحكم السحر تابع للقصد، فمن فصد به الخير جاز له، وإلا حرم عليه، إلا أن أدى إلى الشرك، وإلا كان كافراً.

ولا يقتل الساحر إلا أن يقتل أحداً بسحره، ويثبت عليه بإقراره، وأما إذا كان ذمياً، وأوصل بسحره ضرراً لميلم يكون قد نقض العهد ويحل قتله، وإنما لم يقتل النبي صلى اللّه عليه وسلم لبيد بن الأعصم على سحره وقد كان ذمياً لأنه صلى اللّه عليه وسلم كان لا ينتقم لنفسه، ولأنه خشي إذا قتل لبيد بن الأعصم أن تقوم فتنة بين المسلمين في المدينة. لأنه كان من بين زريق، وهم بطن من الأنصار مشهور من الخزرج، وكان الناس حديثي بالإسلام.

وقد تبين من هذا أن السحر حق، وواقع، وقد وقع لكثير من الناس، ولا يزال يقع، ولو أنه قد قل في هذا الزمان، وقد وقع لسيدنا موسى عليه السلام كما ذكر اللّه تعالى ذلك في كتابه العزيز فقال تعالى: {فإذا حبالهم وعصيهم يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى، فأوجس في نفسه خيفة موسى، قلنا لاتخف إنك أنت الأعلى} غير أن هذا السحر الذي وقع له لم يكن له أي تأثير في العقل، ولا في الوحي، ولا فيما يبلغه للناس من الأحكام، بل هو كسائر الأعراض البشرية الجائزة في حق الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، فلا ينافي العصمة)

السحر الوارد في الحديث

: -وأما السحر الوارد في الحديث فإن المراد به الأقوال، والأفعال التي
(3) (روى الإمام البخاري في صحيحه فقال: حدثني محمد بن المثنى، حدّثنا يحيى بن هشام، قال: حدّثني أبي عن عائشة رضي اللّه عنها: (أن النبي صلى اللّه عليه وسلم سحر حتى كان يحيل إليه أنه صنع شيئاً ولم يصنعه) وفي رواية أخرى قال البخاري رحمه اللّه قال: حدّثنا إبراهيم بن موسى، أخبرنا عيسى بن يونس عن هشام عن أبيه عن عائشة رضي اللّه تعالى عنها قالت: (سحر رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم رجل من بني زريق يقال له: لبيد بن الأعصم، حتى كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يحيل إليه أنه كان يفعل الشيء وما فعله، حتى إذا كان ذات يوم أو ذات ليلة وهو عندي: لكنه دعا ودعا، ثم قال: يا عائشة أشعرت أن اللّه أفتاني فما استفتيته فيه: أتاني رجلان فقعد أحهما عند رأسي، والآخر عند رجلي، فقال أحدهما لساحبه: ما وجع الرجل؟ فقال: مطبوب، قال: من طبه؟ قال: لبيد بن الأعصم، قال: في أي شيء. قال: في مشط ومشاطة وجف طلغ نخلة ذكر، قال: وأين هو؟ هال: في بئر ذروان، فأتاها رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في ناس من أصحابه، فجاء فقال: يا عائشة كأن ماءها نقاعة الحناء، وكأن رؤوس نخلها رؤوس الشياطين، قلت: يا رسول اللّه أفلا أستخرجته؟ قال: قد عافاني اللّه فكرهت أن أثير على عيينة يقول: أول من حدّثنا بن أبن جريج يقول: حدّثني آل عروة عن عروة، فسألت هشاماً عنه، فحدثنا عن أبيه عن عائشة رضي اللّه عنها قال: "كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم سحر حتى كان يرى أنه يأتي النساء ولا يأتيهن، قال سفيان: وهذا أشد ما يكون من السحر".

من هذه الروايات وغيرها تعلم أن السحر حق ثابت، وقد وقع وحصل لأنه ثابت بنص القرآن الكريم قال تعالى: {ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر} وقال تعالى: {ما جئتم به السحر إن اللّه سيبطله} وقال تعالى: {ولا يقلح الساحرون} وقال تعالى: {إنما صنعوا كيد ساحر، ولا يفلح الساحر حيث أتى} وقال تبارك وتعالى: {إنه لكبير الذي علمكم السحر} وقال تعالى: {غنا آمنا بربنا ليغفر لنا خكايانا وما أكرهتنا عليه من السحر}.

أنواع السحر

وقد ذكر العلماء الن السحر أنواع كثيرة:

1 - ما يقع بخداع وتمويه فيحدث تخيلات لا حقيقة لها، وهو ما يفعله المشعوذون بحذق ومهارة، وخفة وسرعة، مع طول المران والتدريب، فيصرفون الأنظار عما يتعاطونه بشعوذتهم، وهو (السيمياء) قال تعالى: {فلما ألقوا سحروا أعين الناس واسترهبوهم وجاؤوا بسحر عظيم} وقال تعالى: {فإذا حبالهم وعصيهم يخيل غليه من سحرهم أنها تسعى} وهذا النوع شائع وذائع للآن خصوصاً في بلاد الهند.

2 - ما يقع بالرقى، والنفث في العقد وتصوير صورة المسحور، والتأثير فيه بأمور يسمعونها من تلاوة وقراءة، وكتابةن ورسوم يتوصلون به إلى الأذى والشر، قال تعالى: {ومن شر النفاثات في العقد} والنفاثات السواحر، وهذه الرقى والعزائم التي يتلونها قد تكون مشتملة على أسما اللّه الحسنى، أو أسماء ملائكته الكرام. وقد تكون العزيمة مشتملة على ايمان، وأقسام عظيمة يلجئ الرواح إلى الطاعة لتنفيذ ما يطلبونه منها، وهذه الرقى التي يقرؤها السحرة قد تكون معلومة، وقد تكون غير معلومة المعنى، بل هي ألفاظ مجهولة، وكأنها رطانة، أو كلمات سريانية، كأنها اسماء للجان، أو لأرواح خفية غير معلومة.

3 - ما يقع عن الطلسمات، والخواتم التي تكتب بطريقة خاصة مغايرة للكلمات العربية. أو أحرف عربية مقطعة لا صلة بينها موضوعة بطريقة خاصة وحقيقتها نفس اسماء خاصة لها تعلق بالأفلاكن وكذل الوقات التي ترجع إلى مناسبات الأعداد، وجعلها على شكل مخصوص.

4 - ما يقع بواسطة الكواكب والنجوم، فإن اللّه تعالى خص كل واحد من الكواكب وهذه النجوم بقوة وبخاصية لأجلها يظهر منه أثر مخصوص، قال تعالى: {فنظر نظرة في النجوم فقال: إني سقيم} قال أبن زيد: كان له نجم مخصوص وكلما طلع على صفة مخصوصة مرض إبراهيم عليه السلام، فلما رآه ذلك الوقت طالعا على تلك الصفة المخصوصة. قال: إني سقيم، أي هذا السقم واقع لا محالة، وكان القوم نجامين فأفهمهم أنه قد استدل بأمارة من تلك النجوم على أنه سقيم لابد مشرف على السقم {فتولوا عنه مدبرين} خوفاً من العدوى. وقد يضاف السحر إلى الآثار السماوي من الاتصالات الملكية، وغيرها من أحوال الأفلاك.

5 - ما يقع باستخدام الشياطين بضرب من التقرب إليهم، والإتصال بهم، وساخدامهم، وتسخيرهم في قضاء المصالح، أو إقاع الضرر والأذى بالخلق، أو الإتيان بأخبارهم الماضية عن طريق اتصاله بالقرين. وهذا أشد انواع السحر وأخطره: قال تعالى: {ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر} وكلما كان الساحر أكفر وأخبث، وأشد معاداة لله ولرسوله صلى اللّه عليه وسلم، ولعباده المؤمنين كان سحره أقوى ,انفذ، وهذا الصنف من الناس هم أتباع الجن وعباده قال اللّه تعالى {بل كانوا يعبدون الجن أكثرهم به مؤمنون} وقال تعالى: {ولبئس المولى ولبئس العشير} فالشياطين لا تسخر له ولا تقضي حوائجه إلا إذا أطاعها فيما تطلبه منه، وهي خبيثة كافرة لا تطلب من المؤمن إلا الكفر والضلال.

قالوا: وللسحر تأثير في المسحور فيغير مزاجه ويصيبه بأمراض عصبية، وتخيلات ختلفة، قود يؤثر في قوته فيضعفه، وقد يصل به إلى القتلن وبالسحر يستطعيون أن يفرقوا بين المرء وزوجه، ويفسدوا العلاقة الزوجية، ويحولوا حياتهما إلى جحيم، وقد تصل إلى الطلاق والفرقة، ويوقعوا بين المحبين العداوة والبغضاء والقطيعة، قال تعالى: {فيتعملون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه}.
ويندفع شر السحر بالتعوذ اللّه تعالى والتحصن به، واللجوء إليه، وبتقوى اللّه تعالى وأداء حقوقه ومراقتبه، فمن اتقى اللّه تعالى تولى اللّه حفظه، ولم يكله إلى غيره. قال تعالى: {وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئاً}.

كيفية دفاع السحر

وقال الرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لسيدنا عبد اللّه بن عباس: (احفظ اللّه يحفظك، احفظ اللّه تجده تجاهك). ويندفع شر السحر أيضاً، بقوة الإيمان، وصدق اليقين، وثبات العيزيمة، والتوكلعلى اللّه حق التوكل، وإن السحر مهما كانت صفته فلا يضره إلا باذن اللّه عز وجل قال تعالى: {وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله} القادر على كل شي ء الذي إذا شاء اثر سحرهم ابتلاء منه سبحانه وتعالى أو عقاباً للمسحور على عصيانه، وإذا شاء تعالى أبطل سحرهم، وحفظ المسحور من شرهم وعصمه من كيدهم.
فلا يعبأ المؤمن القوي بالسحر، ولايخافه ولا يهتم له، ولا يشغل فكره، ولا ينعال ذلك إلا باوثوق التام بالله تعالى والاطمئنان العظيم غليه، وإن كل شيء بيده تبارك وتعالى {أن يمسك اللّه بضر فلا كاشف له إلا هو، وإن يردك بخير فلا راد لفضله} فلا يشغل قلبه بالساحر وما صنع وإنما يشغل قلبه بالله وطاعته وحسن عباته، وافكثار من ذكره عز وجل، فيفوز بحفظه ونصرته. {إن تنصروا اللّه نيصركم ويثبت أقدامكم} وقد قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لسيدنا عبد اللّه بن عباس رضي اللّه عنهما: (اعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك لم ينفعوك إلا بشء كتبه اللّه لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك، لم يضروك إلا بشيء قد كتبه اللّه عليك) فتوحيد اللّه تعالى واعتقادا أنه الضار، النافع، المعطي المانع، ذلك هو الحصن العظم، الذي من دخله كان من الآمنين، قال بعض السلف. من خاف اللّه خافه كل شيء، ومن لم يخف اللّه أخافه من كل شيء قال تعالى: {إن اللّه يدافع عن الذين آمنوا إن اللّه لا يجب كل خوان كفور}.
ومن فضل اللّه تعالى أن السحر وأهله كادا ينقرضان في هذا الزمان، ومن ادعى ذلك الان فإنما هو كاذب خادع، يضل الناس، ويسعى لكسب المال منهم بطريق النصب والاحتيال، والوهم والخديعة، والحوادث كثيرة تدل على انهم مدعون كاذبون لا يعرفون من السحر إلا اسمه، ومن علمه إلا رسمه، {ذلك من فضل اللّه علينا وعلى الناس، ولكن أكثر الناس لا يشكرون}.

ويؤثر السحر غالباً في ضعاف النفوس كالأطفال والمرضى، والنساء، وفي ضعاف الدين، وما حدث للرسل والأنبياء كان للابتلاء والاختبار والتشريع.

وأما ما وقع لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم من السحر فلم يكن له أي تأثير في عقل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ولا في الوحي الذي كان يبلغه للمة، ولا في الأحكام التي كان يشرعها لقومه. وإنما هو أمر عارض للجسم كسائر الأعراض البشرية الجائزة في حق الأنبياء عليهم الصلاة والسلام. فلا ينافي العصمة. وقد تدارك اللّه تعالى نبيه صلى اللّه عليه وسلم وأرسل غليه الملكين فأخبراه بمكان السحر، واسم صانعه فلم ينل منه ما قصده الساحر وكيف يحصل ها والله يقول في كتابه: {والله يعصمك من الناس} وكل هذا من باب التشريع، ولو شاء ربك ما فعلوه، لتعلم أن المؤمن المحبوب لدى ربه بصالح عمله، وجميل سعيه يدافع اللّه عنه ويحرسه من كيد أعدائه وشر خصومه، وإن الحسنات يذهبن السيئات، ويمحقن الآفات، وأنه صلوات اللّه وسلامه عليه أمام قدرة ربه عبد يبتلى فيصبر ويرضى بقضاء اللّه وقدره، فينجيه اللّه من سوء، ويحفظه من كل ضر، كما ابتلى اللّه الأنبياء من قبله فصبروا فنجاهم اللّه تعالى {وأيوب إذا نادى ربه انى مسني الضر وأنت أرحم الراحمين فاستجبنا له فكشفنا ما به من ضر}، {ونوحاً إذ نادى من قبل فاستجبنا له وأهله من الكرب العظيم}.

ومع ثبوت هذه الأحاديث التي ذكرناها، الواردة في الكتب الصحاح في وقوع السحر للرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقد أنكر بعض المبتدعة هذه الحاديث، وقال بعضهم إنها أخبار آحاد فلا يعمل بها، وزعموا أن السحر يحط من منصب النبوة، ويشكك فيها، قالوا: وكل ما أدى إلى ذلك فهو باطل.

جواز السحر على الأنبياء

وقالوا: إن جواز السحر على الأنبياء يعدم الثقة بما شرعوه من الشرائع للعباد، إذ يحتمل على هذا أن النبي صلى اللّه عليه وسلم يحيل إليه أن يرى جبريل، وليس هو ثم، وأنه يوحى إليه بشيء ولم يوح إليه بشيء، وكلامهم هذا مردود من عدة وجوه.

1 - لقد قامت البراهين من المعجزات، والنصوص الصريحة من القرآن والسنة النبوية على صدقه صلى اللّه عليه وسلم فيما بلغه عن اللّه تعالى، وعلى عصمته في التبليغ قال تعالى: {ما ضل صاحبكم وما غوى، وما ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحي يوحى} وقال تعالى: {والله يعصمك من الناس} وقال تعالى: {وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فاتنهوا} وقال تعالى: {ولولا فضل اللّه عليك ورحمته لهمت طائفة منهم أن يضلوك وما يضلون إلا أنفسهم، وما يضرونك من شيء} فتلك الآيات وغيرها أدلة قاطعة على أنه صلى اللّه عليه وسلم الصادق المصدوق فيما قال، وبلغ، وإن اللّه عصمه من الضلال، وحفظ عقله من الزلل.

2 - وقد أجمع الرواة على أن هذا السحر لم يكن له أي أثر في عقله صلى اللّه عليه وسلم، بل كان تأثيره في جسمه وبصره كغيره من الأمراض الجسمية، وقد وقع السحر لسيدنا موسى عليه الصلاة والسلام فكان يخيل غليه في رأي العين كما قال تعالى: {فإذا حبالهم وعصيهم يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى} فكان هذا السحر من باب المراض الجسيمة، وتلك جائزة على النبياء عليهم الصلاة والسلام، فإن المراض غير المنفرة جائزة في حقهم، فهي من الأعراض البشرية التي لا تؤدي إلى نقص في مراتهم العلية، مع عصمتهم في أمور الدين، والتبليغ، وحفظ الوحي الشريف.

3 - أجمع الرواة على أن الرسول اصلوات اللّه وسلامه عليه لم ينطق أثناء مرضه بهذا السحر بغير الصواب والصدق والحق، حتى في الأمور العادية، فكان يرى ويظن كالخاطر يعرض في النفس، ولا يتعداها حتى يرجع إلى الصواب والحق فينطق بهما، ولم ينطق بغيرهما قط، لا في مرضه هذا، ولا في غيره طوال حياته صلى اللّه عليه وسلم.

4 - أجمعت الأحاديث الواردة في هذا الباب على أن السحر لم ينل إلا من جسمه الشريف صلى اللّه عليه وسلم، فكان يرى ببصره أن هذا الشيء كذا، ثم يراه على صوابه بعد قليل، وأنه يخيل غليه أنه قادر على إتيان زوجاته، ثم لا يستطيع، أما عقله الشريف فكان على أتم ما يكون طوال مدة المرض، بدليل أنه فوض أمره لله تعالى في مبدأ المرص ثم تداوى، ثم لما اشتدت به وطأة المرض لجأ إلى الدعاء، كما روي عن السيدة عائشة رضي اللّه عنها أنها قالت: فدعا ثم دعا، وهذه الأحوال من التفويضن ثم التداوي، ثم الدعاء دليل على أن عقله صلى اللّه عليه وسلم محفوظ محروس وعصوم لم ينل منه السحر منالاً، وعنها أنه سحر حتى انكره بصره، فالسحر أنما تسلط على جسده، وظواهر جوارحه، لا على عقله وتمييزه).

*1*انتهى الكتاب
*انتهت طباعة الكتاب لمشروع المحدث بعون الله تعالى فله الحمد والشكر

عن الكاتب

A. Fatih Syuhud

التعليقات


جميع الحقوق محفوظة

الكتب الإسلامية