الكتب الإسلامية

مجموعة الكتب والمقالات الإسلاية والفقه علي المذاهب الأربعة

recent

آخر الأخبار

recent
جاري التحميل ...

حقوق الزوجة الواجبة علي الزوج

حقوق الزوجة الواجبة علي الزوج

حقوق الزوجة الواجبة علي الزوج
االعودة إلي كتاب عقود اللجين للنووي البنتني

محتويات

الفَصْلُ الأَوَّلُ: فِيْ بيان حُقُوْقِ الزَوْجَةِ الواجبة (عَلَى الزَوْج

(الفَصْلُ الأَوَّلُ: فِيْ) بيان (حُقُوْقِ الزَوْجَةِ) الواجبة (عَلَى الزَوْج) وهي حُسْن العِشْرة، ومؤْنةُ الزوجة ومهْرُها، والقَسْم، وتعليمُها ما تحتاج إليه من فروض العبادات وسننها ولو غيرَ مؤكَّدة، ومما يتعلق بالحيض، ومن وجوب طاعته فيما ليس بمعصية.

الفَصْلُ الثَّانِيْ: فِيْ بيان (حُقُوْقِ الزَّوْجِ) الواجبة عَلَى الزَّوْجَةِ

(الفَصْلُ الثَّانِيْ: فِيْ) بيان (حُقُوْقِ الزَّوْجِ) الواجبة (عَلَى الزَّوْجَةِ) وهي طاعة الزوج في غير معصية، وحسن المعاشرة، وتسليم نفسها إليه، وملازمة البيت، وصيانة نفسها من أن توطئ فراشه غيره، والإحتجاب عن رؤية أجنبي لشيء من بدنها ولو وجههل وكفيها، إذ النظر إليهما حرام ولو مع انتفاء الشهوة والفتنة، وترك مطالبتها له بما فوق الحاجة ولو علمت قدرته عليه، وتعففها عن تناول ما يكسبه من المال الحرام، وعدم كذبها على حيضها وجودا وانقطاعا.

الفَصْلُ الثَالِثُ: فِيْ) بيان (فَضْلِ صَلاَةِ الْمَرْأَةِ فِيْ بَيْتِهَا

(الفَصْلُ الثَالِثُ: فِيْ) بيان (فَضْلِ صَلاَةِ الْمَرْأَةِ فِيْ بَيْتِهَا وَفِيْ أَنَّهَا) أي صلاة المرأة في بيتها (أَفْضَلُ مِنْ صَلاَتِهَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ). قال صلى الله عليه وسلم: {أَقْرَبُ مَا تَكُوْنُ الْمَرْأَةُ مِنْ وَجْهِ رَبِّهَا إِذَا كَانَتْ فِيْ قَعْرِ بَيْتِهَا وَإِنَّ صَلاَتَهَا فِيْ صُحْنِ دَارِهَا أَفْضَلُ مِنْ صَلاَتِهَا فِيْ الْمَسْجِدِ، وَصَلاَتَهَا فِيْ بَيْتِهَا أَفْضَلُ مِنْ صَلاَتِهَا فِيْ صُحْنِ دَارِهَا، وَصَلاَتَهَا فِيْ مُخْدَعِهَا أَفْضَلُ مِنْ صَلاَتِهَا فِيْ بَيْتِهَا}. والمخدع بضم الميم: بيت في بيت، وذلك للستر.

الفَصْلُ الرَابِعُ: فِيْ بيان (حُرْمَةِ نَظَرِ الرَجُلِ إِلَى النِّسَاءِ الأَجْنَبِيَّاتِ وَالْعَكْسِ

(الفَصْلُ الرَابِعُ: فِيْ) بيان (حُرْمَةِ نَظَرِ الرَجُلِ إِلَى النِّسَاءِ الأَجْنَبِيَّاتِ وَالْعَكْسِ) أي نظرهن إليه، فما يحرم رؤيته على الرجل يحرم رؤيته على المرأة منه. والمراهق في ذلك كالرجل، فيلزم وليه منعه من النظر إلى الأجنبية، ويلزمها الإحتجاب منه. وكالمرأة في ذلك الأمردُ الجميلُ الوجهِ، كذا في النهاية للشيخ محمد المصري (وَ) في (مَا وَقَعَ فِيْهِ) أي النظر (مِنَ الزَجْرِ) أي المنع من الكتاب والأحاديث.

ويحرم على الرجل ولو مجبوبا وخصيا وعنينا ومخنثا وهمًّا نظره إلى أجنبية مشتهاة حتى إلى وجهها وكفيها ظهرا وبطنا، وهو المفتي به، لكن نقل عن الأكثرين حل النظر إلى ذلك. أما نظرُ الرجل إلى زوجته وأمته في حال حياة كلٍّ منهما فجائزٌ ولو مع وجود مانع من الإستمتاع قريب الزوال كحيض ورهن، لكن يكره نظر الفرج حتى من نفسه بلا حاجة، بخلاف المانع البطىء الزوال كأن اعتدت الزوجة عن شبهة، فيحرم النظر إلى ما بين سرّتها وركبتها، دون غيره كالمحارم والأمة المزوّجة. أما النظر لإجل النكاح، فيجوز إلى الوجه والكفين فقط من الحرة، وإلى ما عدا ما بين السرة والركبة من الأمة. ويجوز النظر إلى الأجنبية في الوجه فقط للشهادة والمعاملة، وإلى الأمة عند شرائها فيما عدا العورة من ظاهر البدن.

ويجوز النظر إلى الأجنبية ومسّها للمداواة في المواضع التي يحتاج إليها ولو فرجا، بشرط حضور من يمنع الخلوة من محرم ونحوه، وبشرط فقد جنس معالج، ويجوز النظر إليها أيضا لتعليم الواجب فقط عليها كما قاله السبكي وغيره، وذلك عند فقد من يعلمها من المحارم والنساء، قياسا على المداواة، وعند تعسر التعليم من وراء حجاب. ولا يجوز النظر إليها لأجل تعليم المندوب، بخلاف الأمرد، فيجوز النظر إليه لأجله. كذا في شرح النهاية للشيخ المصري على الغاية لأبي شجاع.

الفَصْلُ الأَوَّلُ فِيْ بيان (حُقُوْقِ الزَوْجَةِ) الواجبة عَلَى الزَوْجِ

(قَالَ اللهُ تَعَالَى) في سورة النساء: (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) أي بالعدل في المبيت، والنفقة، وبالإجمال في القول (وَقَالَ) في سورة البقرة: (وَلَهُنَّ) على الأزواج (مِثْلُ الَّذِي) لهم (عَلَيْهِنَّ) من الحقوف في الوجوب، واستحقاق المطالبة عليها، لا في الجنس (بِالْمَعْرُوفِ) أي بما يُستَحْسَن شرعًا من حُسْن العِشْرَةِ، وتركِ الضرر منهم ومهن. قال ابن عباس رضي الله عنهما: معنى ذلك "إِنِّي أُحِبُّ أَنْ أَتَزَيَّنَ لاِمْرَأَتِيْ كَمَا تُحِبُّ أَنْ تَتَزَيَّنَ لِيْ" (وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ) أي فضيلةٌ في الحق من وجوب طاعتهن لهم لما دفعوه إليهن من المهر، ولإنفاقهم في مصالحهن. ص 4

(رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ فِيْ حَجَّةِ الْوَدَاعِ) أي آخر حجه صلى الله عليه وسلم، وهو حجة الجمعة (بَعْدَ أَنْ حَمِدَ اللهَ) تعالى (وَأَثْنَىْ عَلَيْهِ وَوَعَظَ) الحاضرين (ألاَ) أي تنبهوا يا قوم لما يلقى إليكم (وَاسْتَوْصُوا بالنّسَاءِ خَيْراً) الباء للتعدية أي اقبَلوا وصيتي فيهنّ، واعمَلوا بها، وارفقوا بهنّ، وأحسنوا عِشْرتهنّ، فإن الوصية بهنّ آكدُ لضعفهنّ، واحتياجهنّ إلى من يقوم بأمرهنّ. وفي نصب "خيرا" وجهان، أحدهما: أنه مفعول "استوصوا"، لأن المعنى: افعلوا بهن خيرا. والثاني: معناه: اقبلوا وصيتي وائتوا خيرا، فهو منصوبٌ بفعلٍ محذوف كقوله تعالى: {وَلاَ تَقُوْلُوْا ثَلاثَةٌ انْتَهُوْا خَيْراً لَكُمْ} أي انتهوا عن ذلك، وائتوا خيرا (فإنّمَا هُنّ عَوَان) أي أسيرات (عِنْدَكمْ) فعوان بالنون المكسورة جمعُ عانية، وهي بصيغة منتهى الجموع، وإنما قيل للمرأة عانيةٌ، لأنها محبوسة كالأسير عند الزوج. وفي لفظ: {فَإنَّهُنَّ عوَار} بالراء جمع عارية ' فإن الرجال أخذوهنّ بأمانة الله (لَيْسَ) أي الشأن (تَمْلِكُونَ مِنْهُنّ شَيْئاً غَيْرَ ذَلِكَ) أي الخير (إلاّ أَنّ يَأْتِيْنَ بِفَاحِشَةٍ) أي نشوز (مُبَيّنَةٍ) أي ظاهرة، بأن ظهرت أماراته (فَإِنْ فَعَلْنَ) بأن أظهرْنَ النشوز (فَاهجُرُوهُنّ في المضَاجِعِ) أي اعتزلوهن في الفراش، واتركوا مضاجعتهن أي النوم معهن. وهذا الهجر لا غاية له، لأنه لحاجة صلاحها، فمتى لم تصلح فالهجر باقٍ وإن بلغ سنين، ومتى صلحت فلا هجر. وعن بعض العلماء غاية الهجر شهر (وَاضْرِبُوهُنّ ضَرْباً غَيْرَ مُبَرّحٍ) وهو الذي لا يكسر عظما، ولا يشين عضوا أي ضربا غير شديد، وذلك إن لم يرجهن بالهجران (فَإنْ أطَعْنَكُمُ) فيما يراد منهن (فَلاَ تَبْغُوا) أي لا تطلبوا (علَيْهِنّ سَبِيلاً) أي طريقا إلى ضربهن ظلما، واجعلوا ما كان منهن كأن لم يكن، فإن التائب من الذنب كمن لا ذنبَ له (أَلاَ) أي تنبهوا (إنّ لَكُمْ عَلَى نِسَائِكُمْ حَقّاً، وَلِنسَائِكمْ عَلَيْكُمْ حَقاً. فَحَقُكّمْ عَلَيْهِنَّ فَلاَ يُوطِئْنَ فِرَاشَكُمْ مَنْ تَكْرَهُوْنَ ولاَ يَأْذَنّ في بُيُوتِكُمْ لِمَنْ تَكْرَهُوْنَ. ألاَ وحَقهُنّ عَلَيْكُمْ أنْ تُحْسِنُوا إِلَيْهِنّ فِي كِسْوَتِهِنّ وطَعَامِهِنَّ) روى هذا الحديث الترمذي وابن ماجه.

(وَقَالَ صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: حَقُّ الْمَرْأَةِ عَلىَ الزَّوْجِ) أي من حقها عليه (أَنْ يُطْعِمَهَا إِذَا طَعِمَ، وَيَكْسُوْهَا إِذَا اكْتَسَىْ وَلاَ يَضْرِب الْوَجْهَ) أي عند نشوزها (وَلاَ يُقَبِّح) بتشديد الموحدة مكسورة أي لا يُسْمِعْها مكروها، ولا يقلْ: "قبّحَكِ اللهُ" (وَلاَ يَهْجُر) وفي رواية: "وَلاَ يَهْجُرْهَا" (إِلاَّ فِيْ المْبَِيْتِ) أي في المضجع عند النشوز، أما الهجر في الكلام فإنه حرام إلا لعذر. رواه الطبراني والحاكم عن معاوية بن حيدة بفتح المهملة.

(وَقَالَ صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَيمُّاَ رَجُلٍ تَزَوَّجَ امْرَأَةً عَلىَ مَا قَلَّ مِنَ المَْهْرِ أَوْ كَثُرَ لَيْسَ فِيْ نَفْسِهِ) أي قلبه (أَنْ يُؤَدِّيَ إِلَيْهَا حَقَّهَا خدعها فَمَاتَ وَلَمْ يُؤَدِّ إِلَيْهَا حَقَّهَا لَقِيَ اللهَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَهُوَ زَانٍ} أي آثم (الْحَدِيْثَ) أي اقرأ الحديث. رواه الطبراني.
(وَقَالَ صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ مِنْ أَكْمَلِ المُؤْمِنِينَ إِيمانَاً أحْسَنُهُمْ خُلُقاً) بفعل الفضائل وترك الرذائل (وألْطَفُهُمْ) أي أرفقهم وأبرّهم (بِأَهْلِهِ) أي من نسائه وأولاده وأقاربه. رواه الترمذي والحاكم عن عائشة.
(وَقَالَ صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لأَهْلِهِ) أي حلائله وبنيه وأقاربه (وَأَنَا خَيْرُكُمْ لأَهْلِيْ) رواه ابن حبان. وقال عليه السلام: {خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِنِسَائِهِ، وَأَنَا خَيْرُكُمْ لِنِسَائِيْ}.

(وَرُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: مَنْ صَبَرَ عَلىَ سُوْءِ خُلُقِ امْرَأَتِهِ أَعْطَاهُ اللهُ مِنَ الأَجْرِ مِثْلَ مَا أَعْطَى أَيُّوْبَ عَلَى بَلاَئِهِ) فالله ابتلاه بأربعة أمور: فقْدِ ماله، وولدهِ، وتمزيقِ جسدهِ، وهجْرِ جميعِ الناس له إلا زوجته، فإنه كان له من أصناف المالِ إبلٌ وبقر وغنم وفِيَلَةٌ وحُمُرٌ، وكان له خمسمائة فَدَّانٍ يتبعها خمسُمائةِ عبد، لكل عبد امرأةٌ وولد ومال، وكان معه ثلاثة نفر قد آمنوا به، وكانوا كُهُوْلا، وكا إبليس لا يحجب عن شيء من السموات، فيقف فيهن حيثما أراد، فسمع صلاة الملائكة على أيوب، فحسده، وقال: "إلهي نظرت في عبدك أيوبَ، فوجدته شاكرا حامدا، ألا ولو ابتليته لرجع عن شكرك وطاعتك"، فقال الله له: "انطلق فقد سلطتُك على ماله"، فانطلقَ وجميعُ عفاريت الشياطين والجن، وقال لهم: "قد سلطت على مال أيوب"، وقال لعفريت منها: "ائت الإبل ورعاتها، فاحرقها". ثم جاء إبليس إلى أيوب، فوجده قائما يصلى، فقال له: "أحرقت النار إبلَكَ ورعاتها"، فقال أيوب: "الحمد لله، هو أعطانيها، وهو آخذها". ثم فعل مثل ذلك بالغنم ورعاتها. ثم جاء إلى أيوب، وقال له: "نسفت الريح زرعك"، فحمد الله وأثنى عليه. ثم قال إبليس: "سلطني على ولده"، فقال له: "انطلق، قد سلطتك على ولده"، فذهب إلى ولده، وزلزل بهم القصر، وقلبه عليهم فماتوا جميعا، ثم جاء إلى أيوب وأخبره بموت ولده، فاستغفر. ثم قال: "سلطني على جسده"، فقال: < ص 5 > "سلّطتُك على جسده، غير قلبه ولسانه وعقله"، فذهب إلى أيوب فوجده ساجدا، فجاء من قبل وجهه، ونفخ في منخريه نفخة اشتعل منها جسده، ووقع فيه حكة، فحكها بأظفاره حتى سقطت كلها، ثم حكها بالمسوح الخشنة، ثم بالفخار والحجارة، فلم يزل يحكها حتة تقطع جسده وأنتن، فأخرجه أهل القرية، وجعلوه على كناسة لهم، وجعلوا له عريشا، وهجره الناس كلهم إلا زوجته المسماة رحمة، فكانت تخدمه بما يصلحه، وتأتيه بالطعام. وهجره الثلاثة الذين آمنوا ولم يتركوا دينهم.

وروي: {أنَّ رَجُلاً جَاءَ إِلَى عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ يَشْكُوْ إِلَيْهِ خُلُقَ زَوْجَتِهِ، فَوَقَفَ بِبَابِهِ يَنْتَظِرُهُ، فَسَمِعَ امْرَأَتَهُ تَسْتَطِيْلُ عَلَيْهِ بِلِسَانِهَا، وَهُوَ سَاكِتٌ لاَ يَرُدُّ عَلَيْهَا، فَانْصَرَفَ الرَجُلُ قَائِلاً: إِذَا كَانَ هَذَا حَالُ أَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ، فَكَيْفَ حَالِيْ ؟. فَخَرَجَ عُمَرُ فَرآهُ مُدْبِرًا فَنَادَاهُ، مَا حَاجَتُكَ ؟. فَقَالَ: يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ، جِئْتُكَ أَشْكُوْ إِلَيْكَ خُلُقَ زَوْجَتِيْ وَاسْتِطَالَتِهَا عَلَيَّ، فَسَمِعْتُ زَوْجَتَكَ كَذَلِك َ، فَرَجَعْتُكَ وَقُلْتُ: إِذَا كَانَ هَذَا حَالُ أَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ، فَكَيْفَ حَالِيْ ؟. فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: ياَ أَخِيْ إنّيْ احْتَمَلْتُهَا لِحُقُوْقٍ لَهَا عَلَيَّ، إنَّهَا طَبَّاخَةٌ لِطَعَامِيْ، خَبَّازَةٌ لِخُبْزِيْ، غَسَّالَةٌ لِثِيَابِيْ، مُرْضِعَةٌ لِوَلَدِيْ. وَلَيْسَ ذَلِكَ بِوَاجِبٍ عَلَيْهَا، وَيَسْكُنُ قَلْبِيْ بِهَا عَنِ الحَرَامِ، فَأَنَا احْتَمَلْتُهَا لِذَلِكَ، فَقَالَ الرَجُلُ: يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ، وَكَذَلِكَ زَوْجَتِيْ. قَالَ
عُمَرُ: فَاحْتَمِلْهَا يَا أَخِيْ، فَإِنَّمَا هِيَ مُدَّةٌ يَسِيْرَةٌ}.

(وَمَنْ صَبَرَتْ عَلَى سُوْءِ خُلُقِ زَوْجِهَا أَعْطَاهَا اللهُ مِثْلَ ثَوَابِ آسِيَةَ امرَأَةِ فِرْعَوْنَ) وهي بنت مزاحم، وذلك أن موسى عليه السلام لما غلب السَحَرَةَ آمنتْ به آسيةُ، فلما تبين لفرعون إيمانُها دق ليديها ورجليها أربعة أوتاد في الأرض، وشبحها فيها كلَّ عضوٍ بحبل، وجعَلَها في مقابلة الشمس، فإذا انصرفوا عنها أظلَّتْها الملائكةُ، وأمر فرعون بصخرة عظيمة لتلقى عليها، فلما أتوها بالصخرة، قالت: "ربِّ ابْنِ لِيْ عِنْدَكَ بَيْتًا فِيْ الْجَنَّةِ"، فأبصرتْ البيت َ من مرمرة بيضاءَ، فا نتزعتْ روحها، فأُلْقِيَت الصخْرةُ على جسد لا روح فيه ولم ألَمًا.
(قَالَ سَيِّدُنَا) أي أكرمنا (الْحَبِيْبُ) أي المحبوب السيد (عَبْدُ اللهِ الْحَدَّاد) صاحب الطريقة المشهورة، والأسرار الكثيرة. فاصطلاح بعض أهل البلاد أن ذرية رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان ذكرا يقال له: "حبيب"، وإن كانت أنثى يقال لها: "حبابة"، واصطلاح الأكثر يقال له: "سيد وسيدة". (الرَجُلُ الْكَامِلُ) أي في دينه (هُوَ الَّذِيْ يُسَامِحُ) أي يساهل (فِيْ حُقُوْقِهِ) كالزينة (وَلاَ يُسَامِحُ فِيْ حُقُوْقِ اللهِ تَعَالَى) كالصلاة ووصل الشعر فذلك حرام (وَالرَّجُلُ النَّاقِصُ هُوَ الَّذِيْ يَكُوْنُ عَلَى الْعَكْسِ) بأن يتسع في حقوق الله تعالى، ولا يتسع في حقوق نفسه.

كان لبعض الصالحين أخ صالح يزوره كل سنة مرة، فجاء مرة لزيارته فدق بابه، فقالت زوجته: "من هذا ؟"، فقال: "أخو زوجك في الله، جاء لزيارته"، فقالت: "ذهب يحتطب، لا ردّه الله"، وبالغت في سبه. فبينما هو كذلك، وإذا بأخيه قد حمل الأسد حزمةَ حطبٍ وهو مقبل به، ثم أنزل الحطب عن ظهر الأسد، وقال: "إذهب، بارك الله فيك"، ثم أدخل أخاه بعد التسليم عليه والترحيب به، فأطعمه. ثم ودعه وانصرف على غاية العجب من صبره عليها، وعدم جوابه في سبها. ثم جاء أخوه في العام الثاني، فدق الباب، فقالت امرأة: "من هذا ؟"، قال: "أخو زوجك، جاء يزوره"، قالت: "مرحبا"، وبالغت في الثناء عليه وعلى زوجها، وأمرتْه بانتظاره. فجاء أخوه والحطب على ظهره، فأدخله وأطعمه. فلما أراد مفارقته، سأله عما رأى من تلك وهذه، ومن حمل الأسد حطبه، فقال: "يا أخي، توفيت تلك الشرسة، وكنت صابرا على شؤمها، فسخّر الله تعالى لي الأسد لصبري عليها، ثم تزوّجت هذه الصالحة، وأنا في راحة معها، فانقطع عني الأسد، فاحتجت أن أحمل الحطب على ظهري لأجل راحتي مع هذه الصالحة.

يجوز للزوج أن يضرب زوجته على ترك الزينة وهو يريدها، وتركِ الإجابة إلى الفراش، وأن يضربها على الخروج من المنزل بغير إذنه، وعلى ضربها الولد الذي لا يعقل عند بكائه، أو على شتم أجنبي، وعلى تمزيق ثياب الزوج، وأخذ لحيته، وقولها له: "يا حمار، يا بليد" وإن شتمها قبل ذلك، وعلى كشف وجهها لغير محرم، أو تكلمها مع أجنبي، أو تكلمها مع الزوج ليسمع الأجنبي صوتها، أو إعطائها من بيته ما لم تجر العادة بإعطائه، وعلى امتناعها من الوصل. وفي ضربها على ترك الصلاة قولان، أصحهما: له ضربها على ذلك، إذا لم تفعل بالأمر.

(وَاعْلَمْ أَنَّهُ) أي الشأن (يَنْبَغِيْ) أي يطلب (لِلرَّجُلِ أَنْ يُوْصِيَ امْرَأَتَهُ) أي يأمرها، ويُذكّرها ويستعطف بها. وفي الحديث: {رَحِمَ اللهُ رَجُلاً قَالَ: يَا أَهْلاَه، صَلاَ تَكُمْ، صِيَامَكُمْ، زَكَاتَكُمْ، مِسْكِيْنَكُمْ، يَتِيْمَكُمْ، جِيْرَانَكُمْ، لَعَلَّ اللهَ يَجْمَعُكُمْ مَعَهُمْ فِيْ الجَنَّةِ} (وَأَنْ يُنْفِقَ عَلَيْهَا عَلَى قَدْرِ وُسْعِه) أي طاقته وقوته (وَأَنْ يَسْتَحْمِلَ عَلَيْهَا) إذا آذته، بأن < ص 6 > يصبر على إيذائها (وَيَتَلَطَّفَ بِهَا) بأن يداريها بالمعروف، فإنهن ناقصات عقل ودين. وفي الحديث: {لَوْلاَ أَنَّ اللهَ سَتَرَ الْمَرْأَةَ بِالْحَيَاءِ لَكَانَتْ لاَ تُسَاوى كَفًّا مِنْ تُرَابٍ} (وَأَنْ يُسْلِكَهَا سَبِيْلَ الْخَيْرِ) قال الرملي في عمدة الرابح: "ليس له ضربها على ترك الصـلاة أي بل يقتصر على الأمر، كما قاله عطية" (وَأَنْ يُعَلِّمَهَا مَا تَحْتَاجُ إِلَيْهِ فِيْ الدِّيْنِ، مِنْ أَحْكَامِ الطَّهَارَةِ) كالغسل من الحيض والجنابة، وكالوضوء والتيمم (وَالْحَيْضِ) أي من كل ما يتعلق به، فالذي لا بد من إرشاد النساء إليه في الحيض بيان الصلوات التي تقضيها، فإنها مهما انقطع دمها قبيل المغرب بمقدار ركعة فعليها قضاء الظهر والعصر، وإذا انقطع قبيل الصبح بمقدار ركعة فعليها قضاء المغرب والعشاء. وهذا أقل ما يراعيه النساء. كذا في الإحياء (وَالْعِبَادَاتِ) أي فرضها وسننها، من صلاة وزكاة وصوم وحج. فإن كان الرجل قائما بتعليمها، فليس لها الخروج لسؤال العلماء. وإن قصر علم الرجل، ولكن ناب عنها في السؤال فأخبرها بجواب المفتي، فليس لها الخروج، فإن لم يكن ذلك فلها الخروج للسؤال، بل عليها ذلك، ويعصى الرجل بمنعها. ومهما تعلمت ما هو من الفرائض عليها فليس لها أن تخرج إلى مجلس علم إلا برضاه.
(قَالَ اللهُ تَعَالَى) في سورة التحريم (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) أي أقرّوا بالإيمان (قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ) أي من النساء والأولاد وكل من يدخل في هذا لإسم (نَارًا. قَالَ) ترجمان القرآن سيدنا عبد الله (ابْنُ عَبَّاسٍ) في معنى ذلك (فَقِّهُوْهُمْ) أي علموهم شرائع الإسلام (وَأَدِّبُوْهُمْ) أي علموهم محاسن الأخلاق. وقيل: {أَشَدُّ النَّاسِ عَذَابًا يَوْمَ القِيَامَةِ مَنْ جَهِلَ أَهْلُهُ}.

(وَعَنْ) سيدنا عبد الله (ابْنِ عُمَرَ) رضي الله عنهما (عَنِ النَّبِيِّ صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: كُلُّكُمْ رَاعٍ) أي حافظ مؤتمن ملتزم لصلاح ما ائتمن على حفظه، فهو مطلوب بالعدل فيه، والقيام بمصالحه (وَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ) في الآخرة، فإن وفى ما عليه من الرعاية حصل له الحظ الأوفر، وإلا طالبه كل أحد منهم بحقه في الآخرة (فَالإِمَامُ) الأعظم أو نائبه (رَاعٍ) فهو ولي عليهم (وَ) هو (مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ) هل راعى حقوقهم أوْلا ؟ (وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ) أي زوجته وغيرها (وَ) هو (مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ) هل وفاهم حقوقهم، من كسوة ونفقة وغيرهما كحسن عِشْرةٍ أوْلا ؟ (وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا) بحسن تدبير المعيشة، والنُصْح له، والشفقة، والأمانة، وحفظ نفسها، وماله وأطفاله (وَ) هي (مَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا) هل قامت بما عليها أوْلا ؟ (وَالْخَادِمُ رَاعٍ فِي مَالِ سَيِّدِهِ) بحفظه، والقيام بمصالحه (وَ) هو (مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ) هل وفى بما عليه أوْلا ؟ (وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي مَالِ أَبِيهِ) بحفظه وتدبير مصلحته (وَ) هو (مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ) هل وفى بذلك أوْلا ؟ (فَكُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِه) والفاء جواب شرط محذوف. ودخل في هذا العمومِ المنفردُ الذي لا زوج له ولا خادم، فإنه يصدق عليه أنه راعٍ في جوارحه، حتى يعمل المأمورات، ويجتنب المنهيات. رواه الإمام أحمد والبخاري ومسلم وأبوداود والترمذي

(وَقَالَ صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اللهَ اللهَ) منصوب بفعل محذوف وجوبا لوجود التأكيد أي اتقوا الله (فِيْ النِّسَاءِ فَإِنَّهُنَّ أَمَانَاتٌ عِنْدَكُمْ، فَمَنْ لَمْ يَأْمُرْ امْرَأَتَهُ بِالصَّلاَةِ وَلَمْ يُعَلِّمْهَا) أي أمور الدين (فَقَدْ خَانَ اللهَ وَرَسُوْلَهُ) وكان آخر ما وصى به رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثا، تكلم بهن حتى تلجْلَجَ لسانه وخفي كلامه، وهي قوله صلى الله عليه وسلم: {الصَّلاَةَ الصَّلاَةَ، وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ، لاَ تُكَلِّفُوْهُمْ مَا لاَ يُطِيْقُوْنَ. اللهَ اللهَ فِيْ النِّسَاءِ، فَإِنَّهُنَّ عَوَان} أي أسراء {في أيديكم أَخَذْتُمُوْهُنَّ بِأَمَانَةِ اللهِ، وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوْجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللهِ}.
(وَقَالَ تَعالىَ) في سورة طه (وَ اْمُرْ أَهْلَكَ) أي أهل بيتك، وأهل دينك أي أتباعك (بالصَّلاَةِ) أي الصلوات الخمس.

(وَرُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: لاَ يَلْقَى اللهَ سُبْحَانَهُ وَ تَعَالَى أَحَدٌ بِذَنْبٍ أَعْظَمَ مِنْ جَهَالَةِ أَهْلِهِ) ويقال: أول ما يتعلق بالرجل يوم القيامة أهله وأولاده، ويقولون: ياربنا خذلنا حقنا من هذا الرجل، فإنه لم يعلمنا أمور ديننا، وكا يطعمنا الحرام ونحن لا نعلم، فيضرب على كسب الحرام حتى يتجرّد لحمه، ثم يذهب به إلى النيران. كذا في الجواهر للشيخ أبي الليث السمرقندي.

عن الكاتب

A. Fatih Syuhud

التعليقات


جميع الحقوق محفوظة

الكتب الإسلامية