الكتب الإسلامية

مجموعة الكتب والمقالات الإسلاية والفقه علي المذاهب الأربعة

recent

آخر الأخبار

recent
جاري التحميل ...

كتاب الخلع علي المذاهب الأربعة

كتاب الخلع علي المذاهب الأربعة

مباحث الخلع في الفقه
كتاب الفقه على المذاهب الأربعة للجزيري

محتويات

مباحث الخلع

تعريفه

الخلع - بفتح الخاء - مصدر خلع كقطع، يقال خلع الرجل ثوبه خلعاً أزاله عن بدنه ونزعه عنه ويقال: خلعت النعل خلعاً نزعته ويقال: خلع الرجل امرأته وخالعت المرأة زوجها مخالعة إذا افتدت منه. أما الخلع - بالضم - فهو مصدر سماعي، وليس اسماً للمصدر الذي هو الخلع - بالفتح - لأن اسم المصدر ما نقصت حروفه عن حروف فعله، ولا يخفى أن حروف الخلع - بالضم - مساوية لحروف فعله خلع، ومن قال: إنه اسم مصدر أراد أنه اسم للمصدر الذي هو الخلع - بالفتح - المشتق من خالع لا من خلع.

ومن هذا تعلم أن الخلع - بالفتح - هو المصدر القياسي: وأنه يستعمل لغة في إزالة الثوب، وإزالة الزوجية، وأن اسم المصدر هو الخلع - بالضم - يستعمل في الأمرين كذلك، إلا أنه خص لغة بإزالة الزوجية، وبعضهم يقول: إن الخلع - بالفتح - وهو المصدر القياسي، معناه لغة النزع، وكذلك الخلع - بالضم - وهو المصدر السماعي، أو اسم مصدر خالع، معناه في اللغة النزع أيضاً، ولكن استعمل الأخير في إزالة الزوجية مجازاً، لأن كلاً من الزوجين لباس للآخر، فإذا فعلا ما يزيل الزوجية فكأنهما نزعا ذلك اللباس عنهما، وعلى هذا يكون استعمال الخلع في إزالة الزوجية بحسب الأصل اللغوي من قبيل المجاز، وقد صار بعد ذلك حقيقة لغوية في إزالة الزوجية. والحاصل أن الخلع - بالفتح - هو مصدر خلع القياسي، ومعناه إزالة الثوب، أو نزعه حساً، أما الخلع - بالضم - فمعناه هو معنى المصدر القياسي، ولكن هل اللغة تستعمله في إزالة الزوجية المعنوية، فيكون مستعملاً بحسب أصل اللغة في الإزالة الحسية والمعنوية، ثم خص لغة بالإزالة المعنوية، كالطلاق، والاطلاق، فإنهما يستعملان، بحسب أصل اللغة في رفع القيد، سواء كان حسياً أو معنوياً، ثم خص الطلاق برفع القيد المعنوي والاطلاق برفع القيد الحسي ثم أقر الشارع المعنى الثاني، وعلى ذلك يكون استعمال الخلع - بالضم - في إزالة الزوجية المعنوية حقيقة وظاهر أن كلاً من الزوجين لباس للآخر في المعنى فالخلع يزيل هذا اللباس المعنوي. أو يقال: إن الخلع - بالضم معناه لغة النزع والإزالة الحسية فقط، ثم شبه فراق الزوجين بإزالة الثوب، والعلاقة أن كلاً منهما لباس للآخر، كما قال تعالى: {هن لباس لكم} وعلى هذا يكون استعمال الخلع - بالضم - في نزع علاقة الزوجية مجازاً لغة.
أما معناه اصطلاحاً ففيه تفصيل المذاهب (1).

تعريف الخلع عند الحنفية

(1) (الحنفية - قالوا: الخلع هو إزالة ملك النكاح المتوقفة على قبول المرأة بلفظ الخلع أو ما في معناه، فقوله إزالة ملك النكاح خرج به أمور ثلاثة:
الأول: إذا خالعها في العدة بعد إبانتها فإن الخلع لا يصح، وذلك لأن ملك النكاح قد زال بإبانتها فلو خالعها بمال ثم خالعها في العدة بمال آخر فإن الخلع الثاني لا يصح، نعم إذا خالعها بمال ثم طلقها في العدة على مال فإنه يقع الثاني والفرق بين الحالتين أنه في الحالة الثانية طلقها طلاقاً صريحاً على مال، والطلاق الصريح يلحق البائن وهو الخلع. سواء كان الصريح رجعياً، أو بائناً أما في الحالة الأولى فإنه خالعها ثانياً. والخلع ليس صريحاً، فلا يلحق الخلع البائن: على أنه إذا طلقها على مال بعد أن خالعها على مال فإن المال الثاني لا يجب عليها، وذلك لأن الغرض من دفع المال إنما هو ملك نفسها به، وقد ملكت نفسها بالخلع الأول فيكون طلاقاً صريحاً بائناً في العدة فقط، فيلحق الخلع الذي هو طلاق بائن، أما إذا طلقها طلاقاً رجعياً ثم خالعها في العدة على مال فإن الخلع يصح ويلزم المال، لأن الطلاق الرجعي لا يزيل ملك النكاح، ولا تملك المرأة به نفسها مادامت في العدة.

والحاصل أن الطلاق الصريح يلحق البائن بشرط العدة، سواء كان الصريح بائناً، أو رجعياً أما الطلاق غير الصريح، وهو ما كان بالكنايات فإنه ينقسم إلى قسمين: ما هو في حكم الصريح وهي الألفاظ الثلاثة التي تقدمت، كاعتدي الخ. فإنه يقع بها واحدة رجعية، وهذه تلحق البائن، ومنها ما ليس كذلك، وهي باقي الكنايات ، فإنه يقع بها البائن، وهذه تلحق الصريح، ولا تلحق الخلع البائن، فإذا خالع زوجته على مال ثم طلقها وهي في العدة بالكناية، فإن كانت من الكنايات التي تقع بها واحدة رجعية فإنها تكون كالصريح فتلحق بالخلع ما دامت في العدة، وإن كانت من الكنايات التي يقع بها البائن، فإنها لا تلحق بالخلع.
الأمر الثاني: المرتدة إذا خالعها زوجها وهي مرتدة فإن الخلع لا يصح، لأن الردة أزالت ملك النكاح، والخلع هو إزالة الملك، فلم يتحقق معناه، فإذا خالعته على مهرها لم يسقط المهر، ويبقى له ولاية الجبر على الزواج.
الأمر الثالث: النكاح الفاسد، فإذا نكح امرأة نكاحاً فاسداً ووطئها، فإن المهر يتقرر لها بالوطء، كما تقدم، فإذا خالعته على مهرها فإن الخلع لا يصح، ولكن في هذه المسألة خلاف، فبعضهم يقول: إن مهرها يسقط بالخلع فلا حق لها فيه بعد ذلك، وبعضهم يقول لا يسقط لأن الخلع فاسد. إذ هو إزالة ملك النكاح، والعقد الفاسد لا يترتب عليه ملك النكاح، فلا يسقط مهرها، وهذا هو الظاهر المعقول. وقوله: المتوقفة على قبول المرأة، معناه أن إزالة ملك النكاح بالخلع متوقفة على قبول المرأة في المجلس الذي شافهها فيه بالخلع، أو في المجلس الذي علمت فيه بالخلع إن خالعها وهي غائبة، فإن لم تقبل فإن الخلع لا يزيل ملك النكاح ولكن هذا مشروط بأحد أمرين:

الأول: أن يذكر المال صريحاً، بأن يقول لها: خالعتك على مائة ريال مثلاً. أو على صداقك. فإذا لم تقل: قبلت فإنه لا يقع به الطلاق، وإن نوى به الطلاق، وذلك لأنه علق طلاقها على قبول دفع المال، فإذا لم تقبل لم يحصل المعلق عليه، فلا يقع شيء.
الثاني: أن يذكر لفظاً يتضمن المال، وهو أن يقول لها: خالعتك، أو اختلعي، أو اخلعي نفسك، فإنه في هذه الحالة لا يقع شيء، إن لم تقبل، لأنه وإن لم يذكر المال، ولكن صيغة المفاعلة تتضمن ذكر المال، أو إذا قال لها: خلعتك ولم يذكر العوض فإنه يقع به الطلاق البائن، سواء قبلت، أو لم تقبل لأنه لا يتضمن ذكر المال، فإذا قال: خلعتك على عشرين جنيهاً مثلاً، وقبلت وقع الطلاق البائن ولزمها البدل.

وبعضهم يقول: إنه لا فرق في ذلك بين خالعتك، أو اختلعي، وبين خلعتك، في إيقاع الطلاق بهما بدون ذكر المال فإذا لم يذكر مالاً وقع بهما الطلاق البائن، وإن لم تقبل، ولكن يفرق بينهما بأنه إذ قال لها: خلعتك ولم يذكر مالاً، وقالت لها: قبلت وقع الطلاق ولا يلزمها شيء، أما إذا قال لها: خالعتك ولم يذكر مالاً وقبلت سقط حقها في المهر ونحوه من الحقوق التي تسقط بدون نص، كما يأتي.
وهل يشترط في إيقاع الطلاق بالألفاظ المشتقة من الخلع أن ينوي بها الطلاق، أو لا يشترط؟ والجواب: أنه إذا ذكر المال قامت قرينة على إرادة الطلاق، كما إذا كان في حالة غضب، أو سؤالها الطلاق، فإنه لا يشترط النية في ألفاظ الخلع، سواء كانت بهذا اللفظ، أو بغيره من الألفاظ الآتية باتفاق، فإذا ادعى بعد ذلك أنه لا يريد الطلاق وإنما يريد خلعها من ثيابها مثلاً، فإنه لا يسمع منه قضاء ولكن ينفعه ذلك ديانة بينه وبين اللّه، ولا يحل للمرأة أن تقيم معه. لأنها كالقاضي لا إطلاع لها على ما في نيته، أما إذا لم يذكر المال، أو لم يكن في حالة غضب ونحوها، فإنه ينظر إلى اللفظ الذي خالعها به، فإن كان العرف يستعمله في الطلاق بدون عوض واشتهر استعماله في ذلك كان طلاقاً صريحاً، وإلا كان كناية لا بد فيه من النية، والحنفية قالوا: إن ألفاظ الخلع خمسة:

أحدها: ما اشتق من الخلع. وهي كأن يقول لها: خالعتك، اختلعي، اخلعي نفسك، اخلعتك ولهذا قالوا: إنه يقع به الخلع بدون نية، لأن العرف يستعمله في الطلاق كثيراً فأصبح كالصريح فإذا قال لامرأته: خالعتك وذكر مالاً فالأمر ظاهر، وإذا لم يذكر مالاً فإنه يقع به الطلاق نوى أو لم ينو، قبلت أو لم تقبل. ومثل خالعتك باقي الألفاظ المذكورة على التحقيق، ولكنها إذا قبلت في قوله: خالعتك، أو اختلعي سقط به حقها في المهر، فإذا قال لها: اختلعي نفسك، فقالت خلعت نفسي، ولم يذكر بدلاً لا هو ولا هي وقع الخلع وسقط حقها. وبعضهم يرى أنها تطلق بلا بدل وبه أخذ كثير من العلماء، وإذا كانت العلة في إيقاع الطلاق بلفظ خلعتك ونحوه بدون نية هو استعمال العرف فإن عرف زماننا غير ذلك، بل المتعارف فيه استعماله في اسقاط الحقوق، فأما أن يذكر البدل إلى جانبه فتقول: خالعني على كذا أو يقول هو: خالعتك على كذا، وإما أن لا يذكر، فإذا لم يذكر البدل كان الغرض منه اسقاط مالها من مهر ونحوه، وعلى هذا لا يقع به طلاق عند عدم ذكر المال إلا بالنية. ثانيها: لفظ بارأتك، فإذا قال لها: بارأتك على عشرين جنيهاً وقبلت وقع طلاق بائن ولزمها العشرون وسقط مهرها باتفاق، وإذا لم تقبل لم يقع طلاق ولم يلزمها شيء باتفاق، أما إذا لم يذكر البدل بل قال لها: بارأتك، فإذا قالت: قبلت وقع الطلاق البائن وسقط حقها في المهر ونحوه وكذا إذا قالت له: بارئني، فقال: بارأتك، وهل يتوقف إيقاع الطلاق بهذه على النية أو لا؟ والجواب: أنها إذا كثر استعمالها في الطلاق، كالخلع، يقع بها الطلاق بدون نية، على أن عرف زماننا لم يستعمل بارأتك في الخلع، وإنما المستعمل أن يقول لها: أبريني وأنا أطلقك، فتقول له أبرأتك، فيقول لها: طلقتك على ذلك، وهذا يقع به طلاق بائن، لأنه وإن كان صريحاً ولكنه على مال فيسقط حقها، أما إذا قال لها: بارأتك ولم يذكر مالاً فقالت قبلت، فإنه لا يقع به الطلاق البائن إلا بالنية، فإذا قال لم أنو طلاقها يسمع منه قضاء إلا إذا كان في حالة غضب أو مذاكرة الطلاق، لأنه كناية بلا كلام، ومتى قال: نويت الطلاق سقطت حقوقها التي تسقط بالخلع، وإذا قالت له أبرأتك من حقوقي كلها، فقال لها: طلقتك على ذلك وقع الطلاق بائناً، وإن كان صريحاً لأنه طلاق على عوض كما قلنا، وفي هذه الحالة تسقط نفقة عدتها.

ثالثها: لفظ باينتك، فإنه موضوع للخلع، فإن لم يذكر مالاً وقبلت سقطت حقوقها في المهر متى نوى الطلاق، وإن لم تقبل ونوى به الطلاق طلقت وإلا فلا لأن المباينة لا يقع بها الطلاق إلا بالنية أما إذا قال لها: باينتك على عشرين ريالاً ولم تقبل لا يقع به الطلاق قولاً واحداً ولا يلزمها البدل لأنه علق إبانتها على المال، كما قلنا. رابعها: لفظ فارقتك، فإنه إذا ذكر مالاً فقال: فارقتك على مائة وقبلت بانت منه ولزمتها المائة وسقطت حقوقها الآتي بيانها من مهر ونحوه وإن لم تقبل لا يقع طلاق ولا يلزمها مال وإن لم يذكر مالاً فإن قبلت منه سقطت حقوقها التي تسقط بالخلع إن نوى به الطلاق أو قامت قرينة على إرادة الطلاق: وإن لم تقبل. فإن نوى به الطلاق لزمه طلاق بائن لأنه كناية، وإلا فلا يلزمه شيء.

خامسها: لفظ الطلاق على مال فإذا قال لها: طلقي نفسك على عشرين جنيهاً، فقالت: قبلت أو طلقت نفسي على ذلك وقع الطلاق بائناً ولزمها العشرون، وهل يسقط ذلك حقها في المهر زيادة على العشرين التي دفعتها؟ الصحيح أنه لا يسقط، نعم تسقط به نفقتها، سواء كانت مفروضة أو لا، فإذا كان محكوماً لها بنفقة زوجية متجمدة سقطت بالطلاق على مال، وإن لم ينص على سقوطها. وهذه بخلاف نفقة العدة، فإنه سيأتي الكلام عليها، فإذا قال لها طلقي نفسك على عشرين ولم تقبل فإنه لا يقع طلاق ويلزمه مال ولا يسقط مهرها ولا نفقتها، وإذا قال لها: طلقي نفسك ولم يذكر مالاً كان ذلك تمليكاً للطلاق لا من باب الخلع، وقد تقدم حكمه في مبحث الإنابة في الطلاق، على أن بعضهم لم يعد الطلاق على مال من الخلع لأنه لا يسقط الحقوق على المعتمد، والخلع الشرعي يسقط الحقوق، نعم يقع به البائن ويلزم به المال المنصوص فلهذا أصبح في حكم الخلع.

فهذه هي الخمسة المشهورة: وزيد عليها اثنان: أحدهما: ما اشتق من لفظ البيع فإذا قال لها: بعت نفسك بمائة جنيه، فقالت: اشتريت، أو قبلت وقع به الطلاق البائن ولزمتها المائة وسقط حقها الذي يسقط بالخلع، وإذا لم تقبل لا يقع الطلاق ولا يلزمها شيء، أما إذا قال لها: بعت نفسك ولم يذكر مالاً، فقالت: قبلت فإنه يقع بذلك الطلاق البائن ويسقط حقها الذي يسقط الخلع فإذا قال لها: بعت نفسك منك ولم يذكر مالاً ولم تقبل فإنه يقع به الطلاق البائن قضاء وإن لم ينو، وذلك لأن البيع زوال الملك، وهو لا يملك من زوجته إلا المتعة فباع ملك المتعة وهو معنى الطلاق، ومثل ذلك ديانة، ومثل ذلك ما إذا ذكر البدل، قبلت أو لم تقبل، فإنه لا تسمع منه دعوى عدم الطلاق قضاء، كما مر في نظائره، وإذا قال لها: بعتك طلقة ولم يذكر مالاً، فقالت: قبلت، لزمه طلاق رجعي، لأن عدم ذكر البدل جعله طلاقاً صريحاً فلو قال بعتك طلقة بمهرك، فقالت طلقت نفسي، ولم تقل، اشتريت وقع طلاق بائن وسقط مهرها.
ثانيهما: ما اشتق من لفظ الشراء فإذا قال لها: اشتري طلاقك بألف، فقالت: قبلت، أو اشتريت وقع طلاق بائن ولزمت الألف، هكذا كما ذكر في البيع، فيكون مجموع ألفاظ الخلع سبعة، وقد علمت حكم كل واحد منها تفصيلاً.
: - الخلع - بفتح الخاء - مصدر خلع كقطع، يقال خلع الرجل ثوبه خلعاً

تعريف الخلع عند المالكية

المالكية - قالوا: الخلع شرعاً هو الطلاق بعوض، وقد تقدم تعريف الطلاق، فقوله: الطلاق شمل الطلاق بأنواعه المتقدمة، وهو: الصريح، والكناية الظاهرة أو أي لفظ آخر إذا كان بنية الطلاق، فإذا قالت له زوجته: طلقني على مهري، أو على مائة ريال مثلاً، فقال: طلقتك على ذلك لزمه طلاق بائن ولزمها العوض، وكذا إذا أجابها بكناية ظاهرة من الكنايات المتقدم ذكرها، فإنه يقع الطلاق البائن ويلزمها العوض، وكذا إذا أجابها بأي لفظ ناوياً به طلاقها فإنه يلزمه طلاق بائن، ولفظ من ألفاظ الطلاق الصريح، فإذا أجابها بقوله: خالعتك، أو اختلعتك كان بمنزلة قوله لها: أنت طالق، وإذا قال لها: خالعتك، أو اختلعتك بدون ذكر عوض لزمه طلاق بائن. هذا، وقد عرفه بعضهم بأنه عقد معاوضة على البضع تملك به الزوجة نفسها ويملك به الزوج العوض، ولا يخفى أن هذا التعريف فيه بيان حسن لماهية الخلع.

تعريف الخلع عند الشافعية

الشافعية - قالوا: الخلع شرعاً هو اللفظ الدال على الفراق بين الزوجين بعوض، متوفرة فيه الشروط الآتي بيانها في شروط العوض، فكل لفظ يدل على الطلاق صريحاً كان أو كناية يكون خلعاً يقع به الطلاق البائن، وسيأتي بيان ألفاظ الطلاق في الصيغة وشروطها.

تعريف الخلع عند الحنابلة

الحنابلة - قالوا: الخلع هو فراق الزوج امرأته بعوض يأخذه الزوج من امرأته أو غيرها بألفاظ مخصوصة، أما الألفاظ المخصوصة فتنقسم إلى قسمين: صريحة في الخلع، وكناية فيه. فأما الصريحة، فهي: خلعت، وفسخت، وفاديت، فهذه الألفاظ إذا استعملها الزوج المتوفرة فيه الشروط الآتية مع ذكر العوض ولو كان العوض مجهولاً وقبلته الزوجة صح الخلع، وترتب عليه الفراق وإن لم ينو الخلع لأنها صريحة في الخلع فلا تحتاج إلى نية، فإن لم يذكر العوض أو ذكره ولم تقبل الزوجة في المجلس لم يكن الخلع صحيحاً فيلغو ولا يترتب عليه شيء، وإذا ذكر العوض وقبلت الزوجة كان ذلك فسخاً بائناً تملك به الزوجة نفسها، ولكنه لم ينقص عدد الطلقات الثلاث إلا إذا نوى الزوج الطلاق لا الفسخ فإنه يكون طلاقاً ينقص عدد الطلقات الثلاث وأما الكناية في الخلع فهي ثلاثة ألفاظ أيضاً باريتك، أبنتك، ابنتك، فهذه الألفاظ الثلاثة يصح بها الخلع بالنية، أو دلالة الحال، فأما الحال فهي أن يذكر العوض وأن يكون الخلع إجابة لها عن سؤالها، فإذا قالت له: خالعني، فقال لها: خالعتك على مائة ريال مثلاً وقبلت وقع الخلع وفسخ النكاح بينهما من غير حاجة إلى نية فسخ النكاح، أما إذا لم تسأله الخلع أو لم يذكر العوض فلا يصح الخلع بها إلا بالنية من الزوجين فلو قالت له: أبرأتك ولم تذكر عوضاً ناوية به فسخ النكاح، فقال: قبلت وهو ينويه أيضاً لزم الفسخ وإلا فلا يلزم به شيء.

أما الطلاق في مقابل عوض فإنه يقع به طلاق بائن، إذا قالت له: طلقني بمائة شاة مثلاً. فقال لها: طلقتك استحق المائة وطلقت منه طلقة بائنة، بشرط أن ينوي الطلاق، وذلك لأن الطلاق في هذه الحالة يكون كناية، فإذا قالت له: خالعني، أو اخلعني بألف، فقال: طلقتك وقع طلاق رجعي، ولا يلزمها الألف، لأنه طلقها طلاقاً لم تطلبه، وكذا إذا قالت له: اخلعني ولم تذكر عوضاً، فقال لها: طلقتك فإنه يقع رجعياً، إلا إذا كان ثلاثاً فإنه لا رجعة فيه.

والحاصل أن الخلع بألفاظه المخصوصة، سواء كانت صريحة أو كناية فسخاً لا ينقص عدد الطلقات إلا إذا نوى به الطلاق، فإنه يكون طلاقاً بائناً ينقص عدد الطلقات، بخلاف الطلاق على عوض بلفظ الطلاق، فإنه يكون طلاقاً بائناً ينقص عدد الطلقات بشرط النية وقبول الزوجة، فإذا سألته الخلع بدون عوض، أو بعوض فاسد، فقال لها: أنت طالق وقع به طلاق رجعي، فإذا قال لها: أنت طالق ثلاثاً لزمته الثلاث، مثل ذلك ما إذا سألته الخلع، أو الطلاق على مال فأجابها بكناية من كنايات الطلاق ناوياً بها الطلاق فإنه يقع طلاقاً بائناً ويلزمها العوض.
فالخلع بألفاظ الخلع صريحة كانت، أو كناية فسخ بائن، والخلع بألفاظ الطلاق صريحة كانت أو كناية طلاق بائن ينقص عدد الطلاق بشرط النية).

مبحث هل الخلع جائز أو ممنوع؟ وما دليل ذلك؟

*-الخلع نوع من الطلاق، لأن الطلاق تارة يكون بدون عوض، وتارة يكون بعوض، والثاني هو الخلع، وقد عرفت أن الطلاق يوصف بالجواز عند الحاجة التي تقضي الفرقة بين الزوجين، وقد يوصف بالوجوب عند عجز الرجل عن الإنفاق والاتيان، وقد يوصف بالتحريم إذا ترتب عليه ظلم المرأة والأولاد، وقد يوصف بغير ذلك من الأحكام المتقدم ذكرها هناك على أن الأصل فيه المنع، وهو الكراهة عند بعضهم، والحرمة عند بعضهم ما لم تفض الضرورة إلى الفراق.

فهذا الأحكام يوصف بها الخلع كما يوصف بها الطلاق (1)، إلا أنه يجوز الخلع في الوقت الذي لا يجوز فيه الطلاق (2)، فيصح الخلع وهي حائض، أو نفساء، أو في طهر جامعها فيه، بخلاف الطلاق.

أما الدليل على ذلك من الكتاب الكريم فقوله تعالى: {فإن خفتم أن لا يقيما حدود اللّه فلا جناح عليهما فيما افتدت به}، وحدود اللّه تعالى هي ما حده اللّه تعالى وفرضه على واحد من الزوجين من الحقوق وأمر كلاً منهما بالوقوف عنده وعدم مجاوزته، فمن الحقوق التي أمر بها الزوجة طاعة زوجها طاعة تامة فيما يريده من استمتاع، إلا إن ترتب عليه ضرر، ومنها إخلاص المودة له إخلاصاً تاماً، فلا يحل أن يكون جسمها معه وقلبها مع غيره، فإن وجدت عندها حالة قهرية وجب عليها أن تحارب نفسها وأن تمنعها منعاً تاماً عن كل هوى يحملها على خيانته في عرضه أو عمل ما لا يرضى عنه من التكلم مع أجنبي لا يرضى عنه أو السماح له بدخول منزله بدون إذنه أو غير ذلك، ومنها أن تقوم بكل ما يصلح الأسرة، فلا يحل لها أن ترهقه بالإنفاق فيختل نظام الأسرة وتسوء حالة المعيشة، كما لا يحل لها أن تهمل في تربية أبنائها وبناتها، أو تكون أسوة سيئة لهم.

ومنها: عدم خيانته بالمحافظة على ماله إلى غير ذلك، ومن الحقوق التي أمر بها الزوج، الإنفاق عليها، بما يناسب حاله، والمحافظة على عرضها بإعفافها، وعدم خيانتها، ونحو ذلك من الحقوق التي بيناها في الجزء الثاني من كتاب الأخلاق.

فإذا حدث بين الزوجين شقاق فمن السنة أن يتوسط بينهما من يستطيع التأثير عليهما من أهلهما فإن عجزوا عن الاصلاح واشتد الشقاق إلى درجة يخشى معها الخروج عن حدود اللّه تعالى فإنه في هذه الحالة يصح المفارقة بعوض أو بغير عوض، وإلى هذا المعنى يشير قوله تعالى: {فابعثوا حكماً من أهله وحكماً من أهلها} الآية، والمراد بالحكم الرجل الصالح للحكم، وإنما كان بعث الحكمين من الأهل، لأن الأهل لهم تأثير على النفوس أكثر من الأجانب لاطلاعهم على بواطن الأمور ومعرفتهم بالأساليب التي تصلح النفوس، على أن أسباب الشقاق قد تكون باطنية، فلا يستطع الزوجان إفشاءها أمام الأجانب، فحكمة اختيار الحكمين من الأهل ظاهرة، وهل للحكمين الحق في التطليق إذا اقتضت المصلحة؟ الجواب: نعم (3) وهل يصح للرجل أن يعامل زوجته بالقسوة حتى تكره معاشرته وتفتدي منه بالمال، وإذا افتدت منه بالمال فراراً من معاشرته القاسية فهل يصح الخلع ويكون له الحق في أخذ المثل؟ في الجواب عن ذلك تفصيل المذاهب (4).

حكم الخلع عند الشافعية

(1) (الشافعية - قالوا: قالوا: الأصل في الخلع الكراهة، ويكون مستحباً إذا أساءت المرأة المعاشرة، ولا يوصف بغير ذلك، فلا يكون حراماً. ولا يكون واجباً).

حكم الخلع عند المالكية

(2) (المالكية - قالوا: لا يصح الخلع في الزمن المنهي عنه، كالطلاق، كما تقدم في مبحث الطلاق البدعي).

ليس للحكمين حق تطليق الزوجة عند الحنفية، والشافعية

(3) (الحنفية، والشافعية - قالوا: ليس للحكمين حق تطليق الزوجة، لأن الولاية على الطلاق مختصة، بالأزواج أو من ينوب عنهم. والمال من حق الزوجة في الخلع، فإذا أناب الزوج الحكمين في الطلاق كان لهما ذلك على الوجه السابق في مبحث الإنابة في الطلاق).

إذا افتدت منه بالمال فراراً من معاشرته القاسية فهل يصح الخلع ويكون له الحق في أخذ المثل عند الحنفية

(4) (الحنفية - قالوا: إذا قسى الزوج على زوجته في المعاملة وضاررها لتفتدي منه حرم عليه أخذ شيء من المال، سواء كان من الصداق، أو من غيره، وإلى هذا يشير قوله تعالى: {فلا تأخذوا منه شيئاً} فإنه نهي للزوج عن أن يأخذ شيئاً من الصداق ولو كان كثيراً أما إذا أساءت الزوجة معاشرة زوجها ولم تؤد له حقوقه، أو خانته في عرضه، فله أن يأخذ عوضاً في مقابلة تطليقها بدون كراهة، وإلى ذلك يشير قوله تعالى: {فإن خفتم أن لا يقيما حدود اللّه فلا جناح عليهما فيما افتدت به} فالآية الأولى نهي للأزواج عن أن يأخذوا شيئاً من الصداق في حالتين: حالة ما إذا كان الشقاق من الزوج، وحالة ما إذا لم يخافا الوقوف عند حدود اللّه، والآية الثانية تبيح للأزواج أخذ العوض على الطلاق في حالة ما إذا خافا أن لا يقيما حدود اللّه، ومن ذلك إساءة معاشرة الزوجة ومضاررتها، فلكل آية معنى لا يعارض المعنى الآخر، فمن قال: إن الآية الثانية نسخت لا وجه له، وعلى كل حال فمتى قبلت المرأة الخلع على مال فقد لزمها المال ووقع الخلع، وأصبح البدل ملكاً للرجل، ولكن إن كان قبولها لدفع البدل مبنياً على مضاررته وإساءته معاشرتها فقد ملكه ملكاً خبيثاً، وإن كان مبنياً على نشوز الزوجة وكراهتها للرجل فإنه يملكه ملكاً حلالاً، أما إذا أكرهها الزوج على قبول الخلع، إذا كان هو المبتدي بقوله: خالعتك فقبلت مكرهة، وقع الطلاق بائناً إن كان بلفظ الخلع، ولا حق في المال، لأن الرضا شرط في وجوب المال عليها، وإن قال لها: طلقتك على مائة، وأكرهها على القبول وقع الطلاق رجعياً، ولا حق له في المال. وحاصله أن الإكراه على القبول إن كان بلفظ الخلع يقع به البائن ويسقط العوض، وإن كان بلفظ الطلاق على مال يقع به الرجعي ويسقط العوض.

بقي شيء، وهو هل للزوج أن يأخذ من المرأة أكثر مما أعطاها ولو كانت ناشزة؟ التحقيق الذي ذكروه في الجواب هو أن الأولى له أن لا يأخذ منها أكثر مما أعطاها إن كان النشوز من قبلها، أما إن كان من قبله فقد عرفت أنه لا يحل له أن يأخذ شيئاً أبداً، ولكن ظاهر الآية يفيد الإباحة، لأنه تعالى قال: {فلا جناح عليهما} في حالة ما إذا كان النشوز منهما معاً، فإذا كان منها وحدها كان عدم الجناح أولى، اللّهم إلا أن يقال: نفي الجناح نفي الإثم، فلا ينافي أن الأولى له أن يأخذ ما أعطاها بدون زيادة.

إذا افتدت منه بالمال فراراً من معاشرته القاسية فهل يصح الخلع ويكون له الحق في أخذ المثل عند المالكية

المالكية - قالوا: إذا أساء الرجل معاشرة زوجته وضاررها لتفتدي منه، فإن كان ذلك من أجل تركها للصلاة، أو للغسل من الجنابة فإنه يجوز له ذلك، فإن له أن يمسكها ويؤدبها حتى تؤدي ما فرض عليها، وإن شاء خالعها على مال، ويتم له ما أخذه، أما إذا أساء عشرتها وضاررها بضرب أو شتم بغير حق، أو أخذ مال، أو إيثار ضرة عليها في مبيت، أما إيثار ضرة عليها في حب قلبي فليس بضرر، فإذا فعل معها ذلك وافتدت منه بمال، وقع الطلاق بائناً، ورد لها المال الذي أخذه منها، فإن كان الخلع في نظير رضاع، أو نفقة حمل، أو إسقاط حضانة سقط عنها ما التزمته من ذلك وعاد لها حقها. ويثبت ضررها بشهادة واحد رأى بنفسه الضرر، أو سمعه من غيره. ولا يشترط كونه من الثقات، بل تكفي شهادة أحد الجيران بشرط أن تحلف الزوجة على ما تدعيه من ضرر، وهل يشترط تحليف الشاهد، أو لا؟ خلاف وبعضهم يقول: الصواب تحليفه أيضاً، فإن شهدت امرأتان فإن شهادتهما مع يمين الزوجة تكفي في إثبات الضرر بشرط أن تكون شهادة قطع لا شهادة سماع، بأن تشهدا بأنه ضاررها أمامهما، وقيل: تكفي شهادتهما بالسماع، على أن شهادة الواحد مع يمين الزوجة وشهادة المرأتين مع يمينها تسقط العوض المالي، أما ما لا يؤول إلى المال، فإنه لا يسقط، كخلعها بإسقاط حضانتها.

وإذا ضاررها جاز لها التطليق به، ولكنها وهي في عصمته لم تستطع الخلاص منه إلا بالاعتراف بأن لا حق لها في ادعاء الضرر، ولا حق لها في إحضار بينة تشهد على الضرر فخالعها على مال أخذه، وسجل عليها اعترافها المذكور، فإنه لا يعمل بهذا الاعتراف، لأنه ناشئ عن إكراه، أما طريق إثبات الاعتراف فهي البينة فإن كانت قد أحضرت بينة وقالت لها قبل الخلع: أنها ستعترف لزوجها بأن لا حق لها في ادعاء الضرر ولا في الإشهاد عليه مكرهة على ذلك لتتخلص من شره، وشهدت البينة بذلك، فإن للزوجة الرجوع عن إقرارها باتفاق، ومثل ذلك إذا قامت لها بينة لم تكن تعلم بها، وشهدت بأنها اعترفت مكرهة للتخلص من شره، ويقال للبينة الأولى: بينة استرعاء، أي بينة استشهاد قبل الخلع بأنها لم تشترط على نفسها ذلك إلا للضرر.

هذا كله إذا ضاررها هو. أما إذا كانت هي الناشزة وأساءت معاشرته بشتم ونحوه، فإنه يتم له ما أخذه بلا كراهة.
بقي شيء آخر، وهو ما إذا علم بأنها زانية، فهل له أن يضاررها حتى تفتدي منه؟ وإذا افتدت منه بمال الضرر هل يتم له أخذه؟ والجواب: ليس له ذلك، لأنه إذا علم بزناها ورضي بالبقاء معها من أجل العوض المالي كان في حكم الذي رضي بالديوثة، فليس له إلا أن يطلقها بدون مال، أو يمسكها، كما تقدم في مباحث الطلاق، فإن ضاررها وافتدت منه بمال وثبت ذلك رجعت عليه به وبانت منه بدون مال.
الحنابلة - قالوا: إذا أساء الرجل معاشرة زوجته فضاررها بالضرب والشتم وبالتضييق عليها وإيثار ضرتها عليها في قسم، أو منعها حقها في النفقة، أو نقصها شيئاً من حقوقها لتفتدي نفسها منه، ففعلت كان الخلع باطلاً، وإن أخذ منها شيئاً وجب أن يرده لها، وبقيت زوجة له على عصمته، كما كانت قبل الخلع، وذلك لأنها أكرهت على العوض فلا يستحق الزوج أخذه، وقد نهى اللّه تعالى عن ذلك بقوله: {ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن} والنهي يقتضي الفساد عند الحنابلة، نعم إذا كان الخلع بلفظ الطلاق، أو بلفظ الخلع ونحوه، ولكن نوى به الطلاق فإنه يقع به الطلاق رجعياً، فإذا ضاررها الزوج لا بقصد أن تفتدي منه، ولكن فعله لسوء خلقه فافتدت منه، فإن الخلع يصح، وله أخذ العوض، ولكنه يأثم بمضاررة زوجته وإيذائها فالواجب أن يعمل الأزواج بقوله تعالى: {عاشروهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف}.

هذا إذا كان الضرر من جهة الزوج، أما إذا كان من جهة الزوجة، فإن كانت تاركة لفرض من فروض اللّه، أو كانت فاسدة الأخلاق زانية، فإن له أن يضاررها لتفتدي منه، وإذا افتدت حل له أخذ العوض وصح الخلع، لأن اللّه تعالى قال: {ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة}، فإنها إذا فعلت فاحشة كان للزوج عضلها وتأديبها حتى تكف عن الفاحشة، أو تفتدي منه،ومثل ذلك ما إذا كان النشوز من جهتهما معاً، وهو المذكور في آية {إلا أن يخافا أن لا يقيما حدود اللّه}.

حكم الخلع عند الشافعية

الشافعية - قالوا: الأصل في الخلع الكراهة، فيكره للرجل أن يخالع زوجته لغير حاجة، كما يكره للمرأة أن تبذل مالها للرجل ليخالعها بدون ضرورة، ولكن يستثنى من الكراهة صورتان: الصورة الأولى: أن يحدث بينهما شقاق يخشى منه أن يفرط كل من الزوجين في الحقوق التي فرضها اللّه عليه للآخر، كما إذا خرجت الزوجة عن طاعة الزوج، وأساءت معاشرته، أو أساء هو معاشرتها بالشتم أو الضرب بلا سبب، ولم يزجرهما الحاكم ولم يتمكن أهلهما من الصلح بينهما فإنه في هذه الحالة يستحب الخلع، ومتى قبلت المرأة لزمها المال وليس لها أن تطلب رده بدعوى أنه ضاررها، نعم لا يحل للرجل أن يضار امرأته لتفتدي منه، ولكن إن وقع بشرائطه الآتية تم عليهما فليس لواحد منهما الرجوع.

الصورة الثانية: أن يخلف بالطلاق الثلاث على أن لا يدخل هذه الدار، أو على أن لا يدخل هذه الدار هذه السنة، فإن له في هذه الحالة أن يخلعها بدون كراهة، فتبين منه ويدخل الدار، وهي ليست زوجته، فلا يقع عليه يمين الثلاث، ثم تبين منه بطلقة واحدة على الصحيح من أن الخلع طلاق لا فسخ. ومن قال: أنه فسخ يقول: أنها تبين منه ولا ينقص عدد الطلقات، بشرط أن يكون بلفظ الخلع أو بلفظ المفاداة، وأن لا ينوي به الطلاق، ومثل ذلك إذا حلف ليفعلن كذا، كما إذا حلف بالطلاق الثلاث ليتزوجن عليها، فإن له أن يخلعها ولا يقع عليه الثلاث بعدم التزوج عليها، أما إذا حلف بالطلاق الثلاث ليتزوجن عليها في هذا الشهر، ففيه خلاف. والمعتمد أنه إذا خالعها، وقد بقي من الشهر زمن يمكنه أن يتزوج فيه، فإن الخلع يخلصه من الطلاق الثلاث، وإلا فلا).

أركان الخلع وشروطه

*-أركان الخلع خمسة (1) الأول: ملتزم العوض، والمراد به الشخص يلتزم المال، سواء كانت الزوجة أو غيرها. والثاني: البضع الذي يملك الزوج الاستمتاع به، وهو بضع الزوجة، فإذا طلقها طلقة بائنة زال ملكه فلا يصح الخلع. الثالث: العوض، وهو المال الذي يبذل للزوج في مقابل العصمة. الرابع: الزوج. الخامس: العصمة، هذه هي أركان الخلع، فلا يتحقق بدونها، ويتعلق بكل ركن منها شروطه كالآتي.

أركان الخلع عند الحنفية

(1) (الحنفية - قالوا: إذا كان الخلع في نظير عوض، فإن ركنه هو الإيجاب والقبول فإن كان الزوج قد بدأ بالخلع، كما إذا قال لها: خالعتك على ذلك كانت المرأة قابلة، وإذا كانت المرأة مبتدئة كان الزوج قابلاً، أما إذا لم يكن في نظير عوض وكان طلاقاً، كان ركنه ركن الطلاق وهو الصفة الحكمية التي دل عليها اللفظ، كما تقدم في أركان الطلاق، فارجع اليه).

شروط ملتزم العوض والزوج وفيه خلع الصغيرة، والسفيهة، والمريضة

*-يشترط في كل من ملتزم العوض والزوج أن يكون أهلاً للتصرف، فأما ملتزم العوض فيجب أن يكون أهلاً للتصرف المالي، وأما الزوج فيجب أن يكون أهلاً للطلاق، وهو العاقل المكلف الرشيد، فلا يصح للصغيرة، أو المجنونة، أو السفيهة أن تخالع زوجها بمال، كما لا يصح للصغير، أو المجنون أن يطلق زوجته، بخلاف السفيه فإنه يصح أن يطلق، ولا يصح أن يلتزم المال، وفي كل ذلك تفصيل في المذاهب (1).

التزام العوض للصغيرة عند الحنفية

(1) (الحنفية - قالوا: لا يصح للصغيرة أن تلتزم العوض المالي، فإذا قال لها الزوج: خالعتك على عشرين جنيهاً، وقالت: قبلت، وهي مميزة تعرف أن الطلاق يوجب الفرقة بينهما ويحرمها من زوجها فإنها تبين منه، ولكن لا يلزمها العوض المالي، لأنها ليست أهلاً لالتزامه، ومثل ذلك ما إذا قال لها هو: خالعتك على كذا فقبلت، فإنها تبين ولا يلزمها المال، لأنه تبرع، والصغير ليس أهلاً للتبرعات. هذا إذا خالعها بلفظ الخلع ونحوه من الكنايات المتقدمة، أما إذا قال لها: طلقتك على عشرين وقبلت، أو قالت له: طلقني على عشرين، فقال لها طلقتك. فإنه يقع رجعياً، لأنه طلاق صريح لا في نظير عوض، لأن الصغيرة لا يلزمها العوض، كما قلنا، فيقع رجعياً، ومثل ذلك ما إذا قال لها: طلقتك بمهرك فقبلت، فإنها تطلق رجعياً، ولا يسقط المهر، وهل للأب أن يختلع بنته الصغيرة؟ والجواب: أنه إذا اختلعها بمالها، أو بمهرها وقع الطلاق، ولا يلزمها شيء، كما لا يلزم الأب شيء في الأصح وذلك لأنه معلق بقبول الأب وقد وجد، وبعضهم يرى أنه معلق بلزوم المال، فإذا لم يلزم فلا طلاق.

هذا، وإذا اختلعها الأب على مالها وهي صغيرة، ثم كبرت وأجازت صح الخلع ولزمها البدل، أما إذا اختلعها الأب بماله فإنه يصح الخلع ويلزمه المال بلا كلام، وكذا إذا اختلعها على مال وضمنه فإنه يلزمه. وليس للأب أن يختلع بنته الكبيرة سواء كانت بكراً أو ثيباً، فإذا فعل ذلك وقع الخلع موقوفاً على إجازتها فإن أجازته فإنه يصح ويلزمها المال، وإن لم تجزه لا يقع ولا يلزمها المال، فإن ضمن الأب أو الأجنبي المال، كما إذا قال له: اخلع بنتي أو فلانة بألف علي. أو اخلعها بألف على أني ضامن. أو اخلعها على جملي هذا. فقال الزوج: خلعتها على ذلك صح الخلع، ولزم الأب أن يدفع البدل، فإن لم يكن الجمل ملكاً له لزمته قيمته، ولا يتوقف على قبول المرأة، وهذا بخلاف ما إذا قال له: اخلعها بألف. أو اخلعها على هذا الجمل، فإنه لا يصح الخلع إلا إذا قبلت، فإن قبلت لزمها العوض، وإن عجزت عن تسليمه لزمتها قيمته، فإن لم تقبل لا يلزمها البدل باتفاق، وهل تطلق أو لا؟ فبعضهم يقول: أنها تطلق، لأن الطلاق موقوف على القبول، وقد قبل أبوها، أو الأجنبي. وبعضهم يقول: لا تطلق، لأن الطلاق معلق على قبول الزوجة ولزم المال، ووجهة نظر الأول أنه يقول: إن الطلاق بيد الزوج وقد رضي أن يعلقه على قبول الأب أو الأجنبي للعوض. وقد تحقق ذلك القبول، فينبغي أن يقع عليه الطلاق، أما كون التزام العوض صحيحاً أو لا، فتلك مسألة مالية خارجة عن ماهية الخلع، فإذا قبلته المرأة لزمها المال، وإذا لم تقبله لا يلزمها المال ووقع عليه الطلاق، وهو وجيه، ويظهر من كلامهم ترجيحه. وكما لا يصح للصغيرة أن تخالع زوجها بمال فكذلك لا يصح للسفيهة، والسفيهة هي التي تبلغ مبذرة مفسدة لمالها تضيعه في غير وجهه الشرعي، فإذا خالعت السفيهة زوجها على مال وقع الطلاق ولا يلزمها المال، ثم إن كان بلفظ الخلع ونحوه من ألفاظ كنايات الخلع كان بائناً، وإن كان بلفظ الطلاق كان رجعياً.
وهل يشترط لثبوت السفه حكم القاضي بالحجر، أو لا يشترط، بل يكفي أن تكون مبذرة لمالها تضيعه في غير وجوه الشرع؟ خلاف، والمعتمد الثاني، وهو أنه متى ثبت كونها مبذرة فإنه لا يصح خلعها، ولو لم يحكم الحاكم بثبوت سفهها.
وإذا اختلعها الأب، فإن ضمن المال صح الخلع ولزم المال، وإلا فلا، كالتفصيل المتقدم في خلع الكبيرة الرشيدة.

وحاصل هذا كله أنه يشترط لصحة الخلع أن يكون ملتزم العوض بالغاً رشيداً، فإن التزمت الزوجة الصغيرة بعوض الخلع لا يلزمها العوض، ثم إن كانت مميزة تدرك آثار الطلاق، وقبلت وقع الطلاق، و
إن لم تقبل لا يقع، وكذا إذا كانت صغيرة غير مميزة، فإنه لا يقع طلاقها، ولو قبلت وقع الطلاق رجعياً إن كان بلفظ الطلاق، وبائناً إن كان بلفظ الخلع ونحوه من الكنايات، وقد عرفت أنه إذا ذكر البدل لا تسمع منه دعوى عدم نية الطلاق قضاء، وهل للأب أن يخالع عنها أو لا؟ والجواب: أنه إذا خالع عن الصغيرة من مالها وقع الطلاق ولا يلزمها مال، وإن كان ماله فإنه يصح، وتطلق بائناً، ومثل ذلك ما إذا ضمن المال، ومثلها الكبيرة السفيهة. فإنها إذا خالعت وقع طلاقها ولا يلزمها شيء، وليس للأب أن يخالع عنها، فإن كان من ماله صح. ولا يتوقف على قبولها، ومثل الأب الأجنبي، أما الكبيرة الرشيدة فلا يصح لأحد أن يخالع عنها من مالها بدون إذنها، فإذا خالع عنها الأب من ماله بدون إذنها فإنه يصح ويلزمه المال، ولا يتوقف على قبولها. ومثل الأب الأجنبي في ذلك.

هذا إذا كانت الكبيرة الرشيدة صحيحة، فإن كانت مريضة مرضاً ماتت فيه، وخالعته على مال في ذلك المرض الذي ماتت فيه فإنه يصح، بشرط أن يكون من الثلث، لأنه تبرع، وليس لها أن تتبرع بما يزيد عن الثلث،فإذا خالعته على مال فإنه ينظر إلى الثلث وإلى ما يستحقه من الميراث إذا ماتت وهي في العدة، فإن كان الثلث أكثر من ذلك المال، ينظر إلى ما يستحقه من الميراث، فإن كان ما يستحقه من الميراث أكثر، فإنه يأخذ ذلك المال الذي خالعته عليه، لأنه أقل من ثلث المال ومن الميراث، وإن كان الثلث أقل من المال الذي خالعته عليه، فإنه ينظر هل الثلث أيضاً أقل مما يستحقه من الميراث؟ فإن كان كذلك أخذ الثلث، أما إن كان ما يستحقه من الميراث أقل فإنه يأخذ ما يستحقه من الميراث، فهو دائماً يأخذ الأقل، سواء كان الأقل هو الثلث أو المبلغ الذي خالعته عليه، أو الميراث. مثلاً إذا خالعته على ستين، وكان يستحق ميراثاً خمسين، وكان ثلث المال مائة فإنه يأخذ الخمسين لأنها أقل، فإذا خالعته على ستين، وكان يستحق من الميراث خمسين، وكان ثلث المال أربعين أخذ الأربعين، وعلى هذا القياس.

هذا إذا كانت مدخولاً بها ماتت وهي في العدة، أما إذا كانت غير مدخول بها فإنها تبين بمجرد طلاقها، فلا يكون له حق في إرثها، فلا ينظر إلى ما يستحقه من الميراث، بل ينظر إلى العوض الذي خالعته عليه وإلى الثلث، فيأخذ الأقل، فإن خالعته على ستين، وكان ثلث مالها مائة أخذ الستين، وإن كان الثلث خمسين، أو أربعين أخذ الثلث، ومثل ذلك ما إذا كانت مدخولاً بها لكنها ماتت بعد انقضاء العدة، لأنه في هذه الحالة لا يكون له حق في ميراثها، فإذا برئت من المرض كان له كل المال الذي خالعته عليه. أما إذا خالعها زوجها وهو مريض، ثم مات في ذلك المرض الذي طلقها فيه، فإنها ترثه، لأن الذي يطلق امرأته في مرض موته يعتبر فاراً من ميراثها، فلا يسقط حقها، وإذا طلقها وهو صحيح ثم مات وهي في العدة، فإنها ترث وإلا فلا.
وبهذا تعلم حكم خلع الصغيرة، والسفيهة، والمريضة، وتعلم أنه لا يلزمهن العوض، وتعلم حكم ما إذا باشر الأب أو الأجنبي الخلع عنهما، وتعلم توضيح اشتراط أهلية ملتزم العوض.

أما اشتراط أهلية الزوج المخالع، أو المطلق فهي ضرورية، فلا يصح طلاق الصغير، ولا المجنون، ولا المعتوه، بخلاف السفيه، فإن طلاقه يقع، لأنه محجور عليه في التصرف المالي فقط، وهل للأب أن يخالع عن ابنه الصغير؟ والجواب: لا يصح، فلو قالت زوجة الصغير للأب: خالعني على عشرين جنيهاً. أو على صداقي نيابة عن ولدك، فقال لها: خالعتك على ذلك كان ذلك لغواً من القول لا أثر له، وإذا خالع الصغير زوجته أو طلقها، فخلعه، أو طلق فطلاقه باطل لا يصح ولا تتوقف صحته على إجازة الولي أصلاً، ومثله المجنون، والمعتوه.

التزام العوض للصغيرة والسفيهة عند المالكية

المالكية - قالوا: لا يصح للصغيرة، ولا للسفيهة، ولا للرقيقة أن يباشرن مخالعة الزوج بعوض مالي، ومثلهن الأجنبي المتصف بهذه الصفات، فإن خالعهن الزوج على مال وقبضه فلا يصح الخلع ويجب عليه رد المال الذي قبضه، إلا إذا أذن الولي أو السيد في الخلع، فإن أذن فإنه يصح الخلع ويلزم العوض، فإن كانت السفيهة لا ولي لها - ويقال لها: المهملة - والتزمت العوض فإنه لا يصح أيضاً، كما لو كان لها ولي لم يأذنها، وهو المعتمد، وقيل: إن بانت من زوجها عاماً فإنه يصح، وهو ضعيف، فإذا خلع الزوج زوجته الصغيرة على مال بدون إذن الولي، وقع عليه طلاق بائن، ولا حق له في العوض، وإذا قبضه يجب عليه رده، ومثلها السفيهة إذا كان لها ولي لم يأذنها، أو كانت مهملة لا ولي لها، سواء مكثت عند زوجها عاماً أو أعواماً. أو لا، على المعتمد، ومثلهما الرقيقة إذا خالعت بدون إذن سيدها، فإن اشترط الزوج في هذه الحالة صحة البراءة أو إيصال المال له، كما إذا قال للصغيرة ونحوها: إن تم لي هذا المال فأنت طالق. أو إن صحت براءتك فأنت طالق، فإنه لا يقع عليه الطلاق ولا يلزمها العوض. وإن قبضه لزمه رده، بشرط أن يشترط قبل التلفظ بالطلاق، فيقول: إن صحت براءتك فأنت طالق، أما إذا نطق بالطلاق أولاً، كما إذا قالت له: خالعتك على عشرين جنيهاً. فقال لها: أنت طالق على ذلك إن تم ذلك المال، فإنه يقع الطلاق ويلغو شرطه، وهذا هو المعتمد.

وللولي المجبر، وهو الأب، ووصيه - بعد موته - والسيد أن يخالع عمن له عليها ولاية الجبر إذا طلقت، وهي البكر إذا طلقت قبل الدخول. والثيب الصغيرة. ومن زالت بعارض، فإذا كان لها مال فله أن يخالع عنها من مالها، ولو بدون إذنها، أما الوصي غير المجبر فله أن يخالع عنها بإذنها، فإذا كانت غير مجبرة، بأن كانت ثيباً بوطء الزوج، ولكنها كانت سفيهة، فهل له أن يخالع عنها من مالها بغير إذنها؟ في ذلك خلاف، والمشهور أنه لا يصح بغير إذنها، أما بإذنها فإنه يجوز، وكذا إذا خالع بدون إذنها من ماله فإنه يصح. وقد اعترض على الأول بأن إذن السفيهة لا قيمة له، فكيف يتوقف خلعه على إذنها؟! وهو وجيه لا جواب له.

وهل للمرأة المريضة مرضاً مخوفاً أن تخالع زوجها على مال، وإذا خالعته يقع الطلاق ويلزم العوض. أو لا؟ والجواب: أنه يحرم على الزوجين أن يتخالعا في زمن المرض، ولكن إذا وقع الخلع بينهما في مرض الزوجة فإن الطلاق البائن ينفذ ولا يتوارثان، ولو ماتت وهي في العدة، لأن الطلاق البائن يقطع علاقة الزوجة، أما المال الذي التزمت الزوجة به فإنه ينظر فيه فإن كان يساوي ميراثه منها يوم وفاتها لا يوم الخلع، أو ينقص عنه ويملكه الزوج ولا يتوارثان بعد ذلك، كما ذكرنا، أما إن زاد على ميراثه فإن الزيادة لا تكون حقاً له، ويجب عليه ردها إن كان قد قبضها، ويجب أن لا يتصرف الزوج في المال قبل موتها، لأن المعتبر في تقدير المال يوم وفاتها لا يوم الخلع، وحينئذ يوضع المال الذي خالعته به تحت يد أمين إلى وفاتها، ثم ينظر فيه بعد وموتها إن كان يساوي ما يستحقه من الميراث، أو أقل أخذه، وإلا أعطي ما يستحقه فقط، ورد الزائد على أن المال الذي يلزم وضعه تحت يد أمين إنما هو المال الذي يساوي ميراثه فقط وقت الخلع دون الزيادة، مثلاً إذا كانت تركتها تساوي ثمانمائة جنيه يوم الخلع وخالعته بما يساوي ثلاثمائة جنيه، وكان من ميراثه الربع، وهو يساوي مائتين، وضع الربع فقط تحت يد أمين، أما الزيادة، وهي المائة فلا توضع حتى إذا ماتت ينظر، هل مجموع مالها الذي بقي يستحق فيه المائتين. أو يستحق أقل؟ فإن كان يستحق المائتين فقط أخذها، وإن كان يستحق أقل رد الزيادة وهذا التفصيل هو المعتمد، وبعضهم يقول: إن الزوج لا يستحق شيئاً من البدل، ويجب عليه أن يرده - إن كان قبضه - للمرأة أو لورثتها إن كانت قد ماتت، وقد عرفت أنه غير المعتمد.

أما الزوج المريض مرضاً مخوفاً فإنه إذا خالع زوجته، فإن الخلع ينفذ والعوض يلزم ولكنه حرام، كما تقدم، إلا أن الزوجة ترث منه إذا مات، سواء كانت في العدة، أو انقضت عدتها، حتى ولو تزوجت غيره عدة أزواج، أما هو فلا يرثها إذا ماتت قبله، لأنه هو الذي أضاع ما بيده.

هذا ما يتعلق بملتزم العوض المالي من التفصيل، أما ما يتعلق بالزوج المخالع فيشترط فيه الشروط التي تقدمت في الطلاق، ومنها أن يكون مسلماً، فلا يصح خلع الكافر، ومنها أن يكون مكلفاً، فلا يصح خلع الصبي، والمجنون، وهل لأب الصغير، والمجنون أن يخالع زوجتيهما؟ والجواب: نعم يصح بشرط أن يكون الخلع في مصلحتهما، ومثل الأب السيد والوصي والحاكم ونائبه فإن لهم أن يخالعوا عنهما إذا كان في الخلع مصلحتهما. وهل لأب الصغير والمجنون أن يطلق عنهما بغير عوض؟ خلاف، وبعضهم يقول: أنه لا يصح، وبعضهم يقول: يصح إن كان في طلاقه عنهما مصلحة، كما إذا فسدت أخلاق الزوجة، وهو ظاهر.

أما السفيه البالغ فإنه يصح أن يتولى الخلع بنفسه، ثم إن كان المال الذي خالع به يساوي المال الذي يخالع به مثله فذاك، وإن خالع بدونه يجب على ملتزم العوض أن يكمله له ولكن المال الذي يخالع به السفيه لا يسلم له، فإذا سلم له لا تبرأ ذمة الزوجة أو ملتزم العوض منه، بل لا بد من تسليمه لوليه. وليس لأب السفيه أن يخالع عنه، لأن السفيه البالغ يملك الطلاق، ومثله العبد البالغ، فإنه لا يصح لسيده أن يخالع عنه.
: - يشترط في كل من ملتزم العوض والزوج أن يكون أهلاً للتصرف، فأما ملتزم

التزام العوض للصغيرة والسفيهة عند الشافعية

الشافعية - قالوا: يشترط في ملتزم العوض المالي أن يكون مطلق التصرف المالي، فلا يكون محجوراً عليه حجر سفه، سواء كانت الملتزمة الزوجة، أو غيرها، سواء كان قابلاً أو ملتمساً فإذا قالت الزوجة لزوجها: خالعني على عشرين كانت ملتزمة ملتمسة لقبول عوضها، وإذا قال الزوج خالعتك على ذلك كان قابلاً، وإذا قال الزوج لأجنبي: خالعت زوجتي على كذا في ذمتك، فقال الأجنبي قبلت كان الزوج ملتمساً والأجنبي والملتزم قابلاً، وبالعكس إذا قال الأجنبي خالع زوجتك على مائة جنيه في ذمتي، فقال الزوج: خالعتها على ذلك فإن الأجنبي يكون ملتزماً ملتمساً والزوج قابلاً، وعلى كل حال فيشترط في ملتزم المال، سواء كانت الزوجة، أو الأجنبي، وسواء كان ملتمساً أو قابلاً، أن يكون مطلق التصرف المالي. فإذا كان محجوراً عليه لسفه فإنه لا يصح التزامه لعوض الخلع ولو بإذن وليه، فلو أذن ولي الزوجة المحجور عليها لسفه هذه الزوجة في مخالعة زوجها على مال ففعلت لا يلزمها المال، لأنها ليست من أهل الالتزام وليس لوليها أن يبذل مالها في مثل عوض الخلع إلا إذا خشي ضياع مالها بواسطة الزوج، فأذنها بالاختلاع منه صيانة لمالها، فإنه يصح في هذه الحالة.
وبهذا تعلم أن خلع المحجور عليها لسفه لا يلزم به مال، ولكن يقع به الطلاق رجعياً إلا في صورة واحدة، فإنه يقع به الطلاق البائن ويلزم العوض، وهي ما إذا أذنها وليها بالخلع على مال معين خوفاً من أن يبدد زوجها مالها.

هذا إذا كانت الزوجة مدخولاً بها. أما إذا كانت غير مدخول بها فإنه يقع طلاقاً بائناً، لأن الطلاق قبل الدخول بائن، كما تقدم، فإن كانت محجوراً عليها لفلس لا لسفه فإن خلعها يصح ويقع به الطلاق البائن، أما التزامها للمال فإن له صورتين:
الصورة الأولى: أن تلتزم بمال غير معين، كأن تقول له: خالعني على عشرين جنيهاً، وفي هذه الحالة يلزمها مبلغ العشرين ديناً في ذمتها تدفعها له بعد رفع الحجر.
الصورة الثانية: أن تخالعه على عين من مالها المحجور عليه كأن تقول له: خالعتك على هذه الفرس مثلاً، وفي هذه الحالة تبين منه بمهر المثل ديناً في ذمتها.

وهل المريضة مرض الموت مطلقة التصرف في مالها فيصح لها أن تخالع زوجها بالعوض الذي تريده. أو لا؟ الجواب: أن المريض مرض الموت له التصرف في ماله بغير التبرع، أما التبرع فليس له أن يتبرع ما يزيد على الثلث، وعلى هذا يكون في الجواب تفصيل، وهو أن العوض إن كان يساوي مهر المثل فإنه ينفذ بلا كلام. لأن مهر المثل في نظير حل العصمة فليس فيه تبرع، أما إن كانت الزيادة على مهر المثل فإن الزيادة على مهر المثل تكون تبرعاً، وفي هذه الحالة ينظر إن كانت الزيادة أقل من الثلث فإن له أخذها بدون اعتراض، وإن كانت أكثر وأجازت الورثة، فإنه يأخذها، فإن لم تجز الورثة، أو كان الثلث أقل منها فسخ العوض المسمى ورجع بمهر المثل فقط، وعلى هذا يقال: إن المريضة. مرض الموت مطلقة التصرف في العوض الذي يساوي مهر المثل، أما أنها تكون وصية فتجري عليها أحكام الوصية. بقي حكم الأمة إذا خالعت زوجها، فهل يصح، أو لا؟ والجواب: أن الأمة وإن كانت غير مطلقة التصرف، ولكنها ليست كالسفيه، لأنها إذا خالعت زوجها بإذن سيدها بمال عينه لها وقع الطلاق بائناً ولزمت العين التي عينها من ماله، وإذا زادت على ما عينه صح الخلع وتعلقت الزيادة بكسبها من ذلك المال، وإذا لم يأذنها سيدها، فإن الخلع يصح ويقع الطلاق بائناً بمهر المثل، ويتعلق العوض بذمتها على الوجه المتقدم.

هذه شروط ملتزم العوض، وأما الزوج المخالع فيشترط فيه الشروط المتقدمة في الطلاق، وهو أن يكون مكلفاً، فلا يصح الخلع من الصبي والمجنون. والمعتوه، إلا السكران فإنه يصح خلعه تغليظاً عليه، وإذا خالع السفيه المحجور عليه، أو الرقيق فإن خلعهما يصح، ولكن لا يبرأ ملتزم العوض بالدفع للولي والسيد، إلا إذا قيد أحدهما الطلاق بالدفع له، كما إذا قال: إن دفعت لي كذا فأنت طالق فإنها تدفع له وتبرأ بذلك.

التزام العوض للصغيرة والسفيهة عند الحنابلة

الحنابلة - قالوا: يشترط في ملتزم العوض أن يكون أهلاً للتصرفات المالية، فلا يصح الخلع بعوض من الصغيرة، والمجنونة، والمحجور عليها لسفه، ولو بإذن الولي، لأن مال الخلع تبرع ولا إذن للولي في التبرعات، وهذا هو المشهور.
وقال بعضهم: إن الأظهر صحته بإذن الولي إذا كان فيه مصلحة، فإن خالعت الصغيرة، أو السفيهة أو المجنونة زوجها، فإن كان الطلاق كأن قالت له: طلقني على كذا، فقال لها: طلقت وقع طلاق رجعي، وإن لم يكن بلفظ الطلاق، بل بلفظ الخلع وغيره مما تقدم، كان كناية إن نوى به الطلاق طلقت وإلا فلا، وإن كان بلفظ الطلاق الثلاث لا رجعة فيه، كما تقدم، أما الأمة فإنه يصح أن تخالع بإذن سيدها ويكون العوض الذي أذنها فيه في ذمة السيد وليس للأب أن يخالع عن بنته الصغيرة من مالها، وكذلك المجنونة والسفيهة، وليس له طلاقها كذلك، وإذا فعل الأب لم يقع، ولا طلاق إلا أن ينوي الزوج به الطلاق أو يكون بلفظ الطلاق، فإنه يقع رجعياً، كما ذكرنا.
وللأب والأجنبي أن يلتزم عوض الخلع من ماله، بأن يقول: اخلع زوجتك على ألف، أو طلقها على ألف، أو بألف، أو على سلعتي هذه فيجيبه الزوج، فيصح الخلع ويلزم الأب، أو الأجنبي بأن يدفع للزوج عوضاً دون الزوجة.

وإذا قال له: اخلع زوجتك على مهرها. أو على سلعتها وأنا ضامن، فإنه يصح ويلزمه العوض دون الزوجة، لأنه ضمن بغير إذنها، أما إذا قال له: اخلع زوجتك على جملها هذا، أو على ألف منها ولم يضمن، فأجابه الزوج فإن الخلع لا يصح، لأنه بدل مال غيره، بدون إذنه العوض، فبطل الخلع.

وإذا قالت له الزوجة: خالعني على جمل أخي فلان وأنا ضامنة، صح الخلع ولزمها العوض أو قيمته إن عجزت، أما إذا لم تقل له: وأنا ضامنة، فالخلع لم يصح، وإذا خالعته الزوجة وهي مريضة مرض الموت فإن كان العوض أكثر من ميراثه منها فإنه لا يملك إلا ما يساوي ميراثه، أما إذا كان أقل من ميراثه، فإنه يأخذه بدون زيادة لأنه أسقط الزيادة باختياره فلا يستحقها، فتعين استحقاقه للأقل، فإن صحت من مرضها الذي خالعته فيه كان له الحق في كل المبلغ الذي خالعته عليه.

وإن طلقها بائناً في مرض موته فإنها تستحق ميراثها، ولو أوصى لها بشيء أكثر فإنها لا تستحقه فهذا شرط ملتزم العوض، وأما شرط الزوج المطلق، فهو شرط الطلاق المتقدم، فيصح الخلع من كل زوج يصح طلاقه. فيصح خلع المسلم، والذمي، والبالغ، والصبي المميز الذي يعرف معنى الطلاق ويفعله، والرشيد، والسفيه، والحر، والعبد، لأن كل واحد منهم زوج يصح طلاقه فيصح خلعه، وكما يصح الخلع من الزوج أو نائبه يصح ممن له الولاية كالحكم في الشقاق وكطلاق والحاكم في الإيلاء، أو العنة ونحوهما، ويقبض الزوج عوض الخلع ولو كان محجوراً عليه لفلس، أما إن كان محجوراً عليه لسفه، أو كان مميزاً فإنه لا يصح لهما قبض العوض، بل الذي يقبضه الولي، وإن كان رقيقاً بدله السيد لأنه ملكه).

شروط عوض الخلع، وفيه الخلع بالنفقة، والحضانة والمال، ونحو ذلك

*-وأما عوض الخلع، فيشترط فيه شروط: منها أن يكون مالاً له قيمة، فلا يصح الخلع باليسير الذي لا قيمة له، كحبة من بر، ومنها أن يكون طاهراً يصح الانتفاع به، فلا يصح بالخمر. أو بالخنزير، والميتة، والدم وهذه الأشياء لا قيمة لها في نظر الشريعة الإسلامية، وإن كان لبعضها قيمة مالية عند غيرهم، كما تقدم في المهر، ومنها أن لا يكون مغصوباً، ومنها غير ذلك.
ويصح الخلع بالمال، سواء كان نقداً، أو عرض تجارة. أو مهراً. أو نفقة. أو أجرة رضاع. أو حضانة. أو نحو ذلك، وفي ذلك تفصيل المذاهب

شروط عوض الخلع عند الحنفية

(1) (الحنفية - قالوا: ما جاز أن يكون مهراً جاز أن يكون بدلاً في الخلع، وقد عرفت تفصيل ذلك في شروط المهر، فارجع إليها.
فإذا خالعت زوجها على خمر، أو خنزير، وقبل منها فإن كان يلفظ الخلع ونحوه بانت منه ولا شيء له عليها، ولا يسقط شيء من مهرها، وإن كان بلفظ الطلاق وقع الطلاق رجعياً بعد الدخول وبائناً قبله.

وإذا خالعته على مال مغصوب ليس ملكاً لها، فإن الخلع يصح والتسمية تصح، ثم إذا أجازه المالك أخذه الزوج، وإن لم يجزه كان له قيمته، وإذا خالعته على شيء محتمل، كأن قالت له: خالعتك على ما في الدار، أو قالت خالعتك على ما في بطون هذه الغنم فإنه يصح، ثم إن كان في الدار أو في بطون الغنم شيء فهو للزوج، وإن لم يكن فلا شيء له، لأنه قبل أن يخالعها على ما يحتمل أن يكون مالاً، أو لا يكون، فإذا سمت مالاً معيناً، ولكنه ليس بموجود حالاً، وإنما يوجد بعد، كما إذا قالت له: خالعني على ثمر نخلي في هذا العام. أو على كسبي في هذا الشهر، فإن الخلع يصح وعليها أن ترد له ما قبضت من مهر، سواء وجد الثمر والكسب أو لم يوجد ثم إن وجد يكون حقاً له وإذا سمت مالاً موجوداً بالفعل، كما إذا خالعته على ما في بيتها من المتاع. أو على ما في نخيلها من الثمار. أو على ما في بطن ناقتها من ولد، أو على ما في ضروع غنمها من اللبن. فإن الخلع يصح ثم إن وجد ما سمت كان له، وإن لم يوجد لزمها رد ما قبضت من المهر.

والحاصل أنها إذا خالعته على مال غير معين، فذلك على ثلاثة أوجه: أحدها: أن لا تذكر مالاً أصلاً ولكن تذكر عبارة تحتمل المال وعدمه، كما إذا قالت له: خالعني على ما في بيتي أو ما في يدي، فإنه يحتمل أن يكون فيه شيء وأن لا يكون، وحكمه أن الخلع يصح وإن وجد شيء أخذه، وإلا فلا شيء له. ثانيها: أن تذكر مالاً ليس موجوداً في الحال، ولكن يوجد بعد، كما إذا قالت له: خالعني على ما تنتجه نخيلي من ثمر في هذا العام، وحكم هذا أن الخلع يصح، وعليها أن ترد ما قبضته من مهر، وإن لم تكن قبضت سقط مالها، سواء وجد الثمر أو لم يوجد. ثالثها: أن تذكر مالاً مجهولاً، ولكنه موجود في الحال، كما إذا قالت له خالعني على الولد الذي في بطن هذه الناقة، أو على الثمر الموجود على النخيل، أو المتاع الموجود في الدار وحكمه أن الخلع صحيح، ثم إن وجد شيء كان للزوج، وإن لم يوجد ردت له ما قبضت من مهر. وإذا خالعته على جمل شارد. أو فرس تائه، فإن الخلع يصح وعليها تسليم عينه إن قدرت وإن عجزت وجبت عليها قيمته، ولا ينفعها أن تشترط البراءة من ضمانه. فإنه لازم لها أو قيمته على كل حال، وإذا خالعته على حيوان موصوف كفرس مسكوفي، أو جمل يقدر على الحمل، أو نحو ذلك، فإن الخلع يصح ويلزمها أن تعطيه الوسط، أو تعطيه قيمة الوسط، أما إذا خالعته على حيوان غير موصوف وقع الطلاق. ووجب عليها أن ترد له المهر والنفقة التي استحقتهما عليه بعقد النكاح.

ويصح الخلع على نفقة العدة والمتعة، ولكن يشترط لإسقاط النفقة أن ينص عليها في الخلع وذلك لأن الخلع يسقط عن الزوجين حقوق الزوجية الثابتة لكل منهما وقت الخلع ولو لم ينص عليها إلا إذا خالعته على كل مهرها فإنها ترد له ما قبضته منه، فلا يسقط بالخلع لأنه هو الذي به الخلع، أما نفقة العدة فلا تسقط إلا إذا نص عليها وذلك لأنها تثبت يوماً فيوماً، فلا تكون حقاً للمرأة واجباً على الزوج، ولهذا لو قالت له: أنت بريء من نفقتي أبداً مادمت امرأتك فإنه لا يبرأ من نفقتها، لأن إبراء شخص من حق لا يصح إلا إذا وجب عليه أولاً والنفقة لمستقبله لا تجب عليه الآن لأن سبب النفقة هو عدم خروج المرأة من دار زوجها إلا بإذنه وهذا السبب يحدث يوماً فيوماً وهذا بخلاف ما إذا جعلت عوضاً عن الخلع، فإنه يصح. وذلك لأن الخلع سبب في وجوب العدة، والزوج يستوفي العوض ولا يلزم استيفاؤه دفعه.
والحاصل أن الإبراء من النفقة قبل الخلع أو بعد لا يصح، لأنها لم تجب، فلا معنى لإبرائه منها، وأما جعل النفقة عوضاً عن الخلع فإنه يصح، لأن الخلع سبب في وجوب العدة والنفقة عوض يستوفيه شيئاً فشيئاً. وأما المتعة فإنها تسقط بدون ذكر، فإذا قال لزوجته غير المدخول بها التي لم يسم لها مهراً: خالعتك، فقالت: قبلت سقطت متعتها، وإذا خالعته على السكنى فإنها لا تسقط، وذلك لأنها ملزمة شرعاً بالسكنى في البيت الذي طلقت فيه، فإذا سكنت في غيره ارتكبت معصية، وحينئذ تكون السكنى حق الشرع، فلا يصح اسقاطها نعم إذا كانت ساكنة في بيت مملوك لها، أو كانت تعطي أجرة السكن من مالها، وخالعته على الأجرة فإنها تسقط ويكون الخلع في نظير المال لا في نظير السكن، ولا يلزم بأن تصرح بأجرة السكني، فإذا قالت له خالعتك على السكني، فإنه يصح ويحمل على الأجرة، فإذا فرض وكانت ساكنة في منزل الزوج وقت الطلاق وخالعته على السكني فيه والخروج منه، فإنها لا تسقط.

واعلم أن في سقوط الزوجين بالخلع ثلاثة أوجه: الوجه الأول: أن لا يذكر البدل، كأن يقول لها: خالعتك ناوياً به الطلاق ولم يذكر بدلاً، وقالت: قبلت، فإنها تبين منه لوجود الإيجاب والقبول، ثم يسقط حق كل منهما قبل الآخر على المعتمد، فإذا كان لها معجل صداق سقط حقها فيه، وإذا قبضت كل الصداق وخالعها قبل الدخول سقط حقه في نصفه، ومن باب أولى إذا قبضته كله ثم خالعها بعد الدخول، فإنه لا يستحق فيه شيئاً، وكذا إذا لم تقبض من الصداق شيئاً فإن حقها يسقط فيه بالخلع.

الوجه الثاني: أن ينفي البدل، كأن يقول لها: اخلعي نفسك مني بدون شيء، فقالت خلعت نفسي بدون شيء، فإنها تبين منه ويبقى لكل منهما حقه قبل صاحبه، فإذا كان لها معجل صداق، أو نفقة زوجية، فإنها تبقى. وإذا كان له نصف صداقها، كما إذا فعل ذلك قبل الدخول، فإنه يبقى له. الوجه الثالث: أن يكون البدل معيناً معروفاً، كما إذا خالعها على عشرين جنيهاً ولم يذكر الصداق وفي هذه الحالة إن كانت المرأة مدخولاً بها وقبضت كل الصداق فإنه لا يلزمها إلا العشرون جنيهاً، وتذهب بما قبضت، فلا يرجع عليها بشيء، كما لا ترجع عليه بشيء بعد الطلاق، وإن لم تقبض الصداق فقد ضاع عليها، فعليها البدل، ولا ترجع على الزوج بشيء، أما إذا كانت غير مدخول بها فإن كان المهر مقبوضاً فإن الزوج لا يستحق فيه شيئاً بل يأخذ البدل ويضيع عليه نصف المهر وإن لم يكن مقبوضاً فإنها لا تستحق فيه شيئاً بل يضيع عليها نصفه زيادة على بدل الخلع الذي سمته، ومثل ذلك ما إذا بارأها بمال معلوم سوى المهر، وقد عرفت أنه إذا خالعها على مهرها وكانت مدخولاً بها فإن كانت قبضته فإنه يجب عليها رده، وإن لم تكن قبضته فإنه يسقط عن الزوج جميع المهر، ولا يتبع أحدهما الآخر بشيء، ومثل ذلك ما إذا لم يكن مدخولاً بها.

هذا، وهل إذا التزم الرجل ببدل في الخلع يصح أو لا،؟ مثلاً إذا قالت له: خالعتك على مهري ونفقة عدتي بشرط أن ترد لي عشرة جنيهات، فقال: قبلت، فهل يلزمه أن يرد العشرة أو لا؟ والجواب: نعم يلزمه أن يرد، ولكن لا يصح أن يعتبر هذا مالاً يدفعه هو لها في مقابل الخلع لأن البدل خاص بها هي إذ به تملك نفسها، وإنما يعتبر استثناء من بدل الخلع، مثلاً إذا كان صداقها عشرين جنيهاً ونفقة عدتها خمسة، فإنه يطرح منها عشرة، ويكون عوض الخلع خمسة عشر، فإن كان المبلغ الذي طلبته يزيد عن عوض الخلع تجعل الزيادة مضافة إلى المهر قبل الخلع تصحيحاً للقاعدة.

ويصح الخلع على نفقة الولد مدة معينة، سواء كان رضيعاً، أو فطيماً على المعتمد، حتى ولو كانت حاملاً به، فإذا قالت له: خالعتك على نفقة ولدي الذي في بطني مدة رضاعه سقط حقها في أجرة الرضاع ولزمها أن ترضعه حولين بعد ولادته، وبعضهم يقول: لا يلزم تعيين المدة في الرضيع، فإنها إذا قالت له: خالعتك عل نفقة الولد، وهو رضيع، كان معنى ذلك أن لا حق لها في أجرة الرضاع في مدة الرضاع، ولا يخفى أن الأول أظهر في حسم مادة النزاع، أما إذا كان فطيماً فإنه ينبغي فيه تحديد المدة، لأن نفقته هي طعامه وشرابه، وهذا لازم له في كل حياته، فلا تصح التسمية بدون توقيت، فإذا قالت له: خالعتك على نفقة ولدك مدة حياتي فإنه لا يصح ويسقط بذلك مهرها، وإذا كانت قبضته فإنه يجب عليها أن ترده، فإذا خالعته على نفقته مدة معينة فإنها تلزمها، وإذا مات الولد أو هرب لزمها أن تدفع ما بقي من نفقته للزوج إلا إذا شرطت براءتها منها بعد موته، وذلك بأن يقول الزوج: خالعتك على أني بريء من نفقة الولد إلى ثلاث سنين، فإن مات الولد قبلها فلا رجوع لي عليك، فتقول: قبلت فإنه يصح، وإذا مات قبلها فلا رجوع له والخلع على البراءة من النفقة لا يستلزم الكسوة، فلا تدخل إلا إذا نص عليها، وإذا خالعته على أن تمسك البنت إلى البلوغ، فإنه يصح. أما الغلام فلا، لأنه في حاجة إلى أن يتعلم من أبيه أخلاق الرجولة، فلا يصح الخلع على إمساكه إلا مدة لا يبلغ فيها كمدة الحضانة، وهي سبع سنين، ولها أن تخالعه على إمساكه نحو عشر سنين، لأن الولد ينبغي أن يتصل بأبيه قبل البلوغ ليتعلم منه أخلاق الرجولة.

ذلك ما عللوا به الفرق بين الأنثى والذكر. والظاهر أنه إذا كانت البيئة التي فيها أمه أفضل له من هذه الناحية، فإنه يصح إمساكه كالأنثى، على أنه إذا تزوجت أمه فللزوج أخذ الولد وإن اتفقا على تركه لأنه حق الوالد، ويرجع الزوج عليها بنفقته في المدة الباقية ما لم تشترط البراءة في الأول كما ذكرنا. وإذا خالعته على نفقة الولد مدة معينة وهي معسرة، فلها مطالبة أبيه بالنفقة، ويجبر عليها، ولكنه يرجع عليها إذا أيسرت.

شروط عوض الخلع عند المالكية

المالكية - قالوا: يشترط في العوض أن يكون حلالاً، فلا يصح الخلع على خمر أو خنزير أو مال مغصوب علم الزوج بأنه مغصوب، ومثله المسروق، فإن خالعته على شيء من ذلك وقع الطلاق البائن ويبطل العوض، فإن كان مغصوباً وجب عليه أن يرده لصاحبه، وإن كان خمراً وجبت إراقته، وإن كان خنزيراً وجب إعدامه على المعتمد، وقيل: يسرح، ولا شيء للزوج على الزوجة في مقابل ذلك ومثل ذلك ما إذا خالعته على شيء بعضه حلال وبعضه حرام، كما إذا خالعته على خمر وثوب. فإن الخلع ينفذ والعوض يبطل، فلا شيء للزوج مطلقاً.
والحاصل أن العوض إذا كان خمراً وجب على الزوج المسلم أن يريقه، ولكن آنيته لا يكسرها لأنها تطهر بالجفاف، وإذا كان خنزيراً وجب عليه أن يقتله، وقيل: بل يسرحه لحال سبيله، وإن كان مغصوباً، أو مسروقاً وجب عليه أن يرده إلى أصحابه، وينفذ الطلاق البائن، ولا شيء له في مقابل هذه الأشياء، ولا يشترط أن يكون العوض محقق الوجود، فيصح الخلع بالغرر، كالجنين في بطن أمه، مثلاً إذا خالعته على ما في بطن هذه الناقة التي تملكها من حمل، فقبل فإنها تطلق بذلك طلاقاً بائناً، ثم إن ولدت الناقة كان الولد ملكاً له وإن نزل ميتاً فقد ضاع عليه ولا شيء له قبل زوجته، وإن كانت لا تملك الناقة فإن الطلاق البائن يقع عليه لا شيء له، لأنه قد قبل الخلع على شيء غير محقق، فيعتمل لأن يقبض أو لا يقبض، وكذا لا يشترط أن يكون العوض غير معين فيصح الخلع على عرض تجارة غير موصوف، كمقطع من القماش أو جمل، أو جاموسة غير موصوفة بصفة، فإذا قالت له: خالعني على جاموسة صح الخلع وبانت منه، وله عليها جاموسة وسطى لا صغيرة ولا كبيرة، ومثل ذلك ما إذا قالت له: خالعني على مقطع من القماش، فإن له الحق في مقطع وسط من جنس القماش، وهكذا.
وكذا لا يشترط أن يكون مقدوراً على تسليمه، فيصح أن تخالعه على جمل شارد أو ثمرة لم يبد صلاحها، ثم إن حضر الجمل، وصلحت الثمرة فهما له، وإلا فلا شيء له، ويقع الطلاق بائناً.
ويصح الخلع على نفقتها مدة الحمل، فإذا كان بها حمل ظاهر أو محتمل وخالعته على نفقة عدتها وهي مدة حملها، فإنه يصح، ولكنها إذا أعسرت في هذه المدة، وجب عليه أن ينفق عليها وتكون هذه النفقة ديناً عليها يأخذه منها إذا أيسرت.

: - وأما عوض الخلع، فيشترط فيه شروط: منها أن يكون مالاً له قيمة، فلا
وكذا يصح الخلع على إسقاط الحضانة، فإذا قالت له: خالعني على إسقاط حقي في حضانة ولدي منك، فقال: خالعتك على ذلك، فإنه يصح وتبين منه ويسقط حقها في الحضانة وينتقل إلى الأب، ولو كان هناك من يستحقها غيره ولكن بشرط أن لا يخشى على الولد المحضون ضرر بمفارقة أمه أو يكون الأب لا يستطيع حضانته، وإلا وقع الطلاق ولم تسقط الحضانة باتفاق. وبعضهم يقول: إذا خالعت على إسقاط حضانتها لا تنتقل الحضانة للأب، ولكن تنتقل لمن لها حق الحضانة بعد الأم، وهذا هو الذي عليه العمل وبه الفتوى. وإن كان الأول، وهو انتقاله للأب المشهور، وإذا خالعته على إسقاط الحضانة ومات الأب، فهل تعود الحضانة للأم أو لا؟ والجواب: نعم تعود للأم، وقد يقال أن الأم أسقطت حقها، فإذا مات الأب تنتقل الحضانة لمن يستحقها بعد الأم، ولكن الظاهر أن الأم أسقطت حقها للأب، فإذا مات عاد الحق لها لأنها أولى بالحضانة، فالظاهر أنها تعود للأم، فإذا ماتت الأم والأب موجود، فهل تنتقل الحضانة إلى من لها حق الحضانة بعد الأم، أو تستمر للأب على القول المشهور؟ والجواب: أن الظاهر استمرارها للأب لأنها انتقلت به بوجه جائز، وبعضهم يقول: أنها تنتقل لمن لها حق الحضانة بعد الأم قياساً على من أسقط حقه في وقف الأجنبي ثم مات فيعود حقه لمن بعده ممن رتبه الواقف. وهل إذا سقط حقها في حضانة حملها قبل الولادة يصح أو لا؟ والجواب: يصح، ولا يقال أنه إسقاط للشيء قبل وجوده، لأن سبب الوجود ظاهر، وهو الحمل.

ويصح الخلع على أجرة رضاع الحمل الذي في بطنها مدة رضاعة، فإذا قالت له خالعني على أجرة رضاع ولدي الذي في بطني فقال لها: خلعتك على ذلك وقبلت فإنها تبين منه، وعليها رضاع ولده مدة الرضاع مجاناً، فإذا مات الولد قبل الحولين سقط ما بقي من أجرة الرضاع، فلا يرجع عليها أبوه بشيء ما لم تكن عادتهم الرجوع، فإن له مطالبتها بالباقي، أما إذا ماتت هي أو جف لبنها فعليها مقدار ما بقي من أجرة رضاعه، ويؤخذ من تركتها إن كانت قد ماتت.

وهل تسقط نفقتها مدة الحمل تبعاً لسقوط أجرة الرضاع من غير أن ينص عليها أو لا؟ والراجح أنها لا تسقط، لأنهما حقان أسقطت أحدهما ولم تسقط الآخر. وإذا خالعها على أجرة رضاع ابنه مدة الرضاع وعلى أن تنفق عليه في هذه المدة. أو على ولده الكبير هذه المدة، فإن فيه خلافاً، فبعضهم يقول: يسقط الزائد على مدة الرضاع، سواء حدد مدة الانفاق بزمن الرضاع أو زاد عليها، أو خالعها على الإنفاق عليه مدة، أو على غيره منقطعة عن الرضاع، وبعضهم يقول: لا يسقط مطلقاً، فإذا اشترط أن تنفق عليه، أو على ولده الكبير مدة الرضاع لزمها ذلك، فإذا مات الولد كان للأب أن يأخذ نفقته التي ضمها إلى أجرة الرضاع يوماً فيوماً، أو شهراً فشهراً طول المدة، وكذا إذا لم يقيد بمدة معينة فإنه يلزمها الإنفاق عليه ما دام موجوداً، ولا يضر الغرر في الخلع، وهذا هو الراجح، وبعضهم يقول: إن كانت المدة معينة فإنه يصح، وإلا فإن النفقة تسقط عنها.

ويصح الخلع مع البيع، كأن تخالعه على فرس، على أن تأخذ منه خمسة جنيهات مثلاً، ففي هذه الحالة يكون نصف الفرس في مقابلة العصمة. والنصف الآخر مبيعاً بالخمسة جنيهات، وهو صحيح، فإذا فرض وكانت الفرس تساوي الخمسة التي دفعها، فإن الخلع يصح أيضاً، لأن عين الفرس تعتبر عوضاً، بصرف النظر عن الخمسة التي دفعها، فيقع الطلاق بائناً على الراجح وبعضهم يقول: في هذه الحالة يقع الطلاق رجعياً، لأن الزوجة لم تدفع عوضاً فإن الفرس أخذت عوضها المساوي لها، فإذا خالعته على جمل شارد فإن البيع يكون فاسداً، والخلع يكون صحيحاً، وعلى هذا فيجب على الزوجة أن ترد الخمسة التي أخذتها لفساد البيع، ويجب عليه أن يرد هو عليها نصف الجمل الذي اشتراه بهذه الخمسة، ويبقى النصف الآخر ملكاً له في نظير حل العصمة، وإذا خالعته على ما في يدها وهي مضمومة، أو ما في صندوقها وهو مغلق، فلو وجد بهما شيء ولو تافه، كزبيبة، فإنه يكون له ويصح الخلع، وكذا إذا لم يكن فيهما شيء أصلاً أو فيهما شيء ليس بمال، كتراب فإنها تبين منه على القول الأقرب المستحسن.

أما إذا خالعته على شيء معين وتبين أنه ليس ملكاً لها، فإن الخلع لا يصح، حتى ولو أجازه الغير. وهذا بخلاف ما إذا خالعته على شيء غير معين، كما إذا خالعته على قطنية بلدية، ثم جاءته فتبين أنها ملك لغيرها فإن الخلع يصح، وتلزم بإحضار واحدة مثلها، وإذا قال لها: إن أعطيتني ما أخالعك به فأنت طالق، فأعطته شيئاً تافهاً لا يساوي ما يخالع به مثله فإنها لا تطلق.

شروط عوض الخلع عند الشافعية

الشافعية - قالوا: يشترط في العوض أن يكون مقصوداً، أي له قيمة وأن يكون راجعاً إلى جهة الزوج وأن يكون معلوماً، وأن يكون مقدوراً على تسليمه، وأن يكون حلالاً غير فاسد.
وبالجملة فيشترط في الخلع الشروط المتقدمة في الصداق، فكل ما يصلح صداقاً يصلح أن يكون بدلاً في الخلع. ويرد عليه أن الصداق يصح على تعليم بعض القرآن بنفسه، فإنه يصح أن يكون صداقاً، ولا يكون بدل خلع. لأنها لو خالعته على أن تعلمه بعض القرآن بنفسها فإنه لا يصح، لأنها تكون بعد الخلع أجنبية لا يجوز لها أن تعلمه. والجواب: أن عدم الصحة جاءت من تعذر تعليمه بنفسها، وإلا فهو صحيح في ذاته. فخرج بالعوض الطلاق بلا ذكر عوض، فإن فيه تفصيلاً، لأنه لم يذكر المال، فلا يخلو إما أن ينويه أو ينفيه. أو لا ينوي ولا ينفي، وسيأتي بيان ذلك في الصيغة، وقوله: مقصود، أي له قيمة مالية، خرج به العوض الذي لا قيمة له، فإذا طلقها في نظير حشرة أو دم، فإنه يقع عليه الطلاق رجعياً، وقوله: راجع لجهة الزوج، خرج به ما إذا كان لها مال عند شخص غير الزوج فطلقها زوجها على براءة ذلك الشخص من دينه، فإنه يقع الطلاق رجعياً أيضاً فإذا كان لها عند زوجها دين ولها عند أخيه دين فطلقها على البراءة من دينه ودين أخيه وقع الطلاق بائناً في نظير البراءة من دين الزوج، ولا يضر ضم أخيه إليه وصحت براءتهما، ولا تجب على المرأة مهر المثل بعد ذلك، وإذا كان للزوجة قصاص على زوجها فأبرأته على ما ثبت لها من ذلك القصاص فإنه يصح ويقع الطلاق بائناً، وإذا كان لها عليه حد قذف أو تعزير فأبرأته منهما وطلقها على ذلك وقع الطلاق بائناً ولزمها أن تدفع لزوجها مهر مثلها، وذلك لأن العوض يشترط فيه أن يكون من الأشياء التي يصح جعلها صداقاً وحد القذف والتعزير إن كان لا يصح جعلهما صداقاً، ولكنهما كالمال المقصود، لأنهما لهما قيمة في ذاتهما. والمراد بالمقصود هو ما له قيمة وإن كان لا يقابل بمال، فلهذا يلزم الطلاق البائن بالخلع عليهما، ويجب على الزوجة أن تدفع مهر المثل، ولا يسقط الحد عنه وقيل: يسقطان لأن الخلع عليهما يتضمن العفو عنهما، ولكن هذا ضعيف، لأنه لو صح لما وجب على الزوجة مهر المثل.

والحاصل أن العوض إذا كان مالاً مقصوداً صح الخلع ووجب المال. فإن لم يكن له قيمة مالية أصلاً وقع عليه الطلاق رجعياً، وإن كان مقصوداً، ولكنه فاسد، كالخمر والخنزير وقع الطلاق بائناً بمهر المثل، ومثله ما إذا كان مقصوداً ولكنه لا يقابل بمال كحد القذف والتعزير أما المقصود الذي يقابل بمال، كالقصاص، فإنه يصح، ويرتفع القصاص.

ومن هذا تعلم أن نفقة العدة والحضانة ونحوهما مال مقصود يصح بهما الخلع وقوله: معلوم، خرج به ما إذا خالعها على شيء مجهول، فلو قالت له خالعني على دابة. أو ناقة. أو ثوب ولم تعينه له، فخالعها وقع الطلاق بائناً ولزمها مهر المثل وقوله: غير فاسد، خرج ما إذا خالعها على مال فاسد، كالخمر. والخنزير، فإنه يقع به الطلاق البائن ويلزمها أن تدفع له مهر المثل، وإذا خالعها بمعلوم ومجهول، كما إذا خالعها على فرسه ودابة أخرى معينة، فإنه يفسد ويجب عليها مهر المثل، أما إذا خالعها بصحيح وفاسد معلوم، كما إذا قال لها: خالعتك على عشرين جنيهاً وعلى هذا الدن من الخمر فإنه يصح في الصحيح، ويجب في مقابل الفاسد مهر المثل، ولو خالعها على ما ليس موجوداً، كما إذا قالت له: خالعني بما في داري، أو بما في كفي، ولم يكن فيهما شيء بانت بمهر المثل، ولو علم الزوج أن ليس فيهما شيء، ومثل ذلك ما إذا خالعته على مال مغصوب أو غير مقدور على تسليمه، وكذا إذا خالعها على شيء مجهول في ذاته، كما إذا قال لها: خالعتك على ثوب في ذمتك فإنها تبين بمهر المثل، وهذا بخلاف ما إذا علق الخلع على مجهول، فإن فيه تفصيلاً، وهو أنه إن أمكن إعطاء المعلق عليه فإنها تبين بمهر المثل أيضاً، وذلك إذا قال لها: إن أعطيتني ثوباً فأنت طالق، فأعطته ثوباً فإنها تبين بذلك بمهر المثل، وإن كان لا يمكن إعطاء المعلق عليه فإنها لا تطلق منه، وذلك كأن يقول لها: إن أعطيتني ما في كفك فأنت طالق وليس في كفها شيء يمكن إعطاؤه فإنها في هذه الحالة لا تطلق، وإن علق طلاقها على البراءة من معلوم فإنه يصح الخلع ويلزم العوض، كما إذا قال لها: إن أبرأتني من صداقك المعروف لهما فأنت طالق فقالت له: أبرأتك، فإنه يصح، فإذا قالت له: إن طلقتني فأنت بريء من صداقي، وهي جاهلة بصداقها، فإن كان يظن أن صداقها مال مقصود غير فاسد وقع بمهر المثل، وإن علم أن صداقها فاسد، فإنها تطلق رجعياً، وإن قالت له: أبرأتك. ولم تذكر مالاً، فقال لها: إن صحت براءتك فأنت طالق، فإن كان الذي أبرأته منه معلوماً وقع الطلاق رجعياً، لأنه لم يقع في مقابل عوض، لأنه علقه بصحة البراءة، وصحة البراءة متحققة قبل طلاقه، لأنها أبرأته حقاً، وإن أبرأته من شيء مجهول فلا يقع شيء.
وإذا قال لها: إن أبرأتني من دينك فأنت طالق، وكان دينها مجهولاً، فقالت له: أبرأتك فإنه لا يقع به شيء، وذلك لأنه علق البراءة على دين مجهول، فلم تتحقق البراءة فلم يوجد المعلق عليه.

وإذا خالع عن الزوجة غيرها على مال فاسد، وصرح بالفساد فإنه يقع رجعياً، كما إذا قال له: خالع زوجتك على هذا المال المغصوب، أو على هذا الخمر، وذلك لأن الأجنبي لا مصلحة له بل هو متبرع بدون فائدة تعود عليه، فإذا صرح بفساد العوض كان معنى ذلك عدوله عن التبرع، بخلاف الزوجة فإن لها منفعة وهي ملك نفسها، فإذا صرحت بالفساد، أو ذكرت مالاً فاسداً مقصوداً فإنه يلزمها مهر المثل. أما إذا لم يصرح الأجنبي بالفساد، كما إذا قال له: خالع زوجتك على هذا الجمل، وكان في الواقع مغصوباً فإنه يصح الخلع وعليها مهر المثل.

شروط عوض الخلع عند الحنابلة

الحنابلة - قالوا: يشترط في عوض الخلع أن يكون مالاً حلالاً، فإذا خالعها على خمر. أو خنزير. ونحوهما، وهما يعلمان تحريمه، فإن الخلع يقع فاسداً لأن الرضاء به يدل على الرضاء بغير عوض، ولا بد من العوض لأنه ركن الخلع، فلا يتحقق بدونه، أما إن كانا لا يعلمان التحريم فإنه يصح الخلع، وتلزم المرأة بدفع قيمة العوض، أو مثله إن كان له مثل من حلال، وذلك لأن الخلع معاوضة بالبضع، فلا يفسد العوض، كعقد النكاح، فإذا قال: إن أعطيتني خمراً، أو خنزيراً، فأنت طالق فأعطته وقع الطلاق لوجود الإعطاء، ولكنه يكون رجعياً لعدم صحة العوض، ولا شيء على الزوجة لرضائه بغير العوض، فإن قلت: إنكم قلتم في النكاح: إذا أصدقها مهراً فاسداً صح العقد ولزمه مهر المثل فلماذا لم تقولوا: إذا خالعها على مال فاسد صح الخلع ولزمها مهر المثل؟ والجواب: أن خروج البضع من ملك الزوج ليست له قيمة مالية، بخلاف دخوله في ملكه. فإنه متقوم بالصداق ولهذا قلنا: إن الخلع يفسد، بخلاف النكاح بمهر المثل، ولا يشترط في العوض أن يكون معلوماً فيصح الخلع بالمجهول، فإذا خالعها على ما في بيتها من المتاع صح الخلع. وله ما في بيتها قليلاً كان، أو كثيراً، فإن لم يكن في بيتها شيء كان له الحق في أقل شيء يصدق عليه اسم المتاع، وكذا إذا خالعها على ما في يدها، فإن لم يكن في يدها شيء، كان له أقل ما يصح أن يكون فيها وهو ثلاثة دراهم، وإن كان في يدها شيء فهو له قليلاً كان أو كثيراً.

وكذا لا يشترط في العوض أن يكون موجوداً فيصح الخلع بالمعدوم الذي ينتظر وجوده كما إذا خالعها على حمل ناقتها. أو حمل غنمها. أو بقرها أو نحو ذلك، فإذا كان هناك حمل كان للزوج وإن لم يكن حمل وجب عليها إرضاؤه، فإن لم يتراضيا لزمها أن تعطيه ما يتناوله اسم الحمل ومثل ذلك ما إذا خالعته على ما تحمل شجرتها من الثمر. أو خالعته على ما في ضروع ماشيتها من الغنم فإنه يصح على الوجه المذكور.

ويصح الخلع بذكر العوض عاماً غير موصوف، كما إذا قالت له: خالعني على جمل، أو على بقرة، أو على ثوب أو شاة، ولم تعينه، فإن الخلع يصح ويلزمها أن تدفع له أقل جمل أو بقرة أو شاة، وإن قالت: خالعني على هذا الجمل فخالعها ثم ظهر أنه مغصوب، فإنها لا تطلق، ومثل ذلك ما إذا ظهر أنه مرهون، فإنها لا تطلق.

ويصح الخلع على سكنى دار معينة مدة معلومة، كما إذا قالت له: خالعني على أن تسكن في هذه الدار سنتين أو أكثر أو أقل، فقال لها: خالعتك على ذلك فإنه يصح، وله السكنى، فإن هدمت الدار رجع عليها بأجرة مثل هذه الدار.
وكذا يصح الخلع على أن ترضع ولده منها أو من غيرها مدة معينة، فإن مات الولد قبل استيفائهم كان له الحق في المطالبة بأجرة رضاع مثله، فيما بقي له. ومثل ذلك ما إذا ماتت هي، أو جف لبنها. وإذا خالعته على إرضاع ابنه ولم تذكر مدة فإنها تلزم بإرضاعه المدة المقررة للرضاع شرعاً وهي الحولان، سواء كان الخلع قبل الوضع أو بعده مباشرة، أو كان في أثناء المدة، فإن كان قد مضى على ولادته سنة لزمها أن ترضعه الحول الباقي. ويصح أن تخالعه على كفالة ولده مدة معينة، كما يصح أن تخالعه على نفقته مدة معينة كعشر سنين ونحوها، ويحسم أن يذكر مدة الرضاع من هذه المدة إن كان الولد رضيعاً وأن يذكر صفة الطعام الذي تطعمه للولد، بأن يقول: خالعتك على نفقة ولدي عشر سنين فترضعيه منها سنتين أو أقل حسبما يتفقان عليه، وأن تطعميه خبزاً من الحنطة مثلاً، كل يوم ثلاثة أرغفة أو رغيفين أو نحو ذلك ويذكر الأدم ونحو ذلك، فإن لم يذكر فإن الخلع يصح وتحمل مدة الرضاع على المدة الشرعية، والنفقة على ما جرى به العرف والعادة، وللوالد أن يأخذ منها قيمة النفقة ويباشر الإنفاق عليه هو، وإذا مات الولد فله الحق في الرجوع عليها بقيمة النفقة في المدة الباقية، ويصح للحامل أن تخالعه على نفقة حملها لأنها واجبة عليه بسبب موجود، وهو الحمل، ولا يضر جهالة قدر المدة، وتسقط نفقتها ونفقة الولد حتى تفطمه فلها الحق في المطالبة بنفقته).

شروط صيغة الخلع

*-لا بد للخلع من صيغة، فلا يصح الخلع بالمعاطاة، كأن تعطيه مالاً وتخرج من داره بدون أن يقول لها: اختلعي على كذا فتقول له: اختلعت، أو تقول له: اخلعني على كذا، فيقول لها: خلعتك على ذلك، فالإيجاب والقبول بالقول لا بد منه، أما الفعل المذكور، فلا يقع به الخلع وإن نوي به الطلاق، أو كان الطلاق به متعارفاً (1)، وفي صيغة الخلع وشروطها تفصيل المذاهب (2).

شروط صيغة الخلع عند المالكية

(1) (المالكية - قالوا: إذا عمل عملاً يدل على الطلاق عرفاً فإنه يقع به الطلاق فإذا فرض وأعطت الزوجة لزوجها مالاً وكان بيدهما حبل فقطعه الزوج، وكان ذلك في عرف القوم طلاقاً فإنها تطلق بذلك طلاقاً بائناً في مقابلة العوض، فإذا لم تعطه مالاً وكان ذلك في عرفهم أن يطلقوا بقطع الحبل، فإنه يكون طلاقاً رجعياً، فإذا لم يكن العرف جارياً بذلك وفعل ذلك ناوياً به الطلاق، فإن قامت قرينة تدل على الطلاق لزم به الطلاق، مثلاً إذا تنازع الزوج مع أهل الزوجة فقالوا: نرد لك ما أخذنا، وترد لنا بنتنا، ففعلوا كان طلاقاً بائناً، وإن لم ينطق بالطلاق ولم يجر به العرف.

والحاصل أن الطلاق بالفعل يصح بتحقق أحد أمرين: أحدهما: أن يكون الطلاق في عرف القوم بالفعل، كما مثلنا، ومنه ما إذا أغضب الرجل امرأته فخلعت أسورتها وأعطتها إياه فقبلها وخرجت من منزله فلم يمنعها وكان ذلك طلاقاً في عرفهم، فإنه يصح ويكون خلعاً، وإن لم ينطق بصيغة الطلاق. ثانيهما: أن تقوم قرينة تدل على الطلاق بالفعل، فإنه يقع، كما ذكرنا).

شروط صيغة الخلع عند الحنفية

(2) (الحنفية - قالوا: قد ذكرنا لك في تعريف الخلع أن ألفاظ الخلع سبعة، وفصلنا لك ما يتعلق بكل لفظ منها. وبقي من الأحكام التي تتعلق بالصيغة أنه يشترط في صحة القبول من الزوجة أن تكون عالمة بمعنى الخلع، فإذا كانت أعجمية ولقنها زوجها بالعربية كلمات - اختلعت منك بالمهر ونفقة العدة - فقالت هذه الكلمات، وهي لا تعرف معناها وقبل الزوج، فإنها تطلق منه بائناً، ولا شيء له قبلها، ثم إن الخلع بالنسبة للرجل يمين، فلو ابتدأ الخلع بقوله: خالعتك على مائة مثلاً فإنه لا يملك الرجوع عنه، وكذا لا يملك فسخه ولا نهي المرأة عن قبوله. وله أن يعلقه بشرط ويضيفه إلى وقت. فإذا قال لها: إذا قدم زيد خالعتك على ألف وقبلت عند مجيء زيد صح الخلع. أما إذا قبلت قبل مجيء زيد فإنه لا يصح، ومثل ذلك ما إذا قال لها: إذا دخلت الدار فقد خالعتك على ألف فدخلت الدار، وقالت: قبلت الخلع عند دخول الدار، فإنه يصح فيقع الطلاق بائناً وتلزم بالعوض. أما إذا قالت: قبلت الدخول فإنه لا يصح، وكذا إذا أضافه إلى وقت. كما إذا قال لها: خالعتك على ألف غداً أو في آخر الشهر، فإنه يصح إذا قالت: قبلت عند مجيء الغد. أو آخر الشهر، أما إذا قالت: قبلت قبل ذلك، فإنه لا يصح.

أما الخلع بالنسبة إلى المرأة فإنه معاوضة المال، لأنها تعطي الرجل مالاً ملكاً له في نظير الطلاق، وذلك معنى المعاوضة بين اثنين أحدهما يعطي مالاً لغيره على سبيل الملك وثانيهما يعطي بدلاً في نظير تمليك ذلك المال. وإذا كان كذلك فإنها يصح لها أن ترجع قبل القبول، فلو بدأت الخلع هي، فقالت: اختلعت نفسي منك بألف. أو خالعني على صداقي ونفقة عدتي، فلها أن ترجع قبل أن يقول الزوج: خالعتك على ذلك، ويبطل بقيامها عن المجلس قبل القبول، كما يبطل بقيامه هو عن المجلس أيضاً، ولو كان الزوج غائباً وبلغه وقبل لم يصح، ولا يصح لها أن تعلقه بشرط ولا تضيفه إلى وقت.

وهل يصح شرط الخيار للزوجة أو لا يصح؟ خلاف بين الإمام. وصاحبيه. مثلاً إذا قال الزوج لها: خالعتك بمهرك ونفقة عدتك على أن يكون لك ثلاثة أيام. أو أكثر، فإن الإمام يقول: إن ذلك صحيح، فلها أن تقبل في مدة الخيار ويقع الطلاق البائن وتلزم بالعوض، ولها أن ترد، فلا يلزم طلاق ولا عوض، أما صاحباه فيقولان: إن الخيار باطل والطلاق واقع في الحال، والمال لازم إن قبلت.
ويصح الخيار للرجل في بدل الخلع إذا وجد به عيباً فاحشاً يخرجه من الجودة إلى الوساطة ومن الوساطة إلى الرداءة، أما العيب اليسير فلا خيار له فيه، فلو اختلعت منه نفسها على عشرين إردَبّاً من القمح الجيد فوجدها متوسطة كان له ردها. وإذا كانت متوسطة فوجدها رديئة كان له ردها، أما إذا وجد بها غلتاً يسيراً، فإنه لا يضر. ويشترط مطابقة الإيجاب للقبول، فإذا قال لها: أنت طالق أربعاً بثلاثمائة، فقالت: قبلت ثلاثاً لم تطلق، لأنه علق الخلع على قبولها الأربع، فإذا قبلت ثلاثاً لم يتحقق المعلق عليه. وهو قبولها الأربع.
وإذا قال: طلقتك على ألف، فقالت: قبلت، ثم قال لها: طلقتك على ألف، فقالت: قبلت، ثم قال لها: طلقتك على ألف، فقالت: قبلت، فإنه يقع ثلاث تطليقات بثلاثة آلاف وهذا بخلاف ما إذا قال لها: خالعتك، ولم يذكر بدلاً، فقالت: قبلت، ثم أعاد لها اللفظ، فقالت: قبلت، فإن الثاني لا يقع، لأن الأول وقع بائناً، فلا يلحقه الثاني، والفرق بين العبارتين أو الأول مذكور فيه العوض، فلا يقع إلا إذا قبلته، ولما كرره لها بالعوض قبلت، فيقع الثلاث جملة واحدة بالعوض المكرر، أما الثاني فلم يذكر فيه العوض، فلا يتوقف وقوع الطلاق على قبولها متى نواه، أو كان بلفظ خالعتك، فإنه لا يحتاج إلى نية على قول، كما تقدم، وإنما الذي يتوقف على قبولها سقوط حقها، وحينئذ يقع الطلاق باللفظ بدون قبولها، وهو بائن، فإذا كرره فإن الثاني لا يلحقه.

هذا إذا بدأ الزوج بالعوض، أما إذا بدأت الزوجة، بأن قالت: خلعت نفسي منك بألف وكررتها ثلاثاً، فقال: قبلت، فإنه لا يقع إلا واحدة بألف على الصحيح، والفرق بين الحالتين أنك قد عرفت أن الخلع يمين من جانب الرجل، فيصير معلقاً على قبوله، بل يكون معاوضة لها الرجوع عنه قبل أن يتم، فإذا كررته يكون قبولاً للعقد الأخير. ويلغو الأول بالثاني، والثاني بالثالث.

وإذا قالت له: طلقني أربعاً فطلقها ثلاثاً. فإنها تطلق ثلاثاً بالألف، ولا تضر المخالفة هنا، وإذا قالت له: طلقني ثلاثاً بألف فطلقها واحدة، بانت منه واحدة بثلث الألف، بشرط أن يطلقها في المجلس. فلو قام وطلقها لم يجب شيء. لأنه معاوضة من جانبها، فيشترط في قبوله المجلس. فإذا طلقها اثنتين كانت له كل الألف. كما إذا طلقها ثلاثاً بلفظ واحد أو متفرقة. بشرط المجلس، فإذا قالت: طلقني واحدة بألف فطلقها ثلاثاً. فإن قال: أنت طالق ثلاثاً بألف. وقالت: قبلت. وقعت الثلاث بالألف. وإن لم تقبل لا يقع شيء. فإن قال: أنت طالق ثلاثاً ولم يقل: بألف فقيل: تطلق ثلاث بلا شيء. وقيل: تطلق واحدة بالألف والثنتان مجاناً، وهذا بخلاف ما إذا قالت له: طلقني ثلاثاً على ألف فطلقها واحدة فإنها تطلق رجعياً ولا شيء عليها للفرق بين - على - وبين باء الجر - فإن - على - للشرط، والمشروط وهو الألف لا يوزع على أجزاء الشرط وهي الثلاث فلو طلقها ثلاثاً متفرقة في مجلس واحد لزمها الألف. لأن الأولى والثانية تقع رجعية فوقعت الثالثة وهي في عصمته فله الألف. أما إن طلقها ثلاثاً في ثلاثة مجالس. فلا شيء له وعندها ثلث الألف. أما الباء فإنها مصاحبة للعوض، والعوض ينقسم على المعوض. هذا إذا بدأت الزوجة، فإذا بدأ الزوج فقال لها: طلقي نفسك ثلاثاً بألف. أو على ألف فطلقت نفسها واحدة، فإنه لا يقع شيء، وذلك لأنك قد عرفت أن الخلع يمين معلق على قبول المرأة إذا بدأ به الرجل، وظاهر أن المعلق على القبول هو طلاقها ثلاثاً، فإذا طلقت نفسها واحدة، فإنها لم تقبل اليمين المعلق، فلا يقع شيء بخلاف ما إذا كانت هي البادئة، فإنه من جهتها معاوضة، فإذا عرضت عليه ثلاثاً بألف وطلقها واحدة فإنها تبين منه بثلث الألف.

وإذا قالت له: طلقني واحدة بألف، فقال لها: أنت طالق واحدة وواحدة وواحدة طلقت ثلاثاً، الأولى بألف وثنتان مجاناً.
وإذا خالعها على أن يكون صداقها لولده، أو لأجنبي أو خالعها على أن يمسك الولد عنده فإن الخلع يصح، ويبطل الشرط.
المالكية - قالوا: يشترط في الصيغة ثلاثة شروط:
الشرط الأول: أن تكون لفظاً، بأن ينطق بكلمة دالة على الطلاق، سواء كان صريحاً أو كناية، فإذا عمل عملاً يدل على الطلاق بدون نطق، فإنه لا يقع به الطلاق إلا إذا جرى به العرف. أو قامت قرينة، كما تقدم.

الشرط الثاني: أن يكون القبول في المجلس إلا إذا علقه الزوج بالأداء أو الإقباض، فإنه لا يشترط أن يكون القبول في المجلس، فإذا قال لها: إن أقبضتني عشرين جنيهاً أو أديت إلي كذا فأنت طالق، فإن لها أن تقبضه بعد المجلس ومتى فعلت بانت منه، إلا إذا طال الزمن بعد الانصراف عن المجلس بحيث تمكث مدة يظهر فيها أن الزوج لا يريد أن يمد لها، على أنه إذا قامت قرينة على أن الزوج يريد أن تقبضه في المجلس، فإنه يعمل بها بحيث لو قامت من المجلس بطل الخلع فلا تملك طلاق نفسها بالبدل.

الشرط الثالث: أن يكون بين الإيجاب والقبول توافق في المال، فإذا قال لها: طلقتك ثلاثاً بألف فقالت قبلت واحدة بثلث الألف لم يلزمه طلاق، فإن له أن يقول: إنني لم أرض بطلاقها إلا بألف، وهذا بخلاف ما إذا قالت له: طلقني ثلاثاً بألف فطلقها واحدة بألف، فإن الطلاق ينفذ والعوض يلزم، وذلك لأنها تملك نفسها بهذا وتبين به، فما زاد عليه لم يتعلق به غرض الشارع، ولا فائدة لها منه، وكذا إذا قالت له: طلقني واحدة بألف، فطلقها ثلاثاً، فإنه يصح لحصول غرضها وزيادة.

شروط صيغة الخلع عند الشافعية

الشافعية - قالوا: صيغة الخلع هي كل لفظ من ألفاظ الطلاق صريحة وكناية ومن كنايته لفظ بيع وفسخ، فإذا قال لها: بعتك نفسك بألف ناوياً بذلك الطلاق فقالت: قبلت كان خلعاً صحيحاً تبين به ويلزمها العوض ومثل ذلك ما إذا قال: فسخت نكاحك بألف، وفي هذه الحالة يكون لفظ الفسخ طلاقاً ينقص عدد الطلقات، ومثال صريح الطلاق في الخلع أن تقوله له: طلقني على عشرين، فقال: طلقتك على ذلك فإنه يكون طلاقاً صريحاً بائناً يقع بدون نية، فإذا نوى به أكثر من واحدة لزمه ما نواه، أما إذا قالت له: أبني على عشرين، فقال لها: أبنتك فإنه لا يقع به الطلاق إلا بالنية، وهكذا في كل ألفاظ الكنايات التي تقدمت.

وهل ما اشتق من لفظ الخلع أو الافتداء صريح أو كناية؟ خلاف، والمعتمد أنه إذا ذكر معه العوض صريحاً أو لم يذكر العوض ولكن نواه، فإنه يكون صريحاً وإلا كان كناية. مثلاً إذا قال لها: خالعتك أو خلعتك أو اختلعي على عشرين جنيهاً فقبلت كان ذلك طلاقاً بائناً صريحاً لا يحتاج إلى نية، ومثل ذلك ما إذا قال لها: افتدي نفسك بعشرين جنيهاً فقالت: افتديت، فإنه يقع به البائن بدون نية، فإذا لم تقبل لم يقع طلاق ولم يلزمها مال، وكذا إذا لم يذكر المال ولكن نواه، بأن قال لها: خالعتك، ونوى على عشرين جنيهاً مثلاً فقالت: قبلت كان صريحاً لأن نية العشرين تقوم مقام ذكرها، فإذا لم ينو المال ولم يذكره فإن في ذلك صوراً ثلاثاً.

الصورة الأولى: أن ينوي الطلاق وينوي معه قبول التماسها، أي ينتظر أن تجيبه على طلبه فإن قبلت وقع الطلاق بائناً بمهر المثل إن كانت رشيدة، وإن لم تكن رشيدة وقع الطلاق رجعياً وإن لم تقبل لم يقع شيء.
الصورة الثانية: أن ينوي الطلاق ولا ينوي التماس قبولها، وفي هذه الحالة يقع الطلاق رجعياً ولو لم تقبل، لأنه نوى طلاقها ولم يعلقه على قبولها، وإذا لم ينو التماس قبولها، فإن لم ينو الطلاق فلا يقع به شيء، مثلاً إذا قال لزوجته: خالعتك ولم يذكر عوضاً ولم ينو التماس قبولها وقع به شيء ولو قبلت، فإذا قال لها: خالعتك، وهو ينوي الطلاق ولا ينوي التماس قبولها وقع رجعياً، قبلت أو لم تقبل، فإذا نوى التماس قبولها مع نية الطلاق فإن قبلت بانت بمهر المثل إن كانت رشيدة، وإن لم تقبل لم يقع به شيء، فهذا مثال للصورتين.
الصورة الثالثة: أن لا ينوي الطلاق، وفي هذه الحالة لا يقع شيء، سواء نوى التماسها القبول أو لم ينو، وسواء قبلت أو لم تقبل، وذلك لأنه كناية لا يلزم به شيء إلا بالنية.

هذا وإذا بدأ الزوج بالطلاق على مال فذكر العوض كان الخلع عقد معاوضة مشوب بنوع تعليق فلا يقع به الطلاق إلا إذا قبلت، فكأنه قال لها: إن قبلت دفع العوض فأنت طالق، وعلى هذا يصح له الرجوع قبل قبولها نظراً لجهة العوض، فإن قلت: إن البيع تتوقف صحته على القبول - كالطلاق - على مال، وحيث قلتم: إنه يصح للمطلق على مال أن يرجح قبل قبول الزوجة لتوقف صحة الطلاق على القبول، يلزمكم أن تقولوا: إنه يصح للبائع أن يرجع قبل قبول المشتري لتوقف صحة البيع على القبول، والجواب: أن هناك فرقاً بين الحالتين وهو أن البيع، وإن توقف على القبول، ولكن ليس للبائع أن يستقبل وحده بالبيع في أي حال، إذ لا يتحقق البيع إلا بقبول المشتري، أما المطلق فإنه يصح أن يستقل بطلاق المرأة بدون قبولها إذا جرده عن العوض، فالذي يتوقف على القبول هو العوض، فالرجل قد عدل عن استقلاله بالطلاق وعلقه على قبول الغير، أما البائع فليس له استقلال في إيجاد البيع من الأصل حتى يقال: إنه عدل عن الاستقلال وعلقه بالغير، وهذا بخلاف ما إذا بدأ بصيغة تعليق في حالة الإثبات. كما إذا قال: متى أعطيتني عشرين جنيهاً فأنت طالق، فإنه ليس له الرجوع قبل إعطائه، ومتى أعطته طلقت، ولا يشترط فيه أن تقول: قبلت، كما لا يشترط أن تعطيه فوراً، إلا إذا قال لها: إن أعطيتني، أو إذا أعطيتني، فأنت طالق فإنه يشترط أن تعطيه فوراً لأن لفظ - إذا، وإن - يقتضيان الفور في الإثبات، بخلاف - متى - فإنه صريح في جواز التأخير، فإذا قال: إن، أو إذا، ومضى زمن يمكنها الإعطاء فيه ولم تعط فلا تطلق.
*( 1): - لا بد للخلع من صيغة، فلا يصح الخلع بالمعاطاة، كأن تعطيه مالاً

هذا، وأما شروط الصيغة فهي الشروط المتقدمة في البيع في الجزء الثاني من هذا الكتاب ومنها أن يكون كلام كل واحد منهما مسموعاً للآخر ولمن يقرب منه من الحاضرين، ومنها أن يكون القبول ممن صدر معه الخطاب، ومنها أن يقصد كل منهما معنى اللفظ الذي ينطق به، فإن جرى على لسانه بدون أن يقصد معناه فإنه لا يصح، فإذا أراد أن يقول لها: أعطيتك ألفاً، فقال لها: طلقتك على ألف فإنه لا يقع به شيء بينه وبين اللّه، ومنها أن لا يتخلل بين الإيجاب والقبول كلام، ولكن في البيع يضر الكلام ولو يسيراً، أما هنا فإنه لا يضر الكلام اليسير، وإنما الذي يضر الكلام الذي يشعر بالإعراض عن الموضوع، ومنها أن يتفق الإيجاب مع القبول، فإذا قال لها: طلقتك بألف، فقالت قبلت بألفين لا يقع شيء. وإذا قال لها: طلقتك ثلاثاً بألف. فقالت: قبلت واحدة بألف فإن الثلاث تقع بالألف، وذلك لأنه وإن لم يوافق القبول الإيجاب في الطلاق ولكن وافقه في المال. والزوجة تملك المال. والزوج يملك الطلاق فقد وافقته فيما تملك فتلزم به ويلزم هو بالثلاث إلى غير ذلك من الشروط المتقدمة. فارجع إليها إن شئت.

شروط صيغة الخلع عند الحنابلة

الحنابلة - قالوا: يشترط في صيغة الخلع شروط: أحدهما: أن تكون لفظاً، فلا يصح الخلع بالمعاطاة، ولو نوى بها الطلاق، بل لا بد فيه من الإيجاب والقبول. ثانيها: أن يكون الإيجاب والقبول في المجلس، فإذا قال لها: خلعتك بكذا، وقام من المجلس قبل أن تقبل، فإنه لا يصح وكذا إذا قامت هي ولم تقبل. ثالثها: أن لا يضيف الخلع إلى جزء منها، فإذا قال لها: خلعت يدك أو رجلك بكذا، وقبلت كان لغواً، وذلك لأن الخلع فسخ لا طلاق، وإضافة العبارة الدالة على الفسخ إلى جزء المرأة تعتبر، بخلاف الطلاق، فإنه إذا أضافه إلى جزء متصل بها فإنه يقع كما تقدم، نعم إذا قال لها: خلعت رجلك بكذا، ونوى الطلاق فإنه يكون طلاقاً فتطلق كما تقدم إيضاحه في التعريف. رابعها: أن لا يعلقه على شرط، فإذا قال لها: إن بذلت لي كذا فقد خلعتك فإن الخلع لا يصح ولو بذلت له ما سماه بخلاف الطلاق فإنه يصح تعليقه. فإذا قال لزوجته: إن أعطيتني هذا الجمل فأنت طالق، فأعطته إياه طلقت، ولو وجده معيباً لا يصح له رده أما إن يظهر أنه مغصوب فلا يقع الطلاق، والمراد بإعطائه أن تخلي بينه وبين الجمل ليملكه، وبعضهم يقول: لا بد من أن تقول له: ملكتك هذا الجمل، لأن فعلها غير كاف في التمليك، وهل يصح الخلع مع الشرط أو لا؟ والجواب: نعم يصح ويلزم العوض، فإذا قال لها: خلعتك بكذا على أن يكون لي الحق في الرجعة، وقبلت فإن الخلع يصح ويبطل الشرط. فلا يكون له الحق في الرجعة، ومثل ذلك ما إذا شرط الخيار، كما إذا قال لها: خالعتك بكذا على أن يكون لي الخيار أو لك الخيار ثلاثة أيام أو أقل أو أكثر، فإن الخلع يصح والخيار يبطل، فيقع الخلع فوراً وله الحق في العوض.

ويصح الخلع مع البيع، فإذا قالت لزوجها: بعني هذا الجمل، وطلقني بمائة، فإنه يصح إذا قال لها: قبلت في المجلس، ويكون ذلك بيعاً، وخلعاً. لأن كلاً منهما يصح مفرداً فصحا مجتمعين، ثم ينظر إلى المبلغ بالنسبة لصداقها المسمى في عقد الزواج، فإن كان خمسين جعل عوض الخلع خمسين وثمن الجمل خمسين، فإذا وجدت بالجمل عيباً وردته به رجعت بالخمسين التي خصته. وإن كان مهرها أكثر نقص بقدر ذلك من ثمن الجمل، وعلى هذا القياس، ولا بد من مطابقة القبول للإيجاب فيما يوافق غرض الموجب، فإذا قالت له: اخلعني بألف، فقال طلقتك لم يستحق الألف لأنه أوقع طلاقاً لم تطلبه، فلم يتحقق الخلع الذي بذلت فيه العوض، وهذا بخلاف ما إذا قالت له: طلقني واحدة بألف أو على ألف، ونحو ذلك فطلقها ثنتين، أو ثلاثاً فإنه يستحق الألف، لأنه أتى بغرضها وزيادة وإذا قالت له: طلقني واحدة بألف، فقال: أنت طالق وطالق، وطالق، فإنها تبين بالأولى، لأنها في مقابلة عوض فلم يلحقها ما بعدها، فإن قال أنت طالق. وطالق بألف وقعت الأولى رجعية فتلحقها الثانية، لأن البائن يلحق الرجعي ولغت الثالثة، أما إن ذكر - بألف - عقب الثالثة فقط، فإنها تطلق ثلاثاً.
وإذا قالت له: طلقني ثلاثاً بألف فقال: قبلت واحدة أو اثنتين، فإنه لا يستحق شيئاً ووقعت رجعية، وإن قال لها: أنت طالق ثلاثاً بألف، فقالت: قبلت واحدة بألف وقع الثلاث أما إذا قالت قبلت واحدة بخمسمائة، أو قبلت الثلاث بخمسمائة فإنه لم يقع شيء، لأن الشرط لم يوجد).

مبحث الخلع طلاق بائن لا فسخ والفرق بين الفسخ والطلاق

*-قد عرفت من تفصيل المذاهب المتقدم أن ألفاظ الخلع تنقسم إلى قسمين: منها ما هو صريح منها ما هو كناية، فالصريح يقع به طلاق بائن بدون نية، والكناية يقع بها طلاق بائن بالنية، على ما هو موضح في كناية الطلاق في المذاهب ثم إذا نوى به الطلاق الثلاث، فإنها تلزمه، وكذا إذا نوى به طلقتين (1) فإنهما يلزمانه، وعلى كل حال فالخلع يترتب عليه طلاق يحسب من عدد الطلقات الثلاث التي يملكها، فليس هو مجرد فسخ (2)، وذلك لأن الفرقة بين الزوجين تارة تكون طلاقاً. وتارة تكون فسخاً، فالفرقة بالطلاق هي حل عصمة الزوجية بلفظ الطلاق الصريح. أو الكناية، ومنها الخلع، وهو إن كان بلفظ الخلع كان طلاقاً صريحاً. وكذا إذا كان بلفظ الطلاق على مال، وإلا كان كناية، كما تقدم إيضاحه، ومنها فرقة الإيلاء، فإذا حلف الرجل أن لا يقرب زوجته ينتظر لها أربعة أشهر، فإذا لم يحنث ويقربها يؤمر بقربانها من القاضي، فإن لم يفعل طلقت منه على التفصيل الآتي في بابه، ومنها غير ذلك مما هو مفصل في المذاهب.

الخلع طلاق لا فسخ عند الحنفية

(الحنفية - قالوا: إذا نوى بالخلع ثلاثاً فإنه يلزم به، أما إذا نوى به ثنتين فلا يلزمه إلا واحدة، وقد تقدم تعليل ذلك في مبحث الكناية فارجع إليه).

الخلع فسخ لا طلاق عند الحنابلة

الحنابلة - قالوا: إن الخلع فسخ لا طلاق، فلا ينقص به عدد الطلقات ما لم يكن بلفظ الطلاق. أو ينوي به الطلاق، كما تقدم إيضاحه في مذهبهم، وقالوا أيضاً: إن الإيلاء منوط بالحاكم فإن شاء طلق وإن شاء فسخ).

الفرق بين الفسخ والطلاق عند الحنفية

(3) (الحنفية - قالوا: بين الزوجين تارة تكون فسخاً. وتارة تكون طلاقاً، فتكون فسخاً في مواضع: منها تباين الدار حقيقة وحكماً، ومعنى ذلك أن يترك أحد الزوجين الحربيين دار الحرب إلى دار الإسلام مسلماً أو ذمياً، فإذا فعل ذلك بانت منه امرأته أما المستأمن، وهو الذي يدخل دار الإسلام بأمان لتجارة ونحوها بنية العودة إلى بلاده، فإن امرأته لا تبين منه، وقد تقدم بيان ذلك في صحيفة 196، ومنها فساد العقد بسبب من الأسباب كما إذا تزوجها بغير شهود. أو إلى مدة معينة. أو نحو ذلك، مما تقدم تفصيله في النكاح الفاسد ففي هذه الحالة تجب الفرقة بينهما وتكون فسخاً لا طلاقاً، ومنها أن يفعل ما يوجب حرمة المصاهرة بأصول المرأة الاناث وفروعها، كأن يقبل بنت زوجته بشهوة. أو أمها. أو نحو ذلك، مما هو مفصل في مبحث ما يوجب حرمة المصاهرة، صحيفة 62 وما بعدها، وكذا إذا فعلت الزوجة ما يوجب حرمة المصاهرة مع أصوله، أو فروعه الذكور، كتقبيل ابن زوجها البالغ بشهوة، ونحوه، ومنها إسلام أحد الزوجين الكافرين في دار الحرب، فإذا أسلمت الزوجة وهي في دار الحرب تبين من زوجها الكافر بعد ثلاث حيض كما تقدم في صحيفة 194 وما بعدها، ومنها أن ترضع الزوجة ضرتها الصغيرة، فإنها تصبح أمها في الرضاع، فتبين منه هي ومن أرضعتها وهذه البينونة فسخ لا طلاق لأنهما يحرمان عليه مؤبداً.

ومنها أن يرتد أحد الزوجين، فإنه إذا وقع ذلك بانت منه امرأته فسخاً لا طلاقاً كما تقدم بيانه في صحيفة 199، أم الفرقة بالطلاق فهي في مواضع الطلاق بالجب. والعنة، وقد تقدم بيانه في مبحث العيوب. ثانيها: الفرقة بالإيلاء. ثالثها: الفرقة باللعان. رابعها: بصريح الطلاق وكنايته على ما تقدم إيضاحه.

الخلع طلاق بائن لا فسخ والفرق بين الفسخ والطلاق عند الشافعية

الشافعية - قالوا: تنقسم فرقة النكاح في الحياة إلى قسمين: طلاق. وفسخ، فالطلاق أربعة أنواع:
الأول: ألفاظ الطلاق صريحة. وكناية. الثاني: الخلع. الثالث: فرقة الإيلاء. الرابع: فرقة الحكمين، فإذا وكل الزوج حكمين في تطليق امرأته أو وكلتهما الزوجة في طلاقها بعوض مالي ففعلا، فإنه يكون طلاقاً لا فسخاً.

أما الفرقة بالفسخ فهي أمور: منها الفرقة بسبب إعسار الزوج عن دفع الصداق أو النفقة والكسوة والمسكن بعد إمهاله ثلاثة أيام وقد عرفت أن الفسخ بسبب الإعسار من المهر إنما يكون قبل الوطء، كما تقدم بيانه في صحيفة 148، ومنها فرقة اللعان الآتي بيانه، ومنها فرقة العيب المتقدم تفصيله في بابه، ومنها فرقة الوطء بشبهة، وقد تقدم بيانه في صحيفة 112 مبحث الوطء بشبهة، ومنها الفرقة بسبي أحد الزوجين، وقد تقدم بيانه في صحيفة 197، ومنها فرقة إسلام أحد الزوجين الكافرين، وتقدم إيضاحها في صحيفة 193 ومنها ردة منه أو منها وتقدم في صحيفة 207، ومنها إذا أسلم الكافر وتحته أختان، وتقدم في صفحة 192، ومنها فرقة عدم الكفاءة وتقدمت في مبحث الكفاءة، ومنها فرقة الانتقال من دين لآخر، كالانتقال من اليهودية للنصرانية وبالعكس ومنها فرقة الرضاع بشروطه المتقدمة.

الفرق بين الفسخ والطلاق عند المالكية

المالكية - قالوا: الفرقة بين الزوجين تارة تكون طلاقاً، وتارة تكون فسخاً، فتكون طلاقاً فيما يلي:
1 - في كل عقد فاسد مختلف فساده كنكاح الشغار. ونكاح السر. والنكاح بدون ولي ونحو ذلك مما تقدم، فكل عقد فاسد عند المالكية صحيح عند غيرهم فإنه يفسخ بطلاق يحسب من عدد الطلقات، أما إذا كان مجمعاً على فساده فإنه يفسخ بغير طلاق، ومن ذلك العقد على امرأة في عدة الغير، أو العقد على محرمة من المحارم، أو العقد على خامسة وتحته أربعة، أو نحو ذلك من العقود المجمع على فسادها فإنها تفسخ بغير طلاق، وقد تقدم بيان ذلك في ص 17 وما بعدها.

2 - فسخ الحاكم بالغيب طلاق بائن، سواء طلق هو أو أمرها بأن تطلق نفسها إلا إذا كان مولياً وطلق عليه، فإن طلاق الحاكم في هذه الحالة يكون رجعياً، ومثله ما إذا طلق عليه الحاكم بسبب الإعسار عن دفع النفقة فإن طلاقه يكون رجعياً، وقد تقدم في صحيفة 167، وما بعدها.
3 - الردة طلاق بائن على المشهور، وقد تقدمت في مباحث الردة.
4 - الخلع، وهو طلاق صريح، كما تقدم في بابه.
5 - الطلاق الصريح، والكناية.
6 - الفرقة بسبب الإيلاء طلاق كالفرقة بسبب العيب، فيأمره القاضي بالطلاق أو يطلق عليه القاضي أو جماعة المسلمين. أو يأمرها به فتطلق نفسها، ويحكم القاضي به أو يثبته طلاقاً على الخلاف المتقدم في الطلاق بالعيب، إلا أنه بائن في العيب ورجعي في الإيلاء إلا إذا طلق هو رجعياً.
7 - الفرقة بسبب الإعسار عن دفع الصداق أو دفع النفقة، فإن الحاكم يطلق عليه طلقة واحدة رجعية إن أبى عن تطليقها، أو يأمرها بأن تطلق نفسها ثم يحكم به كما تقدم، وتكون الفرقة فسخاً فيما يلي: أولاً: في العقد الفاسد المجمع على فساده، ومنه نكاح المتعة على المعتمد، لأنه مجمع على فساده بين الأئمة ومن قال بجوازه فقوله شاذ لا يعول عليه، ومن نظر إلى هذا القول قال إنه مختلف فيه، فالفرقة بسببه طلاق لا فسخ. ثانياً: الفرقة بالرضاع. فإنها فسخ بلا طلاق. ثالثاً: الفرقة باللعان، فإنها توجب تأبيد التحريم، فلا يحل له أن يتزوجها بحال، فلا يعتبر ذلك طلاقاً، رابعاً: الفرقة بسبب السبي، فإنها تقطع علاقة الزوجية بين الزوجين، فإذا سبيت المرأة الحربية وهي كافرة وزوجها غير كافر فإنها تصير غير زوجة له فتحل لغيره بمجرد أن تحيض مرة، وقد تقدم توضيحه في صحيفة 196، وكذا إذا أسلم أحد الزوجين الكافرين، فإن الفرقة بينهما فسخ بغير طلاق، وقد تقدم توضيحه في صحيفة 191.

الفرق بين الفسخ والطلاق عند الحنابلة

الحنابلة - قالوا: الفرقة تارة تكون فسخاً. وتارة تكون طلاقاً، فتكون فسخاً في أمور: منها الخلع إذا كان بغير لفظ الطلاق أو نيته، ومنها ردة أحد الزوجين. ومنها الفرقة لعيب من العيوب المتقدمة في هذا الباب، ولا يفسخ إلا حاكم.

ومنها الفرقة بسبب إعساره عن دفع الصداق والنفقة ونحوها، ولا يفسخه إلا حاكم أيضاً، ومنها إسلام أحد الزوجين، وينفسخ نكاحهما إذا انقضت عدتها. أما إذا أسلمت المرأة ثم أسلم زوجها وهي في العدة فإن نكاحهما يبقى، كما هو موضح في صحيفة 193، وما بعدها، أما فرقة الإيلاء فهي منوطة بالحاكم فإذا انقضت المدة، وهي أربعة أشهر ولم يطأ زوجته ولم تعطف عليه وطلبت من الحاكم طلاقها، فإنه يأمره بالطلاق، فإن أبى طلق عليه الحاكم واحدة أو ثلاثاً، أو فسخ العقد بدون طلاق، كما سيأتي إيضاحه في بابه، ومنها الفرقة بسبب اللعان فإن اللعان يوجب التحريم بينهما على التأبيد، ولو لم يحكم به القاضي بحيث لا تحل له بعد ذلك، وأم الفرقة بسبب الطلاق فهي ما كانت بألفاظ الطلاق صريحاً أو كناية، على الوجه المتقدم في مباحث الطلاق).

عن الكاتب

A. Fatih Syuhud

التعليقات


جميع الحقوق محفوظة

الكتب الإسلامية