الكتب الإسلامية

مجموعة الكتب والمقالات الإسلاية والفقه علي المذاهب الأربعة

recent

آخر الأخبار

recent
جاري التحميل ...

كِتَابُ الصِّيَامِ الفقه علي مذهب الإمام الشافعي

عنوان الكتاب: أسنى المطالب في شرح روض الطالب و حاشية الرملي الكبير
المؤلف: زكريا بن محمد بن زكريا الأنصاري - شهاب أحمد الرملي - محمد بن أحمد الشوبري
تحقيق: زهير الشاويش الناشر: المكتب الإسلامي، بيروت- دمشق- عمان الطبعة: الثالثة، 1412هـ / 1991م
الموضوع: الفقه علي مذهب الإمام الشافعي
عدد الأجزاء: 12 [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
عدد المجلدات: 4
عدد الصفحات: 2072

[كِتَابُ الصِّيَامِ]
(قَوْلُهُ وَشَرْعًا إمْسَاكٌ عَنْ الْمُفْطِرِ إلَخْ) إمْسَاكُ الْمُسْلِمِ الْمُمَيِّزِ عَنْ الْمُفْطِرَاتِ مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ إلَى آخِرِهِ بِالنِّيَّةِ سَالِمًا مِنْ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ وَالْوِلَادَةِ وَمِنْ الْإِغْمَاءِ وَالسُّكْرِ فِي بَعْضِهِ (قَوْلُهُ آيَةُ {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ} [البقرة: 183] الْأَيَّامُ الْمَعْدُودَاتِ أَيَّامُ شَهْرِ رَمَضَانَ وَجَمَعَهَا جَمْعَ قِلَّةٍ لِيُهَوِّنَهَا وَقَوْلُهُ {كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ} [البقرة: 183] قِيلَ مَا مِنْ أُمَّةٍ إلَّا وَقَدْ فُرِضَ عَلَيْهِمْ رَمَضَانُ إلَّا أَنَّهُمْ ضَلُّوا عَنْهُ أَوْ التَّشْبِيهُ فِي أَصْلِ

(1/408)


وَإِمْسَاكٌ عَنْ الْمُفْطِرَاتِ (يَجِبُ صَوْمُ رَمَضَانَ بِاسْتِكْمَالِ شَعْبَانَ) ثَلَاثِينَ (يَوْمًا أَوْ بِالرُّؤْيَةِ) لِهِلَالِهِ لِخَبَرِ الْبُخَارِيِّ «صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَافْطُرُوا لِرُؤْيَتِهِ فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا عِدَّةَ شَعْبَانَ ثَلَاثِينَ» وَلِقَوْلِ «ابْنِ عُمَرَ أَخْبَرْت النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنِّي رَأَيْت الْهِلَالَ فَصَامَ وَأَمَرَ النَّاسَ بِصِيَامِهِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ وَالْمَعْنَى فِي ثُبُوتِهِ بِالْوَاحِدِ الِاحْتِيَاطُ لِلصَّوْمِ.
قَالَ الْأَكْثَرُونَ وَيُكْرَهُ أَنْ يُقَالَ رَمَضَانُ بِدُونِ شَهْرِ وَرَدَّهُ فِي الْمَجْمُوعِ بِأَنَّ الصَّوَابَ خِلَافُهُ كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْمُحَقِّقُونَ لِعَدَمِ ثُبُوتِ نَهْيٍ فِيهِ بَلْ ثَبَتَ ذِكْرُهُ بِدُونِ شَهْرٍ فِي أَخْبَارٍ صَحِيحَةٍ كَخَبَرِ «مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ» (فَإِذَا شَهِدَ بِرَمَضَانَ وَكَذَا بِشَهْرٍ نُذِرَ صَوْمُهُ) بِبِنَاءِ نَذَرَ لِلْمَفْعُولِ (عَدْلٌ عِنْدَ الْقَاضِي كَفَى) فِي وُجُوبِ صَوْمِهِ فَهُوَ بِطَرِيقِ الشَّهَادَةِ (لَا بِطَرِيقِ الرِّوَايَةِ) فَلَا يَكْفِي عَبْدٌ وَلَا امْرَأَةٌ وَقَضِيَّتُهُ اشْتِرَاطُ الْعَدَالَةِ الْبَاطِنَةِ وَهِيَ الَّتِي يَرْجِعُ فِيهَا إلَى قَوْلِ الْمُزَكِّينَ وَفِيهِ فِي الْأَصْلِ وَجْهَانِ صَحَّحَ مِنْهُمَا الْمَجْمُوعُ الْمَنْعَ وَهِيَ شَهَادَةٌ حَسَبَةٌ قَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ الْبَغَوِيّ وَيَجِبُ الصَّوْمُ أَيْضًا عَلَى مَنْ أَخْبَرَهُ مَوْثُوقٌ بِهِ بِالرُّؤْيَةِ إذَا اعْتَقَدَ صِدْقَهُ وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْهُ عِنْدَ الْقَاضِي.
وَيَكْفِي فِي الشَّهَادَةِ أَشْهَدُ أَنِّي رَأَيْت الْهِلَالَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ الرَّافِعِيُّ فِي صَلَاةِ الْعِيدِ خِلَافًا لِابْنِ أَبِي الدَّمِ قَالَ لِأَنَّهَا شَهَادَةٌ عَلَى فِعْلِ نَفْسِهِ وَلَا يَكْفِي أَنْ يَقُولَ غَدًا مِنْ رَمَضَانَ لِأَنَّهُ قَدْ يُعْتَقَدُ دُخُولُهُ بِسَبَبٍ لَا يُوَافِقُهُ عَلَيْهِ الْمَشْهُودُ عِنْدَهُ بِأَنْ يَكُونَ أَخَذَهُ مِنْ حِسَابٍ أَوْ يَكُونَ حَنَفِيًّا يَرَى إيجَابَ الصَّوْمِ لَيْلَةَ الْغَيْمِ أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَكَذَا بِشَهْرٍ نُذِرَ صَوْمُهُ مِنْ زِيَادَتِهِ وَنَقَلَهُ الْإِسْنَوِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ تَصْحِيحِ الرُّويَانِيِّ مُقَيَّدًا بِشَهْرٍ مُعَيَّنٍ وَهُوَ قَضِيَّةُ مَا فِي الْمَجْمُوعِ مِنْ أَنَّ فِيهِ الْخِلَافَ فِي رَمَضَانَ لَكِنَّ الْمَشْهُورَ خِلَافُهُ وَالْفَرْقُ بَيْنَ حُرْمَةِ الشَّهْرَيْنِ ظَاهِرٌ عَلَى أَنَّ ثُبُوتَ رَمَضَانَ بِالْوَاحِدِ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ وَغَيْرُهُ أَنَّهُ خِلَافُ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ لِرُجُوعِهِ عَنْهُ فَفِي الْأُمِّ قَالَ الشَّافِعِيُّ بَعْدُ لَا يَجُوزُ عَلَى هِلَالِ رَمَضَانَ إلَّا شَاهِدَانِ وَنَقَلَ الْبُلْقِينِيُّ مَعَ هَذَا النَّصِّ نَصًّا آخَرَ صِيغَتُهُ رَجَعَ الشَّافِعِيُّ بَعْدُ فَقَالَ لَا يُصَامُ إلَّا بِشَاهِدَيْنِ لَكِنْ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ قَالَ الصَّيْمَرِيُّ إنْ صَحَّ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَبِلَ شَهَادَةَ الْأَعْرَابِيِّ وَحْدَهُ أَوْ شَهَادَةَ ابْنِ عُمَرَ قَبْلَ الْوَاحِدِ وَإِلَّا فَلَا يُقْبَلُ أَقَلُّ مِنْ اثْنَيْنِ وَقَدْ صَحَّ كُلٌّ مِنْهُمَا وَعِنْدِي أَنَّ مَذْهَبَ الشَّافِعِيِّ قَبُولُ الْوَاحِدِ وَإِنَّمَا رَجَعَ إلَى الِاثْنَيْنِ بِالْقِيَاسِ لِمَا لَمْ يَثْبُتْ عِنْدَهُ فِي الْمَسْأَلَةِ سَنَةً فَإِنَّهُ تَمَسَّك لِلْوَاحِدِ بِأَثَرٍ عَنْ عَلِيٍّ وَلِهَذَا قَالَ فِي الْمُخْتَصَرِ وَلَوْ شَهِدَ بِرُؤْيَتِهِ عَدْلٌ وَاحِدٌ رَأَيْت أَنْ أَقْبَلَهُ لِلْأَثَرِ فِيهِ

(لَوْ شَهِدَ اثْنَانِ عَنْ) بِمَعْنَى عَلَى (شَهَادَتِهِ) أَيْ الْعَدْلِ (صَحَّ) بِخِلَافِ مَا إذَا شَهِدَ عَلَيْهَا وَاحِدٌ لِمَا مَرَّ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ بَابِ الشَّهَادَةِ لَا الرِّوَايَةِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرملي الكبير]
الصَّوْمِ دُونَ وَقْتِهِ قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ رَمَضَانُ أَفْضَلُ الْأَشْهُرِ وَفِي الْحَدِيثِ «رَمَضَانُ سَيِّدُ الشُّهُورِ»

[أَرْكَان الصِّيَام]
(قَوْلُهُ أَوْ بِالرُّؤْيَةِ) أَوْ بِعِلْمِ الْقَاضِي بِهِ وَكُتِبَ أَيْضًا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ يُضَافُ إلَى الرُّؤْيَةِ وَإِكْمَالِ الْعَدَدِ ظَنَّ دُخُولَهُ بِالِاجْتِهَادِ عِنْدَ الِاشْتِبَاهِ عَلَى أَهْلِ نَاحِيَةٍ حَدِيثِ عَهْدِهِمْ بِالْإِسْلَامِ أَوْ أَسَارَى وَهَلْ الْإِمَارَةُ لِظَاهِرَةِ الدَّلَالَةِ فِي حُكْمِ الرُّؤْيَةِ مِثْلُ أَنْ يَرَى أَهْلُ الْقَرْيَةِ الْقَرِيبَةِ مِنْ الْبَلَدِ الْقَنَادِيلَ قَدْ عُلِّقَتْ لَيْلَةَ الثَّلَاثِينَ مِنْ شَعْبَانَ بِمَنَائِرِ الْمِصْرِ كَمَا هُوَ الْعَادَةُ الظَّاهِرُ نَعَمْ وَإِنْ اقْتَضَى كَلَامُهُمْ الْمَنْعُ وَقَوْلُهُ ظَنَّ دُخُولَهُ وَقَوْلُهُ الظَّاهِرُ نَعَمْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِمَا (قَوْلُهُ فَإِذَا شَهِدَ بِرَمَضَانَ إلَخْ) وَإِنْ دَلَّ الْحِسَابُ عَلَى عَدَمِ إمْكَانِ الرُّؤْيَةِ وَانْضَمَّ إلَى ذَلِكَ أَنَّ الْقَمَرَ غَابَ لَيْلَةَ الثَّالِثِ عَلَى مُقْتَضَى تِلْكَ الرُّؤْيَةِ قَبْلَ دُخُولِ وَقْتِ الْعِشَاءِ لِأَنَّ الشَّارِعَ لَمْ يَعْتَمِدْ الْحِسَابَ بَلْ أَلْغَاهُ بِالْكُلِّيَّةِ وَلَوْ عَلِمَ فِسْقَ الشُّهُودِ أَوْ كَذِبَهُمْ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الصَّوْمُ إذْ لَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَجْزِمَ بِالنِّيَّةِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَيْهِ الصَّوْمُ حَيْثُ يَحْرُمُ صَوْمُ يَوْمِ الشَّكِّ وَلَوْ عَلِمَ فِسْقَ الْقَاضِي الْمَشْهُودِ عِنْدَهُ وَجَهِلَ حَالَ الْعُدُولِ.
فَالْأَقْرَبُ أَنَّهُ كَمَا لَوْ لَمْ يَشْهَدُوا بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ يَنْعَزِلُ بِالْفِسْقِ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ الْقَاضِي أَهْلًا لَكِنَّهُ عَدْلٌ فَالْأَقْرَبُ لُزُومُ الصَّوْمِ تَنْفِيذًا لِحُكْمِهِ (قَوْلُهُ عَدْلٌ عِنْدَ الْقَاضِي كَفَى) لِأَنَّ الصَّوْمَ عِبَادَةٌ بَدِينَةٌ فَيَكْفِي فِي الْإِخْبَارِ بِدُخُولِ وَقْتِهَا وَاحِدٌ كَالصَّلَاةِ وَلِأَنَّ فِيهِ احْتِيَاطًا لِلْعِبَادَةِ وَكُتِبَ أَيْضًا يُفْهِمُ أَنَّهُ لَا يَكْفِي عَدْلٌ فِي طُلُوعِ الْفَجْرِ قَالَ السُّبْكِيُّ وَالْأَشْبَهُ أَنَّهُ يَكْفِي لِحَدِيثٍ «كُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى تَسْمَعُوا أَذَانَ ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ» انْتَهَى وَصَرَّحَ الْمَاوَرْدِيُّ بِأَنَّهُ لَا يَكْفِي فِي غُرُوبِ الشَّمْسِ فِي النَّهَارِ مِنْ رَمَضَانَ إلَّا شَاهِدَانِ كَهِلَالِ شَوَّالٍ وَالْفَرْقُ لَائِحٌ ع لَكِنْ فِي صَحِيحِ ابْنِ حِبَّانَ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ «- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إذَا كَانَ صَائِمًا أَمَرَ رَجُلًا فَأَوْفَى عَلَى نَشْزٍ فَإِذَا قَالَ غَرَبَتْ الشَّمْسُ أَفْطَرَ» وَهُوَ قِيَاسُ مَا قَالُوهُ فِي الْقِبْلَةِ وَالْوَقْتِ وَالْأَذَانِ (قَوْلُهُ فَهُوَ بِطَرِيقِ الشَّهَادَةِ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ صَحَّحَ مِنْهُمَا فِي الْمَجْمُوعِ الْمَنْعَ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ.
(قَوْلُهُ وَيَجِبُ الصَّوْمُ أَيْضًا إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ وَيَكْفِي فِي الشَّهَادَةِ أَشْهَدُ إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ مِنْهُمْ الرَّافِعِيُّ فِي صَلَاةِ الْعِيدِ) وَالْقَفَّالُ وَالْمَرْوَزِيُّ فِي شَرْحِ الْفُرُوعِ وَابْنِ سُرَاقَةَ فِي أَدَبِ الشُّهُودِ وَالْقَاضِي شُرَيْحٌ الرُّويَانِيُّ فِي رَوْضَةِ الْحُكَّامِ (قَوْلُهُ وَلَا يَكْفِي أَنْ يَقُولَ غَدًا مِنْ رَمَضَانَ إلَخْ) قَالَ شَيْخُنَا إنْ حَمَلَ كَلَامَ الشَّارِحِ عَلَى عُرُوِّ ذَلِكَ عَنْ لَفْظِ أَشْهَدُ فَذَاكَ ظَاهِرٌ أَوْ مَعَ وُجُودِهَا فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا جَوَّزَنَا مَعَ شَهَادَتِهِ الِاحْتِمَالَ الْمَذْكُورَ أَمَّا إذَا لَمْ يَحْتَمِلْ مَعَهَا ذَلِكَ فَيَكْفِي فِيهِ أَيْضًا كَمَا يُسْتَفَادُ ذَلِكَ مِنْ فَتَاوَى الْوَالِدِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ وَكَذَا بِشَهْرٍ نَذَرَ صَوْمَهُ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ وَهُوَ قَضِيَّةُ مَا فِي الْمَجْمُوعِ إلَخْ) وَهُوَ قَضِيَّةُ التَّعْلِيلِ السَّابِقِ (قَوْلُهُ عَلَى أَنَّ ثُبُوتَ رَمَضَانَ بِالْوَاحِدِ إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ أَنَّهُ خِلَافُ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ إلَخْ) مَحَلُّ الْخِلَافِ مَا لَمْ يَحْكُمْ بِهِ حَاكِمٌ فَإِنْ حَكَمَ بِشَهَادَةِ الْوَاحِدِ حَاكِمٌ يَرَاهُ فَنَقَلَ فِي الْمَجْمُوعِ الْإِجْمَاعَ عَلَى وُجُوبِ الصَّوْمِ وَأَنَّهُ لَا يَنْقُضُ الْحُكْمَ.
(فَرْعٌ) ذَكَرَ شُرَيْحٌ الرُّويَانِيُّ أَنَّهُ لَوْ شَهِدَ بِالرُّؤْيَةِ فَصَامُوا ثُمَّ رَجَعَ فَوَجْهَانِ أَحَدُهُمَا لَا يَلْزَمُ الصَّوْمُ كَرُجُوعِ الشُّهُودِ قَبْلَ الْحُكْمِ فَإِنَّهُ يَمْتَنِعُ الْقَضَاءُ وَالثَّانِي يَلْزَمُهُمْ الصَّوْمُ لِأَنَّ الشُّرُوعَ فِيهِ بِمَنْزِلَةِ الْحُكْمِ بِالشَّهَادَةِ قَالَ وَلَعَلَّ الثَّانِي أَقْرَبُ نَعَمْ لَوْ أَكْمَلْنَا الْعِدَّةَ وَلَمْ نَرَهُ وَالسَّمَاءُ غَيْرُ مَغْمِيَّةٍ فَفِي الْإِفْطَارِ وَقْفَةٌ فَتَأَمَّلْهُ قَالَ شَيْخُنَا وَالْأَقْرَبُ الْإِفْطَارُ

(1/409)


(وَلَكِنْ لَا تَحِلُّ الدُّيُونُ الْمُؤَجَّلَةُ) بِهِ (وَ) لَا يَقَعُ (نَحْوُهَا) مِمَّا عَلَّقَ بِهِ مِنْ طَلَاقٍ وَعِتْقٍ وَنَحْوِهِمَا سَوَاءٌ أَشَهِدَ بِهِ عَدْلٌ أَمْ شَهِدَ عَلَى شَهَادَتِهِ بِهِ وَالْمُرَادُ أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ ذَلِكَ فِي حَقِّ غَيْرِ الرَّائِي قَالَ الرَّافِعِيُّ وَلَوْ قِيلَ هَلَّا يَثْبُتُ ضِمْنًا كَمَا يَثْبُتُ شَوَّالٌ بِثُبُوتِ رَمَضَانَ بِوَاحِدٍ وَالنَّسَبُ وَالْإِرْثُ بِثُبُوتِ الْوِلَادَةِ بِالنِّسَاءِ لَا حَوْجَ إلَى الْفَرْقِ وَفَرَّقَ هُوَ فِي الشَّهَادَاتِ بِأَنَّ الضِّمْنِيَّ فِي هَذِهِ الْأُمُورِ لَازِمٌ لِلْمَشْهُودِ بِهِ بِخِلَافِ الطَّلَاقِ وَنَحْوِهِ وَفَرَّقَ غَيْرُهُ بِأَنَّ الشَّيْءَ إنَّمَا يَثْبُتُ ضِمْنًا إذَا كَانَ التَّابِعُ مِنْ جِنْسِ الْمَتْبُوعِ كَالصَّوْمِ وَالْفِطْرِ فَإِنَّهُمَا مِنْ الْعِبَادَاتِ كَالْوِلَادَةِ وَالنَّسَبِ وَالْإِرْثِ فَإِنَّهَا مِنْ الْمَالِ أَوْ الْآيِلِ إلَيْهِ بِخِلَافِ مَا هُنَا فَإِنَّ التَّابِعَ مِنْ الْمَالِ أَوْ الْآيِلِ إلَيْهِ وَالْمَتْبُوعَ مِنْ الْعِبَادَاتِ وَبِالْجُمْلَةِ إذَا ثَبَتَ رَمَضَانُ بِالْوَاحِدِ اخْتَصَّ بِالصَّوْمِ وَتَوَابِعِهِ مِنْ صَلَاةِ التَّرَاوِيحِ وَالِاعْتِكَافِ وَالْإِحْرَامِ بِالْعُمْرَةِ الْمُعَلَّقِينَ بِدُخُولِ رَمَضَانَ نَبَّهَ عَلَيْهِ الزَّرْكَشِيُّ وَقَالَ إنَّهُ وَاضِحٌ وَلَمْ يَتَعَرَّضُوا لَهُ وَاشْتِرَاطُ الْعَدَالَةِ مَحِلُّهُ فِي حَقِّ غَيْرِ الرَّائِي.
أَمَّا الرَّائِي فَيَجِبُ عَلَيْهِ الصَّوْمُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَدْلًا كَمَا سَيَأْتِي (وَلَوْ ضِمْنًا بِشَهَادَةِ عَدْلٍ) أَوْ عَدْلَيْنِ كَمَا فُهِمَ بِالْأَوْلَى وَصَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ (ثَلَاثِينَ) يَوْمًا (أَوْ عَيَّدْنَا بِشَهَادَةِ عَدْلَيْنِ وَلَمْ نَرَ الْهِلَالَ) بَعْدَ ثَلَاثِينَ فِي الصُّوَرِ الثَّلَاثِ (أَفْطَرْنَا) فِي الْأُولَيَيْنِ (وَلَمْ نَقْضِ) فِي الثَّالِثَةِ (وَلَوْ لَمْ يَكُنْ غَيْمٌ) لِكَمَالِ الْعِدَّةِ بِحُجَّةٍ شَرْعِيَّةٍ وَلَا يُؤَثِّرُ فِي الْأَوْلَى عَدَمُ ثُبُوتِ شَوَّالٍ بِعَدْلٍ إذْ الشَّيْءُ يَثْبُتُ ضِمْنًا بِمَا لَا يَثْبُتُ بِهِ أَصْلًا بِدَلِيلِ ثُبُوتِ النَّسَبِ وَالْإِرْثِ ضِمْنًا لِلْوِلَادَةِ بِشَهَادَةِ النِّسَاءِ عَلَيْهَا كَمَا مَرَّ (وَلَا عِبْرَةَ بِالْمُنَجِّمِ) أَيْ بِقَوْلِهِ فَلَا يَجِبُ بِهِ الصَّوْمُ وَلَا يَجُوزُ وَالْمُرَادُ بِآيَةِ {وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ} [النحل: 16] الِاهْتِدَاءُ فِي أَدِلَّةِ الْقِبْلَةِ وَفِي السَّفَرِ (وَ) لَكِنْ (لَهُ أَنْ يَعْمَلَ بِحِسَابِهِ كَالصَّلَاةِ) وَلِظَاهِرِ هَذِهِ الْآيَةِ وَقِيلَ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ وَالتَّصْرِيحُ بِالتَّرْجِيحِ وَالتَّنْظِيرُ بِالصَّلَاةِ مِنْ زِيَادَتِهِ وَصَحَّحَ فِي الْمَجْمُوعِ أَنَّ لَهُ ذَلِكَ وَإِنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ عَنْ فَرْضِهِ وَصَحَّ فِي الْكِفَايَةِ أَنَّهُ إذَا جَازَ أَجْزَأَ وَنَقَلَهُ عَنْ الْأَصْحَابِ وَصَوَّبَهُ الزَّرْكَشِيُّ تَبَعًا لِلسُّبْكِيِّ قَالَ وَصَرَّحَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ فِيمَا يَأْتِي فِي الْكَلَامِ عَلَى أَنَّ شَرْطَ النِّيَّةِ الْجَزْمُ وَهُوَ كَمَا قَالَ وَالْحَاسِبُ وَهُوَ مَنْ يَعْتَمِدُ مَنَازِلَ الْقَمَرِ وَتَقْدِيرَ سَيْرِهِ فِي مَعْنَى الْمُنَجِّمِ وَهُوَ مَنْ يَرَى أَنَّ أَوَّلَ الشَّهْرِ طُلُوعُ النَّجْمِ الْفُلَانِيِّ وَقَدْ صَرَّحَ بِهِمَا مَعًا فِي الْمَجْمُوعِ وَلَا عِبْرَةَ أَيْضًا بِقَوْلِ مَنْ قَالَ أَخْبَرَنِي النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي النَّوْمِ بِأَنَّ اللَّيْلَةَ أَوَّلُ رَمَضَانَ فَلَا يَصِحُّ الصَّوْمُ بِهِ بِالْإِجْمَاعِ.

(فَرْعٌ) لَوْ (رَأَى) الْهِلَالَ (فِي بَلَدٍ لَزِمَ) حُكْمُهُ (مَنْ فِي غَيْرِهِ) مِنْ سَائِرِ الْأَمَاكِنِ (مَا لَمْ تَخْتَلِفْ الْمَطَالِعُ) كَبَغْدَادَ وَالْكُوفَةِ وَالرَّيِّ وَقَزْوِينَ لِأَنَّهُ قَرِيبٌ مِنْ بَلَدِ الرُّؤْيَةِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ هُوَ بِبَلَدِهَا كَمَا فِي حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَإِنْ اخْتَلَفَتْ كَالْحِجَازِ وَالْعِرَاقِ وَخُرَاسَانَ لَمْ يَجِبْ الصَّوْمُ عَلَى مَنْ اخْتَلَفَ مَطْلَعُهُ لِبُعْدِهِ وَلِمَا رَوَى مُسْلِمٌ «عَنْ كُرَيْبٍ رَأَيْت الْهِلَالَ بِالشَّامِ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ ثُمَّ قَدِمْت الْمَدِينَةَ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ مَتَى رَأَيْتُمْ الْهِلَالَ قُلْت لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ قَالَ أَنْتَ رَأَيْتَهُ قُلْتُ نَعَمْ وَرَآهُ النَّاسُ وَصَامُوا وَصَامَ مُعَاوِيَةُ فَقَالَ لَكِنَّا رَأَيْنَاهُ لَيْلَةَ السَّبْتِ فَلَا نَزَالُ نَصُومُ حَتَّى تُكْمِلَ الْعِدَّةَ فَقُلْت أَوْ لَا تَكْتَفِي بِرُؤْيَةِ مُعَاوِيَةَ وَصِيَامِهِ قَالَ لَا هَكَذَا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرملي الكبير]
وَقَوْلُهُ وَالثَّانِي يَلْزَمُهُمْ الصَّوْمُ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ

(قَوْلُهُ وَلَكِنْ لَا تَحِلُّ الدُّيُونُ الْمُؤَجَّلَةُ) وَلَا تَنْقَضِي الْعِدَّةُ (قَوْلُهُ وَلَا يَقَعُ نَحْوُهَا مِمَّا عُلِّقَ بِهِ إلَخْ) قَبْلَ الْحُكْمِ بِهِ (قَوْلُهُ وَالْمُرَادُ أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ ذَلِكَ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ وَلَمْ يَتَعَرَّضُوا لَهُ) حَكَى الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي قَبُولِ الْوَاحِدِ فِيهَا وَجْهَيْنِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَالْقِيَاسُ الْقَبُولُ (قَوْلُهُ وَلَوْ صُمْنَا بِشَهَادَةِ عَدْلٍ إلَخْ) وَلَوْ صَامَ بِقَوْلِ مَنْ يَثِقُ بِهِ ثَلَاثِينَ وَلَمْ يَرَ الْهِلَالَ اُحْتُمِلَ أَنْ يَكُونَ كَالصَّوْمِ بِعَدْلٍ وَيُحْتَمَلُ خِلَافُهُ وَالرَّاجِحُ الْأَوَّلُ (قَوْلُهُ وَصَحَّحَ فِي الْكِفَايَةِ إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ وَهُوَ كَمَا قَالَ) قِيَاسُ قَوْلِهِمْ أَنَّ الظَّنَّ يُوجِبُ الْعَمَلَ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الصَّوْمُ وَأَيْضًا فَهُوَ جَوَازٌ بَعْدَ حَظْرٍ

(قَوْلُهُ مَا لَمْ تَخْتَلِفْ الْمَطَالِعُ) الِاعْتِبَارُ فِي اخْتِلَافِ الْمَطَالِعِ أَنْ يَتَبَاعَدَ الْبَلَدَانِ بِحَيْثُ لَوْ رُئِيَ الْهِلَالُ فِي أَحَدِهِمَا لَمْ يُرَ فِي الْآخَرِ غَالِبًا وَقَدْ حَرَّرَهَا الشَّيْخُ تَاجُ الدِّينِ التَّبْرِيزِيُّ فَقَالَ رُؤْيَةُ الْهِلَالِ تُوجِبُ ثُبُوتَ حُكْمِهَا إلَى أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ فَرْسَخًا لِأَنَّهَا فِي أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ لَا تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ قَدْرِ مَسَافَةِ الْقَصْرِ وَنِصْفِهَا وَوَقَعَ فِي الْفَتَاوَى أَنَّ أَخَوَيْنِ أَحَدُهُمَا بِالْمَشْرِقِ وَالْآخَرُ بِالْمَغْرِبِ مَاتَا فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ وَقْتَ الزَّوَالِ أَجَابَ الْجَمِيعُ فِيهَا بِأَنَّ الْمَغْرِبِيَّ يَرِثُ الْمَشْرِقِيَّ بِنَاءً عَلَى اخْتِلَافِ الْمُطَالَعِ وَقَوْلُهُ وَقَدْ حَرَّرَهَا وَقَوْلُهُ أَجَابَ الْجَمِيعُ فِيهَا إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِمَا وَكَتَبَ أَيْضًا قَالَ السُّبْكِيُّ تَنْبِيهٌ لَمْ أَرَ مَنْ نَبَّهَ عَلَيْهِ وَهُوَ أَنَّهُ قَدْ تَخْتَلِفُ الْمَطَالِعُ وَالرُّؤْيَةُ فِي أَحَدِ الْبَلَدَيْنِ مُسْتَلْزَمَةٌ لِلرُّؤْيَةِ فِي الْآخَرِ مِنْ غَيْرِ عَكْسٍ فَإِنَّ اللَّيْلَ يَدْخُلُ فِي الْبَلَدِ الْمَشْرِقِيَّةِ قَبْلَ دُخُولِهِ فِي الْبَلَدِ الْمَغْرِبِيَّةِ وَإِذَا غَرَبَتْ فِي بَلَدٍ شَرْقِيٍّ وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ الشَّمْسِ سَبْعُ دَرَجٍ مَثَلًا لَا تُمْكِنُ رُؤْيَتُهُ فِيهَا وَإِذَا غَرَبَتْ فِي بَلَدٍ غَرْبِيٍّ يَتَأَخَّرُ الْغُرُوبُ وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ الشَّمْسِ أَكْثَرُ مِنْ عَشْرِ دَرَجٍ أَمْكَنَتْ رُؤْيَتُهُ فِيهَا وَإِنْ لَمْ يَرَ فِي ذَلِكَ الشَّرْقِيُّ فَإِذَا غَرَبَتْ فِي غَرْبِيٍّ آخَرَ بَعْدَ ذَلِكَ بِدَرَجَتَيْنِ كَانَتْ رُؤْيَتُهُ أَظْهَرُ وَيَكُونُ مُكْثُهُ بَعْدَ الْغُرُوبِ أَكْثَرُ وَقِسْ عَلَى هَذَا يَتَبَيَّنُ لَك أَنَّهُ مَتَى اتَّحَدَ الْمَطْلَعُ لَزِمَ مِنْ رُؤْيَتِهِ فِي أَحَدِهِمَا رُؤْيَتُهُ فِي الْآخَرِ وَمَتَى اخْتَلَفَ لَزِمَ مِنْ رُؤْيَتِهِ فِي الشَّرْقِيِّ رُؤْيَتُهُ فِي الْغَرْبِيِّ وَلَا عَكْسَ وَتَبِعَهُ فِي الْمُهِمَّاتِ فِي إطْلَاقِهِ دُخُولُ اللَّيْلِ بِالشَّرْقِيِّ قَبْلَ دُخُولِهِ بِالْغَرْبِ نُظِرَ إذْ مَحَلُّ الْقَبْلِيَّةَ إذَا اتَّحَدَ عَرْضُ الْبَلَدَيْنِ جِهَةً وَقَدْرًا أَيْ جِهَةً الْجَنُوبِ وَالشِّمَالِ وَقَدْرًا بِأَنْ يَكُونَ قَدْرُ الْبُعْدَيْنِ عَنْ خَطِّ الِاسْتِوَاءِ سَوَاءٌ س.
وَقَوْلُهُ مُسْتَلْزِمَةٌ لِلرُّؤْيَةِ فِي الْآخَرِ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَتَبَ أَيْضًا هَلْ يُعْتَبَرُ اخْتِلَافُ الْمَطَالِعِ فِي الصَّلَاةِ حَتَّى إذَا غَابَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ فِي بَلَدٍ فَصَلَّى فِيهَا الْمَغْرِبَ وَهُوَ مِنْ أَصْحَابِ الْخُطْوَةِ ثُمَّ سَافَرَ إلَى مَطْلَعٍ آخَرَ لَمْ تَغِبْ فِيهِ الشَّمْسُ فَهَلْ تَلْزَمُهُ إعَادَةُ الْمَغْرِبِ كَالصَّوْمِ أَوْ لَا تَلْزَمُهُ لِنَهْيِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُصَلِّي الصَّلَاةَ فِي الْيَوْمِ الْوَاحِدِ مَرَّتَيْنِ وَلِأَنَّ الصَّلَاةَ تَتَكَرَّرُ بِخِلَافِ الصَّوْمِ وَأَيْضًا فَالْقِيَاسُ عَلَى الصَّبِيِّ إذَا صَلَّى أَوَّلَ الْوَقْتِ وَبَلَغَ فِي آخِرِهِ فَإِنَّهُ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ إعَادَةٌ وَإِنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ بِالْبُلُوغِ وَصَلَاتُهُ قَبْلَ الْبُلُوغِ نَفْلٌ أَسْقَطَ الْفَرْضَ فَكَذَلِكَ مَنْ صَلَّى ثُمَّ حَضَرَ فِي مَطْلَعٍ آخَرَ وَهَذَا الِاحْتِمَالُ هُوَ الْمُتَّجَهُ لَا غَيْرَ لِأَنَّهُ إذَا سَقَطَ

(1/410)


أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» وَقِيَاسًا عَلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ وَالشَّمْسِ وَغُرُوبِهِمَا وَبِمَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ عُلِمَ أَنَّ الْقَرِيبَ مِنْ بَلَدِ الرُّؤْيَةِ مَا اتَّحَدَ مَعَهُ فِي الْمَطْلَعِ وَقِيلَ مَا دُونَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ وَصَحَّحَهُ الرَّافِعِيُّ وَتَبِعَهُ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ وَصَحَّحَ فِي غَيْرِهِ الْأَوَّلَ لِأَنَّهُ لَا تَعَلُّقَ لِلرُّؤْيَةِ بِمَسَافَةِ الْقَصْرِ وَقَالَ الْإِمَامُ اعْتِبَارُ الْمَطَالِعِ يُحْوِجُ إلَى حِسَابِ وَتَحْكِيمِ الْمُنَجِّمِينَ وَقَوَاعِدُ الشَّرْعِ تَأْبَى ذَلِكَ بِخِلَافِ مَسَافَةِ الْقَصْرِ الَّتِي عَلَّقَ بِهَا الشَّرْعُ كَثِيرًا مِنْ الْأَحْكَامِ فَإِنْ قُلْت اعْتِبَارُ اتِّحَادِ الْمَطَالِعِ عَلَى مَا مَرَّ يَتَعَلَّقُ بِالْمُنَجِّمِ وَالْحَاسِبِ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ قَوْلُهُمَا فِي إثْبَاتِ رَمَضَانَ قُلْت لَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ اعْتِبَارِهِ فِي الْأُصُولِ وَالْأُمُورِ الْعَامَّةِ عَدَمُ اعْتِبَارِهِ فِي التَّوَابِعِ وَالْأُمُورِ الْخَاصَّةِ

(فَإِنْ شَكَّ فِي الِاتِّفَاقِ) فِي الْمَطَالِعِ (لَمْ يَجِبْ) عَلَى الَّذِينَ لَمْ يَرَوْا صَوْمٌ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ وُجُوبِهِ وَلِأَنَّهُ إنَّمَا يَجِبُ بِالرُّؤْيَةِ وَلَمْ تَثْبُتْ فِي حَقِّ هَؤُلَاءِ لِعَدَمِ ثُبُوتِ قُرْبِهِمْ مِنْ بَلَدِ الرُّؤْيَةِ (وَلَوْ صَامَ بِالرُّؤْيَةِ وَسَافَرَ) مِنْ بَلَدِهَا (إلَى بَلَدٍ مَطْلَعُهُ مُخَالِفٌ) لِمَطْلَعِهِ وَلَمْ يَرَ أَهْلُهُ الْهِلَالَ (وَافَقَهُمْ) وُجُوبًا (يَوْمَ عِيدِهِ فِي الصَّوْمِ) لِأَنَّهُ بِالِانْتِقَالِ إلَيْهِمْ صَارَ مِنْهُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عِيدٌ صَامَهُ أَوْ عِيدٌ أَمْسَكَ بَقِيَّةَ الْيَوْمِ (أَوْ بِالْعَكْسِ) بِأَنْ سَافَرَ مِنْ بَلَدِ غَيْرِ الرُّؤْيَةِ إلَى بَلَدِهَا (عَيَّدَ مَعَهُمْ) لِمَا مَرَّ وَقَضَى يَوْمًا إذَا لَمْ يَصُمْ إلَّا ثَمَانِيَةً وَعِشْرِينَ يَوْمًا كَمَا سَيَأْتِي (وَكَذَا لَوْ عَيَّدَ فِي بَلَدٍ وَجَرَتْ بِهِ السَّفِينَةُ إلَيْهِمْ) أَيْ إلَى أَهْلِ بَلَدٍ مَطْلَعُهُ مُخَالِفٌ لِمَطْلَعِ بَلَدِهِ (فَوَجَدَهُمْ صَائِمِينَ أَمْسَكَ) بَقِيَّةَ الْيَوْمِ لِمَا مَرَّ (أَوْ بِالْعَكْسِ) بِأَنْ كَانَ صَائِمًا فَجَرَتْ بِهِ السَّفِينَةُ إلَيْهِمْ فَوَجَدَهُمْ مُفْطِرِينَ (أَفْطَرَ) لِمَا مَرَّ وَقَوْلُهُ وَكَذَا إلَى آخِرِهِ يُعْلَمُ مِمَّا قَبْلَهُ (وَإِنْ لَمْ يَصُمْ إلَّا ثَمَانِيَةً وَعِشْرِينَ يَوْمًا قَضَى يَوْمًا) لِأَنَّ الشَّهْرَ لَا يَكُونُ كَذَلِكَ بِخِلَافِ مَا إذَا صَامَ تِسْعَةً وَعِشْرِينَ لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ لِأَنَّ الشَّهْرَ يَكُونُ كَذَلِكَ

(فَرْعٌ رُؤْيَةُ الْهِلَالِ نَهَارًا) يَوْمَ الثَّلَاثِينَ وَلَوْ قَبْلَ الزَّوَالِ (لِلَّيْلَةِ الْمُسْتَقْبَلَةِ) لَا الْمَاضِيَةِ (فَلَا يَفْطُرُ) إنْ كَانَ فِي ثَلَاثِي رَمَضَانَ (وَلَا يُمْسِكُ) إنْ كَانَ فِي ثَلَاثِي شَعْبَانَ فَعَنْ شَقِيقِ بْنِ سَلَمَةَ جَاءَنَا كِتَابُ عُمَرَ بِخَانِقِينَ إنَّ الْأَهِلَّةَ بَعْضُهَا أَكْبَرُ مِنْ بَعْضٍ فَإِذَا رَأَيْتُمْ الْهِلَالَ نَهَارًا فَلَا تُفْطِرُوا حَتَّى يَشْهَدَ شَاهِدَانِ أَنَّهُمَا رَأَيَاهُ بِالْأَمْسِ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَخَانِقِينَ بِخَاءِ مُعْجَمَةٍ وَنُونٍ ثُمَّ قَافٍ مَكْسُورَةٍ بَلْدَةٌ بِالْعِرَاقِ قَرِيبَةٌ مِنْ بَغْدَادَ وَالْمُرَادُ بِمَا ذُكِرَ دَفْعُ مَا قِيلَ إنَّ رُؤْيَتَهُ يَوْمَ الثَّلَاثِينَ تَكُونُ لِلَّيْلَةِ الْمَاضِيَةِ وَأَمَّا رُؤْيَتُهُ يَوْمَ التَّاسِعِ وَالْعِشْرِينَ فَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ أَنَّهَا لِلْمَاضِيَةِ لِئَلَّا يَلْزَمَ أَنْ يَكُونَ الشَّهْرُ ثَمَانِيَةً وَعِشْرِينَ وَالتَّصْرِيحُ بِقَوْلِهِ فَلَا يُفْطِرْ وَلَا يُمْسِكْ مِنْ زِيَادَتِهِ.

(فَصْلٌ وَيَجِبُ) فِي الصَّوْمِ (نِيَّةٌ جَازِمَةٌ مُعَيِّنَةٌ) كَالصَّلَاةِ وَلِخَبَرِ «إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ» وَمُعَيِّنَةٌ بِكَسْرِ الْيَاءِ لِأَنَّهَا تُعَيِّنُ الصَّوْمَ وَبِفَتْحِهَا لِأَنَّ النَّاوِي يُعَيِّنُهَا وَيُخْرِجُهَا عَنْ التَّعَلُّقِ بِمُطْلَقِ الصَّوْمِ وَجَمِيعُ ذَلِكَ يَجِبُ (قَبْلَ الْفَجْرِ فِي الْفَرْضِ) وَلَوْ نَذْرًا أَوْ قَضَاءً أَوْ كَفَّارَةً أَوْ كَانَ النَّاوِي صَبِيًّا لِخَبَرِ «مَنْ لَمْ يُبَيِّتْ الصِّيَامَ قَبْلَ الْفَجْرِ فَلَا صِيَامَ لَهُ» رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَغَيْرُهُ وَصَحَّحُوهُ وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى الْفَرْضِ بِقَرِيبَةِ خَبَرِ عَائِشَةَ الْآتِي (لِكُلِّ يَوْمٍ) لِظَاهِرِ الْخَبَرِ وَلِأَنَّ صَوْمَ كُلِّ يَوْمٍ عِبَادَةٌ لِتَخَلُّلِ الْيَوْمَيْنِ مَا يُنَاقِضُ الصَّوْمَ كَالصَّلَاتَيْنِ يَتَخَلَّلُهُمَا السَّلَامُ وَخَرَجَ بِمُعَيِّنَةٍ مَا لَوْ نَوَى الصَّوْمَ عَنْ فَرْضِهِ أَوْ عَنْ فَرْضِ وَقْتِهِ فَلَا يَكْفِي كَمَا فِي الصَّلَاةِ وَسَيَأْتِي فِي الْفَرْعِ الْآتِي مَا خَرَجَ بِجَازِمَةٍ (وَإِلَّا كَمَّلَ) فِي نِيَّةِ صَوْمِ رَمَضَانَ (أَنْ يَنْوِيَ صَوْمَ غَدٍ عَنْ أَدَاءِ فَرْضِ رَمَضَانَ هَذِهِ السَّنَةَ لِلَّهِ تَعَالَى) بِإِضَافَةِ رَمَضَانَ وَذَلِكَ لِتَتَمَيَّزَ عَنْ أَضْدَادِهَا لَكِنَّ فَرْضَ غَيْرِ هَذِهِ السَّنَةِ لَا يَكُونُ إلَّا قَضَاءً وَقَدْ خَرَجَ بِقَيْدِ الْأَدَاءِ إلَّا أَنْ يُقَالَ لَفْظُ الْأَدَاءِ لَا يُغْنِي عَنْ السَّنَةِ لِأَنَّ الْأَدَاءَ يُطْلَقُ وَيُرَادُ بِهِ الْفِعْلُ قَالَ فِي الْأَصْلِ وَلَفْظُ الْغَدِ اُشْتُهِرَ فِي كَلَامِهِمْ فِي تَفْسِيرِ التَّعْيِينِ وَهُوَ فِي الْحَقِيقَةِ لَيْسَ مِنْ حَدِّ التَّعْيِينِ وَإِنَّمَا وَقَعَ ذَلِكَ مِنْ نَظَرِهِمْ إلَى التَّبْيِيتِ

(وَلَوْ تَرَكَ ذِكْرَ السَّنَةِ وَالْأَدَاءِ وَالْإِضَافَةِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى جَازَ) كَمَا فِي الصَّلَاةِ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَلِأَنَّ ذِكْرَ الْغَدِ يُغْنِي عَنْ ذِكْرِ السَّنَةِ وَرَدَّهُ الْإِسْنَوِيُّ بِأَنَّ الْفَرْقَ بَيْنَ الْيَوْمِ الَّذِي يَصُومُهُ وَالْيَوْمِ الَّذِي يَصُومُ عَنْهُ مَعْلُومٌ فَالتَّعَرُّضُ لِلْغَدِ يُفِيدُ الَّذِي يَصُومُهُ وَالتَّعَرُّضُ لِلسَّنَةِ يُفِيدُ الَّذِي يَصُومُ عَنْهُ قَالَ وَيُوَضِّحُهُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرملي الكبير]
الْفَرْضُ بِالنَّفْلِ فَلَأَنْ يَسْقُطَ بِالْفَرْضِ مِنْ بَابِ أَوْلَى وَقَوْلُهُ وَهَذَا الِاحْتِمَالُ هُوَ الْمُتَّجَهُ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ

(قَوْلُهُ فَإِنْ شَكَّ فِي الِاتِّفَاقِ لَمْ يَجِبْ) قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَكَانَ الْمُرَادُ فِي الِابْتِدَاءِ أَمَّا لَوْ بَانَ بِالْآخِرَةِ اتِّفَاقُ الْمَطَالِعِ فَالظَّاهِرُ وُجُوبُ الْقَضَاءِ وَقَوْلُهُ فَالظَّاهِرُ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ

(قَوْلُهُ رُؤْيَةُ الْهِلَالِ نَهَارًا إلَخْ) عِبَارَةُ الْإِرْشَادِ وَلَا أَثَرَ لِرُؤْيَتِهِ نَهَارًا أَيْ لِقَوْلِهِ «- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ» أَيْ بَعْدَ رُؤْيَتِهِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} [الإسراء: 78] أَيْ بَعْدَ دُلُوكِهَا

[فَصْلٌ النِّيَّةُ فِي الصَّوْمِ]
(قَوْلُهُ وَيَجِبُ نِيَّةٌ جَازِمَةٌ) إذَا تَيَقَّنَ مَثَلًا أَنَّ عَلَيْهِ صَوْمَ يَوْمٍ وَلَمْ يَدْرِ أَنَّهُ مِنْ نَذْرٍ أَوْ كَفَّارَةٍ أَوْ قَضَاءِ رَمَضَانَ فَإِنَّهُ يَنْوِي صَوْمًا وَاجِبًا يُجْزِئُهُ وَلَا أَثَرَ لِتَرَدُّدِ النِّيَّةِ فِيهِ كَمَنْ نَسِيَ صَلَاةً مِنْ الْخَمْسِ لَا يَعْرِفُ عَيْنَهَا فَإِنَّهُ يُصَلِّي الْخَمْسَ وَيُعْذَرُ فِي عَدَمِ جَزْمِ النِّيَّةِ لِلضَّرُورَةِ كَذَا نَقَلَهُ النَّوَوِيُّ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ حِكَايَةِ الْبَيَانِ عَنْ الصَّيْمَرِيِّ وَأَقَرَّهُ قَالَ شَيْخُنَا عُلِمَ مِنْ هَذَا أَنَّهُ مَعَ احْتِمَالِ كَوْنِ مَا عَلَيْهِ مِنْ رَمَضَانَ اُغْتُفِرَ لَهُ عَدَمُ التَّعَرُّضِ لِرَمَضَانَ مَعَ كَوْنِهِ وَاجِبًا لِلضَّرُورَةِ هُنَا وَلَوْ أَرَادَ أَنْ يَتَعَرَّضَ لِذَلِكَ فَطَرِيقُهُ أَنْ يَقُولَ نَوَيْت صَوْمَ غَدٍ عَمَّا وَجَبَ عَلَيَّ مِنْ رَمَضَانَ إنْ كَانَ وَإِلَّا فَعَنْ غَيْرِهِ مِنْ الْوَاجِبِ عَلَيَّ (قَوْلُهُ مُعَيَّنَةٌ) لِأَنَّ الصَّوْمَ عِبَادَةٌ مُضَافَةٌ إلَى وَقْتٍ فَوَجَبَ التَّعْيِينُ فِي نِيَّتِهَا كَالصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ (قَوْلُهُ أَوْ كَانَ النَّاوِي صَبِيًّا) لَيْسَ عَلَى أَصْلِهَا صَوْمُ نَفْلٍ يُشْتَرَطُ فِيهِ التَّبْيِيتُ سِوَاهُ.
(تَنْبِيهٌ) قَالَ الْأَذْرَعِيُّ أَفْهَمَ كَلَامُ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ لَوْ ارْتَدَّ بَعْدَمَا نَوَى ثُمَّ أَسْلَمَ قَبْلَ الْفَجْرِ أَنَّهُ كَمَنْ أَكَلَ أَوْ جَامَعَ بَعْدَ النِّيَّةِ وَفِيهِ وَقْفَةٌ وَلَمْ أَرَ فِيهِ شَيْئًا اهـ تَبْطُلُ نِيَّتُهُ بِرَدَّتِهِ قَالَ النَّاشِرِيُّ وَحُكْمُ مَنْ نَفِسَتْ بَعْدَمَا نَوَتْ ثُمَّ طَهُرَتْ قَبْلَ الْفَجْرِ أَوْ جُنَّ بَعْدَمَا نَوَى ثُمَّ زَالَ الْجُنُونُ قَبْلَ الْفَجْرِ كَذَلِكَ فَلْيُتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَإِنَّمَا وَقَعَ ذَلِكَ مِنْ نَظَرِهِمْ إلَى التَّبْيِيتِ) قَالَ الْإِسْنَوِيُّ تَعْيِينُ الْغَدِ مِنْ الْوَاجِبَاتِ لَا مِنْ الْكَمَالِ وَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَ الْكَلَامَيْنِ

(1/411)


أَنَّ مَنْ نَوَى صَوْمَ الْغَدِ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ عَنْ فَرْضِ رَمَضَانَ يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ لَهُ صِيَامُك الْيَوْمَ الْمَذْكُورَ هَلْ هُوَ عَنْ فَرْضِ هَذِهِ السَّنَةِ أَوْ عَنْ فَرْضِ سَنَةٍ أُخْرَى فَالْحَاصِلُ أَنَّ هَذِهِ السَّنَةَ إنَّمَا ذَكَرُوهَا آخِرًا لِتَعُودَ إلَى الْمُؤَدَّى عَنْهُ لَا إلَى الْمُؤَدَّى بِهِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَجَعْلُهَا مِنْ الْكَمَالِ ظَاهِرٌ إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ قَضَاءُ رَمَضَانَ قَبْلَهُ وَإِلَّا فَيُشْبِهُ أَنْ يَتَعَرَّضَ لَهَا أَوْ لِلْأَدَاءِ وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ كَأَصْلِهِ اشْتِرَاطُ نِيَّةِ الْفَرْضِيَّةِ كَمَا فِي الصَّلَاةِ لَكِنْ صَحَّحَ فِي الْمَجْمُوعِ تَبَعًا لِلْأَكْثَرِينَ عَدَمَ اشْتِرَاطِهَا هُنَا بِخِلَافِهِ فِي الصَّلَاةِ لِأَنَّ صَوْمَ رَمَضَانَ مِنْ الْبَالِغِ لَا يَقَعُ إلَّا فَرْضًا بِخِلَافِ الصَّلَاةِ فَإِنَّ الْمُعَادَةَ نَفْلٌ وَرُدَّ بِاشْتِرَاطِ نِيَّتِهَا فِي الْمُعَادَةِ عَلَى الْأَصَحِّ وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ صَحَّحَ فِيهِ أَيْضًا عَدَمَ اشْتِرَاطِهَا فِي الْمُعَادَةِ فَإِنْ قُلْت الْجُمُعَةُ لَا تَقَعُ مِنْ الْبَالِغِ إلَّا فَرْضًا مَعَ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِيهَا نِيَّةُ الْفَرْضِيَّةِ قُلْت مَمْنُوعٌ فَإِنَّهُ لَوْ صَلَّاهَا بِمَكَانٍ ثُمَّ أَدْرَكَ جَمَاعَةً فِي آخَرَ يُصَلُّونَهَا فَإِنَّهَا لَا تَقَعُ مِنْهُ فَرْضًا

(وَلَوْ نَوَى صَوْمَ الشَّهْرِ كَفَاهُ لِلْيَوْمِ الْأَوَّلِ) أَيْ لِصَوْمِهِ لِدُخُولِهِ فِي صَوْمِ الشَّهْرِ (وَلَوْ نَوَى صَوْمَ غَدٍ وَهُوَ يَعْتَقِدُهُ الِاثْنَيْنِ وَكَانَ الثُّلَاثَاءَ أَوْ) صَوْمَ (رَمَضَانَ هَذِهِ السَّنَةَ وَهُوَ يَعْتَقِدُهَا سَنَةَ ثَلَاثٍ فَكَانَتْ سَنَةَ أَرْبَعٍ صَحَّ) صَوْمُهُ (بِخِلَافِ مَا لَوْ نَوَى صَوْمَ الثُّلَاثَاءِ لَيْلَةَ الِاثْنَيْنِ أَوْ) صَوْمَ (رَمَضَانَ سَنَةَ ثَلَاثٍ فَكَانَتْ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَلَمْ يَخْطُرْ بِهِ) أَيْ بِبَالِهِ فِي الْأُولَى (الْغُدُوُّ) فِي الثَّانِيَةِ (السَّنَةَ الْحَاضِرَةَ) لِأَنَّهُ لَمْ يُعَيِّنْ الْوَقْتَ أَيْ الَّذِي نَوَى فِي لَيْلَتِهِ (وَتَصْوِيرُ مِثْلِهِ بَعِيدٌ) وَقَوْلُهُ وَلَمْ يَخْطُرْ إلَى آخِرِهِ مِنْ زِيَادَتِهِ وَلَوْ كَانَ عَلَيْهِ قَضَاءُ رَمَضَانَيْنِ فَنَوَى صَوْمَ غَدٍ عَنْ قَضَاءِ رَمَضَانَ جَازَ وَإِنْ لَمْ يُعَيِّنْ أَنَّهُ عَنْ قَضَاءِ أَيِّهِمَا لِأَنَّهُ كُلُّهُ جِنْسٌ وَاحِدٌ قَالَهُ الْقَفَّالُ فِي فَتَاوِيهِ قَالَ وَكَذَا إذَا كَانَ عَلَيْهِ صَوْمُ نَذْرٍ مِنْ جِهَاتٍ مُخْتَلِفَةٍ فَنَوَى صَوْمَ النَّذْرِ جَازَ وَإِنْ لَمْ يُعَيِّنْ نَوْعَهُ وَكَذَا الْكَفَّارَاتُ وَجَعَلَ الزَّرْكَشِيُّ ذَلِكَ مُسْتَثْنَى مِنْ وُجُوبِ التَّعْيِينِ.

(وَلَوْ تَسَحَّرَ لِيَصُومَ) أَوْ شَرِبَ لِدَفْعِ الْعَطَشِ نَهَارًا (أَوْ امْتَنَعَ مِنْ الْأَكْلِ) أَوْ الشُّرْبِ أَوْ الْجِمَاعِ (خَوْفَ طُلُوعِ الْفَجْرِ فَهُوَ نِيَّةٌ إنْ خَطَرَ بِبَالِهِ صَوْمُ فَرْضِ رَمَضَانَ) لِيَتَضَمَّنَ كُلٌّ مِنْهَا قَصْدَ الصَّوْمِ وَعِبَارَةُ أَصْلِهِ إنْ خَطَرَ بِبَالِهِ الصَّوْمُ بِالصِّفَاتِ الَّتِي يُشْتَرَطُ التَّعَرُّضُ لَهَا (لَا إنْ تَسَحَّرَ لِيَقْوَى) عَلَى الصَّوْمِ فَلَا يَكْفِي فِي النِّيَّةِ وَهَذَا مَحْذُوفٌ فِي بَعْضِ النُّسَخِ وَثُبُوتُهُ فِي بَقِيَّتِهَا يَقْتَضِي أَنَّ الْمُصَنِّفَ فَهِمَ مِنْ كَلَامِ أَصْلِهِ أَنَّهُ لَا يَكْفِي مُطْلَقًا وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ بِبَادِئِ الرَّأْيِ لَكِنَّ الْحَقَّ أَنَّهُ يَكْفِي إنْ خَطَرَ بِبَالِهِ الصَّوْمُ وَكَلَامُ الْأَصْلِ صَالِحٌ لِأَخْذِهِ مِنْهُ (وَلَوْ نَوَى قَبْلَ الْغُرُوبِ أَوْ مَعَ) طُلُوعِ (الْفَجْرِ لَمْ يُجْزِهِ) لِظَاهِرِ الْخَبَرِ السَّابِقِ (أَوْ) نَوَى (قَبْلَ نِصْفِ اللَّيْلِ وَ) قَبْلَ (الْأَكْلِ وَالْجِمَاعِ وَالنَّوْمِ أَجْزَأَهُ) فَلَا حَاجَةَ لِتَجْدِيدِ النِّيَّةِ لِظَاهِرِ الْخَبَرِ وَلِأَنَّ كُلًّا مِنْ الْأَكْلِ وَمَا بَعْدَهُ مُبَاحٌ إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ فَلَوْ أَبْطَلَ النِّيَّةَ لَامْتَنَعَ إلَى طُلُوعِهِ

(وَتَكْفِي نِيَّةٌ مُطْلَقَةٌ فِي النَّفْلِ الْمُطْلَقِ) كَمَا فِي نَظِيرِهِ مِنْ الصَّلَاةِ (وَلَوْ قَبْلَ الزَّوَالِ لَا بَعْدَهُ) «لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِعَائِشَةَ يَوْمًا هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ غَدَاءٍ قَالَتْ لَا قَالَ فَإِنِّي إذًا أَصُومُ قَالَتْ وَقَالَ لِي يَوْمًا آخَرَ أَعِنْدَكُمْ شَيْءٌ قُلْت نَعَمْ قَالَ إذًا أُفْطِرُ وَإِنْ كُنْت فَرَضْت الصَّوْمَ» رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَصَحَّحَ إسْنَادَهُ وَاخْتَصَّ بِمَا قَبْلَ الزَّوَالِ لِلْخَبَرِ إذْ الْغَدَاءُ بِفَتْحِ الْغَيْنِ اسْمٌ لِمَا يُؤْكَلُ قَبْلَ الزَّوَالِ وَالْعَشَاءُ اسْمٌ لِمَا يُؤْكَلُ بَعْدَهُ وَلِأَنَّهُ مَضْبُوطٌ بَيِّنٌ وَلِإِدْرَاكِ مُعْظَمِ النَّهَارِ بِهِ كَمَا فِي رَكْعَةِ الْمَسْبُوقِ وَهَذَا جَرَى عَلَى الْغَالِبِ مِمَّنْ يُرِيدُ صَوْمَ النَّفْلِ وَإِلَّا فَلَوْ نَوَى قَبْلَ الزَّوَالِ وَقَدْ مَضَى مُعْظَمُ النَّهَارِ صَحَّ صَوْمُهُ (مَا لَمْ يَسْبِقْ) النِّيَّةَ (مُنَاقِضٌ) لِلصَّوْمِ مِنْ أَكْلٍ أَوْ غَيْرِهِ فَلَا بُدَّ مِنْ اجْتِمَاعِ شَرَائِطَ مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ (وَيُحْكَمُ بِالصَّوْمِ) فِي ذَلِكَ (مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ) حَتَّى يُثَابَ عَلَى جَمِيعِهِ إذْ صَوْمُ الْيَوْمِ لَا يَتَبَعَّضُ كَمَا فِي الرَّكْعَةِ بِإِدْرَاكِ الرُّكُوعِ (وَصَوْمُ مَا) أَيْ نَفْلٍ (لَهُ سَبَبٌ) كَصَوْمِ الِاسْتِسْقَاءِ بِغَيْرِ أَمْرِ الْإِمَامِ أَوْ مُؤَقَّتٌ كَصَوْمِ الِاثْنَيْنِ (يُقَاسُ عَلَى الصَّلَاةِ) فَيَجِبُ تَعْيِينُهُ فِي النِّيَّةِ كَمَا بَحَثَ الْأَوَّلَ فِي الْمُهِمَّاتِ وَالثَّانِي فِي الْمَجْمُوعِ وَأُجِيبَ عَنْ الثَّانِي بِأَنَّ الصَّوْمَ فِي الْأَيَّامِ الْمُتَأَكِّدِ صَوْمِهَا مُنْصَرِفٌ إلَيْهَا بَلْ لَوْ نَوَى بِهِ غَيْرَهَا حَصَلَتْ أَيْضًا كَتَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ وُجُودُ صَوْمٍ فِيهَا وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَصَوْمٌ إلَى آخِرِهِ مِنْ زِيَادَتِهِ وَهُوَ مَعَ مَا زِدْته خَارِجٌ بِمَا زَادَهُ بِقَوْلِهِ أَوَّلًا الْمُطْلَقُ وَلَعَلَّهُ تَرَكَ هُنَا مَا زِدْته لِأَنَّهُ لَا يَعْتَمِدُهُ نَظَرًا لِلْجَوَابِ الْمَذْكُورِ أَوْ غَيْرِهِ أَمَّا صَوْمُ الِاسْتِسْقَاءِ بِأَمْرِ الْإِمَامِ إذَا قُلْنَا بِوُجُوبِهِ كَمَا أَفْتَى بِهِ النَّوَوِيُّ فَيَجِبُ فِيهِ التَّبْيِيتُ كَمَا شَمِلَهُ قَوْلُهُمْ فِي الْفَرْضِ وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ إنَّهُ الظَّاهِرُ

(فَرْعٌ لَوْ لَمْ يَعْتَقِدْ غَدًا أَوَّلَ رَمَضَانَ أَوْ اعْتَقَدَهُ لَا بِسَبَبٍ)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرملي الكبير]
فَإِنَّهُ وَاجِبٌ بِسَبَبِ وُجُوبِ التَّبْيِيتِ

(قَوْلُهُ وَإِلَّا فَيُشْبِهُ إلَخْ) الرَّاجِحُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ كَمَا فِي الصَّلَاةِ بَلْ أَوْلَى

(قَوْلُهُ بِخِلَافِ مَا لَوْ نَوَى صَوْمَ الثُّلَاثَاءِ إلَخْ) لَوْ لَزِمَهُ قَضَاءُ أَوَّلِ يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ أَوْ قَضَاءُ يَوْمٍ مِنْهُ مِنْ سَنَةِ ثَلَاثٍ فَنَوَى قَضَاءَ الْيَوْمِ الثَّانِي أَوْ قَضَاءَ يَوْمٍ مِنْ سَنَةِ أَرْبَعٍ لَمْ يُجِزْهُ (قَوْلُهُ قَالَهُ الْقَفَّالُ فِي فَتَاوِيهِ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ وَكَلَامُ الْأَصْلِ صَالِحٌ لِأَخْذِهِ مِنْهُ) وَكَذَا كَلَامُ الْمُصَنِّفِ

(قَوْلُهُ وَالنَّوْمُ) أَيْ وَالْوِلَادَةُ وَالْجُنُونُ (قَوْلُهُ فَلَوْ أَبْطَلَ النِّيَّةَ إلَخْ) لَوْ ارْتَدَّ لَيْلًا بَطَلَتْ نِيَّتُهُ

(قَوْلُهُ وَلَوْ قَبْلَ الزَّوَالِ) لَوْ عَلَّقَ طَلَاقًا بِفِطْرِ زَيْدٍ قَبْلَ الزَّوَالِ لَمْ يَقَعْ حَتَّى تَزُولَ وَهُوَ غَيْرُنَا وَ (قَوْلُهُ كَمَا أَفْتَى بِهِ النَّوَوِيُّ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ كَمَا شَمِلَهُ قَوْلُهُمْ فِي الْفَرْضِ) وَجَرَى عَلَيْهِ الْإِسْنَوِيُّ وَكَتَبَ أَيْضًا وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ فِيهِ نِزَاعٌ لِلْمُتَأَخِّرِينَ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ وَيَبْعُدُ عَدَمُ صِحَّةِ صَوْمِ مَنْ لَمْ يَنْوِ لَيْلًا كُلَّ الْبُعْدِ قَالَ الْغَزِّيّ وَيَحْسُنُ تَخْرِيجُ وُجُوبِ التَّبْيِيتِ عَلَى صَوْمِ الصَّبِيِّ رَمَضَانَ أَوْ عَلَى صَوْمِ النَّذْرِ. اهـ. وَالظَّاهِرُ عَدَمُ الْوُجُوبِ لِأَنَّ صَلَاةَ الِاسْتِسْقَاءِ تَجِبُ بِأَمْرِ الْإِمَامِ وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ بِوُجُوبِ نِيَّةِ الْفَرْضِيَّةِ فِيهَا وَلِأَنَّ وُجُوبَ الصَّوْمِ لَيْسَ هُوَ لِعَيْنِهِ بَلْ لِعَارِضٍ وَهُوَ أَمْرُ الْإِمَامِ وَلِهَذَا لَا يَسْتَقِرُّ

(1/412)


وَفِي نُسْخَةٍ بِلَا سَبَبٍ (وَنَوَى الصَّوْمَ جَازِمًا) بِالنِّيَّةِ صُورَةً (أَوْ) مُتَرَدِّدًا كَأَنْ (قَالَ) لَيْلَةَ ثَلَاثِينَ شَعْبَانَ (أَصُومُ غَدًا إنْ دَخَلَ رَمَضَانُ) سَوَاءٌ أَقَالَ مَعَهُ وَإِلَّا فَأَنَا مُفْطِرٌ أَوْ مُتَطَوِّعٌ أَمْ لَا (لَمْ تُجْزِهِ) وَإِنْ دَخَلَ رَمَضَانُ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ دُخُولِهِ وَلِأَنَّهُ صَامَ شَاكًّا وَلَمْ يَعْتَمِدْ سَبَبًا وَالْجَزْمُ فِي الْأُولَى كَلَا جَزْمٍ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَعْتَقِدْهُ مِنْ رَمَضَانَ بِسَبَبٍ لَمْ يَتَأَتَّ مِنْهُ الْجَزْمُ حَقِيقَةً وَإِنَّمَا يَحْصُلُ لَهُ حَدِيثُ نَفْسٍ لَا اعْتِبَارَ بِهِ (فَإِنْ اعْتَقَدَهُ) أَوَّلَ رَمَضَانَ بِسَبَبٍ كَأَنْ اعْتَقَدَهُ (بِخَبَرِ) مَنْ يَثِقْ بِهِ مِنْ نَحْوِ (امْرَأَةٍ أَوْ عَبِيدٍ أَوْ صِبْيَانٍ ذَوِي رُشْدٍ) يَعْنِي مُخْتَبَرِينَ بِالصِّدْقِ.
(وَجَزَمَ) بِنِيَّةِ الصَّوْمِ (أَجْزَأَهُ) إنْ بَانَ مِنْ رَمَضَانَ لِظَنِّ أَنَّهُ مِنْهُ حَالَةَ النِّيَّةِ وَلِلظَّنِّ فِي مِثْلِ هَذَا حُكْمُ الْيَقِينِ فَتَصِحُّ النِّيَّةُ الْمَبْنِيَّةُ عَلَيْهِ وَجَمْعُ الْعَبِيدِ وَالصِّبْيَةِ لَيْسَ بِمُعْتَبَرٍ فَفِي الْمَجْمُوعِ لَوْ أَخْبَرَهُ بِالرُّؤْيَةِ مَنْ يَثِقُ بِهِ مِنْ حُرٍّ أَوْ عَبْدٍ أَوْ امْرَأَةٍ أَوْ فَاسِقٍ أَوْ مُرَاهِقٍ وَنَوَى صَوْمَ رَمَضَانَ فَبَانَ مِنْهُ أَجْزَأَهُ لِأَنَّهُ نَوَاهُ بِظَنٍّ وَصَادَفَهُ فَأَشْبَهَ الْبَيِّنَةَ (وَلَوْ تَرَدَّدَ) وَالْحَالَةُ هَذِهِ وَالْأَنْسَبُ رَدُّهُ فَقَالَ أَصُومُ غَدًا عَنْ رَمَضَانَ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْهُ فَهُوَ تَطَوُّعٌ وَبَانَ مِنْهُ (لَمْ يُجْزِهِ) كَذَا نَقَلَهُ الْإِمَامُ عَنْ ظَاهِرِ النَّصِّ وَحَكَاهُ عَنْهُ الشَّيْخَانِ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ وَالْمُتَّجَهُ الْإِجْزَاءُ لِأَنَّ النِّيَّةَ مَعْنًى قَائِمٌ بِالْقَلْبِ وَالتَّرَدُّدُ حَاصِلٌ فِي الْقَلْبِ قَطْعًا ذَكَرَهُ أَمْ لَمْ يَذْكُرْهُ وَقَصْدُهُ لِلصَّوْمِ إنَّمَا هُوَ بِتَقْدِيرِ كَوْنِهِ مِنْ رَمَضَانَ فَصَارَ كَالتَّرَدُّدِ فِي الْقَلْبِ بَعْدَ حُكْمِ الْحَاكِمِ وَذَكَرَ نَحْوَهُ الزَّرْكَشِيُّ قَالَ وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِمَا حَكَاهُ الْإِمَامُ عَنْ طَوَائِفَ وَكَلَامُ الْأُمِّ مُصَرِّحٌ بِهِ وَلَا نَقْلَ يُعَارِضُهُ إلَّا دَعْوَى الْإِمَامِ أَنَّهُ ظَاهِرُ النَّصِّ وَلَيْسَ كَمَا ادَّعَى قَالَ وَتَعْبِيرُهُ بِالتَّرَدُّدِ مَمْنُوعٌ فَإِنَّ هَذَا تَرْدِيدٌ لَا تَرَدُّدٌ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ التَّرَدُّدَ شَكٌّ لَا جَزْمَ فِيهِ بِأَحَدِ الطَّرَفَيْنِ بِخِلَافِ التَّرْدِيدِ فَإِنَّ فِيهِ الْجَزْمَ بِأَحَدِهِمَا لَكِنْ مُبْهَمًا انْتَهَى وَالْحَقُّ أَنَّ فِي ذَلِكَ تَرَدُّدًا وَتَرْدِيدًا وَلَوْ عَقَّبَ النِّيَّةَ بِمَشِيئَةِ زَيْدٍ ضَرَّ وَكَذَا بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى إلَّا أَنْ يَقْصِدَ التَّبَرُّكَ أَوْ وُقُوعَ الصَّوْمِ وَتَمَامَهُ بِهَا ذَكَرَهُ فِي الْمَجْمُوعِ

(وَإِنْ شَكَّ) بِالنَّهَارِ (هَلْ نَوَى) لَيْلًا (ثُمَّ تَذَكَّرَ) وَلَوْ (بَعْدَ مُضِيِّ أَكْثَرِ النَّهَارِ أَجْزَأَهُ) صَوْمُهُ وَكَذَا لَوْ نَوَى ثُمَّ شَكَّ أَطَلَعَ الْفَجْرُ أَمْ لَا بِخِلَافِ مَا لَوْ شَكَّ عِنْدَ النِّيَّةِ فِي أَنَّهَا مُتَقَدِّمَةٌ عَلَى الْفَجْرِ أَمْ لَا لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ تَقَدُّمِهَا أَمَّا إذَا لَمْ يَتَذَكَّرْ بِالنَّهَارِ فَلَا يُجْزِئُهُ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ النِّيَّةِ لَيْلًا وَلَمْ تَنْجَبِرْ بِالتَّذَكُّرِ نَهَارًا (فَإِنْ جَهِلَ سَبَبَ مَا عَلَيْهِ) مِنْ الصَّوْمِ مِنْ كَوْنِهِ قَضَاءً عَنْ رَمَضَانَ أَوْ نَذْرًا أَوْ كَفَّارَةً (كَفَاهُ نِيَّةُ الصَّوْمِ الْوَاجِبِ) لِلضَّرُورَةِ كَمَنْ نَسِيَ صَلَاةً مِنْ الْخَمْسِ لَا يَعْرِفُ عَيْنَهَا فَإِنَّهُ يُصَلِّي الْخَمْسَ وَيُجْزِئُهُ عَمَّا عَلَيْهِ وَيُعْذَرُ فِي عَدَمِ جَزْمِهِ بِالنِّيَّةِ لِلضَّرُورَةِ وَذَكَرَهُ فِي الْمَجْمُوعِ وَقَدْ يُقَالُ قِيَاسُ الصَّلَاةِ أَنْ يَصُومَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ يَنْوِيَ يَوْمًا عَنْ الْقَضَاءِ وَيَوْمًا عَنْ النَّذْرِ وَيَوْمًا عَنْ الْكَفَّارَةِ أَوْ يُقَالُ يُصَلِّي ثَلَاثَ صَلَوَاتٍ فَقَطْ الصُّبْحُ وَالْمَغْرِبُ وَإِحْدَى رُبَاعِيَةٍ يَنْوِي فِيهَا الصَّلَاةَ الْوَاجِبَةَ وَيُجَابُ بِأَنَّ الذِّمَّةَ هُنَا لَمْ تَشْتَغِلْ بِالثَّلَاثِ وَالْأَصْلُ بَعْدَ الْإِتْيَانِ بِصَوْمِ يَوْمٍ بِنِيَّةِ الصَّوْمِ الْوَاجِبِ بَرَاءَةُ ذِمَّتِهِ مِمَّا زَادَ بِخِلَافِ مَنْ نَسِيَ صَلَاةً مِنْ خَمْسٍ فَإِنَّ ذِمَّتَهُ اشْتَغَلَتْ بِجَمِيعِهَا وَالْأَصْلُ بَقَاءُ كُلٍّ مِنْهَا فَإِنْ فَرَضَ أَنَّ ذِمَّتَهُ اشْتَغَلَتْ بِصَوْمِ الثَّلَاثِ وَأَتَى بِاثْنَيْنِ مِنْهَا وَنَسِيَ الثَّالِثَ الْتَزَمَ فِيهِ ذَلِكَ وَإِنَّمَا لَمْ يَكْتَفُوا ثَمَّ بِنِيَّةِ الصَّلَاةِ الْوَاجِبَةِ كَنَظَائِرِهَا هُنَا لِأَنَّهُمْ تَوَسَّعُوا هُنَا مَا لَمْ يَتَوَسَّعُوا ثَمَّ بِدَلِيلِ عَدَمِ اشْتِرَاطِ الْمُقَارَنَةِ فِي نِيَّةِ الصَّوْمِ وَعَدَمِ الْخُرُوجِ مِنْهُ بِنِيَّةِ تَرْكِهِ بِخِلَافِهِمَا فِي الصَّلَاةِ وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَإِنْ شَكَّ إلَى آخِرِهِ مِنْ زِيَادَتِهِ وَصَرَّحَ بِهِ فِي الْمَجْمُوعِ

(فَإِنْ قَالَ آخِرَ رَمَضَانَ) أَيْ لَيْلَةَ ثَلَاثِيهِ (أَصُومُ غَدًا إنْ كَانَ مِنْ رَمَضَانَ وَإِلَّا أَفْطَرْت أَجْزَأَهُ لِلِاسْتِصْحَابِ) لِلْأَصْلِ (لَا إنْ قَالَ أَصُومُ غَدًا) مِنْ رَمَضَانَ (أَوْ أُفْطِرُ أَوْ أَتَطَوَّعُ) فَلَا يُجْزِئُهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَجْزِمْ وَلَهُ أَنْ يَعْتَمِدَ فِي نِيَّتِهِ وَصَوْمِهِ عَلَى حُكْمِ الْحَاكِمِ كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ وَمِمَّا ذَكَرَهُ فِي قَوْلِهِ (وَلَا أَثَرَ لِارْتِيَابٍ يَبْقَى بَعْدَ حُكْمِ الْحَاكِمِ) وَلَوْ بِشَهَادَةِ وَاحِدٍ لِلِاسْتِنَادِ إلَى ظَنٍّ مُعْتَمَدٍ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَهَذَا ظَاهِرٌ فِيمَنْ جَهِلَ حَالَ الشَّاهِدِ أَمَّا الْعَالِمُ بِفِسْقِهِ وَكَذِبِهِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الصَّوْمُ إذْ لَا يُتَصَوَّرُ مِنْهُ الْجَزْمُ بِالنِّيَّةِ بَلْ لَا يَجُوزُ لَهُ صَوْمُهُ حَيْثُ حَرُمَ صَوْمُهُ كَيَوْمِ الشَّكِّ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ وَلَوْ قَالَ لَيْلَةَ الثَّلَاثِينَ مِنْ شَعْبَانَ أَصُومُ غَدًا نَفْلًا إنْ كَانَ مِنْهُ وَإِلَّا فَمِنْ رَمَضَانَ وَلَمْ تَكُنْ أَمَارَةً فَبَانَ مِنْ شَعْبَانَ صَحَّ صَوْمُهُ نَفْلًا لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاؤُهُ صَرَّحَ بِهِ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ وَإِنْ بَانَ مِنْ رَمَضَانَ لَمْ يَصِحَّ صَوْمُهُ فَرْضًا وَلَا نَفْلًا

(وَالْأَسِيرُ) وَفِي مَعْنَاهُ الْمَحْبُوسُ وَبِهِ عَبَّرَ أَصْلُهُ (يَتَحَرَّى) وُجُوبًا إنْ اشْتَبَهَ عَلَيْهِ رَمَضَانُ فَلَا يُجْزِئُهُ الصَّوْمُ بِغَيْرِ تَحَرٍّ كَمَا فِي الصَّلَاةِ وَالْقِبْلَةِ (فَإِنْ وَافَقَ) صَوْمُهُ بِالتَّحَرِّي (الشَّهْرَ) الْمَطْلُوبَ مِنْهُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرملي الكبير]
فِي الذِّمَّةِ بِخِلَافِ الْمَنْذُورِ وَلِأَنَّ الْإِمَامَ لَوْ أَسْقَطَ عَنْهُمْ صَلَاةَ الِاسْتِسْقَاءِ سَقَطَ عَنْهُمْ وُجُوبُ صَوْمِهَا قِسْ

(قَوْلُهُ فَصَارَ كَالتَّرَدُّدِ فِي الْقَلْبِ إلَخْ) قَالَ وَاقْتَصَرَ الرَّافِعِيُّ عَلَى نَقْلِهَا عَنْ الْوَجِيزِ فِي آخِرِ الْمَسْأَلَةِ وَجَزَمَ بِهَا فِي الْمُحَرَّرِ فَتَبِعَهُ الْمِنْهَاجُ وَنَازَعَ فِي الْخَادِمِ فِي النَّقْلِ عَنْ الْمُحَرَّرِ وَفَرَّقَ بَيْنَ التَّصْوِيرَيْنِ (قَوْلُهُ وَكَلَامُ الْأُمِّ مُصَرَّحٌ بِهِ) هُوَ الْأَصَحُّ وَصَحَّحَهُ السُّبْكِيُّ فَإِنْ بَانَ مِنْ رَمَضَانَ أَجْزَأَهُ وَإِنْ بَانَ مِنْ شَعْبَانَ انْعَقَدَ نَفْلًا إنْ وَافَقَ عَادَةً لَهُ أَوْ وَصَلَهُ بِمَا قَبْلَ نِصْفِهِ

(قَوْلُهُ ثُمَّ تَذَّكَّر بَعْدَ مُضِيِّ أَكْثَرِ النَّهَارِ أَجْزَأَهُ إلَخْ) قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَكَذَا لَوْ تَذَكَّرَ بَعْدَ الْغُرُوبِ فِيمَا يَظْهَرُ. اهـ. وَهَذَا لَا يَنْبَغِي التَّرَدُّدُ فِيهِ إذْ نِيَّةُ الْخُرُوجِ لَا تُؤَثِّرُ فَكَيْفَ يُؤَثِّرُ الشَّكُّ فِي النِّيَّةِ بَلْ مَتَى تَذَكَّرَهَا قَبْلَ قَضَاءِ ذَلِكَ الْيَوْمِ لَمْ يَجِبْ قَضَاؤُهُ وَالتَّعْبِيرُ بِمَا ذُكِرَ لِلْإِشَارَةِ إلَى أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ تَذَكُّرُهَا عَلَى الْفَوْرِ (قَوْلُهُ وَيُجَابُ بِأَنَّ الذِّمَّةَ هُنَا إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ الْتَزَمَ فِيهِ ذَلِكَ) كَلَامُهُمْ بَاقٍ عَلَى عُمُومِهِ وَيُوَجَّهُ بِالتَّوَسُّعِ الْمَذْكُورِ

(قَوْلُهُ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الصَّوْمُ إلَخْ) هُوَ كَمَا قَالَ

(قَوْلُهُ وَالْأَسِيرُ يَتَحَرَّى) وُجُوبًا بِالنَّظَرِ فِي التَّوَارِيخِ الْمَعْلُومَةِ (قَوْلُهُ الْمَطْلُوبُ مِنْهُ

(1/413)


صَوْمُهُ كَرَمَضَانَ (أَوْ مَا بَعْدَهُ أَجْزَأَهُ) كَمَا فِي الصَّلَاةِ وَلِأَنَّهُ صَامَ الشَّهْرَ بِنِيَّتِهِ بَعْدَ وُجُوبِهِ وَيَكُونُ فِي الثَّانِيَةِ قَضَاءٌ لِأَنَّهُ وَقَعَ بَعْدَ خُرُوجِ وَقْتِهِ وَيُجْزِئُهُ أَيْضًا فِيمَا لَوْ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ وَافَقَهُ أَوْ لَا لِأَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ التَّحَرِّي الْإِصَابَةُ (لَا) إنْ وَافَقَ (مَا قَبْلَهُ) فَلَا يُجْزِئُهُ لِوُقُوعِهِ قَبْلَ وَقْتِهِ كَمَا فِي الصَّلَاةِ (وَلَوْ وَافَقَ شَوَّالًا وَكَانَ نَاقِصًا وَرَمَضَانُ تَامًّا قَضَى يَوْمَيْنِ) الْيَوْمَ النَّاقِصَ وَيَوْمَ الْعِيدِ لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ صَوْمُهُ (أَوْ بِالْعَكْسِ) بِأَنْ كَانَ شَوَّالٌ تَامًّا وَرَمَضَانُ نَاقِصًا (فَلَا قَضَاءَ) أَوْ كَانَا تَامَّيْنِ أَوْ نَاقِصَيْنِ قَضَى يَوْمًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ (أَوْ) وَافَقَ (الْحِجَّةَ) أَيْ ذَا الْحِجَّةِ (وَهُمَا) أَيْ رَمَضَانُ وَذُو الْحِجَّةِ (نَاقِصَانِ أَوْ كَامِلَانِ قَضَى أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ) يَوْمَ الْعِيدِ وَأَيَّامَ التَّشْرِيقِ إذْ لَا يَصِحُّ صَوْمُهَا (أَوْ) التَّامُّ ذُو الْحِجَّةِ (وَالنَّاقِصُ رَمَضَانُ قَضَى ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ أَوْ) التَّامُّ رَمَضَانُ وَالنَّاقِصُ ذُو (الْحِجَّةِ فَخَمْسَةُ أَيَّامٍ) يَقْضِيهَا (وَلَوْ تَحَرَّى لِشَهْرِ نَذْرٍ فَوَافَقَ رَمَضَانَ لَمْ يَسْقُطَا) أَيْ لَمْ يَسْقُطْ شَيْءٌ مِنْهُمَا لِأَنَّهُ إنَّمَا نَوَى النَّذْرَ وَرَمَضَانُ لَا يُقْبَلُ غَيْرُهُ وَهَذَا مِنْ زِيَادَتِهِ وَمِثْلُهُ لَوْ كَانَ عَلَيْهِ صَوْمُ قَضَاءٍ فَأَتَى بِهِ فِي رَمَضَانَ فَلَوْ تَحَرَّى فَلَمْ يَظْهَرْ لَهُ شَيْءٌ فَفِي الْمَجْمُوعِ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَصُومَ وَقِيلَ يَلْزَمُهُ تَخْمِينًا وَيَقْضِي كَنَظِيرِهِ فِي الْقِبْلَةِ وَأَجَابَ الْأَوَّلُ بِأَنَّهُ هُنَا لَمْ يَعْلَمْ دُخُولَ الْوَقْتِ وَلَمْ يَظُنَّهُ فَلَمْ يُؤْمَرْ بِالصَّوْمِ كَمَنْ شَكَّ فِي دُخُولِ وَقْتِ الصَّلَاةِ بِخِلَافِ الْقِبْلَةِ فَإِنَّهُ عَلِمَ دُخُولَ وَقْتِ الصَّلَاةِ وَإِنَّمَا عَجَزَ عَنْ شَرْطِهَا فَأُمِرَ بِالصَّلَاةِ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ لِحُرْمَةِ الْوَقْتِ

(فَرْعٌ) لَوْ (نَوَتْ الْحَائِضُ) أَوْ النُّفَسَاءُ الصَّوْمَ (قَبْلَ الِانْقِطَاعِ) لِلدَّمِ (ثِقَةً بِالْعَادَةِ وَانْقَطَعَ الدَّمُ لَيْلًا أَجْزَأَهَا) الصَّوْمُ بِهَذِهِ النِّيَّةِ لِأَنَّ الظَّاهِرَ اسْتِمْرَارُ الْعَادَةِ سَوَاءٌ اتَّحَدَتْ أَمْ اخْتَلَفَتْ وَاتَّسَقَتْ وَلَمْ تَنْسَ اتِّسَاقَهَا بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ تَكُنْ لَهَا عَادَةٌ وَلَمْ يَتِمَّ أَكْثَرُ الْحَيْضِ أَوْ النِّفَاسِ لَيْلًا أَوْ كَانَ لَهَا عَادَاتٌ مُخْتَلِفَةٌ غَيْرُ مُتَّسِقَةٍ أَوْ مُتَّسِقَةٍ وَنَسِيَتْ اتِّسَاقَهَا وَلَمْ يَتِمَّ أَكْثَرُ عَادَاتِهَا لَيْلًا لِأَنَّهَا لَمْ تَجْزِمْ وَلَا بَنَتْ عَلَى أَصْلٍ وَلَا أَمَارَةٍ (كَمَنْ نَوَتْ) قَبْلَ انْقِطَاعِ الدَّمِ (فِي لَيْلَةٍ يَتِمُّ بِهَا أَكْثَرُ الْحَيْضِ) أَوْ النِّفَاسِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَادَتُهَا فَإِنَّهُ يُجْزِئُهَا لِأَنَّهَا تَقْطَعُ بِأَنَّ نَهَارَهَا كُلَّهُ طُهْرٌ

(وَلَوْ نَوَى الصَّائِمُ تَرْكَ الصَّوْمِ) مُنَجِّزًا أَوْ مُعَلِّقًا كَأَنْ قَالَ تَرَكْت صَوْمِي أَوْ خَرَجْت مِنْهُ أَوْ إذَا جَاءَ فُلَانٌ تَرَكْت صَوْمِي أَوْ خَرَجْت مِنْهُ (أَوْ) نَوَى (قَلْبَهُ نَفْلًا) أَوْ فَرْضًا آخَرَ (لَمْ يَضُرَّ كَالْحَجِّ) بِجَامِعِ أَنَّ الْوَطْءَ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا يُوجِبُ الْكَفَّارَةَ بِشَرْطِهِ وَإِنْ لَمْ يُوجِبْهَا هُنَا إلَّا فِي صَوْمِ رَمَضَانَ وَتَنْظِيرُهُ بِالْحَجِّ مِنْ زِيَادَتِهِ أَمَّا لَوْ نَوَى ثُمَّ رَفَضَ النِّيَّةَ قَبْلَ الْفَجْرِ فَيَجِبُ تَجْدِيدُهَا بِلَا خِلَافٍ قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ وَقَدْ يُمْنَعُ بِأَنَّ الْأَكْلَ وَالْجِمَاعَ وَنَحْوَهُمَا بَعْدَ النِّيَّةِ لَا يُوجِبُ تَجْدِيدَهَا كَمَا مَرَّ وَبِأَنَّ الْأَذْرَعِيَّ قَالَ أَفْهَمَ كَلَامُ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ لَوْ ارْتَدَّ بَعْدَ النِّيَّةِ ثُمَّ أَسْلَمَ قَبْلَ الْفَجْرِ كَانَ كَمَنْ أَكَلَ أَوْ جَامَعَ بَعْدَهَا لَكِنَّهُ قَالَ عَقِبَهُ وَفِيهِ وَقْفَةٌ انْتَهَى وَيُجَابُ بِأَنَّ رَفْضَ النِّيَّةِ يُنَافِيهَا فَأَثَّرَ فِيهَا قَبْلَ الْفَجْرِ لِضَعْفِهَا حِينَئِذٍ بِخِلَافِ تِلْكَ الْأُمُورِ فَإِنَّهَا إنَّمَا تُنَافِي الصَّوْمَ لَا النِّيَّةَ وَقَضِيَّةُ هَذَا أَنَّ الرِّدَّةَ مُؤَثِّرَةٌ وَهُوَ ظَاهِرٌ

(فَصْلٌ وَيُفْطِرُ) الصَّائِمُ بِتَعَاطِي الْمُفْطِرَاتِ الْآتِي بَيَانُهَا فَيُفْطِرُ (بِالْجِمَاعِ) وَلَوْ بِغَيْرِ إنْزَالٍ (عَمْدًا) بِالْإِجْمَاعِ وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ} [البقرة: 187] وَالرَّفَثُ الْجِمَاعُ وَقَوْلُهُ عَمْدًا مِنْ زِيَادَتِهِ وَهُوَ مَعْلُومٌ مِمَّا سَيَأْتِي (وَالِاسْتِمْنَاءِ) وَهُوَ إخْرَاجُ الْمَنِيِّ بِغَيْرِ جِمَاعٍ مُحَرَّمًا كَانَ كَإِخْرَاجِهِ بِيَدِهِ أَوْ غَيْرَ مُحَرَّمٍ كَإِخْرَاجِهِ بِيَدِ زَوْجَتِهِ أَوْ أَمَتِهِ أَيْ وَيُفْطِرُ بِالِاسْتِمْنَاءِ عَمْدًا (وَلَوْ بِلَمْسٍ وَقُبْلَةٍ) بِلَا حَائِلٍ لِأَنَّهُ إذَا أَفْطَرَ بِالْجِمَاعِ بِلَا إنْزَالٍ فَبِالْإِنْزَالِ بِمُبَاشَرَةٍ فِيهَا نَوْعُ شَهْوَةٍ أَوْلَى بِخِلَافِ السَّهْوِ فِيهِ وَفِي الْجِمَاعِ كَالْأَكْلِ وَسَيَأْتِي التَّصْرِيحُ بِهِ فِي الْجِمَاعِ (لَا) بِالِاسْتِمْنَاءِ بِنَحْوِ (فِكْرٍ وَ) لَا (نَظَرٍ وَلَا ضَمٍّ) لِلْمَرْأَةِ أَوْ نَحْوِهَا إلَى نَفْسِهِ (بِحَائِلٍ) وَإِنْ تَكَرَّرَتْ الثَّلَاثَةُ بِشَهْوَةٍ إذْ لَا مُبَاشَرَةَ كَالِاحْتِلَامِ مَعَ أَنَّهُ يَحْرُمُ تَكْرِيرُهَا وَإِنْ لَمْ يُنْزِلْ وَلَوْ لَمَسَ شَعْرَهَا فَأَنْزَلَ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ قَالَ الْمُتَوَلِّي فَفِي فِطْرِهِ وَجْهَانِ بِنَاءً عَلَى انْتِقَاضِ الْوُضُوءِ بِلَمْسِهِ

قَالَ وَلَوْ حَكَّ ذَكَرَهُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرملي الكبير]
صَوْمُهُ كَرَمَضَانَ) شَمِلَ مَا لَوْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّ رَمَضَانَ قَدْ فَاتَ فَصَامَ شَهْرًا ثُمَّ ظَهَرَ لَهُ أَنَّ مَا صَامَهُ رَمَضَانَ (قَوْلُهُ لَا إنْ وَافَقَ مَا قَبْلَهُ إلَخْ) مِثْلُهُ مَا لَوْ تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ كَانَ يَصُومُ اللَّيْلَ.
(قَوْلُهُ وَرَمَضَانُ نَاقِصًا) فَإِنْ قِيلَ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ شَهْرَا عِيدٍ لَا يَنْقُصَانِ رَمَضَانُ وَذُو الْحِجَّةِ» وَلَا خِلَافَ أَنَّهُ لَوْ شَهِدَ عَدْلَانِ لَيْلَةَ الثَّلَاثِينَ مِنْ رَمَضَانَ بِرُؤْيَةِ هِلَالِ شَوَّالٍ قَبْلُ قِيلَ لَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُ لَا يُتَصَوَّر نَقْصُهُمَا لِوُجُودِ نَقْصِهِمَا مُشَاهَدَةً وَقَدْ قَالَ «ابْنُ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - صُمْنَا مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تِسْعًا وَعِشْرِينَ أَكْثَرَ مِمَّا صُمْنَا مَعَهُ ثَلَاثِينَ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ ثُمَّ قِيلَ الْمُرَادُ لَا يَنْقُصَانِ فِي سَنَةٍ وَاحِدَةٍ بَلْ إذَا نَقَصَ أَحَدُهُمَا تَمَّ الْآخَرُ وَقِيلَ أَشَارَ بِذَلِكَ إلَى سَنَةٍ مُعَيَّنَةٍ وَقِيلَ أَرَادَ أَنَّ الْعَمَلَ فِي عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ لَا يَنْقُصُ فِي الثَّوَابِ عَنْ رَمَضَانَ وَقِيلَ هُمَا وَإِنْ نَقَصَ عَدَدُهُمَا فَثَوَابُهُمَا كَامِلٌ وَقَدْ تَنْقُصُ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ مُتَوَالِيَةٍ لَا خَمْسَةٌ (قَوْلُهُ فَلَوْ تَحَرَّى فَلَمْ يَظْهَرْ لَهُ شَيْءٌ إلَخْ) لَوْ صَامَ يَوْمَيْنِ أَحَدُهُمَا عَنْ نَفْلٍ ثُمَّ عَلِمَ أَنَّهُ لَمْ يَنْوِ فِي أَحَدِهِمَا وَلَمْ يَدْرِ أَهْوَ الْفَرْضُ أَوْ النَّفَلُ لَزِمَتْهُ إعَادَةُ الْفَرْضِ

[فَرْعٌ نَوَتْ الْحَائِضُ أَوْ النُّفَسَاءُ الصَّوْمَ قَبْلَ الِانْقِطَاعِ لِلدَّمِ]
(قَوْلُهُ أَوْ كَانَ لَهَا عَادَاتٌ مُخْتَلِفَةٌ إلَخْ) لَوْ عَلِمَتْ بِالْعَادَةِ طُرُوُّ حَيْضِهَا بِالنَّهَارِ أَوْ أَخْبَرَهَا بِطُرُوِّهِ ثِقَةٌ أَوْ بِطُرُوِّ جُنُونِهَا أَوْ مَوْتِهَا لَزِمَهَا التَّبْيِيتُ وَلَوْ أَصْبَحَ صَائِمًا عَنْ قَضَاءٍ ثُمَّ اعْتَقَدَهُ عَنْ نَفْلٍ أَوْ نَذْرٍ إلَى الْغُرُوبِ لَمْ يَضُرَّ

(قَوْلُهُ وَيُجَابُ بِأَنَّ رَفْضَ النِّيَّةِ إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ وَقَضِيَّةُ هَذَا أَنَّ الرِّدَّةَ مُؤَثِّرَةٌ إلَخْ) تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي بَابِ صِلَةِ الْوُضُوءِ أَنَّ الرِّدَّةَ تُبْطِلُ نِيَّةَ الْوُضُوءِ

[فَصْلٌ مَا يُفْطِرُ الصَّائِمُ]
(قَوْلُهُ بِلَا حَائِلٍ) قَالَ شَيْخُنَا رَاجِعٌ لِمَا بَعْدَ الْغَايَةِ لَا لِمَا قَبْلَهَا (قَوْلُهُ لَا فِكْرٍ وَنَظَرٍ) قَالَ فِي الْقُوتِ يَنْبَغِي أَنَّهُ إذَا أَحَسَّ بِانْتِقَالِ الْمَنِيِّ وَتَهْيِئَتِهِ لِلْخُرُوجِ بِسَبَبِ اسْتِدَامَةِ النَّظَرِ فَاسْتَدَامَهُ أَنَّهُ يُفْطِرُ قَطْعًا وَكَذَا لَوْ عَلِمَ ذَلِكَ مِنْ عَادَتِهِ وَإِنَّمَا يَظْهَرُ التَّرَدُّدُ إذَا بَدَرَهُ الْإِنْزَالُ وَلَمْ يَعْلَمْهُ مِنْ نَفْسِهِ

(قَوْلُهُ وَلَوْ حَكَّ ذَكَرَهُ إلَخْ) أَوْ احْتَكَّ بِرَحْلِ مَرْكُوبِهِ

(1/414)


لِعَارِضِ سَوْدَاءَ أَوْ حَكَّهُ فَأَنْزَلَ لَمْ يُفْطِرْ عَلَى الْأَصَحِّ لِأَنَّهُ مُتَوَلِّدٌ مِنْ مُبَاشَرَةِ مُبَاحَةٍ وَلَوْ قَبَّلَهَا وَفَارَقَهَا سَاعَةً ثُمَّ أَنْزَلَ فَالْأَصَحُّ إنْ كَانَتْ الشَّهْوَةُ مُسْتَصْحَبَةً وَالذَّكَرُ قَائِمًا حَتَّى أَنْزَلَ أَفْطَرَ وَإِلَّا فَلَا قَالَهُ فِي الْبَحْرِ قَالَ وَلَوْ أَنْزَلَ بِلَمْسِ عُضْوِهَا الْمُبَانِ لَمْ يُفْطِرْ انْتَهَى وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْحُكْمَ كَذَلِكَ وَإِنْ اتَّصَلَ بِهَا عُضْوُهَا الْمُبَانُ لِحَرَارَةِ الدَّمِ هَذَا كُلُّهُ فِي الْوَاضِحِ أَمَّا الْمُشْكِلُ فَلَا يَضُرُّ وَطْؤُهُ وَإِمْنَاؤُهُ بِأَحَدِ فَرْجَيْهِ لِاحْتِمَالِ زِيَادَتِهِ جَزَمَ بِهِ فِي الْمَجْمُوعِ فِي بَابِ مَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْإِمْنَاءِ وَهُوَ لَا يُنَافِي مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ خُرُوجَ الْمَنِيِّ مِنْ غَيْرِ طَرِيقِهِ الْمُعْتَادِ كَخُرُوجِهِ مِنْ طَرِيقِهِ الْمُعْتَادِ لِأَنَّ ذَلِكَ مَحَلُّهُ إذَا انْسَدَّ الْأَصْلِيُّ وَذَكَرَ هُنَا عَنْ الْعِمْرَانِيِّ مَا يُوَافِقُ مَا جَزَمَ بِهِ ثُمَّ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمَنِيِّ وَالْحَيْضِ مَعَ زِيَادَةِ بَيَانِ حُكْمِ مَا إذَا أَمْنَى وَحَاضَ مَعًا فَرَاجِعْهُ

(وَالتَّقْبِيلُ) فِي الْفَمِ أَوْ غَيْرِهِ وَلَوْ مِنْ شَابٍّ (مُبَاحٌ إنْ لَمْ يُحَرِّكْ شَهْوَتَهُ) بِأَنْ مَلَكَ مَعَهُ نَفْسَهُ مِنْ الْجِمَاعِ أَوْ الْإِنْزَالِ (وَتَرْكُهُ أَوْلَى) حَسْمًا لِلْبَابِ إذْ قَدْ يَظُنُّهُ غَيْرَ مُحَرِّكٍ وَهُوَ مُحَرِّكٌ وَلِأَنَّ الصَّائِمَ يُسْتَحَبُّ لَهُ تَرْكُ الشَّهَوَاتِ مُطْلَقًا (وَلَوْ لَمْ يَمْلِكْ مَعَهُ نَفْسَهُ) مِمَّا ذُكِرَ (حَرُمَ) لِأَنَّ فِيهِ تَعْرِيضًا لِإِفْسَادِ الْعِبَادَةِ وَلِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ «مَنْ حَامَ حَوْلَ الْحِمَى يُوشِكُ أَنْ يَقَعَ فِيهِ» وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهُ «- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَخَّصَ فِي الْقُبْلَةِ لِلشَّيْخِ وَهُوَ صَائِمٌ وَنَهَى عَنْهَا الشَّبَابَ وَقَالَ الشَّيْخُ يَمْلِكُ إرْبَهُ وَالشَّابُّ يُفْسِدْ صَوْمَهُ» فَفَهِمْنَا مِنْ التَّعْلِيلِ أَنَّهُ دَائِرٌ مَعَ تَحْرِيكِ الشَّهْوَةِ بِالْمَعْنَى الْمَذْكُورِ

(وَ) يُفْطِرُ (بِاسْتِدْعَاءِ الْقَيْءِ) وَإِنْ لَمْ يَعُدْ شَيْءٌ مِنْهُ إلَى جَوْفِهِ فَإِنَّهُ مُفْطِرٌ لَعَيْنِهِ لَا لِعَوْدِ شَيْءٍ مِنْهُ (لَا إنْ ذَرَعَهُ) الْقَيْءُ بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ غَلَبَهُ فَلَا يُفْطِرُ بِهِ لِخَبَرِ «مَنْ ذَرَعَهُ الْقَيْءُ وَهُوَ صَائِمٌ فَلَيْسَ عَلَيْهِ قَضَاءٌ وَمَنْ اسْتَقَاءَ فَلْيَقْضِ» رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ وَغَيْرُهُ وَصَحَّحُوهُ (وَلَا قَلْعِ النُّخَامَةِ) مِنْ الْبَاطِنِ إلَى الظَّاهِرِ (مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ أَقَلَعَهَا مِنْ دِمَاغِهِ أَمْ مِنْ بَاطِنِهِ لِأَنَّ الْحَاجَةَ إلَيْهِ تَتَكَرَّرُ فَرَخَّصَ فِيهِ وَالنُّخَامَةُ هِيَ الْفَضْلَةُ الْغَلِيظَةُ الَّتِي يَلْفِظُهَا الشَّخْصُ مِنْ فِيهِ وَيُقَالُ لَهَا أَيْضًا النُّخَاعَةُ بِالْعَيْنِ

(فَرْعٌ يُفْطِرُ) الصَّائِمُ أَيْضًا (بِوُصُولِ عَيْنٍ) وَإِنْ قَلَّتْ كَسِمْسِمَةٍ وَلَمْ تُؤْكَلْ عَادَةً كَحَصَاةٍ (مِنْ الظَّاهِرِ فِي مَنْفَذٍ) بِفَتْحِ الْفَاءِ (مَفْتُوحٍ عَنْ قَصْدٍ) لِوُصُولِهَا (مَعَ ذِكْرِ الصَّوْمِ إلَى مَا يُسَمَّى جَوْفًا) لِعُمُومِ مَفْهُومِ آيَةِ {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ} [البقرة: 187] وَلِخَبَرِ الْبَيْهَقِيّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ أَوْ صَحِيحٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ إنَّمَا الْفِطْرُ مِمَّا دَخَلَ وَلَيْسَ بِمَا خَرَجَ أَيْ الْأَصْلُ ذَلِكَ وَخَرَجَ بِالْعَيْنِ الْأَثَرُ كَوُصُولِ الرِّيحِ بِالشَّمِّ إلَى دِمَاغِهِ وَالطَّعْمِ بِالذَّوْقِ إلَى حَلْقِهِ وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ مَعَ مَا يَخْرُجُ بِبَقِيَّةِ الْقُيُودِ (وَلَوْ لَمْ يَحِلَّ) الْجَوْفَ (الطَّعَامُ) فَإِنَّ الصَّائِمَ يُفْطِرُ بِهِ كَمَا يُفْطِرُ بِالْوُصُولِ إلَى حَلْقِهِ وَإِنْ لَمْ يَصِلْ إلَى مَعِدَتِهِ الْمُحِيلَةِ لِلطَّعَامِ

(فَيُفْطِرُ بِوُصُولِ الدَّوَاءِ مِنْ الْجَائِفَةِ وَالْمَأْمُومَةِ الْجَوْفِ) فِي الْأَوَّلِ (وَخَرِيطَةِ الدِّمَاغِ) فِي الثَّانِي وَإِنْ لَمْ يَصِلْ بَاطِنَ الْأَمْعَاءِ وَبَاطِنَ الْخَرِيطَةِ (وَ) يُفْطِرُ (بِالْحُقْنَةِ) وَهِيَ الْأَدْوِيَةُ الْمَعْرُوفَةُ أَيْ بِوُصُولِهَا الْجَوْفَ وَفَارَقَ عَدَمَ الْحُرْمَةِ بِحُقْنَةِ الصَّبِيِّ بِاللَّبَنِ بِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْإِرْضَاعِ إثْبَاتُ اللَّحْمِ وَاسْتِثْبَاتُ الْعَظْمِ وَذَلِكَ مَفْقُودٌ فِي الْحُقْنَةِ وَالْإِفْطَارُ يَتَعَلَّقُ بِالْوُصُولِ إلَى الْجَوْفِ وَقَدْ وَصَلَ، ذَكَرَهُ فِي الْمَطْلَبِ (وَالسَّعُوطِ) بِفَتْحِ السِّينِ وَهُوَ مَا يُصَبُّ فِي الْأَنْفِ مِنْ الْأَدْوِيَةِ أَيْ بِوُصُولِهِ الْجَوْفَ (ثُمَّ أَلْحَقَ وَمَا وَرَاءَ الْخَيَاشِيمِ) جَمْعُ خَيْشُومٍ وَهُوَ أَقْصَى الْأَنْفِ (جَوْفَانِ) فَالْوَاصِلُ إلَيْهِمَا مُفْطِرٌ (وَحُدِّدَ الظَّاهِرُ بِمَخْرَجِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ) كَالْمُعْجَمَةِ الْمَفْهُومَةِ بِالْأُولَى وَقَالَ الرَّافِعِيُّ نَقْلًا عَنْ الْغَزَالِيِّ مَخْرَجُهَا مِنْ الْبَاطِنِ بِخِلَافِ مَخْرَجِ الْمُعْجَمَةِ فَالْحَلْقُ فِي قَوْلِهِمْ الْوَاصِلُ إلَى الْحَلْقِ مُفْطِرٌ مَحْمُولٌ عَلَى مَا ضَبَطُوا بِهِ الْبَاطِنَ مِنْهُ (ثُمَّ دَاخِلُ الْفَمِ وَالْأَنْفِ إلَى مُنْتَهَى الْغَلْصَمَةِ) وَهِيَ بِغَيْنٍ مُعْجَمَةٍ مَفْتُوحَةٍ وَلَامٍ سَاكِنَةٍ وَصَادٍ مُهْمَلَةٍ الْمَوْضِعُ النَّاتِئُ فِي الْحَلْقِ (وَ) مُنْتَهَى (الْخَيْشُومِ ظَاهِرٌ) مِنْ حَيْثُ إنَّ الصَّائِمَ (يُفْطِرُ بِاسْتِخْرَاجِ الْقَيْءِ إلَيْهِ وَابْتِلَاعِ النُّخَامَةِ مِنْهُ سَوَاءٌ اسْتَدْعَاهَا) أَيْ اسْتَقْلَعَهَا إلَى الْفَمِ وَالْأَنْفِ (أَمْ لَا) بَلْ حَصَلَتْ فِيهِ بِلَا اسْتِدْعَاءٍ (فَإِنْ جَرَتْ بِنَفْسِهَا) مِنْ الْفَمِ أَوْ الْأَنْفِ وَنَزَلَتْ إلَى جَوْفِهِ (عَاجِزًا عَنْ الْمَجِّ) لَهَا (فَلَا) يُفْطِرُ لِلْعُذْرِ بِخِلَافِ مَا إذَا أُجْرِيَ ظَاهِرًا وَهُوَ ظَاهِرٌ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرملي الكبير]
قَوْلُهُ لَمْ يُفْطِرْ عَلَى الْأَصَحِّ إلَخْ) قَالَ الْأَذْرَعِيُّ فَلَوْ عَلِمَ مِنْ نَفْسِهِ أَنَّهُ إذَا حَكَّهُ أَنْزَلَ فَالْقِيَاسُ الْفِطْرُ وَيُؤْخَذُ مِنْ التَّعْلِيلِ الْمَذْكُورِ أَنَّهُ لَوْ قِيلَ مُحَرَّمَةٌ لِلشَّفَقَةِ وَالتَّكْرِيمِ فَأَنْزَلَ أَنَّهُ لَا يُفْطِرُ وَقَوْلُهُ فَالْقِيَاسُ الْفِطْرُ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ وَلَوْ أَنْزَلَ بِلَمْسِ عُضْوِهَا الْمُبَانِ إلَخْ) لِأَنَّ لَمْسَهُ لَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ (قَوْلُهُ وَإِنْ اتَّصَلَ بِهَا عُضْوُهَا الْمُبَانُ إلَخْ) أَفْهَمَ قَوْلُهُ الْمُبَانُ أَنَّهُ يُفْطِرُ فِيمَا يَحُثُّهُ الشَّارِحُ وَهُوَ كَذَلِكَ إنْ خَافَتْ مِنْ قَطْعِهِ مَحْذُورًا يُبِيحُ التَّيَمُّمَ وَقَدْ قَالَ فِي الْبَحْرِ لَوْ أَنْزَلَ بِلَمْسِ أُذُنِهَا الْمُلْتَصِقَةِ بِالدَّمِ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ (قَوْلُهُ وَذَكَرَ هُنَا عَنْ الْعِمْرَانِيِّ إلَخْ) قَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ إذَا أَمْنَى الْخُنْثَى الْمُشْكِلُ عَنْ مُبَاشَرَةٍ وَهُوَ صَائِمٌ أَوْ رَأَى الدَّمَ يَوْمًا كَامِلًا مِنْ فَرْجِ النِّسَاءِ لَمْ يَبْطُلْ صَوْمُهُ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ عُضْوٌ زَائِدٌ وَإِنْ أَمْنَى بِفَرْجِ الرِّجَالِ عَنْ مُبَاشَرَةٍ وَرَأَى الدَّمَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ مِنْ فَرْجِ النِّسَاءِ وَاسْتَمَرَّ الدَّمُ أَقَلَّ مُدَّةِ الْحَيْضِ بَطَلَ صَوْمُهُ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ رَجُلًا فَقَدْ أَنْزَلَ عَنْ مُبَاشَرَةٍ وَإِلَّا فَقَدْ حَاضَتْ فَإِنْ اسْتَمَرَّ بِهِ الدَّمُ بَعْدَ ذَلِكَ أَيَّامًا وَدَامَ يُنْزِلُ عَنْ مُبَاشَرَةٍ مِنْ آلَةِ الرِّجَالِ لَمْ يَبْطُلْ صَوْمُهُ فِي يَوْمِ انْفِرَادِ الدَّمِ أَوْ الْإِنْزَالِ حَيْثُ حَكَمْنَا بِفِطْرِهِ لِلِاحْتِمَالِ هَذَا كَلَامُ صَاحِبِ الْبَيَانِ

(قَوْلُهُ وَالتَّقْبِيلُ مُبَاحٌ إلَخْ) الْمُعَانَقَةُ وَالْمُبَاشَرَةُ بِالْيَدِ كَالتَّقْبِيلِ وَكَتَبَ أَيْضًا ظَاهِرُ إطْلَاقِهِ التَّسْوِيَةُ بَيْنَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ وَهُوَ الْمُتَّجَهُ

(قَوْلُهُ وَبِاسْتِدْعَاءِ الْقَيْءِ) هَذَا إذَا كَانَ عَالِمًا بِالْإِبْطَالِ فَإِنْ كَانَ جَاهِلًا أَفْطَرَ عِنْدَ الْقَاضِي حُسَيْنٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ حَدِيثَ عَهْدٍ بِالْإِسْلَامِ أَوْ نَشَأْ بِبَادِيَةٍ بَعِيدَةٍ عَنْ الْعُلَمَاءِ وَقَالَ صَاحِبُ الْبَحْرِ يُعَذَّرُ مُطْلَقًا وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ لِأَنَّهُ يُشْتَبَهُ عَلَى مَنْ نَشَأَ فِي الْإِسْلَامِ

(قَوْلُهُ يُفْطِرُ بِوُصُولِ عَيْنٍ إلَخْ) شَمِلَ مَا لَوْ فَاجَأَهُ الْقُطَّاعُ فَابْتَلَعَ الذَّهَبَ خَوْفًا عَلَيْهِ قَالَ شَيْخُنَا فَإِنَّهُ يُفْطِرُ خِلَافًا لِبَعْضِهِمْ

(قَوْلُهُ مَخْرَجُهَا مِنْ الْبَاطِنِ) الْمُرَادُ الْبَاطِنُ مَخْرَجُ الْهَاءِ وَالْهَمْزَةِ

(1/415)


أَوْ جَرَتْ بِنَفْسِهَا قَادِرًا عَلَى مَجِّهَا لِتَقْصِيرِهِ مَعَ أَنَّ نُزُولَهَا مَنْسُوبٌ إلَيْهِ وَبِهِ فَارَقَ مَا إذَا طَعَنَهُ غَيْرُهُ كَمَا سَيَأْتِي (لَا بِدُخُولِ شَيْءٍ إلَيْهِ) أَيْ إلَى دَاخِلِ الْفَمِ أَوْ الْأَنْفِ أَيْ لَا يُفْطِرُ بِهِ وَإِنْ أَمْسَكَهُ (فَإِنْ تَنَجَّسَ وَجَبَ غَسْلُهُ) وَالْحَاصِلُ أَنَّ لَهُ حُكْمَ الظَّاهِرِ فِيمَا ذُكِرَ (وَلَهُ حُكْمُ الْبَاطِنِ فِي ابْتِلَاعٍ) أَيْ فِي عَدَمِ الْإِفْطَارِ بِابْتِلَاعِ (الرِّيقِ مِنْهُ وَ) فِي (سُقُوطِ غُسْلِهِ عَنْ الْجُنُبِ) وَيُفَارِقُ وُجُوبَ غُسْلِ النَّجَاسَةِ عَنْهُ بِأَنَّ تَنَجُّسَ الْبَدَنِ أَنْدَرُ مِنْ الْجَنَابَةِ فَضَيَّقَ فِيهِ دُونَهَا

(فَرْعٌ لَوْ أَدْخَلَ) الصَّائِمُ (فِي أُذُنِهِ أَوْ إحْلِيلِهِ) وَهُوَ مَخْرَجُ الْبَوْلِ مِنْ الذَّكَرِ وَاللَّبَنِ مِنْ ثَدْيٍ (شَيْئًا فَوَصَلَ إلَى الْبَاطِنِ أَفْطَرَ) وَإِنْ كَانَ لَا مَنْفَذَ مِنْهُ إلَى الدِّمَاغِ فِي الْأَوْلَى لِأَنَّهُ نَافِذٌ إلَى دَاخِلِ قَحْفِ الرَّأْسِ وَهُوَ جَوْفٌ أَوْ لَمْ يُجَاوِزْ الدَّاخِلُ فِيهِ الْحَشَفَةَ أَوْ الْحَلَمَةَ فِي الثَّانِيَةِ لِوُصُولِهِ إلَى جَوْفٍ (وَلَا يُفْطِرُ بِالْفَصْدِ وَالْحِجَامَةِ) لِخَبَرِ الْبُخَارِيِّ أَنَّهُ «- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - احْتَجَمَ وَهُوَ صَائِمٌ» وَقِيسَ بِالْحِجَامَةِ الْفَصْدُ وَأَمَّا خَبَرُ أَبِي دَاوُد «أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ» فَأَجَابُوا عَنْهُ بِأَنَّهُ مَنْسُوخٌ بِخَبَرِ الْبُخَارِيِّ وَبِأَنَّ خَبَرَ الْبُخَارِيِّ أَصَحُّ وَيُعَضِّدُهُ أَيْضًا الْقِيَاسُ وَبِأَنَّ الْمَعْنَى أَنَّهُمَا تَعَرَّضَا لِلْإِفْطَارِ الْمَحْجُومِ لِلضَّعْفِ وَالْحَاجِمُ لِأَنَّهُ لَا يَأْمَنُ أَنْ يَصِلَ شَيْءٌ إلَى جَوْفِهِ بِمَصِّ الْمِحْجَمَةِ وَبِأَنَّهُمَا كَانَا يَغْتَابَانِ فِي صَوْمِهِمَا كَمَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ وَالْمَعْنَى أَنَّهُ ذَهَبَ أَجْرُهُمَا (وَيُكْرَهَانِ لَهُ) لِأَنَّهُمَا يُضْعِفَانِهِ وَهَذَا مَا جَزَمَ بِهِ الْأَصْلُ وَجَزَمَ فِي الْمَجْمُوعِ بِأَنَّ ذَلِكَ خِلَافُ الْأَوْلَى قَالَ الْإِسْنَوِيُّ وَهُوَ الْمَنْصُوصُ وَقَوْلُ الْأَكْثَرِينَ فَلْتَكُنْ الْفَتْوَى عَلَيْهِ وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الْمِنْهَاجِ وَأَصْلُهُ وَجَزَمَ الْمَحَامِلِيُّ بِأَنَّهُ يُكْرَهُ أَنْ يَحْجُمَ غَيْرَهُ أَيْضًا

(وَلَوْ طَعَنَ نَفْسَهُ) أَوْ طَعَنَهُ غَيْرُهُ بِإِذْنِهِ كَمَا فِي الْأَصْلِ بِحَدِيدَةٍ أَوْ نَحْوِهَا (فَوَصَلَتْ جَوْفَهُ لَا مُخَّ سَاقِهِ أَفْطَرَ) لِتَقْصِيرِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَأْذَنْ وَإِنْ تَمَكَّنَ مِنْ دَفْعِهِ إذْ لَا فِعْلَ لَهُ وَبِخِلَافِ مَا إذَا وَصَلَتْ مُخَّ سَاقِهِ أَوْ نَحْوِهَا لِأَنَّهُ لَا يُعَدُّ عُضْوًا مُجَوَّفًا قَالَهُ فِي الْأَصْلِ وَاسْتَشْكَلَ عَدَمُ إفْطَارِهِ بِطَعْنِ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ إذَا تَمَكَّنَ مِنْ دَفْعِهِ بِمَا لَوْ حَلَقَ شَعْرَ الْمُحْرِمِ بِغَيْرِ إذْنِهِ وَتَمَكَّنَ مِنْ الدَّفْعِ فَإِنَّهُ كَمَا لَوْ حَلَقَ بِإِذْنِهِ وَيُجَابُ بِأَنَّ الشَّعْرَ فِي يَدِ الْمُحْرِمِ كَالْوَدِيعَةِ وَتَرْكُ الدَّفْعِ عَنْهَا مُضَمَّنٌ بِخِلَافِ مَا هُنَا فَإِنَّ الْإِفْطَارَ بِهِ مَنُوطٌ بِمَا يُنْسَبُ فِعْلُهُ إلَى الصَّائِمِ

(وَلَا) يُفْطِرُ (بِالْكُحْلِ) أَيْ بِوُصُولِهِ الْعَيْنَ وَإِنْ وَجَدَ بِحَلْقِهِ مِنْهُ طَعْمًا لِأَنَّ الْعَيْنَ لَيْسَتْ جَوْفًا وَلَا مَنْفَذَ مِنْهَا لِلْحَلْقِ وَلِمَا رَوَى الْبَيْهَقِيُّ وَالْحَاكِمُ أَنَّهُ «- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَكْتَحِلُ بِالْإِثْمِدِ وَهُوَ صَائِمٌ» لَكِنْ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ أَنَّهُ ضَعِيفٌ قَالَ وَلَا كَرَاهَةَ فِي ذَلِكَ وَفِي حِلْيَةِ الرُّويَانِيِّ أَنَّهُ خِلَافُ الْأَوْلَى (وَمَا) أَيْ وَلَا بِمَا (تَشَرَّبَتْهُ الْمَسَامُّ) بِتَشْدِيدِ الْمِيمِ ثُقُبُ الْبَدَنِ جَمْعُ سَمٍّ بِتَثْلِيثِ السِّينِ وَالْفَتْحُ أَفْصَحُ وَذَلِكَ فِيمَا إذَا دَهَنَ بِدُهْنٍ فَلَا يُفْطِرُ بِهِ (وَإِنْ وَصَلَ إلَى الْجَوْفِ) لِأَنَّهُ لَمْ يَصِلْ فِي مَنْفَذٍ مَفْتُوحٍ فَأَشْبَهَ الِانْغِمَاسَ فِي الْمَاءِ وَإِنْ وَجَدَا أَثَرَهُ فِي بَاطِنِهِ

(فَرْعٌ لَوْ ابْتَلَعَ) بِاللَّيْلِ (طَرْفَ خَيْطٍ فَأَصْبَحَ صَائِمًا فَإِنْ ابْتَلَعَ بَاقِيَهُ أَوْ نَزَعَهُ أَفْطَرَ وَإِنْ تَرَكَهُ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَطَرِيقُهُ) فِي صِحَّةِ صَوْمِهِ وَصَلَاتِهِ (أَنْ يُنْزَعَ مِنْهُ وَهُوَ غَافِلٌ) قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَقَدْ لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ عَارِفٌ بِهَذَا الطَّرِيقِ وَيُرِيدُ هُوَ الْخَلَاصَ فَطَرِيقُهُ أَنْ يُجْبِرَهُ الْحَاكِمُ عَلَى نَزْعِهِ وَلَا يُفْطِرُ لِأَنَّهُ كَالْمُكْرَهِ بَلْ لَوْ قِيلَ أَنَّهُ لَا يُفْطِرُ بِالنَّزْعِ بِاخْتِيَارِهِ لَمْ يَبْعُدْ تَنْزِيلًا لِإِيجَابِ الشَّرْعِ مَنْزِلَةَ الْإِكْرَاهِ كَمَا إذَا حَلَفَ لَيَطَأَهَا فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ فَوَجَدَهَا حَائِضًا لَا يَحْنَثُ بِتَرْكِ الْوَطْءِ انْتَهَى أَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ غَافِلًا وَتَمَكَّنَ مِنْ دَفْعِ النَّازِعِ فَإِنَّهُ يُفْطِرُ لِأَنَّ النَّزْعَ مُوَافِقٌ لِغَرَضِ النَّفْسِ فَهُوَ مَنْسُوبٌ إلَيْهِ عِنْدَ تَمَكُّنِهِ مِنْ الدَّفْعِ وَبِهَذَا فَارَقَ مَنْ طَعَنَهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ وَتَمَكَّنَ مِنْ دَفْعِهِ (وَ) إذَا لَمْ يَتَّفِقْ شَيْءٌ مِمَّا ذُكِرَ (يَجِبُ نَزْعُهُ أَوْ ابْتِلَاعُهُ مُحَافَظَةً عَلَى الصَّلَوَاتِ) لِأَنَّ حُكْمَهَا أَغْلَظُ مِنْ حُكْمِ الصَّوْمِ لِقَتْلِ تَارِكِهَا دُونَ تَارِكِهِ (وَلَا يُفْطِرُ بِغُبَارِ الطَّرِيقِ وَغَرْبَلَةِ الدَّقِيقِ) لِعَدَمِ قَصْدِهِ لَهُمَا وَلِعُسْرِ تَجَنُّبِهِمَا (وَلَوْ فَتَحَ فَاهُ عَمْدًا) حَتَّى دَخَل التُّرَاب جَوْفَهُ فَإِنَّهُ لَا يُفْطِرُ بِهِ لِأَنَّهُ مَعْفُوٌّ عَنْ جِنْسِهِ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ تَبَعًا لِلرَّافِعِيِّ وَشَبَّهُوهُ بِالْخِلَافِ فِي الْعَفْوِ عَنْ دَمِ الْبَرَاغِيثِ الْمَقْتُولَةِ عَمْدًا وَقَضِيَّتُهُ تَصْحِيحُ أَنَّ مَحَلَّ عَدَمِ الْإِفْطَارِ بِهِ إذَا كَانَ قَلِيلًا وَلَوْ خَرَجَتْ مُقْعَدَةُ الْمَبْسُورِ ثُمَّ عَادَتْ لَمْ يُفْطِرْ وَكَذَا إنْ أَعَادَهَا عَلَى الْأَصَحِّ لِاضْطِرَارِهِ إلَيْهِ كَمَا لَا يَبْطُلُ طُهْرُ الْمُسْتَحَاضَةِ بِخُرُوجِ الدَّمِ ذَكَرَهُ الْبَغَوِيّ وَالْخُوَارِزْمِيّ وَيُوَجَّهُ أَيْضًا بِأَنَّهُ كَالرِّيقِ إذَا ابْتَلَعَهُ بَعْدَ انْفِصَالِهِ عَنْ الْفَمِ عَلَى اللِّسَانِ وَبِهِ يُفَارِقُ مَا لَوْ أَكَلَ جُوعًا

(فَرْعٌ) لَوْ (ابْتَلَعَ رِيقَهُ الصِّرْفَ) بِكَسْرِ الصَّادِ أَيْ الْخَالِصَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرملي الكبير]
قَوْلُهُ أَوْ جَرَتْ بِنَفْسِهَا قَادِرًا عَلَى مَجِّهَا) فَلَوْ كَانَ فِي الصَّلَاةِ وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى مَجِّهَا إلَّا بِظُهُورِ حَرْفَيْنِ لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ كَالتَّنَحْنُحِ لِتَعَذُّرِ الْقِرَاءَةِ الْوَاجِبَةِ وَبِهَذَا أَفْتَيْت (قَوْلُهُ وَبِهِ فَارَقَ مَا إذَا طَعَنَهُ غَيْرُهُ إلَخْ) قَالَ ابْنُ قَاضِي شُهْبَةَ وَفَرَّقَ شَيْخُنَا بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ بِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ قَصْدِهِ بِالطَّعْنِ وُصُولُ الطَّعْنَةِ إلَى جَوْفِهِ بِخِلَافِ النُّخَامَةِ فَإِنَّهُ يَغْلِبُ نُزُولُهَا إلَى الْجَوْفِ وَإِنْ لَمْ يَمُجَّهَا. اهـ. وَقَدْ يُفَرَّقُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ وَهُوَ أَنَّ الْمَطْعُونَ قَدْ يَظُنُّ الْقَتْلَ وَيَسْتَسْلِمُ كَمَا هُوَ الْأَفْضَلُ فَلَمْ يُنْسَبْ إلَى تَقْصِيرٍ فِي الدَّفْعِ فَلَا يُفْطِرُ بِوُصُولِ مَا طُعِنَ بِهِ بِخِلَافِ تَرْكِ النُّخَامَةِ

[فَرْعٌ أَدْخَلَ الصَّائِمُ فِي أُذُنِهِ أَوْ إحْلِيلِهِ شَيْئًا فَوَصَلَ إلَى الْبَاطِنِ]
(قَوْلُهُ لَوْ أَدْخَلَ فِي أُذُنِهِ أَوْ إحْلِيلِهِ شَيْئًا إلَخْ) لَوْ أَدْخَلَ أُصْبُعَهُ فِي دُبُرِهِ أَفْطَرَ وَكَذَا لَوْ فَعَلَ ذَلِكَ بِهِ غَيْرُهُ بِإِذْنِهِ فَلْيَتَحَفَّظْ حَالَةَ الِاسْتِنْجَاءِ مِنْ رَأْسِ الْأُنْمُلَةِ فَإِنَّهُ لَوْ دَخَلَ فِيهِ مِنْهَا أَدْنَى شَيْءٍ أَفْطَرَ قَالَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ (قَوْلُهُ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ وَهُوَ الْمَنْصُوصُ) قَالَ فِي الْبُوَيْطِيِّ وَالْأُمِّ وَتَرْكُهُ أَحَبُّ إلَيَّ. اهـ. وَظَاهِرٌ أَنَّهُ لَا يُخَالِفُ مَا جَزَمَ بِهِ الْأَصْلُ

(قَوْلُهُ كَمَا إذَا حَلَفَ لَيَطَأَهَا فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ إلَخْ) قَالَ شَيْخُنَا مَا ذَكَرَهُ مِنْ الْقِيَاسِ مَمْنُوعٌ (قَوْلُهُ وَيَجِبُ نَزْعُهُ أَوْ ابْتِلَاعُهُ إلَخْ) قَالَ ابْنُ الْعِمَادِ هَذَا كُلُّهُ إذَا لَمْ يَتَأَتَّ لَهُ قَطْعُ الْخَيْطِ مِنْ حَدِّ الظَّاهِرِ مِنْ الْفَمِ فَإِنْ تَأَتَّى وَجَبَ الْقَطْعُ وَابْتِلَاعُ مَا فِي حَدِّ الْبَاطِنِ وَإِخْرَاجُ مَا فِي حَدِّ الظَّاهِرِ وَإِذَا رَاعَى مَصْلَحَةَ الصَّلَاةِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَبْتَلِعَهُ وَلَا يُخْرِجَهُ لِئَلَّا يُؤَدِّيَ إلَى تَنْجِيسِ فَمِهِ (قَوْلُهُ لِأَنَّ حُكْمَهَا أَغْلَظُ إلَخْ) وَلِهَذَا لَا تُتْرَكُ الصَّلَاةُ بِالْعُذْرِ بِخِلَافِ الصَّوْمِ (قَوْلُهُ وَقَضِيَّتُهُ تَصْحِيحُ أَنَّ مَحَلَّ إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ وَكَذَا إنْ أَعَادَهَا عَلَى الْأَصَحِّ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ

(1/416)


(لَمْ يُفْطِرْ) لِعُسْرِ التَّحَرُّزِ عَنْهُ (وَلَوْ بَعْدَ جَمْعِهِ) وَلَوْ بِنَحْوِ مُصْطَكَى فَإِنَّهُ لَا يُفْطِرُ بِهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ مَعْدِنِهِ وَابْتِلَاعُهُ مُتَفَرِّقًا جَائِزٌ (وَيُفْطِرُ بِهِ إنْ تَنَجَّسَ) كَمَنْ دَمِيَتْ لِثَتُهُ أَوْ أَكَلَ شَيْئًا نَجِسًا وَلَمْ يَغْسِلْ فَمَهُ حَتَّى أَصْبَحَ وَإِنْ ابْيَضَّ رِيقُهُ وَكَذَا لَوْ اخْتَلَطَ بِطَاهِرٍ آخَرَ كَمَا أَفْهَمَهُ قَوْلُهُ الصِّرْفُ كَمَنْ فَتَلَ خَيْطًا مَصْبُوغًا تَغَيَّرَ بِهِ رِيقُهُ (أَوْ زَايَلَ) رِيقُهُ (فَمَهُ) أَيْ خَرَجَ مِنْهُ وَلَوْ إلَى ظَاهِرِ الشَّفَةِ (وَلَوْ فِي خَيْطِ) الْخَيَّاطِ أَوْ امْرَأَةٍ فِي غَزْلِهَا لِإِمْكَانِهِ التَّحَرُّزَ عَنْ ذَلِكَ وَلِمُفَارِقَةِ الرِّيقِ مَعْدِنَهُ فِي الْأَخِيرَةِ (لَا) إنْ زَايَلَ رِيقُهُ فَمَهُ (فِي لِسَانِهِ) فَلَا يُفْطِرُ بِبَلْعِهِ إذْ اللِّسَانُ كَيْفَمَا تَقَلَّبَ مَعْدُودٌ مِنْ دَاخِلِ الْفَمِ فَلَمْ يُفَارِقْ مَا عَلَيْهِ مَعْدِنَهُ

(فَرْعٌ لَا يُفْطِرُهُ وَلَا يَمْنَعُهُ مِنْ إنْشَاءِ صَوْمِ نَفْلٍ) بِالنَّهَارِ (سَبْقُ مَاءِ الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ الْمَشْرُوعَيْنِ) إلَى بَاطِنِهِ أَوْ دِمَاغِهِ (إنْ لَمْ يُبَالِغْ فِيهِ) أَيْ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا لِأَنَّهُ حَسَا مِنْ مَأْمُورٍ بِهِ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ (بِخِلَافِ) مَا إذَا بَالَغَ فِيهِ لِأَنَّهُ مَنْهِيٌّ عَنْ الْمُبَالَغَةِ وَبِخِلَافِ سَبْقِ مَاءَيْهِمَا غَيْرِ الْمَشْرُوعَيْنِ كَأَنْ جَعَلَ الْمَاءَ فِي فَمِهِ أَوْ أَنْفِهِ لَا لِغَرَضٍ وَبِخِلَافِ سَبْقِ مَاءِ (غُسْلِ التَّبَرُّدِ وَ) الْمَرَّةِ (الرَّابِعَةِ) مِنْ الْمَضْمَضَةِ أَوْ الِاسْتِنْشَاقِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَأْمُورٍ بِذَلِكَ بَلْ مَنْهِيٌّ عَنْهُ فِي الْمَرَّةِ الرَّابِعَةِ (وَلَا) يُفْطِرُهُ وَلَا يَمْنَعُهُ مِنْ إنْشَاءِ صَوْمِ نَفْلٍ سَبْقُ مَاءٍ (تَطْهِيرِ الْفَمِ) مِنْ نَجَاسَةٍ (وَإِنْ بَالَغَ فِيهِ) عِنْدَ الْحَاجَةِ لِوُجُوبِ إزَالَتِهَا (وَلَا) يُفْطِرُهُ وَلَا يَمْنَعُهُ مِمَّا ذُكِرَ (جَرْيُ الرِّيقِ بِبَقَايَا طَعَامٍ بَيْنَ أَسْنَانِهِ لَمْ يُمْكِنْ تَمْيِيزُهُ حِسًّا) لِأَنَّهُ مَعْذُورٌ فِيهِ بِخِلَافِ مَا إذَا أَمْكَنَهُ ذَلِكَ (وَلَا) جَرْيُهُ (بِأَثَرِ مَاءِ الْمَضْمَضَةِ) وَإِنْ أَمْكَنَهُ مَجَّهُ لِعُسْرِ التَّحَرُّزِ عَنْهُ

(فَرْعٌ وَإِنْ أُوجِرَ) بِأَنْ صُبَّ الْمَاءُ فِي حَلْقِهِ (مُكْرَهًا أَوْ مُغْمًى عَلَيْهِ أَوْ ضُبِطَتْ) امْرَأَةٌ (فَجُومِعَتْ) أَوْ جُومِعَتْ مُكْرَهَةً كَمَا ذَكَرَهُ الْأَصْلُ (لَمْ يُفْطِرْ) وَاحِدٌ مِنْهُمَا لِانْتِفَاءِ الْفِعْلِ وَالْقَصْدِ (وَكَذَا) لَا يُفْطِرُ (إذَا أَكَلَ أَوْ وَطِئَ مُكْرَهًا) كَمَا فِي الْحِنْثِ وَلِأَنَّ أَكْلَهُ وَوَطْأَهُ لَيْسَ مَنْهِيًّا عَنْهُمَا فَأَشْبَهَ النَّاسِيَ بَلْ أَوْلَى لِأَنَّهُ مُخَاطَبٌ بِالْأَكْلِ وَالْوَطْءِ لِدَفْعِ ضَرَرِ الْإِكْرَاهِ عَنْ نَفْسِهِ بِخِلَافِ النَّاسِي وَفَارَقَ الْأَكْلَ لِدَفْعِ الْجُوعِ بِأَنَّ الْإِكْرَاهَ قَادِحٌ فِي اخْتِيَارِهِ بِخِلَافِ الْجُوعِ لَا يَقْدَحُ فِيهِ بَلْ يَزِيدُهُ تَأْثِيرًا

(وَلَا يُفْطِرُ النَّاسِي) لِلصَّوْمِ (وَ) لَا (الْجَاهِلُ) بِتَحْرِيمِ مَا فَعَلَهُ وَبِكَوْنِهِ مُفْطِرًا (الْمَعْذُورُ) بِأَنْ قَرُبَ عَهْدُهُ بِالْإِسْلَامِ أَوْ نَشَأَ بِبَادِيَةٍ بَعِيدَةٍ عَنْ الْعُلَمَاءِ (بِالْأَكْلِ وَلَوْ كَثُرَ) لِعُمُومِ خَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ «مَنْ نَسِيَ وَهُوَ صَائِمٌ فَأَكَلَ أَوْ شَرِبَ فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ فَإِنَّمَا أَطْعَمَهُ اللَّهُ وَسَقَاهُ» فِي رِوَايَةٍ صَحَّحَهَا ابْنُ حِبَّانَ وَغَيْرُهُ وَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ وَفَارَقَ الصَّلَاةَ بِأَنَّ لَهَا هَيْئَةً تُذَكِّرُ الْمُصَلِّي أَنَّهُ فِيهَا فَيَنْدُرُ ذَلِكَ فِيهَا بِخِلَافِ الصَّوْمِ (وَلَا بِالْجِمَاعِ) قِيَاسًا عَلَى الْأَكْلِ (وَيَحْرُمُ أَكْلُ الشَّاكِّ هُجُومًا آخِرَ النَّهَارِ لَا آخِرَ اللَّيْلِ) لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ النَّهَارِ فِي الْأُولَى وَبَقَاءُ اللَّيْلِ فِي الثَّانِيَةِ وَلَا حَاجَةَ إلَى الْجَمْعِ بَيْنَ الشَّكِّ وَالْهُجُومِ (حَتَّى يَجْتَهِدَ) وَيَظُنَّ انْقِضَاءَ النَّهَارِ فَيَجُوزَ لَهُ الْأَكْلُ لَكِنَّ الْأَحْوَطَ أَنْ لَا يَأْكُلَ إلَّا بِيَقِينٍ كَمَا ذَكَرَهُ الْأَصْلُ (فَإِنْ غَلِطَ فِيهِمَا) أَيْ فِي الطَّرَفَيْنِ أَيْ مَجْمُوعِهِمَا (قَضَى) سَوَاءٌ أَكَلَ شَاكًّا فِي الْبَقَاءِ أَمْ ظَانًّا لَهُ (وَإِنْ أَشْكَلَ عَلَى الْهَاجِمِ) الْحَالُ بِأَنْ لَمْ يَتَبَيَّنْ لَهُ أَنَّهُ أَكَلَ نَهَارًا أَوْ لَيْلًا (قَضَى فِي الْأَوَّلَةِ) أَيْ فِيمَا إذَا أَكَلَ آخِرَ النَّهَارِ (فَقَطْ) أَيْ دُونَ الثَّانِيَةِ لِلْأَصْلِ فِيهِمَا

(فَرْعٌ لَوْ طَلَعَ الْفَجْرُ وَفِي فِيهِ) وَفِي نُسْخَةٍ فَمِهِ (طَعَامٌ فَلَفَظَهُ صَحَّ صَوْمُهُ وَلَوْ سَبَقَ مِنْهُ شَيْءٌ إلَى الْجَوْفِ) لِانْتِفَاءِ الْفِعْلِ وَالْقَصْدِ بِخِلَافِ مَا لَوْ ابْتَلَعَ مِنْهُ شَيْئًا بِاخْتِيَارِهِ فَإِنَّهُ يُفْطِرُ وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ فَلَفَظَهُ مَا لَوْ أَمْسَكَهُ مِنْ فِيهِ فَإِنَّهُ وَإِنْ صَحَّ صَوْمُهُ لَكِنَّهُ لَا يَصِحُّ مَعَ سَبْقِ شَيْءٍ مِنْهُ إلَى جَوْفِهِ كَمَا لَوْ وَضَعَهُ فِي فِيهِ نَهَارًا فَسَبَقَ مِنْهُ شَيْءٌ إلَى جَوْفِهِ كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ (وَكَذَا مُجَامِعٌ عَلِمَ بِالْفَجْرِ حِينَ طَلَعَ فَنَزَعَ) فِي الْحَالِ وَقَصَدَ بِالنَّزْعِ تَرْكَ الْجِمَاعِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ صَوْمُهُ وَإِنْ أَنْزَلَ لِتَوَلُّدِهِ مِنْ مُبَاشَرَةٍ مُبَاحَةٍ وَلِأَنَّ النَّزْعَ تَرْكٌ لِلْجِمَاعِ فَلَا يَتَعَلَّقُ بِهِ مَا يَتَعَلَّقُ بِالْجِمَاعِ كَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يَلْبَسُ ثَوْبًا وَهُوَ لَابِسُهُ فَنَزَعَهُ فِي الْحَالِ وَأَوْلَى مِنْ ذَلِكَ بِالصِّحَّةِ مَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ مِنْ أَنْ يَحُسَّ وَهُوَ مُجَامِعٌ بِتَبَاشِيرِ الصُّبْحِ فَيَنْزِعَ بِحَيْثُ يُوَافِقُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرملي الكبير]
[فَرْعٌ ابْتَلَعَ الصَّائِم رِيقه]
قَوْلُهُ كَمَنْ دَمِيَتْ لِثَتُهُ) قَالَ الْأَذْرَعِيُّ لَا يَبْعُدُ أَنْ يُقَالَ مَنْ عَمَّتْ بَلْوَاهُ بِدَمِ لِثَتِهِ بِحَيْثُ يَجْرِي دَائِمًا أَوْ غَالِبًا أَنَّهُ يَتَسَامَحُ بِمَا يَشُقُّ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ وَيَكْفِي بَصْقِهِ الدَّمَ وَيُعْفَى عَنْ أَثَرِهِ وَلَا سَبِيلَ إلَى تَكْلِيفِهِ غَسْلِهِ جَمِيعَ نَهَارِهِ إذَا الْفَرْضُ أَنَّهُ يَجْرِي دَائِمًا أَوْ يَتَرَشَّحُ وَرُبَّمَا إذَا غَسَلَهُ زَادَ جَرَيَانُهُ. اهـ. وَمَا تَفَقَّهَهُ ظَاهِرٌ (قَوْلُهُ أَوْ أَكَلَ شَيْئًا نَجِسًا إلَخْ) لِأَنَّ الرِّيقَ لَمَّا تَنَجَّسَ حَرُمَ ابْتِلَاعُهُ وَصَارَ بِمَثَابَةِ الْعَيْنِ الْأَجْنَبِيَّةِ

(قَوْلُهُ لِأَنَّهُ مَنْهِيٌّ عَنْ الْمُبَالَغَةِ) فَلَوْلَا أَنَّ الْفِطْرَ يَحْصُلُ بِهَا لَمَا نَهَى عَنْهَا (قَوْلُهُ وَبِخِلَافِ سَبْقِ مَاءِ غُسْلِ التَّبَرُّدِ إلَخْ) خَرَجَ بِهِ سَبْقُ مَاءِ غُسْلِ الْحَيْضِ أَوْ النِّفَاسِ أَوْ الْجَنَابَةِ أَوْ الْغُسْلِ الْمَسْنُونِ فَإِنَّهُ لَا يُفْطِرُ بِهِ

(قَوْلُهُ وَكَذَا لَا يُفْطِرُ إذَا أَكَلَ أَوْ وَطِئَ مُكْرَهًا) قَالَ الْأَذْرَعِيُّ ظَاهِرُ إطْلَاقِهِمْ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَحْرُمَ عَلَيْهِ الْفِطْرُ حَالَةَ الِاخْتِيَارِ أَوْ يَجِبَ عَلَيْهِ لَا لِلْإِكْرَاهِ بَلْ لِخَشْيَةِ التَّلَفِ مِنْ جُوعٍ أَوْ عَطَشٍ أَوْ يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ إنْقَاذُ نَفْسِهِ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ غَرَقٍ أَوْ نَحْوِهِ وَلَا يُمْكِنُهُ ذَلِكَ إلَّا بِالْفِطْرِ فَأُكْرِهَ عَلَيْهِ لِذَلِكَ وَيُحْتَمَلُ غَيْرُهُ لِأَنَّهُ إكْرَاهٌ بِحَقٍّ وَهُوَ آثِمٌ بِالِامْتِنَاعِ لِغَيْرِ الْإِكْرَاهِ بَلْ لِتَرْكِهِ الْوَاجِبَ وَقَوْلُهُ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ

(قَوْلُهُ فَأَكَلَ أَوْ شَرِبَ فَلِيُتِمَّ صَوْمَهُ إلَخْ) نَصَّ عَلَى الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَنَبَّهَ عَلَى غَيْرِهِمَا مِنْ طَرِيقِ الْأَوْلَى (قَوْلُهُ حَتَّى يَجْتَهِدَ) قِيَاسُ اعْتِمَادِ الِاجْتِهَادِ أَنْ يَجُوزَ اعْتِمَادُ خَبَرِ الثِّقَةِ فِي الْغُرُوبِ عَنْ مُشَاهَدَةٍ لَكِنْ جَزَمَ الْمَاوَرْدِيُّ بِاشْتِرَاطِ اثْنَيْنِ كَهِلَالِ شَوَّالٍ لَكِنْ فِي صَحِيحِ ابْنِ حِبَّانَ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إذَا كَانَ صَائِمًا أَمَرَ رَجُلًا فَأَوْفَى عَلَى نَشْزٍ فَإِذَا قَالَ غَرَبَتْ الشَّمْسُ أَفْطَرَ وَهُوَ قِيَاسُ مَا قَالُوهُ فِي الْقِبْلَةِ وَالْوَقْتِ وَالْأَذَانِ وَالْأَوَانِي وَغَيْرِهَا وَإِخْبَارُ الْعَدْلِ أَقْوَى مِنْ الِاجْتِهَادِ فَكَانَ بِالِاعْتِبَارِ أَوْلَى وَهُوَ الْوَجْهُ وَكَتَبَ أَيْضًا يُعْتَبَرُ قَوْلُ الْوَاحِدِ فِي طُلُوعِ الْفَجْرِ لِقَوْلِهِ «- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى تَسْمَعُوا أَذَانَ ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ»

(قَوْلُهُ وَقَصَدَ بِالنَّزْعِ تَرْكَ الْجِمَاعِ إلَخْ) أَمَّا إذَا قَصَدَ بِهِ طَلَبَ اللَّذَّةِ فَإِنَّهُ يَصِيرُ كَالْمُسْتَمِرِّ عَلَى الْجِمَاعِ لِأَنَّ اللَّذَّةَ بِالْإِيلَاجِ مَرَّةً وَبِالنَّزْعِ أُخْرَى

(1/417)


آخِرُ النَّزْعِ ابْتِدَاءَ الطُّلُوعِ.
(فَإِنْ اسْتَدَامَ) الْجِمَاعَ بَعْدَ عِلْمِهِ بِالطُّلُوعِ (أَفْطَرَ وَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ) كَالْمُجَامِعِ بَعْدَ الطُّلُوعِ بِجَامِعِ مَنْعِ الصِّحَّةِ بِجِمَاعٍ آثِمَ بِهِ بِسَبَبِ الصَّوْمِ بِخِلَافِ اسْتِمْرَارِ مُعَلِّقِ الطَّلَاقِ بِالْوَطْءِ لَا يَجِبُ بِهِ الْمَهْرُ وَالْفَرْقُ أَنَّ ابْتِدَاءَ فِعْلِهِ هُنَا لَا كَفَّارَةَ فِيهِ فَتَعَلَّقَ بِآخَرَ لِئَلَّا يَخْلُوَ جِمَاعُ نَهَارِ رَمَضَانَ عَنْهَا وَالْوَطْءُ ثَمَّ غَيْرُ خَالٍ عَنْ مُقَابَلَةِ الْمَهْرِ إذْ الْمَهْرُ فِي النِّكَاحِ يُقَابِلُ جَمِيعَ الْوَطْآتِ نَعَمْ إنْ اسْتَدَامَ لِظَنِّ أَنَّ صَوْمَهُ بَطَلَ وَإِنْ نَزَعَ فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ هَتْكَ الْحُرْمَةِ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُهُمْ وَصَرَّحَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ (وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ) بِطُلُوعِهِ (حَتَّى طَلَعَ أَفْطَرَ) لِأَنَّ بَعْضَ النَّهَارِ مَضَى وَهُوَ مُجَامِعٌ فَأَشْبَهَ الْغَالِطَ بِالْأَكْلِ (وَلَا كَفَّارَةَ) عَلَيْهِ (وَإِنْ اسْتَدَامَ عَالِمًا) بِطُلُوعِ الْفَجْرِ لِأَنَّ اسْتِدَامَتَهُ مَسْبُوقَةٌ بِالْإِفْطَارِ وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ كَأَصْلِهِ أَنَّ صَوْمَهُ فِي هَذِهِ وَاَلَّتِي قَبْلَهَا انْعَقَدَ ثُمَّ بَطَلَ وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ لَمْ يَنْعَقِدْ أَصْلًا وَنَظِيرُهُ مَا لَوْ أَحْرَمَ مُجَامِعًا وَسَيَأْتِي أَنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ لَكِنْ لَمْ يُنْزِلُوا مَنْعَ الِانْعِقَادِ مَنْزِلَةَ الْإِفْسَادِ بِخِلَافِهِ هُنَا وَيُفَرَّقُ بِأَنَّ النِّيَّةَ هُنَا مُتَقَدِّمَةٌ عَلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ فَكَأَنَّ الصَّوْمَ انْعَقَدَ ثُمَّ أُفْسِدَ بِخِلَافِهَا ثَمَّ (بِخِلَافِ مَنْ جَامَعَ نَاسِيًا ثُمَّ تَذَكَّرَ فَاسْتَدَامَ فَإِنَّهَا تَلْزَمُهُ) لِبُطْلَانِ صَوْمِهِ بِجِمَاعٍ أَثِمَ بِهِ بِسَبَبِ الصَّوْمِ (وَلَا مُعَوِّلَ عَلَى مَا يُعْلَمُ بِالْعَقْلِ بَلْ بِالرُّؤْيَةِ) نَظَرًا لِلظَّاهِرِ أَشَارَ إلَى جَوَابِ سُؤَالٍ ذَكَرَهُ الْأَصْلُ مَعَ السُّؤَالِ وَمَعَ جَوَابٍ آخَرَ بِقَوْلِهِ فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ يُعْلَمُ الْفَجْرُ بِمُجَرَّدِ طُلُوعِهِ وَطُلُوعُهُ الْحَقِيقِيُّ يَتَقَدَّمُ عَلَى عِلْمِنَا بِهِ فَأَجَابَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ بِجَوَابَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهَا مَسْأَلَةٌ وُضِعَتْ عَلَى التَّقْدِيرِ وَلَا يَلْزَمُ وُقُوعُهَا وَالثَّانِي أَنَّا تُعُبِّدْنَا بِمَا نَطَّلِعُ عَلَيْهِ وَلَا مَعْنَى لِلصُّبْحِ إلَّا ظُهُورُ الضَّوْءِ لِلنَّاظِرِ وَمَا قَبْلَهُ لَا حُكْمَ لَهُ فَالْعَارِفُ بِالْأَوْقَاتِ وَمَنَازِلِ الْقَمَرِ يُدْرِكُ أَوَّلَ الصُّبْحِ الْمُعْتَبَرِ زَادَ فِي الرَّوْضَةِ قُلْت هَذَا الثَّانِي هُوَ الصَّحِيحُ

(فَصْلٌ وَشُرُوطُهُ) أَيْ الصَّوْمِ مِنْ حَيْثُ الْفَاعِلُ وَالْوَقْتُ (أَرْبَعَةٌ الْإِسْلَامُ) فَلَا يَصِحُّ صَوْمُ الْكَافِرِ أَصْلِيًّا كَانَ أَوْ مُرْتَدًّا وَلَوْ نَاسِيًا لِلصَّوْمِ (وَالطُّهْرُ مِنْ حَيْضٍ وَنِفَاسٍ) فَلَا يَصِحُّ صَوْمُ الْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ (وَالْعَقْلُ) أَيْ التَّمْيِيزُ فَلَا يَصِحُّ صَوْمُ غَيْرِ الْمُمَيِّزِ كَمَنْ زَالَ عَقْلُهُ وَلَوْ بِشُرْبِ دَوَاءٍ لَيْلًا كَالصَّلَاةِ فِي الثَّلَاثَةِ (وَالْوَقْتُ الْقَابِلُ) لِلصَّوْمِ لِمَا سَيَأْتِي وَعَدُّهُ كَأَصْلِهِ لِهَذَا شَرْطًا أَوْلَى مِنْ عَدِّ بَعْضِهِمْ لَهُ رُكْنًا وَإِنْ كُنْت تَبِعْته فِي مَوْضِعٍ (فَالْأَوَّلَانِ) مِنْ الْأَرْبَعَةِ (يُشْتَرَطَانِ فِي جَمِيعِ النَّهَارِ) فَلَوْ ارْتَدَّ أَوْ حَاضَتْ أَوْ نَفِسَتْ فِي بَعْضِهِ بَطَلَ صَوْمُهُ وَكَذَا لَوْ وَلَدَتْ وَلَمْ تَرَ دَمًا كَمَا صَحَّحَهُ فِي الْمَجْمُوعِ (وَأَمَّا الثَّالِثُ) فَيُفْصَلُ فِيهِ بَيْنَ زَوَالِهِ بِجُنُونٍ وَغَيْرِهِ (فَتُشْتَرَطُ السَّلَامَةُ مِنْ الْجُنُونِ فِي جَمِيعِ النَّهَارِ) فَلَوْ جُنَّ فِي بَعْضِهِ بَطَلَ صَوْمُهُ وَمِثْلُهُ عَدَمُ التَّمْيِيزِ لِلصَّغِيرِ (وَ) تُشْتَرَطُ السَّلَامَةُ (مِنْ الْإِغْمَاءِ وَالسُّكْرِ فِي جُزْءٍ مِنْهُ) فَيَكْفِي انْتِفَاؤُهُمَا لَحْظَةً مِنْهُ لِأَنَّهُمَا مَا فِي الِاسْتِيلَاءِ عَلَى الْعَقْلِ فَوْقَ النَّوْمِ وَدُونَ الْجُنُونِ فَلَوْ قُلْنَا إنَّ الْمُسْتَغْرِقَ مِنْهُمَا لَا يَضُرُّ كَالنَّوْمِ لَأَلْحَقْنَا الْأَقْوَى بِالْأَضْعَفِ وَلَوْ قُلْنَا إنَّ اللَّحْظَةَ مِنْهُمَا تَضُرُّ كَالْجُنُونِ لَأَلْحَقْنَا الْأَضْعَفَ بِالْأَقْوَى فَتَوَسَّطْنَا وَقُلْنَا إنَّ الْإِفَاقَةَ فِي اللَّحْظَةِ كَافِيَةٌ.
(وَلَا يَضُرُّ اسْتِغْرَاقُ النَّهَارِ بِالنَّوْمِ) لِبَقَاءِ أَهْلِيَّةِ الْخِطَابِ مَعَهُ إذْ النَّائِمُ يَتَنَبَّهُ إذَا نُبِّهَ وَلِهَذَا يَجِبُ قَضَاءُ الصَّلَاةِ الْفَائِتَةِ بِالنَّوْمِ دُونَ الْفَائِتَةِ بِالْإِغْمَاءِ (وَالرَّابِعُ لِوَقْتٍ فَيَصِحُّ) الصَّوْمُ فِي أَيَّامِ السَّنَةِ كُلِّهَا (إلَّا فِي) يَوْمَيْ (الْعِيدَيْنِ فَحَرَامٌ) فَلَا يَصِحُّ صَوْمُهُمَا وَلَوْ عَنْ وَاجِبٍ لِلنَّهْيِ عَنْهُ فِي خَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ (وَكَذَا أَيَّامُ التَّشْرِيقِ) وَهِيَ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ بَعْدَ يَوْمِ الْأَضْحَى لِلنَّهْيِ عَنْ صِيَامِهَا فِي خَبَرِ أَبِي دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَفِي خَبَرِ مُسْلِمٍ «أَنَّهَا أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ وَذِكْرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ» (وَلَوْ) كَانَ صَوْمُهَا (لِلْمُتَمَتِّعِ) الْعَادِمِ لِلْهَدْيِ لِعُمُومِ النَّهْيِ عَنْهُ هَذَا هُوَ الْجَدِيدُ وَفِي الْقَدِيمِ يَجُوزُ لَهُ صَوْمُهَا عَنْ الثَّلَاثَةِ الْوَاجِبَةِ فِي الْحَجِّ لِمَا رَوَى الْبُخَارِيُّ عَنْ عَائِشَةَ وَابْنِ عُمَرَ قَالَا لَمْ يُرَخِّصْ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ أَنْ يُصَمْنَ إلَّا لِمَنْ لَمْ يَجِدْ الْهَدْيَ قَالَ فِي الرَّوْضَةِ وَهُوَ الرَّاجِحُ دَلِيلًا أَيْ نَظَرًا إلَى أَنَّ الْمُرَادَ لَمْ يُرَخِّصْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

(وَكَذَا يَوْمُ الشَّكِّ) صَوْمُهُ حَرَامٌ فَلَا يَصِحُّ «لِقَوْلِ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ مَنْ صَامَ يَوْمَ الشَّكِّ فَقَدْ عَصَى أَبَا الْقَاسِمِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ وَصَحَّحُوهُ وَعَلَّقَهُ الْبُخَارِيُّ قِيلَ وَالْمَعْنَى فِيهِ الْقُوَّةُ عَلَى صَوْمِ رَمَضَانَ وَضَعَّفَهُ السُّبْكِيُّ بِعَدَمِ كَرَاهَةِ صَوْمِ شَعْبَانَ عَلَى أَنَّ الْإِسْنَوِيَّ قَالَ إنَّ الْمَعْرُوفَ الْمَنْصُوصَ الَّذِي عَلَيْهِ الْأَكْثَرُونَ الْكَرَاهَةُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرملي الكبير]
قَوْلُهُ صَوَابُهُ اسْتَدَامَ) مَا عَبَّرَ بِهِ الْمُصَنِّفُ صَوَابٌ بَلْ لَوْ عَبَّرَ بِاسْتَدَامَ لَصَارَ قَوْلُهُ وَإِنْ اسْتَدَامَ عَالِمًا كَالْمُكَرَّرِ (قَوْلُهُ وَإِنْ نَزَعَ فَلَا كَفَّارَةَ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ لَمْ يَنْعَقِدْ أَصْلًا) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ قَالَ شَيْخُنَا لَوْ بَقِيَ لِلْفَجْرِ مَا يَسَعُ الْإِيلَاجَ دُونَ النَّزْعِ حَرُمَ الْإِيلَاجُ كَمَا قَالَهُ ابْنُ خَيْرَانَ وَإِنْ خَالَفَهُ غَيْرُهُ لِأَنَّ الْإِيلَاجَ سَبَبٌ لِلْمُحَرَّمِ وَالْوَسَائِلُ تُعْطَى حُكْمَ الْمَقَاصِدِ.

[فَصْلٌ شُرُوطُ الصَّوْمِ]
(فَصْلٌ) (قَوْلُهُ وَشُرُوطُهُ أَرْبَعَةٌ الْإِسْلَامُ) قَالَ الْأَذْرَعِيُّ تَضَمَّنَتْ عِبَارَةُ شَرْحِ الْمُهَذَّبِ أَنَّهُ لَوْ ارْتَدَّ بِقَلْبِهِ نَاسِيًا لِلصَّوْمِ ثُمَّ أَسْلَمَ فِي يَوْمِهِ أَنَّهُ لَا يُفْطِرُ وَلَا أَحْسِبُ الْأَصْحَابَ يَسْمَحُونَ بِهِ وَلَا أَنَّهُ أَرَادَهُ وَإِنْ شَمِلَهُ لَفْظُهُ انْتَهَى قَدْ عُلِمَ مِنْ قَوْلِهِمْ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ الْإِسْلَامُ جَمِيعَ النَّهَارِ أَنَّهُ يُفْطِرُ وَكَتَبَ أَيْضًا لَوْ اعْتَقَدَ صَبِيٌّ أَبَوَاهُ مُسْلِمَانِ كُفْرًا فِي صَوْمِهِ أَوْ وُضُوئِهِ لَمْ يَضُرَّ وَفِي صَلَاتِهِ بَطَلَتْ (قَوْلُهُ فَلَا يَصِحُّ صَوْمُ الْكَافِرِ أَصْلِيًّا إلَخْ) لَا تَجُوزُ لِلْمُسْلِمِ إعَانَةٌ لِكَافِرٍ عَلَى مَا لَا يَحِلُّ عِنْدَنَا كَالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ بِضِيَافَةٍ أَوْ غَيْرِهَا (قَوْلُهُ وَلَوْ نَاسِيًا لِلصَّوْمِ) قَالَ شَيْخُنَا أَيْ ارْتَدَّ وَهُوَ نَاسٍ لِلصَّوْمِ فَيَبْطُلُ بِهَا (قَوْلُهُ وَنِفَاسٍ) لَوْ وَلَدَتْ وَلَمْ تَرَ بَلَلًا أَفْطَرَتْ عَلَى الْأَصَحِّ (قَوْلُهُ وَمِنْ الْإِغْمَاءِ وَالسُّكْرِ فِي جُزْءٍ مِنْهُ) فَلَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ أَوْ سَكِرَ جَمِيعَ النَّهَارِ وَقَدْ نَوَى لَيْلًا لَمْ يَصِحَّ صَوْمُهُ لِأَنَّ الصَّوْمَ تَرْكٌ وَنِيَّةٌ وَلَوْ انْفَرَدَ التَّرْكُ لَمْ يَصِحَّ فَكَذَا إذَا انْفَرَدَتْ النِّيَّةُ عَنْهُ وَإِنْ لَمْ يَنْوِ لَيْلًا فَأَوْلَى أَنْ لَا يَصِحَّ.
(قَوْلُهُ لِأَنَّهُمَا فِي الِاسْتِيلَاءِ إلَى آخِرِهِ) وَقَدْ قَصَدَ أَوْ اسْتِدَامَةَ الْقَصْدِ لَا تُشْتَرَطُ كَمَا لَوْ نَامَ أَوْ عَزَبَتْ نِيَّتُهُ (قَوْله وَكَذَا أَيَّامُ التَّشْرِيقِ) سُمِّيَتْ هَذِهِ أَيَّامَ التَّشْرِيقِ لِإِشْرَاقِ نَهَارِهَا بِالشَّمْسِ وَلَيْلِهَا بِالْقَمَرِ وَقِيلَ لِأَنَّ النَّاسَ يَشْرَقُونَ اللَّحْمَ فِيهَا فِي الشَّمْسِ هَكَذَا هُوَ بِالنُّسَخِ وَلَكِنَّ هَذَا اللَّفْظَ لَيْسَ بِنُسَخِ الشَّرْحِ

(1/418)


لَا التَّحْرِيمُ (إلَّا مَا) أَيْ صَوْمًا (لَهُ سَبَبٌ) كَوِرْدٍ وَنَذْرٍ وَقَضَاءٍ فَيَصِحُّ إيقَاعُهُ يَوْمَ الشَّكِّ كَنَظِيرِهِ مِنْ الصَّلَاةِ فِي الْأَوْقَاتِ الْمَكْرُوهَةِ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ «لَا تَقَدَّمُوا رَمَضَانَ بِصَوْمِ يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ إلَّا رَجُلٌ كَانَ يَصُومُ صَوْمًا فَلْيَصُمْهُ» بِأَنْ اعْتَادَ صَوْمَ الدَّهْرِ أَوْ صَوْمَ يَوْمٍ وَفِطْرَ يَوْمٍ أَوْ يَوْمٍ مُعَيَّنٍ كَالِاثْنَيْنِ فَصَادَفَهُ وَقِيسَ بِالْوِرْدِ الْبَاقِي بِجَامِعِ السَّبَبِ وَلَا يُشْكِلُ الْخَبَرُ بِخَبَرِ «إذَا انْتَصَفَ شَعْبَانُ فَلَا تَصُومُوا» لِتَقَدُّمِ النَّصِّ عَلَى الظَّاهِرِ.
وَسَوَاءٌ فِي الْقَضَاءِ الْفَرْضُ وَالنَّفَلُ وَلَا كَرَاهَةَ فِي صَوْمِهِ لِوِرْدٍ وَكَذَا لِفَرْضٍ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ مُقْتَضَى كَلَامِ الْجُمْهُورِ وَنَقَلَهُ الْأَصْلُ عَنْ ابْنِ الصَّبَّاغِ وَنَقَلَ الْكَرَاهَةَ عَنْ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ وَنَقَلَهَا الْإِسْنَوِيُّ عَنْ جَمْعٍ وَرَجَّحَهَا وَمَنَعَ قِيَاسَ الْفَرْضِ عَلَى النَّفْلِ بِأَنَّ ذِمَّتَهُ لَا تَبْرَأُ مِنْهُ بِتَقْدِيرِ كَوْنِهِ مِنْ رَمَضَانَ قَالَ فَلَوْ أَخَّرَ صَوْمًا لِيُوقِعَهُ يَوْمَ الشَّكِّ فَقِيَاسُ كَلَامِهِمْ فِي الْأَوْقَاتِ الْمَنْهِيِّ عَنْهَا تَحْرِيمُهُ وَلَا خِلَافَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ صَوْمُهُ احْتِيَاطًا لِرَمَضَانَ وَهَذَا وَارِدٌ عَلَى جَوَازِ مَا لَهُ سَبَبٌ لِأَنَّهُ تَطَوُّعٌ لَهُ سَبَبٌ وَهُوَ الِاحْتِيَاطُ لَكِنَّهُ خَرَجَ بِقَوْلِهِمْ قَبْلُ لَوْ نَوَى لَيْلَةَ الثَّلَاثِينَ مِنْ شَعْبَانَ صَوْمَ غَدٍ عَنْ رَمَضَانَ إنْ كَانَ مِنْهُ فَكَانَ مِنْهُ لَمْ يَقَعْ عَنْهُ أَيْ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَقَعْ عَنْهُ لَا يَكُونُ احْتِيَاطًا فَإِنْ قُلْت هَلَّا اُسْتُحِبَّ صَوْمُهُ إنْ أَطْبَقَ الْغَيْمُ خُرُوجًا مِنْ خِلَافِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ حَيْثُ قَالَ بِوُجُوبِهِ حِينَئِذٍ قُلْنَا نَحْنُ لَا نُرَاعِي الْخِلَافَ إذَا خَالَفَ سُنَّةً صَرِيحَةً وَهِيَ هُنَا خَبَرٌ «فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا عِدَّةَ شَعْبَانَ ثَلَاثِينَ» .
(فَلَوْ نَذَرَ صَوْمَهُ لَمْ يَصِحَّ) لِخَبَرِ مُسْلِمٍ «لَا نَذْرَ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ» (وَهُوَ) أَيْ يَوْمُ الشَّكِّ (يَوْمُ الثَّلَاثِينَ مِنْ شَعْبَانَ الَّذِي يَتَحَدَّثُ فِيهِ بِالرُّؤْيَةِ مَنْ يُظَنُّ صِدْقُهُ وَلَمْ يَثْبُتْ) بِأَنْ لَمْ يَشْهَدْ بِهَا أَحَدٌ أَوْ شَهِدَ بِهَا صِبْيَانٌ أَوْ عَبِيدٌ أَوْ فَسَقَةٌ أَوْ نِسَاءٌ وَظُنَّ صِدْقُهُمْ أَوْ عَدْلٌ وَلَمْ يَكْتَفِ بِهِ وَإِنَّمَا لَمْ يَصِحَّ صَوْمُهُ عَنْ رَمَضَانَ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَبَيَّنْ كَوْنُهُ مِنْهُ نَعَمْ مَنْ اعْتَقَدَ صِدْقَ مَنْ قَالَ إنَّهُ رَآهُ مِمَّنْ ذُكِرَ يَصِحُّ مِنْهُ صَوْمُهُ بَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ كَمَا تَقَدَّمَ عَنْ الْبَغَوِيّ فِي طَائِفَةٍ أَوَّلَ الْبَابِ وَتَقَدَّمَ فِي أَثْنَائِهِ صِحَّةُ نِيَّةِ مُعْتَقِدِ ذَلِكَ وَوُقُوعُ الصَّوْمِ عَنْ رَمَضَانَ إذَا تَبَيَّنَ كَوْنُهُ مِنْهُ فَلَا تَنَافِي بَيْنَ مَا ذُكِرَ فِي الْمَوَاضِعِ الثَّلَاثَةِ عَلَى مَا زَعَمَهُ بَعْضُهُمْ وَأُجِيبَ عَمَّا زَعَمَهُ أَيْضًا بِأَجْوِبَةٍ أُخْرَى فِيهَا نَظَرٌ وَذَكَرْت بَعْضَهَا فِي شَرْحِ الْبَهْجَةِ وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ كَأَصْلِهِ أَنَّ يَوْمَ الشَّكِّ يَحْصُلُ بِمَا ذُكِرَ سَوَاءٌ أَطْبَقَ الْغَيْمُ أَمْ لَا لَكِنْ قَيَّدَهُ صَاحِبُ الْبَهْجَةِ تَبَعًا لِلطَّاوُسِيِّ وَالْبَارِزِيِّ بِعَدَمِ إطْبَاقِهِ فَمَعَ إطْبَاقِهِ لَا يُورِثُ شَيْءٌ مِمَّا ذُكِرَ الشَّكَّ وَالْأَوَّلُ أَوْجَهُ إذْ الْفَرْضُ ظَنُّ صِدْقِ مَنْ ذُكِرَ وَاعْتَبَرُوا هُنَا الْعَدَدَ فِيمَنْ يَشْهَدُ بِخِلَافِهِ فِيمَا مَرَّ فِي صِحَّةِ النِّيَّةِ احْتِيَاطًا لِلْعِبَادَةِ فِيهِمَا أَمَّا إذَا لَمْ يَتَحَدَّثْ أَحَدٌ بِالرُّؤْيَةِ فَلَيْسَ الْيَوْمُ يَوْمَ شَكٍّ بَلْ هُوَ مِنْ شَعْبَانَ وَإِنْ أَطْبَقَ الْغَيْمُ لِخَبَرِ «فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ»

(فَرْعٌ) إذَا انْتَصَفَ شَعْبَانُ حَرُمَ الصَّوْمُ بِلَا سَبَبٍ إنْ لَمْ يَصِلْهُ بِمَا قَبْلَهُ عَلَى الصَّحِيحِ فِي الْمَجْمُوعِ وَغَيْرِهِ لِخَبَرِ «إذَا انْتَصَفَ شَعْبَانُ فَلَا تَصُومُوا» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ لَكِنَّ ظَاهِرَهُ أَنَّهُ يَحْرُمُ وَإِنْ وَصَلَهُ بِمَا قَبْلَهُ وَلَيْسَ مُرَادًا حِفْظًا لِأَصْلِ مَطْلُوبِيَّةِ الصَّوْمِ

[فَصْلٌ صَوْم الْوِصَال]
(فَصْلٌ الْفِطْرُ بَيْنَ الصَّوْمَيْنِ وَاجِبٌ إذْ الْوِصَالُ) فِي الصَّوْمِ نَفْلًا كَانَ أَوْ فَرْضًا (حَرَامٌ) لِلنَّهْيِ عَنْهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَهُوَ أَنْ يَصُومَ يَوْمَيْنِ فَأَكْثَرَ وَلَا يَتَنَاوَلُ بِاللَّيْلِ مَطْعُومًا عَمْدًا بِلَا عُذْرٍ ذَكَرَهُ فِي الْمَجْمُوعِ وَقَضِيَّتُهُ أَنَّ الْجِمَاعَ وَنَحْوَهُ لَا يَمْنَعُ الْوِصَالَ قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ وَهُوَ ظَاهِرُ الْمَعْنَى لِأَنَّ تَحْرِيمَ الْوِصَالِ لِلضَّعْفِ أَيْ عَنْ الصِّيَامِ وَالصَّلَاةِ وَسَائِرِ الطَّاعَاتِ وَتَرْكُ الْجِمَاعِ وَنَحْوِهِ لَا يُضْعِفُ بَلْ يُقَوِّي لَكِنْ قَالَ فِي الْبَحْرِ هُوَ أَنْ يَسْتَدِيمَ جَمِيعَ أَوْصَافِ الصَّائِمِينَ وَذَكَرَ الْجُرْجَانِيُّ وَابْنُ الصَّلَاحِ نَحْوَهُ قَالَ وَتَعْبِيرُ الرَّافِعِيِّ أَيْ وَغَيْرِهِ بِأَنْ يَصُومَ يَوْمَيْنِ يَقْتَضِي أَنَّ الْمَأْمُورَ بِالْإِمْسَاكِ كَتَارِكِ النِّيَّةِ لَا يَكُونُ امْتِنَاعُهُ لَيْلًا مِنْ تَعَاطِي الْمُفْطِرِ وِصَالًا لِأَنَّهُ لَيْسَ بَيْنَ صَوْمَيْنِ إلَّا أَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ جَرَى عَلَى الْغَالِبِ

(وَيُسَنُّ تَعْجِيلُهُ) أَيْ الْفِطْرِ (بِتَحَقُّقِ الْغُرُوبِ) أَيْ عِنْدَهُ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ «لَا يَزَالُ النَّاسُ بِخَيْرٍ مَا عَجَّلُوا الْفِطْرَ» زَادَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ «وَأَخَّرُوا السُّحُورَ» وَفِي ثِقَاتِ ابْنِ حِبَّانَ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا كَانَ صَائِمًا لَمْ يُصَلِّ حَتَّى نَأْتِيَهُ بِرُطَبٍ وَمَاءٍ فَيَأْكُلَ» وَلِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ مُخَالَفَةِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَيُكْرَهُ أَنْ يُؤَخِّرَهُ إنْ قَصَدَ ذَلِكَ وَرَأَى أَنَّ فِيهِ فَضِيلَةً وَإِلَّا فَلَا بَأْسَ بِهِ نَقَلَهُ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ نَصِّ الْأُمِّ وَفِيهِ عَنْ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرملي الكبير]
قَوْلُهُ إلَّا مَا لَهُ سَبَبٌ كَوُرُدِ) كَالْوُرُدِ مَا لَوْ صَامَهُ مُتَّصِلًا بِأَيَّامٍ أَوَّلُهَا قَبْلَ نِصْفِ شَعْبَانَ (قَوْلُهُ وَسَوَاءٌ فِي الْقَضَاءِ الْفَرْضُ وَالنَّفَلُ) مِنْ صُوَرِ قَضَاءِ النَّفْلِ أَنْ يُشْرِعَ فِي صَوْمٍ ثُمَّ يُفْسِدَهُ (قَوْلُهُ وَكَذَا الْفَرْضُ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ فَقِيَاسُ قَوْلِهِمْ فِي الْأَوْقَاتِ إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ مَنْ يَظُنُّ صِدْقَهُ) قَالَ شَيْخُنَا عُلِمَ مِنْ قَوْلِهِ مَنْ يَظُنُّ صِدْقَهُ أَيْ فِي الْجُمْلَةِ وَلَمْ يَقَعْ ذَلِكَ بِالْفِعْلِ لِيَخْرُجَ مَا إذَا ظَنَّ كَذِبَهُ فَلَيْسَ بِشَكِّ وَأَمَّا إذَا وَقَعَ ذَلِكَ بِالْفِعْلِ وَلَمْ يَتَبَيَّنْ خِلَافَهُ فَهُوَ رَمَضَانُ وَلَيْسَ بِشَكٍّ (قَوْلُهُ وَذَكَرْت بَعْضَهَا فِي شَرْحِ الْبَهْجَةِ) أَجَابَ عَنْهُ الشَّارِحُ أَخْذًا مِنْ كَلَامِ السُّبْكِيّ بِأَنَّ كَلَامَهُمْ هُنَاكَ فِيمَا إذَا تَبَيَّنَّ كَوْنُهُ مِنْ رَمَضَانَ وَهُنَا فِيمَا إذَا لَمْ يُتَبَيَّنْ شَيْءٌ فَلَيْسَ الِاعْتِمَادُ عَلَى هَؤُلَاءِ فِي الصَّوْمِ بَلْ فِي النِّيَّةِ فَقَطْ فَإِذَا نَوَى اعْتِمَادًا عَلَى قَوْلِهِمْ ثُمَّ تَبَيَّنَ لَيْلًا كَوْنَهُ مِنْ رَمَضَانَ لَا يَحْتَاجُ إلَى تَجْدِيدِ نِيَّةٍ أُخْرَى أَلَا تَرَاهُمْ لَمْ يَذْكُرُوا هَذَا فِيمَا يَثْبُتُ بِهِ الشَّهْرُ وَإِنَّمَا ذَكَرُوهُ فِيمَا يَعْتَمِدُ عَلَيْهِ فِي النِّيَّةِ. اهـ.
وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْكَلَامُ فِي يَوْمِ الشَّكِّ فِي عُمُومِ النَّاسِ لَا فِي أَفْرَادِهِمْ فَيَكُونُ شَكًّا بِالنِّسْبَةِ إلَى غَيْرِ مَنْ ظَنَّ صِدْقُهُمْ وَهُوَ أَكْثَرُ النَّاسِ دُونَ إفْرَادِ مَنْ اعْتَقَدَ صِدْقَهُمْ لِوُثُوقِهِ بِهِمْ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَيْسَ بِشَكٍّ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَنْ رَآهُ مِنْ الْفُسَّاقِ وَالْعَبِيدِ وَالنِّسَاءِ بَلْ هُوَ رَمَضَانُ فِي حَقِّهِمْ قَطْعًا (قَوْلُهُ وَالْبَارِزِيُّ) أَيْ وَالْقُونَوِيُّ (قَوْلُهُ وَالْأَوَّلُ أَوْجَهُ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ

(قَوْلُهُ إذْ الْوِصَالُ حَرَامٌ) قَدْ اُشْتُهِرَ عَنْ كَثِيرٍ مِنْ الصُّلَحَاءِ الْوِصَالُ فَلَعَلَّهُ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ إلَيْهِ بَلْ لِغَفْلَةٍ أَوْ لِاسْتِغْرَاقٍ فِي الْمَعَارِفِ (قَوْلُهُ وَهُوَ أَنْ يَصُومَ يَوْمَيْنِ فَأَكْثَرَ إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ.
(قَوْلُهُ إلَّا أَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ

(1/419)


صَاحِبِ الْبَيَانِ أَنَّهُ يُكْرَهُ أَنْ يَتَمَضْمَضَ بِمَاءٍ وَيَمُجَّهُ وَأَنْ يَشْرَبَهُ وَيَتَقَيَّأَهُ إلَّا لِضَرُورَةٍ قَالَ وَكَأَنَّهُ شَبِيهٌ بِالسِّوَاكِ لِلصَّائِمِ بَعْدَ الزَّوَالِ لِكَوْنِهِ يُزِيلُ الْخُلُوفَ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَهَذَا إنَّمَا يَأْتِي إذَا قُلْنَا إنَّ كَرَاهَةَ السِّوَاكِ لَا تَزُولُ بِالْغُرُوبِ وَالْأَكْثَرُونَ عَلَى خِلَافِهِ وَسَيَأْتِي وَخَرَجَ بِتَحَقُّقِ الْغُرُوبِ ظَنُّهُ بِاجْتِهَادٍ فَلَا يُسَنُّ تَعْجِيلُ الْفِطْرِ بِهِ وَظَنُّهُ بِلَا اجْتِهَادٍ وَشَكُّهُ فَيَحْرُمُ بِهِمَا كَمَا مَرَّ ذَلِكَ

(وَ) يُسَنُّ (كَوْنُهُ عَلَى تَمْرٍ ثُمَّ حُلْوٍ وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَجِدْ ذَلِكَ (فَمَاءٍ) وَفِي نُسْخَةٍ عَلَى تَمْرٍ وَإِلَّا فَمَاءٍ ثُمَّ حُلْوٍ وَهُوَ غَرِيبٌ وَالْأَوَّلُ نَقَلَهُ الْأَصْلُ عَنْ الرُّويَانِيِّ وَنُقِلَ عَنْ الْقَاضِي أَنَّ الْأَوْلَى فِي زَمَانِنَا أَنْ يُفْطِرَ عَلَى مَاءٍ يَأْخُذُهُ بِكَفِّهِ مِنْ النَّهْرِ لِيَكُونَ أَبْعَدَ عَنْ الشُّبْهَةِ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ وَهَذَانِ شَاذَّانِ وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ وَهُوَ الصَّوَابُ يَعْنِي فِطْرَهُ عَلَى تَمْرٍ ثُمَّ مَاءٍ لِخَبَرِ «إذَا كَانَ أَحَدُكُمْ صَائِمًا فَلْيُفْطِرْ عَلَى التَّمْرِ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ التَّمْرَ فَعَلَى الْمَاءِ فَإِنَّهُ طَهُورٌ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ وَصَحَّحُوهُ وَلِخَبَرِ «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُفْطِرُ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى رُطَبَاتٍ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَعَلَى تَمَرَاتٍ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ حَسَا حَسَوَاتٍ مِنْ مَاءٍ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَقَضِيَّتُهُ تَقْدِيمُ الرُّطَبِ عَلَى التَّمْرِ وَهُوَ كَذَلِكَ وَإِنَّ السُّنَّةَ تَثْلِيثُ مَا يُفْطِرُ عَلَيْهِ وَهُوَ قَضِيَّةُ نَصِّ الشَّافِعِيِّ فِي حَرْمَلَةَ وَجَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ وَيُجْمَعُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ تَعْبِيرِ جَمَاعَةٍ بِتَمْرَةٍ بِحَمْلِ ذَاكَ عَلَى أَصْلِ السَّنَةِ وَهَذَا عَلَى كَمَالِهَا قَالَ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ وَالْقَصْدُ بِذَلِكَ أَنْ لَا يَدْخُلَ أَوَّلًا جَوْفَهُ مَا مَسَّتْهُ النَّارُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرَادَ هَذَا مَعَ قَصْدِ الْحَلَاوَةِ تَفَاؤُلًا قَالَ وَمَنْ كَانَ بِمَكَّةَ سُنَّ لَهُ أَنْ يُفْطِرَ عَلَى مَاءٍ زَمْزَمَ لِبَرَكَتِهِ وَلَوْ جَمَعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ التَّمْرِ فَحَسَنٌ. اهـ. وَرُدَّ هَذَا بِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِلْأَخْبَارِ وَلِلْمَعْنَى الَّذِي شُرِعَ الْفِطْرُ عَلَى التَّمْرِ لِأَجَلِهِ وَهُوَ حِفْظُ الْبَصَرِ أَوْ أَنَّ التَّمْرَ إذَا نَزَلَ إلَى الْمَعِدَةِ فَإِنْ وَجَدَهَا خَالِيَةً حَصَلَ الْغِذَاءُ وَإِلَّا أَخْرَجَ مَا هُنَاكَ مِنْ بَقَايَا الطَّعَامِ وَهَذَا لَا يُوجَدُ فِي مَاءِ زَمْزَمَ

(وَ) يُسَنُّ (أَنْ يَتَسَحَّرَ) لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ «تَسَحَّرُوا فَإِنَّ فِي السَّحُورِ بَرَكَةً» وَلِخَبَرِ الْحَاكِمِ فِي صَحِيحِهِ «اسْتَعِينُوا بِطَعَامِ السَّحَرِ عَلَى صِيَامِ النَّهَارِ وَبِقَيْلُولَةِ النَّهَارِ عَلَى قِيَامِ اللَّيْلِ» ، وَالسَّحُورُ بِفَتْحِ السِّينِ الْمَأْكُولُ فِي السَّحَرِ وَبِضَمِّهَا الْأَكْلُ حِينَئِذٍ وَيَحْصُلُ بِقَلِيلِ الْمَطْعُومِ وَكَثِيرِهِ لِخَبَرِ ابْنِ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ «تَسَحَّرُوا وَلَوْ بِجَرْعَةِ مَاءٍ» (وَ) أَنْ (يُؤَخِّرَهُ مَا لَمْ يَشُكَّ) فِي طُلُوعِ الْفَجْرِ لِخَبَرِ «لَا يَزَالُ النَّاسُ بِخَيْرٍ» وَلِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى التَّقَوِّي عَلَى الْعِبَادَةِ فَإِنْ شَكَّ فِي ذَلِكَ لَمْ يُسَنَّ التَّأْخِيرُ بَلْ الْأَفْضَلُ تَرْكُهُ لِلْخَبَرِ الصَّحِيحِ «دَعْ مَا يَرِيبُك إلَى مَا لَا يَرِيبُك»

(وَيُسْتَحَبُّ) اسْتِحْبَابًا مُؤَكَّدًا (فِي رَمَضَانَ مُدَارَسَةُ الْقُرْآنِ) وَهِيَ أَنْ يَقْرَأَ عَلَى غَيْرِهِ وَيَقْرَأَ غَيْرُهُ عَلَيْهِ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ «كَانَ جِبْرِيلُ يَلْقَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ فَيُدَارِسُهُ الْقُرْآنَ» وَذَكَرَ الْأَصْلُ اسْتِحْبَابَ كَثْرَةِ تِلَاوَتِهِ وَالْمُصَنِّفُ قَدَّمَهُ فِي بَابِ الْأَحْدَاثِ لَكِنَّهُ لَمْ يُقَيِّدْ بِرَمَضَانَ فَالْمُرَادُ مِنْهُ أَنَّهَا تُسْتَحَبُّ مُطْلَقًا لَكِنَّهَا فِي رَمَضَانَ آكَدُ (وَكَثْرَةُ الْجُودِ) لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ أَجْوَدَ النَّاسِ بِالْخَيْرِ وَكَانَ أَجْوَدَ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ»

(وَ) كَثْرَةُ (الِاعْتِكَافِ) لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَلِأَنَّهُ أَقْرَبُ لِصَوْنِ النَّفْسِ عَنْ ارْتِكَابِ مَا لَا يَلِيقُ وَذِكْرُ الْكَثْرَةِ فِي هَذِهِ مِنْ زِيَادَتِهِ إنْ عَطَفَ مَدْخُولَهَا عَلَى الْجُودِ كَمَا قَرَّرْتُهُ فَإِنْ عَطَفَ عَلَى مَا قَبْلَهُ فَلَا زِيَادَةَ (لَا سِيَّمَا) فِي (الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ) مِنْهُ فَهُوَ أَوْلَى بِذَلِكَ مِنْ غَيْرِهِ لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَرَوَيَا خَبَرَ أَنَّهُ «- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إذَا دَخَلَ الْعَشْرُ أَحْيَا اللَّيْلَ وَأَيْقَظَ أَهْلَهُ وَشَدَّ الْمِئْزَرَ» وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ «كَانَ يَجْتَهِدُ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مَا لَا يَجْتَهِدُ فِي غَيْرِهِ» (فَيَعْتَكِفُ قَبْلَ دُخُولِهَا لِطَلَبِ لَيْلَةِ الْقَدْرِ) وَقَوْلُهُ (وَأَنْ يَقِفَ) أَيْ يَمْكُثَ مُعْتَكِفًا (إلَى صَلَاةِ الْعِيدِ) مُعْتَرِضٌ بَيْنَ الْمُعَلِّلِ وَالتَّعْلِيلِ بِقَوْلِهِ (فَإِنَّهَا) أَيْ لَيْلَةَ الْقَدْرِ (فِيهَا) أَيْ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ (لَا تَنْتَقِلُ) مِنْهُ إلَى غَيْرِهِ عَلَى الْأَصَحِّ وَإِنْ كَانَتْ تَنْتَقِلُ مِنْ لَيْلَةٍ مِنْهُ إلَى أُخْرَى مِنْهُ عَلَى مَا اخْتَارَهُ النَّوَوِيُّ وَغَيْرُهُ جَمْعًا بَيْنَ الْأَخْبَارِ وَحَثًّا عَلَى إحْيَاءِ جَمِيعِ لَيَالِي الْعَشْرِ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَجَمَاعَةٌ بِلُزُومِهَا لَيْلَةً بِعَيْنِهَا فَقَالَ فِي مَوْضِعٍ إنَّهَا لَيْلَةُ الْحَادِي وَالْعِشْرِينَ وَفِي آخَرَ إنَّهَا لَيْلَةُ الثَّالِثِ وَالْعِشْرِينَ وَدَلِيلُ قَوْلِهِ الْأَوَّلِ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَالثَّانِي فِي مُسْلِمٍ وَجَمَعَ فِي الْمُخْتَصَرِ بَيْنَهُمَا فَقَالَ وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ فِي لَيْلَةِ إحْدَى وَعِشْرِينَ أَوْ ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ. اهـ. وَقِيلَ إنَّهَا لَيْلَةُ ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ وَقِيلَ أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ وَقِيلَ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ أَوْ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ وَقِيلَ تِسْعٍ وَعِشْرِينَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرملي الكبير]
قَوْلُهُ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَهَذَا إنَّمَا يَأْتِي إلَخْ) الظَّاهِرُ تَأَتِّيه مُطْلَقًا وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا وَاضِحٌ قَالَ شَيْخُنَا لَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّ السِّوَاكَ مَطْلُوبٌ فِي سَائِرٍ الْأَوْقَاتِ إلَّا بَعْدَ الزَّوَالِ لِلصَّائِمِ إلَى الْغُرُوبِ فَإِذَا غَرَبَتْ رَجَعَ إلَى أَصْلِهِ وَانْتَفَتْ الْكَرَاهَةُ وَأَمَّا طَلَبُ بَقَاءِ الْخُلُوفِ فَمَطْلُوبٌ مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ فَإِذَا غَرَبَتْ كُرِهَ إزَالَتُهُ كَمَا قَبْلَ الْغُرُوبِ إلَّا بِنَحْوِ أَكْلٍ فَإِنَّهُ مِنْ ضَرُورَةِ الْإِفْطَارِ كا (قَوْلُهُ وَالْأَكْثَرُونَ عَلَى خِلَافِهِ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ

(قَوْلُهُ وَكَوْنُهُ عَلَى تَمْرٍ ثُمَّ حُلْوٍ إلَخْ) مِثْلُ هَذَا التَّرْتِيبِ فِي بَابِ صِفَةِ الْغُسْلِ مِنْ الْبَحْرِ عَنْ أَصْحَابِنَا مُطْلَقًا (قَوْلُهُ وَالْأَوَّلُ نَقَلَهُ الْأَصْلُ عَنْ الرُّويَانِيِّ) قَالَ الْفَتَى فَأَخَذَ الْمُصَنِّفُ مِنْهُ أَنَّ الْحَلَاوَةَ عِنْدَ عَدَمِ الْمَاءِ أَوْلَى مِنْ غَيْرِهَا كَالْخُبْزِ لِتَقْدِيمِ الرُّويَانِيِّ إيَّاهَا عَلَى الْمَاءِ فَجَعَلَ أَدْنَى الدَّرَجَاتِ إنْ تَقَدَّمَ عَلَى غَيْرِ الْمَاءِ لِيَخْرُجَ مِنْ بَعْضِ خِلَافِ الرُّويَانِيِّ مِنْ غَيْرِ مُخَالَفَةٍ لِلْمَذْهَبِ وَهُوَ اسْتِنْبَاطٌ حَسَنٌ وَمَعْنَى بَعْضِ مُخَالَفَتِهِ أَنَّ الرُّويَانِيَّ قَدَّمَ الْحَلَاوَةَ عَلَى الْمَاءِ وَغَيْرِهِ وَالْمُصَنِّفُ قَدَّمَهَا عَلَى غَيْرِهِ فَقَطْ فَلَمْ يَسْقُطْ قَوْلُهُ بِالْكُلِّيَّةِ اهـ (قَوْلُهُ وَقَضِيَّتُهُ تَقْدِيمُ الرُّطَبِ إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ يُحْمَلُ ذَاكَ عَلَى أَصْلِ السُّنَّةِ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ

(قَوْلُهُ وَيُسَنُّ أَنْ يَتَسَحَّرَ وَيَدْخُلُ وَقْتُهُ بِنِصْفِ اللَّيْلِ) وَمَحَلُّ اسْتِحْبَابِهِ إذَا رَجَا بِهِ مَنْفَعَةً وَلَمْ يَخْشَ بِهِ ضَرَرًا كَمَا قَالَهُ الْمَحَامِلِيُّ وَلِهَذَا قَالَ الْحَلِيمِيُّ إذَا كَانَ شَبْعَانَ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَتَسَحَّرَ لِأَنَّهُ فَوْقَ الشِّبَعِ. اهـ. وَمُرَادُهُ إكْثَارُ الْأَكْلِ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ عَلَى تَمْرٍ وَالسُّنَّةُ أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْفَجْرِ قَدْرَ خَمْسِينَ آيَةً

(قَوْلُهُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَجَمَاعَةٌ بِلُزُومِهَا لَيْلَةً بِعَيْنِهَا) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ

(1/420)


وَقِيلَ آخِرُ لَيْلَةٍ مِنْ الشَّهْرِ وَقِيلَ إنَّهَا فِي غَيْرِ الْعَشْرِ الْأَخِيرَةِ وَقِيلَ إنَّهَا فِي لَيْلَةِ سَبْعَ عَشْرَةَ وَقِيلَ تِسْعَ عَشْرَةَ وَقِيلَ لَيْلَةُ النِّصْفِ وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ وَلَيْلَةُ الْقَدْرِ (خُصَّتْ بِهَا هَذِهِ الْأَمَةُ) فَلَمْ تَكُنْ لِمَنْ قَبْلَهُمْ وَهِيَ الَّتِي يَفْرُقُ فِيهَا كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ وَسُمِّيَتْ لَيْلَةَ الْقَدْرِ لِأَنَّهَا لَيْلَةُ الْحُكْمِ وَالْفَصْلِ وَقِيلَ لِعِظَمِ قَدْرِهَا (وَهِيَ أَفْضَلُ لَيْلَةٍ) فِي الْعَامِ قَالَ تَعَالَى {لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ} [القدر: 3] أَيْ الْعَمَلُ فِيهَا خَيْرٌ مِنْ الْعَمَلِ فِي أَلْفِ شَهْرٍ لَيْسَ فِيهَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ (وَبَاقِيَةٌ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ) بِالْإِجْمَاعِ فَيُسْتَحَبُّ طَلَبُهَا وَالِاجْتِهَادُ فِي إدْرَاكِهَا كُلَّ عَامٍ وَأَمَّا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي خَبَرِ الْبُخَارِيِّ «فَرُفِعَتْ وَعَسَى أَنْ يَكُونَ خَيْرًا لَكُمْ فَالْتَمِسُوهَا فِي السَّبْعِ وَالتِّسْعِ» فَالْمُرَادُ رَفْعُ عِلْمِ عَيْنِهَا وَلَوْ كَانَ الْمُرَادُ رَفْعُ وُجُودِهَا لَمْ يَأْمُرْ بِالْتِمَاسِهَا وَمَعْنَى عَسَى أَنْ يَكُونَ خَيْرًا لَكُمْ أَيْ لِتَرْغَبُوا فِي طَلَبِهَا وَالِاجْتِهَادِ فِي كُلِّ اللَّيَالِي (وَأَرْجَاهَا لَيْلَةَ الْحَادِي وَالْعِشْرِينَ أَوْ الثَّالِثِ وَالْعِشْرِينَ) ثُمَّ سَائِرَ أَوْتَارِهِ لِأَخْبَارٍ مِنْهَا غَيْرُ مَا أَشَرْت إلَيْهِ فِيمَا مَرَّ خَبَرُ الصَّحِيحَيْنِ «الْتَمِسُوهَا فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ وَالْتَمِسُوهَا فِي كُلِّ وِتْرٍ» (فَلْيُكْثِرْ فِيهَا وَفِي يَوْمِهَا مِنْ الدُّعَاءِ) بِمَا أَحَبَّ مِنْ دِينٍ وَدُنْيَا مَعَ الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا مِمَّا يَتَأَتَّى مِنْ سَائِرِ الْعِبَادَاتِ بِإِخْلَاصٍ وَصِحَّةِ يَقِينٍ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ «مَنْ قَامَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إيمَانًا أَيْ تَصْدِيقًا بِأَنَّهَا حَقٌّ وَطَاعَةٌ وَاحْتِسَابًا أَيْ طَلَبًا لِرِضَا اللَّهِ وَثَوَابِهِ لَا لِلرِّيَاءِ وَنَحْوِهِ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ» وَقِيسَ بِهَا يَوْمُهَا

(وَ) مِنْ (قَوْلِهِ اللَّهُمَّ إنَّك عَفْوٌ تُحِبُّ الْعَفْوَ فَاعْفُوا عَنِّي) «لِقَوْلِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ إنْ وَافَقْتُ لَيْلَةَ الْقَدْرِ مَاذَا أَقُولُ قَالَ تَقُولِينَ اللَّهُمَّ إنَّك عَفْوٌ تُحِبُّ الْعَفْوَ فَاعْفُ عَنِّي» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَسَنٌ صَحِيحٌ (وَعَلَامَتُهَا عَدَمُ الْحَرِّ وَالْبَرْدِ) فِيهَا (وَ) أَنْ (تَطْلُعَ الشَّمْسُ صَبِيحَتَهَا) بَيْضَاءَ (بِلَا كَثِيرِ شُعَاعٍ) لِخَبَرٍ فِي مُسْلِمٍ وَرَدَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ وَفِي حِكْمَتِهِ قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّهَا عَلَامَةٌ جَعَلَهَا اللَّهُ لَهَا ثَانِيهِمَا أَنَّ ذَلِكَ لِكَثْرَةِ اخْتِلَافِ الْمَلَائِكَةِ فِي لَيْلَتِهَا وَنُزُولِهَا إلَى الْأَرْضِ وَصُعُودِهَا بِمَا تَنْزِلُ بِهِ فَسَتَرَتْ بِأَجْنِحَتِهَا وَأَجْسَامِهَا اللَّطِيفَةِ ضَوْءَ الشَّمْسِ وَشُعَاعَهَا قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ فَإِنْ قِيلَ أَيُّ فَائِدَةٍ لِمَعْرِفَةِ صِفَتِهَا بَعْدَ فَوَاتِهَا فَإِنَّهَا تَنْقَضِي بِطُلُوعِ الْفَجْرِ فَالْجَوَابُ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ اجْتِهَادُهُ فِي يَوْمِهَا الَّذِي بَعْدَهَا كَاجْتِهَادِهِ فِيهَا، ثَانِيهِمَا الْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ أَنَّهَا لَا تَنْتَقِلُ فَإِذَا عُرِفَتْ لَيْلَتُهَا فِي سَنَةٍ اُنْتُفِعَ بِذَلِكَ فِي الِاجْتِهَادِ فِيهَا فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ وَمَا بَعْدَهَا وَيُسَنُّ لِمَنْ رَآهَا كَتْمُهَا قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ لَا يَنَالُ فَضْلَهَا إلَّا مَنْ أَطْلَعَهُ اللَّهُ عَلَيْهَا فَلَوْ قَامَهَا إنْسَانٌ وَلَمْ يَشْعُرْ بِهَا لَمْ يَنَلْ فَضْلَهَا وَقَدْ يُنَازِعُهُ فِيهِ قَوْلُ الْمُتَوَلِّي يُسْتَحَبُّ أَنْ يَقْصِدَ إلَى التَّعَبُّدِ فِي هَذِهِ اللَّيَالِي كُلِّهَا حَتَّى يَحُوزَ الْفَضِيلَةَ

(وَلَوْ عَلَّقَ قَبْلَ دُخُولِ الْعَشْرِ) الْأَوَاخِرِ فِي رَمَضَانَ أَوْ قَبْلَهُ (طَلَاقًا) مَثَلًا (بِلَيْلَةِ الْقَدْرِ) كَقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ لَيْلَةَ الْقَدْرِ (طَلُقَتْ بِأَوَّلِ آخِرِ لَيْلَةٍ مِنْهُ) لِأَنَّهُ قَدْ مَرَّتْ بِهِ لَيْلَةُ الْقَدْرِ فِي إحْدَى لَيَالِي الْعَشْرِ (أَوْ) عَلَّقَهُ (فِي أَثْنَاءِ الْعَشْرِ طَلُقَتْ بِأَوَّلِ آخِرِ لَيْلَةٍ مِنْ سَنَةٍ تَمْضِي) عَلَيْهِ لِأَنَّهُ قَدْ مَرَّتْ بِهِ لَيْلَةُ الْقَدْرِ وَعَدَلَ إلَى مَا قَالَهُ الْمُوَافِقُ لِقَوْلِ الْمَجْمُوعِ طَلُقَتْ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ فِي أَوَّلِ جُزْءٍ مِنْ اللَّيْلَةِ الَّتِي قَبْلَ كَلَامِهِ عَنْ قَوْلِ الرَّافِعِيِّ لَمْ تَطْلُقْ إلَى مُضِيِّ سَنَةٍ لِقَوْلِ النَّوَوِيِّ فِيهِ تَجَوُّزٌ لِأَنَّهُ قَدْ يُعَلِّقُ فِي آخِرِ الْيَوْمِ الْحَادِي وَالْعِشْرِينَ فَتَطْلُقُ فِي أَوَّلِ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ الثَّانِي وَإِنْ لَمْ يَمْضِ سَنَةٌ قُلْت بَلْ لَيْسَ لَنَا صُورَةٌ يُعْتَبَرُ فِيهَا مُضِيُّ سَنَةٍ وَمَا قَالُوهُ مَبْنِيٌّ عَلَى مَا قَالَهُ النَّوَوِيُّ مِنْ أَنَّ مَذْهَبَ الشَّافِعِيِّ أَنَّ لَيْلَةَ الْقَدْرِ تَلْزَمُ لَيْلَةً بِعَيْنِهَا وَأَمَّا عَلَى مَا اخْتَارَهُ مِنْ أَنَّهَا تَنْتَقِلُ فَلَا تَطْلُقُ إلَّا فِي أَوَّلِ لَيْلَةٍ آخَرَ رَمَضَانَ الثَّانِي وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ كَأَصْلِهِ وَالْمَجْمُوعُ أَنَّهُ لَوْ عَلَّقَ فِي لَيْلَةِ الْحَادِي وَالْعِشْرِينَ لَمْ تَطْلُقْ إلَّا فِي لَيْلَتِهَا مِنْ السَّنَةِ الثَّانِيَةِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ حُكْمُهُ حُكْمُ مَا لَوْ عَلَّقَ قَبْلَ دُخُولِ الْعَشْرِ فَإِنْ قُلْت هَلَّا وَقَعَ الطَّلَاقُ بِأَوَّلِ لَيْلَةِ الثَّالِثِ وَالْعِشْرِينَ فِيمَا إذَا عَلَّقَهُ قَبْلَ طُلُوعِ فَجْرِ الْحَادِي وَالْعِشْرِينَ عَلَى قَوْلِ الشَّافِعِيِّ أَنَّ لَيْلَةَ الْقَدْرِ تَلْزَمُ لَيْلَةَ الْحَادِي وَالْعِشْرِينَ أَوْ الثَّالِثِ وَالْعِشْرِينَ قُلْت لَيْسَ ذَلِكَ مَقْطُوعًا بِهِ وَلَا مَظْنُونًا ظَنًّا قَوِيًّا لِمُعَارَضَتِهِ مَا صَحَّتْ فِيهِ الْأَخْبَارُ مِنْ أَنَّهَا لَا تَلْزَمُ مَعَ أَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَقَعُ بِالشَّكِّ

(وَيَنْبَغِي لَهُ) أَيْ لِلصَّائِمِ أَيْ يُسَنُّ لَهُ مِنْ حَيْثُ الصَّوْمُ (كَفُّ اللِّسَانِ عَنْ الْفُحْشِ) كَالْكَذِبِ وَالْغِيبَةِ وَالْمُشَاتَمَةِ الْمُحَرَّمَاتِ فَلَا يَبْطُلُ صَوْمُهُ بِارْتِكَابِهَا بِخِلَافِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرملي الكبير]
قَوْلُهُ وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ) لِلْعُلَمَاءِ فِيهَا أَقْوَالٌ كَثِيرَةٌ عِدَّتُهَا أَحَدٌ وَعِشْرُونَ قَوْلًا ذَكَرَهَا الْقَاضِي عِيَاضٌ وَغَيْرُهُ (قَوْلُهُ وَهِيَ الَّتِي فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ) وَقِيلَ لَيْلَةَ نِصْفِ شَعْبَانَ (قَوْلُهُ وَأَرْجَاهَا لَيْلَةَ الْحَادِي وَالْعِشْرِينَ إلَخْ) قَالَ فِي الْقُوتِ الَّذِي قَالَهُ الْأَكْثَرُونَ إنَّ مَيْلَهُ إلَى أَنَّهَا لَيْلَةَ الْحَادِي وَالْعِشْرِينَ لَا غَيْرُ وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْبَنْدَنِيجِيّ أَنَّهُ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَقَالَ فِي الْقَدِيمِ إحْدَى وَعِشْرِينَ أَوْ ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ

(قَوْلُهُ الْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ أَنَّهَا لَا تَنْتَقِلُ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ فَلَوْ قَامَهَا إنْسَانٌ وَلَمْ يَشْعُرْ بِهَا لَمْ يَنَلْ فَضْلَهَا) قَالَ شَيْخُنَا أَيْ الْكَامِلَ الَّذِي هُوَ كَفَضْلِ مَنْ شَعَرَ بِهَا كا (قَوْلُهُ وَقَدْ يُنَازِعُهُ فِيهِ قَوْلُ الْمُتَوَلِّي إلَخْ) فَيَحْصُلُ فَضْلُهَا لِمَنْ عَمِلَ فِيهَا وَإِنْ لَمْ يُشَاهِدْ تِلْكَ الْعَجَائِبِ فِيهَا فَقَدْ قَالَ الْمُتَوَلِّي يُسْتَحَبُّ التَّعَبُّدُ فِي كُلِّ لَيَالِي الْعَشْرِ حَتَّى يَحُوزَ الْفَضِيلَةَ بِيَقِينٍ وَيُعَضِّدُهُ قَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَنْ يَقُمْ الْحَوْلَ يُصِبْهَا وَقَالَ أَبُو شُكَيْلٍ قَوْلُهُمْ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ فَضِيلَتَهَا تَحْصُلُ لِمَنْ عَمِلَ فِيهَا وَإِنْ لَمْ يُشَاهِدْ تِلْكَ الْعَجَائِبَ فِيهَا وَيُؤَيِّدُ قَوْلُهُ «- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنْ قَامَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ» وَقَوْلُهُ فَيَحْصُلُ فَضْلُهَا إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ

(قَوْلُهُ بَلْ حُكْمُهُ حُكْمُ مَا لَوْ عَلَّقَ إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ

(قَوْلُهُ وَيَنْبَغِي لَهُ كَفُّ اللِّسَانِ عَنْ الْفُحْشِ) مَا أَحْسَنَ قَوْلُ الْمُتَوَلِّي يَجِبُ عَلَى الصَّائِمِ أَنْ يَصُومَ بِعَيْنَيْهِ فَلَا يَنْظُرُ إلَى مَا لَا يَحِلُّ وَبِسَمْعِهِ فَلَا يَسْمَعُ مَا لَا يَحِلُّ وَبِلِسَانِهِ فَلَا يَنْطِقُ بِفُحْشٍ وَلَا يَشْتُمُ وَلَا يَكْذِبُ وَلَا يَغْتَبْ. اهـ. وَقَالَ فِي الْأَنْوَارِ وَأَنْ يَصُونَ لِسَانَهُ عَنْ الْكَذِبِ وَالْغِيبَةِ وَالنَّمِيمَةِ وَالشَّتِيمِ وَنَحْوِهَا وَسَائِرَ الْجَوَارِحِ عَنْ الْجَرَائِمِ أَكْثَرُ وَأَشَدُّ مِمَّا فِي غَيْرِ رَمَضَانَ لِأَنَّ الثَّوَابَ يَبْطُلُ بِهَا. اهـ. وَرُوِيَ «خَمْسٌ يُفْطِرْنَ

(1/421)


ارْتِكَابِ مَا يَجِبُ اجْتِنَابُهُ مِنْ حَيْثُ الصَّوْمُ كَالِاسْتِقَاءَةِ وَإِنَّمَا طُلِبَ الْكَفُّ عَنْ ذَلِكَ لِخَبَرِ الْبُخَارِيِّ «مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ» وَلِخَبَرِ الْحَاكِمِ فِي صَحِيحِهِ «لَيْسَ الصِّيَامُ مِنْ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ فَقَطْ الصِّيَامُ مِنْ اللَّغْوِ وَالرَّفَثِ» وَلِأَنَّهُ يُحْبِطُ الثَّوَابَ فَالْمُرَادُ أَنَّ كَمَالَ الصَّوْمِ إنَّمَا يَكُونُ بِصِيَانَتِهِ عَنْ اللَّغْوِ وَالْكَلَامِ الرَّدِيءِ لَا أَنَّ الصَّوْمَ لَا يَبْطُلُ بِهِمَا فَإِنْ شَتَمَهُ أَحَدٌ فَلْيَقُلْ إنِّي صَائِمٌ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ «الصِّيَامُ جُنَّةٌ فَإِذَا كَانَ أَحَدُكُمْ صَائِمًا فَلَا يَرْفُثْ وَلَا يَجْهَلْ فَإِنْ امْرُؤٌ قَاتَلَهُ أَوْ شَاتَمَهُ فَلْيَقُلْ إنِّي صَائِمٌ إنِّي صَائِمٌ مَرَّتَيْنِ يَقُولُهُ بِقَلْبِهِ لِنَفْسِهِ لِتَصْبِرَ وَلَا تُشَاتِمَ فَتَذْهَبَ بَرَكَةُ صَوْمِهَا» كَمَا نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ الْأَئِمَّةِ أَوْ بِلِسَانِهِ بِنِيَّةِ وَعْظِ الشَّاتِمِ وَدَفْعِهِ بِاَلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ كَمَا نَقَلَهُ النَّوَوِيُّ عَنْ جَمْعٍ وَصَحَّحَهُ ثُمَّ قَالَ فَإِنْ جَمَعَهُمَا فَحَسَنٌ وَقَالَ إنَّهُ يُسَنُّ تَكْرَارُهُ مَرَّتَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى إمْسَاكِ صَاحِبِهِ عَنْهُ وَقَوْلُ الزَّرْكَشِيّ وَلَا أَظُنُّ أَحَدًا يَقُولُهُ مَرْدُودٌ بِالْخَبَرِ السَّابِقِ

(وَ) يَنْبَغِي لَهُ كَفُّ (النَّفْسِ عَنْ الشَّهَوَاتِ) الَّتِي لَا تُبْطِلُ الصَّوْمَ كَشَمِّ الرَّيَاحِينِ وَالنَّظَرِ إلَيْهَا وَلَمْسِهَا لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ التَّرَفُّهِ الَّذِي لَا يُكَاسِبُ حِكْمَةَ الصَّوْمِ وَيُكْرَهُ ذَلِكَ وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ يُكْرَهُ لَهُ دُخُولُ الْحَمَّامِ (وَ) يَنْبَغِي لَهُ (تَرْكُ السِّوَاكِ بَعْدَ الزَّوَالِ) وَيُكْرَهُ فِعْلُهُ كَمَا مَرَّ بَيَانُهُ فِي بَابِ صِفَةِ الْوُضُوءِ

(وَ) يَنْبَغِي لَهُ (تَقْدِيمُ غُسْلِ الْجَنَابَةِ وَالْحَيْضِ) وَالنِّفَاسِ عَلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ لِيُؤَدِّيَ الْعِبَادَةَ عَلَى الطَّهَارَةِ وَلِيَخْرُجَ مِنْ خِلَافِ أَبِي هُرَيْرَةَ الْقَائِلِ بِوُجُوبِهِ لِظَاهِرِ خَبَرِ الْبُخَارِيِّ الْآتِي وَخَشْيَةً مِنْ وُصُولِ الْمَاءِ إلَى بَاطِنِ الْأُذُنِ أَوْ الدُّبُرِ أَوْ غَيْرِهِمَا وَيَنْبَغِي أَنْ يَغْسِلَ هَذِهِ الْمَوَاضِعَ إنْ لَمْ يَتَهَيَّأْ لَهُ الْغُسْلُ الْكَامِلُ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ وَقِيَاسُ الْمَعْنَى الْأَوَّلِ اسْتِحْبَابُ الْمُبَادَرَةِ إلَى الِاغْتِسَالِ عَقِبَ الِاحْتِلَامِ نَهَارًا (فَإِنْ طَهُرَتْ) أَيْ انْقَطَعَ حَيْضُهَا أَوْ نِفَاسُهَا (وَصَامَتْ) أَوْ صَامَ الْجُنُبُ (بِلَا غُسْلٍ صَحَّ) الصَّوْمُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ} [البقرة: 187] وَلِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصْبِحُ جُنُبًا مِنْ جِمَاعٍ غَيْرِ احْتِلَامٍ ثُمَّ يَغْتَسِلُ وَيَصُومُ» وَقِيسَ بِالْجُنُبِ الْحَائِضُ وَالنُّفَسَاءُ وَأَمَّا خَبَرُ الْبُخَارِيِّ «مَنْ أَصْبَحَ جُنُبًا فَلَا صَوْمَ لَهُ» فَحَمَلُوهُ عَلَى مَنْ أَصْبَحَ مُجَامِعًا وَاسْتَدَامَ الْجِمَاعَ وَحَمَلَهُ بَعْضُهُمْ عَلَى النَّسْخِ وَاسْتَحْسَنَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ

(وَ) يَنْبَغِي لَهُ (أَنْ يَقُولَ بَعْدَ) وَفِي نُسْخَةٍ عِنْدَ (الْإِفْطَارِ اللَّهُمَّ لَكَ صُمْت وَعَلَى رِزْقِك أَفْطَرْت) لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ لَكِنَّهُ مُرْسَلٌ وَرُوِيَ أَيْضًا أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَقُولُ حِينَئِذٍ «اللَّهُمَّ ذَهَبَ الظَّمَأُ وَابْتَلَّتْ الْعُرُوقُ وَثَبَتَ الْأَجْرُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى» (وَأَنْ يُفْطِرَ الصَّائِمِينَ) بِأَنْ يُعَشِّيَهُمْ لِخَبَرِ «مَنْ فَطَّرَ صَائِمًا فَلَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ وَلَا يَنْقُصُ مِنْ أَجْرِ الصَّائِمِ شَيْءٌ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ (فَإِنْ عَجَزَ) عَنْ عَشَائِهِمْ (فَطَّرَهُمْ عَلَى تَمْرٍ أَوْ مَاءٍ) عِبَارَةُ الْأَصْلِ شَرْبَةٌ أَوْ تَمْرَةٌ أَوْ غَيْرُهُمَا قَالَ الْمُتَوَلِّي لِمَا رُوِيَ أَنَّ «بَعْضَ الصَّحَابَةِ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَيْسَ كُلُّنَا نَجِدُ مَا يُفَطِّرُ بِهِ الصَّائِمَ فَقَالَ يُعْطِي اللَّهُ تَعَالَى هَذَا الثَّوَابَ مَنْ فَطَّرَ صَائِمًا عَلَى تَمْرَةٍ أَوْ شَرْبَةِ مَاءٍ أَوْ مَذْقَةِ لَبَنٍ» (وَ) أَنْ (يَحْتَرِزَ عَنْ الْعَلْكِ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ الْمَضْغُ وَبِكَسْرِهَا الْمَعْلُوكُ لِأَنَّهُ يَجْمَعُ الرِّيقَ فَإِنْ ابْتَلَعَهُ أَفْطَرَ فِي وَجْهٍ وَإِنْ أَلْقَاهُ عَطَّشَهُ وَهُوَ مَكْرُوهٌ قَالَهُ فِي الْمَجْمُوعِ (وَ) عَنْ (ذَوْقِ الطَّعَامِ) خَوْفَ الْوُصُولِ إلَى حَلْقِهِ أَوْ تَعَاطِيهِ لِغَلَبَةِ شَهْوَتِهِ

(فَصْلٌ وَيُبَاحُ الْفِطْرُ) مِنْ الصَّوْمِ الْوَاجِبِ (لِخَوْفِ الْهَلَاكِ) عَلَى نَفْسِهِ أَوْ عُضْوِهِ أَوْ مَنْفَعَتِهِ (مِنْ جُوعٍ وَعَطَشٍ) وَإِنْ كَانَ مُقِيمًا صَحِيحًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: 78] وَقَوْلُهُ {وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} [النساء: 29] وَقَوْلُهُ {وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [البقرة: 195] وَلَا يُنَافِي التَّعْبِيرُ بِالْإِبَاحَةِ مَا صَرَّحَ بِهِ الْغَزَالِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ وُجُوبِ الْفِطْرِ بِذَلِكَ لِأَنَّهَا تُجَامِعُهُ (وَ) يُبَاحُ (بِالسَّفَرِ الطَّوِيلِ الْمُبَاحِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ} [البقرة: 185] أَيْ فَأَفْطَرَ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَقِيَاسًا عَلَى الْقَصْرِ بِخِلَافِ السَّفَرِ الْقَصِيرِ وَالطَّوِيلِ الْمُحَرَّمِ (وَبِمَرَضٍ يُجْهِدُهُ) أَيْ يَشُقُّ عَلَيْهِ الصَّوْمُ مَعَهُ (أَوْ يَزِيدُهُ الصَّوْمُ فِي مَرَضِهِ) كَنَظِيرِهِ فِي التَّيَمُّمِ وَلِلْآيَةِ السَّابِقَةِ سَوَاءٌ أَتَعَدَّى بِسَبَبِ الْمَرَضِ أَمْ لَا قَوْلُهُ أَوْ يَزِيدُهُ إلَى آخِرِهِ مِنْ زِيَادَتِهِ وَلَوْ قَالَ أَوْ بِزِيَادَةٍ فِي مَرَضِهِ كَانَ أَوْضَحَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرملي الكبير]
الصَّائِمَ الْغِيبَةُ وَالنَّمِيمَةُ وَالْكَذِبُ وَالْقُبْلَةُ وَالْيَمِينُ الْفَاجِرَةُ» وَهُوَ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ (قَوْلُهُ أَوْ بِلِسَانِهِ بِنِيَّةِ وَعْظِ الشَّاتِمِ إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ

(قَوْلُهُ وَالنَّفْسِ عَنْ الشَّهَوَاتِ) مِنْ الْمَسْمُوعَاتِ وَالْمُبْصَرَاتِ وَالْمَشْمُومَاتِ وَالْمَلَابِسِ قَالَ شَيْخُنَا وَلَوْ فِي يَوْمِ جُمُعَةٍ تَقْدِيمًا لِلنَّهْيِ الْخَاصِّ عَلَى التَّطَيُّبِ فِيهِ الْعَامِّ كَمَا لَوْ وَافَقَ يَوْمَ عِيدٍ يَوْمَ اسْتِسْقَاءٍ (قَوْلُهُ وَأَنَّهُ يُكْرَهُ لَهُ دُخُولُ الْحَمَّامِ) قَالَ الْأَذْرَعِيُّ يَعْنِي مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ لِجَوَازِ أَنْ يَضُرَّهُ فَيُفْطِرَ وَهَذَا لِمَنْ يَتَأَذَّى بِهِ لَا لِمَنْ اعْتَادَهُ

(قَوْلُهُ اسْتِحْبَابُ الْمُبَادَرَةِ إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ

(قَوْلُهُ وَيَحْتَرِزُ عَنْ الْعِلْكِ) لَا فَرْقَ كَمَا قَالَهُ فِي الْكِفَايَةِ بَيْنَ عِلْكِ الْخُبْزِ وَغَيْرِهِ قَالَ إلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ غَيْرُهُ (قَوْلُهُ فِي وَجْهٍ) ضَعِيفٌ

[فَصْلٌ الْفِطْرُ مِنْ الصَّوْمِ الْوَاجِبِ لِخَوْفِ الْهَلَاكِ]
(قَوْلُهُ أَوْ مَنْفَعَةٌ) أَيْ كَمَا مَرَّ فِي التَّيَمُّمِ وَمِنْهُ وَجَعُ الْعَيْنِ (قَوْلُهُ لِأَنَّهَا تُجَامِعُهُ) فَلَوْ صَامَ مَعَ خَوْفِ الْهَلَاكِ عَصَى وَصَحَّ صَوْمُهُ وَقَوْلُهُ عَصَى إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ وَبِالسَّفَرِ الطَّوِيلِ الْمُبَاحِ) لَوْ كَانَ يُدِيمُ السَّفَرَ أَبَدًا فَفِي جَوَازِ تَرْكِ الصَّوْمِ دَائِمًا نَظَرٌ فَإِنَّهُ يُزِيلُ حَقِيقَةَ الْوُجُوبِ بِخِلَافِ الْقَصْرِ وَإِنَّمَا يَظْهَرُ الْجَوَازُ لِمَنْ يَرْجُو إقَامَةً يَقْضِي فِيهَا قَالَ بَعْضُ الْعَصْرِيِّينَ وَلْيَنْظُرْ فِيمَا لَوْ كَانَ الْمُسَافِرُ يُطِيقُ الصَّوْمَ وَغَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ لَا يَعِيشُ إلَى أَنْ يَقْضِيَهُ لِمَرَضٍ مَخُوفٍ أَوْ غَيْرِهِ هَلْ لَهُ الْفِطْرُ قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ ثُمَّ مَا تَقَدَّمَ فِي صَوْمِ رَمَضَانَ أَمَّا الْقَضَاءُ الَّذِي هُوَ عَلَى الْفَوْرِ فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يُبَاحُ فِطْرُهُ فِي السَّفَرِ وَكَذَلِكَ مَنْ نَذَرَ صَوْمَ شَهْرٍ فَسَافَرَ فِيهِ لَا يُبَاحُ لَهُ الْفِطْرُ قَالَهُ الْبَغَوِيّ فِي فَتَاوِيهِ ثُمَّ تَوَقَّفَ فِيهِ وَفِي الْأَنْوَارِ أَنَّهُ لَوْ نَذَرَ صَوْمَ شَهْرٍ مُعَيَّنٍ ثُمَّ اتَّفَقَ أَيْ السَّفَرُ فِيهِ جَازَ لَهُ أَنْ يُفْطِرَ انْتَهَى وَالْمُعْتَمَدُ الْجَوَازُ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ وَقَوْلُهُ وَإِنَّمَا يَظْهَرُ الْجَوَازُ إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَقَوْلُهُ هَلْ لَهُ الْفِطْرُ قَالَ شَيْخُنَا الْأَوْجَهُ لَا كا

(1/422)


وَأَخْصَرَ

(وَعَلَيْهِ) أَيْ الْمَرِيضِ (أَنْ يَنْوِيَ إنْ خَفَّ مَرَضُهُ قُبَيْلَ الْفَجْرِ) بِحَيْثُ لَا يُبَاحُ مَعَهُ تَرْكُ الصَّوْمِ وَإِلَّا فَلَهُ تَرْكُ النِّيَّةِ (وَلَهُ الْفِطْرُ بِحُدُوثِ الْمَرَضِ) لِوُجُودِ الْمُحْوِجِ لَهُ بِلَا اخْتِيَارٍ (لَا) بِحُدُوثِ (السَّفَرِ) تَغْلِيبًا لِلْحَضَرِ (فَإِنْ نَوَى) الْمُقِيمُ لَيْلًا (ثُمَّ سَافَرَ قَبْلَ الْفَجْرِ تَرَخَّصَ) بِالْفِطْرِ وَغَيْرِهِ لِدَوَامِ الْعُذْرِ وَقَدْ «أَفْطَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَ الْعَصْرِ بِكُرَاعِ الْغَمِيمِ بِقَدَحِ مَاءٍ لَمَّا قِيلَ لَهُ إنَّ النَّاسَ يَشُقُّ عَلَيْهِمْ الصِّيَامُ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَلَهُ تَتِمَّةٌ سَتَأْتِي وَتَعْبِيرُهُ بِمَا قَالَهُ أَوْلَى مِنْ قَوْلِ أَصْلِهِ فَإِنْ فَارَقَ الْعُمْرَانَ قَبْلَ الْفَجْرِ فَلَهُ الْفِطْرُ (وَكَذَا لَوْ أَصْبَحَ الْمُسَافِرُ صَائِمًا) يَتَرَخَّصُ بِخِلَافِ مَنْ نَوَى إتْمَامَ الصَّلَاةِ لَا يَجُوزُ لَهُ الْقَصْرُ لِئَلَّا يَتْرُكَ مَا الْتَزَمَهُ لَا إلَى بَدَلٍ وَأَمَّا الصَّائِمُ إذَا أَفْطَرَ فَلَمْ يَتْرُكْهُ إلَّا إلَى بَدَلٍ وَهُوَ الْقَضَاءُ (وَلَمْ يُكْرَهْ) لَهُ التَّرَخُّصُ فِي ذَلِكَ وَتَرْجِيحُ عَدَمِ الْكَرَاهَةِ مِنْ زِيَادَتِهِ وَهُوَ مَا فِي الْمَجْمُوعِ وَيُشْتَرَطُ فِي جَوَازِ التَّرَخُّصِ نِيَّتُهُ كَالْمُحْصَرِ يُرِيدُ التَّحَلُّلَ كَمَا ذَكَرَهُ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ

(وَلَوْ أَقَامَ) الْمُسَافِرُ (أَوْ شُفِيَ) الْمَرِيضُ وَهُوَ صَائِمٌ (لَمْ يُفْطِرْ) لِانْتِفَاءِ الْمُبِيحِ (وَالصَّوْمُ لِلْمُسَافِرِ أَفْضَلُ) مِنْ فِطْرِهِ {وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ} [البقرة: 184] وَلِبَرَاءَةِ الذِّمَّةِ وَفَضِيلَةِ الْوَقْتِ وَفَارَقَ ذَلِكَ أَفْضَلِيَّةَ الْقَصْرِ بِأَنَّ فِي الْقَصْرِ بَرَاءَةٌ لِلذِّمَّةِ وَمُحَافَظَةٌ عَلَى فَضِيلَةِ الْوَقْتِ بِخِلَافِ الْفِطْرِ وَبِأَنَّ فِيهِ خُرُوجًا مِنْ الْخِلَافِ وَلَيْسَ هُنَا خِلَافٌ يُعْتَدُّ بِهِ فِي إيجَابِ الْفِطْرِ فَكَانَ الصَّوْمُ أَفْضَلَ (إلَّا إنْ خَافَ) مِنْهُ (ضَرَرًا فِي الْحَالِ أَوْ الِاسْتِقْبَالِ) فَالْفِطْرُ أَفْضَلُ وَعَلَيْهِ حُمِلَ خَبَرُ الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ «- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَرَّ بِرَجُلٍ فِي ظِلِّ شَجَرَةٍ يُرَشُّ عَلَيْهِ الْمَاءُ فَقَالَ مَا هَذَا قَالُوا صَائِمٌ فَقَالَ لَيْسَ مِنْ الْبِرِّ الصِّيَامُ فِي السَّفَرِ» وَلَا يَحْرُمُ وَأَمَّا قَوْلُهُ بَعْد أَنْ أَفْطَرَ فِي كُرَاعِ الْغَمِيمِ وَقَدْ بَلَغَهُ أَنَّ نَاسًا صَامُوا أُولَئِكَ الْعُصَاةُ فَلِمُخَالَفَةِ أَمْرِهِ لَهُمْ بِالْفِطْرِ لِيَتَقَوَّوْا لِعَدُوِّهِمْ

(فَرْعٌ كُلُّ) شَخْصٍ (مُفْطِرٌ بِعُذْرٍ أَوْ غَيْرِهِ يَقْضِي مَا فَاتَهُ) لِآيَةِ {وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا} [البقرة: 185] وَقِيسَ بِمَنْ فِيهَا غَيْرُهُ (لَا صَبِيٌّ وَمَجْنُونٌ) كَمَا لَا يَجِبُ عَلَيْهِمَا الْأَدَاءُ وَلِرَفْعِ الْقَلَمِ عَنْهُمَا (وَ) لَا (كَافِرًا صَلَّى) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ} [الأنفال: 38] وَلِلْإِجْمَاعِ وَتَرْغِيبًا لَهُ فِي الْإِسْلَامِ (فَيَقْضِي الْمُسَافِرُ وَالْمَرِيضُ) لِلْآيَةِ (وَالْحَائِضُ وَالنُّفَسَاءُ) كَمَا مَرَّ فِي بَابِ الْحَيْضِ (وَذُو إغْمَاءٍ وَسُكْرٍ اسْتَغْرَقَا) الْيَوْمَ بِالْإِغْمَاءِ وَالسُّكْرِ أَمَّا الْإِغْمَاءُ فَلِأَنَّهُ نَوْعُ مَرَضٍ وَلِهَذَا يَجُوزُ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ بِخِلَافِ الْجُنُونِ فَانْدَرَجَ فِي الْآيَةِ وَيُخَالِفُ الصَّلَاةَ لِتَكَرُّرِهَا وَأَمَّا السُّكْرُ فَلِأَنَّ مَنْ قَامَ بِهِ فِي مَعْنَى الْمُكَلَّفِ (وَلَوْ جُنَّ) السَّكْرَانُ (فِي سُكْرِهِ) فَإِنَّهُ يَقْضِي مَا فَاتَهُ هَذَا إنْ أَرَادَ ظَاهِرَ الْعِبَارَةِ مِنْ بَيَانِ حُكْمِ السُّكْرِ الَّذِي تَخَلَّلَهُ جُنُونٌ وَإِنْ لَمْ يُصَرِّحْ بِهِ أَصْلُهُ فَإِنْ أَرَادَ بَيَانَ حُكْمِ الْجُنُونِ الْمُتَّصِلِ بِالسُّكْرِ وَإِنْ قَصُرَتْ عَنْهُ عِبَارَتُهُ فَمَا ذَكَرَهُ عَكْسُ مَا ذَكَرَهُ الْأَصْلُ وَشَبَّهَهُ بِالصَّلَاةِ وَصَحَّحَهُ فِي الْمَجْمُوعِ (وَيَقْضِي الْمُرْتَدُّ) مَا فَاتَهُ (حَتَّى زَمَنَ جُنُونِهِ) كَمَا فِي الصَّلَاةِ

(وَيُسْتَحَبُّ التَّتَابُعُ فِي الْقَضَاءِ) لِرَمَضَانَ وَغَيْرِهِ تَعْجِيلًا لِبَرَاءَةِ الذِّمَّةِ وَلَمْ يَجِبْ لِإِطْلَاقِ قَوْله تَعَالَى {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 184] وَقِيسَ بِمَا فِيهِ غَيْرُهُ قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ وَقَدْ يَجِبُ بِطَرِيقِ الْعَرْضِ وَذَلِكَ فِي صُورَتَيْنِ ضِيقُ الْوَقْتِ وَتَعَمُّدُ التَّرْكِ قَالَ غَيْرُهُ وَالنَّذْرُ وَتَعْبِيرُ الْمُصَنِّفِ بِمَا قَالَهُ أَوْلَى مِنْ تَعْبِيرِ أَصْلِهِ بِقَضَاءِ رَمَضَانَ

(فَصْلٌ مَنْ تَعَدَّى بِالْفِطْرِ أَوْ نَسِيَ النِّيَّةَ فِي رَمَضَانَ خَاصَّةً) أَيْ بِخِلَافِ النَّذْرِ وَالْقَضَاءِ (لَزِمَهُ إمْسَاكُ بَقِيَّةِ النَّهَارِ) لِحُرْمَةِ الْوَقْتِ وَتَشْبِيهًا بِالصَّائِمِينَ مَعَ عَدَمِ الْعُذْرِ فِيهِمَا وَلِأَنَّهُ بَعْضُ مَا كَانَ يَجِبُ عَلَيْهِ وَنِسْيَانُهُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرملي الكبير]
قَوْلُهُ وَعَلَيْهِ أَنْ يَنْوِيَ إنْ خَفَّ مَرَضُهُ قُبَيْلَ الْفَجْرِ) قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَوَقَعَ فِي الْفَتَاوَى أَنَّ الْحَصَادَ إذَا كَانَ يَأْتِي فِي رَمَضَانَ وَلَا يُطَاقُ الصَّوْمُ مَعَهُ فَأَفْتَيْت بَعْدَ التَّرَوِّي مُدَّةً أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِمْ النِّيَّةَ لِكُلِّ لَيْلَةٍ ثُمَّ لِمَنْ لَحِقَهُ مَشَقَّةٌ شَدِيدَةٌ أَنْ يُفْطِرَ حِينَئِذٍ وَمَنْ لَا فَلَا وَقَوْلُهُ أَنَّهُ تَجِبُ عَلَيْهِمْ النِّيَّةُ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ ثُمَّ سَافَرَ قَبْلَ الْفَجْرِ إلَخْ) لَوْ نَوَى لَيْلًا ثُمَّ سَافَرَ وَلَمْ يَعْلَمْ هَلْ سَافَرَ قَبْلَ الْفَجْرِ أَوْ بَعْدَهُ فَلَيْسَ لَهُ الْفِطْرُ لِلشَّكِّ فِي مُبِيحِهِ (قَوْلُهُ أَوْلَى مِنْ قَوْلِ أَصْلِهِ إلَخْ) هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا سَافَرَ مِنْ بَلَدٍ لَا سُوَرٍ لَهَا وَلَا خَفَاءَ أَنَّ كُلَّ مَا اُعْتُبِرَ مُجَاوَزَتُهُ لِلْقَاصِرِ لَا بُدَّ أَنْ يُفَارِقَهُ الصَّائِمُ هُنَا قَبْلَ الْفَجْرِ (قَوْلُهُ وَكَذَا لَوْ أَصْبَحَ الْمُسَافِرُ صَائِمًا) شَمِلَ إطْلَاقَ جَوَازِ الْفِطْرِ لِلْمَرِيضِ وَالْمُسَافِرِ مَا لَوْ نَذَرَ إتْمَامَهُ وَبِهِ صَرَّحَ وَالِدُ الرُّويَانِيِّ لِأَنَّ إيجَابَ الشَّرْعِ أَقْوَى وَقَوْلُهُ وَبِهِ صَرَّحَ إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ وَيُشْتَرَطُ فِي جَوَازِ التَّرَخُّصِ نِيَّتُهُ إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ.
(قَوْلُهُ كَمَا ذَكَرَهُ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ) وَاقْتَضَاهُ كَلَامُ الرَّافِعِيِّ فِي فَصْلِ الْكَفَّارَةِ وَجَزَمَ بِهِ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ وَنَقَلَهُ عَنْ الْأَصْحَابِ وَاعْتَمَدَهُ الْإِسْنَوِيُّ وَغَيْرُهُ لَكِنْ فِي فَتَاوَى الْقَفَّالِ خِلَافُهُ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ وَهُوَ الْأَوْفَقُ لِكَلَامِ الْجُمْهُورِ كَالتَّحَلُّلِ مِنْ الصَّلَاةِ

(قَوْلُهُ وَفَضِيلَةُ الْوَقْتِ) لِأَنَّ الْأَصْلَ أَفْضَلُ مِنْ الرُّخْصَةِ بِدَلِيلِ غَسْلِ الْقَدَمَيْنِ (قَوْلُهُ أَوْ الِاسْتِقْبَالُ) أَوْ شَكَّ فِي جَوَازِ الْفِطْرِ أَوْ كَرِهَ الْأَخْذَ بِهِ أَوْ كَانَ مِمَّنْ يَقْتَدِي بِهِ أَوْ كَانَ سَفَرُهُ لِلْغَزْوِ أَوْ الْحَجِّ وَخَافَ لَوْ صَامَ أَنْ يَضْعُفَ عَنْهُمَا

(قَوْلُهُ كُلُّ مُفْطِرٍ بِعُذْرٍ أَوْ غَيْرِهِ يَقْضِي مَا فَاتَهُ) فَإِنْ كَانَ لِعُذْرٍ فَعَلَى التَّرَاخِي لَكِنْ قَبْلَ رَمَضَانَ الثَّانِي أَوْ تَعَدِّيًا فَفَوْرًا وَلَوْ فِي السَّفَرِ بِلَا تَضَرُّرٍ وَيَجِبُ التَّتَابُعُ لِضِيقِ الْوَقْتِ أَوْ تَعَدِّي التَّرْكِ وَلَوْ نَذَرَ قَضَاءَ فَائِتَةٍ فِي يَوْمٍ مُعَيَّنٍ لَمْ يَتَعَيَّنْ (قَوْلُهُ إنْ أَرَادَ ظَاهِرَ الْعِبَارَةِ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ

(قَوْلُهُ وَقَدْ يَجِبُ بِطَرِيقِ الْعَرْضِ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ وَذَلِكَ فِي صُورَتَيْنِ إلَخْ) رَدٌّ بِمَنْعِ تَسْمِيَةِ هَذَا تَتَابُعًا إذْ لَوْ وَجَبَ لَزِمَ كَوْنُهُ شَرْطًا فِي الصِّحَّةِ كَصَوْمِ الْكَفَّارَةِ وَإِنَّمَا يُسَمَّى هَذَا وَاجِبًا مُضَيَّقًا وَقَدْ يَمْنَعُ الْأَوَّلُ الْمُلَازَمَةَ وَيُسْنَدُ الْمَنْعُ بِأَنَّهُ قَدْ يَجِبُ وَلَا يَكُونُ شَرْطًا كَمَا فِي صَوْمِ رَمَضَانَ وَلَا يَمْنَعُ مِنْ تَسْمِيَةِ ذَلِكَ تَتَابُعًا تَسْمِيَتُهُ وَاجِبًا مُضَيَّقًا

[فَصْلٌ تَعَدَّى بِالْفِطْرِ أَوْ نَسِيَ النِّيَّةَ فِي رَمَضَانَ خَاصَّةً]
(قَوْلُهُ مَنْ تَعَدَّى بِالْفِطْرِ) الْمُرَادُ الْفِطْرَ الشَّرْعِيَّ فَيَشْمَلُ الْمُرْتَدَّ (قَوْلُهُ لِحُرْمَةِ الْوَقْتِ) إذْ هُوَ سَيِّدُ الشُّهُورِ وَيَوْمٌ مِنْهُ أَفْضَلُ مِنْ يَوْمِ عِيدِ الْفِطْرِ

(1/423)


النِّيَّةَ يُشْعِرُ بِعَدَمِ الِاهْتِمَامِ بِأَمْرِ الْعِبَادَةِ فَهُوَ نَوْعُ تَقْصِيرٍ وَلَيْسَ الْمُمْسِكُ فِي صَوْمٍ شَرْعِيٍّ وَإِنْ أُثِيبَ عَلَيْهِ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ وَهُوَ مُرَادُ الرَّافِعِيِّ بِقَوْلِهِ لَيْسَ فِي عِبَادَةٍ بِخِلَافِ الْمُحْرِمِ إذَا أَفْسَدَ إحْرَامَهُ وَيَظْهَرُ أَثَرُهُ فِي أَنَّهُ لَوْ ارْتَكَبَ مَحْظُورًا لَزِمَتْهُ الْفِدْيَةُ بِخِلَافِ الْمُمْسِكِ هُنَا لَيْسَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ إلَّا الْإِثْمُ وَإِنَّمَا كَانَ الْإِمْسَاكُ مِنْ خَوَاصِّ رَمَضَانَ لِأَنَّ وُجُوبَ الصَّوْمِ فِيهِ بِطَرِيقِ الْأَصَالَةِ وَلِهَذَا لَا يُقْبَلُ غَيْرُهُ كَمَا سَيَأْتِي بِخِلَافِ غَيْرِهِ (فَإِنْ خَالَفَ) فَلَمْ يُمْسِكْ (أَثِمَ) لِمُخَالَفَتِهِ الْوَاجِبَ

(وَيُسْتَحَبُّ الْإِمْسَاكُ لِمَرِيضٍ شُفِيَ) مِنْ مَرَضِهِ فِي أَثْنَاءِ النَّهَارِ (وَلِمُسَافِرٍ قَدِمَ) مِنْ سَفَرِهِ كَذَلِكَ حَالَةَ كَوْنِهِمَا (مُفْطِرَيْنِ أَوْ لَمْ يَنْوِيَا) لِحُرْمَةِ الْوَقْتِ وَإِنَّمَا لَمْ يَلْزَمْهُمَا لِأَنَّ الْفِطْرَ مُبَاحٌ لَهُمَا مَعَ الْعِلْمِ بِحَالِ الْيَوْمِ، وَزَوَالُ الْعُذْرِ بَعْدَ التَّرَخُّصِ لَا يُؤَثِّرُ كَمَا لَوْ أَقَامَ فِي الْوَقْتِ بَعْدَ الْقَصْرِ وَلَوْ قَالَ مُفْطِرِينَ وَلَوْ بِتَرْكِ النِّيَّةِ كَانَ أَوْلَى لِأَنَّ مَنْ أَصْبَحَ تَارِكًا لِلنِّيَّةِ فَقَدْ أَصْبَحَ مُفْطِرًا (وَيُسْتَحَبُّ لَهُمَا إخْفَاؤُهُ) أَيْ الْإِفْطَارِ إنْ أَفْطَرَا لِئَلَّا يَتَعَرَّضَا إلَى التُّهْمَةِ وَالْعُقُوبَةِ، وَالتَّصْرِيحُ بِاسْتِحْبَابِ الْإِمْسَاكِ فِي تَرْكِ النِّيَّةِ وَاسْتِحْبَابِ الْإِخْفَاءِ مِنْ زِيَادَتِهِ (وَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِي جِمَاعِ) مُفْطِرَةٍ نَحْوِ (صَغِيرَةٍ) مُفْطِرَةٍ وَمَجْنُونَةٍ وَكَافِرَةٍ (وَحَائِضٍ طَهُرَتْ) مِنْ حَيْضِهَا وَاغْتَسَلَتْ لِأَنَّهُمَا مُفْطِرَانِ فَأَشْبَهَا الْمُسَافِرَيْنِ وَالْمَرِيضَيْنِ وَهَذَا عُلِمَ مِنْ اسْتِحْبَابِ الْإِمْسَاكِ.

[فَرْعٌ ثَبَتَ يَوْمُ الشَّكِّ مِنْ رَمَضَانَ]
(فَرْعٌ إذَا ثَبَتَ يَوْمُ الشَّكِّ) مِنْ رَمَضَانَ (لَزِمَهُمْ) أَيْ أَهْلَ الْوُجُوبِ الْمُفْطِرِينَ وَلَوْ شَرْعًا (الْقَضَاءُ) كَسَائِرِ أَيَّامِهِ (وَالْإِمْسَاكُ) لِأَنَّ صَوْمَهُ كَانَ وَاجِبًا عَلَيْهِمْ إلَّا أَنَّهُمْ جَهِلُوهُ بِخِلَافِ الْمُسَافِرِ إذَا قَدِمَ بَعْدَ الْإِفْطَارِ لِأَنَّهُ يُبَاحُ لَهُ الْأَكْلُ مَعَ الْعِلْمِ بِأَنَّهُ مِنْ رَمَضَانَ كَمَا مَرَّ (ثُمَّ لَوْ بَلَغَ الصَّبِيُّ مُفْطِرًا أَوْ أَفَاقَ مَجْنُونٌ أَوْ أَسْلَمَ كَافِرٌ لَمْ يَلْزَمْ الْإِمْسَاكُ) لِعَدَمِ الْتِزَامِهِمْ بِالصَّوْمِ وَالْإِمْسَاكُ تَبَعٌ لَهُ وَلِأَنَّهُمْ أَفْطَرُوا بِعُذْرٍ فَأَشْبَهُوا الْمَرِيضَ وَالْمُسَافِرَ (وَ) لَا (الْقَضَاءُ) لِأَنَّهُمْ لَمْ يُدْرِكُوا زَمَنًا يَسَعُ الْأَدَاءَ وَإِتْمَامُهُ خَارِجَ الْوَقْتِ غَيْرُ مُمْكِنٍ فَأَشْبَهُوا مَنْ أَدْرَكَ زَمَنًا لَا يَسَعُ الصَّلَاةَ أَوَّلَ وَقْتِهَا ثُمَّ طَرَأَ عَلَيْهِ مَانِعٌ وَبِهَذَا فَارَقَ إدْرَاكَ ذَلِكَ آخِرَ وَقْتِهَا (بَلْ يُسْتَحَبَّانِ) أَيْ الْإِمْسَاكُ وَالْقَضَاءُ خُرُوجًا مِنْ الْخِلَافِ وَقَوْلُهُ بَلْ يُسْتَحَبَّانِ بَنُونِ الرَّفْعِ اسْتِئْنَافٌ أَوْ عَطْفٌ بِنَاءً عَلَى مَا قَالَهُ ابْنُ مَالِكٍ مِنْ أَنَّ بَلْ تَعْطِفُ الْجُمَلَ وَهِيَ هُنَا لِلِانْتِقَالِ مِنْ غَرَضٍ إلَى آخَرَ لَا لِلْإِبْطَالِ (وَلَوْ بَلَغَ) الصَّبِيُّ بِالنَّهَارِ (صَائِمًا) بِأَنْ نَوَى لَيْلًا (لَزِمَهُ الْإِتْمَامُ) بِلَا قَضَاءٍ (وَالْكَفَّارَةُ لَوْ جَامَعَ فِيهِ) بَعْدَ بُلُوغِهِ لِأَنَّهُ صَارَ مِنْ أَهْلِ الْوُجُوبِ (وَلَا يَلْزَمُهَا) أَيْ الْحَائِضَ (الْإِمْسَاكُ لِانْقِطَاعِ الْحَيْضِ) فِي أَثْنَاءِ النَّهَارِ لِمَا مَرَّ فِيمَا إذَا أَفَاقَ الْمَجْنُونُ وَمِثْلُهَا النُّفَسَاءُ كَمَا صَرَّحَ بِهَا الْأَصْلُ (وَمَنْ أُبِيحَ لَهُ الْفِطْرُ فِي رَمَضَانَ) كَمَرِيضٍ وَمُسَافِرٍ (فَصَامَ غَيْرُهُ فِيهِ لَمْ يَصِحَّ وَلَوْ نَفْلًا) بِنِيَّةٍ (قَبْلَ الزَّوَالِ) لِتَعَيُّنِهِ لِصَوْمِهِ

(فَصْلٌ وَمَنْ أَفْسَدَ صَوْمَهُ فِي يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ بِجِمَاعٍ تَامٍّ أَثِمَ بِهِ لِأَجْلِ الصَّوْمِ لَزِمَتْهُ الْكَفَّارَةُ) لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «جَاءَ رَجُلٌ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ هَلَكْت قَالَ وَمَا أَهْلَكَك قَالَ وَاقَعْت امْرَأَتِي فِي رَمَضَانَ قَالَ هَلْ تَجِدُ مَا تُعْتِقُ رَقَبَةً قَالَ لَا قَالَ فَهَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تَصُومَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعِينَ قَالَ لَا قَالَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرملي الكبير]
قَوْلُهُ وَلَيْسَ الْمُمْسِكُ فِي صَوْمٍ شَرْعِيٍّ) إذَا قُلْنَا بِأَنَّهُ صَوْمٌ شَرْعِيٌّ وَلَمْ يَكُنْ قَدْ أَكَلَ فَيَنْبَغِي وُجُوبُ النِّيَّةِ قَالَهُ ابْنُ أَبِي الدَّمِ انْتَهَى وَهَذِهِ إحْدَى صُورَتَيْنِ تُجْزِئُ فِيهِمَا النِّيَّةُ نَهَارًا فِي صَوْمٍ وَاجِبٍ وَالثَّانِيَةُ مَا إذَا نَذَرَ أَنْ يَصُومَ الْيَوْمَ الَّذِي يَقْدَمُ فِيهِ زَيْدٌ فَقَدِمَ نَهَارًا قَبْلَ أَنْ يَأْكُلَ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَيُشْبِهُ أَنْ يُقَالَ لَا بُدَّ مِنْ قَصْدِ الْإِمْسَاكِ عَلَى التَّقْدِيرَيْنِ وَلَا يَخْفَى وَجْهُهُ (قَوْلُهُ وَإِنْ أُثِيبَ عَلَيْهِ إلَخْ) إنَّمَا أُثِيبَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ قَائِمٌ بِوَاجِبٍ

(قَوْلُهُ إذَا ثَبَتَ يَوْمُ الشَّكِّ إلَخْ) الْمُرَادُ بِيَوْمِ الشَّكِّ هُنَا يَوْمُ الثَّلَاثِينَ مِنْ شَعْبَانَ سَوَاءٌ أَكَانَ تَحَدَّثَ بِرُؤْيَتِهِ أَحَدٌ أَمْ لَا بِخِلَافِ يَوْمِ الشَّكِّ الَّذِي يَحْرُمُ صَوْمُهُ (قَوْلُهُ وَالْإِمْسَاكُ إلَخْ) ثُمَّ إنْ ثَبَتَ قَبْلَ أَكْلِهِمْ نُدِبَ لَهُمْ نِيَّةُ الصِّيَامِ (قَوْلُهُ وَلَوْ بَلَغَ صَائِمًا لَزِمَهُ الْإِتْمَامُ) قَالَ شَيْخُنَا فَإِنْ أَفْطَرَ فِيهِ بَعْدَ بُلُوغِهِ لَزِمَهُ قَضَاؤُهُ (قَوْلُهُ فِي يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ) أَيْ يَقِينًا خَرَجَ بِهِ الْوَطْءُ فِي أَوَّلِ رَمَضَانَ إذَا صَامَهُ بِالِاجْتِهَادِ وَلَمْ يَتَحَقَّقْ أَنَّهُ مِنْهُ أَوْ فِي صَوْمِ يَوْمِ الشَّكِّ حَيْثُ جَازَ فَبَانَ مِنْ رَمَضَانَ

[فَصْلٌ أَفْسَدَ صَوْمَهُ فِي يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ بِجِمَاعٍ تَامٍّ]
(قَوْلُهُ بِجِمَاعٍ تَامٍّ أَثِمَ بِهِ إلَخْ) قَالَ الْأَذْرَعِيُّ قَدْ يُسْتَثْنَى مَا لَوْ أَوْلَجَ رَجُلٌ فِي قُبُلِ مُشْكِلٍ وَلَمْ تَتَبَيَّنْ أُنُوثَتُهُ وَلَمْ أَرَ فِيهِ نَصًّا وَكَتَبَ أَيْضًا قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ وَهَذَا الضَّابِطُ يَرِدُ عَلَيْهِ أُمُورٌ أَحَدُهَا مَا إذَا طَلَعَ عَلَيْهِ الْفَجْرُ وَهُوَ مُجَامِعٌ فَاسْتَدَامَ فَإِنَّ الْأَصَحَّ الْمَنْصُوصُ وُجُوبُ الْكَفَّارَةِ مَعَ انْتِفَاءِ فَسَادِ الصَّوْمِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ وَوَجْهُ انْتِفَائِهِ أَنَّ الصَّوْمَ لَمْ يَنْعَقِدْ عَلَى الْأَصَحِّ وَإِذَا انْتَفَى الِانْعِقَادُ انْتَفَى الْإِفْسَادُ الثَّانِي لَوْ جَامَعَ شَاكًّا فِي غُرُوبِ الشَّمْسِ فَإِنَّهُ حَرَامٌ قَطْعًا كَمَا جَزَمَ بِهِ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ وَمَعَ ذَلِكَ فَلَا كَفَّارَةَ كَمَا جَزَمَ بِهِ الْبَغَوِيّ فِي التَّهْذِيبِ الثَّالِثُ لَوْ أَكَلَ نَاسِيًا وَظَنَّ بُطْلَانَ صَوْمِهِ فَجَامَعَ فَإِنَّهُ يُفْطِرُ عَلَى الْأَصَحِّ وَلَا كَفَّارَةَ.
الرَّابِعُ لَوْ كَانَ بِهِ عُذْرٌ يُبِيحُ الْوَطْءَ مِنْ سَفَرٍ أَوْ غَيْرِهِ فَجَامَعَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ صَائِمَةٌ مُخْتَارَةٌ فَإِنَّهُ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ بِإِفْسَادِ صَوْمِهَا مَعَ أَنَّ الْحَدَّ الْمَذْكُورَ يَصْدُقُ عَلَيْهِ نَعَمْ لَوْ قَيَّدَهُ بِصِيَامِ نَفْسِهِ لَمْ يَرِدْ عَلَيْهِ شَيْءٌ انْتَهَى وَاعْتَرَضَهُ ابْنُ الْعِمَادِ بِأَنَّ كُلَّ هَذِهِ الْإِيرَادَاتِ سَاقِطَةٌ أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ الْفَسَادَ لَا يَسْتَلْزِمُ تَقَدُّمَ الصِّحَّةِ بَلْ قَدْ يَكُونُ الْفَسَادُ مُقَارِنًا وَقَدْ يَكُونُ طَارِئًا وَهَذَا كَمَا أَنَّ الْحَجَّ قَدْ يَنْعَقِدُ فَاسِدًا كَمَا فِي صُورَةِ إدْخَالِ الْحَجِّ عَلَى الْعُمْرَةِ الْفَاسِدَةِ كَمَا فِي الْإِحْرَامِ بِهِ فِي حَالِ الْجِمَاعِ كَذَلِكَ يَقَعُ فَاسِدًا فَقَوْلُ الشَّيْخَيْنِ بِإِفْسَادِ صَوْمٍ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يُوقِعَهُ فَاسِدًا أَوْ صَحِيحًا ثُمَّ يُفْسِدَهُ وَلَيْسَ لَنَا عِبَادَةٌ فَاسِدَةٌ يَجِبُ الْمُضِيُّ فِي فَاسِدِهَا إلَّا الْحَجُّ وَالصَّوْمُ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي الْإِفْسَادِ لَا فِي الْفَسَادِ وَالْإِفْسَادُ إنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ الِانْعِقَادِ صَحِيحًا.
وَأَمَّا الثَّانِي فَخَرَجَ بِقَوْلِهِ بِإِفْسَادِ صَوْمٍ لِأَنَّهُ إذَا جَامَعَ شَاكًّا فِي غُرُوبِ الشَّمْسِ لَمْ يَتَحَقَّقْ إفْسَادُ الصَّوْمِ وَإِنَّمَا وَجَبَ قَضَاءُ الصَّوْمِ لِلِاحْتِيَاطِ وَالْأَصْلُ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ مِنْ الْكَفَّارَةِ وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ أَنْ لَا يَتَبَيَّنَ الْحَالَ بَعْدُ فَإِنْ جَامَعَ ثُمَّ طَلَعَتْ الشَّمْسُ وَجَبَتْ الْكَفَّارَةُ بِلَا شَكٍّ لِتَحَقُّقِ الْإِفْسَادِ وَأَمَّا الثَّالِثُ فَخَرَجَ بِقَوْلِهِ أَثِمَ لَا يَحِلُّ الصَّوْمُ فَإِنَّهُ إذَا ظَنَّ أَنَّهُ أَفْطَرَ بِالْأَكْلِ لَمْ يَأْثَمْ بِالْفِطْرِ وَأَمَّا

(1/424)


فَهَلْ تَجِدْ مَا تُطْعِمُ سِتِّينَ مِسْكِينًا قَالَ لَا ثُمَّ جَلَسَ فَأَتَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِعَرَقٍ فِيهِ تَمْرٌ فَقَالَ تَصَدَّقْ بِهَذَا فَقَالَ عَلَى أَفْقَرَ مِنَّا يَا رَسُولَ اللَّهِ فَوَاَللَّهِ مَا بَيْنَ لَابَتَيْهَا أَهْلُ بَيْتٍ أَحْوَجُ إلَيْهِ مِنَّا فَضَحِكَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَتَّى بَدَتْ أَنْيَابُهُ ثُمَّ قَالَ اذْهَبْ فَأَطْعِمْهُ أَهْلَك» وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ «فَأَعْتِقْ رَقَبَةً فَصُمْ شَهْرَيْنِ فَأَطْعِمْ سِتِّينَ بِالْأَمْرِ» وَفِي رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاوُد «فَأَتَى بِعَرَقِ تَمْرٍ قَدْرَ خَمْسَةَ عَشَرَ صَاعًا» قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَهِيَ أَصَحُّ مِنْ رِوَايَةٍ فِيهِ عِشْرُونَ صَاعًا وَالْعَرَقُ بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَالرَّاءِ مِكْتَلٌ يُنْسَخُ مِنْ خُوصِ النَّخْلِ

(فَمَنْ أَفْسَدَهُ بِغَيْرِ الْجِمَاعِ) كَأَكْلٍ وَاسْتِمْنَاءٍ (لَمْ تَلْزَمْهُ الْكَفَّارَةُ) لِوُرُودِ النَّصِّ فِي الْجِمَاعِ وَهُوَ أَغْلَظُ مِنْ غَيْرِهِ وَهَذَا يُغْنِي عَنْهُ قَوْلُهُ فِيمَا يَأْتِي وَقَوْلُنَا بِجِمَاعٍ إلَى آخِرِهِ (وَلَا تَلْزَمُ مَنْ جَامَعَ نَاسِيًا) أَوْ جَاهِلًا أَوْ مُكْرَهًا (أَوْ) جِمَاعًا (ثَانِيًا إذْ لَا إفْسَادَ) تَقَدَّمَ إنَّهَا تَلْزَمُ فِيمَا لَوْ طَلَعَ الْفَجْرُ وَهُوَ مَجَامِعٌ فَاسْتَدَامَ مَعَ أَنَّهُ لَا إفْسَادَ لِأَنَّهُ فَرْعُ الِانْعِقَادِ وَلَمْ يَنْعَقِدْ كَمَا مَرَّ مَعَ تَوْجِيهِهِ (أَوْ) جَامَعَ (مُسَافِرًا إذْ لَا إثْمَ) هَذَا مَعَ إيهَامِهِ الْقُصُورَ عَلَى الْمُسَافِرِ يُغْنِي عَنْهُ قَوْلُهُ فِيمَا يَأْتِي وَقَوْلُنَا أَثِمَ بِهِ إلَى آخِرِهِ (وَقَوْلُنَا صَوْمُهُ احْتِرَازًا مِنْ مُسَافِرٍ) أَوْ مَرِيضٍ (أَفْسَدَ صَوْمَ امْرَأَةٍ) فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ لِأَنَّهَا لَا تَلْزَمُ بِإِفْسَادِهَا صَوْمِهَا بِالْجِمَاعِ كَمَا سَيَأْتِي فَبِالْأَوْلَى إفْسَادُ غَيْرِهَا لَهُ (وَقَوْلُنَا فِي يَوْمٍ يَدُلُّ) عَلَى (أَنَّهَا تَجِبُ لِكُلِّ يَوْمٍ) وَإِنْ لَمْ يُكَفِّرْ عَنْ الْأَوَّلِ إذْ كُلُّ يَوْمٍ عِبَادَةٌ بِرَأْسِهَا وَقَدْ تَكَرَّرَ الْإِفْسَادُ فَأَشْبَهَ مَا لَوْ تَكَرَّرَ فِي حَجَّتَيْنِ.
(وَقَوْلُنَا مِنْ رَمَضَانَ احْتِرَازًا مِنْ الْقَضَاءِ وَالنَّذْرِ وَغَيْرِهِ) فَلَا كَفَّارَةَ فِي إفْسَادِهَا لِوُرُودِ النَّصِّ فِي رَمَضَانَ وَهُوَ مُخْتَصٌّ بِفَضَائِلَ لَا يُشْرِكُهُ فِيهَا غَيْرُهُ (وَقَوْلُنَا بِجِمَاعٍ احْتِرَازًا مِمَّنْ أَفْطَرَ أَوَّلًا بِغَيْرِهِ ثُمَّ جَامَعَ فَإِنَّهُ لَا كَفَّارَةَ فِي ذَلِكَ) كَمَا مَرَّ بَيَانُهُ (وَقَوْلُنَا تَامٌّ احْتِرَازًا مِنْ الْمَرْأَةِ فَإِنَّهَا تُفْطِرُ بِدُخُولِ شَيْءٍ) مِنْ الذَّكَرِ فَرْجَهَا وَلَوْ دُونَ الْحَشَفَةِ وَهَذَا الْقَيْدُ تَبِعَ فِيهِ الْمُصَنِّفَ كَأَصْلِهِ الْغَزَالِيُّ وَزَيَّفُوهُ بِخُرُوجِ ذَلِكَ بِالْجِمَاعِ إذْ الْفَسَادُ فِيهِ بِغَيْرِهِ وَبِأَنَّهُ يُتَصَوَّرُ فَسَادُ صَوْمِهَا بِالْجِمَاعِ بِأَنْ يُولِجَ فِيهَا نَائِمَةً أَوْ نَاسِيَةً أَوْ مُكْرَهَةً ثُمَّ تَسْتَيْقِظَ أَوْ تَتَذَكَّرَ أَوْ تَقْدِرَ عَلَى الدَّفْعِ وَتَسْتَدِيمَ فَفَسَادُهُ فِيهَا بِالْجِمَاعِ لِأَنَّ اسْتِدَامَةَ الْجِمَاعِ جِمَاعٌ مَعَ أَنَّهُ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهَا لِأَنَّهُ لَمْ يُؤْمَرْ بِهَا فِي الْخَبَرِ إلَّا الرَّجُلُ الْمَوَاقِعُ مَعَ الْحَاجَةِ إلَى الْبَيَانِ وَلِنُقْصَانِ صَوْمِهَا بِتَعَرُّضِهِ لِلْبُطْلَانِ بِعُرُوضِ الْحَيْضِ أَوْ نَحْوِهِ فَلَمْ تَكْمُلْ حُرْمَتُهُ حَتَّى تَتَعَلَّقَ بِهِ الْكَفَّارَةُ وَلِأَنَّهَا غُرْمٌ مَالِيٌّ يَتَعَلَّقُ بِالْجِمَاعِ فَيَخْتَصُّ بِالرَّجُلِ الْوَاطِئِ كَالْمَهْرِ فَلَا يَجِبُ عَلَى الْمَوْطُوءَةِ وَلَا عَلَى الرَّجُلِ الْمَوْطُوءِ كَمَا نَقَلَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ.
(وَ) الْجِمَاعُ (التَّامُّ) يَحْصُلُ (بِالْتِقَاءِ الْخِتَانَيْنِ فَإِذَا مَكَّنَتْهُ) مِنْهُ (فَالْكَفَّارَةُ عَلَيْهِ دُونَهَا) لِذَلِكَ وَالتَّصْرِيحُ بِأَنَّ التَّامَّ بِالْتِقَاءِ الْخِتَانَيْنِ مِنْ زِيَادَتِهِ (قَوْلُنَا أَثِمَ بِهِ احْتِرَازًا مِمَّنْ ظَنَّ غَالِطًا بَقَاءَ اللَّيْلِ) أَوْ دُخُولَهُ عَلَى مَا يَأْتِي (فَجَامَعَ) وَمِنْ جِمَاعِ الصَّبِيِّ وَجِمَاعِ الْمُسَافِرِ وَالْمَرِيضِ بِنِيَّةِ التَّرَخُّصِ فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِمْ لِعَدَمِ إثْمِهِمْ (وَمُقْتَضَى الضَّابِطِ) الْمَذْكُورِ (وُجُوبُهَا عَلَى مَنْ شَكَّ فِي دُخُولِ اللَّيْلِ) فَجَامَعَ ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ جَامَعَ نَهَارًا وَهَذَا مِنْ زِيَادَتِهِ وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُ الْأَصْلِ فِي مَسْأَلَةِ ظَنِّ الدُّخُولِ السَّابِقَةِ بَعْدَ نَقْلِهَا عَنْ التَّهْذِيبِ وَغَيْرِهِ وَهَذَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مُفَرَّعًا عَلَى تَجْوِيزِ الْإِفْطَارِ بِالظَّنِّ وَإِلَّا فَتَجِبُ الْكَفَّارَةُ وَفَاءً بِالضَّابِطِ لَكِنْ صَرَّحَ الْقَاضِي بِعَدَمِ وُجُوبِهَا وَإِنْ قُلْنَا لَا يَجُوزُ الْإِفْطَارُ بِالظَّنِّ بَلْ صَرَّحَ الْبَغَوِيّ بِخِلَافِ الْمُقْتَضَى الْمَذْكُورِ فِي مَسْأَلَةِ الشَّكِّ وَبِالتَّسْوِيَةِ بَيْنَ شَكِّهِ فِي دُخُولِ اللَّيْلِ وَخُرُوجِهِ وَعَلَّلَ عَدَمَ وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ بِإِنَّهَا تَسْقُطُ بِالشُّبْهَةِ وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَمْ يُصَرِّحْ فِي التَّهْذِيبِ بِمَسْأَلَةِ الظَّنِّ لَكِنَّهَا مَفْهُومَةٌ بِالْأَوْلَى مِنْ مَسْأَلَةِ الشَّكِّ (وَلَوْ أَكَلَ نَاسِيًا وَظَنَّ أَنَّهُ أَفْطَرَ) بِالْأَكْلِ (فَجَامَعَ أَفْطَرَ) كَمَا لَوْ جَامَعَ ظَانًّا بَقَاءَ اللَّيْلِ فَبَانَ خِلَافُهُ (وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ) لِأَنَّهُ جَامَعَ مُعْتَقِدًا أَنَّهُ غَيْرُ صَائِمٍ وَهَذَا خَارِجٌ بِقَوْلِهِ لِأَجْلِ الصَّوْمِ إنْ عَلِمَ وُجُوبَ الْإِمْسَاكِ عَنْ الْجِمَاعِ وَإِلَّا فَبِقَوْلِهِ أَثِمَ بِهِ (وَقَوْلُنَا لِأَجْلِ الصَّوْمِ احْتِرَازًا مِنْ مُسَافِرٍ) أَوْ مَرِيضٍ (زَنَى) أَوْ جَامَعَ حَلِيلَتَهُ بِغَيْرِ نِيَّةِ التَّرَخُّصِ فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ (فَإِنَّهُ أَثِمَ لِأَجْلِ الزِّنَا) أَوْ لِأَجْلِ الصَّوْمِ مَعَ عَدَمِ نِيَّةِ التَّرَخُّصِ (لَا لِأَجْلِ الصَّوْمِ) وَلِأَنَّ الْإِفْطَارَ مُبَاحٌ فَيَصِيرُ شُبْهَةً فِي دَرْءِ الْكَفَّارَةِ وَحَذَفَ مِنْ أَصْلِهِ قَوْلَهُ بَعْدَ زِنًى مُتَرَخِّصًا لِإِيهَامِهِ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَنْوِ التَّرَخُّصَ تَجِبُ الْكَفَّارَةُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ (وَلِلِّوَاطِ وَإِتْيَانِ الْبَهِيمَةِ حُكْمُ الْجِمَاعِ هُنَا) فِيمَا ذُكِرَ مِنْ وُجُوبِ كَفَّارَةِ الصَّوْمِ بِالْإِفْسَادِ لِأَنَّ الْجَمِيعَ وَطْءٌ

(فَرْعٌ مَنْ رَأَى الْهِلَالَ) أَيْ هِلَالَ رَمَضَانَ (وَحْدَهُ صَامَ) وُجُوبًا (وَإِنْ رُدَّتْ شَهَادَتُهُ) لِخَبَرِ «صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ» (فَإِنْ جَامَعَ) فِي صَوْمِهِ بِذَلِكَ (لَزِمَتْهُ الْكَفَّارَةُ) لِأَنَّهُ هَتْكُ حُرْمَةِ يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ عِنْدَهُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرملي الكبير]
الرَّابِعُ فَلِأَنَّ الزَّوْجَ لَمْ يُفْسِدْ صَوْمَهَا وَإِنَّمَا هِيَ الْمُفْسِدَةُ لَهُ بِالتَّمْكِينِ

(قَوْلُهُ وَقَوْلُنَا تَامٌّ احْتِرَازٌ مِنْ الْمَرْأَةِ إلَخْ) لِأَنَّ الْكَفَّارَةَ حَقٌّ مَالِيٌّ يَجِبُ بِالْوَطْءِ فَاخْتَصَّ بِالرَّجُلِ كَالْمَهْرِ وَلِأَنَّ صَوْمَهَا نَاقِصٌ لِتَعَرُّضِهِ لِلْبُطْلَانِ بِالْحَيْضِ فَلَمْ تَكْمُلْ حُرْمَتُهُ كَمَا سَيَأْتِي (قَوْلُهُ كَمَا نَقَلَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ وَهَذَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مُفَرَّعًا عَلَى تَجْوِيزِ الْإِفْطَارِ إلَخْ) قَالَ الْأَذْرَعِيُّ الضَّابِطُ أَظُنُّهُ مِنْ تَصَرُّفِ الْإِمَامِ فَلَا يَلْزَمُ الْأَصْحَابُ الْوَفَاءَ بِهِ وَالرَّافِعِيُّ أَطْلَقَ أَنَّهُ ظَنَّ غُرُوبَ الشَّمْسِ فَذَكَرَ مَا ذَكَرَ وَالتَّصْوِيرُ كَمَا ذَكَرْنَا وَحِينَئِذٍ لَا قَائِلَ بِتَجْوِيزِ الْإِفْطَارِ اعْتِمَادًا عَلَى ظَنٍّ لَا مُسْتَنَدَ لَهُ وَإِذَا شَكَّ فِي النَّهَارِ هَلْ نَوَى لَيْلًا أَوْ لَا ثُمَّ جَامَعَ فِي حَالِ الشَّكِّ ثُمَّ تَذَكَّرَ أَنَّهُ نَوَى فَإِنَّهُ يَبْطُلُ صَوْمُهُ وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ لِأَنَّهَا تَسْقُطُ بِالشُّبْهَةِ قَالَهُ الْغَزِّيّ وَفِيهِ نَظَرٌ وَلَوْ نَوَى صَوْمَ يَوْمِ الشَّكِّ عَنْ قَضَاءٍ أَوْ نَذْرٍ ثُمَّ أَفْسَدَهُ نَهَارًا بِجِمَاعٍ ثُمَّ تَبَيَّنَ بَعْدَ الْإِفْسَادِ بِبَيِّنَةٍ أَنَّهُ مِنْ رَمَضَانَ فَإِنَّهُ يَصْدُقُ أَنْ يُقَالَ إنَّهُ أَفْسَدَ صَوْمَ يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ بِجِمَاعٍ تَامٍّ أَثِمَ بِهِ لِأَجَلِ الصَّوْمِ وَمَعَ ذَلِكَ فَلَا تَجِبُ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ لِأَنَّهُ لَمْ يَنْوِهِ عَنْ رَمَضَانَ فَلَوْ عَبَّرَ بِقَوْلِهِ لِفَسَادِ صَوْمٍ عَنْ رَمَضَانَ خَرَجَتْ هَذِهِ الصُّورَةُ لِأَنَّهُ مِنْ رَمَضَانَ لَا عَنْ رَمَضَانَ لَكِنْ لَوْ عَبَّرَ بِذَلِكَ وَرَدَّ عَلَيْهِ الْقَضَاءَ فَإِنَّهُ عَنْ رَمَضَانَ وَلَيْسَ مِنْ رَمَضَانَ.
(قَوْلُهُ لَكِنْ صَرَّحَ الْقَاضِي) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَتَبَ عَلَيْهِ وَالْمُتَوَلِّي وَالْبَغَوِيُّ (قَوْلُهُ وَإِتْيَانُ الْبَهِيمَةِ)

(1/425)


بِإِفْسَادِ صَوْمِهِ بِالْجِمَاعِ فَأَشْبَهَ سَائِرَ الْأَيَّامِ (وَمَتَى رَأَى شَوَّالًا) أَيْ هِلَالَهُ (وَحْدَهُ) لَزِمَهُ الْفِطْرُ عَمَلًا بِمُقْتَضَى رُؤْيَتِهِ وَلِلْخَبَرِ الْمَذْكُورِ (فَإِنْ شَهِدَ) بِرُؤْيَتِهِ (ثُمَّ أَفْطَرَ لَمْ يُعَزَّرْ) وَإِنْ رُدَّتْ شَهَادَتُهُ لِعَدَمِ التُّهْمَةِ حَالَ الشَّهَادَةِ (وَإِلَّا) بِأَنْ أَفْطَرَ ثُمَّ شَهِدَ بِرُؤْيَتِهِ (سَقَطَتْ شَهَادَتُهُ) لِتُهْمَةِ دَفْعِ التَّعْزِيرِ عَنْهُ (وَعُزِّرَ) لِإِفْطَارِهِ فِي رَمَضَانَ فِي الظَّاهِرِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَهُوَ مُشْكِلٌ لِأَنَّ صِدْقَهُ مُحْتَمَلٌ وَالْعُقُوبَةُ تُدْرَأُ بِدُونِ هَذَا وَقَدْ يَخْفَى هَذَا عَلَى كَثِيرٍ وَلِمَ لَا يُفَرَّقُ بَيْنَ مَنْ يُعْلَمُ دِينَهُ وَأَمَانَتَهُ وَمَنْ يُعْلَمْ مِنْهُ ضِدُّ ذَلِكَ (وَحَقُّهُ) إذَا أَفْطَرَ (أَنْ يُخْفِيَهُ) أَيْ الْإِفْطَارَ لِئَلَّا يُتَّهَمَ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ عَلَى جِهَةِ النَّدْبِ

(فَرْعٌ مَتَى) وَفِي نُسْخَةٍ مَنْ (جَامَعَ) جِمَاعًا مُفْسِدًا (ثُمَّ سَافَرَ لَمْ تَسْقُطْ) عَنْهُ (الْكَفَّارَةُ) لِأَنَّ السَّفَرَ لَا يُنَافِي الصَّوْمَ فَيَتَحَقَّقُ هَتْكُ حُرْمَتِهِ وَلِأَنَّ طُرُوَّهُ لَا يُبِيحُ الْفِطْرَ فَلَا يُؤَثِّرُ فِيمَا وَجَبَ مِنْ الْكَفَّارَةِ (وَتَسْقُطُ إذَا جُنَّ أَوْ مَاتَ يَوْمَ الْجِمَاعِ) لِأَنَّهُ بَانَ بِطُرُوِّ ذَلِكَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي صَوْمٍ لِمُنَافَاتِهِ لَهُ (لَا إنْ مَرِضَ) فِيهِ فَلَا تَسْقُطُ لِلتَّعْلِيلِ الْأَوَّلِ فِي طُرُوُّ السَّفَرِ وَلَوْ ذَكَرَهُ مَعَهُ كَانَ أَنْسَبَ وَمِثْلُهُمَا طُرُوُّ الرِّدَّةِ وَحُذِفَ مِنْ أَصْلِهِ مَا لَوْ طَرَأَ الْحَيْضُ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا أَفْطَرَتْ بِالْجِمَاعِ لَا يَلْزَمُهَا الْكَفَّارَةُ إلَّا عَلَى وَجْهٍ مَرْجُوحٍ

(فَرْعٌ وَهِيَ) أَيْ هَذِهِ الْكَفَّارَةُ مُرَتَّبَةٌ (كَكَفَّارَةِ الظِّهَارِ) فَهِيَ (عِتْقُ رَقَبَةٍ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ وَلَوْ لِغِلْمَةٍ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا غَيْرَ أَهْلِهِ) لِخَبَرِ أَبِي هُرَيْرَةَ السَّابِقِ وَالْكَلَامُ عَلَى صِفَةِ الْكَفَّارَةِ مُسْتَوْفًى فِي بَابِهَا وَمِنْهَا كَوْنُ الرَّقَبَةِ مُؤْمِنَةً وَإِنَّ كُلًّا مِنْ الْمَسَاكِينِ الشَّامِلِينَ لِلْفُقَرَاءِ يُعْطَى مُدًّا مِمَّا يَكُونُ فُطْرَةً وَالْغُلْمَةُ بِضَمِّ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ اللَّامِ الْحَاجَةُ إلَى النِّكَاحِ وَوَجْهُ جَوَازِ عُدُولِهِ بِهَا إلَى الْإِطْعَامِ أَنَّ حَرَارَةَ الصَّوْمِ مَعَهَا قَدْ تَقْضِي بِهِ إلَى الْوَطْءِ وَلَوْ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ مِنْ الشَّهْرَيْنِ وَذَلِكَ يَقْتَضِي اسْتِئْنَافَهُمَا وَهُوَ حَرَجٌ شَدِيدٌ وَوَرَدَ فِي خَبَرِ «سَلَمَةَ بْنِ صَخْرٍ الْمُظَاهِرِ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا أَمَرَهُ بِالصَّوْمِ بَعْدَ وَطْئِهِ الْمُعَلَّقِ بِهِ ظِهَارَةٌ قَالَ لَهُ سَلَمَةُ وَهَلْ أَتَيْت إلَّا مِنْ الصَّوْمِ» وَالْحُكْمُ وَاحِدٌ فِي الْبَابَيْنِ وَعَبَّرَ فِي الْأَصْلِ وَالْمِنْهَاجِ وَغَيْرِهِمَا بِشِدَّةِ الْغُلْمَةِ فَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ وَلَوْ لِشِدَّةِ غُلْمَةٍ لَوَافَقَ ذَلِكَ أَمَّا أَهْلُهُ فَلَا يَصْرِفُ الْمُكَفِّرُ مِنْ كَفَّارَتِهِ شَيْئًا لَهُ (وَلَوْ كَانَ فَقِيرًا) كَالزَّكَوَاتِ وَسَائِرِ الْكَفَّارَاتِ وَأَمَّا قَوْلُهُ «- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْخَبَرِ أَطْعِمْهُ أَهْلَك» فَفِي الْأُمِّ كَمَا فِي الرَّافِعِيِّ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ لَمَّا أَخْبَرَهُ بِفَقْرِهِ صَرَفَهُ لَهُ صَدَقَةً أَوْ أَنَّهُ مَلَّكَهُ إيَّاهُ وَأَمَرَهُ بِالتَّصَدُّقِ بِهِ فَلَمَّا أَخْبَرَهُ بِفَقْرِهِ أَذِنَ لَهُ فِي صَرْفِهَا لَهُمْ لِلْإِعْلَامِ بِأَنَّهَا إنَّمَا تَجِبُ بَعْدَ الْكِفَايَةِ أَوْ أَنَّهُ تَطَوَّعَ بِالتَّكْفِيرِ عَنْهُ وَسَوَّغَ لَهُ صَرْفَهَا لِأَهْلِهِ لِلْإِعْلَامِ بِأَنَّ لِغَيْرِ الْمُكَفِّرِ التَّطَوُّعَ بِالتَّكْفِيرِ عَنْهُ بِإِذْنِهِ وَأَنَّ لَهُ صَرْفَهَا لِأَهْلِ الْمُكَفِّرِ عَنْهُ أَيْ وَلَهُ فَيَأْكُلُ هُوَ وَهُمْ مِنْهَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ الشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ السِّنْجِيُّ وَالْقَاضِي نَقْلًا عَنْ الْأَصْحَابِ وَحَاصِلُ الِاحْتِمَالَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ أَنَّهُ صَرَفَ لَهُ ذَلِكَ تَطَوُّعًا قَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ وَهُوَ الْأَقْرَبُ

(وَيَجِبُ) لِإِفْسَادِ الصَّوْمِ بِالْجِمَاعِ (الْقَضَاءُ مَعَ الْكَفَّارَةِ) وَلَوْ بِالصَّوْمِ لِأَنَّهُ إذَا وَجَبَ عَلَى الْمَعْذُورِ فَعَلَى غَيْرِهِ أَوْلَى وَلِلْأَمْرِ بِهِ فِي الْخَبَرِ السَّابِقِ فِي رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاوُد وَيَجِبُ مَعَهَا التَّعْزِيرُ أَيْضًا كَمَا يُعْلَمُ مِنْ مَحَلِّهِ وَنُقِلَ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ وَالْبَغَوِيِّ وَابْنِ الصَّلَاحِ وَابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ (وَإِذَا عَجَزَ) عَنْ جَمِيعِ خِصَالِ الْكَفَّارَةِ (ثَبَتَتْ فِي ذِمَّتِهِ وَكَذَا كَفَّارَةُ الْيَمِينِ وَالْقَتْلِ وَالظِّهَارِ) لِأَنَّهُ «- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ الْأَعْرَابِيَّ بِأَنْ يُدَارَ مِمَّا دَفَعَهُ إلَيْهِ مَعَ إخْبَارِهِ بِعَجْزِهِ» فَدَلَّ عَلَى أَنَّهَا ثَابِتَةٌ فِي الذِّمَّةِ حِينَئِذٍ وَلِأَنَّ حُقُوقَ اللَّهِ الْمَالِيَّةَ إذَا عَجَزَ عَنْهَا الْعَبْدُ وَقْتَ وُجُوبِهَا فَإِنْ كَانَتْ لَا بِسَبَبٍ مِنْهُ كَزَكَاةِ الْفِطْرِ لَمْ تَسْتَقِرَّ فِي ذِمَّتِهِ وَإِنْ كَانَتْ بِسَبَبٍ مِنْهُ اسْتَقَرَّتْ فِي ذِمَّتِهِ سَوَاءٌ أَكَانَتْ عَلَى وَجْهِ الْبَدَلِ كَجَزَاءِ الصَّيْدِ وَفِدْيَةِ الْحَلْقِ أَمْ لَا كَكَفَّارَةِ الظِّهَارِ وَالْقَتْلِ وَالْيَمِينِ وَالْجِمَاعِ وَدَمِ التَّمَتُّعِ وَالْقِرَانِ لَا يُقَالُ لَوْ اسْتَقَرَّتْ فِي ذِمَّتِهِ لَأَمَرَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمَوَاقِعَ بِإِخْرَاجِهَا بَعْدُ لِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ مَا دَفَعَهُ إلَيْهِ لَمْ يَقَعْ كَفَّارَةً عَلَى مَا مَرَّ وَلَوْ سَلَّمَ فَتَأْخِيرُ الْبَيَانِ لِوَقْتِ الْحَاجَةِ جَائِزٌ وَهُوَ وَقْتُ الْقُدْرَةِ وَمَتَى قَدَرَ عَلَى إحْدَى الْخِصَالِ فَعَلَهَا كَمَا لَوْ كَانَ قَادِرًا عَلَيْهَا حَالَ الْوُجُوبِ وَكَلَامُ التَّنْبِيهِ يَقْتَضِي أَنَّ الثَّابِتَ فِي ذِمَّتِهِ هُوَ الْخَصْلَةُ الْأَخِيرَةُ وَكَلَامُ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ يَقْتَضِي أَنَّهُ إحْدَى الْخِصَالِ الثَّلَاثِ وَأَنَّهَا مُخْبِرَةٌ وَكَلَامُ الْجُمْهُورِ يَقْتَضِي أَنَّهُ الْكَفَّارَةُ وَأَنَّهَا مُرَتَّبَةٌ فِي الذِّمَّةِ وَبِهِ صَرَّحَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ ثُمَّ إنْ قَدَرَ عَلَى خَصْلَةٍ فَعَلَهَا أَوْ أَكْثَرَ رَتَّبَ

(فَصْلٌ تَجِبُ الْفِدْيَةُ بِثَلَاثَةِ طُرُقٍ الْأَوَّلُ بِالْبَدَلِيَّةِ) عَنْ الصَّوْمِ أَيْ بِفَوَاتِهِ وَلَوْ عَبَّرَ بِهِ كَأَصْلِهِ كَانَ أَوْلَى (فَمَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صَوْمٌ قَضَاءً أَوْ نَذْرًا أَوْ كَفَّارَةً بَعْدَ التَّمَكُّنِ مِنْهُ وَجَبَتْ الْفِدْيَةُ فِي تَرِكَتِهِ) سَوَاءٌ أَتَرَكَ الْأَدَاءَ بِعُذْرٍ أَمْ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرملي الكبير]
أَيْ وَالْمَيْتَةُ

[فَرْعٌ رَأَى هِلَال رَمَضَان وَحْده]
(قَوْلُهُ وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ مَنْ يَعْلَمُ إلَخْ) قَالَ شَيْخُنَا يُجَابُ بِأَنَّ الِاحْتِيَاطَ لِرَمَضَانَ مَعَ وُجُودِ قَرِينَةِ التُّهْمَةِ اقْتَضَى وُجُوبَ التَّشْدِيدِ فِيهِ وَعَدَمُ الْفَرْقِ بَيْنَ الصَّالِحِ وَغَيْرِهِ (قَوْلُهُ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ عَلَى جِهَةِ النَّدْبِ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ

[فَرْعٌ جَامِع جِمَاعًا مُفْسِدًا لِلصِّيَامِ ثُمَّ سَافَرَ]
(قَوْلُهُ وَتَسْقُطُ إذَا جُنَّ أَوْ مَاتَ إلَخْ) لَوْ سَافَرَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ ثُمَّ طَرَأَ عَلَيْهِ جُنُونٌ أَوْ مَوْتٌ فَالظَّاهِرُ أَيْضًا سُقُوطُ الْإِثْمِ قَالَ النَّاشِرِيُّ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَسْقُطَ عَنْهُ إثْمٌ قَصَدَ تَرْكَ الْجُمُعَةِ وَإِنْ سَقَطَ عَنْهُ إثْمُ عَدَمِ الْإِتْيَانِ بِهَا كَمَا إذَا وَطِئَ زَوْجَتَهُ ظَانًّا أَنَّهَا أَجْنَبِيَّةٌ وَقَوْلُهُ فَالظَّاهِرُ إلَخْ وَقَوْلُهُ قَالَ النَّاشِرِيُّ إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِمَا وَمِثْلُهُمَا طُرُوُّ الرِّدَّةِ أَيْ مِثْلُ طُرُوُّ الْمَرَضِ وَالسَّفَرِ الرِّدَّةُ فَقَدْ قَالَ النَّوَوِيُّ فِي مَجْمُوعِهِ وَلَوْ ارْتَدَّ بَعْدَ الْجِمَاعِ فِي يَوْمِهِ لَمْ تَسْقُطْ الْكَفَّارَةُ بِلَا خِلَافٍ ذَكَرَهُ الدَّارِمِيُّ وَهُوَ أَصَحُّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَطُرُوُّ الرِّدَّةِ لَا يُسْقِطُهَا قَطْعًا

(قَوْلُهُ كَكَفَّارَةِ الظِّهَارِ) لِقَوْلِهِ «- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنْ أَفْطَرَ فِي رَمَضَانَ فَعَلَيْهِ مَا عَلَى الْمُظَاهِرِ» وَكَفَّارَةُ الظِّهَارِ مُرَتَّبَةٌ هَكَذَا بِالْإِجْمَاعِ وَلِأَنَّ فِيهَا صَوْمًا مُتَتَابِعًا فَكَانَتْ مُرَتَّبَةً كَالْقَتْلِ وَلِأَنَّهَا كَفَّارَةٌ ذُكِرَ فِيهَا الْأَغْلَظُ أَوَّلًا وَهُوَ الْعِتْقُ فَكَانَتْ مُرَتَّبَةً كَكَفَّارَةِ الظِّهَارِ وَالْقَتْلِ بِخِلَافِ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ (قَوْلُهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ السِّنْجِيُّ إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ

(قَوْلُهُ وَابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ وَكَلَامُ الْجُمْهُورِ يَقْتَضِي أَنَّهُ الْكَفَّارَةُ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ.

[فَصْلٌ فِدْيَةُ الصَّوْم]
(فَصْلٌ تَجِبُ الْفِدْيَةُ)

(1/426)


بِغَيْرِهِ لِخَبَرِ «مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صِيَامُ شَهْرٍ فَلْيُطْعِمْ عَنْهُ مَكَانَ كُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَ وَقْفَهُ عَلَى ابْنِ عُمَرَ وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ فَتْوَى عَائِشَةَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَأَطْلَقَ كَأَصْلِهِ وَغَيْرِهِ الْكَفَّارَةَ وَقَيَّدَهَا الْحَاوِي الصَّغِيرُ بِكَفَّارَةِ الْقَتْلِ لِإِخْرَاجِ كَفَّارَةِ غَيْرِهِ فَإِنَّ الصَّوْمَ فِيهَا يَخْلُفُهُ الْإِطْعَامُ لَكِنْ يُرَدُّ عَلَيْهِ صَوْمُ الْكَفَّارَةِ الْمُخَيَّرَةِ إذَا عَجَزَ عَنْ الْخِصَالِ الَّتِي قَبْلَهُ أَمَّا إذَا مَاتَ قَبْلَ التَّمَكُّنِ مِنْهُ بِأَنْ مَاتَ عَقِبَ مُوجَبِ الْقَضَاءِ أَوْ النَّذْرِ أَوْ الْكَفَّارَةِ أَوْ اسْتَمَرَّ بِهِ الْعُذْرُ إلَى مَوْتِهِ فَلَا فِدْيَةَ فَالْمُرَادُ بِالْإِمْكَانِ هُنَا عَدَمُ الْعُذْرِ فَلَوْ كَانَ مُسَافِرًا أَوْ مَرِيضًا فَلَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ بِمَوْتِهِ كَمَا لَوْ تَلِفَ الْمَالُ بَعْدَ الْحَوْلِ وَقَبْلَ التَّمَكُّنِ مِنْ الْأَدَاءِ لَا زَكَاةَ عَلَيْهِ نَعَمْ إنْ فَاتَهُ الصَّوْمُ بِغَيْرِ عُذْرٍ لَزِمَتْهُ الْفِدْيَةُ

(وَهِيَ) أَيْ الْفِدْيَةُ (عَنْ كُلِّ يَوْمٍ مُدٌّ مِنْ جِنْسِ الْفِطْرَةِ) وَنَوْعِهَا وَصِفَتِهَا لِأَنَّهُ طَعَامٌ وَاجِبٌ شَرْعًا فَحَمَلْنَاهُ عَلَى الْغَالِبِ مِنْ ذَلِكَ كَمَا فِي الْفِطْرَةِ فَلَا يُجْزِئُ الدَّقِيقُ وَالسَّوِيقُ وَنَحْوُهُمَا وَتُصْرَفُ (لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ) خَاصَّةً لِأَنَّ الْمِسْكِينَ ذُكِرَ فِي الْآيَةِ الْآتِيَةِ وَالْخَبَرِ السَّابِقِ وَالْفَقِيرُ أَسْوَأُ حَالًا مِنْهُ أَوْ دَاخِلٌ فِيهِ عَلَى مَا هُوَ الْمَعْرُوفُ مِنْ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مُنْفَرِدًا يَشْمَلُ الْآخَرَ وَلَا يَجِبُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا (وَلَا يَخْتَصُّ فَقِيرٌ بِمُدٍّ بَلْ يَجُوزُ إعْطَاؤُهُ أَكْثَرَ) مِنْهُ لِأَنَّ كُلَّ مُدٍّ كَفَّارَةٌ فَجَازَ ذَلِكَ كَمَا يَجُوزُ إعْطَاؤُهُ مِنْ زَكَوَاتٍ (بِخِلَافِ أَمْدَادِ الْكَفَّارَةِ) الْوَاحِدَةِ لَا يَجُوزُ إعْطَاؤُهُ مِنْهَا أَكْثَرُ مِنْ مُدٍّ أَمَّا إعْطَاؤُهُ دُونَ الْمُدِّ فَلَا يَجُوزُ مُطْلَقًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي وَالْقَفَّالُ وَغَيْرُهُمَا قَالَ الْقَفَّالُ بِخِلَافِ زَكَاةِ الْفِطْرِ يَجُوزُ صَرْفُ صَاعٍ إلَى مِائَةِ مِسْكِينٍ مَثَلًا قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ وَيُخَالِفُ مَا هُنَا مِنْ مَنْعِ إعْطَاءِ أَقَلَّ مِنْ مُدٍّ مَا فِي الرَّوْضَةِ فِي بَابِ الدِّمَاءِ مِنْ أَنَّ الْأَصَحَّ فِيمَا إذَا فَرَّقَ الطَّعَامَ أَنَّهُ يَجُوزُ ذَلِكَ انْتَهَى.
وَيُجَابُ بِأَنَّ الْمُدَّ هُنَا بَدَلٌ عَنْ صَوْمِ يَوْمٍ وَهُوَ لَا يَتَبَعَّضُ فَكَذَا بَدَلُهُ بِخِلَافِهِ ثَمَّ فَإِنَّهُ أَصْلٌ وَبِأَنَّ الْمَغْرُومَ ثَمَّ قَدْ يَكُونُ أَقَلَّ مِنْ مُدٍّ بِلَا ضَرُورَةٍ بِخِلَافِهِ هُنَا وَبِمَا تَقَرَّرَ عُلِمَ أَنَّ الْوَاحِدَ لَا يُعْطَى هُنَا مُدًّا وَكَسْرًا كَنِصْفٍ خِلَافُ مَا يُوهِمُهُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ لِمَا مَرَّ أَنَّ كُلَّ مُدٍّ كَفَّارَةٌ (فَإِنْ صَامَ الْقَرِيبُ عَنْهُ) أَيْ عَنْ الْمَيِّتِ وَلَوْ بِغَيْرِ إذْنِهِ (أَوْ) صَامَ عَنْهُ (أَجْنَبِيٌّ بِالْإِذْنِ) مِنْهُ أَوْ مِنْ قَرِيبِهِ بِأُجْرَةٍ أَوْ دُونَهَا (فَالْقَدِيمُ وَهُوَ الصَّوَابُ) عِنْدَ النَّوَوِيِّ (جَوَازُهُ) بَلْ نَدْبُهُ (وَسُقُوطُ) وُجُوبِ (الْفِدْيَةِ) لِلْأَخْبَارِ الصَّحِيحَةِ كَخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ «مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صِيَامٌ صَامَ عَنْهُ وَلِيُّهُ» وَكَالْحَجِّ وَالْجَدِيدُ عَدَمُ جَوَازِهِ لِأَنَّهُ عِبَادَةٌ بَدَنِيَّةٌ فَلَا تُسْقِطُ وُجُوبَ الْفِدْيَةِ قَالَ النَّوَوِيُّ وَلَيْسَ لِلْجَدِيدِ حُجَّةٌ مِنْ السُّنَّةِ وَالْخَبَرُ الْوَارِدُ بِالْإِطْعَامِ ضَعِيفٌ وَمَعَ ضَعْفِهِ فَالْإِطْعَامُ لَا يَمْتَنِعُ عِنْدَ الْقَائِلِ بِالصَّوْمِ وَإِطْلَاقُ الْمُصَنِّفِ الْإِذْنَ أَوْلَى مِنْ تَقْيِيدِ أَصْلِهِ لَهُ بِإِذْنِ الْقَرِيبِ لِمَا عَرَفْت وَالتَّصْرِيحُ بِسُقُوطِ الْفِدْيَةِ مِنْ زِيَادَتِهِ (لَا إنْ اسْتَقَلَّ الْأَجْنَبِيُّ) بِالصَّوْمِ عَنْهُ فَلَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ لَمْ يَرِدْ بِهِ نَصٌّ وَلَا هُوَ فِي مَعْنَى مَا وَرَدَ بِهِ النَّصُّ وَيُفَارِقُ نَظِيرَهُ مِنْ الْحَجِّ بِأَنَّ لِلصَّوْمِ بَدَلًا وَهُوَ الْإِطْعَامُ وَبِأَنَّهُ لَا يَقْبَلُ النِّيَابَةَ فِي الْحَيَاةِ فَضَيَّقَ فِيهِ بِخِلَافِ الْحَجِّ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ فَإِنْ قَامَ بِالْقَرِيبِ مَا يَمْنَعُ الْإِذْنَ كَصِبًا وَجُنُونٍ أَوْ امْتَنَعَ مِنْ الْإِذْنِ وَالصَّوْمِ أَوْ لَمْ يَكُنْ قَرِيبٌ فَهَلْ يَأْذَنْ الْحَاكِمُ فِيهِ نَظَرٌ انْتَهَى. وَالْأَوْجَهُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرملي الكبير]
قَوْلُهُ وَقَيَّدَهَا الْحَاوِي الصَّغِيرُ إلَخْ) قَالَ الْأَذْرَعِيُّ تَقْيِيدُهُ بِكَفَّارَةِ الْقَتْلِ غَرِيبٌ وَقَالَ غَيْرُهُ لَا يُوجَدُ فِي كَلَامِ غَيْرِهِ (قَوْلُهُ أَمَّا إذَا مَاتَ قَبْلَ التَّمَكُّنِ إلَخْ) فَسَّرَ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا عَدَمَ التَّمَكُّنِ بِأَنْ لَا يَزَالَ مَرِيضًا أَوْ مُسَافِرًا مِنْ أَوَّلِ شَوَّالٍ حَتَّى يَمُوتَ فَاسْتَدْرَكَ عَلَيْهِمَا الْإِسْنَوِيُّ مَنْ مَاتَ فِي رَمَضَانَ وَلَوْ بَعْدَ زَوَالِ الْعُذْرِ أَوْ حَدَثَ بِهِ عُذْرٌ آخَرُ مِنْ فَجْرِ ثَانِي شَوَّالٍ أَوْ طَرَأَ حَيْضٌ أَوْ نِفَاسٌ أَوْ مَرَضٌ قَبْلَ غُرُوبِهِ (قَوْلُهُ فَلَا فِدْيَةَ) لِأَنَّهُ فَرْضٌ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْهُ إلَى الْمَوْتِ فَسَقَطَ حُكْمُهُ كَالْحَجِّ وَكَتَبَ أَيْضًا نَقَلَ الشَّيْخَانِ فِي الْفُرُوعِ الْمَنْثُورَةِ فِي النَّذْرِ عَنْ الْقَفَّالِ أَنَّ مَنْ نَذَرَ صَوْمًا وَمَاتَ قَبْلَ إمْكَانِهِ يُطْعِمُ عَنْهُ لِكُلِّ يَوْمٍ مُدًّا لِاسْتِقْرَارِهِ بِنَفْسِ النَّذْرِ بِخِلَافِ مَنْ فَاتَهُ رَمَضَانُ لِمَرَضٍ أَوْ سَفَرٍ فَمَاتَ قَبْلَ إمْكَانِ الْقَضَاءِ وَأَنَّهُ بُنِيَ عَلَى هَذَا أَنَّهُ لَوْ حَنِثَ مُعْسِرٌ وَمَاتَ قَبْلَ إمْكَانِ الصَّوْمِ يُطْعِمُ عَنْهُ وَلَوْ نَذَرَ حَجًّا وَمَاتَ قَبْلَ إمْكَانِهِ يُحَجُّ عَنْهُ قَالَا وَهَذَا يُخَالِفُ مَا قَدَّمْنَاهُ فِي الْحَجِّ وَنَقَلَ ذَلِكَ فِي الْمَجْمُوعِ وَزَادَ أَنَّ الصَّحِيحَ فِي الْمَسَائِلِ الْمَذْكُورَةِ أَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ قَالَ فِي الْخَادِمِ وَهُوَ كَمَا قَالَ وَاعْتَرَضَ الْأَذْرَعِيُّ أَيْضًا عَلَى سُكُوتِهِمَا عَلَى كَلَامِ الْقَفَّالِ

(قَوْلُهُ أَمَّا أَعَطَاؤُهُ دُونَ الْمُدِّ فَلَا يَجُوزُ مُطْلَقًا) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ زَكَاةِ الْفِطْرِ يَجُوزُ صَرْفُ صَاعٍ إلَى مِائَةِ مِسْكِينٍ) قَالَ شَيْخُنَا أَيْ تُصْرَفُ حِصَّةُ الْمَسَاكِينِ مِنْهَا إلَى مِائَةٍ مِنْهُمْ (قَوْلُهُ وَيُجَابُ بِأَنَّ الْمَدَّ إلَخْ) فَرَّقَ ابْنُ الْعِمَادِ بَيْنَهُمَا مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ كَفَّارَةَ قَتْلِ الصَّيْدِ مُخَيَّرَةٌ وَالْمُخَيَّرُ يُتَوَسَّعُ فِيهِ وَكَفَّارَةُ الصَّوْمِ مُرَتَّبَةٌ وَالْمُرَتَّبُ يُضَيَّقُ فِيهِ الثَّانِي إنَّ لَفْظَ الْمَسَاكِينِ فِي جَزَاءِ الصَّيْدِ قَدْ جَاءَ مَجْمُوعًا فِي قَوْله تَعَالَى {أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ} [المائدة: 95] فَحُمِلَتْ عَلَى آيَةِ الزَّكَاةِ فِي قَوْله تَعَالَى {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ} [التوبة: 60] فَكَمَا لَا تَجِبُ التَّسْوِيَةُ عَلَى الْمَالِكِ بَيْنَ آحَادِ الْمَسَاكِينِ كَذَلِكَ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ التَّسْوِيَةُ هُنَا وَأَمَّا آيَةُ الْكَفَّارَةِ فَوَرَدَتْ مُفَسَّرَةٌ بِمُفْرَدٍ فِي قَوْلِهِ «- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَطْعِمْ سِتِّينَ مِسْكِينًا» فَحُمِلَتْ عَلَى قَوْله تَعَالَى {فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا} [المجادلة: 4] (قَوْلُهُ عُلِمَ أَنَّ الْوَاحِدَ لَا يُعْطَى هُنَا مُدٌّ إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ فَإِنْ صَامَ الْقَرِيبُ عَنْهُ) قَالَ فِي الْخَادِمِ أَطْلَقُوا الْقَرِيبَ وَيَنْبَغِي أَنْ يُشْتَرَطَ فِيهِ الْبُلُوغُ فَقَدْ ذَكَرُوا فِي كِتَابِ الْحَجِّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْأَجِيرُ فِي حَجَّةِ الْإِسْلَامِ عَبْدًا أَوْ صَبِيًّا لِأَنَّهُمَا لَيْسَا مِنْ أَهْلِهَا أَيْ مِنْ أَهْلِ فَرْضِ الْإِسْلَامِ وَإِنْ صَحَّ حَجُّهُمَا وَقَوْلُهُ قَالَ فِي الْخَادِمِ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ فَالْقَدِيمُ وَهُوَ الصَّوَابُ إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَتَبَ عَلَيْهِ حَكَى ابْنُ الرِّفْعَةِ عَنْ الْبَنْدَنِيجِيِّ أَنَّهُ قَالَ إنَّ الشَّافِعِيَّ نَصَّ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ فِي أَمَالِيهِ أَيْضًا فَقَالَ إنْ صَحَّ الْحَدِيثُ قُلْت بِهِ فَإِنْ كَانَتْ هَذِهِ الْأَمَالِي هِيَ الْجَدِيدَةُ فَيَكُونُ مَنْصُوصًا فِي الْقَدِيمِ وَالْجَدِيدِ مَعًا انْتَهَى وَالْأَمَالِي مِنْ كُتُبِهِ الْجَدِيدَةِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي أَوَّلِ التَّعْلِيقَةِ.
قَالَ الْأَذْرَعِيُّ هَذَا فِيمَنْ مَاتَ مُسْلِمًا أَمَّا مَنْ ارْتَدَّ وَمَاتَ لَمْ يَصُمْ عَنْهُ وَيَتَعَيَّنُ الْإِطْعَامُ قَطْعًا (قَوْلُهُ وَالْخَبَرُ الْوَارِدُ بِالْإِطْعَامِ ضَعِيفٌ) وَأَخْطَأَ ابْنُ الْفِرْكَاحِ حَيْثُ صَحَّحَهُ فِي كِتَابِهِ الْقَوِيمِ فِي حُكْمِ الْقَوْلِ الْقَدِيمِ (قَوْلُهُ فَهَلْ يَأْذَنُ الْحَاكِمُ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ

(1/427)


الْمَنْعُ لِأَنَّهُ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ فَيُقْتَصَرُ عَلَيْهِ فَتَتَعَيَّنُ الْفِدْيَةُ (ثُمَّ الْقَرِيبُ يَكْفِي وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَصَبَةً وَ) لَا (وَارِثًا) وَلَا وَلِيَّ مَالٍ لِمَا فِي خَبَرِ مُسْلِمٍ أَنَّهُ «- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِامْرَأَةٍ قَالَتْ لَهُ إنَّ أُمِّي مَاتَتْ وَعَلَيْهَا صَوْمُ نَذْرٍ أَفَأَصُومُ عَنْهَا صُومِي عَنْ أُمِّك» قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ وَهَذَا يُبْطِلُ احْتِمَالَ وِلَايَةِ الْمَالِ وَالْعُصُوبَةَ قَالَ وَمَذْهَبُ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَنَّهُ لَوْ صَامَ عَنْهُ ثَلَاثُونَ بِالْإِذْنِ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ أَجْزَأَهُ قَالَ وَهُوَ الظَّاهِرُ الَّذِي أَعْتَقِدُهُ

(وَلَوْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صَلَاةٌ أَوْ اعْتِكَافٌ لَمْ يَقْضِ وَلَمْ يَفْدِ) عَنْهُ لِعَدَمِ وُرُودِهِمَا بَلْ نَقَلَ الْقَاضِي عِيَاضٌ الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّهُ لَا يُصَلَّى عَنْهُ

(وَلَا يَصِحُّ الصَّوْمُ عَنْ حَيٍّ) بِلَا خِلَافٍ مَعْذُورًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ

(فَرْعٌ مَنْ عَجَزَ عَنْ الصَّوْمِ لِهَرَمٍ أَوْ زَمَانَةٍ أَوْ اشْتَدَّتْ) عَلَيْهِ (مَشَقَّةٌ سَقَطَ) أَيْ الصَّوْمُ (عَنْهُ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: 78] (وَلَزِمَتْهُ الْفِدْيَةُ) قَالَ تَعَالَى {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} [البقرة: 184] الْمُرَادُ لَا يُطِيقُونَهُ أَوْ يُطِيقُونَهُ حَالَ الشَّبَابِ ثُمَّ يَعْجَزُونَ عَنْهُ بَعْدَ الْكِبَرِ وَرَوَى الْبُخَارِيُّ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ وَعَائِشَةَ كَانَا يَقْرَآنِ وَعَلَى الَّذِينَ يُطَوَّقُونَهُ وَمَعْنَاهُ يُكَلَّفُونَ الصَّوْمَ فَلَا يُطِيقُونَهُ وَهَلْ الْفِدْيَةُ فِي حَقِّ كُلِّ مَنْ ذُكِرَ بَدَلٌ عَنْ الصَّوْمِ أَوْ وَاجِبَةٌ ابْتِدَاءً وَجْهَانِ فِي الْأَصْلِ أَصَحُّهُمَا فِي الْمَجْمُوعِ الثَّانِي وَيَظْهَرُ أَثَرُهُمَا فِيمَا لَوْ قَدَرَ بَعْدُ عَلَى الصَّوْمِ وَفِي انْعِقَادِ نَذْرِهِ لَهُ وَسَيَأْتِيَانِ

(فَإِذَا عَجَزَ) عَنْ الْفِدْيَةِ (ثَبَتَتْ فِي ذِمَّتِهِ) كَالْكَفَّارَةِ وَكَالْقَضَاءِ فِي حَقِّ الْمَرِيضِ وَالْمُسَافِرِ هَذَا مَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْأَصْلِ لَكِنْ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْأَصَحُّ هُنَا عَكْسَهُ كَالْفِطْرَةِ لِأَنَّهُ عَاجِزٌ حَالَ التَّكْلِيفِ بِالْفِدْيَةِ وَلَيْسَتْ فِي مُقَابَلَةِ جِنَايَةٍ وَنَحْوِهَا وَمَا بَحَثَهُ جَزَمَ بِهِ الْقَاضِي وَهُوَ مَرْدُودٌ بِمَا مَرَّ أَنَّ حَقَّ اللَّهِ تَعَالَى الْمَالِيَّ إذَا عَجَزَ عَنْهُ الْعَبْدُ وَقْتَ الْوُجُوبِ يَثْبُتُ فِي ذِمَّتِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى جِهَةِ الْبَدَلِ إذَا كَانَ بِسَبَبٍ مِنْهُ وَهُوَ هُنَا كَذَلِكَ إذْ سَبَبُهُ فِطْرُهُ بِخِلَافِ زَكَاةِ الْفِطْرِ، وَالتَّصْرِيحُ بِثُبُوتِ الْفِدْيَةِ فِي ذِمَّةِ الزَّمِنِ مِنْ زِيَادَةِ الْمُصَنِّفِ

(وَلَوْ نَذَرَ الْهَرِمُ وَالزَّمِنُ صَوْمًا لَمْ يَصِحَّ) نَذْرُهُمَا لِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّهُ لَمْ يُخَاطَبْ بِالصَّوْمِ ابْتِدَاءً بَلْ بِالْفِدْيَةِ (وَلَوْ قَدَرَ) مَنْ ذُكِرَ (عَلَى الصَّوْمِ بَعْدَ الْفِطْرِ لَمْ يَلْزَمْهُ) الصَّوْمُ قَضَاءً لِذَلِكَ وَبِهِ فَارَقَ نَظِيرُهُ فِي الْحَجِّ عَنْ الْمَعْضُوبِ إذَا قَدَرَ عَلَيْهِ وَكَلَامُهُ فِي هَذِهِ شَامِلٌ لِلزَّمِنِ بِخِلَافِ كَلَامِ أَصْلِهِ وَظَاهِرٌ أَنَّ مَنْ اشْتَدَّتْ مَشَقَّةُ الصَّوْمِ عَلَيْهِ كَالْهَرِمِ وَالزَّمِنِ فِي هَذِهِ وَاَلَّتِي قَبْلَهَا كَمَا شَمِلَهُ كَلَامُ أَصْلِهِ وَتَعْبِيرُهُ بِمَنْ عَجَزَ لِهَرَمٍ أَعَمُّ مِنْ تَعْبِيرِ أَصْلِهِ بِالشَّيْخِ الْهَرِمِ

(الطَّرِيقُ الثَّانِي) تَجِبُ الْفِدْيَةُ (بِفَوَاتِ فَضِيلَةِ الْوَقْتِ فَإِذَا خَافَتْ الْحَامِلُ وَالْمُرْضِعُ وَلَوْ) كَانَتْ الْمُرْضِعُ (مُسْتَأْجَرَةً) عَلَى الْإِرْضَاعِ (وَمُتَطَوِّعَةً) بِهِ (عَلَى الْأَوْلَادِ) فَقَطْ وَلَوْ كَانُوا مِنْ غَيْرِ الْمُرْضِعِ (أَفْطَرَتَا) جَوَازًا بَلْ وُجُوبًا إنْ خَافَتَا هَلَاكَهُمْ (وَعَلَيْهِمَا مَعَ الْقَضَاءِ الْفِدْيَةُ مِنْ مَالِهِمَا وَإِنْ كَانَتَا) مُسَافِرَتَيْنِ أَوْ مَرِيضَتَيْنِ لِمَا رَوَى أَبُو دَاوُد وَالْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْله تَعَالَى {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ} [البقرة: 184] أَنَّهُ نُسِخَ حُكْمُهُ إلَّا فِي حَقِّهِمَا حِينَئِذٍ وَالنَّاسِخُ لَهُ قَوْلُهُ {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} [البقرة: 185] وَالْقَوْلُ بِنَسْخِهِ قَوْلُ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ مُحْكَمٌ غَيْرُ مَنْسُوخٍ بِتَأْوِيلِهِ بِمَا مَرَّ فِي الِاحْتِجَاجِ بِهِ وَيُسْتَثْنَى الْمُتَخَيِّرَةُ فَلَا فِدْيَةَ عَلَيْهَا لِلشَّكِّ كَمَا مَرَّ بَيَانُهُ فِي الْحَيْضِ وَفَارَقَ لُزُومُهَا لِلْمُسْتَأْجَرَةِ عَدَمَ لُزُومِ دَمِ التَّمَتُّعِ لِلْأَجِيرِ بِأَنَّ الدَّمَ ثَمَّ مِنْ تَتِمَّةِ الْحَجِّ الْوَاجِبِ عَلَى الْمُسْتَأْجَرِ وَهُنَا الْفِطْرُ مِنْ تَتِمَّةِ إيصَالِ الْمَنَافِعِ اللَّازِمَةِ لِلْمُرْضِعِ وَظَاهِرٌ أَنَّ مَحَلَّ مَا ذُكِرَ فِي الْمُسْتَأْجَرَةِ وَالْمُتَطَوِّعَةِ إذَا لَمْ تُوجَدْ مُرْضِعَةٌ مُفْطِرَةٌ أَوْ صَائِمَةٌ لَا يَضُرُّهَا الْإِرْضَاعُ (وَلَا تَتَعَدَّدُ) الْفِدْيَةُ (بِتَعَدُّدِ الْأَوْلَادِ) لِأَنَّهَا بَدَلُ الصَّوْمِ بِخِلَافِ الْعَقِيقَةِ تَتَعَدَّدُ بِتَعَدُّدِهِمْ لِأَنَّهَا فِدَاءٌ عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ (فَإِنْ خَافَتَا عَلَى
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرملي الكبير]
قَوْلُهُ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ وَهَذَا يَبْطُلُ إلَخْ) وَلِأَنَّ الْوَلِيَّ مُشْتَقٌّ مِنْ الْوَلِيِّ بِسُكُونِ اللَّامِ وَهُوَ الْقَرِيبُ فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ مَا لَمْ يَدُلَّ دَلِيلٌ عَلَى خِلَافِهِ (قَوْلُهُ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ أَجْزَأَهُ إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ قَالَ شَيْخُنَا أَيْ وَسَوَاءٌ كَانَ الصَّوْمُ مِمَّا وَجَبَ فِيهِ التَّتَابُعُ أَمْ لَا (قَوْلُهُ وَهُوَ الظَّاهِرُ الَّذِي أَعْتَقِدُهُ) قَالَ الْأَذْرَعِيُّ تَبَعًا لِلْبَارِزِيِّ وَيَشْهَدُ لَهُ نَظِيرُهُ فِي الْحَجِّ كَمَا لَوْ اسْتَأْجَرَ مَنْ يَحُجَّ عَنْهُ فَرْضَ الْإِسْلَامِ وَآخَرَ عَنْ قَضَائِهِ وَآخَرَ عَنْ نَذْرِهِ فِي سَنَةٍ وَاحِدَةٍ فَإِنَّهُ يَجُوزُ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ انْتَهَى وَقَالَ الْحَنَّاطِيُّ فِي فَتَاوِيهِ فِي صُورَةِ الْحَجِّ أَنَّهُ أَصَحُّ الْوَجْهَيْنِ وَقَوْلُهُ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ

(قَوْلُهُ وَلَوْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صَلَاةٌ أَوْ اعْتِكَافٌ إلَخْ) نَعَمْ لَوْ نَذَرَ أَنْ يَعْتَكِفَ صَائِمًا اعْتَكَفَ عَنْهُ وَلِيُّهُ صَائِمًا قَالَهُ فِي التَّهْذِيبِ وَقَوْلُهُ قَالَهُ فِي التَّهْذِيبِ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ

(قَوْلُهُ وَلَا يَصِحُّ الصَّوْمُ عَنْ حَيٍّ) نُقِلَ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ أَنَّهُ إجْمَاعٌ وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ لَا يَجُوزُ الْقَضَاءُ عَنْ الْحَيِّ إجْمَاعًا بِأَمْرٍ أَوْ غَيْرِهِ عَنْ قَادِرٍ أَوْ عَاجِزٍ وَكَتَبَ أَيْضًا وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْحَجِّ أَنَّ الْمَالَ يَدْخُلُ فِيهِ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا فِي أَصْلِ إيجَابِهِ وَالثَّانِي فِي جُبْرَانِهِ فَجَازَتْ النِّيَابَةُ فِي حَالَيْنِ حَالَةُ الْمَوْتِ وَحَالَةُ الْحَيَاةِ وَالصَّوْمُ لَا يَدْخُلُ الْمَالُ فِيهِ إلَّا فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ وَهُوَ جُبْرَانُهُ فَلَمْ تَجُزْ النِّيَابَةُ فِيهِ إلَّا مِنْ وَجْهٍ وَاحِدٍ الَّذِي وَرَدَ بِهِ الْخَبَرُ

[فَرْعٌ عَجَزَ عَنْ الصَّوْمِ لِهَرَمٍ أَوْ زَمَانَةٍ أَوْ اشْتَدَّتْ عَلَيْهِ مَشَقَّةٌ]
(قَوْله أَوْ وَاجِبَتُهُ ابْتِدَاءً) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ

(قَوْلُهُ هَذَا مَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْأَصْلِ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ

(قَوْلُهُ فَإِذَا خَافَتْ الْحَامِلُ إلَخْ) قِيَاسًا عَلَى الشَّيْخِ الْهَرِمِ بِجَامِعِ أَنَّهُ أَفْطَرَ بِسَبَبِ نَفْسٍ عَاجِزَةٍ عَنْ الصَّوْمِ (قَوْلُهُ مِنْ مَالِهِمَا) خَرَجَ بِهِ مَا إذَا كَانَتْ أَمَةً فَإِنَّ الْفِدْيَةَ تَلْزَمُهَا وَتَكُونُ فِي ذِمَّتِهَا إلَى أَنْ تُعْتَقَ قَالَهُ الْقَفَّالُ فِي فَتَاوِيهِ قَالَ وَلَا يَجُوزُ لَهَا أَنْ تَصُومَ عَنْ هَذِهِ الْفِدْيَةِ لِأَنَّهَا تَجِبُ مَعَ قَضَاءِ الصَّوْمِ فَهِيَ مَحْضُ غُرْمٍ فَلَا يَكُونُ الصَّوْمُ بَدَلًا عَنْهَا وَقَوْلُهُ قَالَهُ الْقَفَّالُ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَتَا مُسَافِرَتَيْنِ إلَخْ) خَرَجَ بِهِ مَا إذَا أَفْطَرَتَا لِأَجْلِ السَّفَرِ وَالْمَرَضِ فَإِنَّهُمَا لَا فِدْيَةَ عَلَيْهِمَا وَكَذَا إنْ أَطْلَقْنَا فِي الْأَصَحِّ (قَوْلُهُ وَظَاهِرٌ أَنَّ مَحَلَّ مَا ذُكِرَ فِي الْمُسْتَأْجَرَةِ إلَخْ) يُحْمَلُ مَا بَحَثَهُ فِي الْمُسْتَأْجَرَةِ عَلَى مَا إذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهَا احْتِيَاجُهَا إلَى الْإِفْطَارِ قَبْلَ الْإِجَارَةِ وَإِلَّا فَالْإِجَارَةُ لِلْإِرْضَاعِ لَا تَكُونُ إلَّا إجَارَةُ عَيْنٍ وَلَا يَجُوزُ إبْدَالُ الْمُسْتَوْفَى مِنْهُ فِيهَا وَلَا فِدْيَةَ عَلَى الْمُتَخَيِّرَةِ إذَا أَفْطَرَتْ لِلْإِرْضَاعِ كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ وَإِنْ خَافَتَا عَلَى

(1/428)


أَنْفُسِهِمَا) وَلَوْ مَعَ وَلَدَيْهِمَا (فَلَا فِدْيَةَ) كَالْمَرِيضِ الْمَرْجُوِّ الْبُرْءِ

(وَلَا تَلْزَمُ) الْفِدْيَةُ (عَاصِيًا بِإِفْطَارِهِ) بِغَيْرِ جِمَاعٍ لِأَنَّهُ لَمْ يَرِدْ وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ وَفَارَقَ لُزُومَهَا لِلْحَامِلِ وَالْمُرْضِعِ بِأَنَّ فِطْرَهُمَا ارْتَفَقَ بِهِ شَخْصَانِ فَجَازَ أَنْ يَجِبَ بِهِ أَمْرَانِ كَالْجِمَاعِ لَمَّا حَصَلَ مَقْصُودُ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ تَعَلَّقَ بِهِ الْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ الْعُظْمَى وَبِأَنَّ الْفِدْيَةَ غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ بِالْإِثْمِ بَلْ إنَّمَا هِيَ حِكْمَةٌ اسْتَأْثَرَ اللَّهُ بِهِمَا أَلَا تَرَى أَنَّ الرِّدَّةَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ أَفْحَشُ مِنْ الْوَطْءِ مَعَ أَنَّهُ لَا كَفَّارَةَ فِيهَا وَفَارَقَ ذَلِكَ أَيْضًا لُزُومَ الْكَفَّارَةِ فِي الْيَمِينِ الْغَمُوسِ وَفِي الْقَتْلِ عَمْدًا عُدْوَانًا بِأَنَّ الصَّوْمَ عِبَادَةٌ بَدَنِيَّةٌ وَالْكَفَّارَةُ فِيهَا عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ فَيُقْتَصَرُ فِيهَا عَلَى مَا وَرَدَ فِيهِ نَصٌّ أَوْ كَانَ فِي مَعْنَاهُ بِخِلَافِهَا فِي تَيْنِكَ

(فَرْعٌ يَجِبُ الْفِطْرُ لِإِنْقَاذِ) مُحْتَرَمٍ (هَالِكٍ) أَيْ مُشْرِفٍ عَلَى الْهَلَاكِ بِغَرَقٍ أَوْ غَيْرِهِ إبْقَاءً لِمُهْجَتِهِ (وَفَدَى) مَعَ الْقَضَاءِ (كَالْمُرْضِعِ) لِأَنَّهُ فِطْرٌ ارْتَفَقَ بِهِ شَخْصَانِ وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ كَأَصْلِهِ التَّسْوِيَةُ بَيْنَ النَّفْسِ وَالْمَالِ وَاَلَّذِي فِي فَتَاوَى الْقَفَّالِ عَدَمُ لُزُومِ ذَلِكَ فِي الْمَالِ وَفَرَضَهُ فِي مَالِ نَفْسِهِ لِأَنَّهُ فِطْرٌ ارْتَفَقَ بِهِ شَخْصٌ وَاحِدٌ وَظَاهِرُ تَخْصِيصِهِ بِمَا لَا رُوحَ فِيهِ بِخِلَافِ مَا فِيهِ رُوحٌ لَكِنْ فِي الْبَهِيمَةِ نَظَرٌ

(الطَّرِيقُ الثَّالِثُ) تَجِبُ الْفِدْيَةُ (بِتَأَخُّرٍ) الْأَوْلَى بِتَأْخِيرِ (الْقَضَاءِ فَلَوْ أَخَّرَ قَضَاءَ رَمَضَانَ) أَوْ شَيْئًا مِنْهُ (بِلَا عُذْرٍ) فِي تَأْخِيرِهِ (إلَى قَابِلٍ فَعَلَيْهِ مَعَ الْقَضَاءِ لِكُلِّ يَوْمٍ مُدٌّ) لِخَبَرِ أَبِي هُرَيْرَةَ «مَنْ أَدْرَكَهُ رَمَضَانُ فَأَفْطَرَ لِمَرَضٍ ثُمَّ صَحَّ وَلَمْ يَقْضِهِ حَتَّى أَدْرَكَهُ رَمَضَانُ آخَرُ صَامَ الَّذِي أَدْرَكَهُ ثُمَّ يَقْضِي مَا عَلَيْهِ ثُمَّ يُطْعِمُ عَنْ كُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا» رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ وَضَعَّفَاهُ قَالَا وَرُوِيَ مَوْقُوفًا عَلَى رِوَايَةٍ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَقَدْ أَفْتَى بِذَلِكَ سِتَّةٌ مِنْ الصَّحَابَةِ وَلَا مُخَالِفَ لَهُمْ أَمَّا إذَا أَخَّرَهُ بِعُذْرٍ كَأَنْ اسْتَمَرَّ مُسَافِرًا أَوْ مَرِيضًا أَوْ الْمَرْأَةُ حَامِلًا أَوْ مُرْضِعًا إلَى قَابِلٍ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ بِالتَّأْخِيرِ لِأَنَّ تَأْخِيرَ الْأَدَاءِ بِالْعُذْرِ جَائِزٌ فَتَأْخِيرُ الْقَضَاءِ بِهِ أَوْلَى وَأَفْهَمَ كَلَامُهُ كَأَصْلِهِ أَنَّهُ لَوْ فَاتَهُ شَيْءٌ بِلَا عُذْرٍ وَأَخَّرَ قَضَاءَهُ لِسَفَرٍ أَوْ نَحْوِهِ لَمْ تَلْزَمْهُ الْفِدْيَةُ وَبِهِ صَرَّحَ الْمُتَوَلِّي وَسُلَيْمٌ الرَّازِيّ لَكِنْ سَيَأْتِي فِي صَوْمِ التَّطَوُّعِ تَبَعًا لِمَا نَقَلَهُ الْأَصْلُ عَنْ التَّهْذِيبِ وَأَقَرَّهُ أَنَّ التَّأْخِيرَ لِلسَّفَرِ حَرَامٌ وَقَضِيَّتُهُ لُزُومُهَا وَتَعْبِيرُ الْمُصَنِّفِ بِعَدَمِ الْعُذْرِ أَوْلَى مِنْ تَعْبِيرِ أَصْلِهِ بِغَيْرِ السَّفَرِ وَالْمَرَضِ (وَلَوْ تَكَرَّرَتْ الْأَعْوَامُ تَكَرَّرَ الْمُدُّ) لِأَنَّ الْحُقُوقَ الْمَالِيَّةَ لَا تَتَدَاخَلُ بِخِلَافِهِ فِي الْهَرِمِ وَنَحْوِهِ لَا تَتَكَرَّرُ بِذَلِكَ لِعَدَمِ التَّقْصِيرِ وَهَذَا مَا نَقَلَهُ الْأَصْلُ عَنْ تَصْحِيحِ الْإِمَامِ وَأَطْلَقَ تَصْحِيحَهُ فِي الْمِنْهَاجِ وَغَيْرِهِ كَالْمُحَرَّرِ وَالشَّرْحِ الصَّغِيرِ قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ وَكَأَنَّهُمَا لَمَّا لَمْ يَجِدَا تَصْحِيحًا لِغَيْرِ الْإِمَامِ أَطْلَقَاهُ وَقَدْ صَحَّحَ عَدَمَ التَّكَرُّرِ جَمَاعَاتٌ مِنْهُمْ الْمَاوَرْدِيُّ وَالشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَعَبَّرُوا بِالْمَذْهَبِ وَالرُّويَانِيُّ وَعَبَّرَ بِالْأَظْهَرِ وَقَالَ سُلَيْمٌ التَّكْرَارُ لَيْسَ بِشَيْءٍ

(وَلَوْ أَخَّرَ قَضَاءَ يَوْمٍ) عُدْوَانًا (وَمَاتَ لَزِمَهُ فِدْيَتَانِ) وَاحِدَةٌ لِلْإِفْطَارِ وَأُخْرَى لِلتَّأْخِيرِ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَجِبُ عِنْدَ الِانْفِرَادِ فَكَذَا عِنْدَ الِاجْتِمَاعِ (فَإِنْ صَامَ عَنْهُ الْوَلِيُّ) أَوْ أَجْنَبِيٌّ بِالْإِذْنِ (فَفِدْيَةٌ) تَجِبُ لِلتَّأْخِيرِ لِأَنَّهَا كَانَتْ وَاجِبَةً عَلَيْهِ فِي حَيَاتِهِ وَحَصَلَ بِصَوْمٍ مِنْ ذِكْرِ تَدَارُكِ أَصْلِ الصَّوْمِ (وَتَجِبُ فَدِيَةُ التَّأْخِيرِ بِتَحَقُّقِ الْفَوَاتِ وَلَوْ لَمْ يَدْخُلْ رَمَضَانُ فَلَوْ كَانَ عَلَيْهِ عَشْرَةُ أَيَّامٍ فَمَاتَ لِبَوَاقِي خَمْسٍ مِنْ شَعْبَانَ لَزِمَهُ خَمْسَةَ عَشَرَ مُدًّا عَشَرَةٌ لِلْأَصْلِ) أَيْ أَصْلِ الصَّوْمِ (وَخَمْسَةٌ لِلتَّأْخِيرِ لِأَنَّهُ لَوْ عَاشَ لَمْ يُمْكِنْهُ إلَّا قَضَاءُ خَمْسَةٍ) قَالَ فِي الْأَصْلِ بَعْدَ هَذَا وَإِذَا لَمْ يَبْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَمَضَانِ السَّنَةِ الثَّانِيَةِ مَا يَسَعُ قَضَاءَ جَمِيعِ الْفَائِتِ فَهَلْ يَلْزَمُهُ فِي الْحَالِ الْفِدْيَةُ عَمَّا لَا يَسَعُهُ أَمْ حَتَّى يَدْخُلَ رَمَضَانُ وَجْهَانِ كَالْوَجْهَيْنِ فِيمَنْ حَلَفَ لَيَأْكُلَنَّ هَذَا الرَّغِيفَ غَدًا فَتَلِفَ أَيْ بِإِتْلَافِهِ قَبْلَ الْغَدِ هَلْ يَحْنَثُ فِي الْحَالِ أَمْ بَعْدَ مَجِيءِ الْغَدِ انْتَهَى وَقَضِيَّتُهُ تَصْحِيحُ عَدَمِ اللُّزُومِ قَبْلَ دُخُولِ رَمَضَانَ لَكِنَّ مَا ذَكَرَهُ قَبْلَهُ فِيمَا لَوْ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرملي الكبير]
أَنْفُسِهِمَا فَلَا فِدْيَةَ) وَإِنْ قَالَ ابْنُ الْعِمَادِ أَنَّ الْمُوَافِقَ لِلْمَنْقُولِ فِي نَظَائِرِ الْمَسْأَلَةِ الْوُجُوبُ فِيمَا إذَا قَصَدَهُمَا وَكَتَبَ أَيْضًا تَغْلِيبًا لِلْمُسْقِطِ وَعَمَلًا بِالْأَصْلِ (قَوْلُهُ كَالْمَرِيضِ الْمَرْجُوِّ الْبُرْءِ) أَيْ مَا يَخَافُهُ الْمَرِيضُ لَوْ صَامَ

(قَوْلُهُ يَجِبُ الْفِطْرُ لِإِنْقَاذِ هَالِكٍ) يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ آدَمِيًّا مَعْصُومًا أَوْ حَيَوَانًا مُحْتَرَمًا وَلَا يَتَقَيَّدُ بِخَوْفِ الْهَلَاكِ بَلْ هُوَ وَمَا فِي مَعْنَاهُ سَوَاءٌ وَلَا فِدْيَةَ عَلَى الْمُتَخَيِّرَةِ (قَوْلُهُ وَفَدَى كَالْمُرْضِعِ) مَحَلُّهُ فِي مُنْقِذٍ لَا يُبَاحُ لَهُ الْفِطْرُ لَوْلَا الْإِنْقَاذُ أَمَّا مَنْ يُبَاحُ لَهُ الْفِطْرُ لِعُذْرٍ كَسَفَرٍ أَوْ غَيْرِهِ فَأَفْطَرَ فِيهِ لِلْإِنْقَاذِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا فِدْيَةَ وَقَوْلُهُ فَالظَّاهِرُ إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ وَاَلَّذِي فِي فَتَاوَى الْقَفَّالِ إلَخْ) ذَكَرَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ أَيْضًا (قَوْلُهُ عَدَمُ لُزُومِ ذَلِكَ فِي الْمَالِ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ ارْتَفَقَ بِهِ شَخْصٌ وَاحِدٌ) بِخِلَافِ الْحَيَوَانِ الْمُحْتَرَمِ فَإِنَّهُ يَرْتَفِقُ بِالْفِطْرِ شَخْصَانِ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ مَا فِيهِ رُوحٌ وَلَوْ بَهِيمَةٌ) قَالَ فِي الْأَنْوَارِ وَلَوْ رَأَى حَيَوَانًا مُحْتَرَمًا أَشْرَفَ عَلَى الْهَلَاكِ بِالْغَرَقِ أَوْ الْحَرْقِ وَاحْتَاجَ إلَى الْفِطْرِ لِتَخْلِيصِهِ وَجَبَ الْفِطْرُ وَالْفِدْيَةُ وَالْقَضَاءُ وَقَوْلُهُ قَالَ فِي الْأَنْوَارِ إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ

(قَوْلُهُ فَعَلَيْهِ مَعَ الْقَضَاءِ لِكُلِّ يَوْمٍ مُدٌّ) قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ فِطْرُهُ مُوجِبًا كَفَّارَةً فَإِنْ كَانَ كَالْجِمَاعِ فَلَمْ يَقْضِ حَتَّى دَخَلَ رَمَضَانُ آخَرُ فَهَلْ يَلْزَمُهُ لِلتَّأْخِيرِ فِدْيَةٌ فِيهِ جَوَابَانِ الظَّاهِرُ مِنْهُمَا أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ فِي هَذَا الْيَوْمِ إلَّا كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ وَلَا يَجْتَمِعُ فِيهِ اثْنَتَانِ وَالثَّانِي تَلْزَمُهُ لِأَنَّ الْفِدْيَةَ لِلتَّأْخِيرِ وَالْكَفَّارَةُ لَلَهَتْك وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ التَّصْوِيرُ فِيمَا إذَا دَخَلَ رَمَضَانُ آخَرُ أَوْ رَمَضَانَانِ يُعْتَبَرُ أَنْ يَكُونَ مَعَ التَّمَكُّنِ عَالِمًا عَامِدًا أَمَّا لَوْ أَخَّرَ نَاسِيًا وَجَاهِلًا فَلَا وَهَذَا مَا أَفْهَمَهُ كَلَامُهُمْ وَلَمْ أَرَهُ نَصًّا وَقَوْلُهُ الظَّاهِرُ مِنْهُمَا أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَذَا قَوْلُهُ يُعْتَبَرُ أَنْ يَكُونَ مَعَ التَّمَكُّنِ إلَخْ (قَوْلُهُ وَقَضِيَّتُهُ لُزُومُهَا) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ وَلَوْ تَكَرَّرَ الْأَعْوَامُ تَكَرَّرَ الْمُدُّ) قَالَ الدَّمِيرِيِّ كَالْأَذْرَعِيِّ لَا يَخْفَى أَنَّ مَحَلَّ تَكَرُّرِ الْمَدِّ فِي التَّأْخِيرِ إذَا كَانَ عَامِدًا عَالِمًا فَإِنْ كَانَ جَاهِلًا أَوْ غَيْرَ مُتَعَمِّدٍ فَالظَّاهِرُ عَدَمُ تَكَرُّرِهِ (قَوْلُهُ وَأَطْلَقَ تَصْحِيحَهُ فِي الْمِنْهَاجِ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ

(قَوْلُهُ وَقَضِيَّتُهُ تَصْحِيحُ عَدَمِ اللُّزُومِ قَبْلَ دُخُولِ رَمَضَانَ إلَخْ) لِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ نَظَائِرُ مِنْهَا إذَا طَوَّلَ الْجُمُعَةَ حَتَّى تَحَقَّقَ خُرُوجَ الْوَقْتِ فِي الثَّانِيَةِ قَالَ فِي

(1/429)


كَانَ عَلَيْهِ عَشَرَةُ أَيَّامٍ صَرِيحٌ فِي خِلَافِهِ ذَكَرَهُ السُّبْكِيُّ وَالْإِسْنَوِيُّ وَرَدَّهُ ابْنُ الْعِمَادِ بِأَنَّهُ لَا مُخَالَفَةَ فَإِنَّ الْأَزْمِنَةَ الْمُسْتَقْبَلَةَ يُقَدَّرُ حُضُورُهَا بِالْمَوْتِ كَمَا يَحِلُّ الْأَجَلُ بِهِ.
وَهَذَا مَفْقُودٌ فِي الْحَيِّ إذْ لَا ضَرُورَةَ إلَى تَعْجِيلِ الزَّمَانِ الْمُسْتَقْبَلِ فِي حَقِّهِ وَالزَّرْكَشِيُّ بِأَنَّ الصَّوَابَ هُوَ الْأَوَّلُ أَيْ لُزُومُ الْفِدْيَةِ فِي الْحَالِ قَالَ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ التَّشْبِيهِ بِمَسْأَلَةِ الرَّغِيفِ خِلَافُهُ ثُمَّ فَرَّقَ بَيْنَ صُورَتَيْ الصَّوْمِ وَصُورَةِ الْيَمِينِ بِأَنَّهُ مَاتَ هُنَا عَاصِيًا بِالتَّأْخِيرِ فَلَزِمَتْهُ الْفِدْيَةُ فِي الْحَالِ بِخِلَافِ صُورَةِ الْيَمِينِ وَبِأَنَّهُ هُنَا قَدْ تَحَقَّقَ الْيَأْسُ بِفَوَاتِ الْبَعْضِ فَلَزِمَهُ بَدَلُهُ بِخِلَافِهِ فِي الْيَمِينِ لِجَوَازِ مَوْتِهِ قَبْلَ الْغَدِ فَلَا يَحْنَثُ وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ مُوَافِقٌ لِهَذَا (ثُمَّ تَعْجِيلُهَا) أَيْ فَدِيَةِ التَّأْخِيرِ (قَبْلَ دُخُولِ رَمَضَانَ الثَّانِي) لِيُؤَخِّرَ الْقَضَاءَ مَعَ الْإِمْكَانِ (كَتَعْجِيلِ الْكَفَّارَةِ قَبْلَ الْحِنْثِ الْمُحَرَّمِ) فَيَجُوزُ عَلَى الْأَصَحِّ.
وَيَحْرُمُ التَّأْخِيرُ (وَلَا شَيْءَ عَلَى الْهَرِمِ) لِتَأْخِيرِ الْفِدْيَةِ (إنْ أَخَّرَ الْفِدْيَةَ) عَنْ السَّنَةِ الْأُولَى (وَلَيْسَ لَهُ وَلَا لِلْحَامِلِ تَعْجِيلُ فَدِيَةِ يَوْمَيْنِ) فَأَكْثَرَ كَمَا لَا يَجُوزُ تَعْجِيلُ الزَّكَاةِ لِعَامَيْنِ بِخِلَافِ التَّعْجِيلِ لِيَوْمٍ بَعْدَ دُخُولِ لَيْلَتِهِ كَمَا قَالَ (فَلَوْ عَجَّلَ) أَيْ الْهَرِمُ (فِدْيَةَ يَوْمٍ فِي لَيْلَتِهِ) أَوْ فِيهِ كَمَا فُهِمَ بِالْأَوْلَى (أَوْ عَجَّلَتْ الْحَامِلُ قَبْلَ أَنْ تُفْطِرَ جَازَ) وَلَوْ قَالَ فَلَوْ عَجَّلَا فِدْيَةَ يَوْمٍ فِيهِ أَوْ فِي لَيْلَتِهِ جَازَ كَانَ أَوْلَى وَأَخْصَرَ وَكَالْهَرِمِ فِيمَا ذُكِرَ الزَّمِنُ وَمَنْ اشْتَدَّتْ مَشَقَّةُ الصَّوْمِ عَلَيْهِ وَكَالْحَامِلِ الْمُرْضِعُ.

(بَابُ صَوْمِ التَّطَوُّعِ) التَّطَوُّعُ التَّقَرُّبُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى بِمَا لَيْسَ بِفَرْضٍ مِنْ الْعِبَادَاتِ وَالْأَصْلُ فِي الْبَابِ خَبَرُ الصَّحِيحَيْنِ «مَنْ صَامَ يَوْمًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بَاعَدَ اللَّهُ وَجْهَهُ عَنْ النَّارِ سَبْعِينَ خَرِيفًا» (وَلَا يَجِبُ إتْمَامُ صَوْمِ التَّطَوُّعِ) إذَا شَرَعَ فِيهِ (كَصَلَاتِهِ) وَاعْتِكَافِهِ وَطَوَافِهِ وَوُضُوئِهِ لِئَلَّا يُغَيِّرَ الشُّرُوعَ حُكْمُ الْمَشْرُوعِ فِيهِ وَلِخَبَرِ «الصَّائِمُ الْمُتَطَوِّعُ أَمِيرُ نَفْسِهِ إنْ شَاءَ صَامَ وَإِنْ شَاءَ أَفْطَرَ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَ الْحَاكِمُ إسْنَادَهُ وَلِخَبَرِ عَائِشَةَ الْمُتَقَدِّمِ فِي الْكَلَامِ عَلَى نِيَّةِ الصَّوْمِ وَيُقَاسُ بِالصَّوْمِ الصَّلَاةُ وَنَحْوُهَا (لَكِنْ يُكْرَهُ الْخُرُوجُ مِنْهُ) لِظَاهِرِ قَوْله تَعَالَى {وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} [محمد: 33] وَلِلْخُرُوجِ مِنْ خِلَافِ مَنْ أَوْجَبَ إتْمَامَهُ (إلَّا بِعُذْرٍ كَمُسَاعَدَةِ ضَيْفٍ) فِي الْأَكْلِ إذَا عَزَّ عَلَيْهِ امْتِنَاعُ مُضِيفِهِ مِنْهُ أَوْ عَكْسُهُ فَلَا يُكْرَهُ الْخُرُوجُ مِنْهُ بَلْ يُسْتَحَبُّ لِخَبَرِ «وَإِنَّ لِزَوْرِكَ عَلَيْكَ حَقًّا» وَخَبَرِ «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخَرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ» رَوَاهُمَا الشَّيْخَانِ أَمَّا إذَا لَمْ يَعِزَّ عَلَى أَحَدِهِمَا امْتِنَاعُ الْآخَرِ مِنْ ذَلِكَ فَالْأَفْضَلُ عَدَمُ خُرُوجِهِ مِنْهُ ذَكَرَهُ فِي الْمَجْمُوعِ وَإِذَا خَرَجَ مِنْهُ قَالَ الْمُتَوَلِّي لَا يُثَابُ عَلَى مَا مَضَى لِأَنَّ الْعِبَادَةَ لَمْ تَتِمَّ وَحُكِيَ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ يُثَابُ عَلَيْهِ وَهُوَ الْوَجْهُ إنْ خَرَجَ مِنْهُ بِعُذْرٍ (وَيُسْتَحَبُّ قَضَاؤُهُ) سَوَاءٌ أَخَرَجَ بِعُذْرٍ أَمْ بِغَيْرِهِ لِلْخُرُوجِ مِنْ خِلَافٍ أَوْجَبَ قَضَاءَهُ وَقَدَّمْت فِي صَلَاةِ التَّطَوُّعِ مَالَهُ بِهَذَا تَعَلُّقٌ

(وَيَحْرُمُ الْخُرُوجُ مِنْ صَوْمٍ وَجَبَ عَلَى الْفَوْرِ) أَدَاءً أَوْ أَوْ قَضَاءً (وَكَذَا عَلَى التَّرَاخِي) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} [محمد: 33] وَلِتَلَبُّسِهِ بِالْوَاجِبِ وَلَا عُذْرَ كَمَا لَوْ شَرَعَ فِي الصَّلَاةِ أَوَّلَ الْوَقْتِ (فَمَنْ أَفْطَرَ فِي رَمَضَانَ بِغَيْرِ عُذْرٍ لَزِمَهُ الْقَضَاءُ عَلَى الْفَوْرِ وَلَوْ فِي السَّفَرِ) أَوْ نَحْوِهِ تَدَارُكًا لِمَا ارْتَكَبَهُ مِنْ الْإِثْمِ لِأَنَّ التَّخْفِيفَ بِجَوَازِ التَّأْخِيرِ لَا يَلِيقُ بِحَالِ الْمُتَعَدِّي (أَوْ) أَفْطَرَ فِيهِ (بِعُذْرٍ) كَحَيْضٍ وَسَفَرٍ وَمَرَضٍ (فَقَبْلَ رَمَضَانَ آخَرَ يَلْزَمُهُ) الْقَضَاءُ فَيَجُوزُ لَهُ تَأْخِيرُهُ إلَى مَا قَبْلَهُ بِزَمَنٍ يَسَعُهُ

(فَصْلٌ يَوْمُ عَرَفَةَ) وَهُوَ تَاسِعُ ذِي الْحِجَّةِ (أَفْضَلُ الْأَيَّامِ) لِأَنَّ صَوْمَهُ كَفَّارَةُ سَنَتَيْنِ كَمَا يَأْتِي بِخِلَافِ غَيْرِهِ وَلِأَنَّ الدُّعَاءَ فِيهِ أَفْضَلُ مِنْهُ فِي غَيْرِهِ وَلِخَبَرِ مُسْلِمٍ «مَا مِنْ يَوْمٍ أَكْثَرَ مِنْ أَنْ يُعْتِقَ اللَّهُ فِيهِ مِنْ النَّارِ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ» وَأَمَّا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «خَيْرُ يَوْمٍ طَلَعَتْ فِيهِ الشَّمْسُ يَوْمُ الْجُمُعَةِ» فَمَحْمُولٌ عَلَى غَيْرِ يَوْمِ عَرَفَةَ بِقَرِينَةِ مَا ذُكِرَ (وَيُسْتَحَبُّ لِغَيْرِ الْحَاجِّ صَوْمُهُ) لِخَبَرِ مُسْلِمٍ «صِيَامُ يَوْمِ عَرَفَةَ أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ وَالسَّنَةَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرملي الكبير]
الْبَحْرِ عِنْدِي تَصِيرُ ظُهْرًا مِنْ الْآنَ وَإِذَا أَحْرَمَ الْعَبْدُ بِحَجَّةٍ وَعَلِمَ أَنَّهُ يَصِيرُ حُرًّا قَبْلَ الْوُقُوفِ لَا يَنْقَلِبُ فَرْضُهُ قَبْلَ عِتْقِهِ وَإِذَا انْقَطَعَ الْمُسْلِمُ فِيهِ لَا يَثْبُتُ خِيَارٌ إلَّا بَعْدَ الْمَحَلِّ وَإِذَا تَنَاضَلَا عَلَى أَنَّ مَنْ أَصَابَ سِتَّةً مِنْ عَشَرَةٍ اسْتَحَقَّ فَأَصَابَ أَحَدُهُمَا وَأَخْطَأَ الْآخَرُ فِي خَمْسَةٍ فَلَا يَجِبُ الْجُعَلُ إلَّا بَعْدَ الْفَرَاغِ (قَوْلُهُ بِأَنَّ الصَّوَابَ هُوَ الْأَوَّلُ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ لِجَوَازِ مَوْتِهِ قَبْلَ الْغَدِ فَلَا يَحْنَثُ) قَالَ شَيْخُنَا مَحَلُّهُ مَا لَمْ يَقْتُلْ نَفْسَهُ عَامِدًا عَالِمًا أَوْ قَتَلَهُ غَيْرُهُ وَتَمَكَّنَ مِنْ دَفْعِهِ وَلَمْ يَفْعَلْ وَإِلَّا حَنِثَ.

[بَابُ صَوْمِ التَّطَوُّعِ]
(بَابُ صَوْمِ التَّطَوُّعِ) (قَوْلُهُ خَبَرُ الصَّحِيحَيْنِ «مَنْ صَامَ يَوْمًا» إلَخْ) وَفِي الْحَدِيثِ «كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ إلَّا الصَّوْمَ فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ» وَاخْتَلَفُوا فِي مَعْنَاهُ عَلَى أَقْوَالٍ تَزِيدُ عَلَى خَمْسِينَ قَوْلًا مِنْ أَحْسَنِهَا أَنَّ الْعَمَلَ بَيْنَ ثَوَابِهِ الْحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا إلَى سَبْعِمِائَةِ ضَعْفِ إلَّا الصَّوْمُ فَإِنَّهُ لَمْ يُبَيِّنْ لِلْعَبْدِ مِقْدَارٌ ثَوَابُهُ وَأَحْسَنُ مِنْهُ مَا نُقِلَ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ أَنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تَتَعَلَّقُ خُصَمَاءُ الْمَرْءِ بِجَمِيعِ أَعْمَالِهِ إلَّا الصَّوْمَ فَإِنَّهُ لَا سَبِيلَ لَهُمْ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ إذَا لَمْ يَبْقَ إلَّا الصَّوْمُ يَتَحَمَّلُ اللَّهُ تَعَالَى مَا بَقِيَ مِنْ الْمَظَالِمِ وَيُدْخِلُهُ بِالصَّوْمِ الْجَنَّةَ لَكِنْ يَرُدُّهُ مَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ أَتَدْرُونَ مَنْ الْمُفْلِسُ ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّ رَجُلًا يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَقَدْ ظَلَمَ هَذَا وَسَفَكَ دَمَ هَذَا وَانْتَهَكَ عِرْضَ هَذَا وَيَأْتِي وَلَهُ صَلَاةٌ وَزَكَاةٌ وَصَوْمٌ قَالَ فَيَأْخُذُ هَذَا بِكَذَا إلَى أَنْ قَالَ وَهَذَا بِصَوْمِهِ» فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ يُؤْخَذُ فِي الْمَظَالِمِ.
(قَوْلُهُ وَلَا يَجِبُ إتْمَامُ صَوْمِ التَّطَوُّعِ إلَخْ) إنَّمَا لَمْ يَقُلْ وَلَا يَجِبُ إتْمَامُ تَطَوُّعٍ وَإِنْ كَانَ أَعَمَّ لِئَلَّا يُرَدَّ عَلَيْهِ الْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ فَإِنَّهُ يَجِبُ إتْمَامُهُمَا وَيَجِبُ قَضَاؤُهُمَا (قَوْلُهُ وَهُوَ الْوَجْهُ إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ

(قَوْلُهُ لَزِمَهُ الْقَضَاءُ عَلَى الْفَوْرِ) شَمِلَ قَضَاءُ يَوْمِ الشَّكِّ (قَوْلُهُ وَلَوْ فِي السَّفَرِ) قَالَ شَيْخُنَا مُرَادُهُ بِقَوْلِهِ وَلَوْ فِي السَّفَرِ أَنَّهُ فَإِنَّهُ أَدَاؤُهُ بِغَيْرِ عُذْرٍ وَأَفْطَرَ فِي قَضَائِهِ فِي السَّفَرِ اسْتَمَرَّ قَضَاؤُهُ عَلَى الْفَوْرِ أَوْ أَفْطَرَ فِيهِ لَا بِنِيَّةِ التَّرَخُّصِ

[فَصْلٌ صوم يَوْمُ عَرَفَةَ]
(قَوْلُهُ وَيُسْتَحَبُّ لِغَيْرِ الْحَاجِّ صَوْمُهُ) قَالَ الْأَذْرَعِيُّ لِيَنْظُرَ مَا لَوْ تَحَدَّثَ النَّاسُ بِرُؤْيَةِ هِلَالِ ذِي الْحِجَّةِ وَلَمْ يَثْبُتْ أَوْ شَهِدَ بِهَا مَنْ لَا يَقْبَلُ وَدَارَ الْأَمْرُ بَيْنَ صَوْمِ يَوْمِ عَرَفَةَ عَلَى

(1/430)


الَّتِي بَعْدَهُ» قَالَ الْإِمَامُ وَالْمُكَفَّرُ الصَّغَائِرُ (مَعَ مَا قَبْلَهُ مِنْ الشَّهْرِ) وَهُوَ ثَمَانِيَةُ أَيَّامٍ وَالثَّامِنُ مَطْلُوبٌ مِنْ جِهَةِ الِاحْتِيَاطِ لِعَرَفَةَ وَمِنْ جِهَةِ دُخُولِهِ فِي الْعَشْرِ غَيْرِ الْعِيدِ كَمَا أَنَّ صَوْمَ يَوْمِ عَرَفَةَ مَطْلُوبٌ مِنْ جِهَتَيْنِ وَصَرَّحَ فِي الرَّوْضَةِ بِاسْتِحْبَابِ صَوْمِ الْعَشْرِ غَيْرِ الْعِيدِ وَلَمْ يَخُصَّهُ بِغَيْرِ الْحَاجِّ فَيُسْتَحَبُّ صَوْمُهُ لِلْحَاجِّ وَغَيْرِهِ إلَّا يَوْمَ عَرَفَةَ فَلِغَيْرِ الْحَاجِّ أَمَّا الْحَاجُّ فَلَا يُسْتَحَبُّ لَهُ صَوْمُهُ بَلْ يُسْتَحَبُّ لَهُ فِطْرُهُ وَإِنْ كَانَ قَوِيًّا لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَلِيَقْوَى عَلَى الدُّعَاءِ فَصَوْمُهُ لَهُ خِلَافُ الْأَوْلَى بَلْ فِي نُكَتِ التَّنْبِيهِ لِلنَّوَوِيِّ وَأَنَّهُ مَكْرُوهٌ وَفِيهَا كَالْمَجْمُوعِ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ صَوْمُهُ لِحَاجٍّ لَمْ يَصِلْ عَرَفَةَ إلَّا لَيْلًا لِفَقْدِ الْعِلَّةِ هَذَا كُلُّهُ فِي غَيْرِ الْمُسَافِرِ وَالْمَرِيضِ أَمَّا هُمَا فَيُسْتَحَبُّ لَهُمَا فِطْرُهُ مُطْلَقًا كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْإِمْلَاءِ

(وَ) يُسْتَحَبُّ (صَوْمُ عَاشُورَاءَ) وَهُوَ عَاشِرُ الْمُحَرَّمِ (مَعَ تَاسُوعَاءَ) وَهُوَ تَاسِعُهُ «قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صِيَامُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ وَقَالَ لَئِنْ عِشْت إلَى قَابِلٍ لَأَصُومَنَّ التَّاسِعَ فَمَاتَ قَبْلَهُ» رَوَاهُمَا مُسْلِمٌ وَإِنَّمَا لَمْ يُحِبَّ صَوْمَ عَاشُورَاءَ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ «إنَّ هَذَا الْيَوْمَ يَوْمُ عَاشُورَاءَ وَلَمْ يُكْتَبْ عَلَيْكُمْ صِيَامُهُ فَمَنْ شَاءَ فَلْيَصُمْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيُفْطِرْ» وَأَمَّا الْأَخْبَارُ الْوَارِدَةُ بِالْأَمْرِ بِصَوْمِهِ فَمَحْمُولَةٌ عَلَى تَأَكُّدِ الِاسْتِحْبَابِ وَحِكْمَةُ صَوْمِ تَاسُوعَاءَ مَعَهُ الِاحْتِيَاطُ لَهُ وَالْمُخَالَفَةُ لِلْيَهُودِ وَالِاحْتِرَازُ مِنْ إفْرَادِهِ بِالصَّوْمِ كَمَا فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ وَعَاشُورَاءُ وَتَاسُوعَاءُ مَمْدُودَانِ عَلَى الْمَشْهُورِ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَصُمْ مَعَهُ تَاسُوعَاءَ (فَصَوْمُ الْحَادِيَ عَشَرَ) مَعَهُ مُسْتَحَبٌّ لِذَلِكَ عَلَى أَنَّ الشَّافِعِيَّ نَصَّ فِي الْأُمِّ وَالْإِمْلَاءِ عَلَى اسْتِحْبَابِ صَوْمِ الثَّلَاثَةِ وَنَقَلَهُ عَنْهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَغَيْرُهُ وَيَدُلُّ لَهُ خَبَرُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ «صُومُوا يَوْمَ عَاشُورَاءَ وَخَالِفُوا الْيَهُودَ وَصُومُوا قَبْلَهُ يَوْمًا وَبَعْدَهُ يَوْمًا» وَلَوْ قِيلَ بِأَنَّهُ يُسْتَحَبُّ صَوْمُ الثَّامِنِ احْتِيَاطًا كَنَظِيرِهِ فِيمَا مَرَّ لَكَانَ حَسَنًا

(وَ) يُسْتَحَبُّ صَوْمُ (سِتَّةٍ مِنْ شَوَّالٍ) قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ صَامَ رَمَضَانَ ثُمَّ أَتْبَعَهُ سِتًّا مِنْ شَوَّالٍ كَانَ كَصِيَامِ الدَّهْرِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَرَوَى النَّسَائِيّ خَبَرَ «صِيَامِ شَهْرِ رَمَضَانَ بِعَشَرَةِ أَشْهُرٍ وَصِيَامِ سِتَّةِ أَيَّامٍ بِشَهْرَيْنِ فَذَلِكَ صِيَامُ السَّنَةِ» أَيْ كَصِيَامِهَا فَرْضًا وَإِلَّا فَلَا يَخْتَصُّ ذَلِكَ بِرَمَضَانَ وَسِتَّةٍ مِنْ شَوَّالٍ لِأَنَّ الْحَسَنَةَ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا وَحَذْفُ تَاءِ التَّأْنِيثِ عِنْدَ حَذْفِ الْمَعْدُودِ جَائِزٌ كَمَا فِي الْخَبَرِ الْأَوَّلِ (وَالْأَفْضَلُ تَتَابُعُهَا) وَكَوْنُهَا (مُتَّصِلَةٌ بِالْعِيدِ) مُبَادَرَةٌ لِلْعِبَادَةِ

(وَ) يُسْتَحَبُّ صَوْمُ (ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ) اللَّيَالِي (الْبِيضِ وَأَوَّلُهَا الثَّالِثَ عَشَرَ) لِلْأَمْرِ بِصَوْمِهَا فِي النَّسَائِيّ وَصَحِيحِ ابْنِ حِبَّانَ وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ الْحَسَنَةَ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا فَصَوْمُهَا كَصَوْمِ الشَّهْرِ وَمِنْ ثَمَّ سُنَّ صَوْمُ ثَلَاثَةٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ وَلَوْ غَيْرَ أَيَّامِ الْبِيضِ كَمَا فِي الْبَحْرِ وَغَيْرِهِ لِلْأَخْبَارِ الصَّحِيحَةِ قَالَ السُّبْكِيُّ وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ يُسَنُّ صَوْمُ ثَلَاثَةٍ وَأَنْ تَكُونَ أَيَّامَ الْبِيضِ فَإِنْ صَامَهَا أَتَى بِالسُّنَّتَيْنِ (وَالْأَحْوَطُ صَوْمُ الثَّانِي عَشَرَ) مَعَهَا (أَيْضًا) لِلْخُرُوجِ مِنْ خِلَافِ مَنْ قَالَ أَنَّهُ أَوَّلُ الثَّلَاثَةِ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَيُسَنُّ صَوْمُ أَيَّامِ السُّودِ الثَّامِنِ وَالْعِشْرِينَ وَتَالِيَيْهِ وَيَنْبَغِي أَنْ يُصَامَ مَعَهَا السَّابِعُ وَالْعِشْرِينَ احْتِيَاطًا وَخُصَّتْ أَيَّامُ الْبِيضِ وَأَيَّامُ السُّودِ بِذَلِكَ لِتَعْمِيمِ لَيَالِي الْأُولَى بِالنُّورِ وَلَيَالِي الثَّانِيَةِ بِالسَّوَادِ فَنَاسَبَ صَوْمُ الْأُولَى شُكْرًا وَالثَّانِيَةِ لِطَلَبِ كَشْفِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرملي الكبير]
تَقْدِيرِ كَمَالِ ذِي الْقَعْدَةِ وَصَوْمِ يَوْمِ الْعِيدِ عَلَى تَقْدِيرِ نَقْصِهِ فَهَلْ يُقَالُ يُسْتَحَبُّ الصَّوْمُ أَوْ يَكُونُ كَصَوْمِ يَوْمِ الشَّكِّ أَوْ يَخْرُجُ فِيهِ خِلَافٌ مَا لَوْ شَكَّ الْمُتَوَضِّئُ هَلْ غَسَلَ الْعُضْوَ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا لَمْ أَرَ فِيهِ شَيْئًا وَيَظْهَرُ أَنَّهُ لَوْ أَخْبَرَهُ مَنْ يُصَدِّقُهُ مِنْ عَبْدٍ أَوْ امْرَأَةٍ أَوْ صَبِيٍّ بِالرُّؤْيَةِ حَرُمَ عَلَيْهِ الصَّوْمُ عَلَى خِلَافِ خَبَرِهِ وَإِنْ صَامَ غَيْرُهُ بِنَاءً عَلَى الظَّاهِرِ. اهـ. وَسُئِلْت عَمَّا إذَا ثَبَتَ هِلَالُ ذِي الْحِجَّةِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ ثُمَّ تَحَدَّثَ النَّاسُ بِرُؤْيَتِهِ يَوْمَ الْخَمِيسِ وَظَنَّ صِدْقَهُمْ وَلَمْ يَثْبُتْ فَهَلْ يَنْدُبُ صَوْمُ يَوْمِ السَّبْتِ لِكَوْنِهِ يَوْمَ عَرَفَةَ عَلَى تَقْدِيرِ كَمَالِ ذِي الْقَعْدَةِ أَمْ يَحْرُمُ لِاحْتِمَالِ كَوْنِهِ يَوْمَ الْعِيدِ فَأَجَبْت بِأَنَّهُ يَحْرُمُ لِأَنَّ دَفْعَ مَفْسَدَةِ الْحَرَامِ مُقَدَّمَةٌ عَلَى تَحْصِيلِ مَصْلَحَةِ الْمَنْدُوبِ وَقَوْلُهُ حَرُمَ عَلَيْهِ الصَّوْمُ عَلَى خِلَافِ خَبَرِهِ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ.
(قَوْلُهُ فَيُسْتَحَبُّ صَوْمُهُ لِلْحَاجِّ وَغَيْرِهِ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ وَفِيهَا كَالْمَجْمُوعِ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ صَوْمُهُ إلَخْ) قَالَ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ أَنَّهُ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَجُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ (قَوْلُهُ فَيُسْتَحَبُّ لَهُمَا فِطْرُهُ مُطْلَقًا) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ

(قَوْلُهُ وَصَوْمُ عَاشُورَاءَ) أَفْتَى الْبَارِزِيُّ بِأَنَّ مَنْ صَامَ عَاشُورَاءَ مَثَلًا عَنْ قَضَاءٍ أَوْ نَذْرٍ حَصَلَ لَهُ ثَوَابُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ وَوَافَقَهُ الْأَصْفُونِيُّ وَالْفَقِيهُ عَبْدُ اللَّهِ النَّاشِرِيُّ وَالْفَقِيهُ عَلِيُّ بْنُ إبْرَاهِيمَ بْنِ صَالِحٍ الْحَضْرَمِيُّ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ (قَوْلُهُ صِيَامُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ اُحْتُسِبَ عَلَى اللَّهِ إلَخْ) الْحِكْمَةُ فِي كَوْنِ صَوْمِ عَرَفَةَ بِسَنَتَيْنِ وَعَاشُورَاءَ بِسَنَةٍ أَنَّ عَرَفَةَ يَوْمٌ مُحَمَّدِيٌّ يَعْنِي أَنَّ صَوْمَهُ مُخْتَصٌّ بِأُمَّةِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَاشُورَاءَ يَوْمٌ مُوسَوِيٌّ

(قَوْلُهُ وَسِتَّةٌ مِنْ شَوَّالٍ) أَطْلَقَ وَقَضِيَّتُهُ اسْتِحْبَابُ صَوْمِهَا لِكُلِّ أَحَدٍ سَوَاءٌ أَصَامَ رَمَضَانَ أَمْ لَا كَمَنْ أَفْطَرَ لِعُذْرِ صِبًا أَوْ مَرَضٍ أَوْ جُنُونٍ أَوْ سَفَرٍ أَوْ غَيْرِهَا وَمَنْ فَاتَهُ رَمَضَانُ فَصَامَ عَنْهُ شَوَّالًا اُسْتُحِبَّ لَهُ أَنْ يَصُومَ سِتًّا مِنْ ذِي الْقَعْدَةِ لِأَنَّهُ يُسْتَحَبُّ قَضَاءُ الصَّوْمِ الرَّاتِبِ وَكَتَبَ أَيْضًا وَعِبَارَةٌ كَثِيرٌ يُسْتَحَبُّ لِمَنْ صَامَ رَمَضَانَ أَنْ يُتْبِعَهُ بِسِتَّةٍ مِنْ شَوَّالٍ كَلَفْظِ الْحَدِيثِ وَمُقْتَضَاهَا قَصْرُ ذَلِكَ عَلَيْهِ وَلَا شَكَّ أَنَّ مَنْ تَعَدَّى بِالْفِطْرِ يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ عَلَى الْفَوْرِ عَلَى الْأَصَحِّ وَقَدْ قَالَ الْمَحَامِلِيُّ وَشَيْخُهُ وَالْجُرْجَانِيُّ يُكْرَهُ لِمَنْ عَلَيْهِ قَضَاءُ رَمَضَانَ أَنْ يَتَطَوَّعَ بِالصَّوْمِ فَخَرَجَ هَؤُلَاءِ وَيَبْقَى النَّظَرُ فِي الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ يُكْمِلَانِ وَالْكَافِرُ يُسْلِمُ غ وَالْمَعْنَى الْمُتَقَدِّمُ فِي اسْتِحْبَابِ صَوْمِ السِّتَّةِ يَقْتَضِي عَدَمَ اسْتِحْبَابِهَا لِمَنْ ذُكِرَ وَمَنْ فَاتَهُ رَمَضَانُ فَصَامَ عَنْهُ شَوَّالًا اُسْتُحِبَّ لَهُ أَنْ يَصُومَ سِتًّا مِنْ ذِي الْقَعْدَةِ لِأَنَّهُ يُسْتَحَبُّ قَضَاءُ الصَّوْمِ الرَّاتِبِ فس

(قَوْلُهُ وَأَوَّلُهَا الثَّالِثَ عَشَرَ) هَلْ يَسْقُطُ الثَّالِثَ عَشَرَ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ أَوْ بِعِوَضٍ عَنْهُ السَّادِسَ عَشَرَ أَوْ يَوْمٌ مِنْ التِّسْعَةِ الْأُوَلِ فِيهِ احْتِمَالٌ وَلَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لِذَلِكَ عِ وَالظَّاهِرُ الثَّانِي د وَقَوْلُهُ أَوْ يُعَوَّضُ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَيُسَنُّ إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ الثَّامِنِ وَالْعِشْرِينَ وَتَالِيَيْهِ) قَالَ ابْنُ الْعِرَاقِيِّ وَلَا يَخْفَى سُقُوطُ الثَّالِثِ مِنْهَا إذَا كَانَ الشَّهْرُ نَاقِصًا وَلَعَلَّهُ يُعَوِّضُ عَنْهُ بِأَوَّلِ الشَّهْرِ الَّذِي يَلِيه وَهُوَ مِنْ أَيَّامِ السُّودِ أَيْضًا لِأَنَّ لَيْلَتَهُ كُلَّهَا سَوْدَاءُ وَقَوْلُهُ قَالَ ابْنُ الْعِرَاقِيِّ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ وَيَنْبَغِي أَنْ يُصَامَ إلَى آخِرِهِ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ

(1/431)


السَّوَادِ وَلِأَنَّ الشَّهْرَ قَدْ أَشْرَفَ عَلَى الرَّحِيلِ فَنَاسَبَ تَزْوِيدَهُ بِذَلِكَ

(وَ) يُسْتَحَبُّ صَوْمُ (الِاثْنَيْنِ وَالْخَمِيسِ) «لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَتَحَرَّى صَوْمَهُمَا وَقَالَ إنَّهُمَا يَوْمَانِ تُعْرَضُ فِيهِمَا الْأَعْمَالُ فَأُحِبُّ أَنْ يُعْرَضَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ» رَوَاهُمَا التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ وَالْمُرَادُ عَرْضُهَا عَلَى اللَّهِ وَأَمَّا رَفْعُ الْمَلَائِكَةِ لَهَا فَإِنَّهُ بِاللَّيْلِ مَرَّةً وَبِالنَّهَارِ مَرَّةً وَلَا يُنَافِي هَذَا رَفْعُهَا فِي شَعْبَانَ كَمَا فِي خَبَرِ مُسْنَدِ أَحْمَدَ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سُئِلَ عَنْ إكْثَارِهِ الصَّوْمَ فِي شَعْبَانَ فَقَالَ إنَّهُ شَهْرٌ تُرْفَعُ فِيهِ الْأَعْمَالُ فَأُحِبُّ أَنْ يُرْفَعَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ» لِجَوَازِ رَفْعِ أَعْمَالِ الْأُسْبُوعِ مُفَصَّلَةً وَأَعْمَالِ الْعَامِ جُمْلَةً وَسُمِّيَ مَا ذُكِرَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ لِأَنَّهُ ثَانِي الْأُسْبُوعِ وَالْخَمِيسُ لِأَنَّهُ خَامِسُهُ كَذَا ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ نَاقِلًا لَهُ عَنْ أَهْلِ اللُّغَةِ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ فَيُعْلَمُ مِنْهُ أَنَّ أَوَّلَ الْأُسْبُوعِ الْأَحَدُ وَنَقَلَهُ ابْنُ عَطِيَّةَ عَنْ الْأَكْثَرِينَ وَسَيَأْتِي فِي بَابِ النَّذْرِ أَنَّ أَوَّلَهُ السَّبْتُ وَقَالَ السُّهَيْلِيُّ إنَّهُ الصَّوَابُ وَقَوْلُ الْعُلَمَاءِ كَافَّةً

(وَ) يُسْتَحَبُّ صَوْمُ (آخِرِ كُلِّ شَهْرٍ) لِمَا مَرَّ فِي صِيَامِ أَيَّامِ السُّودِ فَإِنْ صَامَهَا أَتَى بِالسُّنَّتَيْنِ

(وَيُكْرَهُ إفْرَادُ الْجُمُعَةِ) بِالصَّوْمِ لِقَوْلِهِ «- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يَصُمْ أَحَدُكُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ إلَّا أَنْ يَصُومَ يَوْمًا قَبْلَهُ أَوْ يَوْمًا بَعْدَهُ» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَلِيَتَقَوَّى بِفِطْرِهِ عَلَى الْوَظَائِفِ الْمَطْلُوبَةِ فِيهِ وَمِنْ هُنَا خَصَّصَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَالْعِمْرَانِيُّ نَقْلًا عَنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ بِمَنْ يَضْعُفُ بِهِ عَنْ الْوَظَائِفِ

(أَوْ) إفْرَادُ (السَّبْتِ) أَوْ الْأَحَدِ (بِالصَّوْمِ) لِخَبَرِ «لَا تَصُومُوا يَوْمَ السَّبْتِ إلَّا فِيمَا اُفْتُرِضَ عَلَيْكُمْ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ وَلِأَنَّ الْيَهُودَ تُعَظِّمُ يَوْمَ السَّبْتِ وَالنَّصَارَى يَوْمَ الْأَحَدِ وَخَرَجَ بِإِفْرَادِ كُلٍّ مِنْ الثَّلَاثَةِ جَمْعُهُ مَعَ غَيْرِهِ فَلَا يُكْرَهُ جَمْعُ السَّبْتِ مَعَ الْأَحَدِ لِأَنَّ الْمَجْمُوعَ لَمْ يُعَظِّمْهُ أَحَدٌ فَإِنْ قُلْت التَّعْلِيلُ بِالتَّقَوِّي بِالْفِطْرِ فِي كَرَاهَةِ إفْرَادِ الْجُمُعَةِ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ إفْرَادِهَا وَجَمْعِهَا قُلْنَا إذَا جَمَعَهَا حَصَلَ لَهُ بِفَضِيلَةِ صَوْمِ غَيْرِهِ مَا يُجْبِرُ مَا حَصَلَ فِيهَا مِنْ النَّقْصِ قَالَهُ فِي الْمَجْمُوعِ (إلَّا أَنْ يُوَافِقَ) إفْرَادَ كُلٍّ مِنْهَا (عَادَةً) لَهُ كَأَنْ اعْتَادَ صَوْمَ يَوْمٍ وَفِطْرَ يَوْمٍ فَوَافَقَ صَوْمَهُ يَوْمًا مِنْهَا فَلَا كَرَاهَةَ كَمَا فِي صَوْمِ يَوْمِ الشَّكِّ وَلِخَبَرِ مُسْلِمٍ «لَا تَخُصُّوا يَوْمَ الْجُمُعَةِ بِصِيَامٍ مِنْ بَيْنِ الْأَيَّامِ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي صَوْمٍ يَصُومُهُ أَحَدُكُمْ» وَقِيسَ بِالْجُمُعَةِ الْبَاقِي وَالتَّصْرِيحُ بِالِاسْتِثْنَاءِ الْمَذْكُورِ تَبَعًا لِلْمَجْمُوعِ مِنْ زِيَادَتِهِ وَظَاهِرٌ أَنَّ كَلَامَهُمْ فِي صَوْمِ التَّطَوُّعِ فَلَا يُكْرَهُ إفْرَادُ كُلٍّ مِنْهَا بِصَوْمِ الْفَرْضِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمَجْمُوعِ فِي صَوْمِ النَّذْرِ وَيَدُلُّ لَهُ خَبَرُ التِّرْمِذِيِّ وَالْحَاكِمِ السَّابِقُ

(فَرْعٌ وَلَا يُكْرَهُ صَوْمُ الدَّهْرِ لِمَنْ لَمْ يَخَفْ ضَرَرًا) أَوْ فَوْتَ حَقٍّ (وَأَفْطَرَ الْعِيدَيْنِ وَأَيَّامَ التَّشْرِيقِ بَلْ يُسْتَحَبُّ) لَهُ لِإِطْلَاقِ الْأَدِلَّةِ «وَلِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ مَنْ صَامَ الدَّهْرَ ضُيِّقَتْ عَلَيْهِ جَهَنَّمُ هَكَذَا وَعَقَدَ تِسْعِينَ» رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَمَعْنَى ضُيِّقَتْ عَلَيْهِ أَيْ عَنْهُ فَلَمْ يَدْخُلْهَا أَوْ لَا يَكُونُ لَهُ فِيهَا مَوْضِعٌ فَإِنْ خَافَ ضَرَرًا أَوْ فَوْتَ حَقٍّ كُرِهَ صَوْمُهُ لِخَبَرِ الْبُخَارِيِّ أَنَّهُ «- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - آخَى بَيْنَ سَلْمَانَ وَبَيْنَ أَبِي الدَّرْدَاءِ فَجَاءَ سَلْمَانُ يَزُورُ أَبَا الدَّرْدَاءِ فَرَأَى أُمَّ الدَّرْدَاءِ مُبْتَذَلَةً فَقَالَ مَا شَأْنُك فَقَالَتْ إنَّ أَخَاك لَيْسَ لَهُ حَاجَةٌ فِي شَيْءٍ مِنْ الدُّنْيَا فَقَالَ سَلْمَانُ يَا أَبَا الدَّرْدَاءِ إنَّ لِرَبِّك عَلَيْك حَقًّا وَلِأَهْلِك عَلَيْك حَقًّا وَلِجَسَدِك عَلَيْك حَقًّا فَصُمْ وَأَفْطِرْ وَقُمْ وَنَمْ وَائْتِ أَهْلَك وَأَعْطِ كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ فَذَكَرَ أَبُو الدَّرْدَاءِ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا قَالَ سَلْمَانُ فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِثْلَ مَا قَالَ سَلْمَانُ» فَإِنْ صَامَ الْعِيدَيْنِ وَأَيَّامَ التَّشْرِيقِ أَوْ شَيْئًا مِنْهَا حَرُمَ وَعَلَيْهِ حُمِلَ خَبَرُ الصَّحِيحَيْنِ «لَا صَامَ مَنْ صَامَ الْأَبَدَ» وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ بَلْ يُسْتَحَبُّ مِنْ زِيَادَتِهِ وَمَعَ اسْتِحْبَابِهِ فَصَوْمُ يَوْمٍ وَإِفْطَارُ يَوْمٍ أَفْضَلُ مِنْهُ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ عَنْ «عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَفْضَلُ الصِّيَامِ صِيَامُ دَاوُد كَانَ يَصُومُ يَوْمًا وَيُفْطِرُ يَوْمًا» وَفِيهِ أَيْضًا «لَا أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ فَهُوَ أَفْضَلُ مِنْ صَوْمِ الدَّهْرِ» كَمَا قَالَهُ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ لَكِنْ فِي فَتَاوَى ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ أَنَّ الْعَكْسَ أَفْضَلُ لِأَنَّ الْحَسَنَةَ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا وَقَوْلُهُ فِي الْخَبَرِ «لَا أَفْضَلُ مِنْ ذَلِكَ أَيْ لَك»

(وَأَفْضَلُ الْأَشْهُرِ لِلصَّوْمِ) بَعْدَ رَمَضَانَ الْأَشْهُرُ (الْحُرُمُ) ذُو الْقَعْدَةِ وَذُو الْحِجَّةِ وَالْمُحَرَّمُ وَرَجَبُ لِخَبَرِ أَبِي دَاوُد وَغَيْرِهِ «صُمْ مِنْ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرملي الكبير]
قَوْلُهُ وَالِاثْنَيْنِ وَالْخَمِيسِ) قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَتُسَنُّ أَيْضًا الْمُحَافَظَةُ عَلَى صَوْمِهِمَا قَالَ شَيْخُنَا الْمُتَّجَهُ تَفْضِيلُ الِاثْنَيْنِ عَلَى الْخَمِيسِ لِوِلَادَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَوَفَاتِهِ فِيهِ وَلِتَقْدِيمِهِ فِي كَلَامِ الْفُقَهَاءِ هُنَا وَفِي دُخُولِ الْقَاضِي الْبَلَدِ كَاتَبَهُ (قَوْلُهُ أَنَّ أَوَّلَهُ السَّبْتُ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ

(قَوْلُهُ وَيُكْرَهُ إفْرَادُ الْجُمُعَةِ) لَوْ أَرَادَ الِاعْتِكَافَ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَهَلْ تَسْتَمِرُّ الْكَرَاهَةُ أَوْ يُسْتَحَبُّ صَوْمُهُ لِلْخُرُوجِ مِنْ خِلَافِ مَنْ أَوْجَبَ الصَّوْمَ مَعَ الِاعْتِكَافِ فِيهِ احْتِمَالَانِ حَكَاهُمَا النَّوَوِيُّ فِي نُكَتِ التَّنْبِيهِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَقَدْ يُقَالُ يُكْرَهُ تَخْصِيصُهُ بِالِاعْتِكَافِ كَالصَّوْمِ وَقِيَامِ لَيْلَتِهِ انْتَهَى وَهَذَا هُوَ الرَّاجِحُ قَالَ فِي الْخَادِمِ فِي آخَرِ كِتَابِ الصِّيَامِ مِنْ الْأُمِّ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَصُومَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَوَافَقَ يَوْمَ فِطْرٍ أَفْطَرَهُ وَقَضَاهُ انْتَهَى وَهَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ إفْرَادُهُ بِصَوْمِ النَّذْرِ وَقَوْلُهُ فَهَلْ تَسْتَمِرُّ الْكَرَاهَةُ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ نَقْلًا عَنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ) نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْإِمْلَاءِ وَرَوَى الْمُزَنِيّ فِي جَامِعِهِ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ مِثْلَهُ (قَوْلُهُ بِمَنْ يَضْعُفُ بِهِ إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ

(قَوْلُهُ وَلِأَنَّ الْيَهُودَ تُعَظِّمُ يَوْمَ السَّبْتِ) وَلِأَنَّ الصَّوْمَ إمْسَاكٌ وَتَخْصِيصُهُ بِالْإِمْسَاكِ عَنْ الِاشْتِغَالِ مِنْ عَوَائِدِ الْيَهُودِ (قَوْلُهُ وَظَاهِرٌ أَنَّ كَلَامَهُمْ إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمَجْمُوعِ إلَخْ) فَحِينَئِذٍ إطْلَاقُ الْمُصَنِّفِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ مَحْمُولٌ عَلَى النَّفْلِ

[فَرْعٌ صَوْمُ الدَّهْرِ]
(قَوْلُهُ فَإِنْ خَافَ ضَرَرًا أَوْ فَوْتَ حَقٍّ كُرِهَ صَوْمُهُ) عِبَارَةُ أَصْلِهِ قَالَ الْأَكْثَرُونَ إنْ خَافَ مِنْهُ ضَرَرًا أَوْ فَوَّتَ بِهِ حَقًّا كُرِهَ وَإِلَّا فَلَا قَالَ الْإِسْنَوِيُّ يُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ بِالْحَقِّ هُنَا كُلُّ مَطْلُوبٍ وَاجِبًا كَانَ أَوْ مَنْدُوبًا وَهُوَ الْمُتَّجَهُ وَيَدُلُّ لَهُ كَرَاهَةُ قِيَامِ كُلِّ اللَّيْلِ لِهَذَا الْمَعْنَى كَمَا سَبَقَ وَيُحْتَمَلُ تَخْصِيصُهُ بِالْوَاجِبِ لَكِنَّ تَفْوِيتَهُ حَرَامٌ فَيَكُونُ مَحَلُّ الْكَرَاهَةِ عِنْدَ الْخَوْفِ دُونَ الْعِلْمِ وَالظَّنِّ أَوْ فِي تَفْوِيتٍ وَاجِبٍ مُسْتَقِلٍّ وَعِبَارَةُ الْمِنْهَاجِ إنْ خَافَ بِهِ ضَرَرًا أَوْ فَوْتَ حَقٍّ فَأَدْخَلَهُ فِي حَيِّزِ الْخَوْفِ وَهُوَ الصَّوَابُ انْتَهَى وَلِهَذَا عَدَلَ إلَيْهَا الْمُصَنِّفُ

(1/432)


الْحُرُمِ وَاتْرُكْ صُمْ مِنْ الْحُرُمِ وَاتْرُكْ صُمْ مِنْ الْحُرُمِ وَاتْرُكْ» وَإِنَّمَا أَمَرَ الْمُخَاطَبَ بِالتَّرْكِ لِأَنَّهُ كَانَ يَشُقُّ عَلَيْهِ إكْثَارُ الصَّوْمِ كَمَا جَاءَ التَّصْرِيحُ بِهِ فِي الْخَبَرِ أَمَّا مَنْ لَا يَشُقُّ عَلَيْهِ فَصَوْمُ جَمِيعِهَا لَهُ فَضِيلَةٌ (وَأَفْضَلُهَا الْمُحَرَّمُ) لِخَبَرِ مُسْلِمٍ «أَفْضَلُ الصَّوْمِ بَعْدَ رَمَضَانَ شَهْرُ اللَّهِ الْمُحَرَّمُ» (ثُمَّ بَاقِيهَا) وَظَاهِرُهُ اسْتِوَاءُ الْبَقِيَّةِ وَالظَّاهِرُ تَقْدِيمُ رَجَبٍ خُرُوجًا مِنْ خِلَافِ مَنْ فَضَّلَهُ عَلَى الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ (ثُمَّ شَعْبَانُ) لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ عَنْ «عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - مَا رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اسْتَكْمَلَ صِيَامَ شَهْرٍ قَطُّ إلَّا رَمَضَانَ وَمَا رَأَيْته فِي شَهْرٍ أَكْثَرَ مِنْهُ صِيَامًا فِي شَعْبَانَ» وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ «كَانَ يَصُومُ شَعْبَانَ كُلَّهُ كَانَ يَصُومُ شَعْبَانَ إلَّا قَلِيلًا» قَالَ الْعُلَمَاءُ اللَّفْظُ الثَّانِي مُفَسِّرٌ لِلْأَوَّلِ فَالْمُرَادُ بِكُلِّهِ غَالِبُهُ وَقِيلَ كَانَ يَصُومُ كُلَّهُ فِي وَقْتٍ وَبَعْضَهُ فِي آخَرٍ وَقِيلَ كَانَ يَصُومُهُ تَارَةً مِنْ أَوَّلِهِ وَتَارَةً مِنْ آخِرِهِ وَتَارَةً مِنْ وَسَطِهِ وَلَا يَتْرُكُ مِنْهُ شَيْئًا بِلَا صِيَامٍ لَكِنْ فِي أَكْثَرِ مِنْ سَنَةٍ وَقِيلَ إنَّمَا خَصَّهُ بِكَثْرَةِ الصِّيَامِ لِأَنَّهُ تُرْفَعُ فِيهِ أَعْمَالُ الْعِبَادِ فِي سَنَتِهِمْ فَإِنْ قُلْت قَدْ مَرَّ أَنَّ أَفْضَلَ الصِّيَامِ بَعْدَ رَمَضَانَ الْمُحَرَّمُ فَكَيْفَ أَكْثَرُ مِنْهُ فِي شَعْبَانَ دُونَ الْمُحَرَّمِ قُلْنَا لَعَلَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَعْلَمْ فَضْلَ الْمُحَرَّمِ إلَّا فِي آخِرِ الْحَيَاةِ قَبْلَ التَّمَكُّنِ مِنْ صَوْمِهِ أَوْ لَعَلَّهُ كَانَ تَعْرِضُ لَهُ فِيهِ أَعْذَارٌ تَمْنَعُ مِنْ إكْثَارِهِ الصَّوْمَ فِيهِ قَالَ الْعُلَمَاءُ وَإِنَّمَا لَمْ يَسْتَكْمِلْ شَهْرًا غَيْرَ رَمَضَانَ لِئَلَّا يُظَنَّ وُجُوبُهُ

(وَيَحْرُمُ) عَلَى الْمَرْأَةِ صَوْمُ نَفْلٍ مُطْلَقٍ (بِغَيْرِ إذْنِ زَوْجٍ) لَهَا (حَاضِرٍ) لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ «لَا يَحِلُّ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَصُومَ وَزَوْجُهَا شَاهِدٌ إلَّا بِإِذْنِهِ» وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ «لَا تَصُومُ الْمَرْأَةُ وَبَعْلُهَا شَاهِدٌ إلَّا بِإِذْنِهِ غَيْرَ رَمَضَانَ» وَلِأَنَّ حَقَّ الزَّوْجِ فَرْضٌ فَلَا يَجُوزُ تَرْكُهُ بِنَفْلٍ فَلَوْ صَامَتْ بِغَيْرِ إذْنِهِ صَحَّ وَإِنْ كَانَ صَوْمُهَا حَرَامًا كَالصَّلَاةِ فِي دَارٍ مَغْصُوبَةٍ قَالَ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ فَإِنْ قِيلَ يَنْبَغِي جَوَازُهُ فَإِنْ أَرَادَ التَّمَتُّعَ تَمَتَّعَ وَفَسَدَ الصَّوْمُ فَالْجَوَابُ أَنَّ صَوْمَهَا يَمْنَعُهُ التَّمَتُّعَ عَادَةً لِأَنَّهُ يَهَابُ انْتِهَاكَ حُرْمَةِ الصَّوْمِ بِالْإِفْسَادِ انْتَهَى وَهَلْ يُلْحَقُ بِهِ فِي ذَلِكَ صَلَاةُ التَّطَوُّعِ فِيهِ نَظَرٌ وَالْأَوْجَهُ لَا لِقِصَرِ زَمَنِهَا وَسَيَأْتِي فِي النَّفَقَاتِ أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ عَلَيْهَا صَوْمُ عَرَفَةَ وَعَاشُورَاءَ أَمَّا صَوْمُهَا فِي غِيبَةِ زَوْجِهَا عَنْ بَلَدِهَا فَجَائِزٌ بِلَا خِلَافٍ لِمَفْهُومِ الْخَبَرِ وَلِزَوَالِ مَعْنَى النَّهْيِ وَظَاهِرٌ أَنَّهَا إذَا عَلِمَتْ رِضَاهُ جَازَ صَوْمُهَا وَإِنْ كَانَ حَاضِرًا وَالْأَمَةُ الْمُبَاحَةُ لِسَيِّدِهَا كَالزَّوْجَةِ وَغَيْرُ الْمُبَاحَةِ كَأُخْتِهِ وَالْعَبْدَانِ تَضَرَّرَا بِصَوْمِ التَّطَوُّعِ لِضَعْفٍ أَوْ غَيْرِهِ لَمْ يَجُزْ بِغَيْرِ إذْنِ السَّيِّدِ وَإِلَّا جَازَ ذَكَرَهُ فِي الْمَجْمُوعِ وَغَيْرِهِ.

(كِتَابُ الِاعْتِكَافِ)
هُوَ لُغَةً اللُّبْثُ وَالْحَبْسُ وَالْمُلَازَمَةُ عَلَى الشَّيْءِ خَيْرًا كَانَ أَوْ شَرًّا قَالَ تَعَالَى {وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} [البقرة: 187] وَقَالَ {فَأَتَوْا عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ} [الأعراف: 138] وَقَالَ {مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ} [الأنبياء: 52] يُقَالُ اعْتَكَفَ وَعَكَفَ يَعْكُفُ وَيَعْكِفُ بِضَمِّ الْكَافِ وَكَسْرِهَا يُحْسَبُ وَعُكُوفًا وَعَكَفْتُهُ يَغْتَارُ بِكَسْرِ الْكَافِ يُحْسَبُ لَا غَيْرُ يُسْتَعْمَلُ لَازِمًا وَمُتَعَدِّيًا كَرَجَعَ وَرَجَعَتْهُ وَنَقَصَ وَنَقَصَتْهُ وَشَرْعًا اللُّبْثُ فِي الْمَسْجِدِ مِنْ شَخْصٍ مَخْصُوصٍ بِنِيَّتِهِ وَالْأَصْلُ فِيهِ قَبْلَ الْإِجْمَاعِ الْآيَةُ الْأُولَى وَالْأَخْبَارُ كَخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ «- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اعْتَكَفَ الْعَشْرَ الْأَوْسَطَ مِنْ رَمَضَانَ ثُمَّ اعْتَكَفَ الْعَشْرَ الْأَوَاخِرَ وَلَازَمَهُ حَتَّى تَوَفَّاهُ اللَّهُ ثُمَّ اعْتَكَفَ أَزْوَاجُهُ مِنْ بَعْدِهِ» وَخَبَرُ الْبُخَارِيِّ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اعْتَكَفَ عَشْرًا مِنْ شَوَّالٍ» وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ «اعْتَكَفَ فِي الْعَشْرِ الْأُوَلِ مِنْ شَوَّالٍ» قَالَ جَمَاعَةٌ وَهُوَ مِنْ الشَّرَائِعِ الْقَدِيمَةِ قَالَ تَعَالَى {وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ} [البقرة: 125]

(وَهُوَ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ وَيُسْتَحَبُّ فِي كُلِّ الْأَوْقَاتِ) لِإِطْلَاقِ الْأَدِلَّةِ

[أَرْكَان الِاعْتِكَاف]
(وَأَرْكَانُهُ أَرْبَعَةٌ الْأَوَّلُ الْمُكْثُ وَأَقَلُّهُ أَكْثَرُ مِنْ الطُّمَأْنِينَةِ) فِي الصَّلَاةِ (بِسُكُونٍ أَوْ تَرَدُّدٍ) لِإِشْعَارِ لَفْظِهِ بِهِ فَلَا يُجْزِئُ أَقَلَّ مَا يُجْزِئَ فِي طُمَأْنِينَةِ الصَّلَاةِ (وَلَا يُجْزِئُ الْعُبُورُ) لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا لَا يُسَمَّى اعْتِكَافًا (فَإِنْ نَذَرَ اعْتِكَافًا) مُطْلَقًا (أَجْزَأَهُ لَحْظَةً) لِحُصُولِ اسْمُهُ بِهَا (لَكِنَّ الْمُسْتَحَبَّ يَوْمٌ) لِلْخُرُوجِ مِنْ خِلَافِ مَنْ أَوْجَبَهُ وَلِأَنَّهُ لَمْ يَنْتَقِلْ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابِهِ اعْتِكَافٌ دُونَ يَوْمٍ وَنَصَّ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ عَلَى اسْتِحْبَابِ ضَمِّ اللَّيْلَةِ إلَى الْيَوْمِ وَنَقَلَهُ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ فِي الْإِمْلَاءِ وَذَكَرَ مِثْلَهُ فِي الْبَحْرِ وَكَذَا الْقَاضِي إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَنْقُلْهُ عَنْ النَّصِّ (وَيُسْتَحَبُّ كُلَّمَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ أَنْ يَنْوِيَ الِاعْتِكَافَ) لِيَنَالَ فَضِيلَتَهُ وَالتَّصْرِيحُ بِالِاسْتِحْبَابِ مِنْ زِيَادَتِهِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرملي الكبير]
قَوْلُهُ وَأَفْضَلُهَا الْمُحَرَّمُ) وَقَعَ فِي الرَّوْضَةِ نَقْلًا عَنْ الْبَحْرِ أَنَّ أَفْضَلَ الْحُرُمِ رَجَبٌ وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ الَّذِي فِي الْبَحْرِ أَنَّهُ أَفْضَلُهَا بَعْدَ الْمُحَرَّمِ (قَوْلُهُ ثُمَّ بَاقِيهَا) قَالَ شَيْخُنَا وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ يُقَدَّمُ الْمُحَرَّمُ ثُمَّ رَجَبٌ وَيُتَّجَهُ أَنْ يُقَالَ ثُمَّ الْحَجَّةُ ثُمَّ الْقَعْدَةُ وَبَعْدَ ذَلِكَ شَعْبَانُ كَاتِبُهُ (قَوْلُهُ وَالظَّاهِرُ تَقْدِيمُ رَجَبٍ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ

(قَوْلُهُ وَالْأَوْجَهُ لَا لِقِصَرِ زَمَنِهَا) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ وَظَاهِرٌ أَنَّهَا إذَا عَلِمْت إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ.

عن الكاتب

Tanya Ustadz

التعليقات


جميع الحقوق محفوظة

الكتب الإسلامية